تفسير كتاب الله العزيز - ج ١

هود بن محكم الهوّاري الأوراسي

تفسير كتاب الله العزيز - ج ١

المؤلف:

هود بن محكم الهوّاري الأوراسي


المحقق: بالحاج بن سعيد الشريفي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار البصائر للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٢

فاجعلنا مع الشاهدين ، أى مع من يشهد بما جاء به محمّد أنّه حقّ.

وقال بعضهم : (فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ) أى مع أمّة محمّد الذين يشهدون يوم القيامة على الأمم أنّ رسلها قد بلّغتها.

(وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ) (٨٤) : وهم أهل الجنّة.

وقال الكلبيّ : في قوله : (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى) قال : هم أربعون رجلا آمنوا بالنبيّ عليه‌السلام من النصارى : اثنان وثلاثون رجلا من الحبشة ، وثمانية من رهبان الشام. فلمّا رجعوا إلى أرضهم لامهم قومهم وقالوا : تركتم ملّة عيسى ودين آبائكم ، فردّوا عليهم وقالوا : (وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ).

قال الله : (فَأَثابَهُمُ اللهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) : أى : في الجنّة (وَذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ) (٨٥) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) (٨٦) : أى أهل النار.

وقال بعضهم : (ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً) قال : هم أناس من أهل الكتاب كانوا على شريعة من الحقّ ممّا جاء به عيسى ؛ فلمّا بعث الله محمّدا صدّقوه وآمنوا به ، فأثنى الله عليهم ما تسمعون. وقال في القصص : (أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ) [القصص : ٥٤] أى بإيمانهم بعيسى وإيمانهم بمحمّد عليهما‌السلام.

قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (٨٧).

ذكروا عن الحسن أنّ ثلاثة من أصحاب النبيّ عليه‌السلام جعل أحدهم على نفسه ألّا ينام أبدا ، وجعل الآخر على نفسه ألّا يفطر نهارا أبدا ، وجعل الآخر على نفسه ألّا يغشى النساء أبدا [وكان عثمان بن مظعون ممّن جعل على نفسه ألّا يغشى النساء. وكانت امرأته تأتي أزواج النبيّ في شارة حسنة وريح طيّبة. فلمّا جعل عثمان على نفسه ما جعل أتتهنّ على غير تلك الشارة ، فأنكرن عليها ، فقالت : إنّما تصنع المرأة لزوجها ، وإنّ فلانا وفلانا جعلوا على أنفسهم كذا وكذا. فلمّا جاء

٤٤١

رسول الله ذكرن ذلك له ، فغضب وبعث إليهم فقال : ألم أحدّث عنكم بكذا وكذا؟ قالوا : بلى] (١) قال : لكنّي أنا أصوم وأفطر ، وأقوم وأنام ، وأغشى النساء وأدع ، فمن رغب عن سنّتي فليس منّي (٢). فاستغفر القوم من ذلك وراجعوا أمرهم الأوّل. وفي تفسير عمرو عن الحسن : (لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا) فإنّ ذلك اعتداء.

قوله : (وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ) (٨٨) : قال بعضهم : ذكر لنا أنّ رجالا من أصحاب النبيّ عليه‌السلام رفضوا النساء واللحم وأرادوا أن يتّخذوا صوامع. فلمّا بلغ ذلك نبيّ الله قال : ليس في ديني ترك النساء واللحم ولا اتّخاذ الصوامع (٣).

قوله : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ) : ذكروا عن جعفر بن أبي وحشيّة قال : قلت لسعيد بن جبير : قول الله : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ) أهو الرجل يحلف على الشيء وهو يرى أنّه كذلك فلا يكون كذلك؟ قال : لا ، ولكنّه تحريمك ما أحلّ الله لك في يمينك ، فذلك الذي لا يؤاخذك الله بتركه. وقال الحسن وغيره : هو الشيء يحلف عليه الرجل وهو يرى أنّه كذلك فلا يكون كذلك (٤). ذكروا عن عطاء أنّه قال : دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة فسألناها عن هذه الآية فقالت : هو قول الرجل : لا والله ، وبلى والله (٥).

(وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ) : أى : ما حلفتم فيه متعمّدين. وقال بعضهم : ما تعمّدت فيه المأثم فعليك فيه الكفّارة.

__________________

(١) ما بين المعقوفين تفصيل للقصّة رأيت من المفيد إثباته كما ورد في مخطوطة ز ، ورقة ٨٦ للإيضاح ، واقرأ هذه القصّة بتفصيل أكثر ، وهي تتعلّق بالحولاء ، امرأة عثمان بن مظعون ، في تفسير الطبري ، ج ١٠ ص ٥١٧.

(٢) أخرجه البخاري في كتاب النكاح ، باب الترغيب في النكاح. وأخرجه مسلم أيضا في كتاب النكاح ، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ... (رقم ١٤٠١) ، وهما يرويان عن أنس بن مالك.

(٣) أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره ، ج ١٠ ص ٥١٦ ، عن قتادة مرسلا.

(٤) كذا في ع ود. وفي ز ، ورقة ٨٧ ما يلي : «عن الحسن وقتادة قالا : هو الخطأ غير العمد ؛ وذلك أن تحلف على الشيء وأنت ترى أنّه كذلك فلا يكون كما حنثت عليه».

(٥) أخرجه البخاري في كتاب التفسير ، باب (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ) عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة.

٤٤٢

قال : (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٨٩).

ذكروا عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا عبد الرحمن ، لا تسأل الإمارة ، فإنّك إن تعطها عن مسألة تكل إليها ، وإن تعطها عن غير مسألة تعن عليها. وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فأت الذي هو خير وكفّر عن يمينك (١).

ذكروا عن الحسن أنّه قال : من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفّر عن يمينه إلّا طلاق أو عتاق.

قوله : (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ) : أى يشبعهم. إن شاء أعطى كلّ إنسان منهم مدّين قمحا ، وإن شاء مدّا واحدا وإن شاء جمعهم على ثريد بخبز ولحم ، أو خبز وسمن ، أو خبز وزيت ، أو خبز ولبن ؛ إن شاء غداء وعشاء ، وإن شاء أكلة واحدة غداء أو عشاء ؛ وإن كانوا صغارا فغداء وعشاء. وإن لم يجد عشرة مساكين جميعا أطعم من وجد منهم اليوم ، ثمّ أطعمهم غدا ، ثمّ أطعمهم بعد غد حتّى يتمّوا عشرة.

وأمّا قوله : (أَوْ كِسْوَتُهُمْ) فإن شاء كسا كلّ واحد منهم ثوبين وإن شاء ثوبا واحدا. وقال بعضهم : إن كسا ثوبا واحدا كان ثوبا جامعا كساء وملحفة.

