تفسير كتاب الله العزيز - ج ١

هود بن محكم الهوّاري الأوراسي

تفسير كتاب الله العزيز - ج ١

المؤلف:

هود بن محكم الهوّاري الأوراسي


المحقق: بالحاج بن سعيد الشريفي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار البصائر للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٢

فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ) : التجارة.

قال الكلبيّ : نزلت ـ فيما بلغنا ـ في رجل من بني بكر بن وائل من بني قيس بن ثعلبة (١) ؛ قدم على النبيّ بالمدينة فقال : يا محمّد ، ما تأمرنا به وما تنهانا عنه؟ فأخبره النبيّ بالذي له وبالذي عليه في الإسلام. فلم يرض ، فقال : أرجع إلى قومي فأعرض عليهم ما ذكرت ، فإن قبلوا كنت معهم ، وإن أدبروا كنت معهم على هذا ؛ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لقد دخل عليّ بوجه كافر ، وخرج من عندي بقفا غادر ، وما الرجل بمسلم (٢). فلمّا خرج من أرض المدينة مرّ بسرح من أهل المدينة فانطلق به ، فبلغ الخبر أهل المدينة فطلبوه فسبقهم. وحضر الحجّ ، فأقبل تاجرا حاجّا ، فبلغ ذلك أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأرادوا أن يطلبوه فيقتلوه فيأخذوا ما معه ، فنهوا عنه في هذه الآية. وكان ذلك قبل أن يؤمروا بقتال المشركين.

وقال الكلبيّ في قوله : (يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً) : التجارة بعد الحجّ. وأمّا الرضوان فالناس كانوا يحجّون بين مسلم وكافر قبل أن تنزل هذه الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا) [التوبة : ٢٨] وأصحاب الرضوان المسلمون.

قوله : (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا) : أى إذا رمى أحدكم جمرة العقبة يوم النحر فقد حلّ له كلّ شىء ، إلّا النساء والطيب فحتّى يطوف بالبيت. وهي رخصة إن شاء اصطاد وإن شاء ترك. يقول : (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا) وقال في آية أخرى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) [المائدة : ٩٥].

قوله : (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ) : قال بعضهم : لا يحملنّكم بغض قوم (أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا) : قال الكلبيّ : يعني بالقوم أهل مكّة ؛ يقول : لا تعتدوا عليهم لأن صدّوكم عن المسجد الحرام ؛ وذلك قبل أن يؤمر بقتالهم.

__________________

(١) هو الحطم ، شريح بن ضبيعة بن شرحبيل. وكان «صاحب المشركين في الردّة» كما ذكره ابن حزم في جمهرة أنساب العرب ، ص ٣٢٠. وانظر قصّته في أسباب النزول للواحدي ، ص ١٨١. وقد قتل الحطم في حروب الردّة ، قتله المسلمون الذين كانوا بقيادة العلاء بن الحضرميّ. انظر تفاصيل ذلك في تاريخ الطبري ، ج ٣ ص ٣٠٨ ـ ٣٠٩.

(٢) أخرجه ابن جرير الطبريّ في تفسيره ، ج ٩ ص ٤٧٢ ـ ٤٧٣ عن عكرمة. وانظر الدر المنثور ج ٢ ص ٢٥٤.

٤٠١

وقال مجاهد : هو رجل مؤمن من حلفاء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قتل حليفا لأبي سفيان من هذيل يوم الفتح بعرفة ، لأنّه كان يقتل حلفاء النبيّ. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لعن الله من يقتل بذحل الجاهليّة (١).

قال : (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) (٢) : قال الحسن : هذا حين صدّوه يوم الحديبيّة عن المسجد الحرام.

قوله : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) : أى : ما ذبح لغير الله. (وَالْمُنْخَنِقَةُ) : قال بعضهم : المنخنقة : التي تختنق في حبلها فتموت ، كانوا يأكلونها. (وَالْمَوْقُوذَةُ) : كانوا يضربونها بالخشبة حتّى تموت ثمّ يأكلونها. (وَالْمُتَرَدِّيَةُ) : التي تتردّى في بئر فتموت فيأكلونها. (وَالنَّطِيحَةُ) : الكبشان ينتطحان فيموت أحدهما ، كانوا يأكلونه. (وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ) : أى إلّا ما أدركتم ذكاته.

قال بعضهم : كلّ ما أدركتم من هذا كلّه ، ما خلا الخنزير ، من عين تطرف ، أو قائمة ترتكض ، أو ذنب يتحرّك ، فأدركت ذكاته ، فذكرت اسم الله عليه ، فقد أحلّ الله لك أكله.

ذكروا عن بعضهم قال : إنّما تكون الذكاة في العين والطرف والرجل. ثمّ أنزل الله بعد ذلك : (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) [المائدة : ٥]. والطعام : الذبيحة في تفسير مجاهد والناس (٢). قوله : (وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) : قال بعضهم : هي حجارة كان يعبدها أهل الجاهليّة فيذبحون لها.

قوله : (وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ) : قال بعضهم : قداح كانوا يستقسمون بها في الأمور ، فكان الرجل إذا أراد سفرا أخذ قدحا فقال : هذا يأمرني بالخروج ، وأنا مصيب في سفري خيرا ،

__________________

(١) الذّحل : الثأر ، وقيل : الحقد والعداوة. ولم أجد الحديث بهذا اللفظ فيما بين يديّ من مصادر الحديث. إلّا أنّ القرطبيّ أورد في تفسيره ، ج ٢ ص ٢٤٥ حديثا بدون سند هذا نصّه : «إنّ من أعتى الناس على الله يوم القيامة ثلاثة : رجل قتل غير قاتله ، ورجل قتل في الحرم ، ورجل أخذ بذحول الجاهليّة». وروى الذهبيّ في ميزان الاعتدال ، ج ٢ ص ٥٤٧ ما يلي : بشر بن المفضل ، حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق ، عن الزهريّ ، عن عطاء بن يزيد ، عن أبي شريح مرفوعا : «إنّ أعتى الناس على الله من قتل غير قاتله ، ومن طلب بذحل الجاهليّة». ورواه أبو عبيد القاسم بن سلّام بسند في كتاب الأموال ، ص ١٤٥.

(٢) لم أهتد إلى وجه إيراد هذه الآية هنا ، وستأتي مفسّرة مفصّلة بعد آيتين.

٤٠٢

ويأخذ قدحا آخر ويقول : هذا يأمرني بالمكوث ، ولست بمصيب في سفري خيرا ، والمنيح بينهما ، فنهوا عن ذلك (١).

