المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧٩٧
مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (١٧) مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً (١٨) وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً (١٩) كُلاًّ نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً (٢٠) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً (٢١) لا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً (٢٢) وَقَضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً (٢٣) وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً (٢٤) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً (٢٥) وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (٢٦) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً (٢٧) وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها
فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً (٢٨) وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً (٢٩) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (٣٠) وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً (٣١) وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً (٣٢) وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً (٣٣) وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً (٣٤) وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (٣٥) وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً (٣٦) وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً (٣٧) كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً (٣٨) ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً (٣٩) أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ
وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً (٤٠) وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُوراً (٤١) قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً (٤٢) سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً (٤٣) تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (٤٤) وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً (٤٥) وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً (٤٦) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (٤٧) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (٤٨) وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (٤٩) قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً (٥٠) أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً (٥١)
يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً (٥٢) وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً (٥٣) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (٥٤) وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (٥٥) قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً (٥٦) أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً (٥٧) وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً (٥٨) وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً (٥٩) وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْياناً كَبِيراً (٦٠) وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ
اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً (٦١) قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً (٦٢) قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً (٦٣) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاَّ غُرُوراً (٦٤) إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً (٦٥) رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (٦٦) وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً (٦٧) أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً (٦٨) أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً (٦٩) وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً (٧٠) يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ
بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (٧١) وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً (٧٢) وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً (٧٣) وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً (٧٤) إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً (٧٥) وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً (٧٦) سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً (٧٧) أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً (٧٨) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً (٧٩) وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً (٨٠) وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً (٨١) وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَساراً (٨٢) وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ
كانَ يَؤُساً (٨٣) قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً (٨٤) وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (٨٥) وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلاً (٨٦) إِلاَّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً (٨٧) قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (٨٨) وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً (٨٩) وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً (٩٠) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً (٩١) أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً (٩٢) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاَّ بَشَراً رَسُولاً (٩٣) وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلاَّ أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً (٩٤) قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً (٩٥) قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي
وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (٩٦) وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً (٩٧) ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (٩٨) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلاَّ كُفُوراً (٩٩) قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً (١٠٠) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً (١٠١) قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً (١٠٢) فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً (١٠٣) وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً (١٠٤) وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (١٠٥) وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى
النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً (١٠٦) قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً (١٠٧) وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً (١٠٨) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (١٠٩) قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (١١٠) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً (١١١))
سورة الإسراء (١) (٢)
__________________
(١) أهداف السورة ومقاصدها
يمكن أن نجمل مقاصد سورة الإسراء فيما يأتى :
تنزيه الحق ـ تعالى ـ والإسراء بالنبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ إلى المسجد الأقصى ، شكر نوح ـ عليهالسلام ـ ، وفساد حال بنى إسرائيل ، ومكافأة الإحسان والإساءة ، وتقويم القرآن الخلائق ، وتخليق الليل والنهار ، وبيان الحكمة فى سير الشمس والقمر ودورهما ، وقراءة الكتب فى القيامة ، وبيان الحكمة فى إرسال الرسل ، والشكوى من القرون الماضية ، وذكر طلب الدنيا والآخرة ، وتفضيل بعض الخلق على بعض ، وجعل بر الوالدين بعد التوحيد ، والأمر بالإحسان إلى الأقارب ، وترك الإسراف ، وذم البخل والنهى عن قتل الأولاد وعن الزنا ، وعن قتل النفس ظلما ، وعن أكل مال اليتيم ، وعن التكبر ، وكراهية جميع ذلك ، والسؤال عن المقول والمسموع ، والرد على المشركين ، وتسبيح الموجودات وتعبير الكفار بطعنهم فى القرآن ، ودعوة الحق الخلق ، وإجابتهم له ـ تعالى ـ وتفضيل بعض الأنبياء على بعض ، وتقرب المقربين إلى حضرة الحلال ، وإهلاك القرى قبيل القيامة ، وفتنة الناس برؤيا النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ، وإباء إبليس من السجدة لآدم ، وتسليط الله إياه على الخلق ، وتعديد النعم على العباد ، وإكرام بنى آدم ، بيان أن قل أحد يدعى فى القيامة بكتابه ، ودينه ، وإمامه ، وقصد المشركين إلى إضلال الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وإذلاله ، والأمر بإقامة الصلوات الخمس فى أوقاتها ، وأمر الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بقيام الليل ، ووعده بالمقام المحمود ، وتخصيصه بمدخل صدق ، ومخرج صدق ، ونزول القرآن بالشفاء والرحمة ، وبيان أن كل أحد يصدر منه ما يليق به ، والإشارة إلى جواب مسألة الروح ، وعجز الخلق عن الإتيان بمثل القرآن ، واقتراحات المشركين على رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وتفضيل حالهم فى عقوبات الآخرة : وبيان معجزات موسى ، ومناظرة فرعون إياه ، وبيان الحكمة فى تفرقة القرآن ، وتنزيه الحق ـ تعالى ـ عن الشريك والولد فى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً).
