تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٢

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٢

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧٩٧

عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ (٤٦) لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلاَّ خَبالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٤٧) لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كارِهُونَ (٤٨) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (٤٩) إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (٥٠) قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلاَّ ما كَتَبَ اللهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (٥١) قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (٥٢) قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ (٥٣) وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسالى وَلا يُنْفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كارِهُونَ (٥٤) فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَتَزْهَقَ

١٤١

أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ (٥٥) وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (٥٦) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (٥٧) وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ (٥٨) وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ سَيُؤْتِينَا اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللهِ راغِبُونَ (٥٩) إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦٠) وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٦١) يَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ (٦٢) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها ذلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (٦٣) يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللهَ

١٤٢

مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ (٦٤) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ (٦٥) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ (٦٦) الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٦٧) وَعَدَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ (٦٨) كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالاً وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٦٩) أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْراهِيمَ وَأَصْحابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٧٠) وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ

١٤٣

وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٧١) وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٧٢) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٧٣) يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا وَما نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٧٤) وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥) فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٧٦) فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ (٧٧) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ وَأَنَّ اللهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (٧٨) الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ

١٤٤

إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٩) اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٨٠) فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ (٨١) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨٢) فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ (٨٣) وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ (٨٤) وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ (٨٥) وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ (٨٦) رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ

١٤٥

وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (٨٧) لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٨٨) أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٨٩) وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٩٠) لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩١) وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ (٩٢) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٩٣) يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ وَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٩٤) سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ

١٤٦

فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٩٥) يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (٩٦) الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٩٧) وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٩٨) وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩٩) وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٠٠) وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ (١٠١) وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٠٢) خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً

١٤٧

تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٠٣) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٠٤) وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٠٥) وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٠٦) وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ الْحُسْنى وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١٠٧) لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (١٠٨) أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠٩) لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١١٠) * إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ

١٤٨

فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١١١) التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (١١٢) ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (١١٣) وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (١١٤) وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١١٥) إِنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (١١٦) لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١١٧) وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ

١٤٩

عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١١٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (١١٩) ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (١٢٠) وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢١) وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (١٢٢) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (١٢٣) وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٤) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً

١٥٠

إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ (١٢٥) أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (١٢٦) وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (١٢٧) لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١٢٨) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (١٢٩))

١٥١
١٥٢

سورة التوبة (١)

[١٥٠ أ] سورة براءة مدنية كلها غير آيتين هما قوله تعالى : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ ...)

__________________

«مقصود السورة إجمالا»

وسم قلوب الكافرين بالبراءة من الله ورسوله ، ورد العهد عليهم وأمان مستمع القرآن ، وقهر أئمة الكفر وقتلهم ، ومنع الأجانب من عمارة المسجد الحرام ، وتخصيصها بأهل الإسلام ، والنهى عن موالاة الكفار ، والإشارة إلى وقعة حرب حنين ومنع المشركين من دخول الكعبة ، والحرم ، وحضور الموسم ، والأمر بقتل كفرة أهل الكتاب ، وضرب الجز عليهم وتقبيح قول اليهود والنصارى فى حق عزيز وعيسى ـ عليهما‌السلام ، وتأكيد رسالة الرسول الصادق المحق وعيب أحبار اليهود فى أكلهم الأموال بالباطل ، وعذاب مانعي الزكاة ، وتخصيص الأشهر الحرم من أشهر السنة ، وتقديم الكفار شهر المحرم ، وتأخيرهم إياه ، والأمر بغزوة تبوك ، وذم المتخلفين عن الغزو ، وخروج النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ مع الصديق ـ رضى الله عنه ـ من مكة إلى الغار بجبل ثور ، واحتراز المنافقين من غزوة تبوك ، وترصدهم وانتظارهم نكبة المسلمين ، ورد نفقاتهم عليهم ، وقسم الصدقات على المستحقين ، واستهزاء المنافقين بالنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، وبالقرآن ، وموافقة المؤمنين بعضهم بعضا ، ونيلهم الرضوان الأكثر بسبب موافقتهم ، وتكذيب الحق للمنافقين فى أيمانهم ، ونهى النبي عن الاستغفار لأحيائهم ، وعن الصلاة على أمواتهم.

