تفسير كتاب الله العزيز - ج ١

هود بن محكم الهوّاري الأوراسي

تفسير كتاب الله العزيز - ج ١

المؤلف:

هود بن محكم الهوّاري الأوراسي


المحقق: بالحاج بن سعيد الشريفي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار البصائر للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٢

[الأعراف : ٣٥]. قال : (فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) : في الآخرة من النار (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٣٨) : أى على الدنيا.

ذكر بعض أهل العلم أنّه ذكر هذه الآية فقال : ما زال لله في الأرض أولياء منذ هبط آدم ، ما أخلى الله الأرض لإبليس إلّا وفيها أولياء لله يعملون بطاعته. وقال الكلبيّ : فعند ذلك أخذ عنهم الميثاق في صلب آدم.

قوله : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ) : أى أهل النار (هُمْ فِيها خالِدُونَ) (٣٩) : لا يموتون ولا يخرجون منها.

قوله : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ) : يقول لمن بقي من بني إسرائيل ممّن أدرك النبىّ عليه‌السلام : (اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) : يذكّرهم ما فعل بأوائلهم وما أنجاهم من آل فرعون ؛ كانوا يذبّحون أبناءهم ، ويستحيون نساءهم فلا يقتلونهنّ ، وأنجاهم من الغرق ، وظلّل عليهم الغمام ، وأنزل عليهم المنّ والسلوى ، وما أنزل عليهم من الآيات مع نعمته التي لا تحصى.

قوله : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) : قال [بعضهم] : هي التي في المائدة : (وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً) ؛ من كلّ سبط رجل شاهد على سبطه ، (وَقالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ) في الميثاق (لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ) أى ونصرتموهم (وَأَقْرَضْتُمُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) قال مجاهد : أى قرضا حلالا. وقال غيره : القرض الحسن أن يكونوا محتسبين (١) في قرضهم : (لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) [المائدة : ١٢]. فهو كقوله : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ).

وقال الكلبيّ : كان الله عهد إلى بني إسرائيل على لسان موسى عليه‌السلام وأنبياء بني إسرائيل أنّي باعث من بني إسماعيل نبيّا أمّيّا ، فمن اتّبعه وصدّق به وبالنور الذي أنزل معه ، أى الذي أتى به ، أى الذي أنزل عليه ، أغفر له ذنبه ، وأدخله الجنّة ، وأجعل له أجرين اثنين : أجرا باتّباعه ما جاء به موسى وأنبياء بني إسرائيل ، وأجرا آخر بإيمانه بالنبيّ الأميّ ، فلمّا بعث الله محمّدا عليه‌السلام بما يعرفونه ذكّرهم الله عهده فقال : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي) في هذا النبيّ (أُوفِ

__________________

(١) كذا في ق وع : «محتسبين» أى : محتسبين الأجر عند الله ؛ وهو أنسب. وفي د : «محسنين» ، وله وجه أيضا.

١٠١

بِعَهْدِكُمْ) الذي عهدت لكم من الجنّة. (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) (٤٠) : مثل قوله : (وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ) [البقرة : ٤١].

(وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ) : [يعني القرآن] (١) (مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ) : من الكتب.

(وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ) : يعني قريظة والنضير ، لأنّ نبى الله قدم عليهم المدينة ، فعصوا الله ، وكانوا أوّل من كفر به من اليهود ، ثمّ كفرت خيبر وفدك ، وتتابعت اليهود على ذلك من كلّ أرض (٢).

قال : (وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ) (٤١) : يعني الآيات التي وصف الله بها محمّدا عليه‌السلام في كتابهم ، فأخفوها من الأمّيّين والجهّال من اليهود. وكان الذين يفعلون ذلك الرهط الذين سمّيت في أوّل السورة : كعب بن الأشرف وأصحابه. وكانت لهم مأكلة (٣) من اليهود كلّ عام ، فذلك الثمن القليل ، خافوا إن تابعوا محمّدا عليه‌السلام أن تذهب مأكلتهم.

وقال الحسن : هو مثل قوله : (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً) [البقرة : ٧٩] ، يعني عرضا من الدنيا يسيرا ، وهو ما أخذوا عليه من الثمن.

قوله : (وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ) : أى لا تخلطوا الحقّ بالباطل. وقال بعضهم : ولا تلبسوا الإسلام باليهوديّة والنصرانيّة. قوله : (وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٤٢) : أى : وأنتم تعلمون أنّ محمّدا رسول الله ، وأنّ الإسلام دين الله ، يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل.

__________________

(١) زيادة من ز.

(٢) قريظة والنضير حيّان من اليهود كانوا يسكنون قرب المدينة في حصون لهم. وقد حاصر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بني قريظة حتّى نزلوا على حكمه ، فحكّم فيهم سعد بن معاذ ، سيّد الأوس ، فحكم سعد بقتل مقاتلتهم وسبي ذراريهم ونسائهم. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لسعد : لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة. وكان ذلك سنة خمس للهجرة. أمّا النضير فقد أجلاهم النبىّ عليه‌السلام سنة أربع للهجرة. وفيهم نزلت سورة الحشر. أمّا خيبر وفدك فقريتان من قرى اليهود ، فتحت الأولى عنوة ، وفتحت الثانية صلحا. وكان ذلك سنة سبع للهجرة. انظر في ذلك كلّه ابن هشام السيرة ج ٢ ص ٢٣٣ وما بعدها. وانظر الواقدي ، المغازي ج ١ ص ٣٦٣ فما بعدها وج ٢ ص ٤٩٦ و ٦٣٣ و ٧٠٦ فما بعدها.

(٣) مأكلة ، ومأكلة : ما يأكلونه وما يكسبونه لا يحاسبون عليه. انظر اللسان : (أكل).

١٠٢

قوله : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) (٤٣) : أى : مع المصلّين أهل الإسلام ، أمرهم أن يدخلوا في دين رسول الله.

قوله : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) : أى : وتتركون العمل بما تأمرون به (وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ) : بخلاف ما تفعلون (أَفَلا تَعْقِلُونَ) (٤٤) : ما تأمرون به؟! يعني أحبار اليهود والمنافقين.

قوله : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) : قال الحسن : استعينوا بالصبر على الصلاة وعلى الدين كلّه ، فخصّ الصلاة [لمكانها] (١) من الدين. وقال بعضهم : الصبر هاهنا الصوم. وقال بعضهم : استعينوا على الدنيا بالصبر والصلاة.

قوله : (وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ) : أى : لثقيلة ، يعني الصلاة. (إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ) (٤٥) : والخشوع هو الخوف الثابت في القلب. وقال بعضهم : (وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ) أى : إلّا على المتواضعين ، وهو كقوله : (وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ) (٩٠) [الأنبياء : ٩٠] أى : متواضعين.

(الَّذِينَ يَظُنُّونَ (٢) أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ) (٤٦) : يعني البعث.

قوله : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) : وهي مثل الأولى.

(وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) (٤٧) : يعني عالم زمانهم ، ولكل زمان عالم.

قوله : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) أى : لا تفديها. (وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ) : لأنّ الشفاعة لا تكون إلّا للمؤمنين (وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ) : أى : فداء ، كقوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) أى : من فضّة وذهب (وَمِثْلَهُ

__________________

(١) زيادة من ز ، ورقة : ٨.

(٢) جاء في تفسير الطبري ج ٢ ص ١٧ ـ ١٨ ، : «إنّ العرب قد تسمّي اليقين ظنّا والشكّ ظنّا ، نظير تسميتهم الظلمة سدفة ، والضياء سدفة ، والمغيث صارخا والمستغيث صارخا ، وما أشبه ذلك من الأسماء التي تسمّي بها الشيء وضدّه. وممّا يدلّ على أنّه يسمّى به اليقين قول دريد بن الصّمّة :

فقلت لهم ظنّوا بألفي مدجّج

سراتهم في الفارسيّ المسرّد

يعني بذلك : تيقنوا ألفي مدجّج تأتيكم».

١٠٣

مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ ما تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٣٦) [المائدة : ٣٦]. وكقوله : (وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها) [الأنعام : ٧٠] أى : وإن تفد بكلّ فدية ما تقبّل منها.

قال : (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) (٤٨) : أى : لا أحد ينتصر لهم من بعد نقمة الله إيّاهم. هذا تفسير الحسن. وقال الحسن : الفدية يومئذ الإيمان ، أى : أن يقبل منهم وهم يومئذ يؤمنون فلا يقبل منهم.

قوله : (وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ) : أى : شدّة العذاب ، وتفسير (يَسُومُونَكُمْ) أى : يذيقونكم سوء العذاب (يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ) : فلا يقتلونهنّ (وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) (٤٩) : أى نعمة من ربّكم عظيمة (١) إذ نجاكم منهم.

قوله : (وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ) : يعني حين جازوا البحر (فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) (٥٠) : يعني أوّليهم. وقال بعضهم : (وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) (٥٠) كأنّما عهدكم بهم أمس.

قوله : (وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ) (٥١) : أى لأنفسكم.

(ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٥٢) : أى : لكي تشكروا. يعني التوبة التي جعلها الله لهم ، فقتل بعضهم بعضا فغلّظ عليهم في المتاب.

قوله : (وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ) : الكتاب التوراة ، والفرقان حلالها وحرامها. (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (٥٣) : يقول : لكي تهتدوا بالكتاب وبالحلال والحرام.

__________________

(١) كذا في المخطوطات : «نعمة من ربّكم عظيمة» وهو الصواب ، وهو تفسير ابن عبّاس ومجاهد. وجاء في مجاز أبي عبيدة : «أي ما ابتليتم من شدّة. وفي موضع آخر : البلاء الابتلاء ، يقال : الثناء بعد البلاء ، أى الاختبار ، من بلوته ، ويقال : له عندي بلاء عظيم ، أى نعمة ويد ، وهذا من : ابتليته خيرا». وانظر وجوه معاني البلاء عند ابن قتيبة في كتابه : تأريل مشكل القرآن ص ٤٦٩ ـ ٤٧٠ ، وانظر تفسير الطبري ج ٢ ص ٤٨ ـ ٤٩.

١٠٤

قوله : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ) : أى إلى خالقكم (فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ) : أى خالقكم (فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (٥٤).

ذكروا أنّ موسى عليه‌السلام لّما قطع البحر ببني إسرائيل ، وأغرق الله آل فرعون ، قالت بنو إسرائيل لموسى : يا موسى ، ائتنا بكتاب من عند ربّنا كما وعدتنا ، وزعمت أنّك تأتينا به إلى شهر. فاختار موسى من قومه سبعين رجلا لينطلقوا معه. فلمّا تجهّزوا قال الله لموسى : أخبر قومك أنّك لن تأتيهم إلى أربعين ليلة ، وذلك حين أتممت بعشر ، وهي ثلاثون من ذي القعدة وعشر من ذي الحجّة. قال الحسن : كانت أربعين من أوّل ؛ يقول : (وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً) [الأعراف : ١٤٢] وبعدها عشرا ، كقوله : (فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ) [البقرة : ١٩٦].

قال الكلبيّ : فلمّا خرج موسى بالسبعين أمرهم أن ينتظروا في أسفل الجبل. وصعد موسى الجبل فكلّمه ربّه ، وكتب له في الألواح. ثمّ إنّ بني إسرائيل عدّوا عشرين يوما وعشرين ليلة فقالوا : قد أخلفنا موسى الوعد ، وجعل لهم السامريّ العجل (فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ) [طه : ٨٨] فعبدوه.

قال الكلبيّ : فبلغنا ـ والله أعلم ـ أنّ الله قال عند ذلك : يا موسى إنّ قومك قد عبدوا من بعدك عجلا جسدا له خوار. فرجع موسى إلى قومه ومعه السبعون ، ولم يخبرهم موسى بالذي أحدثت بنو إسرائيل من بعده بالذي قال له ربّه. فلمّا غشي موسى محلّة قومه سمع اللغط حول العجل ، فقال السبعون : هذا قتال في المحلّة. فقال موسى : ليس بقتال ، ولكنّه صوت الفتنة. فلمّا دخل موسى ونظر ما يصنع بنو إسرائيل حول العجل غضب ، وألقى الألواح فانكسرت ، فصعد (١) عامة ما فيه من كلام الله. (وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ) [الأعراف : ١٥٠] فقال له هارون : يا (يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي) (٩٤) [طه : ٩٤]. فأرسله موسى وأقبل على السامريّ وقال : ما خطبك يا سامري؟ ولم صنعت ما أرى؟ قال : (بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ) ، يعني بني إسرائيل. قال : وما الذي بصرت به؟

__________________

(١) كذا ني المخطوطات ق وع ود : «فصعد». وجاء في هامش د : «ولعلّه فانصدع» وهو الصواب إن شاء الله.

١٠٥

قال : رأيت جبريل على فرس ، فألقي في نفسي أن أقبض من أثره قبضة ، فما ألقيت عليه من شىء كان له روح ودم. فحين رأيت قومك سألوك أن تجعل لهم إلها فكذلك سوّلت لي نفسي أن أصنع إلها ، ثمّ ألقي عليه القبضة فيصير ربّا لبني إسرائيل ، فيعبدونه بين ظهرانيهم.

فغضب موسى فأمر بالسامريّ أن يخرج من محلّة بني إسرائيل ، ولا يخالطهم في شيء ، فأمر بالعجل فذبح ثمّ أحرقه بالنار. فمن قرأ (لَنُحَرِّقَنَّهُ) [طه : ٩٧] فهو يريد لنبردنّه (١) ومن قرأها لنحرقَنَّهُ فهو يريد لنحرقنّه بالنار. وهي أعجب القراءتين إليّ ، لأنّ الحريق للذهب الذي لا تحرقه النار آية عجيبة لموسى. فسلّط الله عليه النار فأحرقته. فلمّا أحرقته النار ذراه موسى في اليمّ ، وهو البحر.