(بصائر ذوى التمييز للفيروزآبادي : ٢٨٨)
* * *
(١) فى المصحف «سورة الإسراء» ولكنها فى النسخ «سورة بنى إسرائيل».
سورة بنى إسرائيل مكية كلها إلا هذه الآيات فإنهن مدنيات وهي قوله ـ تعالى :
(وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ ...) (١) الآية.
وقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ ...) إلى قوله «... خشوعا» (٢).
وقوله ـ تعالى ـ : «إن ربك أحاط بالناس ...» الآية.
وقوله ـ تعالى ـ : «وإن كادوا ليفتنونك ...» الآية.
وقوله ـ تعالى ـ : «ولولا أن يبتناك ...» الآيتين.
وقوله ـ تعالى ـ : «وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ ....» (٦) الآية.
عددها مائة وإحدى عشرة آية كوفية.
__________________
(١) الآية ٨٠ من سورة الإسراء.
(٢) الآيات ١٠٧ ، ١٠٨ ، ١٠٩.
(٣) الآية ٦٠.
(٤) الآية ٧٣.
(٥) آية ٧٤ ، ٧٥.
(٦) آية ٧١.
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(سُبْحانَ) يعنى عجب (الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ) فى رجب يعنى النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ (لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) يعنى بيت المقدس (١) قبل الهجرة بسنة وفرضت عليه الصلوات الخمس تلك الليلة وعرضت
__________________
(١) فى أزيادة كالآتى :
حدثنا عبيد الله قال : حدثني أبى ، قال : حدثنا الهذيل ، قال : قال مقاتل : قال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم : (لا تشد الرحال إلا لثلاث : المسجد الحرام ومسجدى هذا والمسجد الأقصى) يعنى مسجد بيت المقدس. قال وإن أول بقعة يبست من الأرض موضع صخرة بيت المقدس وهي أقرب إلى السماء بثمانية عشر ميلا ، وضحرة بيت المقدس موصولة بالصخرة التي ذكر الله ـ عزوجل ـ فى القرآن وقال إن الله ـ عزوجل ـ تكفل لمن سكن بيت المقدس إن فاته المال لم يفته الرزق. ومن مات مقيما محتسبا بيت المقدس فكأنما مات فى السماء ومن مات حول بيت المقدس فكأنما مات فى بيت المقدس. وما نقص من الأرضين زيد فى الأرض التي حول بيت المقدس والمياه العذبة كلها تخرج من تحت صخرة بيت المقدس. وأول أرض بارك الله فيها أرض بيت المقدس وجعل الرب ـ تبارك وتعالى ـ مقامه يوم القيامة فى أرض بيت المقدس (كذا) وجعل صفوته من الأرضين كلها أرض بيت المقدس ، وأرض بيت المقدس الأرض التي ذكرها الله ـ عزوجل ـ فى القرآن ، فقال ـ سبحانه : (إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ) وقال الله ـ عزوجل ـ لموسى بن عمران ـ عليهالسلام ـ «انطلق إلى أرض بيت المقدس فإن فيها ناري ونوري وتنورى» يعنى وفار التنور ، وكلم الله تعالى موسى فى أرض بيت المقدس ، ورأى موسى ـ عليهالسلام ـ نور رب العالمين ـ جل جلاله ـ فى أرض بيت المقدس وتجلى للجبل فى أرض بيت المقدس ـ والصخرة التي فى بيت المقدس هي أوسط الأرضين كلها فإذا قال الرجل للرجل انطلق بنا إلى بيت المقدس ففعلا يقول الله ـ عزوجل ـ طوبى للقائل والمقول له. وتاب الله ـ عزوجل ـ على داود ، وسليمان ـ عليهماالسلام ـ وغفر ذنوبهما ببيت المقدس ، وغفر الله ـ عزوجل ـ خطايا بنى إسرائيل ببيت
تفسير مقاتل ـ ٣٣
