تفسير كتاب الله العزيز - ج ١

هود بن محكم الهوّاري الأوراسي

تفسير كتاب الله العزيز - ج ١

المؤلف:

هود بن محكم الهوّاري الأوراسي


المحقق: بالحاج بن سعيد الشريفي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار البصائر للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٢

عبّاس. وقال ابن عبّاس : عزم الطلاق انقضاء الأربعة الأشهر.

ذكروا عن ابن عمر وأهل المدينة أنّهم قالوا : إذا مضت الأربعة الأشهر وقف فقيل له : إمّا أن تفيء وإمّا أن تطلّق.

ذكروا عن عبد الله بن مسعود أنّه قال : كلّ يمين منعت جماعا فهي إيلاء ؛ يعني أنّ المولي إذا وطئ في الأربعة الأشهر كانت عليه الكفّارة. فأمّا الذي يطأ بغير كفّارة فليس بإيلاء. وذلك أنّه إذا حلف أن لا يطأها في موضع كذا وكذا كان له أن يطأها في غير ذلك الموضع ، وليس عليه كفّارة ، وأشباه ذلك ممّا لا تكون فيه الكفّارة.

قوله : (فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ). ذكروا عن الحسن عن ابن عبّاس أنّه قال : الفيء الجماع. وذكر مثل ذلك عن سعيد بن جبير. وقال إبراهيم : إذا كان له عذر من حيض أو غيره أشهد أنّه قد فاء ، فهو يجتزئ به. ذكروا عن الحسن مثل ذلك. وكان سعيد لا يرى الفيء إلّا الوطء.

قوله : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) : والقرء : الحيض في قول أهل العراق. وفي قول أهل المدينة القرء : هو الطهر.

ذكروا عن عمر بن الخطّاب وابن مسعود رضي الله عنهما قالا : هو أحقّ بها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة. ذكروا عن الحسن عن أبي موسى الأشعريّ مثل ذلك. وذكروا عن عليّ وابن عبّاس مثل ذلك. وذكروا عن عمران بن حصين مثل ذلك ، وهو قول الحسن وإبراهيم والعامّة عندنا (١).

__________________

(١) هذه الزيادة : «والعامّة عندنا» من الشيخ هود ولا شكّ. فإنّ القول بأنّ القرء هو الحيض هو ما ذهب إليه أيضا الإباضيّة. وحجّتهم في ذلك أحاديث ؛ منها حديث رواه الربيع بن حبيب في مسنده في كتاب الطلاق (٥٤٢) «أبو عبيدة عن جابر عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «الرّجل أحقّ بامرأته ما لم تغتسل من الحيضة الثّالثة». قال الشيخ السالميّ : «لم أجده في كتب قومنا ، ولعلّه ممّا تفرّد به المصنّف رضي الله عنه». فإذا ثبت هذا الحديث كان نصّا قاطعا لكلّ خلاف. اقرأ تلخيصا مهمّا وبيانا شافيا في الموضوع أوردهما الشيخ نور الدين السالميّ في شرح الجامع الصحيح مسند الإمام الربيع بن حبيب ج ٣ ص ١٢٩ ـ ١٣٣ ، وانظر الجصّاص ، أحكام القرآن ج ٢ ص ٥٥ ـ ٦٢.

٢٠١

ذكروا عن زيد بن ثابت وعائشة أنّهما قالا : إذا دخلت في الحيضة الثالثة فقد بانت منه. وذكروا عن ابن عمر ذلك ، وهو قول أهل المدينة.

وتفسير قول أهل المدينة : إنّ القرء هو الطهر ، أنّ الرجل إذا طلّق امرأته ، ثمّ حاضت ، فإنّ ما بين طلاقه إلى حيضتها قرء. فإذا طهرت من حيضتها كان ما بين الحيضة الأولى إلى الحيضة الثانية قرءا. فإذا طهرت من الثانية صار ما بين الثانية والثالثة قرءا. فبانت حين رأت الدم. فالقرء الأوّل ـ على قولهم إنّه طهر ـ ربّما كان يوما واحدا أو أكثر من ذلك ، فيما بينها (١) وبين الحيضة ، وليس بس (٢). وقول أهل العراق : إنّه إذا طلّقها ثمّ حاضت كان الحيض هو القرء. فإذا طهرت لم تعدّ الطهر فيما بين الحيضتين قرءا. فإذا دخلت في الحيضة الثانية فقد دخلت في القرء. فإذا طهرت منها لم تعدّ الطهر فيما بين الحيضة الثانية والثالثة قرءا. فإذا دخلت في الدم من الحيضة الثالثة فقد دخلت في القرء الثالث. فإذا اغتسلت منه فقد مضت الأقراء الثلاثة وبانت منه. فالحيض ثلاث والقروء صحيحة. والطهران [الأخيران] من قول أهل المدينة صحيحان ، والقرء الأوّل ينكسر. ويختلف القرء لأنّه ربّما طلّقها قبل أن تحيض بيوم ، ثمّ تحيض بيوم ، ثمّ تحيض من الغد ، فيكون ذلك اليوم في قولهم قرءا ، وربّما كان يومين أو أكثر من ذلك إلى الحيضة الثانية (٣) ، فالقرء الأوّل مختلف.

قال بعض المفسّرين : [جعل عدّة المطلّقة في هذه الآية ثلاث حيض ثمّ] (٤) نسخ منها ومن الثلاثة قروء أربع نسوة : التي طلّقت قبل أن يدخل بها زوجها ؛ قال الله تعالى في سورة الأحزاب : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلاً) (٤٩) [الأحزاب : ٤٩] فهذه ليست لها عدّة ، تتزوّج من يومها إن شاءت. ونسخ منها العجوز التي قعدت من الحيض ، والبكر التي لم تحض. قال في سورة النساء القصرى (٥) (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَ

__________________

(١) كذا في المخطوطات الثلاث : «بينها» ، ولعلّ صوابه : «بينه».

(٢) لم أهتد لمعنى اللفظة أو لتصحيح ما فيها من تصحيف ، وقد وردت هكذا في ق وع ود : «بس» ولعلّها : «بشيء».

(٣) في المخطوطات : «... إلى الحيضة الثالثة» ، والصحيح ما أثبت.

(٤) زيادة من ز ورقة ٣١.

(٥) هي سورة الطلاق ، لأنّ سورة النساء التي هي السورة الرابعة في ترتيب المصحف كانت تسمّى سورة ـ

٢٠٢

ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) [الطلاق : ٤] أيضا ثلاثة أشهر. ونسخ منها المطلّقة الحامل فقال : (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ) [الطلاق : ٤].

قوله : (وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) : قال مجاهد : لا تقول : إنّي حائض وليست بحائض ، ولا تقول : إنّي لست بحائض وهي حائض. ولا تقول : إنّي حامل وليست بحامل ، ولا تقول : لست بحامل وهي حامل. قال : لتبين من زوجها قبل انقضاء العدّة ويضاف الولد إلى الزوج الثاني ، أو تستوجب الميراث إذا مات الرجل فتقول : لم تنقض عدّتي وقد انقضت عدّتها.

