تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٢

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٢

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧٩٧

فبعثوا عمرو بن ضمضم الغفاري إلى مكة مستغيثا فخرجت قريش ، وبعث (١) النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عدى بن أبى الزغفاء عينا على العير ليعلم أمرهم ، ونزل جبريل ـ عليه‌السلام ـ فأخبر النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بعير أهل مكة فقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لأصحابه : «إن الله يعدكم إحدى الطائفتين : إما العير ، وإما النصر والغنيمة ، فما ترون؟» فأشاروا عليه بل نسير إلى العير وكرهوا القتال ، وقالوا : إنا لم نأخذ أهبة القتال وإنما نفرنا إلى العير. ثم أعاد النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ المشورة : فأشاروا عليه بالعير. فقال سعد بن عبادة الأنصارى : يا رسول الله ، انظر أمرك فامض له فو الله لو سرت بنا إلى عدن ما تخلف عنك رجل من الأنصار. ففرح النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ حتى عرف السرور فى وجهه فقال المقداد بن الأسود الكندي : إنا معك. فضحك النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، وقال لهم : معروفا. فأنزل الله ـ عزوجل ـ (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ) (٢) (وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ) ـ ٥ ـ للقتال ، فلذلك (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ) فى أمر الغنيمة ، فيها تقديم ، ثم قال : (يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ) لهم أنك لا تصنع إلا ما أمرك الله (كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ) ـ ٦ ـ (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ) العير أو هزيمة المشركين وعسكرهم (٣) «أَنَّها لَكُمْ» (وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ)

__________________

(١) فى أ : فبعث.

(٢) فى أ : (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ ...) إلى قوله (... لَكارِهُونَ) ، وقد ورد ما ذكره مقاتل فى أسباب النزول للسيوطي : ١٠٥.

(٣) ما بين القوسين «...» ساقط من الأصل.

١٠١

يعنى العير «تَكُونُ لَكُمْ (١)» (وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ) يقول يحقق الإسلام بما أنزل إليك (وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ) ـ ٧ ـ يعنى أصل الكافرين ببدر (لِيُحِقَّ الْحَقَ) يعنى الإسلام (وَيُبْطِلَ الْباطِلَ) يعنى الشرك يعنى عبادة الشيطان «وَلَوْ (٢)» (كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) ـ ٨ ـ يعنى كفار مكة ، قوله : (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ) وذلك أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لما رأى (٣) المشركين يوم بدر وعلم أنه لا قوة له بهم إلا بالله (٤) دعا ربه [١٤٢ ب] فقال : اللهم إنك أمرتنى بالقتال ووعدتني النصر وإنك لا تخلف الميعاد. فاستجاب له ربه ، فأنزل الله «إذ يستغيثون» فى النصر (فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ) يوم بدر (مُرْدِفِينَ) ـ ٩ ـ يعنى متتابعين كقوله فى المؤمنين : (رُسُلَنا تَتْرا) (٥) وقوله : (طَيْراً أَبابِيلَ) (٦) وقوله : (يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً) (٧) يعنى متتابع قطرها ، فنزل جبريل ـ عليه‌السلام ـ فى ألف من الملائكة ، فقام جبريل ـ عليه‌السلام ـ فى خمسمائة ملك عن ميمنة الناس معهم أبو بكر ، ونزل ميكائيل ـ عليه‌السلام ـ فى خمسمائة على ميسرة

__________________

(١) ما بين القوسين «...» ساقط من الأصل.

(٢) ما بين القوسين «...» ساقط من الأصل.

(٣) فى أ : زرا.

(٤) ورد ذلك فى لباب النقول فى أسباب النزول للسيوطي : ١٠٦.

(٥) سورة المؤمنون : ٤٤.

(٦) سورة الفيل : ٣.

(٧) سورة هود : ٥٢.

١٠٢

الناس ، معهم عمر فى صور الرجال عليهم البياض وعمائم البيض قد أرخوا أطرافها بين أكتافهم فقاتلت الملائكة يوم بدر (١).

ولم يقاتلوا يوم الأحزاب ، ولا يوم خيبر ، ثم قال : (وَما جَعَلَهُ اللهُ) يعنى مدد الملائكة (إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ) يعنى لتسكن إليه قلوبكم (وَمَا النَّصْرُ) وليس النصر (إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ) وليس النصر بقلة العدد ولا بكثرته. ولكن النصر من عند الله (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (٢) ـ ١٠ ـ «عزيز» يعنى منيع «حكيم» فى أمره حكم النصر. وقوله : (إِذْ يُغَشِّيكُمُ) (٣) (النُّعاسَ) وذلك أن كفار مكة سبقوا النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إلى ماء بدر ، فخلفوا (٤) الماء وراء ظهورهم ، ونزل المسلمون حيالهم على غير ماء ، وبينهم وبين عدوهم بطن واد فيه رمل ، فمكث المسلمون يوما وليلة يصلون محدثين مجنبين ، فأتاهم إبليس ـ لعنه الله ـ فقال لهم : أليس قد زعمتم أنكم أولياء الله على دينه ، وقد غلبتم على الماء تصلون على غير طهور وما يمنع القوم من قتالكم إلا ما أنتم فيه من العطش والبلاء ، حتى إذا انقطعت رقابكم من العطش قاموا إليكم فلا يبصر بعضكم بعضا ، فيقرنونكم بالحبال فيقتلون منكم من شاءوا ، ثم ينطلقون بكم إلى مكة ، فحزن المسلمون وخافوا (٥) وامتنع منهم النوم ، فعلم الله ما فى قلوب المؤمنين من الحزن ،

__________________

(١) ذهب أستاذنا الدكتور مصطفى زيد فى كتابه «تفسير سورة الأنفال» إلى أن نزول الملائكة فى غزوة بدر كان لتثبيت المؤمنين وتكثير سوادهم ، وإرهاب الكافرين وإلقاء الرعب فى قلوبهم واستبعد أن يكون قتالهم قتالا حسيا.

