تفسير كتاب الله العزيز - ج ١

هود بن محكم الهوّاري الأوراسي

تفسير كتاب الله العزيز - ج ١

المؤلف:

هود بن محكم الهوّاري الأوراسي


المحقق: بالحاج بن سعيد الشريفي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار البصائر للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٢

غيره فهو واسع.

ذكروا عن الحسن أنّه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا تقوم الساعة حتّى يفيض المال ويظهر العلم ويكثر التجّار (١). قال الحسن : لقد أتى على الناس زمان وما يقال إلّا تاجر بني فلان ، وكاتب بني فلان ، ما يكون في الحيّ إلّا التاجر الواحد والكاتب الواحد.

قوله : (وَلا تَسْئَمُوا) : ولا تملّوا (أَنْ تَكْتُبُوهُ) : يعني الحقّ (صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ) : أى أعدل (عِنْدَ اللهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ) : أى أصوب للشهادة (وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا) : أى أجدر ألّا تشكّوا في الحقّ والأجل والشهادة إذا كان مكتوبا. قال : (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً) : أى حالّة (تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ) : ليس فيها أجل (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) : أى حرج (أَلَّا تَكْتُبُوها) : يعني التجارة الحاضرة.

قوله : (وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ) : أى أشهدوا على حقّكم ، كان فيه أجل أو لم يكن فيه أجل. ذكروا عن الحسن أنّه قال : نسخها (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) [البقرة : ٢٨٣]. قال الحسن : فأنا أشكّ ، ذكر الكتاب وحده أو ذكر الكتاب والشهادة بغير كاتب. ذكروا عن ابن عمر أنّه كان إذا اشترى بنقد أو بنسيئة أشهد عليه.

قوله : (وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ) : قال بعضهم : لا يجيء يقيمه في حال شغله. وقال بعضهم : هي في الكاتب والشاهد يدعوهما إلى الكتاب والشهادة عند البيع ، ولهما حاجة فيشغلهما عن حاجتهما ، يضارّهما بذلك ، وهو يجد غيرهما ، فيقول لهما : قد أمركما الله بالشهادة ، فليدعهما لحاجتهما ، وليلتمس غيرهما. وقال مجاهد : لا يقام عن شغله وحاجته في نفسه أو يخرج.

قال : (وَإِنْ تَفْعَلُوا) : أى تضارّوا الكاتب والشهيد (فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ) : أى معصية لكم. وبلغنا عن عطاء أنّه قال : هي في الوجهين جميعا : إذا دعي ليشهد أو ليشهد بما عنده من الشهادة.

قال : (وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (٢٨٢) : أى فاتّقوا الله ولا تعصوه فيهما.

__________________

(١) أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما بألفاظ متشابهة وبزيادة ونقصان في كتاب الفتن وأشراط الساعة عن أبي هريرة.

٢٤١

قال : (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ) : ذكروا أنّ شريحا والحسن قالا : الرهن بما فيه. ذكروا عن عليّ بن أبي طالب قال : يتراددان الزيادة والنقصان.

ذكروا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : الرهن لا يغلق من صاحبه الذي رهنه ، له غنمه وعليه غرمه (١). ذكروا عن جابر بن زيد وأبي عبيدة أنّهما قالا : إن كان بأقلّ ممّا فيه فهو بما فيه ، وإن كان بأكثر ممّا فيه فإنّه يردّ الفضل.

قوله : (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) : يعني فإن كان الذي عليه الحقّ أمينا عند صاحب الحقّ ، فلم يرتهن منه في السفر لثقته به وحسن ظنّه بوفاء الذي عليه ، قال : (فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ) : أى ليؤدّ الحقّ الذي عليه إلى صاحبه (وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ) : وكان الحسن يقول : نسخت هذه الشهادة ، أو قال : الكتاب والشهادة (٢).

قوله : (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ) : أى عند الحاكم ، إذا دعي إليها فليقمها على وجهها. (وَمَنْ يَكْتُمْها) : فلا يشهد إذا دعي إليها (فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ) : أى من كتمان الشهادة وإقامتها (عَلِيمٌ) (٢٨٣).

ذكر الحسن قال : سمعت أبا سعيد الخدريّ يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا يمنعنّ أحدكم مخافة الناس أن يقول الحقّ إذا شهده أو علمه (٣).

ذكروا عن الحسن عن النبيّ عليه‌السلام مثل ذلك. قال الحسن : أما والله ما هو بالرجل

__________________

(١) أخرجه الحاكم في المستدرك ، وأخرجه الدارقطنيّ ، ج ٣ ص ٣٢ عن الزهريّ عن سعيد بن المسيّب عن أبي هريرة مرفوعا ، وإسناده حسن متّصل ، ولفظه : «لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه ، له غنمه وعليه غرمه». وانظر بحثا قيّما في هذا الموضوع عند الجصّاص ، أحكام القرآن ج ٢ ص ٢٦٥ ، وفي تفسير القرطبي ج ٣ ص ٤١٣. وغلق الرهن أو غلوقه هو أن يملك المرتهن ما تحت يده من الرهن عند ما يحلّ الأجل ولا يجد الغريم ما يسدّد به الدين فيفكّ الرهن. وانظر البغوي ، شرح السنّة ، ج ٨ ص ١٨٤ ـ ١٨٦.

(٢) وقد استدلّ الشافعيّ بهذه الآية على أنّ أمر الله تعالى بالكتابة والإشهاد في آية الدين «دلالة على الحضّ ، لا فرض منه ، يعصي من تركه» فإنّ الله «أمر به على النظر والاختيار ، لا على الحتم». انظر الشافعي ، أحكام القرآن ، ج ٢ ص ١٢٦ ـ ١٢٧.

(٣) أخرجه يحيى بن سلّام عن المبارك عن الحسن عن أبي سعيد الخدريّ مرفوعا. انظر : ز ، ورقة ٤١ ، وأخرجه الربيع بن حبيب عن أبي عبيدة مرسلا في مسنده ، ج ٣ ص ١١ ، ما جاء في إنكار المنكر (٧٨٩).

٢٤٢

يوانب (١) السلطان ، ولكن الرجل تكون عنده الشهادة فيشهد بها.

ذكروا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : إنّ خير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها (٢).