قوله : (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ) : أى : في العدّة ، وفي التطليقة والتطليقتين ما لم يطلّق ثلاثا. (إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً) : أى : حسن صحبة.

قال : (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) : [يعني فضيلة في الحقّ] (١). (وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (٢٢٨). وقال في آية أخرى : (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ) [النساء : ٣٤].

قوله : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) : يقول : هو أحقّ بها في التطليقتين. ولا يجمع بين التطليقتين ولا ثلاثا جميعا.

قال بعض المفسّرين : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) : مرّة بعد مرّة ، فجعل حدّ الطلاق ثلاثا. فإذا طلّقها الثالثة حرمت عليه. قال : وذلك أنّه بلغنا أنّ أهل الجاهليّة كانوا ليس لهم حدّ في الطلاق ؛ كان يطلّق أحدهم عشرا أو أقلّ من ذلك أو أكثر.

ذكر الحسن أنّ عليّا كان يكره أن يطلّق الرجل امرأته ثلاثا جميعا ، ويلزمه ذلك ، ويقول : إنّه عصى ربّه. ذكروا عن ابن عمر مثل ذلك ، وليس فيه اختلاف (٢).

__________________

ـ النساء الطولى.

(١) زيادة من ز ، ورقة ٣٢.

(٢) لعلّه أراد أنّه لا اختلاف في أنّ الأصل في الطلاق أن يكون ثلاث مرّات ، مرّة بعد مرّة ، أمّا طلاق الثلاث بلفظ واحد وإلزامه المطلّق ففيه اختلاف كثير قديما وحديثا. وهو اختلاف بدأ في عهد الصحابة رضوان الله عليهم. انظر محمّد رواس قلعجي : موسوعة فقه عمر بن الخطّاب ص ٤٨٤ ـ ٤٨٦.

٢٠٣

قوله : (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) : قال مجاهد : هذا حين ملكها وجب ذلك لها. قال : وإن طلّقها تطليقتين فهو أيضا إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ما لم تنقض العدّة. وبلغنا أنّ رجلا قال : يا رسول الله ، قول الله (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) فأين الثالثة؟ قال هو قوله : (أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) (١).

قوله : (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ) : أى : أمر الله في أنفسهما. وذلك أنّه يخاف من المرأة في نفسها إذا كانت مبغضة لزوجها فتعصى الله فيه ، ويخاف من الزوج إن لم يطلّقها أن يتعدّى عليها. قال مجاهد : تقول المرأة : لا أبرّ قسمه ، ولا أطيع أمره ، فيقبله الرجل خشية أن يسيء إليها وتفتدي.

قال : (فَإِنْ خِفْتُمْ) : أى : فإن علمتم ، يعني الولاة (أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ) : أى سنّته وأمره في الطلاق. (فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (٢٢٩) : أى لأنفسهم.

ذكروا عن الحسن قال : يعني الخلع ؛ إذا قالت لا أغتسل لك من جنابة.

قال بعضهم : إذا قالت : لا أطيع لك أمرا ، ولا أبرّ لك قسما ، ولا أغتسل لك من جنابة ، فقد حلّ له أن يقبل منها الفداء.

ذكر عكرمة أنّ جميلة بنت [أبيّ بن] (٢) سلول أتت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالت : يا رسول الله ، إنّ

__________________

(١) هذا حديث مرسل أورده ابن جرير الطبريّ وابن كثير عن أبي رزين ، وهو تابعيّ كوفيّ ثقة. انظر تخريج هذا الحديث في تفسير الطبري ج ٤ ، ص ٥٤٥.

(٢) زيادة للإيضاح فقط. وإلّا فالتسمية وردت هكذا ، ونسبت إلى جدّها في رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة ، كما جاءت هنا في المخطوطات الثلاث : ق وع ود. وقد ذكر البخاري في كتاب الطلاق ، باب الخلع وكيف الطلاق فيه ، أنّها أخت عبد الله بن أبيّ بن سلول ، وكذلك نسبها ابن جرير الطبريّ وابن عبد البرّ. وفي مسند الربيع بن حبيب أنّها أم جميلة بنت عبد الله بن أبيّ (الحديث رقم ٥٣٤) وذكر غيرهم أيضا أنّها بنت عبد الله بن أبي. انظر اختلاف الرواة في نسب امرأة ثابت بن قيس واسمها عند ابن حجر في فتح الباري ج ٩ ص ٣٩٨ ـ ٣٩٩ ، وعند الشوكاني ، نيل الأوطار ج ٦ ص ٢٦٢. والذي تبيّن بعد التحقيق أنّها بنت عبد الله بن أبيّ بن سلول رأس المنافقين ، وأخت عبد الله بن عبد الله بن أبيّ الصحابيّ الجليل. كما أثبته الإمام الحافظ ابن حجر وأكّده الشيخ محمود محمّد شاكر في تفسير الطبري ج ٤ ص ٥٥٣.

٢٠٤

أبا قيس ـ تعني زوجها ثابت بن قيس ـ والله ما أعيب عليه في خلق ولا دين ، ولكنّي أكره الكفر في الإسلام. فقال : أتردّين عليه حديقته؟ قالت : نعم. قال : خذ منها ما أعطيتها ، ولا تزيديه (١).

ذكروا عن عمر بن الخطّاب أنّه قال : إذا سألكم النساء الخلع فلا تكفروهنّ. تأويل ذلك أنّه ليس يعني أنّ ذلك واجب عليه ، إلّا أن يشاء. ومعنى قوله : لا تكفروهنّ يعني أن تكفر زوجها ، كقول النبيّ عليه‌السلام : لأنّكنّ تكثرن اللعن وتكفرن العشير (٢) يعني الصاحب ، وهو زوجها.

ذكر ابن عبّاس أنّه قال : إنّ الخلع جائز عند السلطان وغيره.

ذكروا عن شريح أنّ امرأة رفعت إليه (٣) ، وكانت اختلعت من زوجها ، فأجازه ، فقال رجل عنده : لا يجوز الخلع إلّا عند السلطان. فقال شريح : الإسلام إذا أضيق من حدّ السيف!. وكان الحسن لا يجيز الخلع إلّا عند السلطان. والعامّة على غير قول الحسن.

قوله : (فَإِنْ طَلَّقَها) : أى الثالثة (فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) : ذكر بعضهم أنّ تميمة بنت عبيد بن وهب (٤) القرظيّة كانت تحت رفاعة القرظيّ فطلّقها ثلاثا ، فخلف عليها عبد الرحمن بن الزبير ، ثمّ طلّقها. فأتت النبيّ عليه‌السلام فسألته : هل ترجع إلى زوجها؟ فقال : هل غشيك؟ فقالت : ما كان ما عنده بأغنى عنه من هدبة ثوبي ، فقال رسول الله

__________________

(١) حديث متّفق عليه رواه أصحاب السنن. وقال ابن عبّاس : هو أوّل خلع في الإسلام. جاء في المخطوطات الثلاث : «ولا ترديه» ، وهو خطأ صوابه : «ولا تزيديه» ، لأنّ في بعض ألفاظ الحديث : «قالت : نعم وأزيده» ، وفي لفظ آخر : «أمّا الزيادة فلا».