(٢) فى أ : العزيز الحكيم. وفى حاشية أ : الآية التي هنا (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).

(٣) فى أ : إذ يغشاكم.

(٤) خلفوا الماء وراء ظهورهم : أى جعل الكفار الماء خلفهم حتى لا يستطيع المسلمون الوصول إليه ، وبذلك يهلكهم العطش.

(٥) فى أ : فخافوا.

١٠٣

فألقى الله عليهم النعاس أمنة من الله ليذهب همهم ، وأرسل السماء عليهم ليلا فامطرت مطرا جوادا حتى سالت الأودية ، وملؤوا الأسقية ، وسقوا الإبل ، واتخذوا الحياض ، واشتدت الرملة ، وكانت تأخذ إلى كعبي الرجال وكانت «بماعة» (١) المؤمنين رجال لم يكن معهم إلا فارسان : المقداد بن الأسود ، وأبو مرثد الغنوي ، وكان معهم ستة أدرع (٢) ، فأنزل الله «إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ» (أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) من الأحداث ، والجنابة (وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ) يعنى الوسوسة التي ألقاها فى قلوبكم والحزن (وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ) بالإيمان من تخويف الشيطان (وَيُثَبِّتَ بِهِ) يعنى بالمطر (الْأَقْدامَ) ـ ١١ ـ (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ) (٣) ولما صف القوم أوحى الله ـ عزوجل ـ (إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا) فبشروا (الَّذِينَ آمَنُوا) بالنصر فكان الملك فى صورة بشر فى الصف الأول فيقول أبشروا فإنكم كثير وعددهم قليل فالله ناصركم [١٤٣ أ]. فيرى الناس أنه منهم ، ثم قال : (سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ) بتوحيد الله ـ عزوجل ـ يوم بدر ، ثم علمهم كيف يصنعون فقال : (فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ) يعنى الرقاب تقول العرب لأضربن فوق رأسك يعنى الرقاب (وَاضْرِبُوا) بالسيف (مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ) ـ ١٢ ـ يعنى الأطراف (ذلِكَ) الذي نزل بهم (بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ) يعنى عادوا الله ورسوله (وَمَنْ يُشاقِقِ اللهَ) يعنى ومن يعاد الله

__________________

(١) فى أ : وكانت المؤمنين رجال ، وبما أن المؤمنين اسم كان فيجب أن يكون مرفوعا فوجوده منصوبا أو مخفوضا دليل على أن مضافا كان هنا وسقط فزدت كلمة «جماعة» ليستقيم الكلام.

(٢) فى أ : أدع ، أه : وأدرع جمع درع.

(٣) ساقطة من أ.

١٠٤

(وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) ـ ١٣ ـ إذا عاقب (ذلِكُمْ) القتل (فَذُوقُوهُ) يوم بدر فى الدنيا ثم قال : (وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ) بتوحيد الله ـ عزوجل ـ مع القتل ، وضرب الملائكة الوجوه ، والأدبار أيضا ـ لهم فى الآخرة (عَذابَ النَّارِ) ـ ١٤ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) بتوحيد الله ـ عزوجل ـ يوم بدر (زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ) ـ ١٥ ـ (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ) يعنى مستطردا يريد الكرة للقتال (أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ) يقول أو ينحاز إلى صف (١) النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ) يقول فقد استوجب من الله الغضب (وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ) يعنى ومصيره جهنم (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) ـ ١٦ ـ (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ) يعنى ما قتلتموهم وذلك أن الرجل من المؤمنين كان يقول : فعلت وقتلت فنزلت «فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ» (وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) وذلك أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ حين صاف (٢) المشركين ، دعا بثلاث قبضات من حصى الوادي ، ورمله ، فناوله على بن أبى طالب فرمى بها فى وجوه العدو (٣) وقال : اللهم ارعب (٤) قلوبهم ، وزلزل أقدامهم ، فملأ الله وجوههم وأبصارهم من الرمية فانهزموا عند الرمية (٥) الثالثة وتبعهم المسلمون يقتلونهم ويأسرونهم (٦) ، فذلك قوله :

__________________

(١) فى أ : الصف.

(٢) هكذا فى أ ، ل ، م : والمواد وقف أمام صفوف المشركين.

(٣) فى أ : العدو ، ل : القوم.

(٤) فى أ : ارعب ، ل : أرعد.

(٥) فى أ : فانهزموا من الرمية ، وفى ل : فانهزموا عند الرمية.

(٦) ورد ذلك فى أسباب النزول للواحدي : ١٣٣ ، وفى لباب النقول فى أسباب النزول للسيوطي : ١٠٦.