ثمّ أتاهم موسى بكتاب ربّهم فيه الحلال والحرام والحدود والفرائض. فلمّا نظروا إليه قالوا : لا حاجة لنا فيما أتيتنا به ، فإنّ العجل الذي حرقته كان أحبّ إلينا ممّا أتيتنا به ، فلسنا قابليه ولا آخذين ما فيه. فقال موسى : يا ربّ ، إنّ عبادك بني إسرائيل ردّوا كتابك ، وكذّبوا نبيّك ، وعصوا أمرك. فأمر الله الملائكة فرفعوا الجبل ، فغشوا به بني إسرائيل ، حتّى أظلّوا به عسكرهم ، فحال بينهم وبين السماء. فقال موسى : إمّا أن تأخذوا هذا الكتاب بما فيه ، وإمّا أن يلقى عليكم الجبل. فيشدخكم (٢). فقالوا : سمعنا وعصينا. أى : سمعنا الذي تخوّفنا به ، وعصينا الذي تأمرنا به. ثمّ أخذوا الكتاب ، ولم يجدوا بدّا من أخذه. ورفع عنهم الجبل. فنظروا في الكتاب ، فبين راض وكاره ، ومؤمن وكافر. يقول الله : (ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) أى : لكي تشكروا. فندم القوم على ما صنعوا وعاتبهم موسى وعيّرهم بالذي صنعوا ، وقال : (يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ) ، أى إلى خالقكم. فقالوا : كيف التوبة يا موسى؟ قال : (فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) يعني يقتل بعضكم بعضا. (ذلِكُمْ) ، أى : المتاب ، (خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ) خالقكم. قالوا : قد فعلنا يا موسى. فأخذ عليهم العهد والميثاق : لتصبرنّ للقتل

__________________

(١) هو من الفعل : حرق يحرق (بضمّ الراء وكسرها) بمعنى برد يبرد. والمحرق المبرد. وفي معاني الفرّاء ج ٢ ص ١٩١ «(لَنُحَرِّقَنَّهُ) لنبردنّه بالحديد بردا ، من حرقته أحرقه وأحرقه لغتان». وفيه «عن الكلبيّ عن أبي صالح أنّ عليّ بن أبي طالب قال : (لَنُحَرِّقَنَّهُ) لنبردنّه. وانظر ابن جنّي ، المحتسب ج ٢ ص ٥٨ ، وانظر اللسان : (برد).

(٢) في اللسان : «الشدخ كسرك الشيء الأجوف كالرأس ونحوه».

١٠٦

ولترضونّ به. قالوا : نعم. قال : فأصبحوا في أفنية بيوتكم ، كلّ بني أب على حدتهم ، ففعلوا. فأمر موسى السبعين الذين لم يكونوا عبدوا العجل من بني إسرائيل أن يأخذوا السيوف ثمّ يقتلون من لقوا. ففعلوا ، فمشوا في العسكر ، فقتلوا من لقوا. فبلغنا ـ والله أعلم ـ أنّ الرجل من بني إسرائيل كان يأتي قومه في أفنية بيوتهم جلوسا فيقول : إنّ هؤلاء إخوانكم أتوكم شاهرين السيوف ، فاتّقوا الله واصبروا ، فلعنة الله على رجل حلّ حبوته ، أو قام من مجلسه ، أو أحدّ إليهم طرفا ، أو اتّقاهم بيد أو رجل ، فيقولون : آمين. فجعلوا يقتلون من لقوا. ثمّ نزلت الرحمة من الله فرفع عنهم السيف وتاب الله عليهم. [وذلك قوله] (١) (فَتابَ عَلَيْكُمْ ، إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ). وكانت قتلاهم ـ فيما بلغنا ، والله أعلم ـ سبعين ألفا.

وقال بعض المفسّرين : أمروا أن ينتحروا بالشّفار. فلمّا بلغ الله فيهم نقمته سقطت الشّفار من أيديهم ، فكان للمقتول شهادة ، وللحيّ توبة.

قوله : (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ) : أى لن نصدّقك. (حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) : أى عيانا (فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) (٥٥) : يعني أنّهم أميتوا عقوبة ثمّ بعثوا ليستكملوا بقيّة آجالهم.

وقال الكلبيّ : بلغني أنّهم هم السبعون الذين اختار موسى من قومه فذهبوا معه إلى حيث كلّمه ربّه ، فقالوا : يا موسى ، لنا عليك حقّ ؛ كنّا أصحابك ، لم نختلف ولم نصنع الذي صنع قومنا ، فأرنا الله جهرة كما رأيته أنت. فقال لهم موسى : ما رأيته ، ولا كانت مسألتي إيّاه أن أنظر إليه بالمجاهرة كما سألتم. وتجلّى للجبل فصار دكّا ، وخررت صعقا ، فلمّا أفقت سألت الله واعترفت بالخطيئة. فقالوا : لن نؤمن لك حتّى نرى الله جهرة ، فأخذتهم الصاعقة فاحترقوا عن آخرهم. فظنّ موسى أنّما احترقوا بخطيئة أصحاب العجل فقال موسى لربّه : (رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ) [الأعراف : ١٥٥]. [(ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٥٦):] فبعثهم الله من بعد موتهم لعلّهم يشكرون. أى : لكي يشكروا الله. فلمّا قدم نبيّ الله المدينة ، فكلّمته اليهود ، ودعاهم إلى الله وإلى كتابه ، فكذّبوه وجحدوه ، أنزل الله (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ

__________________

(١) زيادة يقتضيها السياق.

١٠٧

فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (٧٥) [البقرة : ٧٥]. قال الحسن : هو ما حرّفوا من كلام الله.

قوله : (وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى) : ذكروا أنّ مجاهدا قال : الغمام غير السحاب.

قال الكلبيّ : لّما سلكوا مع موسى أرض التيه والمفاز (١) ظلّل الله عليهم الغمام بالنهار ، يقيهم حرّ الشمس ، وجعل لهم بالليل عمودا من النار يضيء لهم مكان القمر ، وأنزل عليهم المنّ والسلوى.

قال بعضهم : المنّ : صمغة (٢) تسقط عليهم من السماء. وكان ينزل عليهم المنّ في محلّتهم من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس. وكان أشدّ بياضا من الثلج ، وأحلى من العسل ؛ فيأخذ أحدهم ما يكفيه يومه ، وإن تعدّى ذلك فسد ولم يبق عنده. حتّى إذا كان يوم سادسهم ، يعني يوم الجمعة ، أخذوا ما يكفيهم ذلك اليوم ويوم سابعهم ، يعني السبت ، فيبقى عندهم ، لأنّ يوم السبت إنّما كانوا يعبدون الله فيه ، لا يشخصون لشيء من الدنيا ولا يطلبونه. قال : والسلوى السّمانى ، طير (٣) إلى الحمرة كانت تحشرها عليهم الجنوب ، فيذبح الرجل ما يكفيه يومه ، فإن تعدّى ذلك فسد ولم يبق عنده ، إلّا يوم الجمعة فإنّهم كانوا يذبحون ليومهم والسبت.

