تفسير التّستري

أبي محمّد سهل بن عبدالله التستري

تفسير التّستري

المؤلف:

أبي محمّد سهل بن عبدالله التستري


المحقق: محمد باسل عيون السود
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-3631-3
الصفحات: ٢٣٩

السورة التي يذكر فيها المدثر

صلى‌الله‌عليه‌وسلم

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ) [١ ـ ٢] قال : يا أيها المستغيث من إعانة نفسك على صدرك وقلبك ، قم بنا وأسقط عنك ما سوانا ، وأنذر عبادنا لأنا قد هيأناك لأشرف المواقف وأعظم المقامات. (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) [٤] قال : أي لا تلبس ثيابك على معصية ، فطهره عن حظوظك واشتمل به ، كما حكت عائشة رضي الله عنها أنها قالت : (كان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خميصة ، فأعطاها أبا الجهم وأخذ إنبجانيته. فقيل : يا رسول الله ، إن الخميصة خير من الإنبجانية. فقال : «إني كنت أنظر إليها في الصلاة») (١).

قوله تعالى : (وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً) [١٢] قال : يعني الوليد بن المغيرة (٢) ، جعلت له الحرص وطول الأمل.

قوله تعالى : (هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) [٥٦] قال : يعني هو أهل أن يتقى فلا يعصى ، وأهل المغفرة لمن يتوب. والتقوى هو ترك كل شيء مذموم ، فهو في الأمر ترك التسويف ، وفي النهي ترك الفكرة ، وفي الآداب مكارم الأخلاق ، وفي الترغيب كتمان السر ، وفي الترهيب اتقاء الوقوف عند الجهل. والتقوى هو التبري من كل شيء سوى الله ، فمن لزم هذه الآداب في التقوى فهو أهل المغفرة. وقد حكي أن رجلا أتى عيسى ابن مريم عليه‌السلام فقال : يا معلم الخير كيف أكون تقيا كما ينبغي؟ قال : بيسير من الأمر ، تحب الله بقلبك كله ، وتعمل بكدحك وقوتك ما استطعت ، وترحم ابن جنسك كما ترحم نفسك. قال : من جنسي يا معلم الخير؟ قال : ولد آدم ، فما لا تحب أن يؤتى إليك فلا تأته إلى أحد (٣).

والله سبحانه وتعالى أعلم.

__________________

(١) مسند أحمد ٦ / ٤٦ ؛ ومسند إسحاق بن راهويه ٢ / ١٣٧.

(٢) الوليد بن المغيرة بن عبد الله المخزومي (٩٥ ق. ه ـ ١ ه‍) : من قضاة العرب في الجاهلية ، ومن زعماء قريش ، ومن زنادقتها. أدرك الإسلام ولم يسلم. (الأعلام ٨ / ١٢٢).

(٣) جامع العلوم والحكم ص ١٨١.

١٨١

السورة التي يذكر فيها القيامة

قرئ على سهل فأقر به ، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : من شاء أن يبصر يوم القيامة فليقرأ سورة القيامة ، وإنما قيامة أحدكم موته.

قوله تعالى : (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ (١) وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) [١ ـ ٢] النفس الأمارة بالسوء هي النفس اللوامة ، وهي قرينة الحرص وطول الأمل. ثم قال : إنما نهاكم الله عن القبول وعن الاغترار بالدنيا وعن مخادعة النفس ، فقال تعالى : (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) [يوسف : ٥٣] وقال : (فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) [لقمان : ٣٣] وقال : (إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ) [فاطر : ٦].

قوله تعالى : (وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) [٩] قال : باطنها القمر نور بصر عين الرأس الذي لنفس الطبع ، والشمس نور بصر القلب الذي لنفس الروح والعقل ، ألا تراه كيف قال : (يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ) [١٠] أي المكذب بيوم القيامة يقول عند جمع النورين : أين المخلص من عذاب الله.

قوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (٢٢) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) [٢٢ ـ ٢٣] قال : من قتله حبه فديته رؤيته. ثم قال : جزاء الأعمال الجنة ، وجزاء التوحيد النظر إلى الحق عزوجل. وحكي عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال : سيروا للبلاء وتجهزوا للفناء واستعدوا للقاء. وكانت رابعة رضي الله عنها تقول : إلهي ، إني أحب الدنيا لأذكرك فيها ، وأحب الآخرة لأراك فيها. إلهي ، كل ساعة تمر علي لا يكون لساني فيها رطبا بذكرك فهي مشؤومة. إلهي ، لا تجمع عليّ أمرين ، فإني لا أطيقهما ، الإحراق بالنار والفراق منك.

قوله تعالى : (كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ) [٢٦] يعني الحلقوم. (وَقِيلَ مَنْ راقٍ) [٢٧] أي : هل من طبيب يداوي؟ وقيل : من يصعد بروح الكافر إلى السماء. (وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ) [٢٨] يقول : وعلم أنه الفراق للدنيا. (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) [٢٩] يقول : أمر الدنيا والآخرة. وقيل : هما ساقاك إذا التفتا في الكفن. وقد حكي أن يعقوب عليه‌السلام لما أتاه البشير قال : ما أذن لي ما آتيتك اليوم ، إلا أن أقول هون الله عليك سكرة الموت.

وقيل للأسود بن يزيد (١) حين احتضر : أبشر بالمغفرة. قال : فأين الحياء ممن كانت المغفرة منه؟.

__________________

(١) الأسود بن يزيد بن قيس النخعي (... ـ ٧٥ ه‍) : تابعي ، فقيه ، من الحفاظ. كان عالم الكوفة في عصره.

(الحلية ٢ / ١٠٢).

١٨٢

وحكي أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لما احتضر جاءت عائشة رضي الله عنها فتمثلت بهذا البيت : [الطويل]

لعمرك ما يغني الثّراء عن الفتى

إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر (١)

فكشف عن وجهه فقال : ليس كذلك ، ولكن قولي : (وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِ) [ق : ١٩] انظروا ثوبي هذين وكفنوني فيهما ، فإن الحي أحوج إلى الجديد من الميت (٢).

والله سبحانه وتعالى أعلم.

