تفسير كتاب الله العزيز - ج ١

هود بن محكم الهوّاري الأوراسي

تفسير كتاب الله العزيز - ج ١

المؤلف:

هود بن محكم الهوّاري الأوراسي


المحقق: بالحاج بن سعيد الشريفي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار البصائر للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٢

(وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ) (١٦٦) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا) : وهذا علم الفعال. (وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَوِ ادْفَعُوا) : أى كثّروا السواد (قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً لَاتَّبَعْناكُمْ) قال الله : (هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ) : أى إنّهم كفروا.

قال الحسن : وإذا قال الله (أَقْرَبُ) فهو اليقين ، أى إنّهم كافرون ، كقوله : (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) [البقرة : ٢٣٧] أى : والعفو هو من التقوى. كذلك النفاق هو من الكفر ، وهو كفر فوق كفر ، وكفر دون كفر. وقد يقول القائل لخصمه : حجّتي أقرب إلى الحقّ من حجّتك ، أى : إنّ حجّتي حقّ ويقين ، وحجّتك باطل وضلال.

وقال الكلبيّ : (قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً لَاتَّبَعْناكُمْ) : كانوا ثلاثمائة منافق رجعوا مع عبد الله بن أبيّ ، فقال لهم [أبو] (١) جابر عبد الله : أناشدكم الله في نبيّكم وذراريكم ودينكم ، فقالوا : والله لا يكون قتال اليوم ، ولو نعلم قتالا لاتّبعناكم يقول الله : (هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ). (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) : أى : يقولون الإيمان بألسنتهم وقلوبهم مضمرة على ترك الوفاء بما أقرّوا به من القول والعمل (٢). (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ) (١٦٧) : أى من ترك الوفاء بالعمل بالذي أقرّوا به من القول والعمل. قوله : (الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ) : يعني من قتل من المؤمنين يوم أحد ، هم إخوانهم بزعمهم لإقرارهم بدينهم وادّعائهم ملّتهم ورضاهم بأحكامهم ؛ فقال : (الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ) بهذا المعنى وعلى هذا التفسير. (وَقَعَدُوا) أى : عن القتال (لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا) أى لو أطاعونا ما خرجوا مع محمّد ، ولعملوا كما عمل المنافقون [ولما قتلوا] (٣). قال الله : (قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (١٦٨) : أى : لا تستطيعون أن تدفعوا عن أنفسكم الموت.

__________________

(١) ورد في النسخ الثلاث ق ، وع ، ود : «جابر بن عبد الله» ، وهو خطأ ، والصحيح أبو جابر عبد الله بن عمرو بن حرام أخو بني سلمة ، كما جاء في سيرة ابن هشام ، ج ٣ ص ٦٤ ، وفي مغازي الواقدي ج ١ ص ٢١٩ ، وهو والد جابر بن عبد الله الصحابيّ الجليل ، وكان أبو جابر عبد الله نقيبا شهد العقبة ثمّ بدرا ، وهو أوّل شهيد استشهد يوم أحد ومثّل به ، وقد صلّى عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل الهزيمة. انظر ترجمته في الاستيعاب لابن عبد البرّ ، ج ٣ ص ٩٥٤ ، وفي سير أعلام النبلاء للذهبي ، ج ١ ص ٢٣٥ ـ ٢٣٧.

(٢) كذا وردت العبارة في د ، وفي ق وع : «من ترك الوفاء بالعمل الذي أقروا به مع القول» ، والمعنى واحد.

(٣) زيادة يقتضيها السياق.

٣٠١

ثمّ أراد أن يعلمهم أنّهم مقتولون أو ميّتون ، وأنّ القتل في سبيل الله أفضل فقال : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (١٦٩) : ذكر بعض المفسّرين أنّها نزلت في عبد الله بن أبي بن سلول. وذكر لنا أنّ رجلا من أصحاب النبيّ عليه‌السلام قال : يا ليتنا نعلم ما فعل إخواننا الذين قتلوا في سبيل الله يوم أحد؟ فأنزل الله : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ).

(فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) : أى من الشهادة والرزق (وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (١٧٠) : أى : إخوانهم الذين فارقوهم على دينهم وأمرهم ، لما قدموا عليه من الكرامة والفضل الذي أعطاهم الله.

ذكروا عن أبي صالح عن ابن عبّاس أنّه قال : لّما قدمت أرواح أهل أحد على الله ، جعلت في حواصل طير خضر تسرح في الجنّة ، ثمّ تأوي إلى قناديل من ذهب معلّقة بالعرش يجاوب بعضها بعضا بصوت رخيم ، لم تسمع الخلائق بمثله ، يقولون : يا ليت إخواننا الذين خلّفنا من بعدنا علموا مثل الذي علمنا (١) فسارعوا في مثل الذي سارعنا فيه ، فإنّا قد لقينا ربّنا فرضي عنّا وأرضانا [فوعدهم الله ليخبرنّ نبيّه بذلك حتّى يخبرهم] (٢). قال : فأنزل الله : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (١٦٩) فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ ، أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ).

قال الله : (يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ) : أى ورزق (وَأَنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) (١٧١) : قال الحسن : فرحين بما آتاهم الله من الشهادة والرزق. وتأويل الشهيد : أنّه يشهد كرامة الله. وإنّ بعضهم ليقول لبعض : تركنا إخواننا فلانا وفلانا في صفوفهم يقاتلون عدوّهم فيقتلون إن شاء الله ، فيصيبون من الرّزق والكريمة والأمن والشهادة ما أصبنا ؛ وهو قوله : (وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ).

قوله : (الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ) : والقرح

__________________

(١) في ق وع : «عملوا مثل الذي عملنا» ، وفي د : «علموا مثل الذي علمنا» ، وهذه العبارة الأخيرة أصحّ ، وهي أيضا موافقة لما جاء في ز ، ورقة ٥٥.

(٢) زيادة من ز ، ورقة ٥٥ ، لا بدّ من إثباتها ، وسياق الكلام يقتضيها.

٣٠٢

الجرح (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ) (١٧٢) : أى الجنّة.

وذلك يوم أحد ، حيث قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : رحم الله قوما ينتدبون حتّى يعلم المشركون أنّنا لم نستأصل ، وأنّ فينا بقيّة (١). فانتدب قوم ممّن أصابتهم الجراح ذلك اليوم.

