تفسير كتاب الله العزيز - ج ١

هود بن محكم الهوّاري الأوراسي

تفسير كتاب الله العزيز - ج ١

المؤلف:

هود بن محكم الهوّاري الأوراسي


المحقق: بالحاج بن سعيد الشريفي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار البصائر للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٢

٦١
٦٢

بيان الإشارات والرموز الواردة في الكتاب

١ ـ [...] ما بينهما آية أو جزء منها ذكرت في موضعها من السورة المفسّرة.

٢ ـ (...) ما بينهما آية أو جزء منها استشهد بها في غير موضعها من السورة.

٣ ـ «...» ما بينهما كلمة أو عبارة منقولة من نصّ.

٤ ـ [...] ما بينهما زيادة للإيضاح والبيان ، أو ذكر للسّورة ورقم الآية.

٥ ـ ق : مخطوطة القرارة (خزانة الشيخ بالحاج).

٦ ـ ع : مخطوطة العطف (خزانة الشيخ الحاج داود ابن يوسف).

٧ ـ ب : مخطوطة بنى يسجن (خزانة الشيخ اطفيّش ، القطب).

٨ ـ ج : مخطوطة جربة (خزانة الشيخ سالم بن يعقوب).

٩ ـ د : مخطوطة جربة (خزانة الشيخ سليمان الجادوي).

١٠ ـ سع : مصورة مخطوطة ابن سلّام (مكتبة العبدليّة).

١١ ـ سح : مصورة مخطوطة ابن سلّام (مكتبة الأستاذ حسن حسني عبد الوهّاب).

١٢ ـ ز : مصورة مخطوطة تفسير ابن أبي زمنين.

١٣ ـ و : وجه ورقة في المخطوطة.

١٤ ـ ظ : ظهر ورقة في المخطوطة.

١٥ ـ المجاز : مجاز القران لأبي عبيدة معمر بن المثنّى.

١٦ ـ المعاني : معاني القرآن لأبي زكرياء يحيى بن زيّاد الفرّاء.

٦٣
٦٤

٦٥
٦٦

بسم الله الرحمن الرحيم

صلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما

الربع الأوّل من كتاب تفسير العالم العلّامة هود بن محكّم الهوّاريّ رضي الله عنه وأرضاه ، وجعل الجنّة منزله ومأواه (١)

ابن سلّام عن أبيه عن جدّه (٢) [...] (٣) عن أبي رجاء العطارديّ ، وكان قد أدرك النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولم تكن له صحبة ، قال : أوّل سورة نزلت على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) (١) [سورة العلق : ١]. وقال : تعلّمت هذه السورة من أبي موسى. وقال بعض السلف : أوّل ما نزل من القرآن : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) (١) إلى قوله : (إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى) (٨) (٤) [سورة العلق : ١ ـ ٨].

أبو سلمة (٥) قال : قلت لجابر بن عبد الله : أى القرآن نزل أوّل؟ قال : (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) (١) [سورة المدثر : ١] [قلت :] (٦) أو (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) (١) [سورة العلق : ١]؟ قال : أحدّثك بما سمعت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول ؛ إنّه قال : جاورت في حراء ، يعني جبلا

__________________

(١) هذا ما وجدته في مخطوطة د ، وهو جزء من مقدّمة التفسير. وفيها زيادة عمّا في مخطوطة ع تبلغ حوالي الضّعف. ولكنّ المقدّمة مع ذلك غير كاملة. وهذا العنوان من وضع أحد النسّاخ ، وليس هو العنوان الحقيقيّ للكتاب.

(٢) عبارة التلقّي هذه انفردت بها مخطوطة مكتبة الشيخ الحاج صالح لعلي.

(٣) وضعت هذه النقط هنا لأنّ المقدّمة مخرومة من أوّلها. ومن الصعب تقدير عدد الأوراق التي سقطت من أوّل هذه المخطوطة.

(٤) أغلب الرواة والمفسّرين يذكرون أنّ هذه الآيات الأولى تنتهي هنا ـ أوّل ما نزلت ـ إلى قوله تعالى : (عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) [سورة العلق : ٥].

(٥) هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف. وأمّه تماضر بنت الأصبع الكلبيّة. كان يحمل عنه الحديث ، وكان من فقهاء التابعين. قيل : إنّه توفّي سنة ٩٤ للهجرة عن اثنتين وسبعين سنة.

(٦) زيادة لا بد منها ليستقيم المعنى.

٦٧

بمكّة ، وكان جوار أهل الجاهليّة ، فلمّا قضيت جواري استبطنت الوادي ، فنوديت ، فنظرت خلفي وأمامي ، وعن يميني وعن شمالي ، فلم أر شيئا. فرفعت رأسي إلى السماء فإذا هو ـ يعني جبريل عليه‌السلام ـ قاعد على العرش بين السماء والأرض ، فحممت منه ، فأتيت خديجة فقلت : دثّروني. وصبّت عليّ ماء باردا ، فأنزل الله عليّ (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) (١) (١). قال : والعامّة على أنّ أوّل ما نزل من القرآن (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) (١) (٢).

ذكروا عن أبي بن كعب قال : آخر ما نزل من القرآن هاتان الآيتان في سورة براءة : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ) ... إلى آخر السورة. [سورة التوبة : ١٢٨ ـ ١٢٩]. ذكروا عن ابن عبّاس ، عن أبي بن كعب قال : إنّ آخر القرآن بالسماء عهدا هاتان الآيتان : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) ... إلى آخر الآيتين.

ذكروا عن الكلبيّ قال : آخر ما نزل من القرآن : (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (٢٨١) [سورة البقرة : ٢٨١].

