الحقيقة المظلومة

محمد علي صالح المعلّم

الحقيقة المظلومة

المؤلف:

محمد علي صالح المعلّم


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٤٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

ثمّ ذكر الكاتب ما كتبه حسين أحمد من دار العلوم حيث قال : إنّ الاشخاص الذين يختزنون مثل هذا الاعتقاد الذي ذكرناه أعلاه ، فهم كفرة وخارجون عن كيان الاسلام .

ونقول : يقصد بالاعتقاد الذي ذكره هو القول بتحريف القرآن وقد مرّ الجواب عنه مراراً وتكراراً .

ثمّ نقل الكاتب ما كتبه المفتي محمّد عبدالعزيز ، حيث قال : إنّ الشيعة الاثنا عشرية كفرة مرتدّون لانّهم يعتقدون بتحريف القرآن .

وما كتبه شبير أحمد عثمان شيخ التفسير في دار العلوم حيث قال : كلّ من يخلط فكره واعتقاده بتحريف القرآن فهو كافر بلا إشكال .

وهو يريد بذلك الشيعة الاثنا عشريّة .

ونقل ما كتبه مولانا محمّد المدرس أنور وهو يقصد الشيعة أيضاً حيث قال : إنّ ما ذهب اليه هذا العالم الكبير المذكور أعلاه صدق عندما قال بكفر كلّ من يعتقد بتحريف القرآن وعدم الاشكال في كفره .

ونقل ما كتبه مسعود أحمد نرب ، حيث قال : إنّه بما أنّ الشيعة لديهم اعتقادات غامضة ، فهم كفار وخارجون عن

٢٠١
 &

الاسلام وعلى هذا الاساس لا تجري عليهم أحكام الاسلام اطلاقاً ، كمثل اجراء عقود الزّواج ، التزاوج منّا ومنهم . . . إلى أن قال : لا يجوز كل ما سردناه ويجب الاجتناب والاحتراز عنها على الفور ولا بد أن نذكر هنا انّ كل من لا يتقيّد او لا يلتزم بما ذكرناه يكون خارجاً عن حريم الاسلام ، ولا شكّ انّه يكون مشتركاً مع الشيعة في مسلك واحد .

ونقول : قد كرّرنا الجواب عن تهمة القول بتحريف القرآن ، فإنّ علماء السنة قائلون بذلك ، وقد ذكرنا الشواهد على ذلك ، ولازم هذه الفتاوى تكفير بعض علماء السنّة الّا أنّ العجب من المفتي الأخير الذي يقول بما أنّ الشيعة لديهم اعتقادات غامضة فهم كفار وخارجون عن الاسلام . . .

أقول : أهكذا يحكم بكفر الناس وخروجهم عن الاسلام فقط لمجرد أنّ عندهم اعتقادات غامضة وإذا كان فهمك أيّها المفتي قاصراً عن إدراك ما عند الشيعة يكون مصيرهم الكفر ؟ ! ! هلّا سألت وتفهّمت بدلاً من أن تكفرهم ؟ وإذا كان الله تعالى قد حجب عنك وعن بصيرتك نور الحقيقة ، فما ذنب الشيعة حتى يكونوا كفاراً خارجين عن الاسلام . أليس من اللائق بك وبأمثالك أن تسعى لكشف هذا الغموض ومعرفة الحقيقة ؟

٢٠٢
 &

ثم تعال إلى ما قرره أخيراً من قوله : ولا بد أن نذكر هنا ان كل من لا يتقيد أو لا يلتزم بما ذكرناه يكون خارجاً عن حريم الاسلام .

أقول : كيف ساغ لهذا المفتي ان يجعل من نفسه موزعاً لشهادات الكفر والخروج عن حريم الاسلام ، إنّ هذا المفتي وأمثاله يوزعون الكفر بالمجان ، واين هذا مما ذكر الكاتب عن احتياط علماء السنّة من إطلاق الكافر على من نطق بالشهادتين ، أو توجّه الى الكعبة كما نقله عن أبي حنيفة ، ونريد أن نتساءل هل في تناول ذبائح الشيعة كفر وخروج عن الاسلام ؟ وهل في قبول صدقاتهم لبناء المساجد أو توزيع زكاة الفطرة أو إقامة الصلاة على موتاهم خروج عن الاسلام ؟ لست أدري ولا المنجّم يدري .

ثمّ نقل الكاتب ما كتبه محمّد كفتي اوّلكان مفتي أزام الهند ـ دلهي حيث قال : إنّ الشيعة كفرة حقيقة ، وذلك لأنه إذا وضع القذف والتهم لأم المؤمنين جانباً ويجعل السبّ والشتم لسيّدنا أبي بكر وعثمان (رض) فإن الايمان بتحريف القرآن الكريم من لوازم هذا المذهب .

ونقول : أمّا قضيّة القذف والإتهام فقد مرّ الكلام حولها ولا حاجة للاعادة ، وامّا السبّ والشتم فنريد أن نحيل الكاتب

٢٠٣
 &

والمفتي ومن هو على شاكلتهما الى كتب التاريخ التي تناولت تاريخ صدر الاسلام ليرى كيف كانت حياة الصحابة ؟ وكيف كان التخاصم والتباغض قائماً بين بعضهم ؟ ونذكر بالخصوص ما كانت تصنعه عائشة في ١ زمان خلافة عثمان وانّها كانت تخرج قميص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أو حذاءه وتقول هذا قميص رسول الله لم يبل وقد أُبلى عثمان سنته ، وكانت تؤلب الصحابة على قتله وكانت تكفّره على مسمع ومرأى من الصحابة ، ولا ندري كيف غفل أو تغافل هذا المفتي عن هذه الاحداث التاريخيّة التي نص عليها كلّ من أرّخ تلك الفترة ١ .