وذكر الحسن أنّ أبا موسى الأشعري كسا في كفّارة اليمين لكلّ مسكين ثوبين معقدين من معقد البحرين. وبه كان يأخذ الحسن.

قوله : (أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) إن شاء أعتق رقبة صغيرة أو كبيرة ، وإن كانت من أهل الكتاب فلا بأس.

قوله : (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ) أى : فمن لم يجد من هذه الأشياء الثلاثة شيئا من الإطعام أو الكسوة أو العتق فهو في ذلك مخيّر يفعل أى ذلك شاء. وكلّ شيء في القرآن أو ، أو ، فهو في ذلك مخيّر ، وكلّ شيء في القرآن كذا وكذا ، فمن لم يجد فكذا وكذا ، فمن لم يستطع فكذا

__________________

(١) انظر تخريجه فيما مضى من هذا الجزء ، تفسير الآية ٢٢٤ من سورة البقرة.

٤٤٣

وكذا ، فإنّه يبدأ بالأوّل فالأوّل.

قوله : (فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ) أى : متتابعة ، وهي في قراءة عبد الله بن مسعود : (ثلاثة أيّام متتابعات).

قال : (ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) أى لكي تشكروا نعمة الله.

ذكر بعضهم قال : الأيمان أربعة : يمينان تكفّران ، ويمينان لا تكفّران فأمّا اللتان تكفّران [فهو أن يقول الرجل : والله لا أفعل فيفعل ، أو يقول : والله لأفعلنّ ثمّ لا يفعل ، وأمّا اللتان لا تكفّران] (١) فالرجل يقول : والله ما فعلت وقد فعل ، والرجل يقول : والله قد فعلت ولم يفعل ذلك.

ذكروا عن ابن عبّاس أنّ رجلين تخاصما إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فكلّف المدّعي البيّنة فلم تكن له بيّنة ، فاستحلف المدّعى عليه بالله الذي لا إله إلّا هو ، فحلف بالله الذي لا إله إلّا هو ماله عندي حقّ. فنزل جبريل فقال له : قل له يرد على الرجل حقّه ، وكفّارته شهادته أو معرفته أن لا إله إلّا الله.

قال بعضهم : إنّما تكون الكفّارة في المستقبل إذا حلف أن يفعل أو لا يفعل ؛ فإذا أخبر عمّا مضى فليس عليه كفّارة ، وإن كان لم يتعمّد فليس عليه فيه مأثم ، فإن تعمّد الكذب فهو آثم ، وليس على واحد منهما كفّارة ، ولكن يستغفر الله ولا يعود.

وذكروا عن الحسن في الرجل يقول للرجل : والله لتفعلن ، ويقول الآخر : والله لا أفعل فلا يفعل ، فليس على أحد منهما كفّارة ؛ يقول : إنّما تكون الكفّارة عليه إذا حلف على نفسه ، وأمّا إذا حلف على غيره فلا كفّارة. وليس ينبغي أن يحلف على الغير (٢) أن يفعل أو لا يفعل حتّى يقول : إن شاء الله ؛ وهو قوله : (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (٢٣) إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [الكهف : ٢٣ ـ ٢٤] أى : تقول : إن شاء الله.

__________________

(١) سقط ما بين القوسين المعقوفين من ع ود ، والسياق والمعنى يقتضيانه. والتصحيح من تفسير القرطبي ، ج ٦ ص ٢٦٥ مع تفصيل يراجع هناك.

(٢) كذا في ع : «على الغير» وما سبق من سياق الكلام يؤيّده. وفي د : «على الغيب» وله وجه أيضا ، وإيراد الآية بعده يؤيّده لأنّ الغد غيب.

٤٤٤

وكان بعضهم يقول : إذا استثنى في اليمين قبل أن يتكلّم بينهما بشيء فله ثنياه (١).

ذكروا عن ابن عبّاس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن استثنى فله ثنياه (٢).

وقال بعضهم : ليس الاستثناء بشيء حتّى يجهر باليمين.

وسئل بعضهم عن الرجل يحلف على الشيء الواحد فقال : كفّارة واحدة. وكان الحسن يقول ذلك. وقال أبو عبيدة : إن جمع فكفّارة واحدة وإن فرّق فلكلّ يمين كفّارة.

قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٩٠) : أمّا الميسر فهو القمار كلّه. والأنصاب : هي أصنامهم التي كانوا يعبدونها من دون الله. والأزلام : القداح ، وهي السهام. كان أحدهم إذا أراد سفرا أخذ قدحين فقال : هذا يأمرني بالخروج ، وهذا يأمرني بالمقام ، مكتوب عليهما هذا. والمنيح بينهما ؛ فأيّهما خرج عمل به. وأمّا ذكر الخمر في هذه الآية ففيها نزل تحريم الخمر ، وقد فسّرناه في سورة البقرة (٣).

قوله : (إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) : كانوا إذا شربوا الخمر فسكروا عدا بعضهم على بعض ، فكانوا يتقامرون حتّى لا يبقى لأحدهم شيء. فكان يورث ذلك بينهم عداوة. وقال بعضهم : الميسر القمار كلّه. قال : وذكر لنا أنّ نبيّ الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نهى عن اللعب بالكعبين ، وقال : هو ميسر العجم (٤).

وكان الرجل في الجاهليّة يقامر على عزّ ماله وأهله ، فيقعد حزينا سليبا ينظر إلى ماله في يد غيره ، فكانت تورث بينهم عداوة ، فنهى الله عن ذلك.

__________________

(١) جاء في ع : «قبل أن يتكلّم قبلها بشيء». وفي د : «قبل أن يتكلّم بينهما بشيء». هذه العبارة الأخيرة أولى بالصواب أى : بين الاستثناء واليمين ، وصورته ما ورد في الصحيحين عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنّي والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلّا أتيت الذي هو خير وكفّرت عن يميني».

(٢) أخرجه ابن ماجه في الكفّارات ، باب الاستثناء في اليمين (رقم ٢١٠٤) عن أبي هريرة بلفظ : «من حلف فقال : إن شاء الله فله ثنياه».

(٣) انظر ما سلف من هذا الجزء تفسير الآية ٢١٩ من سورة البقرة.

(٤) أخرجه أحمد والبيهقيّ عن ابن مسعود بلفظ : «إيّاكم وهذه الكعاب الموسومة التي تزجر زجرا فإنّها ميسر العجم».