١٠٥

(وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً) يعنى القتل والأسر (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) لدعاء النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (عَلِيمٌ) ـ ١٧ ـ به (ذلِكُمْ) النصر (وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ) يعنى مضعف (كَيْدِ الْكافِرِينَ) ـ ١٨ ـ (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ) وذلك أن عاتكة بنت عبد المطلب رأت فى المنام ، كأن فارسا دخل المسجد الحرام ، فنادى : يا آل فهو من قريش انفروا فى ليلة أو ليلتين ، ثم صعد فوق الكعبة ، فنادى (١) مثلها ، ثم صعد أبا قبيس فنادى مثلها. ثم نقض صخرة من الجبل فرفعها المنادى فضرب بها الجبل فانفلقت فلم يبق بيت (٢) بمكة إلا دخلت قطعة منه فيه فلما أصبحت أخبرت أخاها العباس وجلا (٣) وعنده أبو جهل بن هشام فقال أبو جهل : يا آل قريش ألا تعذرونا من بنى عبد المطلب ، إنهم لا يرضون أن تنبأ رجالهم حتى تنبأت نساؤهم ، ثم قال أبو جهل للعباس : تنبأت رجالكم وتنبأت (٤) نساؤكم والله لتنتهن ، وأوعدهم (٥) ، فقال العباس : إن شئتم ناجزناكم الساعة [١٤٣ ب]. فلما قدم ضمضم بن عمرو الغفاري قال : أدركوا العير أولا ، تدركوا. فعمد أبو جهل وأصحابه فأخذوا بأستار الكعبة ، ثم قال أبو جهل : اللهم أنصر أعلى الجندين (٦) وأكرم القبيلتين. ثم خرجوا على كل صعب وذلول ليعينوا

__________________

(١) فى أ : ثم صعد فوق الكعبة فنادى ، وفى ل : ثم صعد فوق الكعبة فنادى مثلها.

(٢) فى أ : بيتا ، ل : بيت.

(٣) فى ل : رجلا ، أ ، م : وجلا.

(٤) فى أ : حتى تنبأت ، ل : وتنبأت.

(٥) فى أ : ما وعده ، ل : فأوعدهم.

(٦) فى أ : اللهم انصرنا على الجندين ، وقد أصلحته من كتاب أسباب النزول للواحدي : ١٣٤. وقد ورد نحوه فى كتاب لباب النقول فى أسباب النزول للسيوطي.

١٠٦

أبا سفيان فترك أبو سفيان الطريق وأغز (١) على ساحل البحر فقدم مكة وسبق أبو جهل النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ومن معه من المشركين إلى ماء بدر ، فلما التقوا قال أبو جهل : اللهم اقض بيننا وبين محمد (٢) ، اللهم أينا كان أحب إليك ، وأرضى عندك ؛ فانصره. ففعل الله ـ عزوجل ـ ذلك ، وهزم المشركين ، وقتلهم ، ونصر المؤمنين فأنزل الله فى قول أبى جهل : (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ) يقول إن تستنصروا فقد جاءكم النصر فقد نصرت من قلتم (٣) (وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) من القتال (وَإِنْ تَعُودُوا) لقتالهم (نَعُدْ) عليكم بالقتل والهزيمة بما فعلنا ببدر (وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً) يعنى جماعتكم شيئا (وَلَوْ كَثُرَتْ) فئتكم (وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) ـ ١٩ ـ فى النصر لهم قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) يعنى صدقوا بتوحيد الله ـ عزوجل ـ (أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) فى أمر الغنيمة (وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ) يعنى ولا تعرضوا عنه يعنى أمر الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ) ـ ٢٠ ـ المواعظ ثم وعظ المؤمنين فقال : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا) الإيمان (وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) ـ ٢١ ـ يعنى المنافقين ثم قال : (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُ) عن الإيمان (الْبُكْمُ) يعنى الخرس لا يتكلمون بالإيمان ولا يعقلون (الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) ـ ٢٢ ـ يعنى ابن عبد الدار بن قصى ، وأبو الحارث (٤) بن علقمة ، وطلحة بن عثمان ، وعثمان ، وشافع ، وأبو الجلاس ،

__________________

(١) فى أ : وأخذ ، ل : وأحز : أى أمعن السير وأسرع فيه من على ساحل البحر ، وأغز على ساحل البحر بمعنى أسرع السير أيضا.

(٢) فى أ : زيادة (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) وليس ذلك فى : ل.

(٣) فى أ : قاتلتم ، ل : قلتم.

(٤) فى أ : الحرث.