السورة التي يذكر فيها الإنسان

قوله تعالى : (إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ) [٥] الآية. قال : الأبرار الذين تخلقوا بخلق من أخلاق العشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالجنة. قيل : فما أول شيء ينبغي من الأخلاق؟ فقال : احتمال المئونة ، والرفق في كل شيء ، والحذر أن لا يميل في رفعه إلى هواه في هذه الخصال اكتساب العقل. ثم لا بد من ثلاثة أخرى فيها اكتساب المعرفة واستعمال العلم والحلم والتواضع ، ثم لا بد من ثلاثة أخرى فيها أحكام التعبد السكينة والوقار والإنصاف. وقال : من كان فيه ثلاث خصال لم يأكل التراب جسده ، كف الأذى عن الناس ، ثم احتمال أذاهم ، ثم اصطناع المعروف معهم. (وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً) [٧] قال : البلايا والشدائد في الآخرة عامة ، والسلامة منها خاص الخاص.

قوله تعالى : (وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً) [١١] قال : نضرة في الوجوه وسرورا في القلب.

قوله تعالى : (عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً) [١٨] وقال : حكي عن المسيب أنه قال : هي عين يمين العرش من قصب من ياقوت. قال سهل : نبه الله به عباده المؤمنين ، ثم قال : سلوا ربكم السبيل إلى هذه العين.

قوله تعالى : (وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً) [٢١] قال سهل : نهى الله عباده عن نجاسة خمور الدنيا بما فرق بين الطاهر والطهور ، وبين خمور الجنة وخمور الدنيا نجاسة ، فإن خمور الدنيا نجسة تنجس شاربها بالآثام ، وخمور الجنة طهور تطهر شاربها من كل دنس ، وتصلحه لمجلس القدس ومشهد العز. وصلى سهل صلاة العتمة فقرأ قوله تعالى : (وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً) [٢١] فجعل يحرك فاه كأنما يمص شيئا ، فلما فرغ من صلاته قيل له : أتشرب في الصلاة؟ فقال : والله لو لم أجد لذته عند قراءته كأني عند شربه به ما فعلت ذلك.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

__________________

(١) البيت لحاتم الطائي في ديوانه ص ١٩٩.

(٢) تفسير القرطبي ١٧ / ١٢ ـ ١٣ ؛ والكامل في التاريخ ٢ / ٢٧٠.

١٨٣

السورة التي يذكر فيها المرسلات

قوله تعالى : (وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً) [١] يعني الملائكة أرسلوا بالمعروف من أمره. قال : وباطنها أرواح المؤمنين ترسل إلهاما موافقا للكتاب والسنة.

(وَالنَّاشِراتِ نَشْراً) [٣] ما يطهر الأعمال الصالحة منها.

(فَالْفارِقاتِ فَرْقاً) [٤] بين الحق والباطل والسنة والبدعة.

(فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً) [٥] وهو الوحي إلهاما يلقيه نفس الروح والعقل والقلب على نفس الطبع وهو الذكر الخفي.

(عُذْراً أَوْ نُذْراً) [٦] عذر الله تعالى من الظلم على ما خالف به الكتاب والسنة أو نذرا لخلقه من عذابه فأقسم الله تعالى بها على كون القيامة.

قوله تعالى : (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) [١٥] قال : الويل يومئذ لمن ادعى من غير حقيقة ، فكذبته دعواه على رؤوس الأشهاد ، وذلك حين الافتضاح.

قوله تعالى : (هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ) [٣٥] قال : لا ينطق أحد عن نفسه بحجة ، إلا بإظهار العجز والعبودية والتزام المخالفات والجرائم.

قوله تعالى : (كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ) [٤٦] قال : من كانت همته بطنه وفرجه فقد أظهر خسارته ، قال الله تعالى : (كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ) [٤٦].

والله سبحانه وتعالى أعلم.

١٨٤

السورة التي يذكر فيها النبأ

قوله تعالى : (وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً) [١١] أي أنوار القلوب وتنويرها بذكرنا معاشا لنفس الروح والعقل ، مثل عيش الملائكة ، فأما العيش الآخر فهو طريق العوام. ثم قال : ليس من أخلاق المؤمن التذلل عند الفاقة ، وقبيح بالفقراء يلبسون الخلقان وهموم الأرزاق في قلوبهم ، وإنما أصل هذه الأمور ثلاث : السكون إلى الله جل وعز ، والهرب من الخلق ، وقلة الأذى. ولقد كان عامر بن عبد قيس يقول إذا أصبح : اللهم إن الناس قد انتشروا لحوائجهم ، وإن حاجتي أن تغفر لي (١).

قوله عزوجل : (جَزاءً وِفاقاً) [٢٦] قال : وافق عذاب النار الشرك لأنهما عظيمان ، فلا عذاب أعظم من الشرك.

قوله تعالى : (وَكَواعِبَ أَتْراباً) [٣٣] قال : يعني الجواري القينات أترابا مستويات على ميلاد واحد.

قوله تعالى : (وَكَأْساً دِهاقاً) [٣٤] أي مملوءة متتابعة. ولقي حكيما حكيم بالموصل فقال : تشتاق إلى الحور العين؟ فقال : ألا أشتاق إليهن ، فإن نور وجوههن من نور الله تعالى عزوجل ، فغشي عليه ، فحمل إلى منزله ، فكان الناس يعودونه شهرا. وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما : لو أن جارية منهن بصقت في سبعة أبحر ، لكانت الأبحر أحلى من العسل (٢).

والله سبحانه وتعالى أعلم.

__________________

(١) كتاب الزهد لابن أبي عاصم ص ٢٢٥.

(٢) الترغيب والترهيب ٤ / ٢٩٩ (رقم ٥٧١٧).

١٨٥

السورة التي يذكر فيها الحافرة (النازعات)

قوله تعالى : (فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً) [٤] قال : يعني أرواح المؤمنين سبقت بالخير والموافقة ؛ فسبقت إلى ملك الموت بالإجابة ، شوقا إلى ربها ؛ فخرجت في أطيب ريح وأكمل سرور.

قوله تعالى : (إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً) [١٦] قال : جوّع موسى نفسه طاويا عابدا لله تعالى ، ثم ناداه ربه ليكون إليه أبلغ.