٤٤٥

قوله : (وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) (٩١) : كان أنزل في سورة البقرة : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما) [البقرة : ٢١٩] فذمّها في هذه الآية وهي يومئذ حلال. وبلغنا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لّما نزلت هذه الآية قال : إنّ الله يقرّب في تحريم الخمر (١). ثمّ نزلت آية أشدّ منها : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ) [النساء : ٤٣] فكانوا يشربونها حتّى إذا حضرت الصلاة أمسكوا. وكان السكر عليهم منها حراما ، وأحلّ لهم ما سوى ذلك. ثمّ جاء تحريمها في هذه الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠) إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) (٩١) [المائدة : ٩٠ ـ ٩١] [فجاء تحريم الخمر قليلها وكثيرها ما أسكر منها وما لم يسكر] (٢).

ذكر بعضهم قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من شرب الخمر ثمّ لم يسكر أعرض الله عنه أربعين ليلة ، ومن شرب الخمر ثمّ سكر لم يقبل الله منه صرفا ولا عدلا أربعين ليلة ، فإن مات فيها مات كعابد الأوثان ، وكان حقّا على الله أن يسقيه الله من طينة الخبال. قيل يا رسول الله ، وما طينة الخبال؟ قال : عصارة أهل النار في النار : القيح والدم (٣).

قوله : (وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٩٢) لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا) : قال بعضهم : شربها القوم على تقوى من الله وإحسان ، وهي يومئذ لهم حلال ، ثمّ حرمت بعدهم ، فلا جناح عليهم فيما شربوا قبل التحريم. وقال السديّ : (فِيما طَعِمُوا) أى فيما شربوا ، يعني الحيّ منهم والميّت قبل تحريمها. (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا) : أى صدّقوا بتحريمها (ثُمَّ اتَّقَوْا) : أى اتّقوا شربها (وَأَحْسِنُوا) : العمل

__________________

(١) أخرجه عبيد بن حميد عن قتادة مرسلا بلفظ : «إنّ الله قد تقرّب في تحريم الخمر». وانظر : السيوطي ، الدر المنثور ، ج ٢ ص ٢١٦.

(٢) زيادة من ز ، ورقة ٨٧.

(٣) رواه أحمد في مسنده بمعناه عن أسماء بنت يزيد الأنصاريّة ، ورواه يحيى بن سلّام عن محمّد بن أبي حميد عن محمّد بن المنكدر مرسلا.

٤٤٦

بعد تحريمها فلم يشربوها ، ومن فعل ذلك فهو محسن. (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (٩٣) : أى الذين يأخذون بالسنّة.

قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ) : أى ليختبرنّكم الله (بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ) : قال مجاهد : رماحكم ونبالكم تنال كبير الصيد ، وأيديكم تنال صغير الصيد أخذا. قوله : (لِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٩٤) : قال مجاهد : إن قتله ناسيا لإحرامه غير متعمد لقتله فعليه الجزاء. وإن قتله ذاكرا لإحرامه غير متعمّد لقتله فعليه الجزاء ، وإن قتله ذاكرا لإحرامه متعمّدا لقتله فله عذاب أليم ، لكن ليس عليه الجزاء. قال الحسن : (فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ) أى بعد التحريم [وصاد] (١) في الإحرام فله عذاب أليم.

قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً).

كان الحسن يقول : حكم الحكمين ماض أبدا. وقد يحكم الحكمان بما حكم به رسول الله ، ولكن لا بدّ أن يحكما. ذكروا عن الحسن وعطاء أنّهما قالا : إذا أصاب الرجل صيدا حكم عليه مثل من النعم ، فإن لم يجد قوّم ورقا ، ثمّ قوّم طعاما ثمّ صام لكلّ مدّ يوما في قول عطاء ، وقال الحسن : لكلّ مدّين يوما.

وقال بعضهم : يحكمان في النعم ، فإذا كان صيدا لم يبلغ النعم حكما طعاما وصوما. قال سعيد بن جبير : يحكمان في النعم ، وإنّما الطعام والصوم فيما لم يبلغ ثمن النعم. والصوم فيه من ثلاثة أيّام إلى عشرة أيّام.

ذكروا أنّ عمر بن الخطّاب جعل في الظبي شاة ، وفي الضبع كبشا ، وفي الأرنب عناقا (٢) وفي اليربوع جفرة (٣).

__________________

(١) زيادة من ز ، ورقة ٨٧ ، وفيها : «وصاد وهو محرم».

(٢) العناق واحدة العنوق : الأنثى من أولاد المعزى إذا أتت عليها سنة ، وقيل ما لم تأت عليها سنة.

(٣) الجفرة : العناق إذا شبعت من البقل والشجر ، واستغنت عن أمّها.

٤٤٧

ذكر أبو يزيد المدنيّ (١) أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جعل في الضبع كبشا. وقال عطاء : في الضبع كبش نجدي. ذكر أبو المليح (٢) أنّ عمر بن الخطّاب جعل في الظبي شاة عفراء. ذكر أبو المليح الهذليّ أنّ عبد الله بن مسعود قال : في النعامة بدنة.

ذكروا أنّ رجلا قال لعبد الله بن عمر : أصبت ولد أرنب وأنا محرم ، قال : يا عمر ، قل فيها. قلت : أنت أحقّ أن تقول. قال : أجل ، ولكنّ الله يقول : يحكم به ذوا عدل منكم ، فقلت : ولد شاة ، فقال : ولد شاة.

ذكر بعضهم قال : في البقرة الوحشيّة بقرة. ذكروا عن عطاء أنّه قال في رجل أصاب بقرة نتوجا ، فقال : فيها بقرة نتوج حامل. وذكروا عن عطاء في رجل أصاب ظبية والدا ، فقال : فيها شاة والد.

ذكر بعضهم قال : يحكم عليه في الخطأ والعمد ، وهو قول العامّة. تفسير هم على أنّه ذاكر لإحرامه ، وإن كان قتله خطأ ؛ ويوجبون أيضا على من قتل ناسيا لإحرامه الجزاء.

قال بعضهم : يحكم عليه حيث أصابه. ذكروا عن عطاء عن ابن عبّاس أنّه قال : يؤكل من الهدي إلّا من جزاء الصيد ، أو فداء ، أو نذر.

قوله : (لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ) : أى عقوبة فعله. (عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ) : ذكروا عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قال : لا جزاء دون نقمة الله. ذكروا عن عطاء بن السايب عن شريح قال : يحكم عليه كلّما عاد. ذكروا عن سعيد بن جبير قال : يحكم عليه كلّما عاد.

قال بعضهم : إن كان أصابه خطأ يحكم عليه كلّما عاد ، وإن كان أصابه عمدا ترك والنقمة.

