تفسير التّستري

أبي محمّد سهل بن عبدالله التستري

تفسير التّستري

المؤلف:

أبي محمّد سهل بن عبدالله التستري


المحقق: محمد باسل عيون السود
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-3631-3
الصفحات: ٢٣٩

السورة التي يذكر فيها البينة

قوله تعالى : (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) [٥] قال : العلم كله في الحركات حتى يصير إلى الإخلاص ، فإذا بلغ إلى الإخلاص صار طمأنينة ، فمن كان علمه يقينا وعمله إخلاصا أذهب الله عنه ثلاثة أشياء ، الجزع والجهل والعمل ، وأعطاه بدل الجزع الصبر ، وبدل الجهل العلم ، وبدل العلم ترك الاختيار ، ولا يكون هذا إلا للمتقين.

قيل : وما الإخلاص؟ قال : الإجابة ، فمن لم تكن له الإجابة فلا إخلاص له.

وقال : الإخلاص على ثلاث معان : إخلاص العبادة لله ، وإخلاص العمل له ، وإخلاص القلب له.

قوله تعالى : (ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) [٨] قال : الخشية سر ، والخشوع علانية ، من خشعت جوارحه لم يقربه الشيطان. قيل : فما الخشوع؟ قال : الوقوف بين يدي الله ، والصبر على ذلك. قال : وكمال الخشية ترك الآثام في السر والعلانية.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

السورة التي يذكر فيها الزلزلة

قوله تعالى : (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً) [٦] قال : يتبع كل أحد ما كان يعتمده ، فمن اعتمد فضل الله اتبع فضله ، ومن اعتمد عمله اتبع عمله ، ومن اعتمد الشفاعة اتبع الشفاعة.

قوله تعالى : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) [٧] قال : لما نزلت هذه الآية خطب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال في خطبته : «ألا وإن الدنيا عرض حاضر ، يأكل منه البر والفاجر ، ألا وإن الآخرة أجل صادق ، يقضي فيها ملك قادر ، ألا وإن الخير كله بحذافيره في الجنة ، ألا وإن الشر كله بحذافيره في النار ، ألا فاعلموا وأنتم من الله على حذر ، واعلموا أنكم معروضون على أعمالكم (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [٧ ـ ٨]» (١).

قال أبو الدرداء رضي الله عنه : إتمام التقوى أن يتقي الله عبده ، حتى يتقيه في مثقال ذرة ، حتى يترك بعض ما يرى أنه حلال ، خشية أن يكون حراما يكون حجابا بينه وبين الحرام (٢).

__________________

(١) الحلية ١ / ٢٦٤ ـ ٢٦٥ ؛ وكتاب الأم ١ / ٢٠٢.

(٢) الزهد لابن مبارك ١ / ١٨.

٢٠١

قال سهل : لا تستصغر شيئا من الذنوب وإن قل ، فإنهم قالوا : أربعة بعد الذنب أشد من الذنب : الإصرار والاستبشار والاستصغار والافتخار.

وقد قال ابن مسعود رضي الله عنهما : إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه في أصل جبل يخاف أن يقع عليه ، وإن الكافر يرى ذنوبه كذبابة وقعت على أنفه فقال هكذا بيده فطارت (١).

ثم قال سهل : معشر المسلمين لقد أعقبتم الإقرار باللسان واليقين في القلب ، أن الله واحد ليس كمثله شيء ، وإن لكم يوما يبعثكم فيه ويسألكم فيه عن مثاقيل الذر من أعمالكم ، فإن كان خيرا أثابكم فيه ، وإن كان شرا عاقبكم عليه إن شاء ، فحققوه بالفعل.

قيل له : وكيف لنا أن نحققه بالفعل؟

قال : بخمسة أشياء لا بد لكم منها : أكل الحلال ، ولبس الحلال ، وحفظ الجوارح ، وأداء الحقوق كما أمرتم به ، وكف الأذى عن المسلمين ، كيلا يذهب بأعمالكم قصاصا في القيامة ، ثم استعينوا على ذلك كله بالله حتى يتمها لكم.

قيل له : فكيف تصح للعبد هذه الأحوال؟

قال : لا بد له من عشرة أشياء يدع منها خمسا ويتمسك بخمس ويدع وساوس العدو ، ويتبع العقل فيما يزجره ، ويدع اهتمامه لأمر الدنيا ويتركها لأهلها ، ويهتم بالآخرة ويعين أهلها ويدع اتباعه الهوى ويتقي الله على كل حال ، ويترك المعصية ويشتغل بالطاعة ، ويدع الجهل والإقامة عليه حتى يحكم عمله ، ويطلب العلم ويعمل به.

قيل له : وكيف لنا أن نقيمها ونعمل بها؟

قال : لا بد من أربعة أشياء : لا يتعب نفسه فيما كان مصيره إلى التراب ، ولا يرغب فيه ، ولا يتخذ إخوانا مصيرهم إلى التراب ، ولا يرغب فيهم.

قيل : كيف ذلك؟

قال : يعلم أنه عبد ، مولاه عالم بحاله ، شاهد ، قادر على فرحه وترحه ، رحيم به (٢).

والله سبحانه وتعالى أعلم.

__________________

(١) سنن الترمذي ٤ / ٦٥٨ (رقم ٢٤٩٢) ؛ وسنن البيهقي الكبرى ١٠ / ١٨٨ ؛ ومسند أحمد ١ / ٣٨٣ ؛ وجامع العلوم والحكم ١ / ١٧٤ ؛ والزهد لابن مبارك ١ / ٢٣ ؛ والزهد لهناد ٢ / ٤٤٨ ؛ وفيض القدير ٢ / ٣٧٢.

(٢) وردت أقوال التستري وما سئل عنه في الحلية ١٠ / ٢٠٨ ـ ٢٠٩.

٢٠٢

السورة التي يذكر فيها العاديات

قوله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) [٦] قال : الكنود الكفور ، وهو الذي خالف العهد وجانب الصدق وألف الهوى ، فحينئذ يؤيسه الله من كل بر وتقوى.

(وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ) [٧] يعني الله شهيد على أفعاله وأحواله وأسراره.

(وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) [٨] قال : الخير المراد هاهنا ثلاث : حب النفس وحب الدنيا وحب الهوى ، فسماها خيرا لتعارف أهلها ، وإنما الخير ثلاث : الاستغناء عن الخلق والافتقار إلى الله عزوجل وأداء الأمر. والله سبحانه وتعالى أعلم.

السورة التي يذكر فيها القارعة

قوله تعالى : (الْقارِعَةُ (١) مَا الْقارِعَةُ) [١ ـ ٢] قال : يقرع الله أعداءه بالعذاب.

(وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ) [٣] تعظيم لها ولشدتها وكل شيء في القرآن ، وما أدراك فإنه لم يخبر به ، كما قال : (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً) [الأحزاب : ٦٣] ولم يخبره بها إلا قوله تعالى : (وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ) [٣] ثم أخبره عنها.

قوله تعالى : (يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ) [٤] يعني يجول بعضهم في بعض من هيبة الله عزوجل. وقيل : القرع ثلاث ، القرع للأبدان بسهام الموت ، وقرع الأعمال بسؤال الله إياهم ، وقرع القلوب بخوف القطيعة.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

السورة التي يذكر فيها التكاثر

قوله تعالى : (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) [٣] قال سهل : سيعلم من أعرض عني أنه لا يجد مثلي ، وأنشد : [من الوافر]

ستذكرني إذا جرّبت غيري

وتعلم أنني كنت لك كنزا

قوله تعالى : (كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ) [٥] قال : اليقين النار ، والإقرار باللسان فتيلة ، والعمل زيته ، وابتداء اليقين بالمكاشفة ، ثم المعاينة ، والمشاهدة.

قوله تعالى : (لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ) [٧] قال : عين اليقين ليس هو من اليقين ، لكنه نفس الشيء وكليته. (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) [٨] قال : لا تأتي على الخلق من الجن والإنس ساعة من ساعات الليل والنهار إلا ولله عليهم فيها حق واجب ، عرفه من عرفه ، وجهله من جهله فيتثبت أحوالهم يوم القيامة ، ثم قرأ : (لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) [٨].

والله سبحانه وتعالى أعلم.

٢٠٣

السورة التي يذكر فيها العصر

قوله تعالى : (وَالْعَصْرِ) [١] قيل : أي ورب الدهر. وقيل : أراد به والعصر.

(إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) [٢] يعني أبا لهب خسر أيامه كلها.

(إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) [٣] يعني أدوا الفرائض كما فرضت عليهم.

(وَتَواصَوْا بِالْحَقِ) [٣] أي بالله عزوجل.

(وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) [٣] على أمره.

قيل : ما الصبر؟ قال : لا عمل أفضل من الصبر ، ولا ثواب أكبر من ثواب الصبر ولا زاد إلا التقوى ، ولا تقوى إلا بالصبر ، ولا معين على الصبر لله إلا الله عزوجل (١).

قيل : الصبر من الأعمال؟ قال : نعم الصبر من العمل بمنزلة الرأس من الجسد ، لا يصلح أحدهما إلا بصاحبه.

قيل : ما أجل الصبر؟ قال : أجله انتظار الفرج من الحق.

قيل : فما أصل الصبر؟ قال : مجاهدة النفس على إقامة الطاعات وأدائها بأحكامها وحدودها ومكابدتها على اجتناب المعاصي صغيرها وكبيرها.

قيل : والناس في الصبر كيف هم؟ قال : الناس في الصبر صنفان : فصنف يصبرون للدنيا حتى ينالوا منها ما تشتهي أنفسهم ، فهو الصبر المذموم ، وصنف يصبرون للآخرة طلبا لثواب الآخرة وخوفا من عذابها.

قيل : فالصبر للآخرة هو على نوع واحد أو على أنواع؟ قال : الصبر للآخرة له أربع مقامات : فثلاث منها فرض ، والرابع فضيلة : صبر على طاعة الله عزوجل وصبر على معصيته وصبر على المصائب من عنده (٢). أو قال : صبر على أمر الله عزوجل ، وصبر على نهيه ، وصبر على أفعال الله عزوجل ، فهذه ثلاث مقامات منه ، وهي فرض ، والمقام الرابع فضيلة وهو الصبر على أفعال المخلوقين. قال الله تعالى : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ) [النحل : ١٢٦] الآية ، كم بالمثل وفضل الصبر ، ثم قال : (وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ) [النحل : ١٢٧] ولا يعين عليه إلا هو.

ولقد لحق رجل بأويس القرني رحمه‌الله فسمعه يقول : اللهم إني أعتذر إليك اليوم من كل كبد جائعة وبدن عاري ، فإنه ليس في بيتي من الطعام إلا ما في بطني ، وليس شيء من الدنيا إلا ما على ظهري. قال : وعلى ظهره خريقة قد تردى بها (٣).

__________________

(١) الحلية ١٠ / ١٩٨ ؛ وطبقات الصوفية ١ / ١٧١ ؛ وسير أعلام النبلاء ١٣ / ٣٣١.

(٢) قوت القلوب ١ / ٣٣١ ، ٣٥١ ـ ٣٥٢ ، وهو قول الحسن البصري.

(٣) شعب الإيمان ١ / ٥٢٤ ؛ وصفوة الصفوة ٣ / ٥٣ ـ ٥٤ ؛ والحلية ٢ / ٨٧ ؛ وسير أعلام النبلاء ٤ / ٣٠.

٢٠٤

قال : وأتاه رجل فقال له : يا أويس كيف أصبحت؟ أو قال : وكيف أمسيت؟ قال : أحمد الله على كل حال ، وما تسأل عن حال رجل إذا هو أصبح ظن أنه لا يمسي ، وإذا أمسى ظن أنه لا يصبح ، إن الموت وذكره لم يدع لمؤمن فرحا ، وإن حق الله عزوجل في مال المسلم لم يدع له في ماله فضة ولا ذهبا ، وإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يدع لمؤمن صديقا ، نأمر بالمعروف فيشتمون أعراضنا ، ويجدون على ذلك من الفاسقين أعوانا ، حتى والله لقد قذفوني بالعظائم ، وأيم الله لا أدع أن أقوم لله فيهم بحقه ، ثم أخذ الطريق (١). فهذا أويس قد بلغ هذا المقام في الصبر. والله سبحانه وتعالى أعلم.