وقال بعض المفسّرين : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ) : أى الجنّة. ذلك يوم أحد ، بعد القتل والجراحات ، وبعد ما انصرف المشركون : أبو سفيان وأصحابه ، فقال نبيّ الله لأصحابه : ألا عصابة تنتدب لأمر الله فنطلب عدوّنا ، فإنّه أنكى للعدوّ وأبعد في السّمع (٢). فانطلق عصابة منهم على ما يعلم الله من الجهد بهم ، حتّى إذا كانوا بذي الحليفة (٣) فجعل الأعراب والناس يأتون عليهم ويقولون : هذا أبو سفيان مائل عليكم بالناس ، فقالوا : حسبنا الله ونعم الوكيل ؛ فأنزل الله : (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) (١٧٣). قال الكلبيّ : بلغنا أنّ أبا سفيان وأصحابه مرّ بهم قوم من السفّار من التجّار ، وبلّغوهم أنّ القوم يأتونهم (٤) ، فقالوا للتجّار : قولوا لمحمّد وأصحابه : إنّا راجعون إليكم فقاتلوكم ، فأنزل الله هذه الآية.

__________________

(١) روى هذا الخبر كتّاب السيرة عن ابن إسحاق ، ورواه ابن كثير في تفسيره ج ٢ ص ١٥٨ بلفظ قريب ممّا هو هنا.

(٢) رواه ابن جرير الطبري عن قتادة في تفسيره ، ج ٧ ص ٤٠١ ـ ٤٠٣.

(٣) أغلب المصادر تذكر هنا «حمراء الأسد» ، موضع على ثمانية أميال من المدينة ، أمّا رواية قتادة فهي تذكر هنا ـ كما جاء في تفسير ابن كثير ، وفي أسباب النزول للواحدي ، ص : ١٢٧ ـ ذا الحليفة ، وهو موضع على ستّة أميال من المدينة. ويبدو أنّه لا تنافي بين الروايات ، فيمكن أن يكون المسلمون إذ بلغوا ذا الحليفة وهم في طريقهم إلى حمراء الأسد ، جعل الأعراب والناس يأتونهم.

(٤) كأنّ الكلبيّ يشير هنا إلى قصّة معبد بن أبي معبد الخزاعي وتخذيله أبا سفيان وأصحابه حتّى ثنّاه عن الرجوع إلى المدينة لمحاربة الرسول من جديد ، وإلى ركب من عبد القيس الذين حمّلهم أبو سفيان رسالة شفوية إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فمرّ الركب برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو بحمراء الأسد فأخبروه بالذي قال أبو سفيان فقال : (حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ). انظر تفصيل ذلك في سيرة ابن هشام ، ج ٣ ص ١٠٢ ـ ١٠٣. وقد أجمع كتّاب السيرة أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بلغ فعلا حمراء الأسد ، وسمّاها بعضهم : غزوة حمراء الأسد ، لأنّ الرسول عليه‌السلام خرج إليها مع سبعين رجلا ممّن كانوا معه في غزوة أحد ، فلم يلق بها حربا ، ورجع إلى المدينة بعد أن أقام بها ثلاثا.

٣٠٣

قال الكلبيّ : وبلغنا أنّ أبا سفيان يوم أحد حين أراد أن ينصرف قال : يا محمّد ، موعد ما بيننا وبينكم موسم بدر الصغرى أن نقتتل بها إن شئت. فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ذلك بيننا وبينك (١). فانصرف أبو سفيان وقدم مكّة ، فلقي رجلا من أشجع يقال له : نعيم بن مسعود ، فقال : إنّي واعدت محمّدا وأصحابه أن يخرج نلتقي بموسم بدر ، فبدا لي ألّا أخرج إليهم ، وأكره أن يخرج محمّد وأصحابه ولا أخرج فيزيدهم ذلك عليّ جرأة ، فيكون الخلف من قبلهم أحبّ إليّ ، فلك عشرة من الإبل إن أنت حبسته عنّي فلم يخرج. فقدم الأشجعيّ المدينة ، وأصحاب محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم يتجهّزون لميعاد أبي سفيان. فقال : أين تريدون؟. قالوا : واعدنا أبا سفيان أن نلتقي بموسم بدر فنقتتل بها. فقال : بئس الرأي رأيتم ؛ أتوكم في دياركم وقراركم فلم يفلت منكم إلّا الشديد (٢) ، وأنتم تريدون أن تخرجوا إليهم ، وقد جمعوا لكم عند الموسم! والله إذا لا يفلت منكم أحد. فكره أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يخرجوا. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : والذي نفسي بيده لأخرجنّ وإن لم يخرج معي منكم أحد (٣). فخرج معه سبعون رجلا حتّى وافوا معه بدرا. ولم يخرج أبو سفيان ولم يكن قتال ، فسوّقوا في السوق ، ثمّ انصرفوا. فهو قوله : (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ) : يعني الأشجعيّ ، (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ ، إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ).

قال : (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ) : يعني الأجر (وَفَضْلٍ) : يعني ما تسوّقوا (لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ) : أى نكبة قتال ولا حرب (٤). (وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) (١٧٤).

قوله : (إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ) : أى يخوّفكم بأوليائه (٥) المشركين. (فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (١٧٥) : قال بعض المفسّرين : يخوّف المؤمن بالكافر ،

__________________

(١) روى الطبري في تفسيره ، ج ٧ ص ٤١١ هذا الخبر عن مجاهد وفيه : «فقال محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم : عسى».

(٢) كذا في ق وع ود : «فلم يفلت منكم إلّا الشديد». وفي ز ورقة ٥٦ : فلم يفلت منكم إلّا شريد» ولكلّ معنى صحيح ومناسب.

(٣) أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره ج ٧ ص ٤٠٢ عن ابن عبّاس بلفظ : «إنّي ذاهب وإن لم يتبعني أحد».

(٤) في ع : «خوف» ، وفي د : «حرب» ، وفي ز ، ورقة ٥٦ : «(لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ) : قتل ولا هزيمة».

(٥) كذا في ق وع : «بأوليائه» ، وهو الصواب ، وفي د : «يخوّفكم أولياءه» ، وفي ز ، ورقة ٥٦ : «يخوّفكم من أوليائه» ، وفي معاني الفرّاء ، ج ١ ص ٢٤٥ : «بأوليائه». وانظر تحقيق ذلك كلّه في تفسير الطبري ج ٧ ص ٤١٧.

٣٠٤

ويرهب الكافر بالمؤمن.

قوله : (وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) : يعني المنافقين في تفسير الحسن ومجاهد. وقال الحسن : اختاروا الكفر على الإيمان. (إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً) : وهو كقوله : (إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ) [آل عمران : ١٧٧]

قوله : (يُرِيدُ اللهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ) : أى من الثواب في الجنّة ؛ يقول : لا يجعل لمن يختار الكفر على الإيمان حظّا ، أى : نصيبا في الآخرة ، أى من الثواب في الجنّة. (وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) (١٧٦).

(إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ) : أى اختاروا الكفر على الإيمان (لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (١٧٧) : أى موجع.

قوله : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) (١٧٨) : أى من الهوان.

قوله : (ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) : أى المنافق من المؤمن. وقد ميّز المنافقين من المؤمنين يوم أحد. وقال بعضهم : يعني الكفّار ؛ لم يكن ليدع المؤمنين على ما أنتم عليه من الضلالة ، حتّى يميز الخبيث من الطيّب ، فميّز بينهم بالجهاد والهجرة.

قوله : (وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ) : ذكروا أنّ المنافقين قالوا : ما شأن محمّد ، إن كان محمّد نبيّا لأخبرنا بمن يؤمن به قبل أن يؤمن به. فقال الله : (وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ. وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ) : يقول : يستخلص من رسله من يشاء فيطلعه على ما يشاء من الغيب ، ثمّ يعرضه عليكم. كقوله : (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً (٢٦) إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) [الجن : ٢٦ ـ ٢٧].

قوله : (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (١٧٩) : أى : الجنّة.

قوله : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ) : أى

٣٠٥

ليس ذلك بخير لهم (بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ) : قال مجاهد : يعني اليهود. (سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ) : ذكروا أنّ رسول الله قال : يجيء كنز أحدكم يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان فيقول : أنا كنزك ، فيطلبه ، فما زال يطلبه حتّى يلقمه يده فيقضقضها حتّى يأتي على سائر بدنه (١).

قال الكلبيّ : يطوّق شجاعين في عنقه فيلدغان جبهته ووجهه فيقول : أنا كنزك الذي كنزت ، أنا الزكاة التي بخلت بها. وقال بعضهم : يحملونها على رقابهم وظهورهم فلا تقبل منهم. وقال مجاهد : سيكلّفون أن يأتوا بما بخلوا به يوم القيامة.

قوله : (وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) : أى يبقى وتفنون أنتم. (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (١٨٠).

قوله : (لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ) : قالت اليهود : إنّ الله استقرضكم ، وإنّما يستقرض الفقير. يعنون قول الله : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ) [الحديد : ١١] ، وقالوا : فهو فقير ونحن أغنياء.

وقال بعضهم : ذكر لنا أنّها نزلت في حيي بن أخطب ؛ لّما أنزل الله : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) قال : يستقرضنا ، افتقر إلينا!. وقال مجاهد : لم يستقرضنا وهو غنيّ؟.

قال الله : (سَنَكْتُبُ ما قالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ) : يعني بهذا أوّليهم الذين قتلوا الأنبياء. (وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ) (١٨١) : يعني في الآخرة.

(ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ) : من الكفر والتكذيب (وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (١٨٢).

ثمّ قال : (الَّذِينَ قالُوا) : ببغيهم (إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ) : قال الله : (قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ

__________________

(١) حديث صحيح أخرجه البخاري في عدّة أبواب. أخرجه مثلا في كتاب الزكاة ، باب إثم مانع الزكاة. وفي التفسير ، باب (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً ،) عن أبي هريرة وأوّله : «من آتاه الله مالا فلم يؤدّ زكاته مثّل له ماله يوم القيامة شجاعا أقرع ...». ورواه الحافظ أبو يعلى عن ثوبان عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وفيه : «حتّى يلقمه يده فيقضمها».

٣٠٦

وَبِالَّذِي قُلْتُمْ) من القربان الذي تأكله النار ، وأنتم تنظرون فلم تؤمنوا بهم ، وقتلتموهم. (فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (١٨٣) أنّ الله عهد إليكم ذلك ، يعني أوّليهم.

وكانت الغنيمة قبل هذه الأمّة لا تحلّ لهم ؛ كانوا يجمعونها فتنزل عليها نار من السماء فتأكلها. قال مجاهد : كان الرجل إذا تصدّق بصدقة فقبلت منه أنزلت عليها نار من السماء فأكلتها. ذكر عكرمة قال : ما أحلّت الغنائم لأحد قبلكم ، ولا حرّمت الخمر على أحد قبلكم.

قوله : (فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جاؤُ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ) (١٨٤) : قال الكلبيّ : أمّا الزّبر فكتب الأنبياء ، وأمّا الكتاب المنير فالحلال والحرام. قال الحسن : (جاؤُ بِالْبَيِّناتِ) : أى : الحجج ، (وَالزُّبُرِ وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ) : وهما شيء واحد. وقال : فأمر الله نبيّه بالصبر ، وعزّاه ، وأعلمه أنّ الرسل قد لقيت في جنب الله الأذى.

قوله : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) : قال الحسن : أخبر الله نبيّه أنّ ما بينهم وبين أن يذوقوا العذاب الموت ، فسوف يذوقونه ، ثمّ يوفّون أجورهم ، فيصير الخلق فريقين : فريق في الجنّة ، وفريق في السعير.

قوله : (فَمَنْ زُحْزِحَ) : أى : فمن نحّي (عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ) : أى نجا وفاز بالجنّة. (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ) (١٨٥) : عزّى الله رسوله والمؤمنين عن الدنيا ، وأخبرهم أن ذلك إنّما يصير باطلا.

ذكروا أنّ أبا الدرداء قال : الدنيا ملعونة وملعون ما فيها إلّا ذكر الله وما أدّى إليه (١).

ذكروا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : لقاب قوس أحدكم في الجنّة خير من الدنيا وما فيها. اقرأوا إن شئتم قول الله : (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ). ذكر الحسن قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لقاب قوس أحدكم أو موضع سوطه من الجنّة خير من الدنيا وما فيها (٢).

__________________

(١) هذا نصّ حديث حسن أخرجه الترمذيّ في الزهد ، وأخرجه ابن ماجه أيضا في كتاب الزهد (٤١١٢) من حديث عبد الله بن ضمرة ، وعنه عن أبي هريرة وفي آخره : «إلّا ذكر الله وما والاه ، أو عالما أو متعلّما».

(٢) أخرجه البخاري في الرقائق ، باب صفة الجنّة والنار ، من حديث عن أنس أنّ أمّ حارثة أتت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقد هلك حارثة يوم بدر ... وفيه : «غدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها ، ولقاب قوس ـ

٣٠٧

قوله : (لَتُبْلَوُنَّ) : أى لتختبرنّ (فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) : أى مشركي العرب (أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (١٨٦) : أى من حقّ الأمور (١).

ابتلاهم الله في أموالهم ، أى اختبرهم فيها ففرض عليهم حقوقا ، وهو أن يجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ، وأن يؤتوا الزكاة وما فرض عليهم. ثمّ أخبرهم أنّهم سيؤذون في جنب الله ، وأمرهم بالصبر.