وقال الكلبيّ : إذا كانت بينهما مداراة (٢) جعلوا لكلّ رجل سهما وللحضر سهما ، ثمّ أجالوا السهام ، فمن خرج سهمه فهو أولى بالحقّ. وكانوا يجعلون للسفر سهما وللحضر سهما ، ثمّ يقولون : ربّنا أيّهم كان خيرا لفلان فأخرجه ؛ فأيّهما خرج رضي به.

وقال مجاهد : كانوا يجعلون ذلك لكلّ سفر وحرب وتجارة.

قوله : (ذلِكُمْ فِسْقٌ) : يعني أنّ الله حرّمه.

قوله : (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) : قال بعضهم : ذكر لنا أنّها نزلت على نبيّ الله يوم عرفة ، يوم جمعة ، حين نفى الله المشركين عن المسجد الحرام ، وأخلص الله للمسلمين حجّهم. قال : وفي تفسير بعضهم : فلم يحجّ بعد مشرك.

ذكروا عن ابن عبّاس أنّه قرأ هذه الآية : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) وعنده رجل من اليهود فقال اليهوديّ : لو أنّ هذه الآية نزلت علينا لا تّخذنا ذلك اليوم عيدا. فقال ابن عبّاس : فإنّها نزلت في يوم عيدين اثنين : يوم جمعة ويوم عرفة (٣).

وقال الكلبيّ : نزلت يوم عرفة حين فرغ من تنزيل الحلال والحرام ، فلم ينزل بعدها حلال ولا حرام ، غير أنّه في سورة البقرة على رأس ثمانين ومائتي آية : (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (٢٨١) [سورة البقرة : ٢٨١]. نزلت هذه الآية بمنى بعد يوم النحر في حجّة رسول الله التي يقال لها : حجّة الوداع ، والآية التي في آخر

__________________

(١) جاءت العبارة مضطربة في ع ، وجاءت في ز ناقصة ، وفي د جاءت بصيغة الغائب : «هذا يأمره بالخروج» و «هذا يأمره بالمكوث». فأثبتّ ما هو صواب حتّى يستقيم المعنى.

(٢) كذا في ع ود : «مداراة» ، ويبدو أنّ في الكلمة تصحيفا صوابها «مماراة» بمعنى المجادلة والخصام ، ومن معاني المداراة المخاتلة ، ولكن هذا غير مناسب هنا.

(٣) نسب مثل هذا الأثر إلى عمر بن الخطّاب أيضا. وقد روى الطبريّ في تفسيره الأثرين معا في ج ٩ ص ٥٢٤ ـ ٥٢٥.

٤٠٣

سورة النساء مخرجه إلى حجّة الوداع : (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ ...) إلى آخر السورة ؛ وكان يقال لها آية الصيف.

وقال الحسن : (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ) أى يئسوا أن يستحلّوا فيه ما استحلّوا في دينهم (فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ. الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) يعني باليوم زمان النبيّ عليه‌السلام كلّه.

(وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) : أى بالجنّة. قال : (وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً).

قوله : (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ) : أى في مجاعة خمص لها بطنه. رجع إلى الكلام الأوّل في قوله : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ ...) إلى آخر الآية (غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ) : أى غير متعمّد لإثم ، في تفسير الحسن. وقال بعضهم : غير متعرّض لمعصية الله (١). قال الله : (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٣).

قوله : (يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) : يعني الحلال من الذبائح (وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ) : قال مجاهد : هي من الطير والكلاب. (مُكَلِّبِينَ) : أى : مضرين (٢) (تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) (٤).

ذكروا عن عديّ بن حاتم قال : قلت : يا رسول الله ، إنّ لنا كلابا مكلّبة نرسلها فتأخذ الصيد وتقتل ، قال : كل ، قلت : وإن قتلن ، قال وإن قتلن ما لم يخالطها كلب من غيرها (٣).

__________________

(١) قال ابن قتيبة في غريب القرآن ، ص ١٤١ : «((غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ) : أى منحرف مائل إلى ذلك ، والجنف : الميل. والإثم : أن يتعدّى عند الاضطرار فيأكل فوق الشبع».

(٢) أضرى الكلب إذا عوّده الصيد وأغراه به. وسمّيت جوارح الطير والكلاب جوارح ، واحدته جارحة ، لأنّها تجرح لأهلها ، أى تكسب لهم من الصيد. يقال : جرح الشيء واجترحه ، أى : كسبه. ومنه قوله تعالى في سورة الأنعام : ٦٠ (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ،) أى : ما كسبتم. انظر : اللسان (جرح) وانظر تفسير الطبري ، ج ٩ ص ٥٤٣.

(٣) حديث متّفق على صحّته ، أخرجه البخاري في كتاب الذبائح والصيد ، باب ما أصاب المعراض بعرضه ، وأخرجه مسلم في كتاب الصيد والذبائح ، باب الصيد بالكلاب المعلّمة (١٩٢٩) كلاهما من حديث عديّ بن حاتم.

٤٠٤

ذكروا عن الحسن قال : ما قتل الكلب أو الصقر أو البازي فكل.

وقيل لبعضهم : ما تقول في رجل يستعير كلب اليهوديّ والنصرانيّ يصيد به؟ قال : لا بأس به ، إنّما هو بمنزلة شفرته ، يعني مثل ذبيحته (١). ولا يصلح ما صيد بكلاب المجوس ولا ما أخذت كلابهم.

ذكروا عن الحسن أنّه قال : يكره ما سوى كلاب المسلمين ، يقول : إلّا ما علمتم أنتم لقوله : (تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ).

ذكروا عن ابن عمر أنّه سئل عمّا أكل الكلب ، قال : كل ، وإن أكل ثلثيه ، قلت : عمّن؟ قال : عن سلمان الفارسي.

ذكروا عن عطاء بن السايب عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قال : ما أكل الكلب فلا تأكله فإنّك تستطيع أن تمنعه ، وما أكل الصقر والبازي فكله فإنّه لا تستطيع أن تمنعه. قال بعضهم : كره ما رخّص فيه الناس ، ورخّص فيما كره الناس. ذكر نافع قال : قرأت في كتاب عليّ بن أبي طالب : ما قتل الكلب فكل ، وما قتل الصقر والبازي فلا تأكل.

قوله : (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ) : يعني بطعام الذين أوتوا الكتاب ذبائحهم.

ذكروا عن الحسن أنّه قيل له : إنّ النصارى إذا ذبحوا قالوا : باسم المسيح ، قال : كلوا ذبائحهم ، فإنّ الله قد أحلّ ذبائحهم وهو يعلم ما يقولون (٢).

ذكروا عن القاسم أنّه قال : لو سمعت نصرانيّا يذبح لجرجيس (٣) ولبولس (٤) ولكنائسهم لأكلتها.