ذكروا عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أتاني جبريل وميكائيل ، فقعد جبريل عن يميني ، وميكائيل عن يساري ، فقال جبريل : بسم الله ، في حديث الحسن. وفي حديث غيره : يا محمّد ، اقرأ القرآن على حرف. فالتفت إليّ ميكائيل فقال : استزده ، فقلت : زدني. فقال : اقرأه على حرفين. فالتفت إليّ ميكائيل فقال : استزده ، فقلت : زدني. فقال : اقرأه على ثلاثة أحرف. فالتفت إليّ ميكائيل فقال : استزده ، فقلت : زدني. فقال : اقرأه على أربعة أحرف. فالتفت إليّ ميكائيل فقال : استزده ، فقلت : زدني. فقال : اقرأه على خمسة أحرف. فالتفت إليّ ميكائيل فقال : استزده ، فقلت : زدني. فقال : اقرأه على ستّة أحرف. فالتفت إليّ ميكائيل فقال : استزده ، فقلت : زدني. فقال : اقرأه على سبعة أحرف ، كلّها شاف كاف ، ما لم تختم آية رحمة بآية

__________________

(١) حديث صحيح ، أخرجه مسلم في كتاب الإيمان ، باب بدء الوحي إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (رقم ٢٥٧) عن أبي سلمة عن جابر بن عبد الله. وأخرجه البخاري مختصرا في أوائل صحيحه وفيه : «قال ابن شهاب : وأخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أنّ جابر بن عبد الله الأنصاريّ قال ، وهو يحدّث عن فترة الوحي ، فقال في حديثه : «بينما أنا أمشي إذ سمعت صوتا من السماء ...» إلى آخر الحديث.

(٢) انظر السيوطي ، الإنقان في علوم القرآن ج ١ ص ٦٩ ، ط. المشهد الحسيني ، القاهرة : ١٣٧٨ / ١٩٦٧ ، تجد تلخيصا وافيا يجمع بين الروايتين وتحقيقا في أنّ أوّل القرآن نزولا هو صدر سورة العلق.

٦٨

عذاب ، أو آية عذاب بمغفرة ، في حديث الحسن. وفي حديث غيره : ما لم تختم آية رحمة بآية عذاب أو آية عذاب برحمة (١).

ذكروا عن عبد الله بن مسعود أنّه قال : سمعت القرّاء فرأيتهم [قد اختلفت قراءتهم] (٢) ، فاقرأوا كما علّمتم ، وإيّاكم والتنطّع والاختلاف ، فإنّما هو كقول أحدكم هلمّ ، أو تعال. ذكروا عن عبد الله بن مسعود أنّه قال : نزل القران على سبعة أحرف ، كقولك : هلمّ ، تعال ، أقبل.

ذكروا عن بعض السلف أنه قال : ليس من لغة إلّا وقد نزل القرآن عليها ، غير حيّ واحد (٣).

__________________

(١) أخرجه أحمد في مسنده ، وأخرجه ابن جرير الطبري في مقدّمة تفسيره مختصرا عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ، ومن طرق كثيرة عن أبي بن كعب ، انظر مقدّمة تفسير الطبري : «القول في اللغة التي نزل بها القرآن من لغات العرب» ج ١ ص ٢١ ـ ٥٠ ، فقد استوفى المؤلّف هناك أسانيد الحديث المختلفة.

(٢) في المخطوطة بياض قدر كلمتين. وكتب على الهامش بمداد مغاير : «لعلّ هذا البياض : قد اختلفت قراءتهم» ، فاثبتّ ما على الهامش ، وهو الصواب إن شاء الله.

(٣) كذا في المخطوطة د : «غير حيّ واحد». ولست مطمئنّا لصحّة العبارة ، ولم أر لهذا الاستثناء وجها ، ولم أجد هذا الخبر بهذا الاستثناء فيما بين يديّ من المصادر.

أمّا موضوع لغة القرآن ، وهل كلّ لغته عربيّة ، أم وردت فيه كلمات من غير لغات العرب ، فهو موضع اختلاف بين العلماء. فذهب فريق منهم ، أمثال الشافعيّ ، وأبي عبيدة والطبريّ ، وابن فارس ، إلى أنّه ليس في القرآن شيء غير عربيّ ، حتّى قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتابه مجاز القرآن ج ١ ص ١٧ : «من زعم أنّ في القرآن لسانا سوى العربيّة فقد أعظم على الله القول».

وذهب آخرون إلى وجود ألفاظ في القرآن من غير لسان العرب. فقد روي عن ابن عبّاس وعكرمة ومجاهد أنّهم قالوا : إنّ في القرآن كلمات بالفارسيّة والحبشيّة والنبطيّة.

ويعجبني ما ذهب إليه أبو عبيد القاسم بن سلّام من التوفيق بين الرأيين حين ذهب إلى أنّ اختلاف الفريقين راجع إلى اختلاف في وجهة النظر.

قال أبو عبيد القاسم بن سلّام : «فهؤلاء ـ يعني ابن عبّاس وعكرمة ومجاهد ـ أعلم بالتأويل من أبي عبيدة ـ يعني شيخه أبا عبيدة معمر بن المثنّى ـ ولكنّهم ذهبوا إلى مذهب ، وذهب هذا إلى غيره ، وكلاهما مصيب إن شاء الله ؛ وذلك أنّ هذه الحروف بغير لسان العرب في الأصل ، فقال أولئك : على الأصل ، ثمّ لفظت به العرب بألسنتها ، فعرّبته ، فصار عربيّا بتعريبها إيّاه. فهي عربيّة في هذه الحال ، أعجميّة الأصل».