قوله : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) : وهذا ميثاق أخذ على العلماء من أهل الكتاب أن يبيّنوا للناس ما في كتابهم ، وفيه رسول الله والإسلام. (فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ) وكتبوا كتبا بأيديهم ، فحرّفوا كتاب الله (وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً) : يعني ما كانوا يصيبون عليه من عرض الدنيا (فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ) (١٨٧) : إذ اشتروا النار بالجنّة.

وذكر بعضهم قال : هذا ميثاق أخذه الله على أهل العلم ؛ من علم علما فليعلّمه ، وإيّاكم وكتمان العلم.

ذكر عطاء قال : من سئل عن علم عنده فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار جهنّم (٢). ذكروا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : مثل الذي يتعلّم العلم ولا يحدّث به كمثل الذي يكنز الكنز ولا ينفق منه (٣).

__________________

ـ أحدكم أو موضع قدم من الجنّة خير من الدنيا وما فيها ...».

(١) كذا في المخطوطات ، وفي تفسير الطبري ، ج ٧ ص ٤٥٦ : «يقول : من القوّة ممّا عزم الله عليه وأمركم به».

وقال ابن الجوزيّ في زاد المسير ، ج ١ ص ٥٢٠ : «أي : ما يعزم عليه ، لظهور رشده».

(٢) وهذا أيضا نصّ حديث صحيح رواه أحمد ، ورواه أبو داود في كتاب العلم ، باب كراهيّة منع العلم (٣٦٥٨) ، وأخرجه الترمذيّ في كتاب العلم ، باب ما جاء في كتمان العلم ، كلّهم يروونه من طريق عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة مرفوعا.

(٣) لم أجده نصّا لحديث فيما بين يديّ من مصادر الحديث والتفسير ، إلّا أنّ الطبريّ أورد في تفسيره ، ج ٧ ص ٤٦١ ، قولا سديدا لقتادة جاء فيه : «كان يقال : مثل علم لا يقال به ، كمثل كنز لا ينفق منه. مثل حكمة لا تخرج ، كمثل صنم قائم لا يأكل ولا يشرب. وكان يقال : طوبى لعالم ناطق ، وطوبى لمستمع واع».

٣٠٨

قوله : (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا) : هم اليهود. قال الحسن : دخلوا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فدعاهم إلى الإسلام ، فصبروا على دينهم ، فخرجوا إلى الناس فقالوا لهم : ما صنعتم مع محمّد ، فقالوا : آمنّا به ووافقناه. فقال الله : (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا) ، يقول : فرحوا بما في أيديهم حين لم يوافقوا محمّدا. (وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا).

قال الكلبيّ : قالوا : نحن أهل الكتاب الأوّل ، وأهل العلم وأهل الصلاة والزكاة ، ولم يكونوا كذلك ، أحبّوا أن يحمدهم الناس وأن يطأوا أعقابهم بما لم يفعلوا.

وقال مجاهد : (يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا) أى : بما فعلوا من تبديلهم التوراة ، حرّفوها عن مواضعها ، ففرحوا بذلك ، وأحبّوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا ، يعني أن يحمدوا على أنّ لهم علما ، وليس عندهم علم بما حرّفوا (١) ، إنّما ابتدعوا من قبل أنفسهم.

وذكر لنا أنّ يهود خيبر أتوا نبيّ الله ، فزعموا أنّهم راضون بالذي جاء به ، وأنّهم يتابعونه ، وهم متمسّكون بضلالتهم ، وأرادوا أن يحمدهم نبيّ الله بأمر لم يفعلوه.

ذكر بعضهم قال : من طلب العلم والحديث ولم يحدّث به لم يرح ريح الجنّة.

قوله : (فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ) : أى بمنجاة (مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (١٨٨) : أى موجع.

قوله : (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٨٩) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ) (١٩٠) : أى لذوي العقول ، وهم المؤمنون (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) يقولون : (رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً) : أى إنّ هذا سيصير إلى الميعاد. (سُبْحانَكَ) : ينزّهون الله (فَقِنا) : أى : فاصرف عنّا (عَذابَ النَّارِ) (١٩١).

قال الحسن : هذا دعاء علّمه الله المؤمنين يدعون به الله ، ويسألونه الجنّة ، لأنّه إذا وقاهم عذاب النار أدخلهم الجنّة.

ذكروا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان ليلة عند عائشة فقال : يا عائشة ، دعيني أتعبّد لربّي. فخرج

__________________

(١) في ق وع : «وليس عندهم علم بما فرحوا» ، وفيه تصحيف صوابه ما جاء في ز : «بما حرّفوا».

٣٠٩

فنظر إلى السماء فتلا هذه الآية ، ثمّ استاك ، ثمّ توضّأ ، ثمّ صلّى ، ثمّ قعد يذكر الله ، ثمّ وضع جنبه فذكر الله ، أحسبه فعل ذلك ثلاث مرّات ، فسألته عائشة ، فتلا هذه الآية ، ثمّ قال : ذكرت الله قائما وقاعدا وعلى جنبي ، فويل لمن لاكها بين لحييه ثمّ لم يتفكّر فيها (١).

وبعضهم يقول : (يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ) : يعني الصلاة المكتوبة ، إذا لم يستطع أن يصلّي قائما فقاعدا ، وإذا لم يستطع قاعدا فعلى جنبه. قال بعضهم : هذه حالاتك يا ابن آدم كلّها : اذكر الله وأنت قائم ، فإن لم تستطع فاذكره وأنت جالس ، فإن لم تستطع فاذكره على جنبك ، يسرا من الله وتخفيفا.

قوله : (رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ) : أى فقد أهنته (وَما لِلظَّالِمِينَ) : أى للمشركين (مِنْ أَنْصارٍ) (١٩٢).

(رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ) : يعنون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٢). (أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا).

(رَبَّنا) : أى يا ربّنا (فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ) (١٩٣) : قال الحسن : أمرهم الله أن يدعوا بتكفير ما مضى من الذنوب والسيّئات والعصمة فيما بقي.

(رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ) : أى : على ألسنة رسلك. كقوله : (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) [المائدة : ٧٨]. قال الحسن : وعد الله المؤمنين على ألسنة رسله أن يدخلهم الجنّة إذا أطاعوه.

__________________

(١) روى هذا الحديث هنا مختصرا. وقد رواه عبد بن حميد في تفسيره ، كما رواه ابن أبي حاتم وابن حبّان بأكثر تفصيلا عن عطاء في قصّة دخوله مع عبد الله بن عمر وعبيد بن عمير على عائشة. وفيها أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يبكي عند ما ذكر الله قائما وقاعدا وعلى جنبه. فدخل عليه بلال يؤذنه بصلاة الصبح. وفي الخبر أنّ بلالا سأله عن بكائه فأخبره النبيّ بنزول هذه الآيات ، ثمّ قال : «ويل لمن قرأها ولم يتفكّر فيها». انظر تفسير ابن كثير ، ج ٢ ص ١٨٠ ـ ١٨١.