__________________

(١) الصواب أنّه يعني بالشفرة ، آلة الذبح ، الموسى ، لا نفس الذبيحة. كأنّه قال : لو استعرت شفرة اليهوديّ أو النصرانيّ فذبحت بها كانت ذكاتك شرعيّة وذبيحتك حلالا ، فكذلك إذا استعرت كلبهما.

(٢) وهذا من فقه الحسن ، ومعرفته بأسرار التشريع.

(٣) رجل صالح مؤمن من أتباع عيسى عليه‌السلام ، وقد أدرك بعض حواريّي عيسى وأخذ عنهم. عاش في فلسطين تحت ملك جبّار وأوذي في سبيل دينه. انظر أخباره في تاريخ الطبري ، ج ٢ ص ٢٤ ـ ٣٦.

(٤) هو أيضا من أتباع عيسى ، صاحب فطرس. وقد قتله نيرون الطاغية.

٤٠٥

قوله : (وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) : هذا مثل قوله : (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ) [الأعراف : ١٥٧] أى : ما كان شدّد عليهم فيه من أمر السبت والشحوم وكلّ ذي ظفر ، وكلّ ما كان حرّم عليهم فليس يحرم على المسلمين شيء ممّا حرّم عليهم من تلك الأشياء. قال الله : (وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا) [الأنعام : ١٥٥] أى اتّبعوا ما أحلّ فيه واتّقوا ما حرّم فيه. فالخمر اليوم عليهم حرام ، وكلّ ما حرّم الله على المسلمين فهو عليهم حرام.

(وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) : والمحصنات هنا الحرائر ، ولا يحلّ نكاح إماء أهل الكتاب ، ويوطأن بملك اليمين. يقول الله :

(وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ) [النساء : ٢٥]. ولا يتزوّج العبد المسلم الأمة اليهوديّة ولا النصرانيّة في قول الحسن : وبه نأخذ (١).

قوله : (إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) : أى صداقهنّ. فإذا سمّاه لها فلا بأس بأن يدخل عليها قبل أن يعطيها شيئا.

قوله : (مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ) : قال مجاهد : ناكحين غير زانين ، قال تزويجا غير زنى. (وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ) : أى الخليل في السرّ ، والخليلة في السرّ ؛ يقول : نكاحا غير سفاح ، والسفاح الزنا الظاهر. (وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ) غير متّخذها خليلة ، ولكن نكاحا حلالا.

قوله : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٥) : ذكر بعضهم أنّه لّما نزل تحليل نساء أهل الكتاب قال بعضهم : كيف نتزوّج نساء من غير أهل ديننا فأنزل الله : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ). تفسير ذلك : ومن يكفر بتصديق تحليلهنّ فقد حبط عمله. قال مجاهد : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ) أى : بالله.

قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ).

__________________

(١) كأنّي بهذه الجملة الأخيرة من الشيخ هود بن محكّم الهوّاريّ ، فإنّها تمثّل رأي الإباضيّة في المسألة. انظر تعليقا ضافيا في الموضوع للمرحوم الشيخ علي يحيى معمّر في كتاب النكاح لأبي زكرياء يحيى الجنّاوني ، ص ٢٨ ـ ٣١.

٤٠٦

ذكروا عن بعضهم قال : رأيت عليّا توضّأ فمضمض ثلاثا ، واستنشق ثلاثا ، وغسل وجهه وغسل ذراعيه ثلاثا ثلاثا ، ومسح برأسه ثلاثا ، وغسل رجليه. فلمّا فرغ من وضوئه استتمّ قائما فأخذ فضل وضوئه فشربه وهو قائم ، ثمّ قال : إنّي رأيت رسول الله فعل ما فعلت فأحببت أن أريكم.

ذكروا أنّ الربيّع بنت معوذ بن عفراء (١) قالت : دخل عليّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فدعا بوضوء ، فأتيته بإناء فيه ماء قدر مدّ وثلث ، أو مدّ وربع ، فغسل يديه ثلاثا [قبل أن يدخلهما في الإناء] (٢) ، ثمّ مضمض ثلاثا ، واستنشق ثلاثا ، وغسل وجهه ثلاثا ، وغسل ذراعيه ثلاثا ، ثمّ مسح برأسه ما أقبل منه وما أدبر ، ومسح أذنيه ظاهر هما وباطنهما ، وغسل رجليه. قالت : فأتاني غلام من بني عبد المطّلب ، تعني ابن عبّاس ، فسألني عن هذا الحديث فأخبرته ، فقال : أبى الناس إلّا الغسل ، ولا أجد في كتاب الله إلّا المسح. ذكر بعضهم أنّه رأى عمر بن الخطّاب خرج من حدث فمضمض مرّتين ، واستنشق مرّتين ، وغسل وجهه مرّتين وذراعيه مرّتين مرّتين ، ومسح برأسه مرّتين.

قوله : (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) : أى : ترابا نظيفا.

ذكروا عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس أنّه قال : الجريح والمجدور والمقروح إذا خشي على نفسه تيمّم. ذكروا عن سعيد بن جبير وعليّ وابن عبّاس مثل ذلك وزاد فيه بعضهم :

__________________

(١) هي الربيّع بنت معوذ بن عفراء الأنصاريّة ، من فضليات الصحابيّات. وأبوها معوّذ ، شهد مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بدرا ، واستشهد بها بعد ما قتل أبا جهل بن هشام. وشهدت الربيّع مواقف مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وصحبته في بعض غزواته. وقد أخرج البخاري في كتاب فضل الجهاد والسير ، باب مداواة النساء الجرحى في الغزو ، عن الرّبيّع بنت معوّذ قالت : كنّا مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم نسقي ونداوي الجرحى ، ونردّ القتلى إلى المدينة. وكانت من المبايعات تحت الشجرة بيعة الرضوان. وقد روت أحاديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وحدّثت بها. روى عنها أهل المدينة من الصحابة والتابعين. وكانوا يسألونها في بعض مسائل الدين. انظر ترجمتها في الاستيعاب لابن عبد البرّ ، ج ٤ ص ١٨٣٨ ، وغيره من كتب التراجم.

(٢) زيادة من ز ، لا بدّ من إثباتها. وقد أخرج هذا الحديث يحيى بن سلّام عن إبراهيم بن محمّد عن عبد الله بن محمّد بن عقيل عن الربيّع بنت معوّذ. انظر مخطوطة ز ، ورقة ٧٩. وأخرجه البيهقيّ مختصرا في كتاب الطهارة ، باب المسح بفضل اليدين. وأخرجه ابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها ، باب الرجل يستعين على وضوئه فيصبّ عليه (رقم ٣٩٠).