وقد اعتمد بعض العلماء هذا الحديث فلم يجيزوا للزوج أن يأخذ من المختلعة أكثر ممّا أعطاها في صداقها. ورأى آخرون أنّه يجوز للزوج أن يأخذ أكثر ممّا أعطاها معتمدين على عموم الآية : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ). قال مالك : «يجوز الخلع بما تراضيا عليه كان أقلّ ممّا أعطاها أو أكثر». ومن الذين منعوا الزيادة الإباضيّة. انظر : السالمي ، شرح مسند الربيع بن حبيب ، ج ٥ ص ٩٤. وكأنّ المانعين للزيادة رأوا في الحديث الذي صحّ عندهم بهذه الزيادة تخصيصا للآية الكريمة. وانظر اطفيّش ، شرح النيل ج ٧ ص ٢٨٨ ـ ٢٨٩ ، وانظر ابن أبي ستّة ، حاشية الترتيب ، ج ٤ ص ١٩٣ ـ ١٩٧.

(٢) رواه البخاري في كتاب النكاح. باب كفران العشير ، وهو الزوج ، من حديث طويل عن ابن عبّاس.

(٣) كذا في د : «رفعت» ، وفي ق وع : «وقفت إليه».

(٤) كذا في المخطوطات الثلاث : «تميمة بنت عبيد بن وهب» ، والصحيح أنّها تميمة بنت وهب ، وزوجها رفاعة بن سموءل القرظي. ولا تعرف هي إلّا بحديث العسيلة ، كما قال ابن عبد البرّ.

٢٠٥

صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا ، حتّى تذوقي عسيلة غيره. فقالت : يا رسول الله ، قد غشيني ، فقال : اللهمّ إن كانت كاذبة فاحرمها إيّاه (١). فأتت أبا بكر بعده فلم يرخّص لها. ثمّ أتت عمر فلم يرخّص لها.

قوله : (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنَّا) : [أي إن أيقنا] (٢) (أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللهِ) : قال ابن عبّاس والحسن : يعني المختلعة. رجع إلى قصّتهما. قال : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللهِ). قال : هذه الآية مثل قوله في الآية الأولى : (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ ، أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ).

وتفسير قول الحسن : إنّ أخذه الفداء تطليقة بائنة ؛ يعني بقوله : (فَإِنْ طَلَّقَها) أى : فإن خالعها ؛ وهو قول العامّة في الخلع.

وكان ابن عبّاس لا يرى الخلع طلاقا ، يراها تحرم عليه بدون طلاق ، ويقول : قال الله : (فَإِنْ طَلَّقَها) يقول : طلّقها طلاقا ، ويذكر أنّ النبيّ عليه‌السلام قال لثابت بن قيس : شاطرها الصداق وطلّقها (٣). والعامّة على قول الحسن : إنّ الفداء طلاق (٤) ، ويذكر عن النبيّ وعن عثمان بن عفّان.

__________________

(١) حديث صحيح متّفق عليه ، أخرجه البخاريّ ، في كتاب الطلاق ، باب إذا طلّقها ثلاثا ثمّ تزوّجت بعد العدّة زوجا غيره فلم يمسّها ، عن عائشة. وكذلك رواه مسلم في كتاب النكاح ، باب لا تحلّ المطلّقة ثلاثا لمطلّقها ... (١٤٣٣) عن عروة عن عائشة. وسينتهي الحديث عند قوله عليه‌السلام : «لا حتّى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك». وليس فيه بقيّة الحديث التي أوردها المؤلّف هنا.

(٢) زيادة من ز ، ورقة ٣٢.

(٣) لم أجد فيما بين يديّ من المصادر والمراجع هذا اللفظ : «شاطرها الصداق» في أى حديث من أحاديث الباب ، ولم أهتد لمعنى من المعاني أوجّهه إليه.

(٤) ذهب كثير من العلماء إلى أنّ الفداء طلاق ، وذهب آخرون إلى أنّ الفداء فسخ للنكاح وليس طلاقا. وممّن ذهب هذا المذهب الأخير ابن عبّاس وتلميذه جابر بن زيد وغيرهما ، وهو معتمد بعض العلماء المتأخّرين من الإباضيّة في المسألة. ومن أدلّة القائلين بأنّه فسخ أنّ سياق آيات الطلاق في سورة البقرة وألفاظها يوحيان به ؛ فإنّ الفداء ذكر بين قوله تعالى : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) وبين قوله : (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ) أى : إن طلّقها الثالثة. والتسريح بإحسان ـ إن لم يكن إمساك ـ هو الطلقة الثالثة كما دلّ عليه الحديث الصحيح. ولو كان الفداء طلاقا لكان التسريح طلاقا رابعا. فتأمّل ، وانظر : ضياء الدين عبد العزيز الثميني ، كتاب النيل ، تصحيح وتعليق بكلّي ، ج ٢ ص : ٤٢٣ ـ ٤٢٤. وانظر نور الدين السالمي ، جوهر النظام ، ج ٢ ص ٢٢٤ ـ ٢٢٥.

٢٠٦

وبعضهم يفسّرها : (فَإِنْ طَلَّقَها) يعني الزوج الآخر (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما) على المرأة والزوج الأوّل الذي طلّقها ثلاثا أن يتراجعا إن أحبّا. وفي تفسيرهم : (فَإِنْ طَلَّقَها) أو مات عنها ، (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا).

قال : (وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (٢٣٠).

قوله : (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) : أى ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة إن كانت ممّن تحيض في قول أهل العراق ، وفي قول أهل المدينة إذا رأت الدم. وقد فسّرناه قبل هذا الموضع. وإن كانت ممّن لا تحيض فما لم تنقض الثلاثة أشهر ، وإن كانت حاملا فما لم تضع حملها.

وأمّا قوله : (أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) فإنّ العدّة إذا انقضت قبل أن يراجعها زوجها فهو التسريح.

قوله : (أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) : كان الرجل يطلّق امرأته ثمّ يدعها حتّى إذا كان عند انقضاء عدّتها راجعها ولا حاجة له فيها ، ثمّ يطلّقها ؛ فإذا كان عند انقضاء عدّتها راجعها ، ثمّ يطلّقها ، يكون ذلك لتسعة أشهر ليطوّل عليها بذلك ، فنهى الله عن ذلك. ذكر أنّ رجلا قال لامرأته : والله لأطلقنّك ، ثمّ لأحبسنّك لتسع حيض ، لا تقديرين أن تتزوّجي. قالت : وكيف ذلك؟ قال : أطلّقك تطليقة ثمّ أدعك ، حتّى إذا كان عند انقضاء عدّتك راجعتك. ثمّ أطلّقك ، فإذا كان عند انقضاء عدّتك راجعتك. ثمّ أطلّقك أخرى ثمّ تعتدّين ثلاث حيض ؛ فأنزل الله هذه الآية : (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً ...) إلى آخر الآية.

