تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٢

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٢

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧٩٧

لَنا مِنْ شُفَعاءَ) من الملائكة والنبيين وغيرها (فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ) إلى الدنيا (فَنَعْمَلَ) من الخير (غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) من الشر يعنى الشرك والتكذيب يقول الله : (قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) يقول قد غبنوا أنفسهم فساروا إلى النار (وَضَلَّ عَنْهُمْ) فى الآخرة (ما كانُوا يَفْتَرُونَ) ـ ٥٣ ـ فى الدنيا من التكذيب (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) قبل ذلك (١)».

[١٣١ أ(٢)](يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ) يقول يغشى ظلمة الليل ضوء النهار (يَطْلُبُهُ حَثِيثاً) يعنى سريعا (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ) لبنى آدم (أَلا لَهُ الْخَلْقُ) يعنى كل شيء خلق (وَالْأَمْرُ) يعنى قضاءه فى الخلق الذي فى اللوح المحفوظ فله المشيئة فى الخلق والأمر (تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) ـ ٥٤ ـ فيخبر بعظمته وقدرته ثم بين كيف يدعونه؟ فقال : (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً) يعنى مستكينين (وَخُفْيَةً) يعنى فى خفض وسكون كقوله : (وَلا تُخافِتْ بِها) (٣) يعنى تسر بها فادعوه فى حاجتكم ولا تدعوه فيما لا يحل لكم على مؤمن أو مؤمنة : تقول اللهم اخزه والعنه اللهم أهلكه أو افعل به كذا وكذا فذلك عدوان (إِنَّهُ) الله (٤) (لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) ـ ٥٥ ـ

__________________

(١) هذه نهاية الورقة التي نقلتها من ل ، (نسخة كوبريلى) لأنها ساقطة من أ : (نسخة أحمد الثالث)

(٢) ليست هذه أول الورقة تماما إلا أن هذه الورقة ساقط منها أربعة أسطر من أولها ، وهي السطور المكملة للورقة الساقطة.

(٣) سورة الإسراء : ١١٠.

(٤) فى أ : والله ، وفى حاشية أ : إنه.

٤١

(وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها) وذلك أن الله إذا بعث نبيا إلى الناس فأطاعوه صلحت الأرض وصلح أهلها وأن المعاصي فساد المعيشة وهلاك أهلها يقول لا تعملوا فى الأرض بالمعاصي بعد الطاعة (وَادْعُوهُ خَوْفاً) من عذابه (وَطَمَعاً) فى رحمته فمن فعل ذلك وهو محسن فذلك قوله : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) ـ ٥٦ ـ يعنى بالرحمة المطر ، يقول الرحمة لهم (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً) (١) (بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) يقول الرياح نشرا للسحاب كقوله : (يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً) (٢) يسير السحاب قدام الرياح (حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ) يعنى إذا حملت الريح (سَحاباً ثِقالاً) من الماء (سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ) ليس فيه نبات (فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ) بالماء من الأرض (مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ) يعنى هكذا (نُخْرِجُ) يخرج الله (الْمَوْتى) من الأرض بالماء كما أخرج النبات من الأرض بالماء (لَعَلَّكُمْ) يعنى لكي (تَذَكَّرُونَ) ـ ٥٧ ـ فتعتبروا فى البعث أنه كائن ـ نظيرها فى الروم (٣) والملائكة (٤) ـ.

__________________

(١) فى أ : نشرا. وقراءة حفص وعاصم بشرا وهو تخفيف بشر جمع بشير وقد قرئ به. وبشرا بفتح الباء مصدر بشره بمعنى باشرات والبشارة وبشرى.

أما نشرا فهو جمع نشور بمعنى ناشر وقرأ ابن عامر نشرا بالتخفيف حيث وقع وحمزة والكسائي نشرا بفتح النون حيث وقع على أنه مصدر فى موضع الحال بمعنى ناشرات أو مفعول مطلق فإن الإرسال والنشر متقاربان (انظر البيضاوي).

(٢) سورة الروم : ٤٨.

(٣) يشير إلى الآية ٢٤ من سورة الروم وهي : (وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).

(٤) الآية ٩ من سورة فاطر وهي : (وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ).

٤٢

ثم ضرب مثلا للمؤمنين والكفار فقال : (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ) يعنى الأرض العذبة إذا مطرت (يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ) فينتفع به كما ينفع المطر البلد الطيب فينبت ، ثم ذكر مثل الكافر فقال : (وَالَّذِي خَبُثَ) من البلد يعنى من الأرض السبخة أصابها المطر فلم ينبت (لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً) يعنى إلا عسرا رقيقا يبس مكانه فلم ينتفع به ـ فهكذا الكافر يسمع الإيمان ولا ينطق به ولا ينفعه [١٣١ ب].