قوله : (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٢٨٤) : قال بعض المفسّرين : نزلت هذه الآية فجهدتهم ، وكبرت عليهم ، فأنزل الله بعدها آية فيها يسر وتخفيف وعافية ، فنسختها : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) [البقرة : ٢٨٦].

ذكروا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : إنّ الله تجاوز لأمّتي عمّا حدّثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلّم به (٣). وتفسير مجاهد : (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ) أى : من اليقين أو الشكّ.

قوله : (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) (٢٨٥) : قال الحسن : هذا دعاء أمر الله رسوله والمؤمنين أن يدعوا به. ذكر بعضهم أنّه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنّ الله كتب كتابا قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي سنة ، فوضعه تحت العرش ، فأنزل الله منه آيتين ختم بها سورة البقرة ، لا تقرآن في بيت فيقربه الشيطان ثلاث ليال : (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ ...) إلى آخر السورة (٤).

ذكروا عن الحسن قال : كان فيما منّ الله به على النبيّ عليه‌السلام : ألم أعلّمك خواتم سورة

__________________

(١) كذا وردت هذه الكلمة «يوانب» ولم أهتد لما فيها من تصحيف لأصحّحها.

(٢) حديث صحيح أخرجه الربيع بن حبيب في مسنده في كتاب الأحكام (رقم ٥٩٤) من طريق عائشة رضي الله عنها عن النبيّ عليه‌السلام قال : «ألا أخبركم بخير الشهداء؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : الذي يأتي بشهادته قبل أن يسأل عنها». وأخرجه مسلم في كتاب الأقضية ، باب بيان خير الشهود (١٧١٦) عن زيد بن خالد الجهنيّ.

(٣) حديث متّفق على صحّته ، أخرجه البخاري في كتاب الأيمان والنذور ، باب إذا حلف ناسيا في الأيمان ، وأخرجه مسلم في كتاب الأيمان ، باب تجاوز الله عن حديث النفس ... (١٢٧) كلاهما عن أبي هريرة. ورواه يحيى بن سلّام عن سعيد عن قتادة عن زرارة بن أبي أوفى عن أبي هريرة يرفعه.

(٤) أخرجه الترمذيّ والنسائيّ عن النعمان بن بشير.

٢٤٣

البقرة؟ (١).

قوله : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) : أى إلّا طاقتها. وهذا في حديث النفس. (لَها ما كَسَبَتْ) : أى من خير (وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) : أى من شرّ.

قوله : (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا) : هذا فيما يتخوّف فيه العبد المأثم ، أن ينسى أن يعمل بما أمر به ، أو ينسى فيعمل بما نهي عنه.

(أَوْ أَخْطَأْنا) : هذا فيما يتخوّف فيه العبد المأثم ، أن يخطئ فيكون منه أمر يخاف فيه المأثم لم يتعمّده ، فوضع الله ذلك عنه ، كقوله : (وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) [البقرة : ٢٢٥] أى : ما تعمّدت فيه المأثم.

قوله : (رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا) : يعني ما كان شدّد به على بني إسرائيل ، والإصر العهد ، فيما كانوا نهوا عنه. وهذا دعاء أمر الله المؤمنين أن يدعوا به. وقد وضع الله عن المؤمنين ما كان شدّده على بني إسرائيل ؛ فقال : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ) أى يجدونه مكتوبا عند أهل الكتاب في كتابهم (يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (١٥٧) [الأعراف : ١٥٧] وقال : (وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ) [الأنعام : ١٥٥] أى : اتّبعوا ما أحلّ فيه (وَاتَّقُوا) أى ما حرّم فيه. وكان من ذلك الإصر ما حرّم عليهم من الشحوم ، وكلّ ذي ظفر ، وأمر السبت ، وكلّ ما عهد إليهم ألّا يفعلوه ممّا أحلّ لنا.

قوله : (رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ) : وهو الوسوسة في تفسير ابن عبّاس.

ذكروا عن الحسن أنّ رجلا قال : يا رسول الله ، إنّي لأحدّث نفسي بالشيء ما يسرّني أنّي تكلّمت به وأنّ لي الدنيا. قال : ذلك محض الإيمان (٢).

__________________

(١) روى الإمام أحمد عن أبي ذرّ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أعطيت خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش لم يعطهنّ نبيّ قبلي».

(٢) أخرج مسلم في كتاب الإيمان ، باب بيان الوسوسة في الإيمان وما يقوله من وجدها (١٣٢) عن أبي هريرة ـ

٢٤٤

قوله : (وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) (٢٨٦) : قال الحسن : هذا دعاء أمر الله به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمؤمنين في هاتين الآيتين : (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ ...) إلى آخر السورة. وقد أخبر الله النبيّ عليه‌السلام أنّه قد غفر له.

* * *

__________________

ـ قال : جاء ناس من أصحاب النبيّ فسألوه : إنّا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلّم به ، قال : وقد وجدتموه؟ قالوا : نعم ، قال : ذاك صريح الإيمان. وفي رواية لمسلم في الباب (١٣٣) عن عبد الله قال : سئل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الوسوسة. قال : «تلك محض الإيمان».

٢٤٥

تفسير سورة آل عمران. وهي مدنيّة كلّها (١).

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله : (الم (١) اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) (٢) : أى الحيّ الذي لا يموت. قوله : (الم) قد فسّرناه في أوّل سورة البقرة (٢). وقال بعضهم : (الْقَيُّومُ) : القائم على كلّ شيء. وهو تفسير مجاهد. وقال الحسن : القائم على كلّ نفس بكسبها حتّى يجازيها.

قوله : (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ) : أى القران (بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) : أى من التوراة والإنجيل. (وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (٣) مِنْ قَبْلُ) : أى من قبل القرآن. (هُدىً لِلنَّاسِ) : أى أنزل هذه الكتب جميعا هدى للناس (وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ) : أى : أنزل الله الحلال والحرام ، فرّق الله في الكتاب بين الحلال والحرام. وقال بعضهم : فرّق الله فيه بين الحقّ والباطل. وقال بعضهم : الفرقان : القرآن.

قوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ) : قال الحسن : بدين الله (لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَاللهُ عَزِيزٌ) : في نقمته (ذُو انْتِقامٍ) (٤) : من أعدائه.