قوله : (وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً) : ذكر الحسن عن أبي الدرداء أنّه قال : كان الرجل يطلّق ، فإذا سئل قال : كنت لاعبا ، ويعتق ، فإذا سئل قال : كنت لاعبا ، ويتزوّج ، فإذا سئل قال : كنت لاعبا. فأنزل الله : (وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً) فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من طلّق لاعبا ، أو تزوّج لاعبا ، أو أعتق لاعبا فهو جائز عليه كلّه (١).

__________________

(١) روي هذا الحديث هنا مرفوعا عن أبي الدرداء ، ورواه ابن جرير الطبري مرسلا. وذكر ابن كثير رفعه عن ـ

٢٠٧

ذكر بعضهم أنّ رجلا طلّق امرأته على عهد النبيّ عليه‌السلام فأنزل الله : (وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً). ذكر الحسن عن أبي الدرداء قال : ثلاث لا يلعب فيهنّ أحد ، واللاعب فيهنّ كالجادّ : العتاق والطلاق والنكاح.

قوله : (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ) : الكتاب الفرقان ، والحكمة السنّة. (وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (٢٣١).

قوله : (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ) : أى فانقضت العدّة (فَلا تَعْضُلُوهُنَّ) : أى : فلا تحبسوهنّ (أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) : ذكروا عن الحسن قال : قدم رجل المدينة فرغب فيه معقل بن يسار (١) فزوّجه أخته ، فكان بينهما شيء ، فطلّقها واحدة. فلمّا انقضت العدّة خطبها ، فأرادت أن تتزوّجه ، فغضب معقل فقال : زوّجته ثمّ طلّقها ، والله لا ترجع إليه آخر ما عليه ، فأنزل الله هذه الآية.

قوله : (ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ) : أى لقلب الرجل وقلب المرأة من الريبة (وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٢٣٢) : علم الله حاجته إليها وحاجتها إليه.

قوله : (وَالْوالِداتُ) : [يعني المطلّقات في تفسير مجاهد] (٢) (يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ

__________________

ـ عبادة بن الصامت بلفظ مختلف. والمشهور في هذا الحديث ما رواه أبو هريرة عن النبيّ عليه‌السلام : «ثلاث جدّهنّ جدّ ، وهزلهنّ جدّ : النكاح والطلاق والرجعة ، ولعلّه والعتاق». رواه ابن ماجه والترمذيّ وأبو داود.

(١) هو معقل بن يسار بن عبد الله المزني ، صحابيّ شهد بيعة الرضوان ، ثمّ سكن البصرة ، وحفر بها نهرا نسب إليه فقيل في المثل : «إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل». وابتنى بها دارين ذكرهما ابن مفرغ الحميري فقال :

سقى الله أرضا لي ودارا تركتها إلى جنب داري معقل بن يسار

وتوفّي معقل بن يسار بالبصرة في آخر خلافة معاوية ، وقيل : في خلافة ابنه يزيد. روى عنه أبو عثمان النهدي والحسن وجماعة من البصرة. انظر الثعالبي ، ثمار القلوب ، ص ٣٠ ـ ٣١. وابن عبد البرّ ، الاستيعاب ، ج ٣ ص ١٤٣٢.

(٢) زيادة من ز ، ورقة ٣٣.

٢٠٨

كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ) : ذكر بعض المفسّرين قال : أنزل الله في أوّل هذه الآية : (حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ) ثمّ أنزل اليسر والتخفيف فقال : (لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ).

ذكروا عن ابن عمر وابن عبّاس أنّهما كانا لا يريان الرضاع بعد الحولين شيئا.

قوله : (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ) : يعني الأب (رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) : أى كلّ على قدر ميسرته. (لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَها) : كقوله : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها) [الطلاق : ٧] أى ما أعطاها. وكقوله : (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ) [الطلاق : ٧].

قوله : (لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ) : ذكر بعض المفسّرين قال : نهى الله الوالد عن الضرار : أن ينزعه من أمّه إذا رضيت أن ترضعه بما كان مسترضعا به غيرها ويدفعه إلى غيرها. ونهيت الوالدة أن تضارّ بولدها فتدفعه إلى زوجها إضرارا ، إذا أعطاها ما كان مسترضعا به غيرها.

قوله : (وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ) : [تفسير قتادة قال : على وارث المولود إن كان المولود لا مال له (مِثْلُ ذلِكَ) أى : مثل الذي كان على والده لو كان حيّا من أجر الرضاع] (١). وقال الحسن : على الرجال دون النساء. والوارث : وارث الصبيّ إذا مات والد الصبيّ (٢) وبقي وارثه ، فعليه يكون وليس على الأمّ منه شيء ، ولا على الإخوة من الأمّ ، وذلك في النفقة والضرار (٣). [وقال ابن عبّاس : (وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ) هو في الضرار] (٤).

قوله : (فَإِنْ أَرادا فِصالاً) : [يعني فطاما] (٥) (عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ) : قبل انقضاء

__________________

(١) زيادة من ز ، ورقة ٣٣.

(٢) في المخطوطات الثلاث : «إذا مات الصبيّ». وهو خطأ محض ولا معنى له : والصحيح ما أثبته : «إذا مات والد الصبيّ».

(٣) وهو ما ذهب إليه الإباضيّة والحسن وقتادة وأبو حنيفة وآخرون. أمّا الإمام مالك فلا يلزم الوارث النفقة والسكنى ، ويرجع بقوله تعالى : (وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ) إلى عدم الإضرار فقط. انظر أبو الحواري ، تفسير خمسمائة آية ، ص ٢٠٥ ، والجصّاص ، أحكام القرآن ، ج ٢ ص ١٠٨ ، وابن العربي ، أحكام القرآن ج ١ ص ٢٠٥ ، وانظر موسوعة فقه عمر بن الخطّاب لمحمّد رواس قلعه جي : (نفقة) ص ٦٤٠.

(٤) زيادة من ز ، ورقة ٣٣.

(٥) زيادة من ز ، ورقة ٣٣.

٢٠٩

الحولين ، بعد أن يستطيع الطعام ولا تدخل عليه ضرورة فيه.

قال بعض المفسّرين : (عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ) إذا كان ذلك عن رضى منهما ومشورة. (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما).

قال : (وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ) : أى لأولادكم (فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (٢٣٣) : يقول : إن تراضيا أن يسترضعاه (فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ) [تفسير مجاهد : حساب ما رضع الصبيّ إذا تراضيا أن يسترضعا له ، إذا خافا الضيعة عليه] (١).