السورة التي يذكر فيها الهمزة

قوله تعالى : (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ) [١] يعني المغتاب إذا غاب الرجل عنه اغتابه.

(لُمَزَةٍ) [١] يعني الطاعن إذا رآه طعن فيه ، نزلت في الوليد بن المغيرة.

(الَّذِي جَمَعَ مالاً وَعَدَّدَهُ) [٢] قال : استعبد ماله لدنياه.

(يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ) [٣] قال : أي أخلده لدار البقاء. وقيل : أخلده من الموت.

قوله تعالى : (نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ) [٦] أي لا تخمد بأكل الجلد واللحم ، حتى يخلص حرها إلى القلوب. والنيران أربعة : نار الشهوة ونار الشقاوة ونار القطيعة ونار المحبة. فنار الشهوة تحرق الطاعات ، ونار الشقاوة تحرق التوحيد ، ونار القطيعة تحرق القلوب ، ونار المحبة تحرق النيران كلها.

ولقد حكي أن علي بن الحسين (٢) رضي الله عنه دخل مغارة مع أصحاب له ، فرأى امرأة في المغارة وحدها ، فقال لها : من أنت؟ قالت : أمة من إماء الله ، إليك عني لا يذهب الحب. فقال لها علي رضي الله عنه : وما الحب؟ قالت : أخفى من أن يرى ، وأبين من أن يخفى ، كمونه في الحشاء ككمون النار في الحجر ، إن قدحته أورى وإن تركته توارى (٣) ، ثم أنشأت تقول : [من البسيط]

إنّ المحبين في شغل لسيّدهم

كفتية الكهف لا يدرون كم لبثوا

__________________

(١) كتاب الزهد الكبير ٢ / ٢١٩ ؛ وصفوة الصفوة ٣ / ٥٣ ؛ وسير أعلام النبلاء ٤ / ٣٠ ، ٣٣.

(٢) علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي (٣٨ ـ ٩٤ ه‍) : يلقب بزين العابدين. أحد من كان يضرب بهم المثل في الحلم والورع. كان يقوت مائة بيت سرا. (الأعلام ٤ / ٢٧٧).

(٣) ذم الهوى ص ٣٤٦ ؛ وربيع الأبرار ٤ / ٢٣ ؛ وتزيين الأسواق ص ٣٠ ؛ ومصارع العشاق ١ / ١٧٥ ، ٢ / ٢١٧ ؛ والظرف والظرفاء ص ١٥٩.

٢٠٥

السورة التي يذكر فيها الفيل

قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ) [١] قال : ألم تعلم كيف فعل ربك بأعدائك وأنت بعد لم تظهر في الدنيا ، كذلك يفعل بأعدائك وأنت بين ظهرانيهم ويرفع عنك مكرهم.

قال عكرمة : قوله تعالى : (طَيْراً أَبابِيلَ) [٣] قال : طير نشأت من قبل البحر ، لها رؤوس كرؤوس الأفاعي (١). وقيل : كرؤوس السباع ، لم تر قبل يومئذ ولا بعده ، فجعلت ترميهم بالحجارة لتجدر جلودهم ، وكان أول يوم رئي فيه الجدري.

السورة التي يذكر فيها قريش

قوله تعالى : (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) [١] قال : يعني لتألف قريش الرحلتين.

(رِحْلَةَ الشِّتاءِ) [٢] إلى الشام. (وَ) رحلة (الصَّيْفِ) [٢] إلى اليمن أهلكنا أصحاب اليمن كذلك ، كأنه يقول للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ذكّر قريشا نعمتي عليهم بك قبل إرسالك إليهم.

(فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ) [٣] يعني مكة.

(الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ) [٤] السنين ، (وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) [٤] النجاشي.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

السورة التي يذكر فيها الدين (الماعون)

قوله تعالى : (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ) [١] قال : أي بالحساب يوم يدان الناس.

(فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ) [٢] أي يدفعه عن حقه.

(وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) [٣] أي لا يطعم مسكينا ، نزلت في العاص بن وائل (٢). (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (٤) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) [٤ ـ ٥] قال : هم المنافقون ، غافلون عن مراعاة أوقات الصلاة ومراعاة حقوقها ، وهذا وعيد شديد ، إذ ليس كل من كان في صورة المطيعين واقفا مع العابدين ، كان مطيعا مقبول العمل. وفي زبور داود عليه‌السلام : قل للذين يحضرون الكنائس بأبدانهم ، ويقفون مواقف العباد وقلوبهم في الدنيا : أبي يستخفون؟ أم إياي يخدعون؟. وفي الخبر : ليس لأحد من صلاته إلا ما عقل (٣).

__________________

(١) في تفسير ابن كثير ٤ / ٥٩٠ : (كرؤوس السباع).

(٢) العاص بن وائل بن هاشم السهمي القرشي (... ـ نحو ٣ ق. ه) : أحد الحكام في الجاهلية. أدرك الإسلام ، وظل على الشرك. وهو والد عمرو بن العاص الصحابي فاتح مصر. (الأعلام ٣ / ٢٤٧).

(٣) قوت القلوب ٢ / ١٦٩ ؛ وفيض القدير ٢ / ٣٣٤.