٤٠٧

وكلّ مريض.

ذكروا عن عبيد بن عمير وعطاء وسعيد بن جبير أنّهم اختلفوا في الملامسة فقال سعيد وعطاء : هو ما دون الجماع ، وقال عبيد بن عمير : هو الجماع. فخرج عليهم ابن عبّاس فسألوه وأخبروه عمّا قالوا فقال : أخطأ الموليان وأصاب العربي (١) ، الملامسة : الجماع ، ولكنّ الله يكنّي ويعفّ.

ذكروا عن عليّ أنّه قال : اللمس : الجماع ، ولكنّه كنّى. وقال ابن مسعود : الملامسة : اللمس باليد ، والقول عندنا قول ابن عبّاس وعليّ ، وبه نأخذ (٢).

قوله : (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) : ذكروا عن عمّار بن ياسر قال : أصابتني جنابة وأنا في الإبل ، فتمعّكت (٣) في الرمل كتمعّك الدابّة ، ثمّ جئت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد دخل الرمل في رأسي ولحيتي فأخبرته ، فقال : يكفيك أن تقول هكذا ، وضرب بكفّيه الأرض ، ثمّ نفضهما ، ثمّ مسح بهما وجهه وكفّيه مرّة واحدة.

ذكروا عن الحسن أنّه سئل عن الرجل يكون مسافرا ، وهو يعلم أنّه لا يقدر على الماء ، قال : يطأ أهله ويتيمّم.

ذكروا عن عليّ أنّه قال : إذا كان المسافر يجد الماء يوما ولا يجده يوما فلا يطأ أهله.

قوله : (ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ) : أى من ضيق (وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) : أى من الذنوب (وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ) : أى بدخول الجنّة. (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٦) : أى لكي تشكروا النعمة فتدخلوا الجنّة.

قوله : (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا) : وهو الميثاق الذي أخذ عليهم في صلب آدم. وتفسير ذلك في سورة الأعراف (٤).

__________________

(١) يعني به عبيد بن عمير بن قتادة الليثي ، قاضي أهل مكّة.

(٢) وهو قول الأصحاب من الإباضيّة ، والعبارة من الشيخ هود الهوّاريّ ، ولا شكّ ، ولم ترد في ز.

(٣) التمعّك : التقلّب في التراب والتمرّغ فيه. وانظر تخريج الحديث فيما سلف ، تفسير الآية ٤٣ من سورة النساء.

(٤) سيأتي تفسيره إن شاء الله في سورة الأعراف : ١٧٢ ، في قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ـ

٤٠٨

وقال مجاهد : الذي واثق به بني آدم في ظهر آدم عليه‌السلام. قال : (وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (٧) : أى بما في الصدور.

قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ) : أى : بالعدل ، وهي الشهادة تكون عند الرجل. قوله : (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا) : قال بعضهم : ولا يحملنّكم بغض قوم على ألّا تعدلوا. قال الكلبيّ يعني به قريشا الذين صدّوهم عن المسجد الحرام وصدّوا الهدي ، فأمر الله رسوله بالعدل فيهم ، ولم يكن أمر بقتال المشركين يومئذ عامّة.

قوله : (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) : [أي فإنّه من التقوى] (١). قال : (وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) (٨) (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) (٩) : وإنّما ارتفعت لأنّ إضمارها : وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، وفي الوعد لهم مغفرة ـ أى لذنوبهم ـ وأجر عظيم (٢) ، أى : الجنّة.

قوله : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) (١٠) : أى أصحاب النار ، وهو اسم من أسماء أبواب جهنّم.

قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (١١).

قال الحسن : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ببطن نخل محاصرا غطفان ، وهو متقلّد سيفه ؛ فجاءه رجل كانت قريش بعثته ليفتك برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال : يا محمّد أرني سيفك هذا حتّى أنظر إليه ، فقال : هاكه. فأخذه فجعل ينظر إلى السيف مرّة وإلى رسول الله مرّة ، فقال : يا محمّد ، أما تخافني؟ قال : لا.

وقال بعضهم : ذكر لنا أنّها نزلت على نبيّ الله وهو بنخل في الغزوة السابعة ، فأراد بنو تغلب

__________________

ـ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ...) الآية.

(١) زيادة من ز ، ورقة ٧٩.

(٢) قلّما يتعرّض مؤلّف الكتاب في تفسيره لمسائل اللغة والإعراب ، وإذا فعل فبإيجاز. ومن أراد تفصيلا في هذا وزيادة بيان فعليه بكتاب معاني القرآن للفرّاء ، فهو العمدة في الموضوع بالنسبة للمفسّرين القدامى.

٤٠٩

وبنو محارب أن يفتكوا به ، فأطلعه الله على ذلك. وذكر لنا أنّ رجلا انتدب لقتله ، فأتى نبيّ الله وسيفه موضوع ، فقال : آخذه؟ قال : خذه. قال : أسلّه؟ قال : سله. فلمّا انتضاه قال : ما يمنعك؟ قال الله يمنعني منك. فتهدده أصحاب النبيّ وأغلظوا له ، فشام السيف فردّه ، فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالرحيل. وأنزلت عليه صلاة الخوف عند ذلك.

ذكر جابر بن عبد الله قال : نزلت صلاة الخوف في الغزوة السابعة (١).

قوله : (وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً) : ذكر بعضهم قال : أى : شاهدا ؛ من كلّ سبط شاهد على قومه. قال الحسن : ما ضمنوا عنهم من شيء قبلوه من الدين ، فهم ضامنون له قابلوه. وقد جعل رسول الله أيضا بما أمره الله اثني عشر نقيبا ليلة العقبة. وقال مجاهد : من كلّ سبط رجلا ، فأرسلهم موسى إلى الجبّارين.

قوله : (وَقالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ) : على الشرط (لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ) : أى ونصرتموهم (وَأَقْرَضْتُمُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) : أى : الصدقة والنفقة في الحقّ. (لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) : وهو كقوله في سورة البقرة : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) [البقرة : ٤٠] وقد فسّرنا ذلك في سورة البقرة.

وتفسير مجاهد : إنّ موسى أرسل نقيبا من كلّ سبط إلى الجبّارين ، فوجدوهم يدخل في كمّ أحدهم اثنان منهم ، فرجع النقباء كلّهم ينهى سبطه (٢) عن قتالهم ، إلّا يوشع بن نون وطالوت (٣)

__________________

(١) يذكر المفسّرون في سبب نزول الآية قصّتين أورد المؤلّف هنا إحداهما. والثانية التي لم يشر إليها هي حديث بني النضير ومخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إليهم في دية الرجلين ، وما كان من همّ اليهود ، وعلى رأسهم كعب بن الأشرف ، قتل نبيّ الله عليه‌السلام بإلقائهم رحا عظيمة عليه ، وهو جالس مع أصحابه في حائط لهم ، فأتاه جبريل فأخبره بمحاولة غدر اليهود به ، وقد كفّ الله أيديهم عنهم. والطبريّ في تفسيره ، ج ١٠ ص ١٠٦ ـ ١٠٧ يرجح هذه القصّة الأخيرة في سبب نزول الآية. وانظر الواحدي ، أسباب النزول ، ص ١٨٥ ـ ١٨٧.