قال أبو منصور الجواليقي بعد أن ذكر قول أبي عبيد هذا : «فهذا القول يصدّق الفريقين جميعا». انظر ـ

٦٩

ذكروا عن أبي العالية الرياحي (١) أنه إذا قرئ عليه حرف على غير ما يقرأ لم يقل : ليس هكذا ، وقال : أمّا أنا فأقرأه كذا وكذا. فبلغ ذلك إبراهيم [بن سعد] (٢) فقال : كأنه قد سمع أنّه من كفر بحرف فقد كفر به أجمع.

ذكروا أنّ أوّل من كتب المصاحف أبو بكر الصدّيق حين قتل أهل اليمامة. وأوّل من جمع الناس على مصحف واحد عثمان بن عفّان. وذكروا أنّ حذيفة بن اليمان قال لعثمان بن عفّان : ما كنت صانعا إذا قيل : قراءة فلان وقراءة فلان؟ كما صنع أهل الكتاب فاصنعه الآن (٣). فجمع عثمان الناس على هذا المصحف على حرف واحد ، [وهو حرف زيد] (٤).

ذكروا أنّ جبريل عليه‌السلام كان يأتي النبيّ عليه‌السلام ، فيعرض عليه القرآن كلّ عام عرضة ، وأنّه أتاه في العام الذي قبض فيه فعرضه عليه عرضتين. فقال بعضهم : فكانوا يرون العرضة الآخرة قراءة ابن عفّان. وقال بعضهم : فكانوا يرون العرضة الآخرة قراءتنا هذه.

ذكروا عن الحسن قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أبي أقرأكم للقرآن (٥).

ذكروا عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه قال : إنّ أرأف أمّتي أبو بكر ، وأشدّهم في دين الله عمر بن الخطّاب ، وأصدقهم حديثا عثمان بن عفّان ، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل ، وأقرأهم

__________________

ـ الجواليقي ، المعرّب من الكلام الأعجميّ على حروف المعجم ، تحقيق وشرح أحمد محمّد شاكر ، الطبعة الثانية ، ط. دار الكتب ، القاهرة ، ١٣٨٩ ه‍ / ١٩٦٩ م ، ص ٥٢ ـ ٥٣.

(١) هو أبو العالية رفيع بن مهران الرّياحي ، مولى امرأة من بني رياح ، بطن من بطون تميم. كان من التابعين ، توفّي سنة تسعين للهجرة. قال عنه أبو بكر بن داود : «ليس أحد بعد الصحابة أعلم بالقرآن من أبي العالية ، ثمّ سعيد بن جبير». انظر الداودي ، طبقات المفسّرين ج ١ ص ١٧٣. تحقيق علي محمّد عمر ، نشر مكتبة وهبة ، القاهرة ، ١٣٩٢ ه‍ / ١٩٧٢ م.

(٢) زيادة وردت بمداد مغاير ، وهو أبو إسحاق إبراهيم بن سعد بن عبد الرحمن بن عوف. نزل بغداد. وكان فقيها متشدّدا في الحديث. مات ببغداد سنة ثلاث وثمانين ومائة للهجرة.

(٣) كذا في مخطوطتي دوز : «فاصنعه الآن» ولم أهتد لتحقيق الصواب في العبارة.

(٤) زيادة من ز.

(٥) حديث صحيح ، أخرجه مسلم بمعناه ضمن حديث في كتاب فضائل الصحابة (٢٤٦٤) عن عبد الله بن عمرو قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «خذوا القرآن من أربعة : من ابن أمّ عبد ـ فبدأ به ـ ومعاذ بن جبل ، وأبيّ بن كعب ، وسالم مولى أبي حذيفة».

٧٠

لكتاب الله أبي بن كعب ، وأفرضهم زيد بن ثابت ، والأمين أبو عبيدة بن الجرّاح (١).

ذكروا أنّ عمر بن الخطّاب قال : أقرأنا أبيّ ، وأقضانا عليّ بن أبي طالب.

ذكر الحسن أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لأبيّ بن كعب : إنّ الله أمرني أن أقرئك القرآن. قال : وقد ذكرت ثمّ وسمّاني الله لك؟ قال : نعم. قال : فبكى أبيّ (٢).

ذكروا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : من سرّه أن يقرأ القرآن [غضّا] (٣) جديدا فليقرأه على قراءة ابن مسعود (٤).

ذكروا أنّ في مصحف أبي المعوّذتين ، وليستا في مصحف عبد الله بن مسعود (٥) ، قال [بعضهم] (٦) : وجاء بهما جبريل ـ أى بالمعوّذتين ـ للنبيّ بعد أن سحرته اليهود.

ذكروا عن عقبة بن عامر الجهنيّ قال : صلّى بنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلاة الصبح فقرأ بالمعوّذتين ، وكان ذلك في سفر.

ذكروا عن عقبة بن عامر قال : قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اقرأ المعوّذتين فإنّك لن تقرأ في القرآن مثلهما (٧).

__________________

(١) حديث صحيح أخرجه أبو يعلى في مسنده عن ابن عمر. وفيه بعد ذكر عثمان : «وأقضاهم عليّ».

(٢) حديث صحيح متّفق عليه. أخرجه البخاري في المناقب ، باب مناقب أبي بن كعب رضي الله عنه. وأخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة ، باب من فضائل أبي بن كعب ... (٢٤٦٥) ، كلاهما يرويه عن أنس بن مالك ، وفي الحديث : «إنّ الله أمرني أن أقرأ عليك : (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا)». [البيّنة : ١.]

(٣) في مخطوطة د بياض قدر كلمة أثبت فيه كلمة «غضّا» كما وردت في بعض كتب الحديث.