كما لا (١) ينفع هذا النبات الذي يخرج رقيقا فييبس مكانه (كَذلِكَ) يعنى هكذا (نُصَرِّفُ الْآياتِ) فى أمور شتى لما ذكره فى هاتين الآيتين (لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ) ـ ٥٨ ـ يعنى يوحدون ربهم (لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ) يعنى وحدوا الله (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) يقول ليس لكم رب غيره فإن لم تعبدوه (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ) فى الدنيا (عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) ـ ٥٩ ـ لشدته (قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ) وهم القادة والكبراء لنوح (إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ـ ٦٠ ـ (قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) ـ ٦١ ـ إليكم (أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي) فى نزول العذاب بكم فى الدنيا (وَأَنْصَحُ لَكُمْ) فيها وأحذركم من عذابه فى الدنيا (وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ) فى نزول العذاب بكم (ما لا تَعْلَمُونَ) ـ ٦٢ ـ أنتم وذلك أن قوم نوح لم يسمعوا بقوم قط عذبوا وقد سمعت الأمم بعدهم بنزول العذاب على قوم نوح.

ألا ترى أن هودا قال لقومه : (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ) (٢)

__________________

(١) فى ل : لم.

(٢) سورة الأعراف : ٦٩.

٤٣

وقال صالح لقومه : (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ) هلاك (عادٍ) (١) ، وحذر شعيب قومه فقال : (أَنْ يُصِيبَكُمْ) من العذاب (مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ) (٢). فمن ثم قال نوح لقومه : (أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) فقال بعضهم لبعض الكبراء للضعفاء : ما هذا إلا بشر مثلكم أفتتبعونه (٣)؟ فرد عليهم نوح (أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ) يعنى بيان من ربكم (عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ) يعنى نفسه (لِيُنْذِرَكُمْ) العذاب فى الدنيا (وَلِتَتَّقُوا) الشرك وتوحدوا ربكم (وَلَعَلَّكُمْ) يعنى ولكي (تُرْحَمُونَ) ـ ٦٣ ـ فلا تعذبوا (٤) (فَكَذَّبُوهُ) فى العذاب أنه ليس بنازل بنا يقول الله : (فَأَنْجَيْناهُ) يعنى نوحا (وَالَّذِينَ مَعَهُ) من المؤمنين (فِي الْفُلْكِ) يعنى السفينة من الغرق برحمة منا (وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) يعنى نزول العذاب (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ) ـ ٦٤ ـ عموا عن نزول العذاب بهم وهو الغرق (وَ) أرسلنا (إِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً) ليس بأخيهم فى الدين ولكن أخوهم فى النسب (قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ) يعنى وحدوا الله (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) يقول ما لكم رب غيره (أَفَلا تَتَّقُونَ) ـ ٦٥ ـ يعنى الشرك أفلا توحدون ربكم (قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ) وهم الكبراء لهود

__________________

(١) سورة الأعراف : ٧٤.

(٢) الآية ٨٩ من سورة هود وهي (وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ).

(٣) فى أ : فنتبعونه.

(٤) فى أ : أفلا تعذبوا.

٤٤

والقادة : (إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ) يعنى فى حمق (وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ) يعنى لنحسبك (مِنَ الْكاذِبِينَ) ـ ٦٦ ـ فيما تقول فى نزول العذاب بنا (قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ) يعنى حمق (وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) ـ ٦٧ ـ إليكم (أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي) فى نزول العذاب بكم فى الدنيا (وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ) فيما أحذركم من عذابه (أَمِينٌ) ـ ٦٨ ـ فيما بيني وبينكم ، فقال الكبراء : للضعفاء ما هذا إلا بشر مثلكم أفتتبعونه (١)؟ فرد عليهم هود (أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ) [١٣٢ أ] يعنى بيان من ربكم (عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ) يعنى نفسه (لِيُنْذِرَكُمْ) العذاب فى الدنيا (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ) فى الأرض (٢) (مِنْ بَعْدِ) هلاك (قَوْمِ نُوحٍ وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً) على غيركم : كان طول كل رجل منهم (٣) اثنى عشر ذراعا ونصفا (فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ) يعنى نعم الله فوحدوه (لَعَلَّكُمْ) يعنى لكي (تُفْلِحُونَ) ـ ٦٩ ـ ولا تعبدوا غيره (قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ) عبادة (ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا) من العذاب (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) ـ ٧٠ ـ إن العذاب نازل بنا (قالَ) هود : (قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ) يعنى إثم وعذاب (أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ) إنها آلهة (ما نَزَّلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ) يعنى من كتاب لكم فيه حجة بأن معه شريكا (فَانْتَظِرُوا) العذاب (إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) ـ ٧١ ـ بكم العذاب (فَأَنْجَيْناهُ) يعنى هودا (وَالَّذِينَ مَعَهُ) من المؤمنين (بِرَحْمَةٍ مِنَّا)

__________________

(١) فى أ : فتتبعونه.

(٢) فى أ : الأرض ، ل : فى الأرض.

(٣) فى أ : منكم ، ل : منهم.

٤٥

يعنى بنعمة منا من العذاب (وَقَطَعْنا دابِرَ) يعنى أصل القوم (الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) يعنى بنزول العذاب (وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ) ـ ٧٢ ـ يعنى مصدقين بالعذاب أنه نازل بهم وهي الريح.