قوله : (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) : يعني بالطيّبات المنّ والسلوى (وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (٥٧) : أى بمعصيتهم. وقال بعضهم : يضرّون أنفسهم. وقال بعضهم : ينقصون أنفسهم ، وذلك تعدّيهم في المنّ والسلوى.

قوله : (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ) : أى بيت المقدس (فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً) : أى لا حساب عليكم فيه. (وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً) : قال بعضهم : هو باب من

__________________

(١) كذا في المخطوطات ق ع ود : «المفاز» والكلمة صحيحة ، يقال : مفاز ومفازة للبرّيّة القفر ، وجمعها مفاوز.

(٢) كذا في ق وع ود : «صمغة» ولم أجد هذه اللفظة عند المفسّرين واللغويّين إلّا عند مجاهد وهي «ما ينضحه الشجر ويسيل منها» ، وأغلبهم قالوا : هو شيء كالطلّ ينزل من السماء ، وقالوا : هو «الترنجبين». انظر اللسان : (منن) ، وابن قتيبة ، تفسير غريب القرآن ص ٤٩.

(٣) كذا في المخطوطات الثلاث ق ع ود ، وفي ز : «طير إلى الحمرة» أى : يميل لونه إلى الحمرة.

١٠٨

أبواب بيت المقدس (وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ) (٥٨) : فازدحموا على أوراكهم خلافا لأمر الله.

وقال الحسن : رفع لهم باب ، فأمروا أن يسجدوا لله ، يضعوا جباههم ويقولوا حطّة ، وهو كقولك : احطط عنّا خطايانا. وإنّما ارتفعت لأنّها حكاية (١) ، قال : قولوا : كذا وكذا. قال الحسن : فدخلوا وقد حرّفوا وجوههم ، ولم يسجدوا وقالوا : حنطة. وقال بعضهم : بل قالوا حبّة شعيرة.

قال الله : (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً) : [أي : عذابا] (٢) (مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) (٥٩) : قال بعضهم : بلغنا أنّ ذلك العذاب كان الطاعون ، فمات منهم سبعون ألفا.

ذكروا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : الطاعون بقيّة رجز وعذاب عذّب به من كان قبلكم ، فإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها ، وإن وقع بأرض ولستم فيها فلا تقدموا عليها. وذكروا عن النبيّ عليه‌السلام أنّه قال : الطاعون رجز أرسل من قبلكم على بني إسرائيل ، فإذا وقع بأرض فلا تخرجوا فرارا منه ، وإذا سمعتم به في أرض فلا تدخلوا عليه (٣).

وتفسير مجاهد : أمر موسى قومه أن يدخلوا سجّدا ويقولوا حطّة ، وطؤطئ لهم الباب (٤) ليخفضوا رءوسهم فلم يسجدوا ، وقالوا حنطة ، فنتق فوقهم الجبل ، أى : قطع ؛ فجعل فوقهم ،

__________________

(١) قلّما يتعرّض المؤلّف إلى وجوه الإعراب في تفسيره. وذهب هنا في رفع «حطّة» مذهب أبي عبيدة في مجاز القرآن ج ١ ص ٤١ ، على الحكاية. وذهب آخرون إلى النصب ، وبه قرأ بعض القرّاء ، على أنّها مقول القول. والجمهور على أنّها بالرفع على الوجه الأوّل ، أى : على أنّها خبر لمبتدأ محذوف ، أى : هي حطّة ، أو «مسألتنا حطّة» كما قدّرها ابن أبي زمنين في المخطوطة ز ورقة : ١٠ ، والزجّاج في إعراب القرآن ج ١ ص ١٧٢ ، وابن الأنباري في البيان في إعراب غريب القرآن ج ١ ص ٨٢. وانظر معاني الفرّاء ج ١ ص ٣٨.

(٢) زيادة من ز.

(٣) حديث صحيح متّفق عليه. أخرجه البخاري في أبواب منها في كتاب الطبّ ، باب ما يذكر في الطاعون.

وأخرجه مسلم في كتاب السّلام ، باب الطاعون والطيرة والكهانة ونحوها (٢٢١٨). وأخرجه مالك في الموطّأ في كتاب الجامع ، باب ما جاء في الطاعون. كلّهم عن أسامة بن زيد ، وعن عبد الرحمن بن عوف مختصرا. وأخرجه يحيى بن سلّام عن سعد بن مالك ، حسبما ذكره ابن أبي زمنين في المخطوطة ورقة : ١٠.

(٤) في المخطوطات الثلاث : «الجبل» ، وهو خطأ صوابه ما أثبته «الباب». وانظر تفسير الطبري ، ج ٢ ص ١١٤.

١٠٩

وأشرف به عليهم. فدخلوا الباب سجّدا على خوف وأعينهم إلى الجبل ، فرفع عنهم.

وقال الكلبيّ : لّما فصلت بنو إسرائيل من أرض التيه ودخلوا العمران ، وكانوا بجبال أريحا من الأردن قيل لهم : (ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً). وكانت بنو إسرائيل قد أخطأوا خطيئة ، فأحبّ الله أن يستنقذهم منها إن تابوا ، فقيل لهم : إذا انتهيتم إلى باب القرية فاسجدوا ، وقولوا حطّة تحطّ عنكم خطاياكم ، وسنزيد المحسنين الذين لم يكونوا من أهل تلك الخطايا إحسانا إلى إحسانهم. فأمّا المحسنون ففعلوا ما أمروا به ، وأمّا الذين ظلموا فبدّلوا قولا غير الذي قيل لهم فقالوا : حطتا سمقتا بالسريانيّة : أى : حنطة حمراء ، استهزاء وتبديلا لقول الله. قوله : (نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ) أى : من كان محسنا زيد في إحسانه ، ومن كان مخطئا غفرت له خطيئته.

قوله : (وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ) : كان (١) هذا وهم في البرّيّة ، فاشتكوا إلى موسى الظمأ فسقوا من جبل الطور (٢) ، أى : من حجر كان موسى عليه‌السلام يحمله معه ؛ فكانوا إذا نزلوا ضربه موسى بعصاه ، (فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ) أى : لكلّ سبط منهم عين مستفيض ماؤها (٣). وقال الحسن : كانت عصا اعترضها من الشجر.

قوله : (كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) (٦٠) : قال بعض المفسّرين : ولا تسيروا في الأرض مفسدين. وقال الحسن : لا تكونوا في الأرض مفسدين.

قوله : (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) : يعني ب (بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) : المنّ والسلوى.

__________________

(١) في ق وع ود : «قال هذا» ، وهو خطأ.