٢٠٦

قوله تعالى : (الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ) [٦] قال : هو الشرك الخفي ، لأن المنافقين كانوا يحسنون الصلاة في المساجد ، فإذا غابوا عن أعين المسلمين تكاسلوا عنها ، ألا ترى كيف أثبتهم أولا مصلين ، ثم أوعدهم بالوعيد. واعلموا أن الشرك شركان : شرك في ذات الله عزوجل ، وشرك في معاملته ، فالشرك في ذاته غير مغفور ، وأما الشرك في معاملته قال : نحو أن يحج ويصلي ويعلم الناس ، فيثنون عليه ، هذا هو الشرك الخفي. وفي الخبر : أخلصوا أعمالكم لله فإن الله لا يقبل من العمل إلا ما خلص ، ولا تقولوا هذا لله ، وللرحم إذا وصلتموه فإنه للرحم ، وليس منه شيء (١). وقد قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لمعاذ حين قال له : أوصني يا رسول الله ، قال : «أخلص لله يكفيك القليل من العمل» (٢).

قوله تعالى : (وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ) [٧] قال : الماعون متاع البيت. وقيل : هو الزكاة ، وهو المال بلغة الحبش ، والله سبحانه وتعالى أعلم.

السورة التي يذكر فيها الكوثر

قوله تعالى : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) [١] قال : لما مات القاسم بمكة وإبراهيم بالمدينة قالت قريش : أصبح محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبتر ، فغاظه ذلك ، فنزلت : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) [١] نعزيه ونعوضه الكوثر ، وهو الحوض ، تسقي من شئت بإذني ، وتمنع من شئت بإذني. (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢) إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) [٢ ـ ٣] عن خير الدارين أجمع.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

السورة التي يذكر فيها الكافرون

قوله تعالى : (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) [١] قال : إنّما ذكر : (قُلْ) [١] جوابا عن سؤال الكفار إياه : «اعبد إلهنا شهرا فنعبد إلهك سنة». فأنزل الله تعالى هذه السورة عند قولهم ذلك ، (يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) [١] قالوا : ما لك يا محمد. قال : (لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ) [٢] اليوم. (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) [٣] اليوم. (وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ) [٤] في المستقبل. (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) [٥] في المستقبل. (لَكُمْ) [٦] اختياركم ل (دِينُكُمْ وَلِيَ) [٦] اختياري ل (دِينِ) [٦] ، ثم نسختها آية السيف (٣) ، والله سبحانه وتعالى أعلم.

__________________

(١) شعب الإيمان ٥ / ٣٣٦ ؛ والترغيب والترهيب ١ / ٢٣ ؛ والفردوس بمأثور الخطاب ٥ / ٢٧١ ؛ وفيض القدير ١ / ٢١٧ ؛ وجامع العلوم والحكم ص ١٦ ؛ ومجمع الزوائد ١٠ / ٢٢١.

(٢) نوادر الأصول ١ / ٩١ ؛ وشعب الإيمان ٥ / ٣٤٢ ـ ٣٤٣ ؛ والفردوس بمأثور الخطاب ١ / ٤٣٥.

(٣) آية السيف هي الآية الخامسة من سورة التوبة. وهذه الآية قال فيها الضحاك بن مزاحم : (إنها نسخت كل عهد بين النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبين أحد من المشركين ، وكل عقد ، وكل مدة). تفسير ابن كثير ٢ / ٣٥٠.

٢٠٧

السورة التي يذكر فيها النصر

قوله تعالى : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ) [١] قال : إذا جاء نصر الله لدينك والفتح لدينك.

(وَرَأَيْتَ النَّاسَ) [٢] وهم أهل اليمن. (يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً) [٢] زمرا ، القبيلة بأسرها ، والقوم بأجمعهم ، فانصر روحك على نفسك بالتهيؤ للآخرة لأنه منها ، فالنفس تريد الدنيا لأنها منها ، والروح تريد الآخرة لأنه منها ، فانصر على النفس وافتح له باب الآخرة بالتسبيح والاستغفار لأمتك. وكان يستغفر بعد ذلك ويسبح بالغداة مائة مرة ، وبالعشي مائة مرة ، واجتهد في العبادة ليلا ونهارا حتى تورمت قدماه ، واحمرت عيناه ، واصفرت وجنتاه ، وقلّ تبسمه ، وكثر بكاؤه وفكرته.

وقد حكي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : لما نزلت هذه السورة واستبشر بها أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بكى أبو بكر (١) رضي الله عنه بكاء شديدا فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما يبكيك؟ قال : نعيت لك نفسك يا رسول الله. فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : صدقت» ، ثم قال : «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل» (٢) ، وهذا تعليم لأمته بالدين والتسبيح. وقد قال الربيع بن خيثم رحمه‌الله تعالى : أقلوا الكلام إلا من تسع : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، وقراءة القرآن ، وأمر بالمعروف ، ونهي عن المنكر ، ومسألة خير ، وتعوذ من شر (٣).

(إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً) [٣] أي رجاعا يقبل التوبة ، كلما تاب العبد إليه. واعلم أن إلهنا أكرم من أن يكون معك على نفسك ، فإنه قال : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ) [البقرة : ٢٢٢] فإن كنت عليها كان معها بالعفو ، وإن كنت معها على أمر الله ونهيه كان عليك ، فمن وافق أمر الله على هواه كان ناجيا ، ومن وافق هواه على أمر الله كان هالكا ، وإنّ أمر الله تعالى مرّ وهوى النفس حلو ، فما مثالها إلا كالأطعمة اللذيذة قد يحصل فيها الصبر ، والدواء يشرب مع مرارته لما جعل فيه من المنافع. وكان بعض الصالحين يقول : وا سوأتاه ، وإن عفوت. فمنهم من يحذر الرد ، ومنهم من يبكي خجلا ، وإن عفي عنه. والله سبحانه وتعالى أعلم.

__________________

(١) ليس في كتب الحديث ما يشير إلى أن أبا بكر هو من عرف أن في هذه السورة نعي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بل هو ابن عباس. انظر : صحيح البخاري : باب تفسير سورة النصر ، رقم ٤٦٨٥ ـ ٤٦٨٦ ، وباب المناقب ، رقم ٣٤٢٨ ؛ وتحفة الأحوذي ٩ / ٢٠٨.