قوله : (إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (٥) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ) : أى خلق الله كلّ إنسان على صورة واحدة ، وصوّره كيف يشاء. وهو كقوله : (فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ) (٨) [الانفطار : ٨]. ذكر بعض المفسّرين قال : يشبه الرجل الرجل ليس بينهما قرابة إلّا من قبل الأب الأكبر : آدم. قوله : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٦) : أى العزيز في ملكه وفي نقمته ، الحكيم في أمره.

__________________

(١) كذا في مخطوطة د ، وفي أصلها المنسوخة منه. وفي ق وع زيادة ذكر فيها عدد حروف السورة وكلماتها وفيها : «وعدد آياتها مائتا آية ليس في جملتها اختلاف». وهذه الزيادة هي ولا شكّ من إضافات بعض النسّاخ المتأخّرين ، لذلك لم أثبتها. وربّما زاد بعض النسّاخ أحيانا دعاء في عنوان السورة مثلما كتبوا في أوّل هذه السورة ، بعد البسملة : «وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله وسلّم ما دام ظلام الليل».

(٢) انظر ما سلف ، تفسير الآية الأولى من سورة البقرة.

٢٤٦

قوله : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) : قال بعضهم : المحكم هو الناسخ الذي يعمل به ، فأحلّ الله فيه حلاله وحرّم وحرامه ، والمتشابه هو المنسوخ الذي لا يعمل به ويؤمن به. وتفسير الكلبيّ : هو (الم) ، و (الر) ، و (المر) ، و (المص) ، وأشباه ذلك.

وبلغنا عن أبي حازم عن ابن عبّاس قال : هو التقديم والتأخير ، والمقطوع والموصول ، والخاصّ والعامّ ، وتفسير مجاهد : (هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ) ، يعني ما فيه من الحلال والحرام ، وما سوى ذلك فهو المتشابه.

قوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ) : والزيغ : الشكّ. وتفسير الكلبيّ أنّها في النفر من اليهود الذين دخلوا على النبيّ عليه‌السلام : كعب بن الأشرف وأصحابه. وقد فسّرنا ذلك في سورة البقرة (١).

ذكروا عن عائشة أنّها قالت : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قرأ هذه الآية فقال : قد سمّاهم الله لكم ؛ فإذا رأيتموهم فاحذروهم. ذكروا عن ابن عبّاس أنّه قال : تلا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هذه الآية فقال : أرأيتم الذين يجادلون فيه ، فهم الذين سمّى الله ؛ فإذا رأيتموهم فلا تجالسوهم ، أو قال : فاحذروهم (٢).

قوله : (ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) : كان الكلبيّ يقول : (ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ) أى : ابتغاء الشرك (٣) يعني أولئك اليهود. وقال الحسن : (ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ) أى : ابتغاء الضلالة ، (وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ) أى ابتغاء الحرابة (٤). وقال الكلبيّ : هو ما نظر فيه أولئك اليهود من (الم) وأشباه ذلك ، وكانوا

__________________

(١) انظر ما سلف من هذا الجزء ، تفسير الآية الأولى من سورة البقرة.

(٢) أخرجه البخاري ومسلم وأصحاب السنن ؛ أخرجه البخاري في كتاب التفسير ، سورة آل عمران من طريق ابن أبي مليكة عن القاسم بن محمّد عن عائشة. وأخرجه الطبريّ في تفسيره ج ٦ ص ١٨٩ ـ ١٩٥ بأحد عشر سندا كلّها من طريق ابن أبي مليكة ، وليس في أى منها ذكر لابن عبّاس عن عائشة ، أو عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم مباشرة كما هو مرويّ هنا. أما يحيى بن سلّام فأخرجه بهذا السند : «يحيى عن الحارث بن نبهان عن أيّوب عن عبد الله بن أبي مليكة عن ابن عبّاس» كما في ز ، ورقة ٤٢.

(٣) لم يرتض الطبريّ هذا التأويل ، وردّ عليه في تفسيره ج ٦ ص ١٩٧ فقال : «معناه : إرادة الشبهات واللبس».

(٤) كذا في ق وع ود : «الحرابة». ولم أفهم للحرابة هنا معنى ، ولعلّها تصحيف لكلمة لم أهتد إليها. وللفظ ـ

٢٤٧

حملوه على حساب الجمّل ، حساب بقاء هذه الأمّة ـ زعموا ـ حين التبس عليهم ، قال : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ) أى : تأويل ما كتب الله لهذه الأمّة من الأكل ، (إِلَّا اللهُ) ، فقال عند ذلك عبد الله بن سلام والنفر الذين أسلموا من اليهود ، وهم الراسخون في العلم : (آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا). هذا تفسير الكلبيّ.

وبلغنا عن الكلبيّ عن أبي صالح عن ابن عبّاس قال : أنزل القرآن على أربعة أوجه : حلال وحرام لا يسع الناس جهله ، وتفسير يعلمه العلماء ، وعربيّة يعرفها العرب ، وتأويل لا يعلمه إلّا الله ، يقول الراسخون في العلم : (آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا). ذكر بعض المفسّرين قال : نزل القرآن على ستّ آيات : آية مبشّرة ، وآية منذرة ، وآية فريضة ، وآية تأمرك ، وآية تنهاك ، وآية قصص وأخبار (١).

قوله : (وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) (٧) : أى أولو العقول ، وهم المؤمنون.

قوله : (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) (٨) : قال الحسن : هذا دعاء أمر الله المؤمنين أن يدعوا به. وقال الكلبيّ : هم النفر الذين أسلموا من اليهود : عبد الله بن سلام وأصحابه. وقد فسّرناه في الآية الأولى من تفسير الكلبيّ.

قوله : (رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ) : ذكروا عن ابن مسعود أنّه قال :

__________________

ـ التأويل هنا معنيان ذكر هما المفسّرون ، فالتأويل يكون بمعنى التفسير ، ويكون بمعنى العاقبة المنتظرة ، وما يؤول إليه الشيء.