ثم ذكر الله ثمود قوم صالح فقال : (وَ) أرسلنا (إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً) ليس بأخيهم فى الدين ولكن أخوهم فى النسب (قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ) يعنى وحدوا الله (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) يقول ليس لكم رب غيره (قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) يعنى بالبينة الناقة فقال : (هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً) لتعتبروا فتوحدوا ربكم وكانت (١) من غير نسل وكان الفصيل من نسل (فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ) يقول خلوا عنها فلتأكل حيث شاءت ولا تكلفكم مؤونة (وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ) لا تصيبوها بعقر (فَيَأْخُذَكُمْ) يعنى فيصيبكم (عَذابٌ أَلِيمٌ) ـ ٧٣ ـ يعنى وجيع فى الدنيا (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ) هلاك (عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً) يعنى تبنون فى (٢) الجبال من الحجارة بيوتا (فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ) يعنى نعم الله فى القصور والبيوت فتوحدوه (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) ـ ٧٤ ـ يعنى ولا تسعوا فيها بالمعاصي (قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) يعنى الذين تكبروا عن الإيمان وهم الكبراء (مِنْ قَوْمِهِ) أى من قوم صالح (٣) (لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ) يعنى لمن صدق منهم بالتوحيد (أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ)

__________________

(١) وكانت : ساقطة من ل. ومثبتة فى أ.

(٢) فى : ساقطة من أومثبته فى ل.

(٣) فى أ : (مِنْ قَوْمِهِ) صالح ، ل : (من قوم) صالح.

٤٦

ـ ٧٥ ـ (قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ) يعنى صدقتم به من العذاب والتوحيد (كافِرُونَ) ـ ٧٦ ـ (فَعَقَرُوا النَّاقَةَ) ليلة الأربعاء (وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ) يعنى التوحيد (وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا) من العذاب (إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) ـ ٧٧ ـ الصادقين بأن العذاب نازل بنا (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) يعنى فأصابهم العذاب بكرة يوم السبت من صيحة جبريل [١٣٢ ب] ـ عليه‌السلام ـ (فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ) ـ ٧٨ ـ يعنى فى منازلهم خامدين أمواتا (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ) يعنى فأعرض عنهم حين كذبوا بالعذاب (وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي) فى نزول العذاب بكم فى الدنيا (وَنَصَحْتُ لَكُمْ) فيما حذرتكم من عذابه (وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ) ـ ٧٩ ـ يعنى نفسه.

(وَ) أرسلنا (لُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ) (١) (أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ) يعنى المعصية يعنى إتيان الرجال وأنتم تبصرون أنها فاحشة (ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ) ـ ٨٠ ـ فيما مضى قبلكم (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) ـ ٨١ ـ يعنى الذنب العظيم (٢) (وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ) أى قوم لوط (٣) حين نهاهم عن الفاحشة (إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ) آل لوط (مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ) ـ ٨٢ ـ يعنى لوطا وحده يعنى يتنزهون عن إتيان الرجال (فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ) من العذاب

__________________

(١) فى أ : (و) أرسلنا (لوطا) إلى (قومه) فقال لقومه. وفى حاشية أ : (إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ).

(٢) هكذا فى أ ، ل : والمراد أن الإسراف هو الذنب العظيم أى مسرفون فى اقتراف الذنب العظيم وهو اللوط.

(٣) فى أ : (فما كان جواب قوم) لوط.

٤٧

(إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ) ـ ٨٣ ـ يعنى من الباقين فى العذاب (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ) الحجارة من فوقهم (مَطَراً)(فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ) (١) يعنى فبئس مطر الذين أنذروا العذاب (فَانْظُرْ) يا محمد (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) ـ ٨٤ ـ يعنى قوم لوط كان عاقبتهم الخسف والحصب بالحجارة (وَ) أرسلنا (إِلى مَدْيَنَ) ابن إبراهيم لصلبه. وأرسلنا إلى مدين (أَخاهُمْ شُعَيْباً) ليس بأخيهم فى الدين ولكن أخوهم فى النسب (قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ) يعنى وحدوا الله (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) ليس لكم رب غيره (قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) يعنى بيان من ربكم (فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ) يعنى لا تنقصوا الناس حقوقهم فى نقصان الكيل والميزان (وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها) بعد الطاعة فى نقصان الكيل والميزان (٢) فإن المعاصي فساد المعيشة وهلاك أهلها (ذلِكُمْ) يقول وفاء الكيل والميزان خير لكم من النقصان (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) ـ ٨٥ ـ يقول إن كنتم آمنتم كان فى الآخرة خير لكم من نقصان الكيل والميزان فى الدنيا ـ نظيرها فى هود ـ (٣).

(وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ) يعنى ولا ترصدوا بكل طريق توعدون أهل الإيمان بالقتل (وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) يعنى عن دين الإسلام (مَنْ آمَنَ بِهِ) يعنى من صدق بالله وحده لا شريك له (وَتَبْغُونَها عِوَجاً) يعنى تريدون بملة الإسلام زيفا (وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً) (٤) عددكم بعد عذاب

__________________

(١) سورة الشعراء : ١٧٣. وسورة النمل : ٥٨.