__________________

(١) لم أجد فيما بين يديّ من كتب التراجم اسم أبي يزيد «المدني» ، كما في د أو «العدي» كما في ع. وقد أورد هذا الخبر القرطبي في تفسيره ، ج ٦ ص ٣١١ ، وقال : رواه أبو الزبير عن جابر مرفوعا. وأبو الزبير هذا هو محمّد بن تدرس المكّي الذي يروي عن جابر ، وهو تابعيّ ثقة أخرج له الجماعة ، وهو مترجم في كتب التراجم ، انظر مثلا : السيوطي ، طبقات الحفّاظ ص ٥٠.

(٢) أبو المليح الهذليّ ، ذكره الذهبيّ في ميزان الاعتدال ، ج ٤ ص ٥٧٦ ، وقال عنه : «خرّج له الحاكم في المستدرك في كتاب الدعاء».

٤٤٨

وقال بعضهم : ذكر لنا أنّ رجلا عاد فبعث الله عليه نارا فأكلته. قوله : (وَاللهُ عَزِيزٌ) : قال : عزيز في نقمته (ذُو انْتِقامٍ) (٩٥).

قوله : (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ) : ذكر عمرو عن الحسن أنّه كان لا يرى بأسا أن يصيد المحرم الحيتان. وسئل الزهريّ عن ذلك فقال : لا بأس به. قوله : (وَطَعامُهُ) : يعني بطعامه ما قذف (١). وكان ابن عمر يقول ذلك.

قوله : (مَتاعاً لَكُمْ) : أى بلاغا لكم (وَلِلسَّيَّارَةِ) : أى للمسافرين. قال بعضهم : (مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ) هو السمك المملوح الذي يتزوّده الناس لأسفارهم.

قوله : (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (٩٦).

ذكروا عن أبي هريرة أنّه قال : استفتاني قوم بالبحرين على لحم صيد صاده حلال ، أيأكله المحرم؟ فأفتيتهم بأكله ، فبلغ ذلك عمر بن الخطّاب ، فلمّا قدمت قال لي : ما أفتيت به القوم؟ فأخبرته ، فقال : لو أفتيت بغير هذا لأوجعتك ضربا ؛ وقال : إنّما يحرم عليك صيده ، أى : أن تصيده (٢). ذكروا أنّ عثمان بن عفّان لّما نزل بقديد (٣) أوتي بالحجل فى الجفان ، فقال : كلوا ، ولم يأكل وقال : لولا أنّي أظنّ أنّه صيد من أجلي أو أميت من أجلي لأكلته.

ذكروا عن جابر بن عبد الله أنّه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : صيد البرّ لكم حلال إلّا ما صدتم أو صيد لكم. يعني في الإحرام (٤).

__________________

(١) اختلف العلماء في المقصود ب «طعامه». والجمهور على أنّه الحوت الذي قذفه البحر إلى الساحل ميّتا. وذهب جابر بن زيد والسديّ وسعيد بن جبير إلى أنّ طعام البحر إنّما هو الحوت المليح. وقد روى عمرو بن دينار عن جابر بن زيد قال : «كنّا نحدّث أنّ طعامه مليحه ، ويكره الطافي منه». وذكر أبو الحواري في كتابه تفسير خمسمائة آية ص ٨٠ أنّ المقصود بطعامه في الآية «السمك المالح». انظر تفصيل هذا الاختلاف وترجيح الطبري في تفسيره ، ج ١١ ص ٦٥ ـ ٧١.

(٢) نسب مثل هذا الخبر إلى عبد الله بن عمر. انظر محمّد رواس قلعة جي ، موسوعة فقه عبد الله بن عمر ، ص ٨٣. وانظر الطبري ج ١١ ص ٩٧.

(٣) قديد ، بالتصغير ، موضع بالحجاز قرب مكّة في الطريق إلى المدينة.

(٤) حديث صحيح رواه أحمد والنسائي ، ورواه أبو داود في المناسك ، باب لحم الصيد للمحرم عن جابر بن ـ

٤٤٩

ذكروا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أهدى إليه أعرابيّ بيضات نعام و [رجل] (١) حمار وحشي فقال : أطعمهم أهلك فإنّا قوم حرم (٢).

ذكر عكرمة عن ابن عبّاس أنّه كان يكرهه ويقول : هي مبهمة ، أى قوله : (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً).

قوله : (جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ) : ذكروا عن الحسن قال : ما يزال الناس على دين ما حجّوا البيت واستلموه. ذكروا عن ابن عبّاس أنّه قال : لو تركوا هذا البيت عاما واحدا ما مطروا. قوله : (وَالشَّهْرَ الْحَرامَ) : الأشهر الحرم الأربعة دائم تحريمها إلى يوم القيامة.

قوله : (وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (٩٧).

قال بعضهم : كانت هذه في الجاهليّة حواجز. قال : كان الرجل لو جرّ كلّ جريرة ثمّ لجأ إلى الحرم لم يتناول. وكان الرجل لو لقي قاتل أبيه في الشهر الحرام لم يمسّه. وكان الرجل لو لقي الهدي مقلّدا وهو يأكل العصب من الجوع لم يمسّه. وكان الرجل إذا أراد البيت الحرام تقلّد قلادة من شعر حتّى يبلغ مكّة. وإذا أراد أن يصدر من مكّة تقلّد قلادة من لحاء السّمر أو من الإذخر فتمنعه حتّى يأتي أهله. ذكروا عن ابن عبّاس أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قلّد هديه نعلين. وقد فسّرنا أمر القلائد قبل هذا الموضع (٣). ذكروا عن عائشة بنت سعد أنّ أباها كان يقلّد هديه نعلا.

قوله : (اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) : أى لمن أراد أن ينتقم منه (وَأَنَّ اللهَ غَفُورٌ

__________________

ـ عبد الله (رقم ١٨٥١). ورواه ابن ماجه في المناسك أيضا ، باب ما ينهى عنه المحرم من الصيد (رقم ٣٠٩٠) عن صعب بن جثّامة.

(١) زيادة من تفسير الطبري ، ج ١١ ص ٨٦.

(٢) أخرجه ابن ماجه في المناسك ، وأخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره ، ج ١١ ص ٨٦. ورواه البخاري في الصحيح عن عبد الله بن عبّاس عن الصعب بن جثامة في باب إذا أهدي المحرم حمارا وحشيّا لم يقبل. أما المهدي فهو الصعب بن جثامة الليثي. ترجم له ابن عبد البرّ في باب الأفراد في حرف الصاد ، ج ٣ ص ٧٣٩ ، وقال : كان ينزل ودّان من أرض الحجاز ، وتوفّي في خلافة أبي بكر.

(٣) انظر ما سلف من تفسير في أوائل هذه السورة ، تفسير الآية ٢.

٤٥٠

رَحِيمٌ) (٩٨).

قوله : (ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ) : كقوله : (وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ) [آل عمران : ٢٠]. ثمّ قال : (وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ) (٩٩).