__________________
= المقدس وبشر الله ـ عزوجل ـ إبراهيم ، وسارة ، بإسحاق ببيت المقدس ، وفهم الله ـ تبارك وتعالى ـ سليمان الحكم ، والعلم ، وأعطاه ملكا لا ينبغي لأحد من بعده ببيت المقدس ، وسخر الله ـ عزوجل ـ الريح ، والشياطين لسليمان ببيت المقدس ، وتسورت الملائكة على داود ـ عليهالسلام ـ ببيت المقدس وكانت الأنبياء تقرب إلى الله ـ عزوجل ـ القربان ببيت المقدس وتهبط الملائكة كل ليلة إلى بيت المقدس ، وأوتيت مريم ـ عليهاالسلام ـ فاكهة الصيف فى الشتاء وفاكهة الشتاء فى الصيف ببيت المقدس ، وأجرى الله ـ عزوجل ـ لها نهرا من الأردن إلى بيت المقدس وأثبت الله ـ عزوجل ـ لها النخلة ببيت المقدس وكلم عيسى ـ عليهالسلام ـ الناس فى [٢٢١ أ] المهد ببيت المقدس وولد عيسى ـ عليهالسلام ـ فى بيت المقدس ورفع إلى السماء ببيت المقدس وينزل عيسى ـ عليهالسلام ـ من السماء فى أرض بيت المقدس ، ونزلت عليه المائدة فى أرض بيت المقدس ، وتغلب يأجوج ومأجوج على الأرض كلها غير بيت المقدس ، ويهلك الله ـ عزوجل ـ يأجوج ومأجوج ببيت المقدس وينظر الله ـ عزوجل ـ كل يوم بخير إلى بيت المقدس ، وأعطى الله ـ عزوجل ـ البراق سليمان بأرض بيت المقدس.
وأوصى آدم ـ عليهالسلام حين مات بأرض الهند أن يدفن ببيت المقدس ، وأوصى إبراهيم وإسحاق ويعقوب ـ عليهمالسلام ـ حين ماتوا أن يدفنوا ببيت المقدس ، وأوصى يوسف ـ عليهالسلام ـ حين مات بمصر أن يدفن ببيت المقدس ، وهاجر إبراهيم ـ عليهالسلام ـ من كوثى؟؟؟ إلى بيت المقدس وتكون الهجرة فى آخر الزمان إلى بيت المقدس ، ورفع التابوت والسكينة من أرض بيت المقدس وصلى النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ والمسلمون زمانا إلى بيت المقدس ، ورأى النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ مالكا خارن النار ببيت المقدس ، وركب النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ البراق إلى بيت المقدس وأسرى به من مكة إلى بيت المقدس وصلى بالنبيين كلهم حين مثلوا له ببيت المقدس وبأرض بيت المقدس المحشر والمنشر ويأتى الله ـ عزوجل ـ فى ظلل من الغمام مع الملائكة بأرض بيت المقدس وينصب الصراط من أرض بيت المقدس إلى الجنة والنار ، وتوضع الموازين ببيت المقدس ، إلى الجنة والنار ، وتوضع الموازين ببيت المقدس وصفوف الملائكة يوم القيامة ببيت المقدس. وتصير الخلائق ترابا غير الثقلين ببيت المقدس ، والعرض والحساب ببيت المقدس وطوبى لمن أتى بيت المقدس متعمدا ليصلى فيه ركعتين فإن سليمان بن داود ـ عليهالسلام ـ سأل ربه أن يغفر لمن أتى بيت المقدس ليصلى فيه محتسبا ، ويزف البيت الحرام والحجر الأسود إلى بيت
على النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ [٢١١ ب] ثلاثة أنهار : نهر من لبن ، ونهر من عسل ، ونهر من خمر ، فلم يشرب النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ الخمر فقال «جبريل» (جبريل : ساقطة أ ، ل) : أما إن الله حرمها على أمتك (الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ) يعنى
__________________
المقدس ويشهد لمن استلمه (فى أ : استخلصه ، وفيها تشطيب. وفى نسخة حميدية : استخلصه.) مخلصا بالوفاء ويخرج المحرمون (فى أ : المحرمون ، وفى حميدية : المجرمون.) من قبورهم يلبون نحو بيت المقدس ، وينفخ إسرافيل ـ عليهالسلام ـ فى الصور من صخرة بيت المقدس ، وقوله «أيتها العظام البالية ، واللحوم المتمزقة والأشعار الساقطة والجلود المتمزقة والعروق المتقطعة اخرجوا إلى حساب ربكم لينفخ أرواحكم وتجازون بأعمالكم» ويتفرق الناس من بيت المقدس إلى الجنة والنار ، فذلك قوله ـ سبحانه : (يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ) (سورة الروم : ١٣) ، (يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ) (سورة الروم : ٤٣) فريق فى الجنة وفريق فى السعير. أهـ
* * *
أقول ورد هذا الوصف فى نسخة أحمد الثالث (أ) وفى نسخة حميدية وأمانة ، ولم يرد فى نسخة كوبريلى (ل).