(٢) هذا ما ذهب إليه كثير من المفسّرين. وقال محمّد بن كعب القرظيّ : «ليس كلّ الناس سمع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولكنّ المنادي : القرآن». وقد رجّح ابن جرير الطبريّ هذا القول الأخير في تفسيره ، ج ٧ ص ٤٨٠ ـ ٤٨١. وهو أعمّ وأنسب.

٣١٠

قوله : (وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ) : أى : ولا تعذّبنا. والخزي يوم القيامة دخول النار. (إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ) (١٩٤).

قال الله : (فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) : أشرك الله بين الذكر والأنثى.

(فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللهِ وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ) (١٩٥) : هذه للرجال دون النساء. وهذا ما سأله المؤمنون أن يعطيهم ، وهو ما وعده الله على ألسنة رسله. فسألت عائشة النبيّ عليه‌السلام : هل على النساء جهاد؟ فقال : نعم ، جهاد لا قتال فيه : الحجّ والعمرة (١).

قوله : (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ) (١٩٦) : أى بغير عذاب (٢) فإنّما هو (مَتاعٌ قَلِيلٌ) : أى ذاهب (ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ) : أى مصيرهم جهنّم. (وَبِئْسَ الْمِهادُ) (١٩٧) : مثل قوله : (لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ) والمهاد الفراش (وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ) [الأعراف : ٤١]. وقال : (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ) [الزمر : ١٦].

ثمّ قال : (لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللهِ) : أى ثوابا من عند الله [ورزقا] (٣) أى ثواب الآخرة. (وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ) (١٩٨).

قوله : (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ) : يعني من آمن من أهل الكتاب.

__________________

(١) أخرج البخاري في باب فضل الجهاد والسير عن عائشة رضي الله عنها أنّها قالت : يا رسول الله ، ترى الجهاد أفضل العمل ، أفلا نجاهد؟ قال : «لكن أفضل الجهاد حجّ مبرور». وفي باب جهاد النساء عن عائشة رضي الله عنها قالت : استأذنت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الجهاد فقال : «جهاد كنّ الحجّ». وفي لفظ آخر عنها قالت : سأله نساؤه عن الجهاد فقال : «نعم الجهاد الحجّ».

(٢) هذا وجه من أوجه التأويل ، وللآية وجه آخر أورده كثير من المفسّرين. قال الفرّاء في معاني القرآن ، ج ١ ص ٢٥١ : «كانت اليهود تضرب في الأرض فتصيب الأموال ، فقال الله عزوجل : لا يغرّنّك ذلك». وقال ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن ، ص ١١٧ : «أي : تصرّفهم في التجارات وإصابتهم الأموال».

(٣) زيادة من ز ، ورقة ٥٩.

٣١١

وهم الذين قال [فيهم] (١) : (وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ) (٨٣) [المائدة : ٨٣]. (وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلَّهِ) : والخشوع : المخافة الثابتة في القلب. وقال بعضهم : الخشوع التواضع ، وهما واحد.

(لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً) : كما اشترى به غيرهم من أهل الكتاب. (أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) : أى الجنّة. (إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) (١٩٩).

ذكر بعض المفسّرين قال : إنّما نزلت في النجاشيّ وأناس من أصحابه آمنوا بنبيّ الله وصدّقوه.

ذكر الحسن أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لّما بلغه موت النجاشيّ قام وأمر أصحابه فصلّوا عليه ؛ فقال من قال : يأمرنا أن نصلّي على علج من الحبشة ، فأنزل الله : (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ ...) إلى آخر الآية.

قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا) : قال بعضهم : اصبروا على طاعة الله ، وصابروا أهل الضلالة ، ورابطوا في سبيل الله.

وقال بعضهم : اصبروا على الفرائض ، ورابطوا العدوّ.

وقال الحسن : اصبروا على أمر الله الذي فرض عليكم من الجهاد وغيره ، وصابروا عليه ، ورابطوا في سبيل الله ، أى الكفّار.

وقال الكلبيّ : اصبروا على البلاء ، وصابروا عدوّكم ورابطوهم.

قوله : (وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٢٠٠) : أى لكي تفلحوا ، وهي واجبة لمن فعل. والمفلحون : السعداء ، وهم أهل الجنّة (٢).

* * *

__________________

(١) زيادة يقتضيها السياق.

(٢) في مخطوطة د ، وفي أصلها جاء هذا الدعاء ، وهو زيادة من أحد النسّاخ ولا شك : «اللهمّ اجعلنا من أهل الجنّة وأصحابها ، وممّن تدخل عليهم الملائكة من أبوابها ، تبشّرهم بزلفى وحسن مآبها ، يا أرحم الراحمين». آمين.

٣١٢

تفسير سورة النساء ، وهي مدنيّة كلّها

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) : يعني آدم (وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها) : أى حوّاء من ضلع من أضلاعه القصيرى (١) ، من جنبه الأيسر وهو نائم.

قال مجاهد : فاستيقظ فقال : أثا أثتى ، أى : امرأة امرأتي. أثا بالسريانية. أشا اشتي ، أى : امرأة ، امرأتي ، إلّا أنّه بالتاء عبرانيّ ، وبالشين سريانيّ. وإثا : تعالى. ذكر الحسن قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنّ المرأة خلقت من ضلع (٢) ، وإنّك إن ترد إقامتها تكسرها ، فدارها تعش بها (٣).

ذكر أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنّ المرأة خلقت من ضلع ، لا تستقيم على خلقة واحدة ، إنّما هي كالضلع ، فإن أقمتها كسرتها ، وإن تركتها ، استمتعت بها على عوجها (٤).

__________________

(١) وردت الكلمة في المخطوطات ق ، وع ، ود ، بالألف الممدودة ، وصوابها : «القصيرى» ، بالتصغير والألف المقصورة ، ويقال أيضا : القصري ، بدون تصغير ، وهي الضّلع التي تلي الشاكلة بين الجنب والبطن ، وقيل : هي آخر ضلع في الجنب. انظر اللسان : (ضلع.) وفي تفسير مجاهد ، ص ١٤٣ : «خلق حوّاء من قصيرى آدم ...».

(٢) الضلع : بكسر الضاد وفتح اللام ، وقد تسكّن اللام. والكلمة مؤنّثة. وقد أورد صاحب اللسان بيتا لحاجب بن ذبيان كشاهد على فتح اللام فقال :

بني الضّلع العوجاء أنت تقيمها

ألا إنّ تقويم الضلوع انكسارها.