(٢) كذا في ع ود : «رجع النقباء كلّهم ينهى سبطه» ، وفي تفسير مجاهد ص ١٨٩ : «فرجع النفر كلّهم ينهى سبطه». وفي تفسير الطبريّ ، ج ١٠ ص ١١٣ : «فرجع النقباء كلّ منهم ينهى سبطه» ، وهو الصواب.

(٣) كذا في ع ود : «وطالوت» وهو خطأ ولا شكّ ، صوابه ما ورد في كتب التفسير : كالوب أو كالب بن يافنة ، ـ

٤١٠

فإنّهما أمرا الأسباط بقتال الجبّارين ومجاهدتهم ، فعصوهما ، فتاهت بنو إسرائيل أربعين سنة.

قوله : (فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) (١٢) : أى قصد الطريق ، وقال بعضهم : عدل الطريق.

قوله : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ) : أى فبنقضهم ميثاقهم لعنّاهم. يعني باللعن المسخ ، فجعل منهم قردة وخنازير ؛ مسخوا في زمان داود قردة ، وفي زمان عيسى خنازير. قال : (وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً) : أى غليظة (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) : وهو ما حرّفوا من كتاب الله. قال : (وَنَسُوا) : أى تركوا (حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) : في الكتاب. وقال الحسن : تركوا عرى دينهم.

وقال بعضهم : نسوا كتاب الله وراء ظهورهم ، وعهده الذي عهده إليهم ، وضيّعوا فرائضه وعطّلوا حدوده.

قوله : (وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ) : يعني حيث دخل النبيّ حائطا لليهود فهمّوا به. وتفسيره في غير هذا الموضع. قال : (إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) : أى من آمن منهم.

قوله : (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (١٣) : قال بعضهم : نسختها هذه الآية : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ) (٢٩) [التوبة : ٢٩].

قوله : (وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ) : كما أخذنا ميثاق اليهود.

قال بعضهم : إنّما سمّوا نصارى لأنّهم كانوا بقرية يقال لها ناصرة (١) نزلها عيسى. وهو اسم تسمّوا به ولم يؤمروا به.

قال : (فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) : وهي مثل الأولى. قوله : (فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ

__________________

ـ كما جاء في تفسير مجاهد ، ص ١٨٩ ، وفي تفسير الطبري أيضا ، ج ١٠ ص ١٢٤ : «كالب بن يوفنا».

(١) مدينة في أرض الجليل ، شمالي فلسطين ، بينها وبين طبريّة ثلاثة عشر ميلا كما يقول ياقوت. ولا تزال إلى يومنا هذا ، وهي NAZARETH.

٤١١

الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) : بكفرهم ، يعني به أهل الكتاب ، بما فعلوا ألقى الله بينهم العداوة والبغضاء. (وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ) (١٤).

قوله : (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا) : هو محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. (يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ) : أى ما حرّفوا من الكتاب وأخفوا من الحقّ فيه (وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) : ممّا كان حرّم عليهم فأحلّه لهم.

قوله : (قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ) (١) (وَكِتابٌ مُبِينٌ) (١٥) : يعني به القرآن. (يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ) : والسّلام هو الله ، كقوله : (لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) [العنكبوت : ٦٩]. وكقوله : (وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ) [يونس : ٢٥].

ذكروا عن الحسن قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : السّلام اسم من أسماء الله (٢).

قوله : (وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) : أى من الكفر إلى الإيمان (بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (١٦) : أى إلى الجنّة.

قوله : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) : يحتجّ عليهم بما يعرفون. قال : (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١٧).

قوله : (وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) : قالت اليهود لأنفسها ، وقالت النصارى لأنفسها ، وقال الحسن : يقولون : قربنا من الله وحبّه إيّانا كقرب الولد من والده ، وكحبّ الوالد ولده ، ليس على حدّ ما قالت النصارى لعيسى. قال الله للنبيّ عليه‌السلام : (قُلْ

__________________

(١) قال قتادة : يعني بالنور محمّدا عليه‌السلام ، وهو قول نسب إلى الزجّاج وإلى ابن خالويه أيضا. وقال غيرهم : هو الإسلام.

(٢) حديث صحيح أخرجه البخاري في الأدب المفرد عن أنس بلفظ : «إنّ السّلام اسم من أسماء الله تعالى ، وضعه في الأرض ، فأفشوا السّلام بينكم». وأخرجه في صحيحه في كتاب الصلاة ، باب التشهّد في الآخرة عن عبد الله بن مسعود بلفظ : «إنّ الله هو السّلام» ، وبنفس اللفظ في كتاب التوحيد ، باب قول الله تعالى : (السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ).

٤١٢

فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ) : فيجعل منكم القردة والخنازير ؛ لو كان لكم هذا القرب وهذه المحبّة ما عذّبكم أبدا.

وقال الكلبيّ : إنّهم يقرّون أنّ الله معذّبهم عدد الأيّام التي عبدوا فيها العجل ، وليس يقرّون بما وراء ذلك ، فاحتجّ عليهم بما يقرّون به.

قوله : (بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) : أى للمؤمنين (وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) أى الكافرين (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) (١٨) : أى المرجع.

قوله : (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا) : أى لئلّا تقولوا يوم القيامة (ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ) : يبشّر بالجنّة (وَنَذِيرٌ) : ينذر من النار ، يعني محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١٩). والفترة ما بين عيسى ومحمّد خمسمائة سنة ، وفي تفسير بعضهم : ستّمائة سنة أو ما شاء الله من ذلك.

ذكروا عن الحسن قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أنا أولى الناس بعيسى لأنّه ليس بيني وبينه نبيّ (١).

قوله : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً) : قال الكلبيّ : (إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ ، أَنْبِياءَ) كان منهم في حياة موسى اثنان وسبعون نبيّا. وقال في قوله : (وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً) : الرجل ملك بيته لا يدخل عليه إلّا بإذن.

ذكروا أنّ مجاهدا قال : جعل لكم أزواجا وبيوتا وخدما. وقال الحسن : (وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً) : أحرارا ، لأنّهم كانوا في قوم فرعون بمنزلة أهل الجزية فينا ، فأخرجهم من ذلك الذلّ.