(١) جمهور الأمّة ، ومنهم الإباضيّة ، يقفون عند لفظ الجلالة من قوله تعالى : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ ، وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) جملة مستأنفة. روى عن أبي الشعثاء جابر بن زيد وعن أبي نهيك الأسديّ أنّهما قالا : إنّكم تصلون هذه الآية وهي مقطوعة : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ ، إِلَّا اللهُ ، وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) ؛ فانتهى علمهم إلى قولهم الذي قالوا. انظر السيوطي ، الدر المنثور ج ٢ ص ٦ ، وانظر تلخيصا مهمّا أورده القرطبيّ في الموضوع في تفسيره ، ج ٤ ص ١٦ ، واقرأ كذلك ملخّص رسالة قيّمة لشيخ الإسلام تقيّ الدين ابن تيمية أوردها الشيخ محمّد جمال الدين القاسميّ في تفسيره : محاسن التأويل ج ٤ ص ٨ ـ ٥٣. واقرأ كذلك كلاما نفيسا لأبي المعالي الجويني وذكره ابن القيّم في كتابه : إعلام الموقّعين ، ج ٤ ص ٣١١ ، وتحقيقا عاليا مفيدا للإمام ابن عاشور في التحرير والتنوير ، ج ٣ ، ص ١٦٣ ـ ١٦٩.

٢٤٨

ليوم لا شكّ فيه ، وهو يوم القيامة : (إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ) (٩).

قوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ) : أى لن تنفعهم (أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ) (١٠) : أى : حطب النار. هو مثل قوله : (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ) (٨٨) [الشعراء : ٨٨].

قوله : (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ) : الدأب : العادة والحال. (وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ) (١١) : يعني ما أهلك به الأمم السالفة حين كذّبوا رسلهم.

وقال بعضهم : (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ) أى : كفعل آل فرعون والذين من قبلهم. وقال الحسن : هذا مثل ضربه الله لمشركي العرب ؛ يقول : كفروا وصنعوا كصنيع آل فرعون (وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) من الكفّار (كَذَّبُوا بِآياتِنا فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ) ، وهو عذابه أتاهم حين كذّبوا رسله.

قال : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ) (١٢) : أى : بئس الفراش. وقال في آية أخرى : (لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ) [الأعراف : ٤١] وقال في آية أخرى : (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ) [الزمر : ١٦] ؛ وهو واحد كلّه. وقال الحسن : فهزمهم الله يوم بدر وحشرهم إلى جهنم (١).

قوله : (قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا) : وهما فئتا بدر ، فئة المؤمنين ، وفئة مشركي العرب في تفسير الحسن ومجاهد وغيرهما. فقال : (فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ) : يعني النبيّ عليه‌السلام وأصحابه (وَأُخْرى كافِرَةٌ) : يعني المشركين (يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ) : قال الحسن : يقول : قد كان لكم أيّها المشركون آية في فئتكم وفئة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه إذ ترونهم مثليهم رأي العين لما أراد الله أن يرعب قلوبهم [ويخذلهم] (٢) ويخزيهم ، وكان مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الملائكة وجبريل ، بما أراد الله (٣).

__________________

(١) كذا في ز : «وحشرهم ...». وفي ق وع ود : «فذلك حشرهم إلى جهنم».

(٢) زيادة من ز ، ورقة ٤٣.

(٣) كذا في ق وع ود : «بما أراد الله» أى : لّما أراد الله أن يرعب قلوبهم ويخذلهم ويخزيهم بما أراد.

٢٤٩

وقال الكلبيّ : لّما هزم الله المشركين يوم بدر قالت اليهود : هو والله النبيّ الذي ذكر لنا ؛ لا والله لا ترفع له راية إلّا أظفره الله عليها ؛ فقال بعضهم لبعض : اتّبعوه ترشدوا وتفلحوا. وتربّصوا به إلى يوم أحد ؛ فلمّا نكب أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم شكّت اليهود وارتابوا. فأنزل الله : (قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا ...) إلى آخر الآية.

قال : (وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ) : قال بعض المفسّرين : أى : ما أيّد به رسول الله من الملائكة ومن نصره. (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ) (١٣) : أى متفكّرا (١) لأولي العقول ، وهم المؤمنون.

قوله : (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) : ذكروا عن الحسن أنّه قال : القنطار ألف دينار ومائتا دينار (٢). وقال بعضهم : ثمانية آلاف مثقال من ذهب أو فضّة. وقال بعضهم : القناطير المقنطرة المال الكثير ، بعضه على بعض.

وقال بعضهم : الخيل المسوّمة ، سيماها يعني غرّها وتحجيلها. وقال الحسن : الراعية (٣) ، قال : وهي مثل قوله : (شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ) (١٠) [النحل : ١٠] أى : ترعون. وقال بعضهم : هي من السيما ، مثل قوله : (مُسَوِّمِينَ) [سورة آل عمران : ١٢٥] أى معلّمين. وقوله : (ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) ، والمتاع ما يستمتع به ثمّ يذهب. (وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) (١٤) : أى : حسن المرجع ، أى الجنّة للمؤمنين.

__________________

(١) كذا في ز : «متفكرا» ، وهو أصحّ ، وفي ق وع ود : «المعرفة». وفي المخطوطات الثلاث بعض النقص في تفسير الآية.

(٢) اختلف المفسّرون في أصل كلمة القنطار ووزنها ؛ فذهب بعضهم إلى أنّ الكلمة دخيلة معرّبة ، وقال آخرون : إنّها عربيّة خالصة. واختلفوا في مقداره ، فقال بعضهم : هو قدر لم يحدّه العرب ، وقال الكلبيّ : هو ملء مسك ثور من ذهب أو فضّة. وقد وردت أحاديث رفعها أبو هريرة وأنس بن مالك في القنطار ، منها قوله عليه‌السلام : «القنطار ألف أوقيّة ومائتا أوقيّة». انظر مجاز أبي عبيدة ، ج ١ ص ٨٨ ، ومعرّب الجواليقي ، ص ٣١٧ ـ ٣١٨.

(٣) في ق وع : «المسرّجة» ، وفي د : «الممرغة» ، ولم أهتد إلى ما في الكلمتين من تصحيف فأثبتّ ما جاء في ز ، ورقة ٤٣ : «الراعية» ، وهو الصحيح. وهو من سامت الخيل أو الماشية فهي سائمة وسوائم إذا رعت ، وأسمتها وسوّمتها تسويما فهي مسوّمة إذا أرعيتها.

٢٥٠

قوله : (قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ) : أى من هذا الذي ذكر من متاع الحياة الدنيا. (لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) : ذكروا عن أنس بن مالك قال : أنهار الجنّة تجري في غير أخدود : الماء واللبن والعسل والخمر ؛ وهو أبيض كلّه ؛ فطينة النهر مسك أذفر ، ورضراضه الدرّ والياقوت ، وحافّاته قباب اللؤلؤ.