وهو فى جملته مأخوذ من الإسرائيليات.
ولا يصح لنا منه سوى حديث أخرجه البخاري. وهو «لا تشد الرحال إلا لثلاث ...» الحديث.
ولهذا آثرت أن ينقل فى الهامش لا فى أصل التفسير.
* * *
(١) جبريل : ساقطة أ ، ل.
(٢) في أ : استخلصه ، وفيها تشطيب ، وفي نسخة حميدية : استخلصه.
(٣) في أ : المحرمون ، وفي حميدية : المجرمون.
(٤) سورة الروم : ١٣.
(٥) سورة الروم : ٤٣.
بالبركة الماء ، والشجر والخير (لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا) فكان مما رأى من الآيات (١) البراق والرجال (٢) والملائكة وصلى بالنبيين تلك (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) ـ ١ ـ وذلك أن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أصبح بمكة ليلة أسرى به من مكة ، فقال لأم هانئ بنة أبى طالب وزوجها هبيرة بن أبى وهب المخزومي. لقد رأيت الليلة عجبا. قالت : وما ذلك؟ بأبى أنت وأمى. قال : لقد صليت فى مصلاي هذا صلاة العشاء ، وصلاة الفجر ، وصليت فيما بينهما فى بيت المقدس. فقالت : وكيف فعلت؟ قال أتانى جبريل ـ عليهالسلام ـ : وقد أخذت مضجعي من الفراش قبل أن أنام وأخذ بيدي وأخرجنى من الباب ، وميكائيل ـ عليهالسلام ـ بالباب ومعه دابة فوق الحمار ودون البغل ووجهها كوجه الإنسان وخدها كخد الفرس وعرفها كعرف الفرس بلقاء سيلاء مضطربة الخلق لها جناحان ذنبها كذنب البقر وحافرها كأظلاف البقر خطوها عند منتهى بصرها كان سليمان بن داود ـ عليهالسلام ـ يغدو عليها مسيرة شهر فحملاني عليها ثم أخذا يزفان (٣) بى حتى أتيت بيت المقدس ، ومثل لي النبيون فصليت بهم ورأيت ورأيت. فلما أراد النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ
__________________
(١) فى ل : فكان مما رأى من الآيات ، وفى أ : فكان أدنى الآيات.
(٢) فى ل : الرجال ، أ : الدجال.
(٣) فى ل : يرفان. وفى أ ، وحميدية : يدقان بى ، وعليها علامة تمريض فى أ.
ولعل الأصل «يزفان بى» أى يسرعان بى ويمسكان بركابى ـ وقد ورد فى الحديث ـ أن جبريل كان فى ركاب النبي ليلة الإسراء. وفى المصباح : ١ / ٢٧٢ [زف الرجل يزف] من باب ضرب : أسرع ، والاسم الزفيف ، [وزفت العروس إلى زوجها زفا] من باب قتل ، والاسم [الزفاف] مثل كتاب وهو إهداؤها إليه.