قوله : (وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) (٢٠) : أى فيما ظلّل عليهم من الغمام ، وأنزل عليهم من المنّ والسلوى وأشباه ذلك ممّا أوتوا. وقال مجاهد : يعني المنّ والسلوى والحجر والغمام.

__________________

(١) كذا ورد هذا الحديث الصحيح مختصرا هنا ، انظر التعليق عليه فيما سلف قريبا ، تفسير الآية ١٥٩ من سورة النساء.

٤١٣

قوله : (يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ) : التي بورك فيها. قال بعضهم : يعني الشام. وقال مجاهد : يعني الطور وما حوله. قوله : (الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) : أى كتب الله لبني إسرائيل ، أى أمر بني إسرائيل أن يدخلوها فدخلها أبناؤهم ، ولم يدخل إلّا رجلان يوشع بن نون وكالوب (١) وأبناؤهم ، وهم بنو إسرائيل. (وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ) : أى كافرين (فَتَنْقَلِبُوا) : إلى الآخرة (خاسِرِينَ) (٢١) : أى قد خسرتم الجنّة.

قال الكلبيّ : كانوا بجبال أريحا من الأردن ، فجبن القوم أن يدخلوها ، فأرسلوا جواسيس ، من كلّ سبط رجلا ، ليأتوهم بخبر الأرض المقدّسة. قال الله جلّ ثناؤه لإبراهيم عليه‌السلام ، وإبراهيم إذ ذاك بأرض فلسطين : يا إبراهيم إنّ هذه الأرض التي أنت فيها ميراث لولدك من بعدك ، فدخل الاثنا عشر ، فمكثوا فيها أربعين ليلة ، ثمّ خرجوا ، فصدق اثنان وكذب عشرة ؛ فقالت العشرة : رأينا أرضا تأكل (٢) أهلها ، ورأينا فيها حصونا منيعة ، ورأينا رجالا جبابرة ينبغي لرجل منهم مائة منّا ، فجبنت بنو إسرائيل وقالوا : والله لا ندخلها.

(قالُوا) : لموسى عليه‌السلام (يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ (٢٢) قالَ رَجُلانِ) : أحدهما يوشع بن نون والآخر كالب ، وهما اللذان قال الله فيهما (مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا) : بمخافتهما الله : نحن أعلم بالقوم من هؤلاء ، إنّ القوم قد ملئوا منّا رعبا. (ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ) : قال مجاهد : باب مدينة الجبّارين (فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (٢٣).

قال الكلبيّ : قالوا : يا موسى أيكذّب منّا عشرة ويصدّق اثنان؟ (قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ) (٢٤). وكان موسى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلى جميع الأنبياء حديدا ف (قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي) : أى وأخي لا يملك إلّا نفسه (فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) (٢٥) : يعني قومه.

__________________

(١) في ع ود : «طالوت». وهو خطأ ولا شكّ. وقد ورد هذا الاسم بلفظ كالوب وكالب في تاريخ الطبري وفي تفسيره ، وفي تفسير القرطبي وغيرهما في المصادر. وانظر التعليق السالف قريبا ، تفسير الآية ١٢ من هذه السورة.

(٢) في ع : «أرضا باطل أهلها» ، وفيه تصحيف صوابه ما جاء في د : «تأكل أهلها».

٤١٤

(قالَ) الله لموسى : إذ سمّيتهم فاسقين : (فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ) : أى فلا تحزن (عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) (٢٦) : فتاهوا أربعين سنه.

قال الكلبيّ : لّما قالوا (إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً) قال الله : فإنّها محرّمة عليهم أبدا ، مع ذلك يتيهون في الأرض أربعين سنة. قال : فلم يدخلها أحد ممّن كان مع موسى ؛ هلكوا أجمعون في التيه إلّا رجلين : يوشع بن نون وكالوب ، وأنزل الله عليهم في تلك الأربعين سنة المنّ والسلوى وثيابا لا تخرق ولا تدنّس ، تشبّ مع الصغير ، وخفافا لا تخرق ، فكان لهم ذلك في تيههم حتّى دخلوا أريحا (١) مع يوشع بن نون بعد وفاة موسى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلى جميع الأنبياء.

(٢) وقال بعضهم : ذكر لنا أنّ يوشع بن نون وكالوب بعثوا اثني عشر رجلا من كلّ سبط رجلا عيونا لهم ليأتوهم بأمر القوم. فأمّا عشرة فجبنوا وكرهوا الدخول إليهم. وأمّا يوشع وصاحبه فأمر بالدخول فاستقاما على أمر الله ورغّبا قومهما في ذلك. وقال بعضهم : جبن القوم عن عدوهم وتركوا أمر ربّهم. قال الله : (فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ ، أَرْبَعِينَ سَنَةً) ، إنّما يشربون ماء الآبار ، لا يهبطون قرية ولا مصرا ، لا يهتدون لها ولا يقدرون على ذلك.

(قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ). قال بعضهم : ذكر لنا أنّه كان فيها قوم لهم أجسام وخلق منكر. قوله : (وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها) : أى حتّى يخرج الجبّارون منها ، (فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ) : أى فإذا دخلتم باب مدينة الجبّارين فإنّكم غالبون. (وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ).

قال الحسن : قال الله : (فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ) أبدا في الإضمار ، ثمّ قال : (أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ) (٣) أربعين سنة كانوا يرتحلون من المنزل فيسيرون يومهم وليلتهم ، ثمّ يصبحون حيث

__________________

(١) أريحا : بفتح الهمزة وكسر الراء بعدها ياء ساكنة وحاء مهملة ثمّ قصر ، مدينة الجبّارين في الغور من أرض الأردن بالشام. قيل : سمّيت بأريحا بن مالك بن أرفخشد بن نوح عليه‌السلام. ولا تزال معروفة إلى اليوم.

(٢) من هنا يتغيّر الخطّ في مخطوطة العطف التي أرمز لها بحرف ع ، فيصبح خطّا رديئا رقيقا متداخل الحروف.

(٣) هذا على قراءة من جعل الوقف تامّا في قوله : (مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ) ، وجعل قوله : (أَرْبَعِينَ سَنَةً) منصوبا على ـ

٤١٥

ارتحلوا ، أربعين سنة عذابا عذّبهم الله بدعوة موسى.

قال مجاهد : كانوا يصبحون حيث أمسوا ويمسون حيث أصبحوا ، وفي تيههم ذلك ضرب لهم موسى الحجر. قال الله : (فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ).