(٢) أى بعد أن أطعتم فلم تنقصوا المكيال والميزان.

(٣) يشير إلى الآية ٨٥ من سورة هود وهي : (وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ).

(٤) يشير إلى الآية : ٨٩ من سورة هود.

٤٨

الأمم الخالية ، ثم ذكرهم النعم فقال : (فَكَثَّرَكُمْ) يعنى فكثر عددكم ثم وعظهم وخوفهم بمثل عذاب الأمم الخالية فقال : (وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) ـ ٨٦ ـ فى الأرض بالمعاصي بعد عذاب قوم نوح ، وعاد ، وثمود ، وقوم لوط ، [١٣٣ أ] فى الدنيا ، نظيرها فى هود (١) ، (وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ) من العذاب (وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا) يعنى لم يصدقوا بالعذاب (فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ) حتى يقضى الله (بَيْنَنا) فى أمر العذاب (وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ) ـ ٨٧ ـ يعنى وهو خير الفاصلين فكان قضاؤه نزول العذاب بهم (قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ) يعنى الذين تكبروا عن الإيمان وهم الكبراء (لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) يعنون الشرك : أو لتدخلن فى ملتنا (قالَ أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ) ـ ٨٨ ـ ثم قال لهم شعيب : (قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ) الشرك يعنى إن دخلنا فى دينكم (بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْها) يقول بعد إذ لم يجعلنا الله من أهل ملتكم الشرك (وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها) وما ينبغي لنا أن ندخل فى ملتكم الشرك (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّنا) فيدخلنا فى ملتكم (وَسِعَ) يعنى ملأ (رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً) فعلمه (عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا) لقولهم لشعيب : (لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا) ثم قال شعيب : (رَبَّنَا افْتَحْ) يعنى اقض (بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِ) يعنى بالعدل فى نزول العذاب بهم (وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ) ـ ٨٩ ـ يعنى القاضين.

__________________

(١) يشير إلى الآية ٨٩ من سورة هود : (وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ).

٤٩

(وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالله (مِنْ قَوْمِهِ) وهم الكبراء للضعفاء (لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً) على دينه (إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ) ـ ٩٠ ـ يعنى لعجزة ، نظيرها فى يوسف (لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ) (١) يعنى لعجزة ظالمون (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) يعنى العذاب (فَأَصْبَحُوا) من صيحة جبريل ـ عليه‌السلام (فِي دارِهِمْ) يعنى قريتهم (جاثِمِينَ) ـ ٩١ ـ يعنى أمواتا خامدين (الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا) يعنى كأن لم يكونوا فيها قط (الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ) ـ ٩٢ ـ (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ) يعنى فأعرض عنهم حين كذبوا بالعذاب ، نظيرها فى هود (٢) ، (وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي) فى نزول العذاب بكم فى الدنيا (وَنَصَحْتُ لَكُمْ) فيما حذرتكم من عذابه (فَكَيْفَ آسى) يقول فكيف أحزن بعد الصيحة (عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ) ـ ٩٣ ـ إذا عذبوا (وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍ) فكذبوه (إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ) يعنى قحط المطر فأصابهم البؤس وهو الشدة والضر يعنى البلاء (لَعَلَّهُمْ) يعنى لكي (يَضَّرَّعُونَ) ـ ٩٤ ـ إلى ربهم فيوحدونه فيرحمهم (ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ) يقول حولنا مكان (٣) الشدة الرخاء (حَتَّى عَفَوْا) يقول حموا (٤) وسمتوا فلم يشكروا ربهم فقالوا من غيرتهم وجهلهم (وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا) يعنى

__________________

(١) سورة يوسف : ١٤.

(٢) يشير إلى الآيتين ٩٤ ، ٩٥ من سورة هود وهما : (وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ ، كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ).

(٣) فى أ : من.

(٤) فى أ ، ل ، م : حموا ، وفى البيضاوي : (حَتَّى عَفَوْا) حتى كثروا عددا وعددا يقال عفا النبات إذا كثر ومنه أعفاء اللحية.