ثمّ أورد بيتا لابن مفرّغ كشاهد على سكون اللام فقال :

ورمقتها فوجدتها

كالضّلع ليس لها استقامه.

(٣) أخرج البخاري في كتاب النكاح ، باب المداراة مع النساء ، وباب الوصاة بالنساء حديثين عن أبي هريرة.

وجاء في الأخير منهما : «... واستوصوا بالنساء خيرا ، فإنّهنّ خلقن من ضلع ، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه ، فإن ذهبت تقيمه كسرته ...».

(٤) أخرجه البخاري ومسلم ؛ أخرجه مسلم في كتاب الرضاع ، باب الوصيّة بالنساء (١٤٦٨) عن أبي هريرة جاء فيه : «... لن تستقيم لك على طريقة ، فإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج ، وإن ذهبت تقيمها كسرتها ، وكسرها طلاقها».

٣١٣

قوله : (وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً) : أى وخلق منهما رجالا كثيرا ونساء.

(وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) : أى واتّقوا الأرحام أن تقطعوها ، في تفسير من قرأها بالنصب. ومن قرأها بالجرّ فهو كقول القائل : أنشدك بالله وبالرحم.

قوله : (إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (١) : أى حفيظا.

قوله : (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ) : أى اعطوا اليتامى أموالهم ، أى : إذا بلغوا. (وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ) : قال مجاهد : ولا تتبدّلوا الحرام بالحلال (١). وقال الحسن : الخبيث : أكل أموال اليتامى ، والطيّب : الذي رزقكم الله ؛ يقول : لا تذروا الطيّب وتأكلوا الخبيث الذي حرّم الله عليكم.

قوله : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ) : أى لا تأكلوا أموالهم ظلما إلى أموالكم ، أى مع أموالكم. (إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً) (٢) : قال الحسن : ذنبا كبيرا. وقال غيره : ظلما كبيرا. ذكروا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : أكل أموال اليتيم من الكبائر (٢).

قوله : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا) : أى ألّا تعدلوا (فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ) : أى ما حلّ لكم (مِنَ النِّساءِ) : قال بعضهم : يقول : كما خفتم الجور في اليتامى وهمّكم ذلك ، فخافوا في جمع (٣) النساء. وكان الرجل يتزوّج في الجاهليّة العشر فما دون ذلك ؛ فأحلّ الله له أربعا ، فقال : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا) انكحوا (فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) : تطأ بملك يمينك كم تشاء.

قال الحسن : (وَإِنْ خِفْتُمْ ، أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى) أى : إن علمتم فيهنّ مخافة إثم ؛ وذلك أنّ الرجل كان يكون عنده يتامى النساء ، هو وليّهن ، التسع ، والسبع ، والخمس ، والثلاث ، والواحدة ،

__________________

(١) اللفظ في تفسير مجاهد ص ١٤٣ هكذا : «لا تتبدّلوا الحرام من أموال اليتامى بالحلال من أموالكم».

(٢) لم أجده حديثا منفردا بهذا اللفظ ، ولكنّه ورد في حديث متّفق عليه رواه البخاري في باب قول الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً ...) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «اجتنبوا السبع الموبقات ...» وفيه : «وأكل مال اليتيم». ورواه مسلم في كتاب الإيمان ، باب بيان الكبائر وأكبرها (٨٩) عن أبي هريرة.

(٣) في د وز : «جميع» ، وفي ق وع : «جمع» وهو الأصحّ.

٣١٤

فيكره أن يزوّجهن ، يريد أن يحبسهنّ حتّى يمتن فيرثهنّ ، أو يتزوّج منهنّ من يشاء.

ذكروا عن مجاهد أنّه قال : كان الرجل في الجاهليّة يتزوّج بمال اليتيم لا يبالي ، فنهاهم الله عن ذلك (١). وبلغنا عن ابن عبّاس أنّه قال : إنّما قصروا على أربع من أجل أموال اليتامى (٢).

قوله : (ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا) (٣) : أى : أجدر ألّا تعولوا. ذكروا عن مجاهد قال : ذلك أدنى ألّا تضلّوا. وقال بعضهم : (ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا) أى : أدنى ألّا تميلوا ؛ وهو واحد.

قوله : (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً) : أى فريضة (٣).

ذكروا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : لا على أحدكم على ما تزوّج من قليل أو كثير إذا ما سمّى وأشهد (٤).

ذكروا أنّ عمر بن الخطّاب رضي الله عنه جعل مهور نساء المؤمنين أربعمائة درهم ، فما اصطلحوا عليه دون ذلك فهو جائز. وقال بعضهم : كانوا يكرهون أن يكون مثل مهر النبيّ ، ولكن بالعشرة والعشرين.

قوله : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً) : أى : عن شيء من الصداق (فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) (٤).

ذكروا أنّ عمر بن عبد العزيز كتب : أيّما امرأة تصدّقت على زوجها بصداقها بطيب نفس

__________________

(١) جاء في تفسير مجاهد ص ١٤٤ مايلي : «(وَإِنْ خِفْتُمْ ، أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى) يقول : إن تحرّجتم من ولاية أموال اليتامى ، إيمانا وتصديقا ، فما تأتون في جمعكم النساء أعظم».

(٢) لم يشر المؤلّف عند ما ذكر مختلف تفاسير الآية إلى تفسير عائشة رضي الله عنها لهذه الآية عند ما سألها عنها ابن أختها عروة بن الزبير ، وتفسيرها جدير بالاعتبار ، اقرأه في صحيح البخاري في كتاب التفسير من أوائل سورة النساء. وانظره في تفسير الطبري ، ج ٧ ص ٥٣١ ـ ٥٣٣.

(٣) فسّر الفرّاء في معاني القرآن ج ١ ص ٢٥٦ هذه الآية كما يلي : «يقول : هبة وعطيّة». وما قاله أبو عبيدة في مجاز القرآن ، ج ١ ص ١١٧ أدقّ تعبيرا وأوفى بالمقصود : قال : «أي مهورهنّ عن طيب نفس بالفريضة بذلك».

(٤) لم أجده بهذا اللفظ فيما بين يديّ من المصادر. وقريب من معناه ما ذكره السيوطيّ في الدرّ المنثور ، ج ٢ ص ١٢٠ قال : «أخرج أحمد عن جابر بن عبد الله أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : لو أنّ رجلا أعطى امرأة صداقا ملء يديه طعاما كانت له حلالا».

٣١٥

فهو جائز. قال بعضهم : يقول : ما طابت به نفسها في غير كره أو هوان ، فقد أحلّ الله أن ياكله هنيئا مريئا.