قوله : (خالِدِينَ فِيها) : أى لا يموتون ولا يخرجون منها.

قوله : (وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ) : أى مطهّرة من الإثم والأذى. قال الحسن : ومن مساوئ الأخلاق. ذكروا عن الحسن أنّه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في نساء أهل الجنّة : لا يحضن ولا يلدن ولا يمتخطن ولا يبلن ولا يقضين حاجة إلّا حاجة ليس فيها قذر (١).

قوله : (وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) (١٥) : ذكروا عن جابر بن عبد الله أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : إذا أدخل الله أهل الجنّة الجنّة ورأوا ما فيها قال لهم : لكم عندي أفضل من هذا. قالوا : ربّنا ليس شيء أفضل من الجنّة. قال : بلى ، أحلّ عليكم رضواني (٢).

قوله : (الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ) (١٦) : أى : واصرف عنّا عذاب النار.

قوله : (الصَّابِرِينَ) : صبروا صبرا على طاعة الله وعن محارمه (وَالصَّادِقِينَ) : قال بعضهم : صدقت نياتهم واستقامت قلوبهم وألسنتهم ، فصدقوا في السرّ والعلانية. (وَالْقانِتِينَ) : وهم المطيعون لله. (وَالْمُنْفِقِينَ) : وهم المنفقون أموالهم في حقّها. (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ) (١٧) : وهم أهل الصلاة (٣). قال الحسن : هل يستوي هؤلاء

__________________

(١) انظر ما سلف من هذا الجزء ، تفسير الآية ٢٥ من سورة البقرة. وانظر الطبري في تفسيره ج ١ ص ٣٥٩ ، وتفسير ابن كثير ج ١ ص ١١٠.

(٢) في المخطوطات الثلاث : «بلى ، أجل ، لكم رضواني» ، وهو تصحيف صوابه ما أثبتّه ، والحديث متّفق على صحّته ، رواه البخاري ومسلم عن. أبي سعيد الخدريّ ؛ رواه البخاري في كتاب الرقائق ، باب صفة الجنّة ولفظه : «... قالوا : يا ربّ ، وأيّ شيء أفضل من ذلك؟ فيقول : أحلّ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا».

(٣) وقع في ق ، وع ، ود اضطراب في تفسير هذه الآية بالتقديم والتأخير صحّحته وجعلت كلّ لفظ مع ما يناسبه حسبما جاء في ز.

٢٥١

والكفّار؟ أى إنّهم لا يستوون عند الله ، يعني الذين وصفهم الله في الآية الأولى في قوله : (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ ...) إلى آخر الآية. ثمّ قال : هل (أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ) ، ثمّ ذكر هذه الأعمال الصالحة.

قوله : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ) : فيها تقديم وتأخير. يقول : شهد الله أنّه لا إله إلّا هو قائما بالقسط ، أى بالعدل ، وشهد الملائكة وشهد أولو العلم ، وهم المؤمنون. (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (١٨) : العزيز في ملكه ، بعزّته ذلّ من دونه. وبعضهم يقول : العزيز في نقمته ، الحكيم في أمره.

قوله : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) [آل عمران : ٨٥]. قال : (وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) : وكانوا على الإسلام (إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً) : أى حسدا (بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللهِ) : من بعد ما جاءته ، أى جاءهم ما عرفوا فكفروا به. (فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) (١٩) : يعني عذابه ؛ إذا أراد أن يعذّبهم لم يؤخّرهم عن ذلك الوقت ؛ هذا في تفسير الحسن. وقال مجاهد : يعني إحصاءه عليهم (١).

قوله : (فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ) : أى : أخلصت (وَجْهِيَ) : أى ديني (لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ) : أى من اتّبعني أسلم وجهه لله. (وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ) : يعني مشركي العرب ، وكانت هذه الأمّة أمّيّة ليس لها كتاب من السماء تقرأه ، حتّى أنزل الله القرآن. (أَأَسْلَمْتُمْ) : يقول : أأخلصتم لله؟ أى أقررتم وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة؟ على الاستفهام. قال : (فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا) : عن ذلك (فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ) : أى في الحجّة تقيمها عليهم. (وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) (٢٠) : أى بأعمال العباد ، بصير بهم.

قوله : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ) : يعني بدين الله في تفسير الحسن. وقال بعضهم يقول : بالقرآن. (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ) : أى بالعدل (مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) (٢١) : أى موجع.

ذكر بعض المفسّرين قال : ذكر لنا أنّ عيسى لّما رفع انتخبت بنو إسرائيل أربعة من فقهائهم فقالوا للأوّل : ما تقول في أمر عيسى؟ فقال : هو الله ، هبط إلى الأرض ، فخلق ما خلق ، وأحيى ما

__________________

(١) في ق وع ود : «أحصاه». وفي تفسير الطبري ، ج ٦ ص ٢٧٩ : «قال : إحصاؤه عليهم».

٢٥٢

أحيى ، ثمّ صعد إلى السماء ؛ فتابعه على ذلك أناس من الناس ، فكانت اليعقوبيّة من النصارى. فقال الثلاثة الآخرون : نشهد إنّك كاذب. فقالوا للثاني : ما تقول في أمر عيسى؟ قال : هو ابن الله ؛ فتابعه على ذلك أناس من الناس ، فكانت النسطوريّة من النصارى ؛ فقال الاثنان : نشهد إنّك كاذب. فقالوا للثالث : ما تقول في عيسى؟ فقال : هو إله وأمه إله ، والله إله. فتابعه على ذلك أناس من الناس. فكانت الإسرائيليّة من النصارى ؛ فقال الرابع : أشهد إنّك كاذب ، ولكنّه عبد الله ورسوله ، ومن كلمة الله وروحه ، فاختصم القوم ، فقال المسلم : أناشدكم الله ، هل تعلمون أنّ عيسى كان يطعم الطعام (١)؟ فقالوا : اللهمّ نعم. قال : فهل تعلمون أنّ عيسى كان ينام والله لا ينام؟ قالوا : اللهمّ نعم. فخصمهم المسلم فاقتتل القوم. وذكروا لنا أنّ اليعقوبيّة ظفرت يومئذ ، وأصيب المسلمون ، فأنزل الله : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ).

(أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) (٢٢) : وهذه الأصناف في كتاب الله في ثلاثة مواضع ؛ قال الله : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) [المائدة : ١٧ و ٧٢]. وقال : (وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ) [التوبة : ٣٠] وقال : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ) [المائدة : ٧٣]. فهذه الأصناف الثلاثة موصوفة في هذه المواضع التي سمّينا من كتاب الله.

قوله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ) (٢٣) : يعني أهل الكتاب في تفسير الحسن. وقال غيره : هم اليهود خاصّة. دعاهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المحاكمة إلى كتاب الله ، وأعلمهم أنّ الكتاب الذي أنزله الله عليه موافق لكتابهم الذي أنزل عليهم ، فتولّوا عن ذلك وأعرضوا عنه.

قوله : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) : عدد الأيّام التي عبدوا فيها العجل (٢) ، يعني به أوّليهم ـ وقد فسّرناه في سورة البقرة (٣) ـ ، ثمّ رجع الكلام إليهم

__________________

(١) سياق المعنى يقتضي أن يزاد هنا : «والله لا يطعم الطعام» ولكن هذا غير موجود في ق ، وع ، ولا في د.

(٢) في ق وع ود : «عدد أيّام العجل الذي عبدوه فيها أربعين ليلة». وما أثبتّه من ز أسلس عبارة مع وضوح المعنى.

٢٥٣

فقال : (وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) (٢٤) : [أي : يختلقون] (٢) على الله فيه الكذب. قال بعض المفسّرين : هو قولهم : (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) [المائدة : ١٨].

قوله : (فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ) : أى لا شكّ فيه ، وهو يوم القيامة ، لا شكّ أنّه كائن. (وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ) : أى جزيت كلّ نفس (ما كَسَبَتْ) : أى ما عملت من خير أو شرّ (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (٢٥) : فأمّا المؤمن فيوفّى حسناته في الآخرة ، وأمّا الكافر فيجازى بها في الدنيا وله في الآخرة عذاب النار. وهو كقوله : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها) هو الكافر لا يريد إلّا الدنيا ، لا يقرّ بالآخرة. قال : (نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ) أي حسناتهم (فِيها) أى في الدنيا (وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ) (١٥) أى : لا ينقصون (أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١٦) [هود : ١٥ ـ ١٦]. وكقوله : (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ) يوم القيامة (كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ) [إبراهيم : ١٨].

قوله : (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٢٦) : قال الحسن : أمر الله رسوله أن يدعوه فيعطيه ملك فارس والروم ، ويردّ ذلّ العرب عليهما ؛ أمره بذلك وفي حكمه أن يستجيب له ويعطيه ذلك. وهكذا منازل الأنبياء عندهم ؛ إذا أمرهم بالدعاء في شيء أو على قومهم استجاب دعاءهم. وقال بعضهم : ذكر لنا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سأل ربه أن يجعل ملك فارس والروم في أمّته ، فأنزل الله هذه الآية : (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ ...) إلى آخر الآية.

ذكروا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : تقاتلون جزيرة العرب فيفتح الله عليكم ، وتقاتلون فارس فيفتح الله عليكم ، وتقاتلون الروم فيفتح الله عليكم ، وتقاتلون الدجّال فيفتح الله عليكم (٣). وكان عقبة بن نافع يحلف بالله لا يخرج الدّجّال حتّى تفتح الروم.

__________________

(١) انظر ما سلف ، تفسير الآية ٨٠ من سورة البقرة.

(٢) زيادة من ز ، ورقة ٤٤.

(٣) لم أجد هذا الحديث فيما بين يديّ من مصادر التفسير والحديث.

٢٥٤

ذكروا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : إذا مات كسرى فلا كسرى بعده ، وإذا مات قيصر فلا قيصر بعده (١).

قوله : (تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) : وهو أخذ كلّ واحد منهما من صاحبه. وقال بعضهم : نقصان الليل في زيادة النهار ونقصان النهار في زيادة الليل.

قوله : (وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ) : قال مجاهد : هي النطفة والحبّة ؛ يخرج من النطفة الميّتة الخلق الحيّ ، ويخرج من النبات الحيّ الحبّة اليابسة. وقال بعضهم : والبيضة مثل ذلك. وقال في آية أخرى : (إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ). [الأنعام : ٩٥]. وهذا موافق لقول مجاهد. وقال الحسن وغيره : يخرج المؤمن من الكافر ويخرج الكافر من المؤمن. (وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) (٢٧) : أى لا ينقص ما عند الله ، أى بغير محاسبة منه لنفسه في تفسير الحسن.

قوله : (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ) : [يعني في النصيحة] (٢) (مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) : أى عقوبته. وقال بعضهم : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) أى ويحذّركم الله منه ، ويحذّركم الله إيّاه. (وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) (٢٨).

قال بعضهم : تقيّة الرحم من المشركين ، من غير أن يتولّوهم في دينهم ، إلّا أن يصل الرجل رحما له من المشركين (٣).

وقال غيره : هذا رجل صار في أيدي المشركين فأعطاهم بلسانه ما ليس في قلبه حتّى يجعل الله له مخرجا.

__________________

(١) حديث متّفق على صحّته ، أخرجه البخاري ومسلم عن جابر بن سمرة وعن أبي هريرة ؛ أخرجه البخاري في كتاب الأيمان والنذور ، باب كيف كانت يمين النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بلفظ : «إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده ، وإذا هلك كسرى فلا كسرى بعده ، والذي نفسي بيده لتنفقنّ كنوزهما في سبيل الله. وأخرجه مسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة ، باب لا تقوم الساعة حتّى يمرّ الرجل بقبر الرجل فيتمنّى أن يكون مكان الميّت من البلاء. (٢٩١٨ ، ٢٩١٩).

(٢) زيادة من ز ورقة ٤٤.

(٣) هذا قول قتادة رواه بسند ابن جرير الطبريّ في تفسيره ، ج ٦ ص ٣١٦.

٢٥٥

ذكر أبو عبيدة بن محمّد بن عمّار بن ياسر (١) قال : أخذ المشركون عمّار بن ياسر فلم يدعوه حتى سبّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وذكر آلهتهم بخير ، [ثمّ تركوه] (٢). فلما أتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : ما وراءك؟ قال : شرّ يا رسول الله ، والله ما تركت حتّى نلت منك ، وذكرت آلهتهم بخير ، قال : فكيف تجد قلبك؟ قال : أجده مطمئنّا بالإيمان. قال : فإن عادوا فعد (٣).