قوله : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) وفي العشر ينفخ في الولد الروح. نسخت هذه الآية التي بعدها في التأليف : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ) [البقرة : ٢٤٠] وهذه قبل هذه في التنزيل ، ووضعت في هذا الموضع. قال الحسن : وكان جبريل عليه‌السلام يأتي النبيّ عليه‌السلام فيقول : يا محمّد ، إن الله يأمرك أن تضع آية كذا بين ظهراني كذا وكذا من السورة كذا. وذكروا عن ابن عبّاس وعثمان بن عفّان أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان ينزل عليه الثلاث الآيات والأربع الآيات والخمس الآيات جميعا ، أو أقلّ من ذلك أو أكثر ، فيقول : اجعلوا آية كذا وكذا في سورة كذا وكذا في موضع كذا وكذا ، واجعلوا آية كذا وكذا في سورة كذا وكذا في موضع كذا وكذا.

ذكروا عن عبد الله بن مسعود أنّه قال : نسخ من هذه الآية الحامل المتوفّى عنها زوجها فقال في سورة النساء القصرى : (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ) [الطلاق : ٤].

وذكروا أنّ عمر بن الخطّاب رضي الله عنه سأل أبيّ بن كعب عن عدّة الحامل المتوفّى عنها زوجها فقال : أجلها أن تضع حملها ، فقال : أقاله رسول الله؟ قال : نعم. وقال ابن عبّاس وعليّ : أجلها أبعد الأجلين. ويقول ابن عبّاس وعليّ : بهذا نأخذ وعليه نعتمد. وإنّما قول الله : (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ) في المطلّقات دون المتوفّى عنهنّ أزواجهنّ (٢).

__________________

(١) زيادة من ز ، ورقة ٣٣.

(٢) وهذا ما ذهب إليه جمهور الإباضيّة. وقد روى الربيع بن حبيب في مسنده ، ج ٢ ص ٤٩ (رقم ٥٤٠) ـ

٢١٠

قوله : (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ) أى انقضاء العدّة (فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) : أى : فلا إثم عليكم (فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) يعني التزويج (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (٢٣٤).

قوله : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ) : أى : أسررتم وأضمرتم.

ذكر مجاهد عن ابن عبّاس قال : التعريض ما لم ينصب للخطبة. وقال عكرمة : التعريض أن يقول : إنّك في نفسي ، وما يقدّر من أمر يكن. وقال الحسن : يقول : احبسي نفسك عليّ ، فإنّي أفعل بك كذا وكذا ، وأصدقك كذا وكذا.

قال : (عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا) : قال بعض المفسّرين : لا يأخذ ميثاقها في عدّتها أن لا تنكح غيره ، نهى الله عن ذلك وعن الفاحشة والخضع من القول. وقال مجاهد : لا يقول : لا تفوتيني بنفسك فإنّي أنكحك (١). وقال الحسن : (لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا) هو الزنا (٢).

قوله : (إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً) : هو التعريض ما لم ينصب للخطبة.

قوله : (وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ) : قال : حتّى تنقضي العدّة. (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) (٢٣٥) : يقول : احذروا أن تخفوا في أنفسكم شيئا من الزنا. في تفسير الحسن : أو تزوّجوهن في العدّة ، وفي جميع الأشياء بعد.

__________________

ـ اختلاف ابن عبّاس وأبي سلمة بن عبد الرحمن في عدّة الحامل المتوفّى عنها زوجها وتحاكمهما إلى أمّ سلمة فقالت : ولدت سبيعة الأسلميّة بعد وفاة زوجها بليال ، فذكرت ذلك لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : قد حلّت. «قال الربيع : قال أبو عبيدة : وهذه رخصة من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم للأسلميّة. وأمّا العمل فعلى ما قال ابن عبّاس وهو المأخوذ به عندنا ، وهو قول الله عزوجل في كتابه». انظر : نور الدين السالمي ، شرح الجامع الصحيح ، مسند الإمام الربيع بن حبيب ، ج ٣ ، ص ١٢٠ ـ ١٢٥.

(١) كذا في ق وع ود ، وفي تفسير مجاهد ١١٠ : «لا تسبقيني بنفسك فإنّي ناكحك» ، وهو أفصح.

(٢) وهو قول نسب أيضا إلى جابر بن زيد كما ذكره الطبريّ في تفسيره ج ٥ ص ١٠٥ ، والقرطبيّ في تفسيره ج ٣ ص ١٩٠ ـ ١٩١ ، وابن الجوزي في زاد المسير ج ١ ص ٢٧٨ ، وإلى قتادة والنخعي والضحاك ، وهو القول الذي اختاره الطبريّ في تفسيره ج ٥ ص ١١٠ ـ ١١٣.

٢١١

قوله : (لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ) : يعني ما لم تجامعوهنّ (أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ) : الموسع الذي وسّع عليه في الرزق ، والمقتر الذي قتر عليه في الرزق. قال : (مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ) (٢٣٦). إذا طلّقها قبل أن يدخل بها ، ولم يفرض لها فليس لها صداق ، ولها المتعة واجبة. والمتعة على قدر ما يجد ؛ وليس فيه شيء مؤقّت (١) يؤخذ به الرجل ، إلّا ما أحبّ لنفسه من طلب الفضل في ذلك.

ذكروا عن الحسن أنّه قال : كان منهم من يمتّع بالخادم ، ومنهم من يمتّع بالكسوة ، ومنهم من يمتّع بالطعام. وذكر بعضهم قال : أدنى ما يكون من المتعة درع وخمار وجلباب ومئزر ، ومن لم يجد فعلى قدر ما يجد.

قوله : (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ) : يعني النساء (أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) : هو الزوج. (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) : يقول : ذلك من التقوى. وقوله : (إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ) يعني إلّا أن يتركن (أَوْ يَعْفُوَا) أى : أو يترك (الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) يقول : إلّا أن تعفو المرأة عن نصف الصداق فلا تأخذ منه شيئا ، أو يعفو الرجل عن نصف الصداق فيسلّم الصداق كلّه للمرأة.

قال : (وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) : أى في هذا حضّ (٢) كلّ واحد منهما على صاحبه. وإن تشاحّا فلها نصف الصداق.

ذكروا عن جبير بن مطعم (٣) أنّه تزوّج امرأة قبل أن يدخل بها ، فسلّم لها الصداق كلّه وقال :

__________________

(١) أي : محدّد.

(٢) في ق وع ود : «حظ» والصحيح ما أثبته : «حضّ» ، أى : حثّ لكلّ من المرأة والزوج على صلة صاحبه بترك نصف الصداق.

(٣) هو أبو محمّد ، وقيل أبو عديّ جبير بن مطعم بن عديّ بن نوفل بن عبد مناف بن قصي. كان من حلماء قريش ومن ساداتهم. كان من أنسب قريش لقريش وللعرب قاطبة. وكان يقول : أخذت النسب من أبي بكر الصدّيق رضي الله عنهما ، أسلم يوم الفتح ، وقيل : يوم خيبر ، وحسن إسلامه ، ومات بالمدينة سنة سبع وخمسين في خلافة معاوية.

٢١٢

أنا الذي بيده عقدة النكاح.

وقال الحسن : (الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) هو الوليّ. (إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).