قوله : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ) : أى : النساء هنّ السفهاء (١).

وقال مجاهد : هنّ النساء من كنّ : بنات أو أخوات أو أمّهات. وقال الكلبيّ : هنّ النساء والأولاد ؛ إذا علم الرجل أنّ امرأته سفيهة مفسدة ، أو ابنه سفيه مفسد ، فلا ينبغي له أن يسلّط واحدا منهما على ماله.

قوله : (الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً) : لمعايشكم وصلاحكم. قال : (وَارْزُقُوهُمْ فِيها) : أى في أموالكم (وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) (٥) : أى العدة الحسنة. وقال بعضهم : أمر الله بهذا المال أن يخزن فتحسن خزانته (٢) ، ولا تملكه المرأة السفيهة ولا الصبيّ السفيه.

قوله : (وَابْتَلُوا الْيَتامى) : أى اختبروا عقولهم ودينهم (حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ) : قال مجاهد : يعني الحلم. (فَإِنْ آنَسْتُمْ) : أى رأيتم (مِنْهُمْ رُشْداً) : أى صلاحا في دينهم (فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا) : أى تبادرون باليتيم أن يكبر فيمنعكم ماله.

قوله : (وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) : قال بعضهم : المعروف ما سدّ الجوع ووارى العورة.

وقال بعضهم : كان الرجل يلي مال اليتيم ، له الحائط من النخل ، فيقوم على صلاحه وسقيه ،

__________________

(١) اللفظ وسياق الآية يمنعان تخصيص النساء بوصفهنّ بالسفه دون الرجال ؛ ولو كان ذلك كذلك لجاء اللفظ بالسفيهات ، أو لرجع الضمير إليهنّ تبعا للآية التي قبلها فكانت القراءة مثلا : لا توتوهن. وقول الكلبيّ ومن تبعه في ذلك أولى بالصواب. ولا وجه لقول مجاهد الوارد هنا. على أنه جاء في تفسيره ص : ١٤٥ قول له آخر يقول فيه : «السفهاء من الرجال والنساء». وهو أولى بالاعتبار. وهذا ما ذهب إليه الطبريّ ورجّحه في تفسيره ، ج ٧ ص ٥٦٥ إذ يقول : «والصواب من القول في تأويل ذلك عندنا أنّ الله جلّ ثناؤه عمّ بقوله : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ) ، فلم يخصّص سفيها دون سفيه ؛ فغير جائز لأحد أن يؤتي سفيها ماله ، صبيّا صغيرا كان ، أو رجلا كبيرا ، ذكرا كان أو أنثى».

(٢) في د : «خزائنه» ، وفي ق وع : «خزانته» ، وهذا اللفظ الأخير هو الصحيح. والخزانة : «عمل الخازن». انظر اللسان : (خزن).

٣١٦

فيصيب من ثمره. وتكون له الماشية فيقوم على صلاحها ، ويلي علاجها ومؤونتها ، فيصيب من جزازها (١) وعوارضها (٢) ورسلها. فأمّا رقاب المال ، فليس له أن يستهلكه ولا أن يأكله.

ذكروا أنّ رجالا من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سئلوا عن قول الله عزوجل : (وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) فقالوا : فينا والله نزلت ؛ كان الرجل يلي مال اليتيم له النخل ، فيقوم عليها ، فإذا طابت الثمرة حانت يده مع أيديهم ، مثلما كانوا مستأجرين به غيره في القيام عليها. ذكروا عن سعيد بن جبير أنّه قال : يأكل قرضا.

ذكروا أنّ رجلا قال : يا رسول الله : إنّ في حجري يتيما أفأضربه؟ فقال : اضربه مما كنت ضاربا منه ولدك. قال : أفآكل من ماله؟ قال : بالمعروف غير متأثّل من ماله مالا ، ولا واق مالك بماله (٣). قال مجاهد والحسن : هي طعمة أطعمه الله إيّاها.

قوله : (فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً) (٦) : أى :حفيظا فيما بينكم وبينهم.

قوله : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) (٧) : هذا حين بيّن الله فرائض المواريث ؛ نزلت آية المواريث قبل هذه الآية ، وهي بعدها في التأليف ؛ فكان أهل الجاهليّة لا يعطون النساء من الميراث شيئا ، ولا الصغير شيئا ، وإنّما كانوا يعطون من يحترف وينفع ويدفع ، فجعل الله لهم من ذلك ممّا قلّ منه أو كثر نصيبا مفروضا.

قوله : (وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ

__________________

(١) كذا في ق وع ود وز : «من جزازها» وهو الأصحّ ، وفي اللسان (جزز) «من جززها». أمّا الجزاز فهو مصدر جزّ يجزّ ، جزّا وجزازا وجزازا. وقد تكون الكلمة مضمومة الأوّل : جزازها ؛ وهو ما جزّ منها. أمّا رواية جززها فهي جمع جزّة ، وهو ما يجزّ من صوف الشاة كلّ سنة ولم يستعمل بعد جزّه.

(٢) العوارض : جمع عارضة ، وهي الشاة والناقة تصيبها آفة أو داء فيضطرّ صاحبها إلى ذبحها. والرّسل هو اللبن.

(٣) أخرجه يحيى بن سلّام عن نصر بن طريف عن عمرو بن دينار عن الحسن العرني. وأخرجه الطبريّ في تفسيره ج ٧ ص ٥٩٣ عن الحسن البصريّ. ولعله «الحسن العرني» كما في ز ، ورقة : ٥٩ ، وفي الدرّ المنثور ، ج ٢ ص ١٢٢.

٣١٧

وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) (٨) : وهذه الآية مع الآية الأولى بعد آية المواريث ، والآية الأولى قبلها في التأليف.

ذكروا عن الحسن قال : إن كانوا يقتسمون مالا أو متاعا أعطوا منه ، وإن كانوا يقتسمون دوابّ (١) أو رقيقا قيل لهم : ارجعوا رحمكم الله ، فهو قوله : (وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً). وقال بعضهم عن الحسن : (وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) قال : أى بارك الله عليك (٢).

قال سعيد بن المسيّب : القسمة قسمة المواريث. وقال سعيد بن جبير : قسمة الثلث. وقال سعيد بن جبير : هي منسوخة ، نسختها آية المواريث. وكان الحسن يقول : ليست بمنسوخة. وكذلك قول أبي موسى الأشعريّ فيها أيضا. ذكروا عن عطاء عن ابن عبّاس أنّه قال : ليست بمنسوخة. قال [يحيى] (٣) : والعامّة على أنّها منسوخة.

قوله : (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ) : أى بعد موتهم. (فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) (٩).