(٤) حديث صحيح أخرجه أحمد والحاكم ، وأخرجه ابن ماجه في مقدّمة سننه ، باب في فضائل أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١٣٨) بلفظ : «عن عبد الله بن مسعود أنّ أبا بكر وعمر بشّراه أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : من أحبّ أن يقرأ القرآن غضّا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أمّ عبد».

(٥) من هنا تبتدئ مخطوطة ع.

(٦) زيادة لا بدّ منها ليستقيم المعنى ، لأنّ السند محذوف.

(٧) حديث صحيح أخرجه الطبراني ، وأخرجه الربيع بن حبيب في مسنده ج ٣ ص ١٦ (رقم ٨١٠). وزاد عقبة في آخر الحديث : «وقد قال قوم إنّهما ليستا من القرآن فقد كذبوا وأثموا». وأخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها ، باب فضل قراءة المعوّذتين (٨١٤) عن عقبة بن عامر ، ولفظه : ألم تر آيات ـ

٧١

ذكروا عن رجل من التابعين أنّه لّما كتب المصحف جاء رجلان فشهدا على الآية أنّهما سمعاها من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فكتبت (١) في المصحف. فجاء رجل (٢) بهذه الآية : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) (١٢٨) [سورة التوبة : ١٢٨] ، فطلبوا معه رجلا آخر فلم يجدوه ، فقال عمر بن الخطّاب : أنا أشهد أنّ رسول الله كان هكذا ، فاكتبوها بشهادته وشهادتي ، فكتبت بشهادتهما.

ذكروا أنّ ميمون بن مهران أو غيره قال : مصحفنا هذا ثلاث عشرة ومائة سورة (٣) ، ومصحف أبي خمس عشرة ومائة سورة ، وفيه هاتان السورتان : اللهمّ إنّا نستعينك ونستغفرك (٤). وفي مصحف ابن مسعود إحدى عشرة ومائة سورة ليس فيها المعوّذتان ولا سور أبيّ.

ذكروا عن ابن عبّاس قال : قلت لعثمان بن عفّان : كيف جعلتم براءة ، وهي من الطّول ، مع الأنفال ، وهي من المئين (٥) ، ولم تكتبوا بينهما سطر (بسم الله الرّحمن الرّحيم)؟ فقال : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كانت تنزل عليه الثلاث الآيات والأربع الآيات والخمس الآيات جميعا ، أو أقلّ من ذلك أو أكثر ، فيقول : اجعلوا آية كذا وكذا في سورة كذا وكذا في موضع كذا وكذا ، واجعلوا آية كذا وكذا في موضع كذا وكذا في سورة كذا وكذا. وإنّه قبض ولم يقل لنا في براءة شيئا. ونظرنا قصّتهما متشابهة (٦) فجعلناها معها ولم نكتب بينهما سطر (بسم الله الرّحمن الرّحيم).

__________________

ـ أنزلت الليلة لم ير مثلهنّ قطّ؟ (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) ، و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ). [الفلق : ١ ، والناس : ١].

(١) كذا في د ، وفي ع : «ثمّ كتبت».

(٢) قيل هو خزيمة بن ثابت الخطمي الأنصاري. كان يدعى ذا الشهادتين لأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أجاز شهادته بشهادة رجلين. انظر ابن عبد البر ، الاستيعاب ج ٢ ص ٤٤٨ ، وانظر الذهبي سير أعلام النبلاء ، ج ٢ ، ٣٤٦ ـ ٣٤٧.

(٣) هذا العدّ يجعل سورتي الأنفال والتوبة سورة واحدة.

(٤) تسمّيان سورتي الحفد والخلع. وقد أوردهما السيوطي في الإتقان ج ١ ص ١٨٥.

(٥) كذا في دوع : «وهي من المئين» ، والصحيح أنّ الأنفال من المثاني باتّفاق ، واختلف في براءة هل هي من الطول أو من المئين؟ فبعضهم جعلها مع الأنفال سورة واحدة وعدّها مكمّلة للسبع الطول ، وبعضهم جعل يونس بدلا عنها وجعل براءة من المئين. انظر تفسير القرطبي ج ٨ ص ٦٢ ، والسيوطي ، الإتقان ج ١ ص ١٧٢.

(٦) كذا في ع. وفي د : «وكانت قصّتهما متشابهة». وفي تفسير الطبريّ ج ١ ص ١٠٢ : «وكانت قصّتها شبيهة ـ

٧٢

ذكر أبو حمزة أنّ إبراهيم النخعي رأى في مصحفه : فاتحة كذا وكذا ، فاتحة كذا وكذا فقال لي : امحه ، فإنّ عبد الله بن مسعود قال : لا تخلطوا بكتاب الله ما ليس فيه.

ذكروا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : أخلصوا القرآن وامحضوه (١).

ذكروا عن ابن عمر أنّه كان يكره نقط المصاحف. غير واحد من السلف أنه كره نقط المصاحف.

قال [بعضهم] : وإنّه نزل بمكّة بعض ما أمر به لما يكون بالمدينة ويعملون به اذا قدموا المدينة. وقد فسّرنا هذه الوجوه في مواضعها من التفسير (٢).

ذكروا عن أبي الدرداء أنّه قال : إذا زخرفتم مساجدكم وحلّيتم مصاحفكم فعليكم الدّبار (٣).

ذكروا أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لأصحابه يوما : أى الخلق أعجب إيمانا؟ قالوا : الملائكة. قال : الملائكة في السماء ، فما لهم لا يؤمنون؟ ثمّ قال : أى الخلق أعجب إيمانا؟ قالوا : النبيّون. قال : النبيّون ينزل عليهم الوحي ، فما لهم لا يؤمنون؟ فقال : أى الخلق أعجب إيمانا؟ قالوا : أصحابك. قال : أصحابي يرونني ويسمعون كلامي ، فما لهم لا يؤمنون؟ ثمّ قال : أعجب الخلق إيمانا قوم يأتون بعدكم ، يجدون كتابا في رقّ فيؤمنون به (٤).