(٢) كذا في ق وع ود : «فسقوا من جبل الطور». وفي تفسير الطبري ج ٢ ص ١٢٠ : «فأمروا بحجر طوري ـ أى من الطور ـ أن يضربه موسى بعصاه ...». والقول لقتادة.

(٣) في ق وع : «مستقيد ماؤها» وفيه تصحيف. وفي د : «قد علم كل سبط منهم عينا يرد ماءها».

١١٠

قال بعض المفسّرين : لّما أنزل الله عليهم المنّ والسلوى في التيه ملّوه ، وذكروا عيشا كان لهم بمصر ، فقال الله : (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ)؟!. كان قد ظلّل عليهم الغمام وأنزل عليهم المنّ والسلوى فطلبوا الذي هو أدنى ممّا هم فيه. والفوم الحبّ الذي يختبزه الناس (١).

قوله : (اهْبِطُوا مِصْراً) : يعني مصرا من الأمصار. وتفسير الكلبي : اهبطوا مصر ، بغير ألف ، يعني مصر بعينها (فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ) : إن رجعتم إلى مصر ، فكرهوا ذلك. وهي عند الحسن مصر هذه.

قوله : (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ) : يعني بالذلّة الجزية يستذلّون بها. (وَالْمَسْكَنَةُ) : ينبئك اليهوديّ أنّه مسكين. (وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ) : يعني استوجبوا غضبا من الله. (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ) : يقول : بدين الله. وقال بعضهم : كان خروجهم إلى مصر هذه بأمر الله (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ) (٦١).

قوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا) : يعني تهوّدوا (وَالنَّصارى) : يعني تنصّروا. وقال في آية أخرى : (وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى) [المائدة : ١٤] وإنّما سمّوا نصارى لأنّهم كانوا بقرية تسمّى ناصرة (٢) ، في تفسير بعضهم (وَالصَّابِئِينَ) : هم قوم يقرأون الزبور ويعبدون الملائكة. وقال مجاهد : قوم بين اليهود والمجوس ، لا دين لهم. قوله : (مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) : يعني الجنّة عند ربّهم (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) : أى في الآخرة (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٦٢) : أى على الدنيا. يعني من آمن بمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعمل بشرائعه. والإيمان بمحمّد أنّه رسول الله إيمان بالله.

__________________

(١) وفسّره بعضهم بأنّه الثوم ، وهي في قراءة عبد الله بن مسعود بهذا اللفظ ، أى بالثاء. قال الفرّاء في معاني القرآن ج ١ ص ٤١ : «فكأنّه أشبه المعنيين بالصواب ؛ لأنّه مع ما يشاكله من العدس والبصل وشبهه. والعرب تبدل الفاء بالثاء فيقولون : جدث وجدف ، ووقعوا في عاثور شرّ ، وعافور شرّ ، والأثاثي والأثافي ، وسمعت كثيرا من بني أسد يسمّي المغافير المغاثير».

(٢) قال ياقوت الحموىّ في معجم البلدان ج ٥ ص ٢٥١ مايلي : «الناصرة ، فاعلة من النصر : قرية بينها وبين طبريّة ثلاثة عشر ميلا ، فيها كان مولد المسيح عيسى بن مريم عليه‌السلام ، ومنه اشتقّ اسم النصارى».

١١١

قوله : (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ) : والطور الجبل. (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ) : أى ما أعطيناكم (بِقُوَّةٍ) : أى بجدّ. قال بعض المفسّرين : جبل كانوا بأصله ، فاقتلع الجبل من أصله فأشرف عليهم به ، فقال : لتأخذنّ أمري أو لأرمينّكم به. وفي تفسير بعضهم : لأرمينّكم به فلأقتلنّكم. وقد فسّرناه قبل هذا الموضع.

قوله : (وَاذْكُرُوا ما فِيهِ) : أى ما في الكتاب ، يعني التوراة ، أى احفظوا ما فيه [واعملوا به] (١) (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (٦٣) : أى لكي تتّقوا. ففعلوا.

قال : (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) : فنقضتم الميثاق (فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ) : بعد نقض الميثاق الأوّل حين اتّخذوا العجل ثمّ عفا عنهم بالتوبة التي أمرهم أن يقتلوا أنفسهم [بها] (٢) (وَرَحْمَتُهُ) : إذ لم يعجّل عليك بالعذاب (لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٦٤) : أى من المعذّبين.

قوله : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) (٦٥) : قال الكلبيّ : ذكر لنا أنّهم كانوا في زمان داود بأرض يقال لها أيلة (٣) وهو مكان من البحر تجتمع فيه الحيتان في شهر من السنة كهيئة العيد ، تأتيهم فيها حتى لا يروا الماء. وتأتيهم في غير ذلك الشهر كلّ يوم سبت كما تأتيهم في ذلك الشهر. قال بعض أهل التفسير : وذلك بلاء من الله ليعلم من يطيعه ممّن يعصيه. قال الكلبيّ : فإذا جاء السبت لم يمسّوا منها شيئا. فعمد رجال من سفهاء تلك المدينة فأخذوا من الحيتان ليلة السبت (٤) ويوم السبت. فأكثروا منها وملّحوا وباعوا ، ولم تنزل بهم عقوبة فاستبشروا وقالوا : إنّا نرى السبت قد حلّ وذهبت حرمته ، إنّما كان يعاقب به آباؤنا في زمان موسى ، ثمّ استنّ الأبناء سنّة الآباء ، وكانوا يخافون العقوبة ، ولو أنّهم فعلوا لم يضرّهم شيء. فعملوا بذلك حتى أثروا منه ، وتزوّجوا النساء ، واتّخذوا الأموال. فمشى

__________________

(١) انظر سبب نزول هذه الآية وقصّة أصحاب سلمان الفارسيّ وإسلامه هو في تفسير الطبري ج ٢ ص ١٥٠ ـ ١٥٤ ، وفي الدر المنثور للسيوطي ج ١ ص ٧٣.

(٢) زيادة لا بدّ منها يتطلّبها عائد الصلة : «بها» أو «فيها».

(٣) أيلة ، أيلات ، مدينة على بحر القلزم ، البحر الأحمر ، ممّا يلي الشام ، وهي آخر الحجاز وأوّل الشام ، انظر تعريفا بها وافيا في معجم البلدان لياقوت ج ١ ص ٢٩٢.

(٤) كذا في ق وع ود : «ليلة السبت» ، لعلّها «لليلة السبت ويوم السبت». أى ما يكفيهم للّيلة واليوم.