(٢) صحيح البخاري : باب وضع الماء عند الخلاء ، رقم ١٤٢ ؛ والمستدرك على الصحيحين ، رقم ٢٦٨٠ ؛ ومسند أحمد ١ / ٣٣٥ ؛ ومصنف ابن أبي شيبة ٦ / ٣٨٣ ؛ ومجمع الزوائد ٩ / ٢٧٦ ؛ والمعجم الصغير ١ / ٣٢٧ ؛ والمعجم الكبير ١٠ / ٢٦٣ ، ١١ / ١١٠ ، ١٢ / ٧٠ ؛ والمعجم الأوسط ٤ / ١١٣ ، ٢٧٣.

(٣) الحلية ٢ / ١٠٩.

٢٠٨

السورة التي يذكر فيها المسد

قوله تعالى : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَ) [١] قال : أي خسرت يداه ، (وَتَبَ) [١] أي خسر ، فالخسران الأول خسران المال ، والخسران الآخر خسران النفس ، ومعنى الخسران ما ذكر بعد ذلك ، فقال : (ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ) [٢] في الآخرة ، إذ صار إلى النار (وَما كَسَبَ) [٢] يعني ولده عتبة وعتيبة ومعتب.

وفيها وجه آخر : أن يكون التباب الأول كالدعاء عليه ، والثاني كالإخبار عن وقوع الخسران في سابق التقدير ، وهو جواب عن قول أبي لهب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «تبا لك» (١) حين جمعهم ودعاهم إلى التوحيد ، وأنذرهم العذاب بقوله تعالى : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) [الشعراء : ٢١٤].

قوله تعالى : (سَيَصْلى ناراً) [٣] سيغشى أبو لهب نارا في الآخرة. (ذاتَ لَهَبٍ) [٣] أي ليس لها دخان. (وَامْرَأَتُهُ) [٤] أم جميل. (حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) [٤] قيل النمامة. وقال عكرمة : إنها كانت تحمل الشوك تلقيه على طريق النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. (فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) [٥] أي سلسلة من حديد في النار كحديد البكرة التي تجري فيه ، شهرها بهذه العلامة في جهنم ، كما كانت مشهورة بعداوة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

السورة التي يذكر فيها الإخلاص

سئل سهل عن الإخلاص ، فقال : هو الإفلاس ، يعني من علم أنه مفلس فهو محق. قال : وأبطل الله جميع الكفر والأهواء بهذه الأربع آيات. وإنما سميت سورة الإخلاص لأنها تنزيه الله تعالى عن كل ما لا يليق به.

قوله تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) [١] ليس له كفء ولا مثل.

(اللهُ الصَّمَدُ) [٢] قال : الصمد السيد الذي صمد إليه في الحوائج والعوارض ، ومعناه المصمود إليه. وقال : الصمد الذي لا يحتاج إلى الطعام والشراب.

(لَمْ يَلِدْ) [٣] فيورث. (وَلَمْ يُولَدْ) [٣] فيكون ملكه محدثا. وهو أيضا إثبات الفردانية ، ونفي الأسباب عنه ، ردا على الكفار.

(وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) [٤] معناه : ولم يكن له أحد كفئا على جهة التقديم.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

__________________

(١) صحيح البخاري : كتاب التفسير ، رقم ٤٤٩٢.

٢٠٩

السورة التي يذكر فيها الفلق

قوله تعالى : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) [١] قال : إن الله تعالى أمره في هاتين السورتين بالاعتصام والاستعانة به ، وإظهار الفقر إليه. قيل : ما إظهار الفقر؟ قال : هو الحال بالحال ، لأن الطبع ميت وإظهاره حياته.

وقال : أفضل الطهارة أن يطهر العبد من حوله وقوته ، وكل فعل أو قول لا يقارنه «لا حول ولا قوة إلا بالله» لا يتولاه الله عزوجل ، وكل قول لا يقارنه استثناء عوقب عليه ، وإن كان برا ، وكل مصيبة لا يقارنها استرجاع لم يثبت عليها صاحبها يوم القيامة.

قال : والفلق : الصبح عند ابن عباس رضي الله عنه ، وهو عند الضحاك : واد في النار ، وعند وهب : بيت في النار ، وعند الحسن : جب في النار.

وقيل : أراد به جميع الخلق ، وقيل : هو الصخور تنفلق عن المياه.

(مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ) [٢] من الإنس والجن ، وذلك أن لبيد بن أعصم اليهودي سحر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في بئر بني بياضة ، وكان يسد إليها فاسد إليها فدب فيه السحر ، فاشتد عليه ذلك ، فأنزل الله تعالى المعوذتين ، وأخبره جبريل عليه‌السلام بالسحر ، وأخرج إليها رجلين من أصحابه فأخرجاه من البئر ، وجاءا به إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فجعل يحل عقدة ويقرأ آية ، حتى برىء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد ما ختم السورتين بلا مهلة ، فكان لبيد بعد ذلك يأتي إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فما رأى في وجه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من ذلك شيئا ، ولا ذاكره ذلك (١).

(وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ) [٣] يعني إذا دخل الليل. وقيل : إذا اشتدت ظلمته. وقيل : وقوب الليل في النهار أول الليل ترسل فيه عفاريت الجن فلا يشفى مصاب تلك الساعة.

قال سهل : (وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ) [٣] باطنها الذكر إذا دخله رؤية النفس ، فستر عن الإخلاص لله بالذكر فيه.

(وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ) [٤] أي السواحر تنفث في العقد.

(وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ) [٥] يعني اليهود حسدوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى سحروه.

وقال ابن عباس رضي الله عنهما : في هذه الآية هو نفس ابن آدم.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

__________________

(١) انظر خبر السحر في : صحيح البخاري : باب هل يستخرج السحر ، رقم ٥٤٣٢ ، وباب إن الله يأمر بالعدل ، رقم ٥٧١٦ ، ودلائل النبوة للأصبهاني ١ / ١٧٠ ؛ والسيرة ٣ / ٤٨.