قوله : (قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ) : أى تظهروه (يَعْلَمْهُ اللهُ وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٩) يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً) : هذا المؤمن. قال بعضهم : (مُحْضَراً) أى : موفّرا مكثّرا (٤). (وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً) : فلا يجتمعان أبدا (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) : أى عقوبته (وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) (٣٠) : أى رحيم. أمّا المؤمن فله رحمة الدنيا والآخرة ، وأمّا الكافر فرحمته في الدنيا ما رزقه الله فيها ، وليس له في الآخرة إلّا النار.

قوله : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٢١) : قال الحسن : جعل محبّة رسوله محبّته ، وطاعته طاعته ؛ فقال : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) [النساء : ٨٠] ، وقال : (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما

__________________

(١) هو أبو عبيدة بن محمّد بن عمّار بن ياسر ، كما ورد اسمه صحيحا في المخطوطات ق ، وع ، ود ، وز ، لا كما جاء خطأ في تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٢٢٨ ، فأبو عبيدة اسم لا كنية ؛ وهو حفيد عمّار بن ياسر. قال ابن حزم في جمهرة أنساب العرب ، ص ٤٠٦ في الحديث عن عمار وأبنائه : «وعمّار بدريّ ، مهاجر ، معذّب في الله ـ عزوجل ـ ، وابناه : سعد ، ومحمّد ، ابنا عمّار ، قتل محمّدا المختار ؛ وابن ابنه أبو عبيدة بن محمّد من العلماء بالنسب ...». وكان أبو عبيدة هذا راويا ، ذكره الطبريّ في تاريخه مرارا. ومن الذين رووا عن أبي عبيدة بن محمّد بن عمّار محمّد بن إسحاق ، صاحب السيرة.

(٢) زيادة من ز ، ورقة ٤٤.

(٣) حديث صحيح أخرجه ابن سلّام عن الفرات بن سلمان عن عبد الكريم الجزريّ عن أبي عبيدة بن محمّد بن عمّار. وأخرجه ابن جرير الطبريّ مختصرا عن ابن عبد الأعلى عن محمّد بن ثور عن معمر عن عبد الكريم الجزريّ عن أبي عبيدة بن محمّد بن عمّار عند تفسير قوله تعالى : (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ...) الآية [النحل : ١٠٦].

(٤) في ق وع ود : «موفّرا مكنوزا» ، وأثبتّ ما جاء في ز ، ورقة ٤٤ : «موفّرا مكثّرا».

٢٥٦

يُبايِعُونَ اللهَ) [الفتح : ١٠].

قوله : (قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا) : أى عن دينه (فَإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ) (٢٢).

قوله : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً) : أى : اختار آدم ونوحا للبلاغ عن الله الرسالة (وَآلَ إِبْراهِيمَ) : يعني إبراهيم وولده وولد ولده (وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ (٣٣) ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ) : قال بعض المفسّرين : أى في النية والإخلاص والعمل الصالح والتوجيه له. (وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (٣٤).

(إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (٣٥) : قال مجاهد : محرّرا للمسجد يقوم عليه (١).

قال الحسن : ألهمت ذلك حتّى علمت أنّه لله رضا ، فنذرت وسألت الله أن يتقبّل ذلك منها.

وقال بعضهم : كانت امرأة عمران حرّرت لله ما في بطنها ، وكانوا يحرّرون الذكور. وكان المحرّر إذا حرّر يكون في المسجد لا يبرحه ، يقوم عليه ويكنسه. وكانت المرأة لا يستطاع أن يصنع ذلك بها لما يصيبها من الأذى ، يعني الحيض (٢).

قوله : (فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ) : وهي تقرأ على وجه آخر : وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَت. فمن قرأها بالسكون فهو من قول الله ، ومن قرأها بالرفع فهو من قولها. قال : (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى).

قال الكلبيّ : كانت امرأة عمران قد دخلت في السّنّ ، ولم يكن لها ولد ، فحملت ، فجعلت ما في بطنها محرّرا لبيت المقدس. ولم يكن يحرّر في ذلك الزمان إلا الغلمان ، فحرّرته قبل أن تعلم ما هو ، فقال لها زوجها : ويحك ما صنعت؟ أرأيت لو كان أنثى ، وعورة المرأة ما قد علمت ، ما تصنعين؟ فلم تزل في همّ ممّا قال لها زوجها حتّى وضعت ، فقالت : (رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللهُ

__________________

(١) أورد ابن جرير الطبريّ الخبر في تفسيره ج ٦ ص ٣٣١ من عدّة طرق بلفظ «محرّرا للكنيسة» تارة ، و «محرّرا للبيعة» تارة أخرى ، ولم يرد في أى رواية له لفظ «المسجد» كما هو هنا.

(٢) جاء في ق ، وع ، ود بعد «يعني الحيض» مايلي : «فعند ذلك قالت (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى)». ولا وجه لهذه الجملة هنا ، لأنّ قولها هذا كان بعد الوضع عند ما علمت أنّها وضعت أنثى.

٢٥٧

أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى). فلفّتها في خرقة ثمّ أرسلت بها إلى المسجد ، مسجد بيت المقدس ، فوضعتها فيه ، فتنافسها الأحبار بنو هارون.

قال مجاهد : حين دخلت عليهم قال لهم زكرياء ، وهو يومئذ رأس الأحبار : أنا أحقّكم بها ؛ عندي أختها ، فذروها لي. فقالت الأحبار : لو تركت لأقرب الناس إليها لتركت لأمّها التي ولدتها ؛ ولكنّا (١) نقترع عليها ، فهي لمن خرج سهمه. فاقترعوا عليها بأقلامهم التي كانوا يكتبون بها الوحي ، فقرعهم زكرياء فضمّها إليه ، واسترضع لها ، حتّى إذا شبّت بنى لها محرابا في المسجد ، فجعل بابه في وسطه ، لا يرتقى إليها إلّا بسلم ، ولا يأمن عليها أحدا غيره.

وقال الحسن : لم يسترضع لها ولم تلقم ثديا قطّ ، أنبتها الله بغير رضاع. قال الكلبيّ : وكانت امرأة زكرياء أيضا عاقرا قد دخلت في السّنّ ، وزكرياء شيخ كبير ، فهنالك طمع زكرياء في الولد.

قوله : (وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) (٣٦) : أى أن يضلّها وإيّاهم.