١١٢

إليهم طوائف من صالحيهم فقالوا : يا قوم ، إنّكم قد انتهكتم حرمة سبتكم ، وعصيتم ربّكم ، وخالفتم سنّة نبيّكم ، فانتهوا عن هذا العمل الرديء من قبل أن ينزل بكم العذاب ؛ فإنّا قد علمنا أنّ الله منزل بكم عذابه عاجلا ونقمته. قالوا : فلم تعظوننا إن كنتم علمتم بهذا العمل منذ سنين منّا ، فما زادنا الله به إلّا خيرا ، وإن أطعتمونا لتفعلنّ كالذي فعلنا ؛ لأنّما حرّم هذا على من قبلنا. قالوا لهم : ويلكم لا تغترّوا ولا تأمنوا بأس الله فإنّه كأن قد نزل (١). قالوا : ف (لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً). قال الذين آمنوا : (مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ). إمّا أن تنتهوا فيكون لنا أجر ، وإمّا أن تهلكوا فننجو من معصيتكم. قال الله : (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) (١٦٥) [الأعراف : ١٦٤ ـ ١٦٥] ، يعني فسق الشرك. فأصبح الذين استحلّوا السبت قردة خاسئين (٢). وقال بعضهم : صاروا ثلاث فرق : فرقة اجترأت على المعصية ، وفرقة نهت ، وفرقة كفّت ولم تصنع ما صنعوا ولم تنههم ، فقالوا للذين نهوا : (لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (١٦٤).

قوله : (قِرَدَةً خاسِئِينَ) والخاسئ الذي لا يتكلّم (٣) وقال بعضهم : فصاروا قرودا تعاوى لها أذناب بعد ما كانت رجالا ونساء. وقال الحسن : (خاسِئِينَ) : صاغرين.

قوله : (فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) (٦٦) : الذين بعدهم (٤).

__________________

(١) في ق وع ود : «كأنّه قد نزل» والصواب ما أثبت : «كأن قد نزل».

(٢) في ق وع ود : «وهم قردة خاسئين» كذا ، والصحيح ما أثبت.

(٣) كذا في ق وع ود : «الخاسئ : الذي لا يتكلّم». ولم أجد هذا التفسير لأحد فيما بين يدىّ من كتب اللغة والتفسير اللهمّ إلّا أن يكون معناه : الذي لا يتكلّم من الذلّ والصّغار والإبعاد. وهل يستروح هذا المعنى من قوله تعالى في سورة المؤمنون : ١٠٨ : (قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ)؟.

(٤) سقط تفسير هذه الآية ولا شكّ من ق وع ود. فقد جاء في مخطوطة ز ما يلي : «(فَجَعَلْناها نَكالاً) أى : عبرة (لِما بَيْنَ يَدَيْها) قال قتادة : يعني لما سلف من ذنوبهم قبل أن يصيدوا الحيتان (وَما خَلْفَها) يعني ما بعد تلك الذنوب ، وهو أخذهم الحيتان. قال محمّد : والهاء التي في (فَجَعَلْناها) هي على هذا التأويل الفعلة. وقيل : المعنى جعلنا قرية أهل السبت نكالا لما بين يديها من القرى وما خلفها ليتّعظوا بهم». انظر ابن أبي زمنين مخطوطة ز ورقة ١١. وقال الفرّاء في معاني القران ج ١ ص ٤٣ : «يعني المسخة التي مسخوها جعلت نكالا ـ

١١٣

قوله : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) (٦٧) إلى قوله : (فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (٧٣) [البقرة : ٧٣] أى لكى تعقلوا.

ذكروا عن ابن عبّاس أنّه قال : قتل رجل ابن عمّه فألقاه بين قريتين ، فأعطوه ديتين ، فأبى أن يأخذ. فأتوا موسى ، فأوحى الله إليه أن يذبحوا بقرة فيضربوه ببعضها فشدّدوا فشدّد الله عليهم ، ولو أنّهم اعترضوا البقر أوّل ما أمروا لأجزاهم ذلك ، حتّى أمروا ببقرة (لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها) ، صفراء ، لا فارض ولا بكر ، عوان. الفارض الكبيرة ، والبكر الصغيرة ، والعوان وسط بين ذلك. لا تثير الأرض ولا يسنى عليها (١). فطلبوها أربعين سنة فوجدوها عند رجل بارّ بوالديه ، والبقرة عليها باب مغلق ، فبلغ ثمنها ملء مسكها (٢) دنانير. فذبحت ، فضرب المقتول ببعضها فقام ، فأخبر بقاتله ، ثمّ مات.

وقال بعضهم : هو قتيل كان في بني إسرائيل من عظمائهم ، فتفاقم به الشرّ فأوحى الله إلى موسى أن اذبحوا بقرة واضربوه ببعضها فإنّه يحيى ويخبر بقاتله. ففعلوا فأحياه الله ، فدلّ على قاتله ثمّ مات. وذكر لنا أنّهم ضربوه بفخذها ، وأنّ وليّه الذي كان يطلب دمه هو الذي قتله من أجل ميراث كان بينهم ، فلم يورث بعده قاتل.

وقال الكلبيّ : عمد رجلان أخوان من بني إسرائيل إلى ابن عمّهما ، أخي أبيهما ، فقتلاه ، وكان عقيما ، فأرادا أن يرثاه. وكانت لهما ابنة عمّ شابّة مثلا في بني إسرائيل ، فخافا أن ينكحها ابن عمّهما ، فلذلك قتلاه.

قوله : (قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ) : ذكروا عن الحسن قال : الفارض الهرمة ، والبكر الصغيرة ، والعوان

__________________

ـ لما مضى من الذنوب ، ولما يعمل بعدها ، ليخافوا أن يعملوا بما عمل الذين مسخوا فيمسخوا».

(١) في ق وع : «لا يسقى عليها». وفي د : «لا يسنى عليها» ، وكلاهما صحيح فصيح. ومنه السواني ، وهي جمع سانية للناقة أو البقرة التي يستقى عليها. انظر اللسان : (سنا).

(٢) المسك ، بفتح الميم وإسكان السين هو الجلد ، ويجمع على مسوك.

١١٤

بين ذلك. وقال بعضهم : العوان النصف بين الصغيرة والكبيرة.

قال : (فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ (٦٨) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها) : عن الحسن قال : صافية الصّفرة. قال : (تَسُرُّ النَّاظِرِينَ) (٦٩) : قال بعضهم : تعجب الناظرين.

(قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ) (٧٠) : ذكروا عن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه قال : إنّما أمر القوم بأدنى البقر ، ولكنّهم لّما شدّدوا شدّد الله عليهم ، والذي نفسي بيده لو لم يستثنوا ما بيّنت لهم إلى آخر الأبد (١). قوله : (قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ) : أى : صعبة لا ذلول (تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ) : ذكروا عن ابن عبّاس قال : (لا ذَلُولٌ) : لا يحرث عليها ، (وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ) : أى : لا يسقى عليها. ذكر بعض المفسّرين أنّه قال : شدّدوا فشدّد عليهم ، فكلّفوها وحشيّة.

قوله : (مُسَلَّمَةٌ) : قال : سليمة من العيوب. قال الحسن : مسلّمة القوائم والجسد ، ليس فيها أثر رجل ولا يد للعمل. قوله : (لا شِيَةَ فِيها) : أى : لا بياض فيها. وتفسير مجاهد : لا سواد فيها ولا بياض.