__________________

ـ بقصّتها فظننت أنّها منها ... فمن أجل ذلك قرنت بينهما ، ولم أكتب بينهما سطر (بسم الله الرّحمن الرّحيم) ووضعتها في السبع الطول».

(١) لم أجده فيما بين يديّ من المصادر حديثا مرفوعا.

(٢) هذه الجملة تدلّ على أنّ المؤلف كتب المقدّمة بعد أن أنهى تفسيره. وانظر السيوطي الإتقان ج ١ ص ١٠٤.

(٣) هذا نصّ حديث أخرجه أبو عبد الحكيم الترمذي في نوادر الأصول مرفوعا ، كما ذكر ذلك القرطبيّ في تفسيره ج ١٢ ص ٢٦٧ ، من حديث أبي الدرداء. وأورده الشوكاني في نيل الأوطار ج ٢ ص ٥٥ ، موقوفا على أبي الدرداء كما ورد هنا. وذكره ابن منظور في اللسان. (دبر) فقال : «وفي حديث أبي هريرة (كذا) إذا زوّقتم مساجدكم وحلّيتم مصاحفكم فالدبار عليكم». ويؤيّد ما جاء في هذا الحديث حديث رواه أبو داود في سننه ، كتاب الصلاة ، باب بناء المساجد (٤٤٨) : «عن ابن عبّاس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما أمرت بتشييد المساجد. وقال ابن عبّاس : لتزخرفنّها كما زخرفت اليهود والنصارى».

(٤) أخرجه أبو داود الطيالسيّ البصريّ في مسنده عن محمّد بن أبي حميد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن ـ

٧٣

قال بعض أهل العلم : حدّثونا أنّ السور لم تنزل كلّ سورة منها جملة ، إلّا اليسير منها ، ولكنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد كان سمّى السور ، فكلّما نزل من القرآن شىء أمر أن يضعوه من السورة في المكان الذي يأمرهم به ، حتى تمّت السور. وكان أمر أن يوضع في بعض السور المكّيّة من المدنيّ ، وأن يجعل في بعض السور المدنيّة من المكّيّ.

كان جبريل يأتي النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيقول : إنّ الله يأمرك أن تضع كذا وكذا بين ظهراني كذا وكذا من السورة. وقد نزل المكّىّ قبل المدنيّ. وإنّ هذا التأليف الذي ألّف بين السور لم ينزل على هذا التأليف ، ولكنّه وضع هكذا ؛ لم يجعل المكيّ من السور على حدة يتبع بعضها بعضا كلّها في تأليف السور. وإنّ ما أنزل بمكّة وما أنزل في طريق المدينة قبل أن يبلغ النبىّ عليه‌السلام المدينة فهو من المكّيّ. وما أنزل على النبيّ عليه‌السلام في أسفاره بعد ما قدم المدينة فهو مدنىّ. وما كان من القرآن (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) فهو مدنيّ ، وما كان (يا أَيُّهَا النَّاسُ) ففيه مكّىّ ومدنيّ ، وأكثره مكّيّ.

ذكروا عن أبي الدرداء أنّه قال : نزل القرآن على ستّ آيات : آية مبشّرة ، وآية منذرة ، وآية فريضة ، وآية تأمرك ، وآية تنهاك ، وآية قصص وأخبار. ذكر الكلبىّ عن أبي صالح عن ابن عبّاس أنّه قال : نزل القرآن على أربعة أوجه : حلال وحرام لا يسع الناس جهله ، وتفسير يعلمه العلماء ، وعربيّة تعرفها العرب ، وتأويل لا يعلمه إلّا الله ، (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) [سورة آل عمران : ٧] (١).

ذكروا عن الحسن قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما في القرآن آية إلّا لها ظهر وبطن ، وما فيه حرف إلّا وهو حدّ ، ولكلّ حدّ مطّلع (٢).

__________________

ـ عمر بألفاظ قريبة ممّا وردت عليه هنا. وفيه : «أيّ الخلق أفضل إيمانا؟».

(١) إنّ ابن عبّاس رضي الله عنه ، يجعل الكلام في هذه الآية يتمّ عند قوله تعالى : (إِلَّا اللهُ) ، وعليه الوقف في رواية ورش عندنا بالمغرب. فيجعل الواو في قوله (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) للاستئناف لا للعطف. وفي هذه المسألة خلاف مشهور بين علماء التفسير. فكأنّ في القرآن آيات تبقى سرّا مجهولا لا يعلم حقيقة تأويلها الّا الله. ونحن متعبّدون بتلاوتها والإيمان بها. وهذا قول ذهب إليه الجمهور ، منهم ابن عمر وابن مسعود وأبيّ بن كعب وابن عبّاس وعائشة وعروة بن الزبير وعمر بن عبد العزيز.

(٢) جاء هذا الحديث مضطرب العبارة في ع ، وسقطت بعض ألفاظه في د ، فأثبت تصحيحه من بعض كتب التفسير التي أوردته. فقد رواه الطبريّ مثلا في تفسيره بإسنادين في المقدّمة ج ١ ص ٢٢ ثمّ شرحه بتفصيل ـ

٧٤

ذكروا عن ابن مسعود أنّه قال : ما في القرآن آية إلّا ولها بطن. قيل : وما حدّ ومطّلع؟ قال : ليس منه حدّ إلّا سيطّلع عليه قوم يعملون به.