٥٠

أصاب آباءنا (الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ) يعنى الشدة والرخاء مثل ما أصابنا فلم يك شيئا يقول : (فَأَخَذْناهُمْ) بالعذاب (بَغْتَةً) [١٣٣ ب] فجأة (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) ـ ٩٥ ـ أعز ما كانوا حتى (١) نزل بهم وقد أنذرتهم رسلهم العذاب من قبل أن ينزل بهم فذلك قوله : (ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ) بالشرك (وَأَهْلُها غافِلُونَ) (٢) ثم أخبر عنهم فقال : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى) التي عذبت (آمَنُوا) بتوحيد الله (وَاتَّقَوْا) الشرك ما قحط عليهم المطر و (لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ) يعنى المطر (وَالْأَرْضِ) يعنى النبات (وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ) بالعذاب (بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) ـ ٩٦ ـ من الشرك والتكذيب (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً) يعنى عذابنا ليلا (٣) (وَهُمْ نائِمُونَ) ـ ٩٧ ـ (أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى) يعنى عذابنا نهارا (وَهُمْ يَلْعَبُونَ) ـ ٩٨ ـ يعنى لاهون عنه ، نظيرها فى طه (وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى) (٤) يعنى نهارا (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ) يعنى عذاب الله (إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ) ـ ٩٩ ـ (أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ) يعنى ورثوا الأرض (مِنْ بَعْدِ) هلاك (أَهْلِها أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ) بعذاب (بِذُنُوبِهِمْ) يخوف كفار مكة (وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ) بالكفر (فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) ـ ١٠٠ ـ بالإيمان. ثم رجع إلى القرى الخالية التي عذبت ، فقال : (تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها) يعنى حديثها

__________________

(١) فى أ ، ل : حتى. ولعل أصلها حين.

(٢) سورة الأنعام : ١٣١.

(٣) فى أ : يعنى عذاب البلاء ، ل : يعنى عذابنا ليلا.

(٤) سورة طه الآية ٥٩ وهي : (قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى).

٥١

(وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) يعنى بيان العذاب فإنه نازل بهم فى الدنيا وذلك أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أخبر كفار مكة بأن العذاب نازل بهم فكذبوه بالعذاب فأنزل الله : (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ) يقول فما كان كفار مكة ليؤمنوا يعنى ليصدقوا أن العذاب نازل بهم فى الدنيا بما كذبت به أوائلهم من الأمم الخالية من قبل كفار مكة حين أنذرتهم رسلهم العذاب يقول الله : (كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ) يعنى هكذا يختم الله بالكفر (عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ) ـ ١٠١ ـ (وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ) وذلك أن الله أخذ ميثاق ذرية آدم على المعرفة فأقروا بذلك فلما بلغوا العمل نقضوا العهد (وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ) ـ ١٠٢ ـ (ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ) يعنى من بعد الرسل (١) (مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ) يعنى اليد والعصا (فَظَلَمُوا بِها) يعنى فجحدوا بالآيات وقالوا ليست من الله فإنها سحر (فَانْظُرْ) يا محمد (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) ـ ١٠٣ ـ فى الأرض بالمعاصي فكان عاقبتهم الغرق (وَقالَ مُوسى يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) ـ ١٠٤ ـ (حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) فإنه بعثني رسولا (٢) (قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) يعنى اليد والعصا بأنى رسول الله (فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ) ـ ١٠٥ ـ إلى فلسطين (قالَ) فرعون : (إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) ـ ١٠٦ ـ بأنك رسول رب العالمين وفى يد موسى عصا فزعم ابن عباس أن ملكا من الملائكة دفعها (٣) إليه حين توجه إلى مدين فقال

__________________

(١) فى أ : يعنى بعد الرسل ، ل : يعنى من بعد الرسل.

(٢) فى أ : بأنه يعنى رسولا ، ل : فإنه بعثني رسولا.

(٣) فى أ : أنها ملك من الملائكة دفعها إليه ، ل : أن ملكا من الملائكة دفعها إليه.

٥٢

موسى لفرعون : ما هذه بيدي؟ قال فرعون عصا : (فَأَلْقى) موسى (عَصاهُ) من يده (١) (فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ) ـ ١٠٧ ـ يعنى حية بينة فقال فرعون : فهل من آية غيرها. قال : نعم. فأخرج يده ، وقال لفرعون (٢) : ما هذه؟ قال : هذه يدك (٣). فأدخل موسى يده فى جيبه وعليه مدرعة من صوف مضرية ، ثم أخرجها ، فذلك قوله : (وَنَزَعَ يَدَهُ) يعنى أخرج يده من جيبه (فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ) ـ ١٠٨ ـ لها شعاع كشعاع الشمس يغشى البصر من شدة بياضها (قالَ الْمَلَأُ) وهم الكبراء (مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا) يعنى موسى (لَساحِرٌ عَلِيمٌ) ـ ١٠٩ ـ يعنى عالم بالسحر وذلك أن فرعون بدأ بهذه المقالة فصدقه قومه ، نظيرها فى الشعراء (٤) ، ثم قال لهم فرعون : (يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ) وهي مصر (فَما ذا تَأْمُرُونَ) ـ ١١٠ ـ يعنى تشيرون فرد عليه كبراء قومه : (قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ) يقول أرجئ (٥) أمرهم يقول أوقف أمرهم حتى ننظر فى أمرهما (وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ) ـ ١١١ ـ (يَأْتُوكَ) يحشرون عليك (بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ) ـ ١١٢ ـ يعنون عالم بالسحر (وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً) يعنى جعلا (إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ) ـ ١١٣ ـ لموسى (قالَ) فرعون : (نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ)

__________________

(١) فى أ : (فَأَلْقى مُوسى) العصا من يده. وفى حاشية أ : الآية (عَصاهُ).