٢١٠

السورة التي يذكر فيها الناس

قوله تعالى : (مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ) [٤] قيل لسهل : ما الوسوسة؟ فقال : كل شيء دون الله تعالى فهو وسوسة ، وإن القلب إذا كان مع الله تعالى فهو قائل عن الله تعالى ، وإذا كان مع غيره فهو قائل مع غيره.

ثم قال : من أراد الدنيا لم ينج من الوسوسة ، ومقام الوسوسة من العبد مقام النفس الأمارة بالسوء ، وهو ذكر الطبع ، فوسوسة العدو في الصدور ، كما قال : (يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (٥) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) [٥ ـ ٦] يعني في صدور الجن والإنس جميعا ، ووسوسة النفس في القلب. قال الله تعالى : (وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) [ق : ١٦] وإن معرفة النفس أخفى من معرفة العدو ، ومعرفة العدو أجلى من معرفة الدنيا ، وأسر العدو معرفته ، فإذا عرفته فقد أسرته ، وإن لم تعرف أنه العدو وأسرك فإنما مثل العبد والعدو والدنيا كمثل الصياد والطير والحبوب ، فالصياد إبليس ، والطير العبد ، والحبوب الدنيا ، وما من نظرة إلا وللشيطان فيها مطمع ، فإن كنت صائما فأردت أن تفطر قال لك : ما يقول الناس ، أنت قد عرفت بالصوم تركت الصيام. فإن قلت : مالي وللناس. قال لك : صدقت أفطر ، فإنهم سيضعون أمرك على الحسبة والإخلاص في فطرك ، وإن كنت عرفت بالعزلة فخرجت. قال : ما يقول الناس ، تركت العزلة. فإن قلت : مالي وللناس. قال : صدقت اخرج فإنهم سيضعون أمرك على الإخلاص والحسبة. وكذلك في كل شيء من أمرك ، يردك إلى الناس حتى كأنه ليأمرك بالتواضع للشهرة عند الناس. ولقد حكي أن رجلا من العباد كان لا يغضب ، فأتاه الشيطان وقال : إنك إن تغضب وتصبر كان أعظم لأجرك. ففطن به العابد فقال : وكيف يجيء الغضب؟ قال : آتيك بشيء فأقول : لمن هو؟ فقل : هو لي ، فأقول : بل هو لي. فأتاه بشيء وقال العابد : هو لي ، فقال الشيطان : لا بل هو لي. فقال العابد : إن كان لك فاذهب به ، ولم يغضب ، فرجع الشيطان خائبا حزينا ، أراد أن يشغل قلبه حتى يصيب منه حاجته ، فعرفه واتقى غروره.

ثم قال سهل : عليك بالإخلاص تسلم من الوسوسة ، وإياك والتدبير فإنه داء النفس ، وعليك بالاقتداء فإنه أساس العمل ، وإياك والعجب فإن أدنى باب منه لم تستتمه حتى تدخل النار ، وعليك بالقنوع والرضا ، فإن العيش فيهما ، وإياك والائتمار على غيرك ، فإنه لينسيك نفسك ، وعليك بالصمت ، فأنت تعرف الأحوال فيه ، وعليك بترك الشهوات تنقطع به عن الدنيا ، وعليك بسهر الليل تموت نفسك من ميلة طبعك وتحيي قلبك ، وإذا صليت فاجعلها

٢١١

وداعا ، وخف الله يؤمنك ، وارجه يؤملك ، واتكل عليه يكفك ، وعليك بالخلوة تنقطع الآفات عنك. ولقد قال ابن عباس رضي الله عنهما : لو لا مخافة الوسواس لرحلت إلى بلاد لا أنيس بها ، وهل يفسد الناس إلا الناس.

ثم قال سهل : مخالطة الولي بالناس ذل ، وتفرده عزّ ، وما رأيت أولياء الله تعالى إلا منفردين ، إن عبد الله بن صالح رحمه‌الله كان رجلا له سابقة جليلة وموهبة جزيلة ، وكان يفرّ من بلد إلى بلد ، حتى يأتي مكة ، فطال بها مقامه ، فقلت له : لقد طال مقامك بها. فقال : ولم لا أقيم بها ، ولم أر بقعة ينزل فيها من الرحمة والبركة مثلها يطوف الملائكة حول البيت غدوا وعشية على صور شتى ، لا يقطعون ذلك ، وإن فيها عجائب كثيرة ، ولو قلت كلما رأيت لصغرت عنه قلوب أقوام ليسوا بمؤمنين. فقلت : أسألك بحق الحق أن تخبرني بشيء من ذلك. فقال : ما من ولي لله تعالى صحّت ولايته إلا وهو يحضر في هذه البلد في كل ليلة جمعة ، ولقد رأيت رجلا يقال له مالك بن القاسم الجبلي رحمه‌الله تعالى ليلة هاهنا ورأيت على يده غمرا فقلت : إنك لقريب العهد بالأكل. فقال : أستغفر الله فإني منذ أسبوع لم أطعم شيئا ، ولكني أطعمت والدتي وأسرعت لأدرك صلاة الفجر هاهنا جماعة ، وبين مكة وبين الموضع الذي جاء منه سبعمائة فرسخ ، فهل أنت مؤمن بذلك؟ فقلت : بلى. فقال : الحمد لله الذي أراني مؤمنا مؤمنا (١).

وقال ابن سالم : كنت عند سهل رحمه‌الله تعالى ، فأتاه رجلان بعد صلاة العصر ، وجعلا يحدثانه ، فقلت في نفسي : لقد أبطأا عنده ، وما أراهما يرجعان في هذا الوقت ، وذهبت إلى منزلي لأهيىء لهما عشاء ، فلما رجعت إليه لم أر عنده أحدا ، فسألت عن حالهما ، فقال : إن أحدهما يصلي المغرب بالمشرق ، والآخر بالمغرب ، وإنما أتياني زائرين.