قوله : (قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ) : يعني الحلال والحرام (وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ) : أى كثرة الحرام (فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ) : يا ذوي العقول (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (١٠٠) : أى لكي تفلحوا.

قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللهُ عَنْها وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) (١٠١) : قال الحسن : سألوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأكثروا حتّى غضب غضبا شديدا. وسألوه عن أمور الجاهليّة التي قد عفا الله عنها ، قال : سلوني ، فو الذي نفسي بيده لا تسألوني عن شيء إلّا أنبأتكم به إلى يوم القيامة ، حتّى أتى رجل فقال : يا رسول الله من أبي؟ فقال : أبوك حذافة. ذكروا عن أنس بن مالك أنّ ابن حذافة بن قيس هو الذي سأله : من أبي ، فقال : أبوك حذافة. قال الحسن : فأتاه رجل فقال : أين أنا يا رسول الله فقال : أنت في النار (١).

فلمّا رأى عمر بن الخطاب الجواب قام فقال : أعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله ، رضينا بالله ربّا وبالإسلام دينا ، وبمحمّد رسولا ، ونعوذ بالله من شرّ عاقبة الأمور. فأنزل الله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ ...) إلى آخر الآية. ذكروا عن سلمان الفارسيّ أنّه قال : ما أحلّ الله فهو حلال ، وما حرّم الله فهو حرام ، وما سكت عنه فقد عفا عنه (٢). قال الحسن : ثمّ قال الله :

(قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ) (١٠٢) : ذكروا عن الحسن أنّ رجلا قال : يا رسول الله ، قول الله : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) [آل عمران : ٩٧] أفي كلّ عام

__________________

(١) أخرجه البخاري في كتاب الفتن ، باب التعوّذ من الفتن ، عن أنس. وأخرجه في كتاب الاعتصام ، باب ما يكره من كثرة السؤال وتكلّف ما لا يعنيه ، عن أبي موسى الأشعريّ.

(٢) نسب البغويّ في شرح السنّة ، ج ١ ص ٣١١ هذا القول إلى عبيد بن عمير من رواية سفيان بن عيينة بن عمرو بن دينار عن عبيد بن عمير قال : «إنّ الله أحلّ حلالا وحرّم حراما ، فما أحلّ ...» الخ.

٤٥١

يا رسول الله؟ فقال : والذي نفسي بيده لو قلت نعم لوجبت ، ولو وجبت ما قمتم بها ، ولو تركتموها لكفرتم ، فذروني ما تركتكم ، فإنّما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم أنبياءهم واختلافهم عليهم. وما أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ، أو فأتمّوه ما استطعتم ، وما نهيتكم عنه فانتهوا (١). وزاد فيه بعضهم : عن الحسن عن النبيّ عليه‌السلام : إنّما هي حجّة وعمرة ، فمن قضاهما فقد قضى الفريضة أو قضى ما عليه ، فما أصاب بعد ذلك فهو تطوّع (٢). وبعضهم يقول : وفي هذا أنزلت هذه الآية.

ذكروا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : إنّ أعظم الناس في المسلمين جرما من سأل عن مسألة لم تكن فحرمت من أجل مسألته لم تكن قبل ذلك حراما (٣).

ذكروا عن عمر بن الخطّاب أنّه قال : أحرّج بالله (٤) على كلّ امرئ سأل عمّا لم يكن فإنّ الله قد بيّن فيما هو كائن.

قوله : (ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ) : ذكروا عن أبي الأحوص أنّه قال : كان هذا فينا معشر قريش ؛ البحيرة : التي يقطع أطراف آذانها ، والسائبة : التي كانوا يسيّبونها لآلهتهم ، والوصيلة : الشاة تلد سبعة أبطن السابع جديا وعناقا فيقولون : قد وصلت ، وسمعت بعضهم يقول : قد وصلت أخاها ، فيتركونها ، والحام : الجمل يضرب لصلبه العشرة من ولده فيقولون : حمى ظهره ، فيترك فلا يزمّ ولا يخطم ولا يركب ولا يردّ عن حوض الماء حتّى يموت.

قال بعضهم : كانت البحيرة من الإبل ، كانت الناقة إذا أنتجت خمسة أبطن نظر إلى البطن

__________________

(١) انظر تخريجه فيما سلف من هذا الجزء ، تفسير الآية ٩٧ من سورة آل عمران.

(٢) هذه الزيادة أوردها أبو داود في أوّل كتاب المناسك ، باب فرض الحجّ (رقم ١٧٢١) هكذا : «عن ابن عبّاس أنّ الأقرع بن حابس سأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا رسول الله ، الحجّ في كلّ سنة أو مرّة واحدة؟ قال : بل مرّة واحدة ، فمن زاد فهو تطوّع».

(٣) حديث متّفق على صحّته أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام ، باب ما يكره من كثرة السؤال ، عن سعد بن أبي وقّاص بلفظ : «إنّ أعظم المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرّم فحرّم من أجل مسألته». وأخرجه مسلم في كتاب الفضائل ، باب توقيره صلى‌الله‌عليه‌وسلم وترك إكثار سؤاله ... (رقم ٢٣٥٨).

(٤) كأنّ العبارة قسم ، والإحراج والتحريج : التضييق والتأثيم.

٤٥٢

الخامس فإن كان سقبا (١) أكله الرجال دون النساء ، وإن كان ميتة اشترك فيه ذكرهم وأنثاهم ، وإن كانت هي أنثى فتبتّك (٢) أذنها ، وتركت ، فلم يجزّ لها وبر ، ولم يشرب لها لبن ، ولم يركب لها ظهر ، ولم يذكر لله عليها اسم. وكانت السائبة ، يسيّبون ما بدا لهم من أموالهم فلا تمنع من مرعى ترعى فيه ، ولا من حوض تشرع (٣) فيه. وكانت الوصيلة من الشاء ؛ كان الرجل إذا أنتج سبعة من غنمه نظر إلى البطن السابع فإن كان ذكرا ذبح وكان للرجال دون النساء ، وإن كان ميتة اشترك فيه الرجال والنساء ، وإن كانت أنثى تركت ، وإن جاءت بذكر وأنثى جميعا قيل : قد وصلت أخاها ، فمنعته الذبح. وكان الحامي إذا ركب من ولد ولده الفحل عشرة قيل له حام ، حمى ظهره فلا يزمّ ولا يخطم ولا يركب. وقال الحسن : هو مثل قوله تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ) (٥٩) [يونس : ٥٩].

قوله : (وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) (١٠٣) : قال بعضهم : لا يعقلون تحريم الشيطان الذي حرّم عليهم.

قوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا) : وهم مشركو العرب ، يعنون ما وجدوا عليه آباءهم من الشرك وعبادة الأوثان. قال الله : (أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ) (١٠٤) : أى يطيعونهم ولو كانوا لا يعلمون شيئا ولا يهتدون.

قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) : أى : إذا لم يقبل منكم (لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) : ليس هذا في ضلال الكفر ، ولكن في ضلال عن الحقّ في الإسلام. (إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (١٠٥).

ذكر عن الحسن أنّه قرأ هذه الآية فقال : اللهمّ لك الحمد عليها وعلى أشباهها.

وعن [الحسن قال : قرئت هذه الآية عند] عبد الله بن مسعود فقال : [ليس هذا بزمانها] (٤)

__________________

(١) السقب : ولد الناقة إذا كان ذكرا.

(٢) كذا في ع ود : «تبتك» ، وفي ز ، ورقة ٨٨ : «وإن كانت أنثى بحروا أذنها أى شقّوها وتركت».

(٣) في د وع : «من حوض تستريح فيه» ، وفيه تصحيف صوابه ما أثبتّه : «تشرع فيه» أى ترده وتشرب منه.

(٤) ما بين المعقوفين زيادة من ز ، ورقة ٨٩ ، لتستقيم العبارة ويتمّ النصّ.

٤٥٣

قولوها ما قبلت منكم ، فإذا ردّت عليكم فعليكم أنفسكم.

ذكر أبو مازن (١) قال : قدمت المدينة في حياة عثمان بن عفّان ، فرفعت إلى حلقة من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فتلا رجل من القوم هذه الآية. فقال رجل من أسنّ القوم : دع هذه الآية فإنّما تأويلها في آخر الزمان. قال بعضهم : قد جاء تأويلها. [إذا] أقبل رجل على نفسه ولها من الناس إلّا بخير (٢).

ذكر شيخ من أهل دمشق قال : كنّا قعودا بالجابية (٣) في مجلس فيه كعب وأبو الدرداء. فجاءهم رجل فسلّم ، ثمّ جلس ، فقال : رأيت أمرا كرهته لله. إنّ صاحبه لخليق أن يعاقب وينكّل. فقال رجل من القوم : أقبل على نفسك ودع الناس عنك ، إنّ الله قال في كتابه العزيز : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) فقال كعب : لا تطعه ، ذبّ عن محارم الله ذبّك عن عيبتك (٤) حتّى يقع تأويل هذه الآية. فقال أبو الدرداء : متى يقع تأويلها؟ فقال : إذا رأيت كنيسة دمشق هدمت وبني مكانها مسجد فذاك من تأويلها ، وإذا رأيت العصب (٥) فذاك من تأويلها ، وإذا رأيت الكاسيات العاريات فذلك من تأويلها (٦).

قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ) : وفي هذه الآية تقديم : يقول : يا أيّها الذين

__________________

(١) في ع ود : «أبو رمان» ، وفيه تصحيف صوابه ما أثبتّه : «أبو مازن». كان «من صلحاء الأزد ، من بني الحدّان» ، روى عنه قتادة هذا الخبر في تفسير الطبري ، ج ١١ ص ١٤١ ـ ١٤٢.

(٢) كذا وردت هذه العبارة في ع ود ، بدون «إذا» في أوّلها. ولم أهتد لمعنى واضح لها تطمئنّ إليه النفس. ولعلّ كلمة «لها» تعني : أعرض وترك ، فيكون المعنى : لها عن الناس وتركهم إلّا إذا ذكرهم بخير. والله أعلم.

(٣) الجابية : قرية من أعمال دمشق ، فتحها المسلمون في عهد أبي بكر ، ونزل بها عمر بن الخطّاب واتّخذها معسكرا حين قدم إلى الشام لفتح بيت المقدس. انظر : تاريخ الطبري ، ج ٣ ص ٦٠٧ ـ ٦٠٨.

(٤) في ع : «عينيك» ، وفي د : «غيبتك» ، وفي الكلمتين تصحيف صوابه ما أثبتّه. وعيبة الرجل خاصّته من أهله وموضع سرّه. وأصل العيبة : وعاء من أدم : يجعل فيه الثياب وكلّ متاع عزيز. انظر : اللسان (عيب).

(٥) العصب : ضرب من برود اليمن ، سمّي كذلك لأنّ غزله يعصب ، أى يدرج ، يجمع ثمّ يصبغ ثمّ يحاك.

(٦) لم أجد فيما بين يديّ من كتب التفسير هذا الخبر مفصّلا عن مجلس يجمع من جلّة الصحابة أمثال كعب وأبي الدرداء. وقد أشار إليه ابن كثير إشارة عابرة في تفسير الآية ، ولم يروا إلّا قول كعب : «إذا هدمت كنيسة دمشق. وظهر لبس العصب ، فحينئذ تأويل هذه الآية». انظر تفسير ابن كثير ، ج ٢ ص ٦٧٠.

٤٥٤

آمنوا إذا حضر أحدكم الموت فأشهدوا ذوي عدل منكم.

قال الحسن : أى من المسلمين ، من العشيرة ، لأنّ العشيرة أعلم بالرجل وبولده وماله ، وأجدر ألّا ينسوا ما يشهدون عليه. فإن لم يكن من العشيرة أحد ، فآخران من غيركم ، أى من غير العشيرة.

قال : (إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ) : فإن شهدا وهما عدلان مضت شهادتهما ، وإن ارتبتم في شهادتهما حبسا بعد صلاة العصر. وفيها تقديم : ثمّ تحبسونهما من بعد الصلاة إن ارتبتم. قال الحسن : ولو كانا من غير أهل الصلاة (١) ما حلفا دبر الصلاة.

قال : (فَيُقْسِمانِ بِاللهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ) (١٠٦) : فتمضي شهادتهما.

(فَإِنْ عُثِرَ) : أى اطّلع (عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً) : أى شهدا بزور ، ردّت الأشياء على الورثة الشاهدين ، وهو قوله : (فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ) : يعني من الورثة (فَيُقْسِمانِ بِاللهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَمَا اعْتَدَيْنا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) (١٠٧).

قال الله : (ذلِكَ أَدْنى) : [أي أجدر] (٢) (أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ).

قال الحسن : أراد الله أن ينكل الشهود بعضهم على بعض ، ولم تكن عند الحسن منسوخة.

ذكر عبد الله بن عون قال : قلت للحسن : هل نسخ من المائدة شيء؟ قال : لا. ذكروا عن الحسن قال : كان المسلمون أمروا أن يشهدوا من عشائرهم ، ثمّ رخّص لهم بعد أن يشهدوا من غير عشائرهم.

قال بعضهم : هذا رجل مات بغربة من الأرض في غير عشيرته ، وأوصى بوصيّة ، وأشهد

__________________

(١) في ز ورقة ٨٩ : «أهل الكتاب» وهو خطأ صوابه ما جاء في ع ود : «أهل الصلاة».