وعيب المقصرين على اعتذارهم بالأعذار الباطلة ، وذم الأعراب فى صلابتهم وتمسكهم بالباطل ، ومدح بعضهم بصلابتهم فى دين الحق ، وذكر السابقين من المهاجرين والأنصار ، وذكر المعترفين بتقصيرهم وقبول الصدقات من الفقراء ، وقبول توبة التائبين ، وذكر بناء مسجد ضرار للغرض الفاسد ، وبناء مسجد قباء على الطاعة والتقوى ، ومبايعة الحق ـ تعالى ـ عبيده باشتراء أنفسهم وأموالهم ومعاوضتهم على ذلك بالجنة ، ونهى إبراهيم الخليل من استغفار المشركين ، وقبول توبة المتخلف المخلص عن غزوة تبوك ، وأمر ناس بطلب العلم والفقه فى الدين ، وفضيحة المنافقين ، وفتنتهم فى كل وقت ، ورأفة الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ورحمته لأمته ، وأمر الله نبيه بالتوكل عليه فى جميع أحواله بقوله : (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ).

١٥٣

إلى آخر السورة (١) ، فإنهما مكيتان وهي مائة وسبع (٢) وعشرون آية (٣) كوفية (٤).

لما نزلت براءة بعث النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أبا بكر الصديق على حج الناس وبعث معه ببراءة ، من أول السورة (٥) إلى تسع آيات. فنزل جبريل فقال :

__________________

ومجموع فواصل آيات سورة التوبة هي (ل م ن ر ب) يجمعها (لم نرب) وكل آية منها آخرها راء فما قبل الراء ياء.

* * *

ولهذه السورة عدة أسماء :

الأول : براءة لافتتاحها بها.

الثاني : سورة التوبة لكثرة ذكر التوبة فيها (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا) ، (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ).

الثالث : الفاضحة ، لأن المنافقين افتضحوا عند نزولها.

الرابع : المبعثرة ، لأنها تبعثر أسرار المنافقين ، وهذان رويا عن ابن عباس.

«مقتبس من كتاب بصائر ذوى التمييز فى لطائف الكتاب العزيز ، للفيروزآبادي ، تحقيق الأستاذ محمد على النجار : ٢٢٧ ـ ٢٣٧.

* * *

(١) يشير إلى الآيتين : ١٢٨ ، ١٢٩ من سورة التوبة وتمامها (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ. فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ).

وفى المصحف : سورة التوبة مدنية إلا الآيتين الأخيرتين فمكيتان.

(٢) فى أ : وسبعة.

(٣) فى المصحف : وآياتها ١٢٩ نزلت بعد المائدة.

(٤) فى كتاب بصائر ذوى التمييز فى لطائف الكتاب العزيز للفيروزآبادي تحقيق الأستاذ محمد على النجار : ٢٢٧ : وعدد آياتها مائة وتسع وعشرون عند الكوفيين وثلاثون عند الباقين وليس فى ل : بيان لعدد الآيات.

وأرى أن فى : أتحريف بدل أن يكتب «مائة وتسع وعشرون» كتب : «مائة وسبع وعشرون».

(٥) فى أ : من أول سورة براءة.

١٥٤

يا محمد ، إنه لا يؤدى عنك إلا رجل منك ، ثم اتبعه على بن أبى طالب فأدركه بذي الحليفة على ناقة رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فأخذها منه ، ثم رجع أبو بكر إلى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، فقال له (١) : بأبى أنت ، وأمى هل أنزل الله فى من شيء؟ قال : لا ، ولكن لا يبلغ عنى إلا رجل منى ، أما ترضى يا أبا بكر أنك صاحبي فى الغار وأنك أخى فى الإسلام وأنك ترد على الحوض يوم القيامة. قال : بلى يا رسول الله. فمضى أبو بكر على الناس ومضى على ببراءة من أول السورة إلى تسع آيات فقام على يوم النحر بمنى فقرأها (٢) على الناس.

* * *

__________________

(١) فى أ : فقال للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٢) فى الأصل : فقرأ.

١٥٥

(بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) من العهد غير أربعة أشهر (إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ـ ١ ـ نزلت فى ثلاثة أحياء من العرب منهم خزاعة ومنهم هلال بن عويمر ، وفى مدلج منهم سراقة بن مالك (١) بن خثعم الكناني ، وفى بنى خزيمة بن عامر وهما حيان من كنانة. كان النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عاهدهم (٢) بالحديبية سنتين صالح عليهم المخش بن خويلد ابن عمارة بن المخش ، فجعل الله ـ عزوجل ـ للذين كانوا فى العهد أجلهم أربعة أشهر من يوم النحر إلى عشر من ربيع الآخر فقال : (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ) يقول سيروا فى الأرض (أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) آمنين حيث شئتم ثم خوفهم فقال : (وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَأَنَّ اللهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ) ـ ٢ ـ فلم يعاهد النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بعد هذه الآية أحدا (٣) من الناس ثم ذكر مشركي مكة الذين لا عهد لهم ، فقال : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) يعنى يوم النحر وإنما سمى الحج الأكبر لأن العمرة هي الحج الأصغر ، وقال : (أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) من العهد (فَإِنْ تُبْتُمْ) يا معشر المشركين من الشرك (فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) من الشرك (وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ) يقول إن أبيتم التوبة فلم تتوبوا (فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ)

__________________

(١) فى أ : ملك.