ذكروا عن ابن عبّاس أنّه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من قال في القرآن بغير علم فليتبوّأ مقعده من النار (١).

وذكروا عن ابن عبّاس أنّه قال : الجريء من قال في الكتاب برأيه.

ذكروا عن أبي بكر الصدّيق أنّه قال : أى أرض تقلّني وأيّ سماء تظلّني إن فسّرت القرآن برأيي (٢). قال بعض أهل العلم : بلغني أنّه من فسّر القرآن برأيه فإن أصاب لم يؤجر ، وإن أخطأ أثم. وإنّه لا يعرف تفسير القرآن إلّا من عرف اثنتى عشرة خصلة : المكّيّ والمدنيّ ، والناسخ والمنسوخ ، والتقديم والتأخير ، والمقطوع والموصول ، والخاصّ والعامّ ، والإضمار (٣) والعربيّة.

ذكروا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم دعا لابن عبّاس فقال : اللهمّ فقّهه في الدين وعلّمه التأويل (٤).

ذكروا أنّ الحسن كان يسأل أصحاب النبيّ عليه‌السلام عن تفسير القرآن ، فيسأل عن

__________________

ـ بعد ذلك في ج ١ ص ٧٢. وانظر تخريج الحديث للمحدّث الكبير الشيخ أحمد محمّد شاكر في تفسير الطبريّ ج ١ ص ٢٢ تعليق : ٣.

وخلاصة معنى الحديث ـ والله أعلم ـ أنّ لكلّ حرف حدّا حدّه الله في معناه وحكمه يجب على الإنسان أن يقف عنده ولا يتجاوزه. وأنّ لكلّ حدّ مطّلعا ، أى قدرا من جزاء ـ خيرا يكون أو شرّا ـ سيطّلع عليه المرء ويلاقيه يوم القيامة.

وللحديث شرح آخر. انظر الألوسي ، روح المعاني ج ١ ص ٧.

(١) أخرجه أحمد في المسند ، وأخرجه الترمذيّ في أوّل أبواب تفسير القرآن وقال : حديث حسن صحيح ، وأخرجه البغويّ في شرح السنّة ج ١ ص ٢٥٨. وأخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره ج ١ ص ٧٧ ـ ٧٨ من عدّة طرق. وكلّهم يرويه عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٢) روى هذا الخبر ابن جرير الطبريّ في تفسيره ج ١ ص ٧٨ ، من طريقين عن أبي معمر. وانظر تفسير ابن كثير ج ١ ص ١١.

(٣) يقصد بالإضمار الحذف.

(٤) حديث صحيح متّفق عليه. أخرجه البخاري في كتاب العلم ، باب قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اللهمّ علّمه الكتاب ، «عن عكرمة عن ابن عبّاس قال : ضمّني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال : اللهم علّمه الكتاب». وأخرجه مسلم في كتاب الفضائل ، باب فضائل عبد الله بن عبّاس رضي الله عنهما (رقم ٢٤٧٧) بلفظ : «اللهمّ فقّهه».

٧٥

الآيات ، فيقال نزلت في بني فلان ، فيذهب إليهم حتى يسألهم عنها.

ذكروا أنّ جملة التفسير جاء عن ابن عبّاس والحسن ، وأنّ تفسير مجاهد ، وسعيد بن جبير ، والضحّاك بن مزاحم والكلبيّ عن أبي صالح كلّه عن ابن عبّاس ،. وكلّ المفسّرين إنّما يدورون على ابن عبّاس والحسن.

ذكروا عن عبد الله بن مسعود أنّه قال : كنّا نتعلّم العشر آيات فلا نجاوزهنّ حتّى نتعلّم العلم بهنّ ، فكنّا نتعلّم العلم ونتعلّم العمل (١).

ذكروا عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : تعلّموا القرآن وعلّموه الناس ، وتعلّموا العلم وعلّموه الناس ، وتعلّموا الفرائض وعلّموها الناس. ألا إنّه سيأتي زمان يختلف الرجلان في فريضة فلا يجدان أحدا يفصل بينهما (٢).

* * *

__________________

(١) كذا في ع وفي د. وفي رواية أخرى : «كنّا لا نجاوز عشر آيات حتّى نعرف أمرها ونهيها وأحكامها». وهذا هو معنى العلم بهنّ. انظر الدكتور محمّد رواس قلعه جي ، موسوعة فقه ابن مسعود ، ص ٤٩٨. نشر جامعة أمّ القرى بمكّة المكرّمة ، طبع مطبعة المدني القاهرة ١٤٠٤ ه‍ / ١٩٨٤ م.

ووردت العبارة في تفسير الطبري هكذا : «كان الرجل منّا إذا تعلّم عشر آيات لم يجاوزهنّ حتّى يعرف معانيهنّ والعمل بهنّ».

(٢) أخرجه الدار قطني في سننه ، في كتاب الفرائض عن عبد الله بن مسعود مرفوعا. ورواه الترمذيّ مختصرا عن أبي هريرة في أبواب الفرائض ، باب ما جاء في تعليم الفرائض ولفظه : «تعلّموا الفرائض والقرآن وعلّموا الناس فإنّي مقبوض». وقال الترمذيّ : هذا حديث مضطرب. وأخرج البخاري في كتاب فضائل القرآن ، باب خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه ، عن عثمان رضي الله عنه عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «خيركم (وفي رواية : أفضلكم) من تعلّم القرآن وعلّمه».