ذكر لنا أنّه كان طول موسى سبعة أذرع ، وطول عصاه سبعة أذرع ، ووثب من الأرض سبعة أذرع ، فأصاب كعب ذلك الجبّار الذي قتل. وذلك أنّه بلغنا أنّه أشرف على عسكرهم يريدهم.

قوله : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ) : أى خبر ابني آدم (إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) (٢٧) : قال الكلبيّ : كانت حوّاء تلد في كلّ بطن اثنين : غلاما وجارية ؛ فولدت في أوّل بطن قابيل ابن آدم وأخته ، وفي البطن الثاني هابيل وأخته. فلمّا أدركوا أمر آدم أن ينكح قابيل أخت هابيل وهابيل أخت قابيل. فقال آدم لامرأته الذي أمر به ؛ فذكرته لابنيها ، فرضي هابيل بالذي أمر به ، وسخط قابيل لأنّ أخته أحسنهما ، فقال : ما أمر الله بهذا قطّ ، ولكن هذا عن أمرك يا آدم. قال آدم : فقرّبا قربانكما فأيّكما كان أحقّ بها أنزل الله نارا من السماء فأكلت القربان. فرضيا بذلك ، فعمد هابيل ، وكان صاحب ماشية ، إلى خيار غنمه وزبد ولبن (١) وكان قابيل زرّاعا ، فأخذ من سوء زرعه ، ثمّ صعد الجبل وآدم معهما. فوضعا القربان على الجبل ، فدعا آدم ربّه ، وقال قابيل في نفسه : لا أدري أيقبل منّي أم لا ، لا ينكح هابيل أختي أبدا. فنزلت النار فأكلت قربان هابيل ، وتجنّبت قربان قابيل لأنّه لم يكن زاكي القلب. فنزلوا من الجبل. فانطلق قابيل إلى هابيل وهو في غنمه فقال : لأقتلنّك ، قال : لم؟ قال : لأنّ الله تقبّل منك وردّ عليّ قرباني ، وتنكح أختي الحسناء وأنكح أختك القبيحة ، ويتحدّث الناس بعد اليوم أنّك خير منّي ، فقال له هابيل :

(لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ

__________________

ـ الظرفيّة بقوله : (يَتِيهُونَ). ومن المفسّرين من جعل (أَرْبَعِينَ) منصوبا بقوله : (مُحَرَّمَةٌ) أى محرّمة عليهم أربعين سنة. انظر كيف علّل الطبريّ في تفسيره ، ج ١٠ ص ١٩٨ ترجيحه لهذا الوجه الأخير. أمّا الفرّاء في معاني القرآن ، ج ١ ص ٣٠٥ فقد صوّب الوجهين.

(١) في د وفي ز ورقة ٨١ : «إلى خير غذاء غنمه وزبد ولبن» وأثبتّ ما في ع : «إلى خيار غنمه» ، وهذه العبارة الأخيرة أنسب وأصحّ. ولم أجد فيما بين يديّ من كتب التفسير ذكرا للزبد واللبن في هذا السياق.

٤١٦

رَبَّ الْعالَمِينَ) (٢٨). ذكروا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : إنّ الله ضرب لكم ابني آدم مثلا فخذوا بخيرهما ودعوا شرّهما (١).

ذكر بعضهم قال : كان من قبلكم إذا تقرّبوا بقربان فتقبّل الله منهم نزلت عليه من السماء نار فأكلته ، فإذا ردّ عليهم خلوا عنه فأكلته السباع والطيور.

(إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ) : أى تستوجب إثمي وإثمك (فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ) (٢٩). وقال بعضهم : (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي) : إن قتلتني ، (وَإِثْمِكَ) الذي مضى من قبل قتلي.

قوله : (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ) : قال مجاهد : فشجّعته نفسه. وقال غيره : فزيّنت له نفسه قتل أخيه فقتله (فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٣٠) : قال الحسن : الذين خسروا الجنّة.

(فَبَعَثَ اللهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قالَ يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي) : قال الحسن : بعث الله غرابين فقتل أحدهما صاحبه ، ثمّ جعل يحثي عليه التراب وابن آدم ينظر ، فقال : (يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي)؟!.

ذكر بعضهم قال : كانا غرابين فقتل أحدهما الآخر فجعل الحيّ يحثي على الميّت ، وذلك بعين ابن آدم. قال الكلبيّ : وكان قتله عشيّة ، وغدا إليه غدوة لينظر ما فعل فإذا هو بغراب حيّ يحثي التراب على غراب ميّت ، فقال : (يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي) كما يواري هذا الغراب سوءة أخيه ، فدعا بالويل (فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ) (٣١).

ذكروا عن السدّيّ أنّه قال : ثلاثة لا يقبل الله منهم توبة أبدا : إبليس ، وابن آدم الذي قتل أخاه ، رأس الخطيئة ، ومن قتل نبيّا.

قوله : (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ

__________________

(١) أخرجه ابن سلّام هكذا : يحيى عن خالد عن الحسن مرسلا ، وأخرجه الطبريّ في تفسيره ، ج ١٠ ص ٢٣٠ من ثلاثة طرق ، اثنان منهما من طريق الحسن. وقال محقّق تفسير الطبري : «هذه الثلاثة أخبار مرسلة لم أهتد إلى شيء منها في دواوين السنّة».

٤١٧

فَسادٍ فِي الْأَرْضِ) : أى ما يستوجب به القتل. (فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً).

ذكروا عن عثمان بن عفّان رضي الله عنه أنّه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا يحلّ دم امرئ مسلم إلّا بإحدى ثلاث : رجل كفر بعد إسلامه ، أو قتل نفسا متعمّدا ، أو زنى بعد إحصانه (١). قال جابر بن زيد : وأنا أقول الرابعة من كتاب الله : (فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ) [الحجرات : ٩]. ذكروا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : القتيل دون ماله شهيد (٢).

ذكروا أنّ رجلا قال : يا رسول الله ، الرجل يعرض لي يريد نفسي ومالي؟ قال : تناشده بالله ، قال : ناشدته بالله فلم ينته ، قال : استعد عليه السلطان ، قال : ليس بحضرتنا سلطان. قال : استعن عليه بالمسلمين ، قال : نحن بأرض فلاة ليس قربنا أحد. قال : فجاهده دون مالك حتّى تمنعه أو تكتب في شهداء الآخرة في الجنة (٣).

قوله : (فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً) : ذكروا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : لا تقتل نفس ظلما إلّا كان على ابن آدم الأوّل كفل من دمها لأنّه سنّ القتل (٤).