(٢) فى أ : عاهد ، ل : عاهدهم.

(٣) فى أ : أحد.

١٥٦

خوفهم كما خوف أهل العهد : أنكم أيضا غير سابقي الله بأعمالكم : الخبيثة حتى يجزيكم بها. ثم قال : (وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا) بتوحيد الله [١٥٠ ب](بِعَذابٍ أَلِيمٍ) ـ ٣ ـ يعنى وجيع ثم جعل من لا عهد له أجله خمسين يوما من يوم النحر إلى انسلاخ المحرم ، ثم رجع إلى خزاعة ، وبنى مدلج ، وبنى خزيمة ـ فى التقديم ـ فاستثنى فقال : (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) فلم (١) يبين الله ورسوله من عهدهم فى الأشهر الأربعة (ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً) فى الأشهر الأربعة (وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً) يعنى ولم يعينوا على قتالكم أحدا من المشركين يقول الله إن لم يفعلوا ذلك (فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ) يعنى الأشهر الأربعة (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) ـ ٤ ـ الذين يتقون نقض العهد ، ثم ذكر من لم يكن له عهد غير خمسين يوما فقال : (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ) يعنى عشرين من ذى الحجة وثلاثين يوما من المحرم (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) يعنى هؤلاء ـ الذين لا عهد لهم إلا خمسين يوما ـ أين أدركتموهم فى الحل والحرم (وَخُذُوهُمْ) يعنى وأسروهم (وَاحْصُرُوهُمْ) يعنى والتمسوهم (٢) (وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ) يقول وأرصدوهم بكل طريق وهم كفار (فَإِنْ تابُوا) من الشرك (وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) يقول فاتركوا طريقهم فلا تظلموهم (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) للذنوب ما كان فى الشرك (رَحِيمٌ) ـ ٥ ـ بهم فى الإسلام. ثم قال يعنى هؤلاء الكفار من أهل مكة (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ) يقول فإن استأمنك أحد من المشركين بعد خمسين يوما فأمنه من القتل

__________________

(١) أى : فلم يبرأ ، وفى أ : يبين.

(٢) فى أ : والتمسوهم ، وفى حاشية أ : واحبسوهم محمد. وفى ل والتمسوهم.

١٥٧

(حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ) يعنى القرآن فإن كره أن يقبل ما فى القرآن (ثُمَّ أَبْلِغْهُ) (١) (مَأْمَنَهُ) يقول رده من حيث أتاك فإن قاتلك بعد ذلك فقدرت عليه فاقتله (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ) ـ ٦ ـ بتوحيد الله ، ثم ذكرهم أيضا مشركي مكة فقال : (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ) ثم استثنى خزاعة ، وبنى مدلج ، وبنى خزيمة (٢) ، الذين أجلهم أربعة أشهر. فقال : (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) بالحديبية فلهم العهد (فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ) بالوفاء إلى مدتهم يعنى تمام هذه أربعة الأشهر من يوم النحر (فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ) بالوفاء (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) ـ ٧ ـ ثم حرض المؤمنين على قتال كفار مكة الذين لا عهد لهم لأنهم نقضوا العهد فقال : (كَيْفَ) لا تقاتلونهم (وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً) يقول لا يحفظوا فيكم قرابة (٣) ولا عهدا (يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ) يعنى بألسنتهم (وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ) وكانوا يحسنون القول للمؤمنين فيرضونهم وفى قلوبهم غير ذلك فأخبر عن قولهم فذلك قوله : (يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ) يعنى بألسنتهم «وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ» (وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ) ـ ٨ ـ ، ثم أخبر عنهم فقال : (اشْتَرَوْا بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً) يعنى باعوا إيمانا بالقرآن بعرض من الدنيا يسيرا وذلك أن أبا سفيان كان يعطى الناقة والطعام والشيء ليصد (٤) بذلك الناس [١٥١ أ] عن متابعة النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فذلك قوله : (فَصَدُّوا) (٥) الناس (عَنْ سَبِيلِهِ) (٦) أى عن سبيل الله

__________________

(١) فى أ : بأبلغه ، وفى حاشية أ : التلاوة : ثم أبلغه.