٧٦

تفسير فاتحة الكتاب ، وهي مكّيّة كلّها

[قوله : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)] (١). ذكروا عن الحسن قال : هذان اسمان [ممنوعان] (٢) لم يستطع أحد من الخلق أن ينتحلهما : الله والرحمن. قال بعض أهل العلم : إنّ المشركين قالوا : أمّا الله فنعرفه ، وأمّا الرحمن فلا نعرفه ، فأنزل الله : (وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ قُلْ) ، يا محمّد (هُوَ رَبِّي) [سورة الرعد : ٣٠].

ذكروا عن أبي الدرداء قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : قال الله : أنا الرحمن ، شققت الرحم من اسمي فمن وصلها وصلته ، ومن قطعها قطعته (٣). ذكروا عن عبد الله بن مسعود قال : كنّا نكتب «باسمك اللهمّ» [زمانا] (٤) ، فلما نزلت : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) [الإسراء : ١١٠] كتبنا : (بسم الله الرّحمن). فلمّا نزلت : (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (٣٠) [سورة النمل : ٣٠] كتبنا : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ).

ذكروا عن سلمان الفارسيّ أنّه قال : [قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم] (٥) : إنّ الله خلق يوم خلق السماوات والأرض مائة رحمة ، كلّ رحمة منها طباقها السماوات والأرض ، فأنزل الله منها رحمة واحدة ، فبها تتراحم الخليقة حتّى ترحم البهيمة بهيمتها ، والوالدة ولدها. فإذا كان يوم القيامة جاء بتلك التسع والتسعين رحمة ، ونزع تلك الرحمة من قلوب الخليقة فأكملها مائة رحمة ، ثم يضعها بينه وبين خلقه ، فالخائب من خيّب من تلك المائة رحمة (٦).

__________________

(١) لم تكتب البسملة هنا في أوّل الفاتحة ، والصواب إثباتها لأنّ ما يلي تفسير لها.

(٢) زيادة من ز ، ورقة ٣.

(٣) كذا ورد هذا الحديث في ع ، وق ، ود عن أبي الدرداء. وقد رواه الترمذيّ بسند أيضا عن عبد الرحمن بن عوف بلفظ : «قال الله تبارك وتعالى : أنا الله وأنا الرحمن ، خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي ، فمن وصلها وصلته ، ومن قطعها بتتّه».

(٤) زيادة من ز ، ورقة ٣.

(٥) زيادة لا بدّ منها لأنّ ما يلي نصّ حديث صحيح باختلاف يسير في ألفاظه.

(٦) أخرجه أحمد والبيهقيّ. وأخرجه مسلم في كتاب التوبة ، باب في سعة رحمة الله وأنّها سبقت غضبه ـ

٧٧

ذكروا عن الحسن أنّه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : والذي نفسي بيده لا يدخل الجنّة إلّا رحيم ، قالوا : يا رسول الله ، كلّنا رحيم ، يرحم الرجل نفسه ويرحم ولده ، ويرحم أهله. قال : لا ، حتّى يرحم الناس جميعا (١).

ذكروا عن الحسن قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنّما يضع الله رحمته على كلّ رحيم (٢).

ذكروا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : السبع المثاني فاتحة الكتاب (٣). غير واحد من العلماء قال : السبع المثاني هي فاتحة الكتاب. وإنّما سمّيت السبع المثاني لأنّهنّ يثنين في كلّ قراءة ، يعني في كلّ ركعة.

ذكر أبو زيد (٤) قال : كنت مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليلة نمشي في بعض طرق المدينة ، ويدي في يده ، إذ مررنا برجل يتهجّد من الليل ، وهو يقرأ فاتحة الكتاب ، فذهبت أكلّم النبيّ عليه‌السلام ، فأرسل يدي من يده وقال : صه ، وجعل يستمع ، فلمّا فرغ الرجل منها قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما في القرآن مثلها (٥).

__________________

" ٢٧٥٣" ، كلّهم يرويه عن سلمان مرفوعا. وأخرجه ابن ماجه مرفوعا أيضا عن أبي سعيد في كتاب الزهد ، باب ما يرجى من رحمة الله يوم القيامة (٤٢٩٤) ، إلّا الجملة الأخيرة فإنّها لم ترد ـ فيما أعلم ـ إلّا في هذه الرواية هنا ، ولعلّها من قول سلمان نفسه.

(١) لم أجده فيما بين يديّ من المصادر.

(٢) لم أجده بهذا اللفظ : وشبيه بلفظه ومعناه ما رواه مسلم في صحيحه في كتاب الجنائز ، باب البكاء على الميّت (٩٢٣) من آخر الحديث الذي رواه أسامة بن زيد : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده ، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء).

(٣) الحديث صحيح أخرجه ابن جرير وابن المنذر عن عمر بن الخطّاب موقوفا. وأخرجه أبو الشيخ وابن مردوية عن أبي هريرة موقوفا كذلك. وأخرجه أبو داود في كتاب الصلاة ، باب فاتحة الكتاب (١٤٥٧) عن أبي هريرة مرفوعا ، وأخرجه الترمذيّ عنه كذلك مرفوعا. وأخرجه الدارميّ وابن مردوية والحاكم في مستدركه مرفوعا عن أبي بن كعب. انظر السيوطي : الدر المنثور ج ٤ ص ١٠٤.

(٤) لم يبيّن المؤلّف من هو أبو زيد هذا. وهو واحد من ستّة أو سبعة من الأنصار كلّهم بهذه الكنية ، ذكرهم أبو عمر بن عبد البرّ في الاستيعاب ج ٤ ص ١٦٦٣ ـ ١٦٦٦ ، ولعلّه واحد من الذين جمعوا القرآن على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٥) لم أجد هذا الحديث ولا سبب وروده فيما بين يديّ من مصادر التفسير والحديث.