ولقد دخل سهل على رجل من عباد البصرة ، فرأى عنده بلبلة في قفص ، فقال : لمن هذه البلبلة؟ فقال : لهذا الصبي ، كان ابنا له ، قال : فأخرج سهل من كمه دينار فقال : بني أيما أحب إليك الدينار أم البلبلة؟ فقال : الدينار. فدفع إليه الدينار وأطلق البلبلة. قال : فقعد البلبل على حائط الدار حتى خرج سهل ، فجعل يرفرف فوق رأسه ، حتى دخل سهل داره ، وكان في داره سدرة فسكنت البلبلة السدرة ، فلم تزل فيها حتى مات ، فلما رفعوا جنازته جعلت ترفرف فوق جنازته والناس يبكون ، حتى جاؤوا بها إلى قبره ، فوقفت في ناحية حتى دفن وتفرق الناس عن قبره ، فلم تزل تضطرب على قبره حتى ماتت ، فدفنت بجنبه.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

__________________

(١) صفوة الصفوة ٤ / ٢٥٤ (رقم ٧٨٨).

٢١٢

الفهارس الفنية

فهرس الآيات الشواهد فهرس الأحاديث القدسية................................. ٢١٨

فهرس الأحاديث النبوية....................................................... ٢١٩

فهرس الأقوال والآثار.......................................................... ٢٢٢

فهرس الأعلام................................................................ ٢٢٣

فهرس الأشعار................................................................ ٢٢٦

فهرس المواضع والبلدان......................................................... ٢٢٧

فهرس المصادر والمراجع......................................................... ٢٢٨

فهرس المحتويات............................................................... ٢٣٥