(٢) زيادة من ز ، ورقة ٨٩.

٤٥٥

عليها رجلين. فإن ارتيب في شهادتهما استحلفا بعد العصر ؛ وكان يقال : وعندها تصير الأيمان. (فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً) قال : فإن اطّلع منهما على خائنة (١) أنّهما كذبا أو كتما ، أو جاء شاهدان يشهدان بغير ما شهدا به ، أجيزت شهادة الآخرين وأبطلت شهادة الأوّلين. قال الله : (ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ) أى ذلك أحرى أن يصدّقوا فيها وأن يخافوا العقب (٢).

ذكروا عن عطاء بن السائب في قوله : (أَوْ ـ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ) أى من أهل الكتاب.

وقال الكلبيّ : إنّ رجلا لبني سهم (٣) انطلق في تجارة ومعه تميم الداري ورجل آخر (٤) ، وهما نصرانيّان يومئذ. فلمّا حضر الرجل الموت كتب وصيّة ثمّ جعلها في ماله ومتاعه ، ثمّ دفعه إليهما فقال : أبلغا هذا أهلي ، فانطلقا لوجههما الذي توجّها إليه. وفتّشا متاع الرجل بعد موته فأخذا ما أعجبهما فيه ، ثمّ رجعا بالمال إلى أهل الميّت. فلمّا فتش القوم المال افتقدوا بعض ما خرج به صاحبهم معه. ونظروا في الوصيّة فوجدوا المال فيها تامّا. فكلّموا تميما وصاحبه فقالوا : هل باع صاحبنا شيئا أو اشترى شيئا فوضع فيه (٥)؟ قالا : لا. فقالوا : هل مرض فطال مرضه فأنفق على نفسه؟ فقالا : لا. فقالوا : إنّا نفتقد بعض ما أبدى به (٦) صاحبنا ، فقالا : لا علم لنا بالذي أبدى به ، ولا بما كان في وصيّته ، ولكنّه دفع إلينا المال فبلّغناه كما هو. فرفعوا الأمر إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنزلت هذه الآية. فقدما فحلفا عند منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم دبر صلاة العصر ، فخلّى سبيلهما. فاطّلع على إناء من فضّة منقوش مموّه بذهب عند تميم ، فقالوا : هذا من آنية صاحبنا التي كانت مع صاحبنا ، وقد

__________________

(١) كذا في ع ود : «خائنة» وفي تفسير الطبري ، ج ١١ ص ٢٠٢ : «على خيانة» وكلاهما صحيح فصيح ، فقد يأتي وزن فاعلة في موضع المصدر.

(٢) في ع : «العيب» ، وفي د : «الغيب». وفي تفسير الطبري ، ج ١١ ص ٢٠٥ : «العقب» بمعنى العاقبة. وللكلمة الأولى أيضا وجه من التأويل ، أى : يخافوا عيب الكذب وردّ شهادتهما.

(٣) هو بديل بن أبي مريم ، وقيل : ابن أبي مارية ، مولى عمرو بن العاص.

(٤) هو عديّ بن براء. أمّا تميم الداري فقد أسلم سنة تسع للهجرة وحسن إسلامه. وقد وهب له الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم قريتين من بيت لحم بطلب منه ، وكتب له في ذلك كتابا.

(٥) وضع فيه ، أى : غبن فيه وخسر.

(٦) كذا في ع ود : «أبدى به» ، ولم أهتد لمعنى هذه العبارة ، ولعلّها : بدا به ، أى خرج به إلى البادية. وانظر القصّة في تفسير الطبري ، ج ١١ ص ١٨٥ ـ ١٨٩. والدر المنثور ، ج ٢ ص ٣٤٢.

٤٥٦

زعمتما أنّه لم يبع شيئا ولم يشتره. قالا : لا ، فإنّا كنّا اشتريناه منه فنسينا أن نخبركم به. فرفع أمرهما إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأنزل الله هذه الآية. (فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ فَيُقْسِمانِ بِاللهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَمَا اعْتَدَيْنا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ). فقام رجلان من أولياء الميّت ، يزعمان أنّهما عبد الله بن عمر (١) والمطّلب بن أبي رفاعة ، فحلفا بالله إنّ ما في وصيّته حقّ ، وإنّ خيانة بتميم وصاحبه. فأخذ تميم وصاحبه بما وجد في وصيّته لما اطلع عليه عند هما من الخيانة لقول الله : (ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها ...) إلى آخر الآية.

وبعضهم يقول : هي منسوخة. لا يحلف الشاهدان اليوم ؛ إن كانا عدلين جازت شهادتهما ، وإن لم يكونا عدلين لم تجز شهادتهما. قال الله في سورة البقرة [آية ٢٨٢] : (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ). وقال في سورة الطلاق [آية ٢] : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) ولم يجعل على الشاهد أن يحلف. ولا يستوجب المدّعي بنفسه الحقّ ، إن شهد له شاهدان ذوا عدل قضي له ، وإن لم تكن له بيّنة استحلف له المدّعى عليه.

ذكروا عن ابن عبّاس في قوله : (وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ) (٢٠) [ص : ٢٠] قال : البيّنة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه.

ذكروا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : المدّعى عليه أولى باليمين إذا لم تكن بيّنة (٢).

ذكروا أنّ مجاهدا قال : هو أن يموت المؤمن فيحضر موته مؤمنان أو كافران ، لا يحضر غير اثنين. فإن رضي ورثته عمّا عابا عليه من تركته فذاك ، وإلّا حلف الشاهدان أنّهما صادقان ، (فَإِنْ عُثِرَ) أى : إن وجد لطخ أو لبس أو سبة (٣) ، حلف اثنان من الأوليين من الورثة فاستحقّا وأبطلا

__________________

(١) كذا في ع وفي د ، وفي رواية ابن أبي حاتم عن ابن عبّاس عن تميم الداري أنّه عمرو بن العاص. ويبدو أنّ هذه الرواية أصحّ ، لأنّ عمرو بن العاص من بني سهم ، فهو من أولياء الميّت.

(٢) لم أجده بهذا اللفظ. وقد أخرج الربيع بن حبيب في كتاب الأحكام ، رقم ٥٩٢ ، عن ابن عباس مرفوعا : «البيّنة على من ادّعى ، واليمين على من أنكر» ، وروى نحوه البيهقيّ في الشعب. وترجم البخاري في كتاب الشهادات ، باب اليمين على المدّعى عليه في الأموال والحدود ، وقال النبيّ : «شاهداك أو بيّنة».

(٣) كذا في ع : سبة ، وفي د : بياض وفي بعض الروايات : «شبه» وهذا أصحّ وفي تفسير مجاهد ص ٢١٠ : «تشبيه».