٧٨

ذكروا عن ابن عبّاس أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لأبيّ : لأعلّمنّك سورة ما في القرآن مثلها ، ولا في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور مثلها هي أعظم : هي فاتحة الكتاب (١).

ذكروا عن أبي بن كعب قال : قال الله : يا ابن آدم أنزلت عليك سبع آيات ثلاث منهنّ لي ، وثلاث منهنّ لك ، وواحدة بيني وبينك ، (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٢) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) (٤) ، هذه لله : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (٥) [هذه بين الله وابن آدم] (٢) (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) (٧). هذه لابن آدم (٣).

ذكروا عن الحسن قال : هذا دعاء أمر الله رسوله أن يدعو به ، وجعله سنّة له وللمؤمنين. ذكروا عن ابن عبّاس أنّه كان يجهر بـ بسم الله الرحمن الرحيم (١) في الصلاة ، ويقول : من تركها فقد ترك آية من كتاب الله. وابن عبّاس كان يجعل (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) (٧) آية واحدة.

قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) : قال الحسن : حمد الربّ نفسه ، وأمر العباد أن يحمدوه. والحمد شكر النعمة. (رَبِّ الْعالَمِينَ) (٢) : العالمون الخلق. يقول : الحمد لربّ الخلق (٤).

قوله : (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) (٤) : ذكروا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يقرءونها : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) (٥). وتفسيرها على هذا المقرإ مالكه الذي يملكه ،

__________________

(١) أخرجه الإمام أحمد والترمذيّ والنسائيّ من طرق برواية أبي هريرة عن أبي بن كعب ، وقال الترمذيّ : حديث حسن صحيح.

(٢) زيادة يقتضيها سياق الكلام.

(٣) هذا معنى حديث قدسيّ جاء في الجامع الصحيح مسند الإمام الربيع بن حبيب في كتاب الصلاة ووجوبها ، باب في القراءة في الصلاة (٢٢٤). ورواه مسلم في كتاب الصلاة ، باب وجوب القراءة في كلّ ركعة (٣٩٥) عن أبي هريرة. وأوّله : «يقول الله عزوجل : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل ...» الحديث.

(٤) كذا في د : «الحمد». وفي ع وق : «الشكر لربّ الخلق».

(٥) كذا في د ، وق ، وع ، وز : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ). وقد روى الترمذيّ في أبواب القراءات عن أمّ سلمة أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يقرأها : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ).

٧٩

من قبل الملك. وبعضهم يقرءونها : (ملك يوم الدّين) يعنون بهذا المقرإ أنّه من قبل الملك. وبعضهم يقرأها : (مالك يوم الدّين) يجعلها نداء (١). وتفسيره على الدعاء : يا مالك يوم الدّين. ويوم الدين هو يوم الحساب في تفسير مجاهد والحسن. وقال بعضهم : يوم يدين الله الناس فيه بأعمالهم. وقولهم جميعا في هذا واحد.

[قوله : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)) (٢) (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) (٦) : هذا دعاء ؛ سأله المؤمنون الهدى والاستقامة في كل قول وعمل. (اهْدِنَا) أى : أرشدنا. قال بعض المفسّرين : (الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) (٦) ، يعني الطريق المستقيم إلى الجنّة ، وهو دين الإسلام. ذكروا عن ابن مسعود وابن عمر قالا : ترك النبىّ عليه‌السلام طرف الصراط عندنا وطرفه في الجنّة. قوله : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) : يعني بالإسلام. قال بعضهم : (الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) هم الأنبياء ؛ وهو كقوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ ...) إلى آخر الآية. [سورة مريم : ٥٨] والإسلام يجمعهم جميعا.

قوله : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) : يعني اليهود. (وَلَا الضَّالِّينَ) (٧) : يعني النصارى. والمشركون كلّهم مغضوب عليهم وكلّهم ضالّون ، ولكنّ اليهود والنصارى يقرأون الكتابين : التوراة والإنجيل وينتحلونهما ، ويزعمون أنّهم يدينون بهما. وقد حرّفوهما ، وهم على غير هدى. ذكروا عن الحسن أنّه قال : المغضوب عليهم اليهود ، والضالّون النصارى (٣).

__________________

وقد اختلف العلماء كثيرا في أى اللفظين أبلغ : (ملك) أو (مالك) ، وأدلى كلّ برأيه وحجّته. فرجّح الطبريّ مثلا في تفسيره ج ١ ص ١٤٩ قراءة : (ملك) وبيّن علل ترجيحه. انظر تفسير القرطبي ج ١ ص ١٤٠ ، واقرأ ملخّصا وافيا لهذه الآراء ، وكلاما نفيسا في الموضوع لأحد علمائنا الأعلام سماحة الشيخ / أحمد بن حمد الخليلي ـ أمدّ الله في أنفاسه ـ في كتابه : جواهر التفسير ج ١ ص ٢٣١ ـ ٢٣٨ ، نشر مكتبة الاستقامة ، روى ، سلطنة عمان ، ١٤٠٤ ه‍ / ١٩٨٤ م.

(١) في ق وع ود : «صراخا». وأثبت ما جاء في ز : «نداء» فهو أنسب وأبلغ.

(٢) لم يرد في أى مخطوطة ذكر لهذه الآية ولا تفسير لها. ومن المستبعد أن يكون المؤلّف ترك تفسيرها ، فقد ورد في ز مايلي : «قال محمّد : معنى العبادة في اللغة الطاعة مع الخضوع».

(٣) أخرجه الترمذىّ من حديث طويل عن عديّ بن حاتم عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بلفظ : «اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضلّال». وقال الترمذيّ حديث حسن غريب. وأخرجه أحمد في مسنده أيضا.

٨٠