ذكروا أنّ مجاهدا قال في قوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ) (٢٩) [فصّلت : ٢٩] قال : هما إبليس وابن آدم

__________________

(١) حديث متّفق على صحّته ، أخرجه البخاريّ. وأخرجه مسلم في كتاب القسامة ، باب ما يباح به دم المسلم (١٦٧٦) عن عبد الله بن مسعود ولفظه : «لا يحلّ دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلّا الله وأنّي رسول الله إلّا بإحدى ثلاث : الثيّب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة».

(٢) حديث متّفق على صحّته ، أخرجه البخاري في كتاب المظالم والغصب ، باب من قاتل دون ماله. وأخرجه مسلم في كتاب الإيمان ، باب الدليل على أنّ من قصد أخذ ماله بغير حقّ ... (١٤١) كلاهما يرويه من حديث عبد الله بن عمرو ، وأخرجه الربيع بن حبيب في مسنده عن ابن عبّاس مرفوعا بلفظ : «المقتول دون ماله شهيد» ، في كتاب الجهاد ، باب في عدّة الشهداء (رقم ٤٤٨).

(٣) رواه يحيى بن سلّام عن المعلى عن سماك بن حرب عن قابوس بن المخارق عن أبيه. وكذلك رواه النسائي من هذا الطريق في كتاب تحريم الدم ، انظر : شرح سنن النسائي للسيوطي ، ج ٧ ص ١١٣ ، وما يفعل من تعرض لماله.

(٤) أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق ، باب قول الله تعالى : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً). وأخرجه مسلم في كتاب القسامة ، باب بيان إثم من سنّ القتل (١٦٧٧) عن عبد الله بن مسعود مرفوعا.

٤١٨

الذي قتل أخاه.

ذكروا عن ابن مسعود في قوله : (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ) (٥) [الانفطار : ٥] قال : (ما قَدَّمَتْ) أى : ما قدّمت من خير ، وما أخّرت أى ما أخّرت من سنّة حسنة فعمل بها بعده ، فإنّ له مثل أجر من عمل بها ولا ينقص من أجره شيئا ، أو سنّة سيّئة فعمل بها بعده فإنّ عليه مثل وزر من عمل بها ولا ينقص من أوزاره شيئا.

ذكروا عن الحسن قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أيّما داع دعا إلى هدى فاتّبع عليه كان له أجر من تبعه ولا ينقص من أجره شيئا (١).

قوله : (وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) : أى من أحياها من القتل في تفسير الكلبيّ وغيره.

وقال الحسن : من إحيائها أن ينجّيها من القود فيعفو عنها ، ويفاديها من العدوّ ، وينجّيها من الغرق ومن الحرق ومن السبع ، وأفضل إحيائها أن ينجّيها من كفرها وضلالتها.

ذكروا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث عليّا على جيش وأمره بأمره ثمّ قال : واعلم يا عليّ أنّه أن يحيي الله بك رجلا خير لك من الدنيا وما فيها (٢).

قوله : (وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ) : يعني أهل الكتاب (ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ) (٣٢) : أى لمشركون ، وهو سرف فوق سرف. وإنّما يعني بهذا من لم يؤمن منهم.

قوله : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) (٣٣).

__________________

(١) حديث صحيح رواه مسلم من حديث عن المنذر بن جرير عن أبيه في كتاب الزكاة ، باب الحثّ على الصدقة ... (رقم ١٠١٧). ورواه ابن ماجه في المقدّمة من سننه ، باب من سنّ سنّة حسنة أو سيّئة ، عن أنس بن مالك (رقم ٢٠٥) وعن أبي هريرة (رقم ٢٠٦).

(٢) حديث صحيح أخرجه البخاري في باب مناقب عليّ بن أبي طالب ، وفي باب غزوة خيبر عن سهل بن سعد بلفظ : «فو الله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم».

٤١٩

ذكروا أنّ أناسا من عرينة (١) قدموا على النبيّ المدينة فأسلموا ، فاستوخموا المدينة ، فأمرهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يخرجوا في إبل الصدقة فيشربوا من ألبانها [وأبوالها] (٢). ففعلوا حتّى صحّوا فقتلوا راعي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وساقوا الإبل ، وكفروا بعد إسلامهم. فبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في طلبهم ، فجيء بهم ، فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وسمر أعينهم ، وتركهم في الحرّة حتّى ماتوا.

قال بعضهم : إنّ هذا كان من قبل أن تنزل الحدود. وذكر أبو هريرة أنّهم لّما جيء بهم فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وسمّر أعينهم نزلت هذه الآية : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ ...) إلى آخر الآية ، فترك سمر الأعين.

وذكروا عن بعضهم أنّه قال : تلك حدود أنزلها الله : إذا حارب فأخذ المال وقتل صلب ، وإذا حارب فقتل ولم يأخذ مالا قتل ، وإذا حارب فأخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف ، وإذا حارب فلم يقتل ولم يأخذ مالا نفي. ذكر عن الحسن أنّه قال : نفي بالسيف. وذكر عنه قال : ذلك إلى الوالي يصنع ما شاء ، يعني أنّه [مخيّر] (٣). والعامّة من فقهائنا على قول الحسن : إلى الوالي يصنع من ذلك ما شاء ، وليس للوليّ من ذلك شيء (٤).

ومن رأى أنّ هذا حكم في المسلمين ماض فيأخذها من هذا الموضع (وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً). ذكروا عن عكرمة عن ابن عبّاس في قوله : (أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ) أى أن يعجزوا فلا يقدر عليهم. وأمّا قوله : (مِنْ خِلافٍ) فإنّه تقطع يده اليمنى ورجله اليسرى. فذلك تفسير قوله : (مِنْ خِلافٍ).

__________________

(١) كذا في ع ود : «من عرينة» ، وفي ز : «من عكل وعرينة» ، وقد اختلف المفسّرون في هؤلاء الرهط ، هل هم من عرينة أو من عكل وعرينة ، وقصّتهم مرويّة معروفة في كتب السنن ، انظر الطبري في تفسيره ، ج ١٠ ص ٢٤٤ ـ ٢٥١. وترجم البخاري في المغازي : «باب قصّة عكل وعرينة».

(٢) زيادة من ز ، ورقة ٨٢. وترجم البخاري في كتاب الوضوء : باب أبوال الإبل والدوابّ والغنم ومرابضها ، وفيه عن أنس قال : «قدم أناس من عكل وعرينة ...» الحديث.

(٣) في الأصل بياض قدر كلمة أثبتّ فيه هذه الكلمة التي يقتضيها السياق.

(٤) يعني المؤلّف بلفظ الوالي هنا الإمام الذي له الخيار في تنفيذ الحدّ الذي يراه مناسبا. أمّا الوليّ فهو وليّ المقتول من أقاربه ، ليس له عفو ولا قود.

٤٢٠