قوله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ طَغى (٣٧) وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا) [٣٧ ـ ٣٨] أي قال : جحد حقوق الله وكفر نعمته ، وآثر الحياة الدنيا اتباعا في طلب الشهوات ومتابعة المراد ، ثم قال : ما طلعت شمس ولا غربت على أحد إلا وهو جاهل ، إلا من يؤثر الله تعالى على نفسه وروحه ودنياه وآخرته. قيل : ما علامة بغض الدنيا؟ قال : أن تهون عليه المصائب ، حتى نفسه وولده ، كما قال مسلم بن يسار (١) حين مات ولده : يا بني ، شغلني الحزن لك عن الحزن عليك ، اللهم إني قد جعلت ثوابك لي عليه له (٢) ، والثاني يهون عليه نعيم الدنيا ولو روحه ، والثالث لا يكون شيء أقرب إليه من الله عزوجل ، كقول عامر بن عبد القيس : ما نظرت إلى شيء إلا رأيت الله أقرب إليه مني (٣).

قوله تعالى : (وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى) [٤٠] قال : لا يسلم من الهوى إلا نبي وبعض الصديقين ليس كلهم ، وإنما يسلم من الهوى من ألزم نفسه الأدب ، وليس يصفو الأدب إلا للأنبياء عليهم الصلاة والسلام وبعض الصديقين ، وكذلك الأخلاق. وخرج ابن السماك (٤) يوما إلى أصحابه وقد اجتمعوا إليه فقال لهم : قد كثرت عظاتي لكم ، تريدون دوائي لكم ، قالوا : نعم. قال : خالفوا أهواءكم ، والله سبحانه وتعالى أعلم.

__________________

(١) مسلم بن يسار الأموي بالولاء (... ـ ١٠٨ ه‍) : فقيه ، ناسك ، من رجال الحديث. أصله من مكة. سكن البصرة ، فكان مفتيها ، وتوفي فيها. (الحلية ٢ / ٢٩٠).

(٢) نسب هذا القول إلى عمر بن ذر لما دفن ابنه ذر بن عمر ، انظر قوله في الحلية ٥ / ١٠٨ ـ ١٠٩ ؛ وتهذيب الكمال ٢١ / ٣٣٨.

(٣) نوادر الأصول ٤ / ٧٤ ، وفيه (منه) مكان (إليه مني) ، وفيه أيضا أن محمد بن واسع قال : (ما نظرت إلى شيء إلا رأيت الله فيه).

(٤) محمد بن صبيح بن السماك (... ـ ١٨٣ ه‍) : الواعظ ، الكوفي. كان في زمن هارون الرشيد. روى عنه الأعمش ، وروى عنه الإمام أحمد. (الحلية ٨ / ٢٠٣ ؛ وسير أعلام النبلاء ٨ / ٣٢٨).

١٨٦

السورة التي يذكر فيها عبس

قوله تعالى : (ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ) [٢١] قال : باطنها أمات منه حظوظ نفسه من الشهوة ، فأقبره في نفسه ، (ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ) [٢٢] قرينا بالحكمة ، مشاهدا لله منقطعا عمن سواه.

قوله تعالى : (أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا) [٢٥] قال : صب من لطف معانيه ماء (ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ) [٢٦] وهو القلب (شَقًّا) [٢٦] ، فأنبت فيها من ألوان الزهرة روحا وعقلا وإيمانا ومعرفة ، كما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ألا إن القرآن زهرة في القلوب ، ألا وإن الإيمان يزرع في القلب الغنى ، كما يزرع المطر الزهرات ، ألا وإن الشح يزرع في القلب النفاق ، كما يزرع الندى العشب».

قوله عزوجل : (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ) [٣٤] هابيل من قابيل ، وسيدنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم من عمه ، وإبراهيم من أبيه ، ولوط عليه‌السلام من امرأته ، ونوح من ولده. (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) [٣٧] يشغله عن الناس كافة ، إلا عن نفسه. والله سبحانه وتعالى أعلم.

السورة التي يذكر فيها التكوير

قال سهل : حكى محمد بن سوار عن ابن عمر رضي الله عنهم عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «من أراد أن ينظر إلى القيامة رأي العين فليقرأ : (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) [١] ، و (إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ) [الانفطار : ١] ، و (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) [الانشقاق : ١]».

قوله تعالى : (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ) [١٤] أيقنت كل نفس أن ما اجتهدت فيه لا يصلح لذلك المشهد ، وأن من أكرم بخلع الفضل نجا ، ومن قرن بجزاء أعماله خاب.

قوله تعالى : (وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ) [٧] قيل : زوجت نفوس المؤمنين بالحور العين ، وزوجت نفوس الكفار بالشياطين ، قد قرن بين الكافر والشيطان في سلسلة واحدة. وفي الآية تحذير من قرناء السوء. قال سهل : قرن بين نفس الطبع ونفس الروح ، فامتزجا في نعيم الجنة ، كما كانا في الدنيا مؤتلفين على إدامة الذكر وإقامة الشكر.

قوله تعالى : (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ) [٢٦] عن كتابه بعد البيان الذي أتاكم. (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) [٢٧] قال : ذكر هذا خصوص لمن كان من العالمين عالما بالذكر منقادا للشريعة ، ألا ترى كيف قال الله تعالى : (لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) [٢٨] على الطرق إليه بالإيمان به ، ولا تصح لكم تلك الاستقامة في الأصل والفرع إلا بمشيئتي السابقة فيكم.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

١٨٧

السورة التي يذكر فيها الانفطار

قوله تعالى : (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ) [٥] أي ما قدمت من خير أو شر ، وأخرت من سيئة سنتها واقتدى بها فيها.

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) [٦] قال : أي ما غرك بدونه فقطعك عنه مع لطفه وكرمه.

قيل له : ما القاطع؟ قال : العبد لله والله لعبده ، وليس شيء أقرب إليه من قلب المؤمن ، فإذا حضر الغير فيه فهو الحجاب ، ومن نظر إلى الله بقلبه بعد عن كل شيء دونه ، ومن طلب مرضاته أرضاه بحلمه ، ومن أسلم إلى الله تعالى قلبه تولى جوارحه فاستقامت ، وإنما شهدت قلوبهم على قدر ما حفظوا من الجوارح.