١٠٧

وأبو سعد ، والحارث (١) ، والقاسط بن شريح ، وأرطاة بن شرحبيل ، ثم أخبر عنهم فقال : (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ) يعنى لأعطاهم الإيمان (وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ) يقول ولو أعطاهم الإيمان (لَتَوَلَّوْا) يقول لأعرضوا عنه (وَهُمْ مُعْرِضُونَ) ـ ٢٣ ـ لما سبق لهم فى علم الله من الشقاء وفيهم نزلت (وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً ...) إلى آخر الآية (٢) (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ) فى الطاعة فى أمر القتال (إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ) يعنى الحرب التي وعدكم الله يقول : أحياكم بعد الذل ، وقواكم بعد الضعف فكان ذلك لكم حياة (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) يقول يحول بين قلب المؤمن ، وبين الكفر وبين قلب الكافر وبين الإيمان (وَأَنَّهُ) (٣) (إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) ـ ٢٤ ـ فى الآخرة فيجزيكم بأعمالكم (وَاتَّقُوا فِتْنَةً) تكون من بعدكم ، يحذركم «الله» (٤) ، تكون مع على بن أبى طالب (لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) فقد أصابتهم يوم الجمل منهم طلحة ، والزبير ، ثم حذرهم فقال : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) ـ ٢٥ ـ [١٤٤ أ] إذا عاقب ثم ذكرهم النعم فقال : (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ) يعنى المهاجرين خاصة (مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ) يعنى أهل مكة (تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ) يعنى كفار مكة نزلت هذه الآية بعد قتال بدر يقول (فَآواكُمْ) إلى المدينة والأنصار (وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ) يعنى وقواكم بنصره يوم بدر (وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ)

__________________

(١) فى أ : والحرث.

(٢) الآية ٣٥ من سورة الأنفال وتمامها : (وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ ، بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ).

(٣) فى أ : (وَأَنَّكُمْ).

(٤) من ل.

١٠٨

يعنى الحلال من الرزق وغنيمة بدر (لَعَلَّكُمْ) يعنى لكي (تَشْكُرُونَ) ـ ٢٦ ـ ربكم فى هذه النعم التي ذكرها فى هذه الآية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ) يعنى أبا لبابة وفيه نزلت هذه الآية (١) نظيرها فى المتحرم (٢) (فَخانَتاهُما) يعنى فخالفتاهما فى الدين ولم يكن فى الفرج ، واسمه (٣) مروان ابن عبد المنذر الأنصارى من بنى عمرو بن عوف وذلك أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ حاصر يهود قريظة ، إحدى وعشرين ليلة ، فسألوا الصلح على مثل صلح أهل النضير على أن يسيروا إلى إخوتهم إلى أذرعات ، وأريحا فى أرض الشام ، وأبى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أن ينزلوا إلا على الحكم فأبوا ، وقالوا (٤) أرسل إلينا أبا لبابة وكان مناصحهم وهو حليف لهم فبعثه النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إليهم فلما أتاهم قالوا : يا أبا لبابة أننزل على حكم محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فأشار أبو لبابة بيده إلى حلقه : إنه الذبح فلا تنزلوا على الحكم. فأطاعوه ، وكان أبو لبابة وولده معهم فغش المسلمين ، وخان فنزلت فى أبى لبابة «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ» (وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ـ ٢٧ ـ أنها خيانة ، ثم حذرهم فقال : (وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ)

__________________

(١) وردت قصة هذه الآية فى أسباب النزول للواحدي ، وفى لباب النقول فى أسباب النزول للسيوطي ، وكلاهما متفق مع ما أورده مقاتل هنا.

(٢) يقصد سورة التحريم الآية ١٠ وتمامها (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ).

(٣) أى اسم أبى لبابة.

(٤) فى أ : فقالوا.

١٠٩

يعنى بلاء لأنه ما نصحهم إلا من أجل (١) ماله وولده لأنه كان فى أيديهم (٢) (وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ) يعنى جزاء (عَظِيمٌ) ـ ٢٨ ـ يعنى الجنة (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ) فلا تعصوه (يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً) يعنى مخرجا من الشبهات (وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) يعنى ويمحو (٣) عنكم خطاياكم (وَيَغْفِرْ لَكُمْ) يقول ويتجاوز عنكم (وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) ـ ٢٩ ـ (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) وذلك أن نفرا من قريش منهم أبو جهل بن هشام ، وعتبة بن ربيعة ، وهشام بن عمرو وأبو البختري بن هشام ، وأمية بن خلف ، وعقبة بن أبى معيط ، عيينة بن حصن الفزاري ، والوليد بن المغيرة ، والنضر بن الحارث ، وأبى بن خلف ، اجتمعوا فى دار الندوة بمكة يوم وهو يوم السبت ليمكروا بالنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فأتاهم إبليس فى صورة رجل شيخ كبير فجلس معهم. فقالوا : ما أدخلك فى جماعتنا بغير إذننا. قال : إنما أنا رجل من أهل نجد ، ولست من أهل تهامة ، قدمت مكة فرأيتكم حسنة وجوهكم ، طيبة ريحكم ، نقية ثيابكم ، فأحببت أن أسمع من حديثكم ، وأستر عليكم ، فإن كرهتم مجلسي [١٤٤ ب] خرجت من عندكم. فقالوا : هذا رجل من أهل نجد ، وليس من أهل تهامة فلا بأس عليكم منه ، فتعملوا بالمكر بمحمد (٤) فقال أبو البختري بن هشام من بنى أسد بن عبد العزى : أما أنا «فرأيى» (٥)

__________________

(١) فى أ : من أجل ، وفى حاشية أ : يحتمل : ما تصحهم إلا من أجل.

(٢) ورد فى أسباب النزول للواحدي : ١٣٤ وفى لباب النقول فى أسباب النزول للسيوطي : ١٠٧. سبب نزول هذه الآية وهو كما ذكره مقاتل.

(٣) فى أ : ويمحا.

(٤) فى أ : زيادة صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وليس ذلك فى ل.

(٥) ساقطة من أ ، ومثبتة فى ل.