أن يقوم فيخرج أخذت أم هانئ بحبرته قالت : أين تخرج؟ قال : أخرج إلى قريش ، فأخبرهم بالذي رأيت فقالت : لا تفعل فوالله ليجتران (١) عليك المكذب وليمترين (٢) فيك المصدق. قال : وإن كذبوني لأخرجن ونزع يدها من حبرته فخرج إلى المسجد ، فإذا فيه شيوخ من شيوخ قريش جلوس فى الحجر. فقام عليهم فقال : ألا أحدثكم بالعجب. قالوا : أخبرنا فإن أمرك كله عجب. قال : لقد صليت فى هذا الوادي صلاة العشاء ، وصلاة الفجر ، وصليت فيما بينهما ببيت المقدس ، ومثل لي النبيون فصليت بهم وكلمت بعضهم ، فصدقه المؤمنون ، وكذبه المشركون. فقال المطعم بن عدى بن نوفل بن عبد مناف : ما ثكلتنى يدي (٣) على هذا الكذاب ألا لن أكون ذلك اليوم جزعا (٤) فآخذك بيدي أخذا ، تخبرنا أنك صليت ببيت المقدس ورجعت من ليلتك ونحن لا نبلغه إلا فى أربعين ليلة بعد شق الأنفس ، أشهد أنك كذاب ساحر ، فبينما هم كذلك إذ جاء أبو بكر الصديق ـ رضوان الله عليه ـ فقالت قريش : يا أبا بكر ألا تسمع ما يقول صاحبك ، يزعم أنه صلى العشاء الآخرة والفجر بمكة ، وصلى فيما بينهما ببيت المقدس ، قال أبو بكر الصديق ـ رضى الله عنه ـ : إن كان قال ذلك فقد صدق [٢١٢ أ] (٥) وقال أبو بكر ـ رضى الله عنه ـ للنبي ـ صلى
__________________
(١) فى أ ، ل : ليجترين.
(٢) من ل ، وفى أ : وليجترين.
(٣) فى أ : ما ثكلثنى ، ل : يا ثكلثى. وهي غير واضحة فيهما. وفى المصباح : ١ / ٩١ «ثكلت المرأة ولدها فقدته» فالمعنى ما فقدتني يدي.
(٤) فى أ : جزعا ، ل : جدعا ، والمقصود أل؟؟؟ سأستغل يدي فى إيذاء محمد والتشهير به. وفى المصباح : جزع فهو جزع إذا ضعفت منته عن حمل ما نزل به ولم يجد صبرا.
(٥) فى أ : فقال ، ل : وقال.
الله عليه وسلم ـ : بأبى أنت وأمى حدثني عن باب بيت المقدس ، وعن البيت وعن سواريه وعن الصخرة وعن هذا كله. فأخبره النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فالتزمه أبو بكر (١) فقال : أشهد أنك صادق. فسمى يومئذ الصديق اسمه عتيق ابن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن مرة فقال المسلمون : يا رسول الله ، كيف رأيت الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ؟ قال : رأيت عيسى بن مريم ـ صلىاللهعليهوسلم ـ رجلا (٢) أبيض فوق الربعة ودون الطويل ظاهر الدم عريض الصدر جعد الرأس يعلوه صهوبة (٣) ، أشبه الناس بعروة بن معتب الثقفي.
ورأيت موسى ـ عليهالسلام ـ رجلا طويلا آدم شديد الأدمة ضرب اللحم سبط الشعر أشعر كأنه من رجال أزد شنوءة لو لبس قميصين لرؤى (٤) شعره منهما.
ورأيت إبراهيم ـ عليهالسلام ـ أشبه الناس بى خلقا وخلقا فبدأني بالسلام والمصافحة والترحم.
ورأيت الدجال رجلا جسيما لحيما آدم جعد الرأس كث اللحية ممسوح العين أحلى الجبهة (٥) براق الثنايا مكتوب بين عينيه كافر ، شبيه بفطن (٦) بن عبد العزى.
__________________
(١) من ل ، وفى أ : فالتزمه الصديق أبو بكر ـ صلى الله عليه.
(٢) فى أ : رجل ، وفى ل : رجلا.
(٣) فى أ : صهوبة ، وفى ل صهوبه ، بدون إعجام الباء ، والصهوبة : إحمرار الشعر.
(٤) فى أ : لرأى ، ل : لرؤى.
(٥) هكذا فى أ ، ل.
(٦) فى أ : قطن ، ل قطن بدون إعجام.