ثم قال : ألزموا قلوبكم ، نحن مخلوقون وخالقنا معنا ، ولا تملوا من أعمالكم ، فإن الله شاهدكم حيثما كنتم ، وأنزلوا به حاجاتكم ، وموتوا على بابه ، وقولوا : نحن جهال وعالمنا معنا ، ونحن ضعفاء ومقوينا معنا ، ونحن عاجزون وقادرنا معنا ، فإن من لزمها كان الهواء والفضاء والأرض والسماء عنده سواء.

وقال عمر بن واصل تلميذ سهل : إذا قرأ هذه الآية قال : غرني الجهل بترك العصمة منك.

قوله عزوجل : (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ) [١٣] قال : نعيم الخاص من عباده ، وهم الأبرار ، لقاؤه ومشاهدته ، كما كان نعيمهم في الدنيا مشاهدته وقربه.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

١٨٨

السورة التي يذكر فيها المطففون

قوله تعالى : (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) [١] قال : هم المنافقون ومن تخلق بأخلاقهم ، يطففون في صلاتهم ، كما قال سليمان رضي الله عنه : الصلاة مكيال ، فمن وفى وفي له ، ومن طفف فقد علمتم ما قال الله تعالى في حق المطففين : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) [البقرة : ٤٤] وتغمزونهم على ما عثروا عليه من عيوب الناس ، وترتكبون مثلها وأفظع منها (١). ولا يطلع على عثرات الخلق إلا مخطئ جاهل ، ولا يهتك سر ما اطلع عليه إلا ملعون (٢). ولقد حكي أن الله تعالى أوحى إلى داود عليه‌السلام : أشكو إليك عبادي يا داود. فقال : ولم يا رب؟ قال : لأنهم يذنبون في السر ويتوبون في العلانية ، وإني لا أريد أن يطلع غيري على ذنب عبدي. وقال عمر ابن واصل : سألت سهلا عن قوله تعالى : (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) [١٥] قال : هم في الدنيا محجوبون عن الآمر والزاجر ، كما روي في الخبر : طوبى لمن كان له من قلبه واعظ ، ومن قلبه زاجر ، فإذا أراد الله فيه أمرا غيب معناه عنه ، وهم في الآخرة محجوبون عن الرحمة ، والنظر إلى الله عزوجل ، وعن نظره إليهم بالرضا والرضوان عند مناقشته إياهم ، كما قال : (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) [الصافات : ٢٤] عن الدنيا فتلزمهم الحجة فيدخلهم النار ، ثم يفتح للمؤمنين مناظر إليهم فينظرون إليهم وهم يحرقون بالنار ، ويعذبون بألوان عذابها ، فتقر أعينهم فيضحكون منهم ، كما ضحكوا في الدنيا من المؤمنين ، ثم تسد المناظر ، وتطبق عليهم ، فعند ذلك بمحو الله أسماءهم ، ويخرج ذكرهم من قلوب المؤمنين ويقول : (هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ) [٣٦] وفيها دلالة بينة على إثبات الرؤية للمؤمنين خاصة.

قوله تعالى : (كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ) [١٨] قال : الكتاب ظاهره في الآيتين جميعا أعمال الخير والشر ، وباطنه أرواح المؤمنين وأرواح الكافرين ، تجمع أرواح المؤمنين عند سدرة المنتهى ، في حواصل طير خضر ترتع في الجنة إلى يوم القيامة ، مرقوم بالرضا والرضوان ، وتجمع أرواح الكفار في سجّين تحت الأرض السفلى ، تحت خد إبليس لعنه الله ، مرقوم بالعداوة والبغضاء.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

__________________

(١) سنن البيهقي الكبرى ٢ / ٢٩١ (رقم ٣٤٠١) ؛ ومصنف ابن أبي شيبة ١ / ٢٥٩ (رقم ٢٩٧٩) ؛ وشعب الإيمان ٣ / ١٤٧ (٣١٥٠).

(٢) الحلية ١٠ / ١٩٩.

١٨٩

السورة التي يذكر فيها الانشقاق

قوله تعالى : (وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ) [٢] أي سمعت لربها وأجابت بالامتثال بأمره وحق لها أن تفعل.

(يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً) [٦] أي ساع بعملك إلى ربك سعيا (فَمُلاقِيهِ) [٦] بسعيك فانظر في سعيك يصلح للجنة ولقربه أم للنار وبعده. وقد قال عمارة ابن زاذان (١) : قال لي كهمس : يا أبا سلمة أذنبت ذنبا فأنا أبكي عليه منذ أربعين سنة. قلت : ما هو يا أبا عبد الله؟ قال : زارني أخ لي فاشتريت له سمكا مشويا بدانق ، فلما أكل قمت إلى حائط جاري ، فأخذت منه قطعة ، فغسل بها يده ، فأنا أبكي عليه منذ أربعين سنة (٢).

قوله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ (٧) فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً) [٧ ـ ٨] أي نغفر ذنوبه فلا نحاسبه بها ، كما روي في الخبر أن الله تعالى إذا أراد أن يستر على عبد يوم القيامة أراه ذنوبه فيما بينه وبينه ، ثم غفرها له.

(وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً) [٩] في الجنة بتحقيق ميعاد اللقاء ، وبما نال من الرضا. واعلم أن الله له عباد لا يوقفون مواقفة ، ولا يحسون بهول من أهوال يوم القيامة من الحساب والسؤال والصراط ، لأنهم له وبه ، لا يعرفون شيئا سواه ، ولا لهم دونه اختيار.

قوله عزوجل : (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) [١٩] قال : باطنها لترفعن درجة فوق درجة في الجنة ، ولتحولن من حال إلى حال أشرف منها وأسر ، كما كنتم في الدنيا ترفعون من درجة إلى درجة أعلى منها ، من طمع وخوف وشوق ومحبة.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

__________________

(١) عمارة بن زاذان الصيدلاني ، أبو سلمة البصري : روى عن الحسن البصري ومكحول. (تهذيب التهذيب ٧ / ٣٦٥).

(٢) الحلية ٦ / ٢١١.