١١٠

أن تأخذوا محمدا ؛ فتجعلوه فى بيت ، وتسدوا بابه ، وتدعوا له ، كوة ، يدخل منها طعامه وشرابه حتى يموت ، قال إبليس : بئس والله الرأى رأيتم تعمدون إلى رجل له فيكم صغو قد سمع به من حولكم فتحبسونه ، فتطعمونه ، وتسقونه ، فيوشك الصغو الذي له فيكم أن يقاتلكم عليه فيفسد جماعتكم ويسفك دماءكم فقالوا : صدق والله الشيخ.

فقال هشام بن عمرو من بنى عامر بن لؤي : أما أنا فرأيى أن تحملوا محمدا (١) على بعير فيخرج من أرضكم فيذهب حيث شاء ويليه غيركم قال : إبليس بئس والله الرأى رأيتم تعمدون إلى رجل قد شتت وأفسد جماعتكم واتبعه منكم طائفة فتخرجوه إلى غيركم فيفسدهم كما أفسدكم فيوشك والله أن يقبل بهم عليكم ويتولى الصغو (٢) الذي له فيكم ، قالوا صدق والله الشيخ.

فقال أبو جهل بن هشام المخزومي : أما أنا فرأيي أن تعمدوا إلى كل بطن من قريش فتأخذوا من كل بطن رجلا ثم تعطوا كل رجل منهم سيفا فيضربونه جميعا بأسيافهم فلا يدرى قومه من يأخذون به وتؤدى قريش ديته (٣) قال : إبليس صدق والله الشاب ، إن الأمر لكما قال فتفرقوا على قول أبى جهل فنزل جبريل ـ عليه‌السلام ـ فأخبره بما ائتمر به القوم وأمره بالخروج فخروج النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ من ليلته إلى الغار وأنزل الله ـ عزوجل ـ (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) (٤) من قريش (لِيُثْبِتُوكَ) يعنى ليحبسوك فى بيت يعنى أبا البختري

__________________

(١) فى أ : محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فى ل : محمدا.

(٢) المراد به من يصغون إلى كلامه ويتبعون دينه وهم المسلمون بمكة.

(٣) أى أن قريشا تشترك جميعها فى دفع دية محمد إلى بنى عبد مناف.

(٤) جاء فى كتاب لباب النقول فى أسباب النزول للسيوطي : ١٠٨ اما ذكوه مقاتل بتمامه فى قوله ـ تعالى ـ : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا ...) الآية.

١١١

ابن هشام (أَوْ يَقْتُلُوكَ) يعنى أبا جهل (أَوْ يُخْرِجُوكَ) من مكة يعنى به هشام ابن عمرو (وَيَمْكُرُونَ) بالنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ الشر (وَيَمْكُرُ اللهُ) بهم حين أخرجهم من مكة فقتلهم ببدر فذلك قوله : (وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) ـ ٣٠ ـ أفضل مكرا منهم وأنزل الله (أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً) يقول أم أجمعوا على أمر (فَإِنَّا مُبْرِمُونَ) (١) يقول لنخرجنهم إلى بدر فنقتلهم أو نعجل أرواحهم إلى النار قوله : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا) يعنى القرآن (قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا) القرآن ، قال ذلك النضر بن الحارث بن علقمة من بنى عبد الدار بن قصى. ثم قال : (إِنْ هذا) الذي يقول محمد من القرآن : (إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) ـ ٣١ ـ يعنى أحاديث الأولين يعنى محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يحدث عن الأمم الخالية ، وأنا أحدثكم عن رستم ، وأسفندباز ، كما يحدث محمد (٢) فقال : عثمان ابن مظعون الجمحي : اتق الله يا نضر فإن محمدا يقول الحق ، قال : وأنا أقول الحق ، قال عثمان : فإن محمدا يقول : لا إله إلا الله. قال : وأنا أقول لا إله إلا الله. [١٤٥ أ] ولكن الملائكة بنات الرحمن (٣) فأنزل الله عزوجل فى ـ حم الزخرف ـ فقال : «قل» يا محمد (إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) (٤) أول الموحدين من أهل مكة فقال عند ذلك : ألا ترون قد صدقنى (٥) ـ (إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ) قال الوليد بن المغيرة : لا والله ما صدقك ولكنه قال :

__________________

(١) سورة الزخرف : ٧٩.

(٢) فى أ : محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ل. محمد.

(٣) ورد ذلك لباب النقول فى أسباب النزول للسيوطي ، ١٠٩.

(٤) سورة الزخرف آية : ٨١.

(٥) فى أ : صدقتم.