قوله : (قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ) : أى الآن بيّنت. قال الله : (فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) (٧١).

قوله : (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها) : أى تدافعتم ، بعضكم على بعض ، أى : يحيله (٢) بعضهم على بعض (وَاللهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) (٧٢) : وقد فسّرناه في قصّة البقرة. ذكر قصّة البقرة قبل تداريهم في قتل النفس.

قوله : (فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ

__________________

(١) الاستثناء هو قولهم : (وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ). هذا الحديث رواه الحسن عن أبي رافع عن أبي هريرة مرفوعا. وقد شكّ ابن كثير في رفعه وقال فيه : «حديث غريب من هذا الوجه ، وأحسن أحواله أن يكون من كلام أبي هريرة». انظر القول الفصل في تخريج هذا الحديث في كتاب : عمدة التفسير للحافظ ابن كثير ، اختصار وتحقيق : أحمد محمّد شاكر ج ١ ص ١٦٤ ـ ١٦٥. ط دار المعارف بمصر ، ١٣٧٦ ه‍ / ١٩٥٦ م.

(٢) كذا في د : «يحيله» ، وفي ق وع : «يحمله بعضهم على بعض».

١١٥

تَعْقِلُونَ) (٧٣) : أى لكي تعقلوا.

قال بعضهم : (يُرِيكُمْ ، آياتِهِ) : أى : عبرة. وذكروا عن ابن عبّاس في قوله : (اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها) أى : بعضدها. وقال مجاهد : بفخذها. ففعلوا ، فقام فأخبرهم بقاتله ، ثمّ مات.

قوله : (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) : «أو» في هذا الموضع بل ، أى : بل هي أشدّ قسوة. وهو كقوله : (وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) (١٤٧) [الصافات : ١٤٧] أى : بل يزيدون. ثمّ قال : (وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ) : واللام هاهنا صلة (١) أى : من عيونها ما يكثر ماؤه. (وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ) يعني ما يتشقّق فيخرج منه الماء حتّى تجري منه الأنهار ، ومن عيونها ما يقلّ ماؤه. (وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) : واللام هاهنا صلة.

قال الحسن : يعني سجودها. إنّ الجبل يسجد لله ويسبّح ، وإذا قطع منه شيء فالذي قطع لا يسجد ولا يسبّح (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (٧٤) (٢).

وقال بعضهم : (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) ، أى : من بعد ما أراهم الله من إحياء الموتى ومن أمر العجائب فقست قلوبهم من بعد ذلك ؛ فعذر الحجارة ولم يعذر شقيّ ابن آدم فقال : (وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ ...) إلى آخر الآية. (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ).

قوله : (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ) : يقول للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وللمؤمنين أفتطمعون أن يصدّقوكم ، يعني به جماعة اليهود ، وقد قال : (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ) [البقرة : ١٤٥] ، يعنى به جماعتهم ، لأنّ الخاصّة قد تتّبع قبلته. (وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (٧٥) : قال الحسن : التوراة ، حرّفوا كلام الله في محمّد والإسلام (٣) ، يجعلونها قراطيس يبدونها ويخفون كثيرا. وقد

__________________

(١) كذا في المخطوطات الثلاث : «صلة» أى زائدة في اصطلاح قدماء النحاة. والحقّ أنّها ليست كذلك ، فهي لام الابتداء ، وتسمّى اللام المزحلقة ، وتفيد توكيد مضمون الجملة. أمّا إذا قصد المؤلّف بوصفها صلة كونها غير عاملة فنعم. انظر ابن هشام ، مغني اللبيب ج ١ ص ٢٢٨.

(٢) قال مجاهد : «كلّ حجر يتفجّر منه الماء ، أو يشقّ عن ماء ، أو يهبط من جبل ، فمن خشية الله عزوجل» نزل بذلك القرآن. انظر تفسير مجاهد : ٨٠ ، ومخطوطة ابن أبي زمنين ز : ورقة ١٢.

(٣) كذا في ق وع : «في محمد والإسلام» ، وفي د : «في محمّد عليه‌السلام» .. وفي ز جاءت العبارة كالتالي : «قال ـ

١١٦

فسّرنا قول الكلبيّ فيها قبل هذا الموضع. وقول الحسن أحبّ إليّ ، والله أعلم.

قوله : (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا) : وهم اليهود (وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ) : أى بما بيّن الله لكم في كتابكم من بعث محمّد عليه‌السلام. (لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (٧٦) أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ) (٧٧) : ف (ما يسرّون) : ممّا قال اليهود بعضهم لبعض ، (وما يعلنون) : إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنّا. وقال بعضهم : ما يسرّون كفرهم بمحمّد وهم يجدونه مكتوبا عندهم.

وقال مجاهد : هذا حين شتمهم النبيّ وقال : يا إخوة القردة والخنازير (١) قالوا : من حدّثه بهذا؟.

قال الكلبيّ : (قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ) في كتابكم من أمر نبيّهم ثمّ لا تتّبعونهم ولا تدخلون في دينهم؟ فهذه حجّة لهم عليكم ليحاجّوكم بها عند ربّكم. قالوا وهم يتلاومون : (أَفَلا تَعْقِلُونَ)؟!. يقول الله لنبيّه : (أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ). وهذا قول علمائهم ، وهم الذين كتموا وكذبوا فاتّبعتهم السوقة.

يقول الله : (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ) : أى : إلّا أحاديث لا يعلمون إلّا ما حدّثوا (٢). (وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) (٧٨) أى : هم على غير يقين ، أى : إن صدقت قرّاؤهم صدقوا ، وإن كذبت قرّاؤهم كذبوا.

وقال الحسن : (إِلَّا أَمانِيَ) أى : إلّا أن يتمنّوا فيه الكذب من قولهم : (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا

__________________

ـ الحسن : يعني كتاب الله التوراة (ثمّ يحرّفونه من بعد ما عقلوه) حرّفوا ما في التوراة من صفة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ودينه».

(١) قال السيوطي في الدرّ المنثور ج ١ ص ٨١ : «أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال : قام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم قريظة تحت حصونهم فقال : يا إخوان القردة والخنازير ، ويا عبدة الطاغوت ، فقالوا : من أخبر هذا محمّدا؟ ما خرج هذا الأمر إلّا منكم. انظر سيرة ابن هشام ج ٣ ص ٢٣٤ ، ومغازي الواقدي ج ٢ ص ٥٠٠.

(٢) كذا في ق وع ود ، «إلّا ما حدّثوا». وفي ز : «ما يحدّثهم به قرّاؤهم به فيقبلونه».

١١٧

مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) [البقرة : ١١١]. تقول اليهود : نحن الذين يدخلون الجنّة. وقالت النصارى : نحن الذين يدخلون الجنّة. وتمنّوا أيضا (وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً) [البقرة : ٨٠].