ورأيت عمرو بن ربيعة بن يحيى بن قمعة بن خندف الخزاعي ، والحارث ابن كعب بن عمرو وعليهما وفرة يجران قصبهما فى النار يعنى أمعاء هما (١). قيل للنبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : ولم؟ قال : لأنهما أول من سيبا (٢) السائبة ، واتخذا البحيرة والوصيلة والحام ، وأول من سميا اللات والعزى ، وأمرا بعبادتهما ، وغيرا دين الحنيفية ملة إبراهيم ـ عليهالسلام ـ ونصبا الأوثان حول الكعبة ، فأما عمرو بن ربيعة فهو رجل قصير أشبه الناس به هذا يعنى أكثم بن الجون الخزاعي. فقال أكثم : يا رسول الله أيضرنى شبهه؟ قال : لا أنت مؤمن وهو كافر ، فقال رجل من كفار قريش للمطعم بن عدى : عجلت على ابن أخيك ، ثم قال كهيئة المستهزئ : رويدك يا محمد حتى نسألك عن عيرنا : هل رأيتها فى الطريق؟ قال : نعم. قال : فأين رأيتها؟ قال : رأيت عير بنى فلان بالروحاء نزولا قد ضلت لهم ناقة وهم فى طلبها فمررت على رجالهم وليس بها أحد منهم ، فوجدت فى إناء لهم ماء فشربت منه وتوضأت ، فاسألوهم إذا أتوكم ، هل كان ذلك؟ قالوا : هذه آية. قال ومررت على عير بنى فلان ، فى وادي كذا وكذا ، فى ساعة كذا وكذا من الليل ، ومعى جبريل وميكائيل ـ عليهماالسلام ـ فنفرت منا إبلهم فوقعت ناقة حمراء فانكسرت فهم يجبرونها ، فاسألوهم إذا أتوكم. هل كان ذلك؟ قالوا : نعم ، هذه آية. قال رجل منهم [٢١٢ ب] : فأين تركت عيرنا؟ قال : تركتها بالتنعيم قبيل (٣) ، قال : فإن كنت صادقا فهي
__________________
(١) فى أ ، ل : أمعاهما.
(٢) فى ل : سيب.
(٣) فى أ : قبل ، وفى ل : قبيل. [وقيل] خلاف بعد ظرف مبهم لا يفهم معناه إلا بالإضافة لفظا أو تقديرا. المصباح.
قادمة الآن. قال : نعم. قال : فأخبرنا بعدتها وأحمالها وما فيها. قال : كنت عن ذلك مشغولا غير أن برنسا كان لهم على البعير الذي يقدم الركب فسقط البرنس فرجع حبشي من القوم فأصابه فوضعه على آخر الركاب. فاسألوهم ، إذا أتوكم هل كان ذلك فبينا هو ـ صلىاللهعليهوسلم ـ يحدثهم إذ مثل الله ـ عزوجل ـ له كل شيء حتى نظر إلى عدتها وأحمالها ومن فيها ، فقال النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : أين السائل آنفا عن إبله فإن عدتها وأحمالها ومن فيها كذا وكذا ويقدمها جمل أورق وهي قادمة الآن فانطلقوا يسعون فإذا هي منحدرة من عتبة التنعيم ، وإذا (١) هي وأحمالها وعدتها وما فيها كما قال النبي ـ صلىاللهعليهوسلم. فقال المشركون : لقد صدق الوليد بن المغيرة ، إن هذا لساحر مبين. وما يدرى محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وهو بين أظهرنا متى تقدم عيرنا وما حالها وأحمالها ومن فيها فكفوا بعض الأذى سنة ، ثم قال سبحانه : (وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) يقول أعطينا موسى التوراة (وَجَعَلْناهُ هُدىً) يعنى التوراة هدى (لِبَنِي إِسْرائِيلَ) من الضلالة (أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً) ـ ٢ ـ يعنى وليا فيها تقديم يا (ذُرِّيَّةَ) آدم (مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ) فى السفينة ألا تتخذوا من دوني وكيلا يعنى الأهل يعنى وليا ثم أثنى على نوح بن لمك النبي ـ صلىاللهعليهوسلم (٢) ـ فقال سبحانه : (إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً) ـ ٣ ـ فكان من شكره أنه كان يذكر الله ـ عزوجل ـ حين يأكل ، ويشرب ، ويحمد الله ـ تعالى ـ حين يفرغ ، ويذكر الله ـ سبحانه ـ
__________________
(١) فى أ : فإذا.
(٢) هكذا فى أ ، ل. والمراد أن نوحا نبيا ـ صلىاللهعليهوسلم ـ.