١١٢

ما كان للرحمن (١) ولد ففطن لها النضر فقال : (وَإِذْ قالُوا) (٢) (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا) ما يقول محمد (هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ) يعنى القرآن (فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) ـ ٣٢ ـ يعنى وجيع فأنزل الله (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ) يعنى أن يعذبهم (وَأَنْتَ فِيهِمْ) بين أظهرهم حتى يخرجك عنهم كما أخرجت الأنبياء عن قومهم (وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) ـ ٣٣ ـ يعنى يصلون لله كقوله : (وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (٣) يعنى يصلون ، وذلك أن نفرا من بنى عبد الدار قالوا : إنا نصلى عند البيت فلم يكن الله ؛ ليعذبنا ونحن نصلى ، له ثم قال : (وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ) إذ لم يكن نبى ولا مؤمن بعد ما خرج النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إلى المدينة من أهل مكة (وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) المؤمنين (وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ) يعنى أولياء الله (إِنْ أَوْلِياؤُهُ) يعنى ما أولياء الله (إِلَّا الْمُتَّقُونَ) الشرك يعنى المؤمنين أصحاب النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) ـ ٣٤ ـ يقول أكثر أهل مكة لا يعلمون توحيد الله ـ عزوجل ـ وأنزل الله ـ عزوجل ـ فى قول النضر أيضا حين قال : (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) يعنى وجيع. «أنزل (٤)»

__________________

(١) أراد النضر أن يجعل إن شرطية. فقال له الوليد بن المغيرة إنها نافية بمعن «ما كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين لله».

(٢) (وَإِذْ قالُوا) : ساقطة من أ ، ل.

(٣) سورة الذاريات : ١٨.

(٤) زيارة لتوضيح المعنى : لأن المعنى أنزل الله فى قول النضر : «اللهم ...» ، (سَأَلَ سائِلٌ ...).

تفسير مقاتل ـ ٨

١١٣

(سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ ...) إلى آيات منها (١). ثم أخبر عن صلاتهم عند البيت فقال : (وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ) يعنى عند الكعبة الحرام (إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً) يعنى بالتصدية الصفير والتصفية ، وذلك أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كان إذا صلى فى المسجد الحرام قام رجلان من بنى عبد الدار ابن قصى من المشركين عن يمين النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فيصفران كما يصفر المكاء ، يعنى به طيرا اسمه المكاء ، ورجلان عن يسار النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فيصفقان بأيديهما ليخلطا على النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ صلاته وقراءته فقتلهم الله ببدر هؤلاء الأربعة ولهم يقول الله ولبقية بنى عبد الدار : (فَذُوقُوا الْعَذابَ) يعنى القتل ببدر (بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) ـ ٣٥ ـ بتوحيد الله ـ عزوجل ـ (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ) وذلك أن رؤوس كفار قريش استأجروا رجالا من قبائل العرب أعوانا لهم على قتال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فأطعموا أصحابهم كل يوم عشر جزائر (٢) ويوما تسعة (٣). فنزلت : «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ» (لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) يعنى عن دين الله (فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً) يعنى ندامة (ثُمَّ يُغْلَبُونَ) يقول تكون عليهم أموالهم التي أنفقوها ندامة على إنفاقهم ثم يهزمون [١٤٥ ب] ثم أخبر بمنزلتهم فى الآخرة فقال : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) بتوحيد الله (إِلى جَهَنَّمَ)

__________________

(١) يشير إلى الآيات الأولى من سورة المعارج وهي (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ ، لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ ، مِنَ اللهِ ذِي الْمَعارِجِ ، تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ، فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً ، إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَراهُ قَرِيباً) الآيات من ١ ـ ٧ سورة المعارج.

(٢) جمع جزور ، ويجمع جزور على جزر أيضا.

(٣) وفى أ : ويوم تسعة ، ل : ويوما تسعة ، والمقصود أن كفار مكة كانوا يطعمون الجيش يوما عشر جزر ويوما تسعة جزر.

١١٤

فى الآخرة (يُحْشَرُونَ) ـ ٣٦ ـ (لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) يعنى يميز الكافر من المؤمن ثم قال : (وَيَجْعَلَ) فى الآخرة (الْخَبِيثَ) أنفسهم (بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) ـ ٣٧ ـ يعنى المطعمين فى غزوة بدر أبا جهل والحارث ابنا هشام ، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة ، ومنبه ونبيه ابنا الحجاج ، وأبا البختري بن هشام ، والنضر بن الحارث ، والحكم بن حزام (١) ، وأبى بن خلف ، وزمعة بن الأسود ، والحارث (٢) ابن عامر بن نوفل. كلهم من قريش (قُلْ) يا محمد : (لِلَّذِينَ كَفَرُوا) بالتوحيد (إِنْ يَنْتَهُوا) عن الشرك ويتوبوا (يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) من شركهم قبل الإسلام (وَإِنْ يَعُودُوا) لقتال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ولم يتوبوا (فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ) ـ ٣٨ ـ يعنى القتل ببدر فحذرهم العقوبة لئلا يعودوا فيصيبهم مثل ما أصابهم ببدر ، ثم قال للمؤمنين : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) يعنى شركا ويوحدوا ربهم (وَيَكُونَ) يعنى ويقوم (الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) ولا يعبد غيره (فَإِنِ انْتَهَوْا) عن الشرك فوحدوا ربهم (فَإِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) ـ ٣٩ ـ (وَإِنْ تَوَلَّوْا) يقول وإن أبوا أن يتوبوا من الشرك (فَاعْلَمُوا) يا معشر المؤمنين (أَنَّ اللهَ مَوْلاكُمْ) يعنى وليكم (نِعْمَ الْمَوْلى) حين نصركم (وَنِعْمَ النَّصِيرُ) ـ ٤٠ ـ يعنى ونعم النصير لكم. كما نصركم ببدر وكانت وقعة بدر ليلة الجمعة فى سبع عشرة ليلة (٣) خلت من

__________________

(١) فى أ : وحكم بن حزام.