١٩٠

السورة التي يذكر فيها البروج

قوله تعالى : (وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) [٣] قال : قيل الشاهد الملك ، كما قال : (سائِقٌ وَشَهِيدٌ) [ق : ٢١] ، والمشهود يوم القيامة ، وذلك يوم القيامة ، فقال ابن عباس رضي الله عنهما : الشاهد محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والمشهود القرآن. وقيل : المشهود الإنسان. وقال سهل : الشاهد نفس الروح ، والمشهود نفس الطبع ، لأن نفس الطبع مع فهم العقل وفطنة القلب على كل واحد منهما شاهد ، والله على الكل شهيد.

قوله عزوجل : (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ) [١٤] يعني الغفور للمذنبين ، الودود للمغفرة ، المتودد المتحبب إلى عباده ، بما أولاهم من سابغ نعمه ، وجميل آلائه وإحسانه.

قوله تعالى : (فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) [٢٢] قال : المحفوظ صدر المؤمن ، محفوظ عليه أن يناله غير أهله ، لأن أهل القرآن هم أهل الله وخاصته ، والله سبحانه وتعالى أعلم.

السورة التي يذكر فيها الطارق

قوله تعالى : (وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ) [١] قال : السماء في اللغة السمو والعلو ، فباطنها روح محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم قائم عند رب العزة والطارق. (النَّجْمُ الثَّاقِبُ) [٣] وهو قلبه ، يعني مشرق بتوحيد الله وتنزيهه ومداومة الأذكار ومشاهدة الجبار. وقال مرة أخرى : الثاقب قلب المؤمن ، يعني مشرق مطهر عن كل شك وريب جرت عليه من وساوس العدو ونفس الطبع.

قوله تعالى : (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) [٤] أي على نفس الطبع حافظ من عصمة الله.

قوله تعالى : (يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ (٩) فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ) [٩ ـ ١٠] قال : أي يكشف عن النيات التي بها تعبدهم الله فيما فرض عليهم ونهاهم عنه ، فإن أعمال العباد يوم القيامة موقوفة على مقاصدهم. ولقد كان الربيع يقول : السرائر التي تخفى على الناس ، وهي لله بواد ، التمسوا دواءهن. ثم يقول : وما دواؤهن؟ هو أن يتوب ثم لا يعود (١). ثم قال سهل : آلة الفقير ثلاثة أشياء : أداء فرضه وصيانة فقره وحفظ سره.

قوله تعالى : (وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ) [١١] قال : ظاهرها ذات الرجع بالمطر بعد المطر. (وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ) [١٢] بالنبات ، وباطنها القلب يرجع بالندم بعد الذنب ، (وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ) [١٢] الأرض تنصدع من الموافقات بالأفعال والأقوال.

قوله تعالى : (وَأَكِيدُ كَيْداً) [١٦] قال : كيده بهم في الدنيا الاستدراج والاغترار ، وبالآخرة الحسرة عند نظرهم إلى إكرام الموحدين وإعزازهم ، والله سبحانه وتعالى أعلم.

__________________

(١) شعب الإيمان ٥ / ٤٥٩ (رقم ٧٢٨٢) ؛ وسير أعلام النبلاء ٤ / ٢٥٩.

١٩١

السورة التي يذكر فيها الأعلى جلّ وعلا

قوله تعالى : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) [١] قال : هو تنزيهه عن الأضداد والأنداد في الظاهر ، وفي الباطن مشاهدته بالذكر في الصلاة دون مشاهدة غيره.

قوله تعالى : (قَدَّرَ فَهَدى) [٣] قال : قدر عليهم الشقاوة والسعادة ، ثم تولى أهل السعادة ، ووكل أهل الشقاوة إلى أنفسهم ، قال : والهدى هدايان : أحدهما البيان ، والآخر التولي من الله تعالى ، ألا ترون كيف يهتدي إلى سبب معاشه إلى ثدي أمه لتولي الله إياه وإلهامه إياه.

قوله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) [١٤] قال : أي فاز وسعد من اتقى الله في السر والعلانية.

قوله تعالى : (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا) [١٦] قال : ما ينبغي للمؤمن أن يكون في الدنيا إلا كمثل رجل ركب خشبة في البحر ، وهو يقول : يا رب يا رب ، لعل أن ينجيه منها ، وما من عبد مؤمن زهد في الدنيا إلا وكّل الله به ملكا حكيما يغرس في قلبه أنواع الحكم ، كما يغرس أهل الدنيا في بساتينهم من طرف الأشجار ، والله سبحانه وتعالى أعلم.

السورة التي يذكر فيها الغاشية

قوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ) [٢] أي ذليلة ، لأن الله تعالى أمرها أن تخشع وتذل وتفتقر إليه في الدنيا ، فلم تفعل ، فأذلها في الآخرة بالذلة الباقية.

قوله تعالى : (عامِلَةٌ ناصِبَةٌ) [٣] أي عاملة في الدنيا بأنواع البدع والضلالات ، ناصبة في الآخرة بالعذاب في الدركات. (تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ) [٥] أي من عين صديد قد تناهى حرها كما قال : «حميم» أي قد بلغ في الحر منتهاه.

قوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ) [٨] أي نعمة وكرامة. (لِسَعْيِها راضِيَةٌ) [٩] في الآخرة.

قوله تعالى : (فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ) [١٢] أي مطردة في عين أخدود. (فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ) [١٣] يعني الفرش مرفوعة ، على كل سرير سبعون فراشا ، كل فراش في ارتفاع غرفة من غرف الدنيا. قال سهل : ذكر الله تعالى هذه النعم ليرغبهم فيها ، ويحذرهم عقوبته على قدر سلطانه ، وكرامته على قدر عظيم شأنه وسلطانه ، فلم ينجع ذلك في قلوب كفار مكة فذكر قدرته كي يعتبروا ، فقال تعالى : (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) [١٧] وهو في الباطن أمر للمؤمنين بالتذلل والافتقار إليه ، فقال : انظروا إلى الإبل كيف خلقت ، مع خلقتها وقوتها كيف تنقاد لصبي يقودها فلا يكون لها تحير ولا لها دونها اختيار ، فلا تعجز أن تكون لربك كالإبل لصاحبها ، ولهذا قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كن لربك كالجمل الأنف» (١) ، يعني المطاوع ، والله سبحانه وتعالى أعلم.