(٢) فى أ : قال فرعون ، ل : قال لفرعون.

(٣) فى أ : يدي ، ل : يدك.

(٤) يشير إلى الآية ٣٤ من سورة الشعراء وهي (قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ).

(٥) فى أ : أرج.

٥٣

ـ ١١٤ ـ فى المنزلة (١) سوى العظمة ، «كان» هذا (٢) يوم السبت فى المحرم ، والسحرة اثنان وسبعون رجلا (قالُوا يا مُوسى) (٣) فقالت السحرة لموسى : (إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ) ما فى يدك يعنى عصاه (وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ) ـ ١١٥ ـ ما فى أيدينا من الحبال والعصى (قالَ) لهم موسى : (أَلْقُوا) ما أنتم ملقون (فَلَمَّا أَلْقَوْا) الحبال والعصى (سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ) يعنى وخوفوهم (وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ) ـ ١١٦ ـ (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ) فصارت حية (فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ) يعنى تلقم (ما يَأْفِكُونَ) ـ ١١٧ ـ يعنى ما جاءوا به من الكذب (فَوَقَعَ الْحَقُ) يعنى فظهر الحق بأنه ليس بسحر (وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) ـ ١١٨ ـ يعنى بطل ما كانوا يعملون من السحر (فَغُلِبُوا هُنالِكَ) يعنى عند ذلك (وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ) ـ ١١٩ ـ يعنى فرجعوا إلى منازلهم مذلين (وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ) ـ ١٢٠ ـ لله (قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ) ـ ١٢١ ـ قال السحرة : آمنا ب (رَبِّ مُوسى وَهارُونَ) ـ ١٢٢ ـ فبهت فرعون لردهم عليه (٤) و (قالَ فِرْعَوْنُ) للسحرة (آمَنْتُمْ بِهِ) يعنى صدقتم بموسى (قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ) يقول إن هذا الإيمان لقول قلتموه فى المدينة ، يعنى فى أهل مصر فى متابعتكم إياه ، وذلك أن موسى قال للساحر الأكبر واسمه شمعون : أتؤمن لي إن غلبتك؟ قال : لآتين بسحر لا يغلبه سحرك ، ولئن

__________________

(١) فى أ : المنزلة ، ل : فى المنزلة.

(٢) فى أ ، ل : فهذا يوم السبت فى المحرم.

(٣) (قالُوا يا مُوسى) : ساقطة من أ ، ومكتوبة فى حاشيتها.

(٤) فى أ : لربدهم عليه ، ل : لردهم عليه.

٥٤

غلبتني لأؤمن لك وفرعون ينظر. فمن ثم قال فرعون : (لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها) من أرض مصر يعنى موسى ، وهارون ، وشمعون ، رئيس السحرة : (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) ـ ١٢٣ ـ فأوعدهم (لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ) [١٣٤ ب] يعنى اليد اليمنى والرجل اليسرى ، أو الرجل اليمنى واليد اليسرى (ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ) ـ ١٢٤ ـ فرد السحرة على فرعون (قالُوا إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ) ـ ١٢٥ ـ يعنى راجعين (وَما تَنْقِمُ) يعنى وما نقمت (مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا) يعنى صدقنا باليد والعصا آيتان من ربنا (لَمَّا جاءَتْنا) ثم قالوا : (رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا) يعنى ألق علينا (صَبْراً) عند القطع والصلب (وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ) ـ ١٢٦ ـ يعنى مخلصين لله حتى لا يردنا البلاء عن ديننا فصلبهم فرعون من يومه فكانوا أول النهار سحرة كفارا وآخر النهار شهداء مسلمين لما آمنت السحرة لموسى (وَقالَ الْمَلَأُ) يعنى الأشراف (مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ) بنى إسرائيل قد آمنوا بموسى (لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) يعنى مصر يعنى بالفساد : أن يقتل أبناءكم ويستحيى نساءكم ، يعنى ويترك بناتكم كما فعلتم بقومه يفعله بكم ، نظيرها فى حم المؤمن ، (وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ) يعنى ويترك عبادتك (قالَ) فرعون عند ذلك (سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ) يعنى بناتهم (وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ) ـ ١٢٧ ـ ثم أمرهم أن يقتلوا أبناء الذين معه ويستحيوا (١) نساءهم فمنعهم الله من قتل الأبناء حين أغرقهم (٢) فى البحر «وكان فرعون قد (٣)» كلفهم من العمل

__________________

(١) فى أ : واستحيوا.

(٢) فى أ : غرقهم.

(٣) زيادة لتصحيح الكلام.

٥٥

ما لم يطيقوا فمر بهم موسى ـ عليه‌السلام ـ ف (قالَ) (١) لهم : (مُوسى لِقَوْمِهِ) فى التقديم : (اسْتَعِينُوا بِاللهِ) على فرعون وقومه (وَاصْبِرُوا) على البلاء (إِنَّ الْأَرْضَ) أرض مصر (لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ) يعنى الجنة (لِلْمُتَّقِينَ) ـ ١٢٨ ـ يعنى للموحدين. ف (قالُوا أُوذِينا) فى سببك (مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا) بالرسالة يعنون الأذى قتل الأبناء وترك البنات (وَ) أوذينا (مِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا) بالرسالة يعنون حين كلفهم فرعون من العمل ما لم يطيقوا مضارة باتباعهم موسى ـ عليه‌السلام.