وقال بعضهم : (إِلَّا أَمانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) (٧٨) : يقول : لا يعلمون الكتاب ولا يدرون ما فيه إلّا أماني ، يتمنّون على الله ما ليس لهم ، ويظنّون الظنون بغير الحقّ.

قوله : (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً). قال الكلبي : هم أحبار اليهود وعلماؤهم ، عمدوا إلى نعت النبي عليه‌السلام في كتابهم ، فزادوا فيه ونقصوا منه ، ثم أخرجوه إلى سفلتهم فقالوا : هذا نعت النبي الذي يبعثه الله في آخر الزمان ، ليس كنعت هذا الرجل. فلما نظر السفلة إلى محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يروا فيه النعت الذي في كتابهم الذي كتبت أحبارهم. وكانت للأحبار مأكلة ، فقال الله : (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً) أي : تلك المأكلة (فَوَيْلٌ لَهُمْ) في الآخرة (مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) (٧٩).

(وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً) : قال بعض المفسّرين : قالت اليهود : لن يدخلنا الله النار إلّا تحلّة القسم ، عدد الأيّام التي عبدنا فيها العجل ، فإذا انقضت عنّا تلك الأيّام انقطع عنّا العذاب والشرّ.

قال الله للنبيّ عليه‌السلام : (قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) (٨٠) : أى : إنّكم لم تتّخذوا عند الله عهدا وإنّكم لتقولون على الله ما لا تعلمون.

وقوله : (أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً) ، يعني التوحيد (١) وهو مثل قوله : (أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) [سورة ن : ٣٩]. وتفسير ذلك في سورة ن.

ذكروا عن عبادة بن الصامت قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : خمس صلوات كتبهنّ الله على عباده ، من جاء بهنّ تامّة فإنّ له عند الله عهدا أن يدخله الجنّة. وإن لم يجئ بهنّ تامّة فليس له

__________________

(١) يعني هل قلتم لا إله إلّا الله ولم تشركوا ولم تكفروا فتتّخذوا بذلك عهدا عند الله. وهذا رأي لابن عبّاس رواه عنه الضحّاك ، مذكور في تفسير الطبري ج ١ ص ٢٧٩.

١١٨

عند الله عهد ، إن شاء عذّبه وإن شاء رحمه (١).

وتفسير مجاهد : (أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً) أى : موثقا بأنّه كما تقولون : (لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً). وقال الكلبيّ : إنّ اليهود زعمت أنّهم يعذّبون أربعين يوما عدد أيّام العجل الذي عبدوه فيها. فقال الله : (قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ). قال : فإذا أدخلهم الله النار عذّبهم عدد تلك الأيّام لكلّ يوم سنة ، فتلك أربعون سنة ، ثمّ يقال لهم : يا أعداء الله ، هذه الأيّام قد مضت والأجل الذي قلتم وبقي الأبد ، لا تخرجون منها أبدا؟ فعند ذلك انقطع الرجاء ، وأيقنوا بالخلود في النار ، وقيل لهم : (بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً) : يعني الشرك (وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ) : ثمّ مات ولم يتب منه (فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٨١) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (٨٢) أى لا يموتون ولا يخرجون منها أبد الأبد. عن الحسن قال : (بلى من كسب سيّئة) سيّئة الشرك. وأمّا قوله : (قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً) ، إن شاء عذّبه وإن شاء غفر له (٢).

قوله : (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) : قال الحسن : تأمرونهم بما أمرهم الله به ، وتنهونهم عمّا نهاهم الله عنه. قال : قال لهم نبيّهم أمروهم أن يقولوا إن محمّدا رسول الله.

قوله : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ) : أى كفرتم وجحدتم (إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ) : القليل الذين اتّبعوا النبىّ. (وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ) (٨٣) : عمّا جاء به النبىّ ، جاحدون له (٣).

وقوله : (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ

__________________

(١) كذا في ق : «رحمه» وفي ع ود : «غفر له» وفي رواية : «أدخله الجنّة». والحديث صحيح أخرجه أحمد وأبو داود والنسائيّ والبيهقيّ في السنن ، وابن حبّان والحاكم في مستدركه. وأخرجه الربيع بن حبيب في مسنده ج ١ ص ٥٢ (رقم ١٨٩) بألفاظ مماثلة ، إلّا أنّه جاء في آخره : «ومن نقص من حقّهنّ شيئا فله عند الله عهد أن يدخله النار».

(٢) كذا وردت هذه الجملة في المخطوطات الثلاث ، وهي عود على الآية السابقة ويبدو فيها اضطراب ، ولعلّ فيها خرما ، ولم أجد في ز ما يعين على توضيح المقصود.

(٣) كذا في د : «النبيّ» ، وفي ق وع : «النبيّون».

١١٩

دِيارِكُمْ) : [أي لا يخرج بعضكم بعضا]. (ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) (٨٤) : [أنّ هذا حقّ] (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ) : [قيل : أراديا هؤلاء](تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ) : [أي تعاونون عليهم](بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) : [يعني الظلم](وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ) (١).

قال الحسن : فنكثوا ، فجعل يقتل بعضهم بعضا ، ويخرج بعضهم بعضا من ديارهم يظاهرون عليهم بالإثم والعدوان ، وإن أسر من أصحابهم أحد فادوهم. وكان ذلك الفداء مفروضا عليهم ، فاختلفت أحكامهم ، فقال الله : (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ) : أى الفداء (وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) : أى القتل والإخراج من الدور.

قوله : (فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) : قال الكلبيّ : الخزي النفى والقتل. فقتلت قريظة ونفيت النضير ، أخزاهم الله بما صنعوا. وقال الحسن : الخزي الجزية.

قال الله : (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (٨٥) : يعنيهم (٢). وهي تقرأ على ثلاثة أوجه : بالتاء جميعا : تردّون وتعملون ، والوجه الآخر بالياء ؛ يقول للنبيّ : يردّون ويعملون. والوجه الثالث يقوله لهم : (فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ جَميعاً).

قوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ) : قال بعضهم : استحبّوا الحياة الدنيا على الآخرة ؛ استحبّوا قليل الدنيا ، لأنّ ما فيها ذاهب ، على كثير الآخرة الباقي. قال الحسن : اختاروا الحياة الدنيا على الآخرة.

قال : (فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) (٨٦) : أى ليس لهم ناصر ينصرهم

__________________

(١) لم تفسّر هذه الآية في ق ولا في ع ود ، فأثبت ما جاء في ز زيادة بين المعقوفين.

(٢) في ق وع : «يعينهم» ، وفي د : «بغيهم» ، وفي كلتيهما تصحيف ، والصواب ما أثبته إن شاء الله : «يعنيهم» ، أى يقصدهم ، يقصد اليهود الذين كانوا في زمن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهذا على قراءة من قرأ : (وما الله بغافل عمّا تعملون).

١٢٠