__________________

(١) في المستدرك على الصحيحين ١ / ١٣٠ : (إن المؤمن كالجمل الأنف ، حيثما انقيد انقاد).

١٩٢

السورة التي يذكر فيها الفجر

قوله تعالى : (وَالْفَجْرِ) [١] قال : ظاهرها الفجر الصبح.

(وَلَيالٍ عَشْرٍ) [٢] قال : يعني عشر ذي الحجة وهي الأيام المعلومات.

(وَالشَّفْعِ) [٣] آدم وحواء وقيل جميع ما خلق الله من الأضداد ، الليل والنهار والنور والظلمة والموت والحياة. (وَالْوَتْرِ) [٣] هو الله تعالى.

(وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) [٤] ليلة الجمع تذهب بما فيها قال : باطنها والفجر محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم منه تفجرت أنوار الإيمان وأنوار الطاعات وأنوار الكونين.

(وَلَيالٍ عَشْرٍ) [٢] العشرة من أصحابه الذين شهد لهم بالجنة. (وَالشَّفْعِ) [٣] الفرض والسنة. (وَالْوَتْرِ) [٣] نية الإخلاص لله تعالى في الطاعات دون رؤية غيره فيهان.

(وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) [٤] أمته وذلك السواد الأعظم كما قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ليلة أسري بي رأيت سوادا عظيما ما بين السماء والأرض فقلت : ما هذا السواد يا جبريل؟ قال : هذه أمتك ولك سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ، لم تكلمهم الخطايا ، ولم يدنسوا بالدنيا لا يعرفون إلا الله» (١) ، فأقسم الله به وبأصحابه وبأمته.

وجواب القسم : (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) [١٤] يعني طريق الكل عليه يجازيهم بأعمالهم فأما سالم أو غيره يقول : يجعل رصدا من الملائكة على جسر جهنم معهم الحسك يسألون الخلق عن الفرائض.

(فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ) [١٥] قال : يعني بعض المؤمنين إذا اختبره ربه بالنعمة (فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ) [١٥] بما أعطاني من السعة والرزق وذلك له استدراج واغترار. وقد قال الحسن رضي الله عنه : لا يزال العبد بخير ما علم ما الذي يفسد عمله. ومنهم من يزين له ما هو فيه ومنهم من تغلبه الشهوة.

(وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ) [١٦] أي قتر عليه رزقه. (فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ) [١٦] بالفقر ، يقول الله : كلا لم أبتله بالغنى لكرامته ، ولم أبتله بالفقر لهوانه علي.

ولقد حكي أن فتح الموصلي رجع إلى أهله بعد صلاة العتمة وكان صائما فقال : عشوني فقال : ما عندنا شيء نعشيك به : قال : فما لكم جلوس في الظلمة؟ قالوا : ما عندنا زيت نسرج به.

__________________

(١) صحيح البخاري : كتاب الطب ، باب من اكتوى ، رقم ٥٣٧٨ ، وباب من لم يرق ، رقم ٥٤٢٠ ؛ وكتاب الرقاق ، باب يدخل الجنة ، رقم ٦١٧٥.

١٩٣

قال : فقعد يبكي من الفرح إلى الصباح وقال : إلهي مثلي يترك بلا عشاء بلا سراج ، بأي يد كانت مني يا مولاي (١).

قوله تعالى : (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) [٢٧] قال : هذا خطاب لنفس الروح الذي به حياة نفس الطبع والمطمئنة المصدقة بثواب الله وعقابه.

(ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ) [٢٨] بطريق الآخرة (راضِيَةً) [٢٨] عن الله بالله (مَرْضِيَّةً) [٢٨] عنها لسكونها إلى الله عزوجل.

(فَادْخُلِي فِي عِبادِي) [٢٩] أي في جملة أوليائي الذين هم عبادي حقا (وَادْخُلِي جَنَّتِي) [٣٠] قال سهل : الجنة جنتان : أحدهما الجنة نفسها ، والأخرى حياة بحياة وبقاء ببقاء.

كما روي في الخبر : يقول الملائكة للمنفردين يوم القيامة : امضوا إلى منازلكم في الجنة ، فيقولون : ما الجنة عندنا ، وإنما انفردنا لمعنى منه إلينا ، لا نريد سواه حياة طيبة.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

السورة التي يذكر فيها البلد

قوله تعالى : (لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ) [١] قال : يعني مكة. (وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ) [٢] يعني يوم فتح مكة جعلناها لك حلالا تقتل فيها من شئت من الكفار كما قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنها لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي وإنما أحلت لي ساعة من نهار» (٢) ، فأقسم الله تعالى بمكة لحلول نبيه فيها إعزازا له وإذلالا لأعدائه.

(وَوالِدٍ وَما وَلَدَ) [٣] قال : الوالد : آدم ، وما ولد : محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ) [٤] أي في مشقة وشدة. قال : الكبد الانتصاب ، أي لقد خلقناه في بطن أنه منتصبا. كما قال مجاهد : إن الولد يكون في بطن أمه منتصبا كانتصاب الأم ، وملك موكل به ، إذا أضجعت الأم رفع رأسه ، ولو لا ذلك لغرق في الدم.

قوله تعالى : (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) [١٠] قال : بيّنّا له طريق الخير ليتبعه ، وطريق الشر ليجتنبه ، كما قال : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) [الإنسان : ٣]. وقيل : يعني التدبير.

قوله تعالى : (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) [١١] قال : أي فهلا جاوز الصراط والعقبة دونها ، وفي الباطن عقبتان ، إحداهما : الذنوب التي اجترحها ، يعني بين يديه كالجبل يجاوزها بعتق رقبة ، أو إطعام في يوم ذي مجاعة وشدة مسكينا قد لزق بالتراب من الجهد والفاقة ، ويتيما بينه

__________________

(١) شعب الإيمان ٧ / ٢٣٠.

(٢) صحيح البخاري : كتاب الجنائز ، رقم ١٢٨٤.