قال موسى : (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ) يعنى فرعون وقومه (وَيَسْتَخْلِفَكُمْ) من بعد هلاكهم (فِي الْأَرْضِ) يعنى أرض مصر (فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) ـ ١٢٩ ـ فإنما قال لهم موسى ـ عليه‌السلام ـ ذلك من قول الله ـ تعالى ـ فى القصص : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ ...) إلى آيتين (٢) ففعل الله ذلك بهم فأهلك عدوهم واستخلفهم فى الأرض فاتخذوا العجل (وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ) يعنى أهل مصر (بِالسِّنِينَ) يعنى قحط المطر (وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ) فأصابهم الجوع (لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) ـ ١٣٠ ـ يعنى لعلهم يتذكرون (فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ) يعنى الخير والخصب (قالُوا لَنا هذِهِ)

__________________

(١) فى أ : فسر جزآ من الآية ١٢٩ الأعراف قبل الآية ١٢٨ ففسر (قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا ...) الآية (١٢٩) قبل (قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا ...) الآية ١٢٨.

وقد أصلحت ذلك : حسب ترتيب المصحف الشريف.

(٢) يشير إلى الآيتين ٥ ، ٦ من سورة القصص وهما : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ. وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ).

٥٦

يعنون نحن أحق بهذا (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ) يعنى الجوع والبلاء وقحط المطر ، وهلاك الثمار ، والمواشي ، (يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ) على دينه تسألوا أصابنا هذا الشر من سحر موسى يقول الله : (أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ) يقول إن الذي أصابهم هو من الله (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ) [١٣٥ أ] يعنى أهل مصر (لا يَعْلَمُونَ) ـ ١٣١ ـ أنه من الله الذي أصابهم (١) (وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها) يعنى الآيات التسع (فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) ـ ١٣٢ ـ يعنى بمصدقين يعنى بأنك رسول من رب العالمين. (فَأَرْسَلْنا) فلما قالوا ذلك أرسل الله (عَلَيْهِمُ) السنين ، ونقص من الثمرات ، والنبات و (الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ) يعنى باينات (٢) بعضها من بعض بين كل آيتين ثلاثين يوما (فَاسْتَكْبَرُوا) يعنى فتكبروا عن الإيمان (وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ) ـ ١٣٣ ـ فأما الطوفان فهو الماء طغى فوق حروثهم وزروعهم مطردا ثمانية أيام فى ظلمة شديدة لا يرون فيها شمسا ولا قمرا ولا يخرج منهم أحد إلى صنعته فخافوا الغرق فصرخوا إلى فرعون فأرسل إلى موسى فقال : يا أيها الساحر ، ادع لنا ربك أن يكشف عنا هذا المطر فإن يكشفه لنؤمنن لك ولنرسلن معك بنى إسرائيل. فقال : لا أفعل ما زعمتم أنى ساحر. فقالوا : يا موسى ، ادع لنا ربك. فدعا ربه فكشف عنهم المطر ، فنبت من الزرع والعشب ما لم ير مثله قط. فقالوا : لقد جزعنا من أمر كان خيرا لنا. فنكثوا العهد فأرسل الله عليهم الجراد ثمانية أيام ، وملئت الأرض حتى كانوا لا يرون الأرض من كثرته ، قدر ذراع فأكل

__________________

(١) الأنسب : أن الذي أصابهم من الله.

(٢) باينات : من البين وهو البعد أى كل آية بعيدة عن الثانية ، بمقدار ثلاثين يوما.