ذكروا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : كلّ بني آدم يطعنه الشيطان في جنبه حين تلده أمّه إلّا عيسى بن مريم ، ذهب يطعن فطعن في الحجاب (٢). وقال بعضهم : أرأيتم هذه الصرخة التي يصرخها حين تلده أمّه ، فإنّها منه. وذكروا عن بعضهم قال : كلّ آدميّ طعن الشيطان في جنبه إلّا عيسى وأمّه ، جعل بينهما وبينه حجاب ، فأصابت الطعنة الحجاب ، ولم ينفذ إليها بشيء.

قوله : (فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا) : أى : ضمّها زكرياء في تفسير من خفّف قراءتها ، ومن ثقّل قراءتها يقول : وكفّلها الله زكرياء ، بنصب زكرياء.

قوله : (كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً) : ذكر بعضهم قال : كان يجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف (قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا) أى : من أين لك هذا؟. (قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ

__________________

(١) كذا في ق وع ، ود : «ولكنّا» ، وفي ز : «ولا كنّا» ، ولكليهما وجه.

(٢) أخرجه البخاري ومسلم ، والحديث الذي يليه من عدّة طرق وبألفاظ متشابهة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. أخرجه البخاري في كتاب التفسير ، سورة آل عمران ، وأخرجه مسلم في كتاب الفضائل ، باب فضائل عيسى عليه‌السلام (رقم ٢٣٦٦).

٢٥٨

حِسابٍ) (٣٧).

قال الله : (هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً) : [أي تقيّة] (١) (إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ) (٣٨) : فاستجاب الله له (فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ) : أى في المسجد. فبينما هو قائم يصلّي إذا هو برجل قائم ، عليه ثياب بيض ، قائم مقابله ، وهو جبريل عليه‌السلام ؛ فناداه وهو قائم يصلّي في المحراب : (أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ) : والكلمة عيسى عليه‌السلام.

قوله : (يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى) قال بعض المفسّرين : أحياه الله بالإيمان. (مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ) يعني عيسى على سنّته ومنهاجه.

قال : (وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) (٣٩) : قال بعض المفسّرين : السيّد الحسن الخلق ، والحصور الذي لا يأتي النساء ، يقول : حصر عنهنّ فلا يستطيعهنّ (٢). وقال بعضهم : سيّد بالعبادة والحلم والورع. والحصور الذي لا يأتي النساء. وقال مجاهد : السيّد هو الكريم على الله.

(قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ) : أى كيف يكون (لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ) : أى لا تلد. قال الحسن : أراد أن يعلم كيف وهب ذلك له وهو كبير ، وامرأته كبيرة عاقر. وإنّما ذلك بمنزلة قول إبراهيم : (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى) [البقرة : ٢٦٠]. أراد أن يزداد علما.

(قالَ كَذلِكَ اللهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ (٤٠) قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً) : أى : إلا إيماء. فعوقب ، فأخذ عليه بلسانه في تفسير الحسن. وقال غيره : فجعل لا يفيض الكلام إلّا ما أومأ إيماء.

وقال بعضهم : إنّما عوقب لأنّ الملائكة شافهته مشافهة ، فبشّرته بيحيى مشافهة ، فسأل الآية بعد ما شافهته الملائكة. فقال الله : (آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً) أى إلّا إيماء. قال مجاهد : بالشفتين. وقال الكلبيّ : بالشفتين والحاجبين واليدين.

__________________

(١) زيادة من ز ورقة ٤٥.

(٢) الصحيح الذي عليه المحقّقون من المفسّرين أنّه لا يأتي النساء تعفّفا لا عجزا ، وقيل : «إنّه يحصر نفسه عن الشهوات». وقال أبو عبيدة في مجاز القرآن ، ج ١ ص ٩٢ : «والحصور أيضا : الذي لا يخرج سرّا أبدا».

٢٥٩

قوله : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ) (٤١) : يعني الصلاة.

قوله : (وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ) : أى اختارك لدينه ، (وَطَهَّرَكِ) : من الكفر في تفسير الحسن (١). وقال مجاهد : جعلك طيّبة إيمانا (٢). (وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ) (٤٢).

ذكروا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : كفاك من نساء العالمين بأربع : مريم ابنة عمران ، وآسية امرأة فرعون ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمّد (٣).

قوله : (يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ) : قال مجاهد : أطيلي الركوع في الصلاة ، أى القيام في الصلاة.

(وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) (٤٣) : قال الحسن : هي الصلوات : فيها القنوت ، وهو طول القيام ، كما قال مجاهد ، وفيها الركوع والسجود (٤).

قوله : (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ) : أى من أخبار الغيب ، أى الوحي (نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ) : أى عندهم (إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ) : أى يستهمون بها (أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ) (٤٤) : أى أيّهم يضمّها إليه. قال بعض المفسّرين : كانت مريم بنت إمامهم وسيّدهم ، فتشاحّ عليها بنو إسرائيل فاقترعوا فيها بسهامهم أيّهم يضمّها إليه ، فقرعهم زكرياء ، وكان زوج أختها.

قوله : (إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ (٥) اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) : قال الحسن : مسح بالبركة. (وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) (٤٥) : أى عند الله يوم القيامة.

__________________

(١) وقال يحيى بن سلّام في كتابه التصاريف ص ١٩٣ : «من الفاحشة والإثم. ذلك أنّ اليهود قذفوها بالفاحشة».

(٢) وردت هذه الكلمة هكذا في د : «أيّما» مضبوطة بياء مشدّدة ، وبدون ضبط في ع. وما أثبتّه هو الصحيح.

(٣) حديث صحيح أخرجه أحمد في مسنده ، وابن حبّان وصحّحه ، وأخرجه الترمذيّ ، كلّهم يرويه من طريق قتادة عن أنس بن مالك عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٤) وفي تفسير الطبريّ ج ٦ ص ٤٠٢ رواية عن مجاهد : «كانت تصلّي حتّى ترمّ قدماها».

(٥) قال أبو عبيدة في مجاز القرآن ج ١ ص ٩٣ : «(بِكَلِمَةٍ مِنْهُ) : الرسالة ، هو ما أوحى الله به إلى الملائكة في أن يجعل لمريم ولدا». وقال : «الوجيه : الذي يشرف ، ويكون له وجه عند الملوك».

٢٦٠