٤٥٧

أيمان الشاهدين.

قال : (وَاتَّقُوا اللهَ وَاسْمَعُوا وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) (١٠٨) : أى المشركين الذين يموتون على شركهم.

قوله : (يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) (١٠٩) : ذكروا عن مجاهد قال : تنزع أفئدتهم فلا يعلمون [ثمّ تردّ إليهم فيعلمون] (١) وقال الحسن : يعنون أنّهم لا علم لهم بباطن أمورهم ، إنّما علمنا الظاهر ولم نعلم الباطن.

قوله : (إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ) : قال الحسن : يقوله يوم القيامة. كقوله : (وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ) [غافر : ٤٩] أى إنّهم سيقولون ذلك ، وكقوله : (وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا) [سبأ : ٣٣] وأشباه ذلك من كتاب الله.

قال : (إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ) أى إذ أعنتك بروح القدس ، والقدس : الله ، والروح جبريل ، له اسمان : جبريل والروح (تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ) أى في حجر أمّك (وَكَهْلاً) أى كبيرا. (وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي) : قال الحسن : الأكمه الأعمى. وقال غيره هو الأعمى الذي ولدته أمّه مطموس العينين. (وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي). قال : (وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) (١١٠) : وقد فسّرناه في سورة آل عمران (٢).

قوله : (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ) : والحواريّون أنصار عيسى (أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي) : يعني وحيه إلى الحواريّين يأمرهم أن يتّبعوه (قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ) (١١١).

قوله : (إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا

__________________

(١) زيادة من ز ، ورقة ٨٩.

(٢) انظر ما سلف من هذا الجزء ، تفسير الآية ٤٩.

٤٥٨

مائِدَةً مِنَ السَّماءِ) : قال الحسن : يقولون : هل ربّك فاعل ذلك؟ وهو كلام من كلام العرب ؛ ما أستطيع ذلك ، أى : ما أنا فاعل ذلك ، وهو معروف في اللغة.

ذكروا عن عائشة قالت : هم كانوا أعلم بالله من أن يقولوا : هل يستطيع ربّك ، ولكن قالوا : هل يستطيع ربّك ، أى هل تقدر على هذا منه (١).

قوله : (قالَ اتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (١١٢) : أى لّما سمع عيسى ذلك منهم قال : اتّقوا الله إن كنتم مؤمنين.

(قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا) : أى وتسكن قلوبنا إذا نظرنا إلى المائدة. قال الحسن : ليس ذلك منهم على وجه الشكّ. وهو كقوله : (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) [البقرة : ٢٦٠]. (وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا) : وهم عالمون بذلك (وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ) (١١٣) : أى أنّها نزلت من عند الله.

(قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا) : قال الحسن : يعني أوّل المسلمين وآخرهم. وقال مجاهد : (لِأَوَّلِنا) : لأهل زماننا ، (وَآخِرِنا) : من يأتي بعدنا. (وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) (١١٤)

(قالَ اللهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ) على شرط (فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ) : يعني عذاب الدنيا (عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) (١١٥). فلمّا اشترط عليهم. كرهوا ذلك الشرط فلم ينزلها. قال بعضهم : والعامّة على أنّها قد نزلت.

ذكروا أنّ عمار بن ياسر قال : قد نزلت. ذكروا عن سعيد بن جبير وغيره عن ابن عبّاس قال : قد أنزل عليهم كلّ شيء غير اللحم. قال بعضهم : نزل عليهم خبز وحيتان. وقال مجاهد :

__________________

(١) ورد هذا الخبر في ز ورقة ٨٩ مسندا هكذا : «يحيى عن عثمان عن أبي الأشهب عن القاسم بن محمّد عن عائشة». وأورده الطبري في تفسيره ، ج ١١ ص ٢١٩ بسند آخر : عن ابن وكيع عن محمّد بن بشير عن نافع عن ابن عمر عن أبي مليكة عن عائشة قالت : «كان الحواريّون لا يشكّون أنّ الله قادر على أن ينزل عليهم مائدة ولكن قالوا : يا عيسى هل تستطيع ربّك؟». وهذه قراءة نسبت إلى سعيد بن جبير ، كما في تفسير الطبري ، ج ١١ ص ٢١٩. وقال ابن الأنباريّ في البيان في غريب إعراب القرآن ، ج ١ ص ٣١٠ : «قوله تعالى : (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ) قرئ بالتاء والنصب ، والتقدير فيه : هل تستطيع سؤال ربّك ، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه».

٤٥٩

المائدة طعام كان ينزل عليهم حيث نزلوا.

قوله : (فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) ذكر بعضهم قال : ذكر لنا أنّهم لّما صنعوا في المائدة ما صنعوا من الخيانة وغيرها حوّلوا خنازير. وذكر لنا أنّ المائدة كانت خوانا ؛ ينزل عليهم ثمر من ثمر الجنّة على خوان فيأكلون منه ، فأمر القوم أن لا يخونوا فيه ولا يخبئوا ولا يدّخروا لغد. فخان القوم وخبأوا وادّخروا لغد. قال : وهو قوله : (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) [المائدة : ٧٨] أى مسخوا في زمان داود قردة ، ومسخوا في زمان عيسى خنازير.

قوله : (وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ) : [يعني لبني إسرائيل خاصّة] (١). قال الحسن : يقوله يوم القيامة ، أأنت قلت للناس (اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ قالَ سُبْحانَكَ) : ينزّه الله أن يكون قاله (ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ) : أى تعلم ما أعلم ولا أعلم ما تعلم أنت (إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) (١١٦) وقد علم الله أنّه لم يقله.

(ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي) : وهذه وفاة الرفع إلى السماء (كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ) : أى الحفيظ عليهم (وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (١١٧). (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ) : أى : فبإقامتهم على كفرهم (وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ) فبتوبة كانت منهم (فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (١١٨). (قالَ اللهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) والصادقون هاهنا هم النبيّون (يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) أى : أنّهم قد بلّغوا الرسالة. وهي تقرأ على وجه آخر : (هذا يَوْمُ) ، منوّنة ، (يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ. لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) وقد فسّرنا الأنهار في غير هذا الموضع (٢). (خالِدِينَ فِيها أَبَداً) لا يموتون ولا يخرجون منها. (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) أى الثواب (٣). (ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (١١٩) قال بعضهم : فازوا

__________________

(١) زيادة من ز ، ورقة ٩٠.

(٢) انظر ما سلف تفسير الآية ٢٥ من سورة البقرة.

(٣) كذا في د وع : «الثواب» ، أى : ذلك أعظم الثواب ، وهو كقوله تعالى : (وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ) [التوبة ٧٢].

٤٦٠