٥٧

النبات حتى خافوا ألا يبقى لهم شيء. فقال فرعون : يا موسى ، ادع لنا ربك أن يكشف عنا ، فنؤمن لك. فدعا موسى ربه ، فبعث الله ريحا فاحتملت الجراد فألقته فى البحر. قالوا : قد بقي لنا ما نتبلغ به حتى يدركنا الغيث فنكثوا فأرسل الله عليهم القمل ، وهو الدبى ، فغشى كل شيء منهم ، فلم يبق عودا اخضر من الزرع والنبات إلا أكله. قال فرعون لموسى : ادع لنا ربك أن يكشفه عنا ، ونؤمن لك. فدعا ربه فأمات القمل وبقي لهم ما يتبلغون. فنكثوا ، قالوا : يا موسى ، هل يستطيع ربك أن يفعل بنا أشد من هذا؟ فأرسل الله عليهم الضفادع فدبت فى بيوتهم وعلى ظهورهم فكان يستيقظ الرجل من نومه وعليه منهم كثرة. فقال فرعون لموسى : ادع لنا ربك فيهلكه ، فإنه لم يعذب أحد قط بالضفادع. فدعا موسى ربه فأمات الضفادع ، فأرسل الله مطرا جوادا فجرى بهم الماء حتى قذفهم فى البحر. فقالوا : إنما كان هذا الضفادع من المطر الذي كان أصابنا فلن يعود إلينا أبدا ، فنكثوا فأرسل الله عليهم الدم حتى صارت أنهارهم وركاباهم دما ، وأنهار بنى إسرائيل ماء عذبا ، فإذا دخل القبطي ليستقى من ماء بنى إسرائيل صار دما ما بين يديه وما خلفه صاف ، إذا تحول ليأخذ من الصافي صار دما وخلفه صاف ، فمكثوا ثلاثة أيام لا يذوقون ماء صافيا ، فقالوا لفرعون : هلكنا ، وهلكت مواشينا [١٣٥ ب] وذرارينا من العطش. فقال لموسى : ادع لنا ربك ليكشف عنا ، ونعطيك ميثاقا لنؤمنن لك ولنرسلن معك بنى إسرائيل ، فدعا موسى ربه فكشفه عنهم ، ولما شربوا الماء نكثوا العهد فذلك قوله : (وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ) يعنى العذاب الذي كان نزل بهم (قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ) يعنى هذا العذاب كله (لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ) ـ ١٣٤ ـ

٥٨

إلى فلسطين ، يقول الله (١) : (فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ) يعنى الغرق (إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ) ـ ١٣٥ ـ العهد الذي عاهدوا عليه موسى ـ عليه‌السلام ـ لقولهم لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بنى إسرائيل إلى فلسطين ، يقول الله : (فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِ) بلسان العبرانية يعنى به البحر وهو نهر بمصر (بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا) يعنى الآيات التسع قالوا : يا أيها الساحر ، أنت الذي تعمل هذه الآيات ، وإنها سحر ، وليست من الله. (وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ) ـ ١٣٦ ـ يعنى معرضين فلم يتفكروا فيها فيعتبرون. قال فرعون لموسى فى حم الزخرف : (يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ) (٢) فقال : لا أدعو وأنتم تزعمون أنى ساحر ، فقال فى الأعراف (يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ) (٣) يعنى سل لنا ربك. ثم قال : (وَأَوْرَثْنَا) الأرض (الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ) يعنى بنى إسرائيل يعنى بالاستضعاف قتل الأبناء واستحياء النساء بأرض مصر ، وورثهم (مَشارِقَ الْأَرْضِ) المقدسة (وَمَغارِبَهَا) وهي الأردن ، وفلسطين (الَّتِي بارَكْنا فِيها) يعنى بالبركة الماء ، والثمار الكثيرة (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى) وهي النعمة (عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا) حين كلفوا بأرض مصر ما لا يطيقون من استعبادهم إياهم يعنى بالكلمة التي فى القصص من قوله : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ ...) إلى آيتين (٤).

__________________

(١) فى أ : بقول الله لموسى ـ عليه‌السلام.

(٢) سورة الزخرف : ٤٩.

(٣) يشير إلى الآية السابقة وهي الآية : ١٣٤ سورة الأعراف.

(٤) يشير إلى الآيتين ٥ ، ٦ من سورة القصص.

٥٩

وأهلك الله عدوهم ومكن لهم فى الأرض فهي الكلمة وهي النعمة التي تمت على بنى إسرائيل.

(وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ) يعنى وأهلكنا عمل فرعون وقومه القبط فى مصر وأهلكنا (ما كانُوا يَعْرِشُونَ) ـ ١٣٧ ـ يعنى يبنون من البيوت والمنازل (وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ) يعنى النيل : نهر مصر (فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ) يعنى فمروا على العمالقة يقيمون (عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ) يعبدونها فقالت بنو إسرائيل : (قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً) نعبده (كَما لَهُمْ آلِهَةٌ) يعبدونها (قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) ـ ١٣٨ ـ (إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ) يعنى مدمر (ما هُمْ فِيهِ وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) ـ ١٣٩ ـ (قالَ) لهم موسى : (أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً) يعنى ربا (وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) ـ ١٤٠ ـ يعنى عالمي أهل مصر حين أنجاكم وأهلكهم (وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) يعنى بنى إسرائيل (يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ) يعنى يعذبونكم أشد العذاب (يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ) [١٣٦ أ] يعنى قتل الأبناء وترك البنات (وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) ـ ١٤١ ـ يعنى بالعظم شدة ما نزل بهم من البلاء (وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً) من ذى القعدة «واعدناه» الجبل (١) (وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ) من ذى الحجة (فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ) يعنى ربه (أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) وكان موسى ومن معه قد قطعوا البحر فى عشر (٢) من المحرم يوم عاشوراء ثم أعطى التوراة يوم النحر بينهما أحد عشر شهرا (وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي)

__________________

(١) أى كان مكان الميعاد الجبل ، وقد زدت كلمة «واعدناه» لتوضيح الكلام.

(٢) فى أ : وعشر ، ل : فى عشر.

٦٠