قوله : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ) : يعني الصلوات الخمس على وضوئها ومواقيتها وركوعها وسجودها (وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) : يعني صلاة العصر في قول الحسن. قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : الصلاة الوسطى صلاة العصر (١).

ذكروا عن ابن عبّاس أنّه قال : هي صلاة الصبح. ويقول ابن عبّاس بهذا نأخذ وعليه نعتمد (٢).

قوله : (وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) (٢٣٨) : أى مطيعين ، لأنّ [أهل] (٣) كلّ دين ـ غير دين الإسلام ـ يقومون لله عاصين. ذكروا عن عكرمة عن ابن عبّاس في قوله : (وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) أى : مطيعين.

قوله : (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً) : قال بعضهم : هو عند الضراب بالسيوف ، راكبا كنت أو ساعيا ، أو ماشيا ، فإنك تومئ برأسك ركعتين إن استطعت ، وإلّا فركعة حيث كان وجهك. وإذا كان الأمر أشدّ من ذلك فكبّر أربع تكبيرات. عن الحسن أنّه قال : إذا كنت تطلب عدوّا أو يطلبك عدوّ فإنّك تومئ بركعة حيث كان وجهك.

قال : (فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ) : أى فصلّوا الصلوات الخمس (كَما عَلَّمَكُمْ ما

__________________

(١) رواه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة ، باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر (٦٢٨) عن عائشة وغيرها. ورواه أحمد والترمذيّ عن سمرة. وإلى هذا القول ذهب جمع من الصحابة منهم عليّ وأبو أيّوب وأبو هريرة. جاء في مخطوطة ز ورقة ٣٤ مايلي : «يحيى عن عثمان عن أبي إسحاق الهمداني عن الحارث عن عليّ قال : سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الصلاة الوسطى فقال : هي صلاة العصر التي فرّط فيها نبيّ الله سليمان صلى‌الله‌عليه‌وسلم».

(٢) هذه الجملة الأخيرة للشيخ هود بن محكّم الهوّاريّ ولا شكّ. فإنّ الراجح عند الأصحاب وعند إمامنا جابر بن زيد أنّ الصلاة الوسطى هي صلاة الصبح ، وهو قول روي أيضا عن عمر ومعاذ وجابر بن عبد الله وغيرهم. انظر تفسير الطبري ج ٥ ص ١٦٨ ـ ٢٢٧ ، وانظر زاد المسير لابن الجوزي ج ١ ص ٢٨٢ ـ ٢٨٤.

(٣) زيادة لا بدّ منها.

٢١٣

لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) (٢٣٩).

قال (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ) : أى أن يتزيّن ويتشوّفن ويلتمسن الأزواج. (وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).

قال بعضهم : كانت المرأة إذا توفّي زوجها أنفق عليها من ماله حولا ما لم تخرج ، فإن خرجت فلا نفقة لها ، فنسخ الحول في قوله : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) ونسخ النفقة في الحول في هذه الآية : (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ) [النساء : ١٢].

ذكروا عن زينب (١) ابنة أمّ سلمة أنّ أمّ حبيبة زوج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قالت إنّ امرأة قالت : يا نبيّ الله ، إنّ ابنتي توفّي عنها زوجها ، وقد خشيت على بصرها أفأكحلها؟ قال : إن كانت إحداكنّ لترمي بالبعرة على رأس الحول ، وإنّما هي أربعة أشهر وعشر (٢). قال بعضهم : كانت إحداهنّ إذا تمّ الحول ركبت حمارا ، وأخذت معها بعرة ، ثمّ ترمي بالبعرة خلفها وقد حلّت.

ذكروا عن زينب بنت أبي سلمة أنّها دخلت على أمّ حبيبة حين توفّي أبوها أبو سفيان. فدعت أمّ حبيبة بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره ، فمسّت بعارضيها منه ، ثمّ قالت : والله مالي بالطيب من حاجة ، غير أنّي سمعت رسول الله يقول : لا يحلّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحدّ على ميّت فوق ثلاثة أيّام إلّا على زوجها أربعة أشهر وعشرا.

ودخلت على زينب بنت جحش حين توفّي أخوها ، فدعت بطيب فمسّت منه ثمّ قالت :

__________________

(١) هي زينب بنت أبي سلمة ، ربيبة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ولدتها أمّها في أرض الحبشة وكان اسمها برّة ، فسمّاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم زينب. وقد حفظت عن النبيّ عليه‌السلام ، فكانت من أفقه النساء في زمانها. تزوّجت عبد الله بن ز معة بن الأسود الأسديّ فولدت له.

(٢) هذا الحديث ترويه زينب بنت أبي سلمة أيضا عن أمّها أمّ سلمة ، وروت ما بعده عن أمّ حبيبة زوج النبيّ عليه‌السلام. والأحاديث الثلاثة متّفق عليها ، وأخرجها أصحاب السنن. انظر مثلا صحيح البخاري كتاب الطلاق ، باب تحدّ المتوفّى عنها أربعة أشهر وعشرا ، وباب الكحل للحادّة. وانظر صحيح مسلم كتاب الطلاق ، باب وجوب الإحداد في عدّة الوفاة (١٤٨٨).

٢١٤

والله ما أبالي بالطيب ولا لي بالطيب من حاجة ، غير أنّي سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : لا يحلّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحدّ على ميّت فوق ثلاث ليال ، إلّا على زوجها أربعة أشهر وعشرا (١).

قالت زينب بنت أبي سلمة : وسمعت أمّي أمّ سلمة تقول : إنّ امرأة جاءت إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالت : إنّ ابنتي توفّي عنها زوجها ، وقد اشتكت عينيها أفأكحلها بالإثمد؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا. فقالت ذلك ثلاث مرّات ، كلّ ذلك والرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : لا ، إنّما هي أربعة أشهر وعشر ، وقد كانت إحداكنّ ترمي بالبعرة على رأس الحول (٢). وأمّا قوله : (فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ) فبتزويج : أن يتزيّنّ ويتشوّفن ويلتمسن الأزواج (٣).

قوله : (وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (٢٤٠) : قال : عزيز في نقمته ، حكيم في أمره.

قوله : (وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) (٢٤١) : ذكروا عن الحسن أنّه قال : لكلّ مطلّقة متاع ، وليس بالواجب الذي يؤخذ به الرجل ، إلّا التي طلّقت قبل أن يدخل بها ولم يفرض لها.

قال محمّد بن سيرين : شهدت شريحا فرّق بين رجل وامرأته فقال : متّعها ، قال : لا أجد. قال : ما قلّ أو أكثر. قال لا أجد. قال : أفّ ، قم ، لا تريد أن تكون من المحسنين ، لا تريد أن تكون من المتّقين.

قال : (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (٢٤٢) : أى لكي تعقلوا.