ذكروا عن عطاء عن ابن عبّاس قال : إذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فليحثّهم على أن يعطوهم ، وليخف عليهم كما يخاف إذا (٤) ترك ذرّيّة ضعافا. وكان بعضهم يقول : من حضر ميّتا فليأمره بالعدل والإحسان ، ولينهه عن الحيف.

ذكروا عن سعيد بن جبير أنّه قال : يحضرهم اليتيم والمسكين فيقولون له : اتّق الله ، وصلهم وأعطهم ، ولو كانوا هم لأحبّوا أن ينفعوا أولادهم ، ولا يجر في وصيّته ، وليخش على عياله ما كان خائفا على عياله إذا (٥) حضره الموت.

وقال بعضهم : إذا رأوه قد أوصى فأكثر أمروه أن يعدل ، ولا يجحف بورثته.

ذكروا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أجاز من الوصيّة الثلث.

__________________

(١) كذا في ق ، وع ، ود : «دوابّ» ، وفي ز ، ورقة ٥٩ : «دورا».

(٢) كذا في د : «بارك الله عليك» ، وفي ق ، وع : «بارك الله فيك».

(٣) زيادة من ز ، ورقة ٥٩. وهو يحيى بن سلّام.

(٤) كذا في ق وع ود. وفي ز ، ورقة ٥٩ : «كما يخاف لو ترك ...».

(٥) كذا في ق وع ود. وفي ز ، ورقة ٥٩ : «كما يخاف لو حضره ...».

٣١٨

ذكروا أنّ عليّا دخل على رجل من قومه يعوده فأراد أن يوصي ، فقال له عليّ : إنّما قال الله : (إِنْ تَرَكَ خَيْراً) [البقرة : ١٨٠] وأنت مقلّ لا مال لك.

قوله : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً) : أى يذهبون به لا يريدون ردّه ، أى استحلالا له. (إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) (١٠).

ذكروا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذكر في حديث ليلة أسري به فقال : أتيت على رجال يلقم أحدهم الحجر فيخرج من دبره. قال : فقلت : من هؤلاء يا جبريل؟ قال : هؤلاء (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً). وتفسير الحسن : إنّما يأكلون فيه نارا (١). ذكروا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : أكل مال اليتيم من الكبائر (٢).

قوله : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ) : وإن ترك اثنتين فأكثر من ذلك فلهنّ ثلثا المال. (وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) (٣) : وإن ترك ابنته وابن ابن فللبنت النصف ، وما بقي فلابن الابن ؛ وإن كان مع ابن الابن أخت ، فما بقي بينهما للذكر مثل حظّ الانثيين.

وإن ترك ابنتين أو أكثر وابن ابن فللبنات الثلثان ، ولابن الابن ما بقي. وإن كانت معه أخت (٤) فما بقي بينهما ، للذكر مثل حظّ الانثيين.

وإن ترك ابنته وابنة ابنه فلابنته النصف ، ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين. وإن كنّ بنات

__________________

(١) أخرجه السيوطيّ بألفاظ قريبة ممّا هنا في الدرّ المنثور ج ٢ ص ١٢٤ ، وأخرجه ابن جرير الطبريّ في تفسيره ج ٨ ص ٢٧ عن أبي سعيد الخدريّ.

(٢) انظر ما سلف قريبا ، تفسير الآية ٢ من هذه السورة.

(٣) ورد في مخطوطة ز تعليق لأبي عبد الله محمد بن أبي زمنين رأيت من الفائدة إثباته هنا : «قال محمّد : أعطيت البنتان الثلثين بدليل لا بفرض مسمّى لهما. والدليل قوله : (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ ، أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ) [النساء : ١٧٦] فقد صار للأخت النصف كما أنّ للابنة النصف. (فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ) فأعطيت البنتان الثلثين كما أعطيت الأختان ، وأعطى جملة الأخوات الثلثين قياسا على ما أخبر الله في جملة البنات».

(٤) كذا في ق وع : «وإن كانت معه أخت» ، وفي د : «وإن كان مع ابن الابن أخت» ، وهذا الأخير أوضح ، والمعنى واحد.

٣١٩

ابن مع ابنته ، فلهنّ السدس بينهنّ تكملة الثلثين. وليس لبني البنات من الميراث شيء ، ذكورا كانوا أو إناثا.

وإن ترك ابنته وبنات ابنه ، وبنات ابن أسفل من ذلك ، فلابنته النصف ، ولبنات الابن السدس تكملة الثلثين ، ولابن الابن الأسفل ما بقي. وإن كانت معه أخت فما بقي بينهما ، للذكر مثل حظّ الانثيين. وإن لم يكن لها أخ فليس لها شيء.

وإن ترك ابنته وبنات ابنه ، وبنات ابن أسفل من ذلك ، وابن ابن أسفل من ذلك ، فلابنته النصف ، ولبنات الابن السدس تكملة الثلثين ، ويقاسم الابن الأسفل بنات ابن الابن اللاتي فوقه ، للذكر مثل حظّ الانثيين.

قوله : (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ) : ذكر ، أو ولد ابن ذكر (١) ، فلكلّ واحد من الأبوين السدس.

ذكروا عن جابر بن عبد الله أنّه قال : مرضت فجاءني النبيّ عليه‌السلام وأبو بكر وعمر ، وقد أغمي عليّ ، فلم أفق حتّى توضّأ النبيّ عليه‌السلام ، فصبّ عليّ من وضوئه فأفقت ، فقلت :

يا رسول الله ، كيف أقسم مالي ؛ فلم يدر ما يقول ، فأنزل الله : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ...) إلى آخر الآية.

وإن ترك ابنتين أو أكثر وأبويه فكذلك أيضا. وإن ترك ابنته وأبويه فلابنته النصف ، وللأمّ ثلث ما بقي وما بقي فللأب. وليس للأمّ مع الولد ، واحدا كان أو أكثر ، ذكرا كان أو أنثى إلّا السدس.

قوله : (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ) : هذا إذا لم يكن وارث غيرهما ، في قول زيد والعامّة.

__________________

(١) كذا في ق وع ود. ولا أرى وجها لتخصيص الولد بالذكورة هنا ، ولا أعلم أحدا قال به ؛ فإنّ الله لّما أطلق الولد وأبهمه انصرف إلى الولد الذكر والأنثى منه على السواء. وانظر ما قاله ابن جرير الطبريّ في تفسيره ج ٨ ص ٣٦ : «وأمّا قوله : (وَلِأَبَوَيْهِ) فإنّه يعني : ولأبوي الميّت (لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) من تركته وما خلّف من ماله ، سواء فيه الوالدة والوالد ، لا يزداد الواحد منهما على السدس. (إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ) ذكرا كان الولد أو أنثى ، واحدا كان أو جماعة».

٣٢٠