٢١٣
٢١٤

فهرس الآيات الشواهد

السورة

الآية

رقم الصفحة

السورة

الآية

رقم الصفحة

البقرة

١٨

٦٠

النساء

 ٧٦

 ٣٩

البقرة

٢٠

١٧٨

النساء

٧٨

١٥

البقرة

٤٤

١٨٩

النساء

٨٠

١٨ ، ٨٧

البقرة

٥٨

١٠٣

النساء

١٢٥

٣٢

البقرة

١٠٦

٢٨

النساء

١٤٥

٧١

البقرة

١١٥

١٧

المائدة

٥٥

٢٣ ، ٤١

البقرة

١٥٣

٨١

المائدة

٩٥

٣١

البقرة

١٩٦

١٩

المائدة

١١٣

٣٧

البقرة

١٩٧

١٩

المائدة

١١٩

٣٥ ، ٨٩

البقرة

٢٢٢

٢٠٨

الأنعام

٦٠

١٣٣

البقرة

٢٣٧

٢٨

الأنعام

١١٢

٨٩

البقرة

٢٦٩

٤٦

الأنعام

١٢٥

١٩٨

آل عمران

٣١

٧٩

الأعراف

٥

٢٦

آل عمران

٥٥

١٣٣

الأعراف

٢٠

٢٨

آل عمران

٦٦

١٣٦

الأعراف

٢٣

٢٩ ، ٣٠

آل عمران

٩٧

٣٣

الأعراف

٢٩

٤٧

آل عمران

١٠٢

٣٢ ، ٣٤ ، ٣٥

الأعراف

٥٦

١٩

آل عمران

١٥٩

 ١٧٤

الأعراف

١٢٨

١٧

آل عمران

 ١٦٩

 ١٣٤

الأعراف

١٤٣

١٠٠

آل عمران

 ١٨٣

 ٣١

الأعراف

١٥٧

١٨

النساء

 ١

 ١٥١

الأعراف

٢٠١

٤٠

الأنفال

 ٤

 ٧٧

الكهف

٦٥

٤٦

الأنفال

 ٥٨

 ٥٦

الكهف

٧٣

٢٨

٢١٥

السورة

الآية

رقم الصفحة

السورة

الآية

رقم الصفحة

التوبة

٥ ، ١١

٤١

الكهف

٧٩

٤٤

التوبة

٦١

٣٢

مريم

٧٨

٣٩ ، ٤٧

التوبة

٣٣ ، ٩٩

٣٣

طه

١٠ ، ١٢ ،

٣٩

التوبة

١١١

٦٦

طه

٨٨

٢٨

يونس

٢٥

٢٦

طه

٩٨

٤٩

يونس

٩١

٧٦

طه

١١٤

٤٦ ، ٥١

هود

١١

١٥١

الأنبياء

٢٠

١٣٥

يوسف

٥٣

١٨٢

الأنبياء

٣٠

٤٨

يوسف

٧٦

٧٣

الأنبياء

٧٤

٤٣

يوسف

١٠١

١٢٤

الأنبياء

١٠١

٨٩

الرعد

١١

٨ ، ١٦

الأنبياء

١٠٣

١٣٣

الرعد

٣٩

١٢٣ إبراهيم

الأنبياء

١٠٧

٧٦

الحجر

٤٢

٣٩

المؤمنون

١٠٨

٤١

الحجر

٩٩

٧٦

النور

٤٠

١٧ ، ٣٧ ، ٥٠

النحل

٩٠

١٧٤

النور

٥٦

٤١

النحل

١٢٥

٤٢

الفرقان

٣٢

١٨

الإسراء

٢

٥٢

الفرقان

٧٧

١٢٤

الإسراء

٣٦

٨٩

الشعراء

١٩٢ ، ١٩٣

١٦

الإسراء

٤٦

٤٠

الشعراء

١٩٤

١٦

الإسراء

٦١

٤٧

النمل

٨

١٣٩

الكهف

٢٩

١٦

القصص

٢٢

٢٣

الكهف

٦٣

٢٨

القصص

٣٠

٢٥

السجدة

١٤

٢٨

العنكبوت

٤٣

١٩

الأحزاب

٣٤

٤٣

لقمان

٢٢

٣٢

الأحزاب

٤٣ ، ٥٦

٣٣

لقمان

٣٣

١٨٢

فاطر

٦

١٨٢

الفتح

١١

١٦٨

٢١٦

السورة

الآية

رقم الصفحة

السورة

الآية

رقم الصفحة

يس

٥٨

١١٦

ق

١٩

١٨٣

الصافات

١٢

٥٥

ق

٢١

١٩١

الصافات

٢١

٥٣

ق

٣٥

٢٣

الصافات

٢٤

١٨٩

النجم

١٠ ، ١١

٣٩

الصافات

١٦٤

٦٢

النجم

٤٢

٢٦

ص

٢

٤٥

القمر

٥

٤٣

ص

٥

٥٥

الرحمن

٦

١٣١

ص

٢٠

٤٢

الرحمن

٧٤

١٧٩

ص

٢٣

٨٢

الواقعة

١٠ ، ١١

٣٩

ص

٣٢

١٥١

الواقعة

٧٥ ، ٧٦ ، ٧٧

١٨

الزمر

٦٥

١١٦

الحديد

١٢

٦٩

غافر

٤

١٩

المجادلة

٧

٧٥

غار

٨٥

٢٦

المجادلة

١٣

٤١

فصلت

٢٣

١٥٠

الحشر

٧

٨٧

فصلت

٥٣

٣٨

الحشر

٢١

٥٧

الشورى

٣٨

٦٢

التغابن

١١

٣٦

الشورى

٥٢

١٧

التغابن

١٦

٣٤

الزخرف

٣

١٨

الطلاق

١

٣٢

الزخرف

٨٧

٨٣

الجن

١ ، ٢

١٥

الأحقاف

٩

٥٩

الجن

١

٥٥

الأحقاف

٢٩ ، ٣٠

١٥

المزمل

٢٠

٤١

محمد

١١

٢٦

النبأ

١ ، ٢

٣٢

محمد

١٩

٨٧

النازعات

٢٤

٦٩

الانفطار

١

١٨٧

البروج

٢٢

١٨

المطففين

١ ، ٤ ، ٦

٢٠

الأعلى

٦

٢٨

الانشقاق

١

١٨٧

التين

٨

٣٨

البروج

٢١

١٥

العلق

٦ ، ٧

٦٥

البروج

٢٢

١٥

البينة

٥

١٣٠

٢١٧

فهرس الأحاديث القدسية وما أوحى به الله تعالى إلى أنبيائه

أتدري لم ألقيت عليك محبتي ٤٥.

أشكو إليك عبادي يا داود ١٨٩.

اصبر على المئونة تأتك مني المعرفة ٩١.

إن أحببت جعلت أمر أمتك إليك ١٧١.

إنّ أنين المذنبين ٥٣.

إنّ أول من مات من خلقي إبليس ١٧٢.

أنا جليس من ذكرني ١٧ ، ٤٩.

انظر لا أفوتك أنا ٣٧.

تخلّق بأخلاقي فإني أنا الصبور ١٧٤.

حذّر وأنذر أصحابك ٨٨.

رحمتي سبقت عذابي ١٩.

قسمت الصلاة بيني وبين عبدي ٢٣.

قل للذين يحضرون الكنائس ٢٠٦.

قولي الحق وصدق نبيي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ١٥١.

لست هناك يا داود ٥١.

لو سألني هذا الحبشي ١٦٣.

ما ترددت في شيء كترددي ١٣٧.

ما قضيت على مؤمن قضاء ١٣١.

ما من أحد وسعت إليه ١٣١.

ما من عبد آثر هواي ١٦٥.

مزق لي قلبك ولا تمزق ثيابك ٧٨.

من أعرض عنك فرغبه فيّ ٦٣.

من شغله ذكري عن مسألتي ٩٤.

هل من سائل فأعطيه ٤٠.

يا داود من عرفني أرادني ٦١.

٢١٨

فهرس الأحاديث النبوية

أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم ٣٦.

اتقوا فراسة المؤمن ٨٨.

أتاني حبيبي جبريل ٨٩.

أجيعوا أنفسكم وأعروها ٩٨.

أخلص لله يكفيك القليل من العمل ٢٠٧.

احترسوا من الناس بسوء الظن ١٥٠.

إذا دعي أحدكم إلى الطعام ٣٣.

إذا رؤوا ذكر الله ٧٧.

إذا قمت إلى الصلاة فصلّ ١١٣.

إذا قال الإمام ولا الضالين ٢٤.

استقيموا ولن تحصوا ٢٤.

اضمنوا لي ستة أضمن ١١١.

اعبد الله كأنك تراه ١٦١.

أعوذ بك منك ١٥٤.

أقذر المعاصي عند الله ٥٣.

اقرؤوا القرآن بلحون العرب ٢١.

أكذب الحديث الظن ١٤٩.

ألا إن القرآن زهرة ١٨٧.

ألا وإن الساعة قد اقتربت ١٥٨.

٢١٩

إن أحدكم يصلي وليس له ١٤٠.

إن أعدى عدو المرء نفسه ١٤٤.

إن أهل الجنة يحتاجون ٦٠.

إن أولياء الله يخرجون من قبورهم ٨٩.

إن الشيطان ليورد أحدكم ١٠١.

إن قلب المرء مع ماله ١٥٣.

إن الله إذا أراد بوال خيرا ١٣٢.

إن الله أذن لي أن أحدث ١٧٥.

إن الله ليحمي عبده المؤمن ١١٣.

إن الله ينشئ السحاب فينطق ٨٤.

إن للمؤمن في الجنة خيمة ١٥٩.

إن لي مع الله وقتا ١٩٨.

إن مما خلق الله تعالى أرضا ٨٩.

إن من العلم سرا مكنونا ١٧٣.

إن النار لا تمس قلبا وعى القرآن ٤٢.

إن الهوى والشهوة يغلبان ٢٩ ، ١٣٢ ، ١٩٥.

إنه ليغان على قلبي ١٤٥.

أنها لم تحل لأحد قبلي ١٩٤.

إني كنت أنظر إليها في الصلاة ١٨١.

إني لست كأحدكم ٦٩.

انتظار الفرج بالصبر عبادة ٨٣.

أولئك الملأ من قريش ٣٦.

بعثت بمداراة الناس ٧٣.

جبلت القلوب على حب من أحسن إليها ١٠٣.

جدد السفينة فإن البحر عميق ١٢١.

٢٢٠