(٢) فى أ : والحرث.

(٣) فى أ : فى سبعة عشر ليلة.

١١٥

رمضان. وكانت وقعة أحد فى عشر ليال (١) خلت من شوال يوم السبت بينهما سنة. (وَاعْلَمُوا) يخبر المؤمنين (أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ) يوم بدر (فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى) يعنى قرابة النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) يعنى الضيف نازل عليك (إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ «بِاللهِ») (٢) يعنى (٣) صدقتم بتوحيد الله وصدقتم ب «وَما (٤)» (أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا) من القرآن (يَوْمَ الْفُرْقانِ) يعنى يوم النصر فرق بين الحق والباطل فنصر النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وهزم المشركين ببدر (يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) يعنى جمع النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ببدر وجمع المشركين فأقروا الحكم لله فى أمر الغنيمة والخمس وأصلحوا ذات بينكم (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ـ ٤١ ـ يعنى قادر فيما حكم من الغنيمة والخمس ثم أخبر المؤمنين عن حالهم التي كانوا عليها فقال : أرأيتم معشر المؤمنين (إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا) يعنى من دون الوادي على شاطئ (٥) مما يلي المدينة (وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى) من الجانب الآخر مما يلي مكة يعنى مشركي مكة فقال : (وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ) يعنى على ساحل البحر أصحاب العير أربعين راكبا أقبلوا من الشام إلى مكة فيهم أبو سفيان ، وعمرو بن العاص ، ومخرمة بن نوفل ، وعمرو بن هشام : (وَلَوْ تَواعَدْتُمْ) [١٤٦ أ] أنتم والمشركون (لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ وَلكِنْ) الله

__________________

(١) فى أ : عشرة ليلة ، ل : عشر ليلة.

(٢) ما بين القوسين «...» ساقط من الأصل.

(٣) فى أ : زيادة يعنى.

(٤) فى أ : بما.

(٥) هكذا : أ ، ل. ولعل أصلها على شاطئ الماء.

١١٦

جمع بينكم وبين عدوكم على غير ميعاد أنتم ومشركو مكة (لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً) فى علمه (كانَ مَفْعُولاً) يقول : أمرا لا بد كائنا ليعز الإسلام وأهله ، ويذل الشرك وأهله (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى) بالإيمان (مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ) ـ ٤٢ ـ (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ) يا محمد فى التقديم (فِي مَنامِكَ قَلِيلاً) وذلك أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ رأى فى المنام أن العدو قليل قبل أن يلتقوا فأخبر النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أصحابه بما رأى ، فقالوا (١) : رؤيا النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ حق والقوم قليل فلما التقوا ببدر قلل الله المشركين فى أعين الناس ، لتصديق رؤيا النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ثم قال : (وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً) حين عاينتموهم (لَفَشِلْتُمْ) يعنى لجبنتم وتركتم الصف (وَلَتَنازَعْتُمْ) يعنى واختلفتم (فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ) يقول أتم المسلمون أمرهم على عدوهم فهزموهم ببدر (إِنَّهُ) الله (عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) ـ ٤٣ ـ عليم بما فى قلوب المؤمنين من أمر عدوهم (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ) يا معشر المسلمين (فِي أَعْيُنِهِمْ) يعنى فى أعين المشركين وذلك حين التقوا ببدر قلل الله العدو فى أعين المؤمنين وقلل المؤمنين فى أعين المشركين ليجترئ بعضهم على بعض فى القتال (لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً) فى علمه (كانَ مَفْعُولاً) ليقضى الله أمرا لا بد كائنا ليعز الإسلام بالنصر ويذل أهل الشرك بالقتل والهزيمة (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) ـ ٤٤ ـ يقول مصير الخلائق إلى الله ـ عزوجل ـ فلما رأى عدو الله ـ أبو جهل ـ قلة المؤمنين ببدر قال : والله لا يعبد الله بعد اليوم فكذبه الله ـ عزوجل ـ

__________________

(١) فى أ : قالوا.

١١٧

وقتله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) يعنى صدقوا بتوحيد الله ـ عزوجل ـ (إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً) يعنى كفار مكة ببدر (فَاثْبُتُوا) لهم (وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ) يعنى لكي (تُفْلِحُونَ) ـ ٤٥ ـ (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) فيما أمركم به فى أمر القتال (وَلا تَنازَعُوا) يقول ولا تختلفوا عند القتال (فَتَفْشَلُوا) يعنى فتجبنوا (وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) يعنى الصبا لأن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال : «نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور» (وَاصْبِرُوا) لقتال عدوكم (إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) ـ ٤٦ ـ يعنى فى النصر للمؤمنين على الكافرين بذنوبهم وبعملهم ، ثم وعظ المؤمنين فقال : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ) ليذكروا بمسيرهم يعنى ابن أمية ، وابن المغيرة المخزومي ، وذلك أنهم كانوا رءوس المشركين فى غزوهم بدر فقال أبو جهل حين نجت العير وسارت إلى مكة فأشاروا عليه بالرجعة قال (١) : لا نرجع حتى ننزل على بدر فننحر الجزر ، ونشرب الخمر ، وتعزف علينا القيان (٢) ، فتسمع العرب بمسيرنا. فذلك قوله [١٤٦ ب](بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ) ليذكروا بمسيرهم (وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) يقول ويمنعون أهل مكة عن دين الإسلام (وَاللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) ـ ٤٧ ـ أحاط علمه بأعمالهم (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ) وذلك أنه بلغهم أن العير قد نجت فأرادوا الرجوع إلى مكة فأتاهم إبليس فى صورة سراقة بن مالك بن جشعم الكناني من بنى مدلج بن الحارث (٣). فقال : لا ترجعوا حتى تستأصلوهم فإنكم كثير وعدوكم

__________________

(١) فى أ : فقال.