__________________

(١) هذه الأحاديث الثلاثة تكاد تتّفق ألفاظها وظروفها إلّا ما زادت زينب بنت جحش من بيان في الحديث الذي رواه مسلم (١٤٨٧) حين ذكرت أنّها سمعت «رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول على المنبر». وفي الباب أنّ أمّ عطيّة ، وهي الأنصاريّة التي كانت تغزو مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قالت : «نهينا أن نحدّ أكثر من ثلاث إلّا بزوج».

(٢) وقد سئلت زينب عن الرمي بالبعرة فقالت : كان نساء أهل الجاهليّة إذا مات زوج إحداهنّ لبست أطمار ثيابها وجلست في أخسّ بيوتها ، فإذا حال عليها الحول أخذت بعرة فدحرجتها على ظهر حمار وقالت : قد حللت.

(٣) هذه هي نفس الألفاظ التي وردت في كتاب التصاريف ليحيى بن سلّام ص ٢٠٤ ، في الوجه الثاني من وجوه تفسير المعروف. وهذا ما يؤكّد أنّ أصل هذا التفسير لابن سلّام.

٢١٥

قوله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) (٢٤٣) : أى لا يؤمنون.

ذكر بعض المفسّرين قال : هم قوم فرّوا من الطاعون فمقتهم الله على فرارهم من الموت ، فقال لهم الله : موتوا عقوبة ، ثمّ بعثهم ليستوفوا بقيّة أرزاقهم وآجالهم.

قال الكلبيّ : كانوا ثمانية آلاف ، فأماتهم الله ، فمكثوا ثمانية أيّام. وقال بعضهم : فخرج عشائرهم ليدفنوهم ، فكثروا عليهم ، وكانوا جيفا قد أنتنوا ، فحظروا عليهم الحظائر.

قوله : (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (٢٤٤) : أى يعلم ما تنوون وما تفعلون.

قوله : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) : أى حلالا. وقال بعضهم : محتسبا. (فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً) : قال الحسن : هذا في التطوّع. لّما نزلت هذه الآية قالت اليهود : هذا ربّكم يستقرضكم ، وإنّما يستقرض الفقير ، فهو فقير ونحن أغنياء. فأنزل الله : (لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ) [آل عمران : ١٨١]. وكان المشركون يخلطون أموالهم بالحرام ، حتّى جاء الإسلام ، فنزلت هذه الآية ، وأمروا أن يتصدّقوا من الحلال.

ذكروا عن الحسن أنّه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا يقبل الله صلاة بغير طهور ، ولا صدقة من غلول (١).

قوله : (وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ) : أى يقبض عمّن يشاء ويبسط الرزق لمن يشاء. وهو كقوله : (اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ) [العنكبوت : ٦٢] أى : وينظر للمؤمن فكيف عنه. قوله : (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٢٤٥) : يعني البعث.

قوله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ) : قال الكلبيّ : إنّ بني إسرائيل مكثوا زمانا من الدهر ليس

__________________

(١) حديث صحيح أخرجه مسلم في كتاب الطهارة ، باب وجوب الطهارة للصلاة (٢٢٤) عن ابن عمر.

وأخرجه البغويّ في شرح السنّة من رواية أسامة بن عمير في كتاب الطهارة ، باب ما يوجب الوضوء (١٥٧).

٢١٦

عليهم ملك. فأحبّوا أن يكون عليهم ملك يقاتل عدوّهم ، فمشوا إلى نبيّ لهم من بني هارون يقال له : اشمويل. وقال بعضهم : سمعت من يسمّيه بالعربية إسماعيل ؛ فقالوا له : (ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ قالَ) : لهم نبيّهم (هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَّا تُقاتِلُوا قالُوا وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا) : وكان عدوّهم من قوم جالوت ، وكانوا يسكنون بساحل بحر الروم بين مصر وفلسطين.

وقال بعضهم : كان جالوت من الجبابرة (١). قال الكلبيّ : فلقي بنو إسرائيل منهم بلاء ، حتّى غلبوهم على أرضهم ، وسبوا كثيرا من ذراريهم.

قوله : (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) (٢٤٦).

قال : (وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً) : وكان طالوت من سبط قد عملوا ذنبا عظيما ، فنزع منهم الملك في ذلك الزمان ، فأنكروه. (قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ).

قال بعضهم : كان في بني إسرائيل سبطان : سبط نبوّة وسبط مملكة ؛ كانت النبوّة في سبط بني لاوى ، وكان الملك في سبط يهوذا. وكان طالوت في سبط بن يامين أخي يوسف (٢). فلمّا رأوا أنّه ليس من سبط بني لاوى ولا من سبط يهوذا قالوا : (أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا) أى : كيف يكون له الملك علينا (وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ) ، وليس من سبط النبوّة ولا من سبط المملكة.

قال الكلبيّ : (أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا) وهو من سبط الإثم ، للذنب الذي كانوا أصابوه.

قال : (وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ قالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ) : أى اختاره عليكم (وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ

__________________

(١) في ق وع : «الخورة» ، وفي د : «الحرة» (كذا) ويبدو أنّ في الكلمة تصحيفا صوابه ما أثبته «الجبابرة» ، لأنّ جالوت كان جبّارا من العمالقة.

(٢) لاوي ويهوذا ويوسف وبنيامين من أبناء يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم‌السلام. وأمّ لاوي ويهوذا هي ليا ابنة لبان بن بتويل الكبرى. أمّا أمّ يوسف وبنيامين فهي راحيل ابنة لبان الصغرى. خلف عليها يعقوب بعد وفاة أختها ليا. انظر : الطبري تاريخ الرسل والملوك ، ج ١ ص ٣١٧.

٢١٧

عَلِيمٌ) (٢٤٧) : وكان طالوت أعلمهم يومئذ وأطولهم وأعظمهم ، وكان مغمورا في قومه. ذكروا عن الحسن أنّه قرأ هذه الآية فقال : فإذا الجسم نعمة من الله ذكرها.

فقالوا لنبيّهم : لا نصدّق أنّ الله بعثه علينا ، ولكنّك أنت بعثته مضادّة لنا إذ سألناك ملكا : فأتنا بآية نعلم أنّ الله اصطفاه علينا.

(وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (٢٤٨).

قوله : (فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ) : وسار بهم أخذ بهم مفازة من الأرض فعطشوا (قالَ) : لهم نبيّهم (إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ) : أى مختبركم (بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ) : قال الله : (فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) : جعلوا يشربون منه ولا يروون. أمّا القليل فكفتهم الغرفة. ورجع الذين عصوا وشربوا. فقطع طالوت والذين معه ، وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا بعدّة أهل بدر. وبدرهم جالوت وجنوده.

(فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللهِ) : أى : صالحوهم (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) (٢٤٩).

قال بعضهم في قوله : (أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ) يعني رحمة (مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ) قال بعضهم : كان فيه عصا موسى ، ورضاض الألواح ؛ وكان موسى تركه عند فتاه يوشع بن نون ، وهو في البرّيّة ، فأقبلت تحمله الملائكة (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ). وقال بعضهم : كان التابوت في أرض جالوت ، قد غلبوا عليه زمانا من الدهر ، فقالوا لنبيّهم : إن أتيتنا به فأنت صادق ، وطالوت ملك كما زعمت ، فدعا النبيّ ربّه ، فأتاه بالتابوت حتّى وضع في أرض بني إسرائيل ، فصدّقوه وعلموا أنّ الله هو الذي بعث طالوت ملكا عليهم (١).