(٢) فى أ : جذيمة ، ل : تقرأ جذيمة ويمكن أن تقرأ خزيمة.

(٣) إلا : قرابة. (الجلالين)

(٤) فى أ ، ل : ليصدوا.

(٥) فى أ : وصدوا.

(٦) فى أ : (عَنْ سَبِيلِ اللهِ).

١٥٨

يعنى عن دين الله وهو الإسلام (إِنَّهُمْ ساءَ) يعنى بئس (ما كانُوا يَعْمَلُونَ) ـ ٩ ـ يعنى بئس ما عملوا بصدهم عن الإسلام ، ثم أخبر أيضا عنهم فقال : (لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا) (١) (وَلا ذِمَّةً) يعنى لا يحفظون فى مؤمن قرابة ولا عهدا (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ) ـ ١٠ ـ يقول : (فَإِنْ تابُوا) من الشرك (وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ) أى أقروا بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة (فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ) ونبين (الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) ـ ١١ ـ بتوحيد الله (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ) يعنى نقضوا عهدهم وذلك أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ واعد كفار مكة سنتين ، وأنهم عمدوا فأعانوا كنانة بالسلاح على قتال خزاعة ، وخزاعة صلح النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فكان فى ذلك نكث للعهد فاستحل النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قتالهم فذلك قوله «وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ» (وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ) فقالوا : ليس دين محمد بشيء (فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ) يعنى قادة الكفر كفار قريش : أبا سفيان (٢) بن حرب ، والحارث بن هشام ، وسهيل بن عمرو (٣) ، وعكرمة بن أبى جهل ، وغيرهم (إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ) لأنهم نقضوا العهد الذي كان بالحديبية ، يقول : (لَعَلَّهُمْ) يعنى لكي (يَنْتَهُونَ) ـ ١٢ ـ عن نقض العهد ، ولا ينقضون (٤) ، ثم حرض المؤمنين على قتالهم فقال : (أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ) يعنى نقضوا عهدهم حين أعانوا كنانة بالسلاح على خزاعة وهم صلح النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ) يعنى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ من

__________________

(١) إلا : قرابة.

(٢) فى أ : أبو سفيان ، وهي مفعول به يجب أن تكون منصوبة.

(٣) فى أ : عمر ، ل : عمرو.

(٤) المراد : ولا ينقضون عهودهم مع المسلمين.

١٥٩

مكة حين هموا فى دار الندوة بقتل النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أو بوثاقه (١) أو بإخراجه (وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) بالقتال حين ساروا إلى قتالكم ببدر (أَتَخْشَوْنَهُمْ) فلا تقاتلونهم (فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ) فى ترك أمره (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) ـ ١٣ ـ به يعنى إن كنتم مصدقين بتوحيد الله ـ عزوجل ـ ، ثم وعدهم النصر فقال : (قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ) بالقتل (وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) ـ ١٤ ـ «وذلك أن بنى كعب قاتلوا خزاعة» (٢) فهزموهم وقتلوا منهم وخزاعة صلح النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، وأعانهم كفار مكة بالسلاح على خزاعة فاستحل النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قتال كفار مكة بذلك. «وقد (٣)» ركب عمرو بن عبد مناة الخزاعي إلى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بالمدينة (٤) مستعينا به فقال (٥) له :

اللهم إنى ناشد محمدا

حلف أبينا وأبيه الأتلدا

كان لنا أبا وكنا ولدا

نحن ولدناكم فكنتم ولدا

ثمت أسلمنا ولم ننزع يدا

فانصر رسول الله نصرا أيدا

وادع عباد الله يأتوا مددا

فيهم رسول الله قد تجردا

فى فيلق كالبحر يجرى مزيدا

إن قريشا أخلفوك الموعدا

ونقضوا ميثاقك المؤكد

ونصبوا لي فى الطريق مرصدا (٦)

 __________________

(١) أى : أن يلبسوه الوثائق وهو القيد والمراد حبسه.

(٢) ما بين القوسين «...» زيادة ، لتصحيح الكلام وليست فى : أ ، ولا فى : ل.

(٣) وقد : زيادة لتصحيح الكلام.

(٤) فى أ : إلى المدينة وهي ساقطة من : ل ومثبتة فى أ.

(٥) فى ل : فقال مستغيثا.

(٦) فى أ : مرصدا ، ل : رصدا.

١٦٠