(٢) فى أ : القبائل ، ل : القيان.

(٣) فى أ : الحرث ، ل : الحارث.

١١٨

قليل فتأمن عيركم ويسير (١) ضعيفكم (وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ) على بنى كنانة أنكم لا تمرون بحي منهم إلا أمدكم بالخيل ، والسلاح ، والرجال ، فأطاعوه ومضوا إلى بدر لما أراد الله من هلاكهم فلما التقوا نزلت ملائكة ببدر مدد للمؤمنين عليهم جبريل ـ عليه‌السلام ـ ولما رأى إبليس ذلك نكص على عقبيه يقول استأخر وراءه ، فذلك قوله (فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ) فئة المشركين (نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ) يقول استأخر وراءه وعلم أنه لا طاقة له بالملائكة فأخذ الحارث بن هشام بيده ، فقال : يا سراقة على هذا الحال تخذلنا؟ (وَقالَ) (٢) إبليس : (إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ) فقال الحارث : والله ما نرى إلا خفافيش يثرب. فقال إبليس : (إِنِّي أَخافُ اللهَ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ) ـ ٤٨ ـ وكذب عدو الله ما كان به الخوف ولكن خذلهم عند الشدة فقال الحارث لإبليس ، وهو فى صورة سراقة : فهلا كان هذا أمس. فدفع إبليس فى صدر الحارث فوقع الحارث وذهب إبليس هاربا فلما انهزم المشركون قالوا : انهزم بالناس سراقة وهو بعض الصف. فلما بلغ سراقة سار إلى مكة ، فقال : بلغني أنكم تزعمون بأنى انهزمت بالناس فو الذي يحلف به ما شعرت بمسيركم حتى بلغني هزيمتكم. قالوا له : ما أتيتنا يوم كذا وكذا ويوم كذا وكذا. فحلف بالله لهم أنه لم يفعل فلما أسلموا علموا أنما ذلك الشيطان (إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) يعنى الكفر نزلت فى قيس بن الفاكه ولم يتجمع جمع قط منذ يوم كانت الهزيمة أكثر من يوم بدر وذلك أن إبليس جاء بنفسه وجاء كل شيطان موكل بالدنيا إلا شيطان موكل بآدمى ، وكفار الجن كلهم ، وسبعمائة من المشركين عليهم

__________________

(١) فى أ : ويسسل ، ل : وسبيل ، م : ويسأل.

(٢) فى أ : فقال.

١١٩

أبو جهل بن هشام وكان قبل ذلك فى ألف رجل فرد منهم أبى بن شريق ثلاثمائة من بنى زهرة ، وذلك أن أبى بن شريق خلا بأبى جهل فقال : يا أبا الحكم أكذاب محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ؟ فقال : والله ما يكذب محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ على الناس ، فكيف يكذب على الله وكان يسمى قبل النبوة الأمين لأنه لم يكذب قط. فقال أبو جهل : ولكن إذا كانت السقاية فى بنى عبد مناف والحجابة والمشورة والولاية حتى النبوة أيضا. فلما سمع أبى بن شريق قول أبى جهل [١٤٧ أ] : إن محمدا لم يكذب ، رد أصحابه عن قتال محمد ـ عليه‌السلام ـ فخنس فسمى الأخنس بن شريق لأنه خنس بثلاثمائة (١) رجل من بنى زهرة يوم بدر عن قتال محمد ـ عليه‌السلام ـ وبقي سبعمائة (٢) عليهم أبو جهل ابن هشام ، والنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يومئذ فى ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا وسبعين من مؤمنى الجن وألف من الملائكة عليهم جبريل ـ عليه‌السلام ـ ، فكان جبريل على خمسمائة على ميمنة الناس وميكائيل على خمسمائة فى ميسرة الناس ولم تقاتل الملائكة قتالا قط إلا يوم بدر وكانوا يومئذ على صور الرجال وعلى قوة الرجال على خيول بلق وكان جبريل ـ عليه‌السلام ـ يسير أمام صف المسلمين ، ويقول : أبشروا فإن النصر لكم وما يرى المسلمون إلا أنه رجل منهم (إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) يعنى الكفر نزلت فى قيس بن الفاكه بن المغيرة ، والوليد بن الوليد بن المغيرة ، وقيس بن الوليد بن المغيرة ، والوليد بن عتبة بن ربيعة ، والعلاء بن أمية بن خلف الجمحي ، وعمرو بن أمية ابن سفيان بن أمية ، كان هؤلاء المسلمون بمكة ثم أقاموا بمكة مع المشركين

__________________

(١) فى ل : بثلاثمائة.

(٢) فى أ ، ل : سبع مائة.

١٢٠