__________________

(١) يلاحظ اضطراب في قصّة بني إسرائيل مع نبيّهم ومع طالوت وجالوت. وبها تقديم وتأخير وتكرار في تفسير الآيات وذكر أقوال المفسّرين. ويرجع ذلك ـ فيما يبدو ـ إلى الاختصار وحذف أسماء الرواة. وقد ـ

٢١٨

وقال بعضهم : كان التابوت إذا قابلت بنو إسرائيل العمالقة مشى التابوت بين السماء والأرض ، والصفوف والرايات خلفه ، فكانوا ظاهرين عليهم ، حتّى ظفرت العمالقة على التابوت فأخذوه فدفنوه في ملقى كناسة لهم ، وذلّت بنو إسرائيل. وألقى الله على رجال العمالقة وعلى نسائهم الناسور (١) ، فقال بعضهم : ما نرى هذا الذي أصابكم إلّا بما صنعتم بالتابوت ، فهل لكم أن تردّوه على بني إسرائيل؟ فقالوا : لا نفعل ؛ لكنّا نحمله على بقرة ونحبس عجلها ، ثمّ نوجّهها إلى صفوف بني إسرائيل ، فإن أراد الله أن يرجع التابوت إلى بني إسرائيل رجعت البقرة إليهم وإلّا رجعت إلى عجلها. ففعلوا ، فنزل ملكان من السماء فأخذ أحدهما برأس البقرة وساقها الآخر ، حتّى دخلت صفوف بني إسرائيل ؛ فذلك قوله : (تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ) : كقول الرجل : وجاء فلان يحمل ، وليس يحمله هو ، وإنّما تحمله الدوابّ.

وقال بعضهم في قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ) هو نهر بين الأردن وفلسطين. وقال بعضهم : هو نهر أبي فطرس (٢).

وقال الحسن في قوله : (هَلْ عَسَيْتُمْ ، إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَّا تُقاتِلُوا : عَسَيْتُمْ) أى : ظننتم (٣) ، (إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَّا تُقاتِلُوا قالُوا : وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا) قال الله : (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) قال : لم يقبلوا ذلك وكفروا إلّا قليلا منهم.

__________________

ـ حاولت أن أردّ كلّ معنى إلى ما يناسبه من الآيات مع الاحتفاظ بما جاء كلّه في المخطوطات الثلاث.

(١) في ق وع : «الناسم» ، وفي د : «الناسور» وهو الصحيح. وفي ق وع شرح لهذه الكلمة جاء فيه : «إسهال يصيب الرجل فينطلق بطنه». ولكنّ ابن منظور لا يذكر هذا المعنى ويقول : إنّه العرق الغبر. والغبر هو الجرح الذي يندمل على فساد ، وينتقض ولا يكاد يبرأ.

(٢) في ق وع ود : «ابن فطرس» وهو خطأ ، صوابه «أبي فطرس». ونهر أبي فطرس ، يقع قرب الرملة من أرض فلسطين ، انظر : معجم البلدان لياقوت ، ج ٥ ص ٣١٥ ـ ٣١٦.

(٣) كذا في ق وع دون د : «عسيتم ، أى : ظننتم» ولست مطمئنّا لهذا التأويل ، ولم أجده فيما بين يديّ من كتب التفسير واللغة. ولم أر له وجها ، اللهمّ إلّا أن يكون بمعنى ما يظنّ بهم ، لا بما يظنّون. قال أبو عبيدة في مجاز القران ج ١ ص ٧٧ : «(هل عسيتم :) هل تعدون أن تفعلوا ذلك». وقال الزمخشريّ في الكشّاف ج ١ ص ٢٩١ : «هل قاربتم ألّا تقاتلوا» ، أراد أن يقول : «هل الأمر كما أتوقّعه أنّكم لا تقاتلون ... أدخل هل مستفهما عمّا هو متوقّع عنده ومظنون». وانظر : ابن عاشور ، التحرير والتنوير ، ج ٢ ص ٤٨٥.

٢١٩

وإنّما سألوا من الملك الذي بعثه الله فقال لهم : (إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً ، قالُوا : أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ ...) إلى آخر الآية. قالوا ما آية ملكه التي يعرف بها أنّه الملك؟ قال : (إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) ، والسكينة هي الوقار في تفسير الحسن. والتابوت من خشب. قال بعضهم : بلغنا أنّ طوله كان ذراعين وشبرا في ذراعين وشبر. قال : كان موسى يضع فيه التوراة ومتاعه ومتاع هارون ، وهم يعرفونه. وكان الله رفعه حين قبض موسى بسخطه على اليهود ، وبما أحدث القوم بعده. فقال : آية ملكه أن يأتيكم التابوت من السماء ، وأنتم تنظرون إليه ، فتحمله الملائكة عيانا من غير أن يكونوا رأوا الملائكة.

وقال الحسن وغيره في قوله : (فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي) : كان أحدهم يغترف الغرفة بيده فتجزيه ، يعنيان المؤمنين الذين استثنى في قوله : (فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) وقال بعضهم : أمّا الكفّار فجعلوا يشربون ، ولا يروون ، وأمّا المؤمنون فجعل الرجل منهم يغترف غرفة فترويه وتجزيه.

قال بعض المفسّرين : وهي تقرأ على وجهين : بفتح العين ورفعها : غرفة وغرفة. فمن قرأها : غرفة فهو يعني الغرفة التي اغترف [مرة واحدة] (١) كما تقول : إلّا من فعل الفعلة. ومن قرأها : غرفة ، فهو يعني الغرفة بعينها [ملء اليد] (٢). وبعضهم يقرأها بمقرإ ثالث : إلّا من اغترف غرفة ، يقول : إلّا من فعل فعلة ، اغترف اغترافا.

(قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) فقيل للحسن : أليس القوم جميعا كانوا مؤمنين ، الذين جاوزوا؟ قال : بلى! ولكن تفاضلوا بما سخت أنفسهم من الجهاد في سبيله.

وقال بعضهم : ذكر لنا أنّ نبيّ الله قال لأصحابه يوم بدر : أنتم اليوم بعدّة أصحاب طالوت يوم لقي. وكان أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا (٣).

__________________

(١) زيادة من ز ، ورقة ٣٦.

(٢) زيادة من ز ، ورقة ٣٦.

(٣) كذا في ق وع. وفي د : «يوم لقي مع جالوت». هكذا رواه ابن جرير الطبريّ في تفسيره ج ٥ ص ٣٤٧ ـ ٣٤٨ عن قتادة مرسلا ، ورواه البخاري في كتاب المغازي ، باب عدّة أصحاب بدر عن البراء بن عازب ـ

٢٢٠