١٩٤

وبينه قرابة ، والعقبة الأخرى : المعرفة لا يقدر العارف عليها إلا بحول الله وقوته على عتق رقبة نفسه عن الهوى ، (أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ) [١٤] ضرورة الإيمان قواما ، لا ظلما وطغيانا بلذة نفس الطبع.

(يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ) [١٥] فاليتيم هاهنا القلب ، طعامه الوفاء ، والمسكين العارف المتحير ، فطعامه ألطافه ذا مقربة عند الله وعند الخلق (ذا مَتْرَبَةٍ) [١٦].

قوله تعالى : (وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ) [١٧] قال : يعني بالصبر على أمر الله ، والتراحم بين الخلق.

وقد سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما الإسلام؟ فقال : «الصبر والسماح. فقيل : ما الإيمان؟ فقال : طيب الكلام وإطعام الطعام» (١). قال سهل : وأطيب الكلام ذكر الله تعالى.

(أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) [١٨] قال : يعني الميامنين على أنفسهم من أهوال ذلك اليوم ، لا يحسون بدونه ، كما كانوا في الدنيا حياة بحياة ، وأزلية بأزلية ، وسرا بسر.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

السورة التي يذكر فيها الشمس

قوله تعالى : (وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها) [٣] قال : يعني نور الإيمان يجلي ظلمة الجهل ، ويطفئ لهيب النار.

(وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها) [٤] قال : يعني الذنوب والإصرار عليها يغشى نور الإيمان ، فلا يشرق في القلب ، ولا يظهر أثره على الصفات ، كما قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الهوى والشهوة يغلبان العلم والعقل» (٢) والبيان ، لسابق القدرة من الله عزوجل.

قوله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) [٩] قال : أفلح من رزق النظر في أمر معاده.

(وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) [١٠] قال : خسرت نفس أغواها الله عزوجل ، فلم تنظر في أمر معاده.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

__________________

(١) في اعتقاد أهل السنة ٤ / ٨٤٦ : (قيل للحسن : ما الإيمان؟ قال : الصبر والسماح. قال : الصبر عن محارم الله ، بفرائض الله).

(٢) تقدم الحديث في تفسير سورة البقرة ، والآية (٢٦) من سورة ص ، وهو من قول الحارث بن أسد في الحلية ١٠ / ٨٨.

١٩٥

السورة التي يذكر فيها الليل

قوله تعالى : (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى) [١] قال : باطنها نفس الطبع.

(وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى) [٢] نفس الروح.

(وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) [٣] أي ومن خلق الخوف والرجاء ، فالخوف ذكر والرجاء أنثى.

(إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) [٤] فمنه ما هو خالص ومنه ما هو مشوب بالأحداث.

(فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى) [٥ ـ ٦] أبو بكر الصديق رضي الله عنه أعطى من نفسه وماله مجهوده ، واتقى سكونه إلى نفس الطبع ، وصدق بالحسنى كلمة التوحيد.

وقيل : بالجزاء ، ويقال : هو الإخلاص.

(فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى) [٧] هو العود إلى الخير.

(وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى) [٨] أبو جهل بخل بطاعته لله ورسوله ، واستغنى : أظهر من نفسه الاستغناء عنهما.

(فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى) [١٠] أي نسهل عليه العمل ، بعمل أهل النار ، ألا تراه كيف قال عقبه : (وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى) [١١] في النار.

(وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى) [١٣] فالآخرة نفس الروح ، والأولى نفس الطبع ، يهدي واحد إلى نفس الروح ، وآخر إلى نفس الطبع.

قوله تعالى : (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (١٧) الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى) [١٧ ـ ١٨] قال : الأتقى هو الصديق هو أتقى الناس فإن الناس أعطوا واتقوا وهو لم ير الفاني وأبقى لنفسه الباقي كما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما ذا أبقيت لنفسك؟ قال : الله ورسوله» (١).

قوله تعالى : (وَلَسَوْفَ يَرْضى) [٢١] قال : يعني بما له عندنا ، وهو محل الفضل ، لا محل الثواب ، سرا بسر ، وحياة بحياة ، وأزلية بأزلية.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

__________________

(١) شعب الإيمان ٢ / ١٠٦ (رقم ١٢٩٨) ؛ والحديث قاله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مخاطبا به أبا بكر الصديق.

١٩٦

السورة التي يذكر فيها الضحى

قوله تعالى : (وَالضُّحى) [١] قال : هو نفس الروح في الباطن.

(وَاللَّيْلِ إِذا سَجى) [٢] يعني نفس الطبع إذا سكن إلى نفس الروح في إدامة الذكر إلى الله تعالى.

قوله تعالى : (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى) [٤] قال : ادخرت لك من المقام المحمود ومحل الشفاعة خيرا مما أعطيتك في الدنيا من النبوة والرسالة.

قوله تعالى : (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى) [٦] قال : يعني ألم يجدك فردا فآواك إلى أصحابك.

(وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) [٧] قال : أي وجدك لا تعرف قدر نفسك فعرفك قدرك ، ووجدك ضالا عن معاني محض مودتك فسقاك من شراب مودته بكأس محبته ، فهداك إلى معرفته ، وخلع عليك خلع نبوته ورسالته ليدل بهما على قربه ووحدانيته. قال : وفيها وجه آخر : ووجدك نفسك نفس الطبع فقير إلى سبيل المعرفة.

(وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى) [٨] قال : وجد نفسك حيرانة والهة إلى المعرفة بنا ، فقيرة إليها ، فقوى نفس روحك فأغناها بالقرآن والحكمة. وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ليس الغنى كثرة العرض ، إنّما الغنى غنى النفس» (١).

(فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ) [٩] فقد ذقت طعم اليتيم. قال : ووجه آخر : فقد علمت موقع اللطف من قلب اليتيم.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

__________________

(١) مسند إسحاق بن راهويه ١ / ٣٣٢.

١٩٧

السورة التي يذكر فيها الانشراح

قوله تعالى : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) [١] قال : ألم نوسع لك صدرك بنور الرسالة فجعلناه معدنا للحقائق. قال : وأول الشرح بنور الإسلام كما قال الله تعالى : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) [الأنعام : ١٢٥] ثم قال : يزداد المنازل بعده ، فيكون الأنوار على قدر المواهب من البصائر.

(وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ) [٢] قال : يعني أزلنا عنك السكون إلى غيرنا من همة نفس الطبع ، فجعلناك ساكنا إلينا قابلا عنا بنا.

قوله تعالى : (وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ) [٤] قال : وصلنا اسمك باسمنا في الأذان والتوحيد ، فلا يقبل إيمان العبد حتى يؤمن بك.

قوله تعالى : (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) [٥] قال : عظم الله تعالى حال الرجاء في هذه الآية بكرمه وخفي لطفه ، فذكر اليسر مرتين ، وقد قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لن يغلب عسر يسرين» (١) ، يعني فطنة القلب والعقل يسران يغلبان نفس الطبع ، فيعيدانه إلى الإخلاص ، وهو معنى الآية في الباطن ، أي فإن مع شدة نفس الطبع في افتقاره إلى ذات الحق عزوجل إلى نفس الروح والعقل وفطنة القلب وهو في الباطن تسكين قلب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم على الإعانة خوفا ، فقال : إنا سلطنا على نفس الطبع الكثيف منك لطائف نفس الروح والعقل والقلب والفهم التي سبقت بالموهبة الجليلة قبل بدوّ الخلق بألف عام ، فغلبت نفس الطبع.

(فَإِذا فَرَغْتَ) [٧] من صلاتك المكتوبة وأنت جالس (فَانْصَبْ) [٧] إلى ربك وارجع إليه ، كما كنت قبل نفس الطبع ، قبل بدوّ الخلق ، فردا بفرد ، وسرا بسر ، فوهب الله له مثل منزلته السابقة في الدنيا ، كما قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن لي مع الله وقتا لا يسعني غيره» (٢) ، هذا باطن الآية ، وظاهرها ما عليه الظاهر.

__________________

(١) المستدرك على الصحيحين ٢ / ٣٢٩ ، ٥٧٥.

(٢) فيض القدير ٤ / ٦.

١٩٨

وحكى أبو عمرو بن العلاء فقال : «هربنا من الحجاج (١) فدخلنا البادية فأقمنا بها دهرا نتردد من حي إلى حي ، فبينا أنا خارج في بعض الأحياء ذات غداة متوزع الخاطر مبهم القلب ضيق الصدر ، إذ سمعت شيخا من الأعراب مجتازا يقول (٢) : [من الخفيف]

صبّر النّفس ينجلي كلّ همّ

إنّ في الصبر حيلة المحتال

ربّما تكره النفوس من الشيء

له فرجة كحلّ العقال

فلم يستتم الشيخ إنشاد البيتين حتى رأيت فارسا من بعيد ينادي : قد مات الحجاج. قال : فسألت الشيخ عن الفرجة ، فقال : الفرجة بضم الفاء : في الحائط والعود ونحوهما ، والفرجة بفتح الفاء : في الأمر من الشدة والنوائب. قال أبو عمرو : فلم أدر بأيهما كنت أشد سرورا ، بموت الحجاج أم بهذه الفائدة (٣).

والله سبحانه وتعالى أعلم.

السورة التي يذكر فيها التين

قوله تعالى : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) [٤] قال : أي في أحسن قامة وأحسن صورة.

(ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ) [٥] يعني نقلناه من حال إلى حال حتى أدركه الهرم.

(إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) [٦] في شبابهم ، فإنهم إذا ضعفوا وشاخوا أمرنا الملائكة تكتب لهم الأعمال التي كانت تكتب لهم حال شبابهم.

(فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) [٦] أي لا ينقطع عنهم أجور أعمالهم وإن ضعفوا عنها.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

__________________

(١) الحجاج بن يوسف بن الحكم الثقفي (٤٠ ـ ٩٥ ه‍) : قائد ، داهية ، خطيب. ثبتت له إمارة العراق عشرين سنة. (الأعلام ٢ / ١٦٨).

(٢) البيتان لعبيد بن الأبرص في ديوانه ص ١١١ ـ ١١٢ ؛ ولأمية بن أبي الصلت في ديوانه ص ٤٤٤ ؛ وله أو لحنيف بن عمير أو لنهار ابن أخت مسيلمة الكذاب في شرح شواهد المغني ٢ / ٧٠٧.

(٣) شرح شواهد المغني ٢ / ٧٠٧ ؛ وخزانة الأدب ٢ / ٥٤٤.

١٩٩

السورة التي يذكر فيها العلق

قوله تعالى : (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى) [٦] قال : أي رؤية الغنى تورث الاستغناء ، والاستغناء يورث الطغيان. وقد قال الحسن رحمة الله عليه : لقد قصر نظر عبد زويت عنه الدنيا ، ثم لم يعلم أن ذلك نظر من الله ، لقد قصر علم عبد بسطت له الدنيا ، فلم يخش أن يكون ذلك مكرا من الله تعالى يمكر به (١). ثم قال : والله ما بسطت الدنيا لعبد إلا طغى كائنا من كان ، ثم تلا قوله تعالى : (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى) [٦ ـ ٧].

قوله تعالى : (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرى) [١٤] قال : ليس له وراء ، وهو وراء كل وراء.

قوله تعالى : (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ) [١٧] قال : يعني عشيرته.

(سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ) [١٨] يعني خزنة جهنم ، أرجلهم في الأرض ورؤوسهم في السماء الدنيا. وإنما سموا الزبانية من الزبن وهو الدفع ، يدفعون الجهنميين في قفاهم بأيديهم وأرجلهم.

فلما سمع أبو جهل ذكر الزبانية هرب إلى قومه ، فقالوا له : أخفته؟ فقال : لا ، ولكن خفت الزبانية ، لا أدري من هم.

والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.

السورة التي يذكر فيها القدر

قوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) [١] قال : ليلة القدر قدرت فيها الرحمة على عباده.

قوله تعالى : (مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (٤) سَلامٌ) [٤ ـ ٥] أي سلام من الظلمة أوقات العارفين به ، والقائمين معه على حدود الأحكام في الأوامر والنواهي.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

__________________

(١) في الحلية ٧ / ٦٨ أن سفيان الثوري قال : (ما بسطت الدنيا على أحد إلا اغترارا ، وما زويت عنه إلا اختبارا).

٢٠٠