وأمّا عن مسألة القول بتحريف القرآن ، فقد أجبنا عنها مراراً ، وسيأتي ما يتعلّق بذلك .

قال الكاتب : عندما يعلن هذه الفتاوى التي تكشف عن كفر الشيعة ذهب قائد علماء الهند مولانا محمّد حسن عمرو فلوو ـ دار المبلغين إلي ما يلي :

يستدلّ على كفر الشيعة الاثنا عشريّة وخروجهم عن الاسلام بعدّة أدلّة وشهادات كثيرة :

__________________

١) راجع تاريخ اليعقوبي ، لأحمد بن يعقوب : ج ٢ ص ١٧٥ ، الطبعة الاولى ، منشورات الشريف الرضي ـ قم .

٢٠٤
 &

الدليل الأوّل : إيمانهم بتحريف القرآن ، أنّ قدماء الشيعة وأئمّتهم الذين عاصروا القرون الغابرة كانوا متحدين على شيء واحد ومحور واحد ألا وهو القول بتحريف القرآن ولأجل ذلك فهم كفرة اجماعاً .

ونقول : إذا كان هذا قول قائدهم ، فما بالك بالمقود والاتباع ( إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا )١ وقد ذكرنا أنّ الشيعة لا تقول بتحريف القرآن ، وإذا كان هناك بعض الروايات ، فهي غير معتبرة عندهم ، وقد ذهب بعض السنّة إلى القول بذلك ، وقلنا : انّه ليس للشيعة قرآن آخر ، وهذه مساجدهم عامرة بتلاوة كتاب الله الذي يقرؤه كافة المسلمين ، ولا اختلاف بين القرآن الذي عند الشيعة والقرآن الذي عند السنّة ، وعليه مدار أحكامهم وتعاليمهم ، وهو المستند الأوّل للأحكام والتعاليم الشرعيّة .

ولا ندري لماذا هذا الاصرار على إلزام الشيعة بالقول بالتحريف في الوقت الذي يصرح فيه علماؤهم بعدم التحريف ، وهذه تفاسيرهم ناطقة بهذه الحقيقة ، ويستدل الشيعة بالآية الكريمة

__________________

١) سورة الفرقان ، الآية ٤٤ .

٢٠٥
 &

( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) ١ على أنّ القرآن الكريم مصون بعناية الهيّة خاصّة ، فإنّه معجزة الاسلام الخالدة ، ومع ذلك لا يبقى مجال لهذا التهويل والارجاف وإثارة الفتن بين المسلمين . ثم تعال الى الدعوى الكاذبة الذي افتراها حيث قال : فهم كفرة اجماعاً أي اجماع هذا ؟ ومتى تم ؟ وكيف ؟ وقد ذكرنا جملة من فتاوى علماء السنة بنجاة كل من نطق بالشهادتين .

وإذا كان هؤلاء يكذبون على علمائهم فلا عجب في افترائهم على الشيعة كل زور وبهتان .

ثمّ نقل الكاتب شهادات من علماء قدماء قالوا بكفر من أنكر القرآن ، أو يرفض ما جاء فيه من الاحكام ، ومن هؤلاء العلماء إمام كاز المالك المتوفى سنة ٥٤٤ هـ ، قال : لا شك ولا جدال في كفر من ينكر القرآن الكريم الموجود بأيدينا ، أو يرفض ما جاء فيه من الاحكام فضلاً عن الايمان بكونه محرفاً .

وكتب العلامة بحر العلوم لكنو المتوفّى سنة ١٢٣٥ هـ مقالاً جاء فيه : كلّ من يؤمن بتحريف القرآن فهو كافر .

وقال امام علي القدري المتوفّى سنة ١٠١٤ هـ : كلّ من ينكر القرآن أيّ كان سورة أو آية حتّى الآية الواحدة فهو كافر .

__________________

١) سورة الحجر : الآية ٩ .

٢٠٦
 &

ونقول : إن هذه الأقوال والكلمات لا تعني أنّ الشيعة تقول بالتحريف وتعتقد به ، وذلك لأنّ هذه الاقوال ناظرة الى كبرى كلّيّة وهي انّ كلّ من ينكر القرآن فهو كافر ، أو كلّ من يرفض ما جاء في القرآن فهو كافر ، وهذا حقّ والشيعة تعتقد بذلك ؛ لأنّ في انكار القرآن تكذيباً للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وفي رفض ما جاء في القرآن ردّاً على الله وعلى الرسول ، ولا شكّ انّ ذلك يوجب الكفر ، ولكن أي دلالة في ذلك على أنّ الشيعة تعتقد بالتحريف ويبدو أن هذا القائد لعلماء الهند أخذ الصغرى مسلّمة وهي أنّ الشيعة تعتقد بتحريف القرآن وطبق الحكم عليهم وهذ دعوى بلا دليل ، وقد بيّنا سابقاً وآنفاً أنّ الشيعة لا تقول بتحريف القرآن وقد صرّح علماؤهم بذلك .

ثمّ نقل الكاتب قولاً للشيخ عبدالقادر الجيلاني مفتي عزام البغدادي الذي توفي سنة ٥٦١ هـ وقد سبق أن كفر الشيعة وأكّد القول بأنّهم خرجوا عن الاسلام نتيجة تسالمهم على تحريف القرآن وأن أئمّتهم الاثني عشر معصومون لا يخطئون ناهيك عن سبهم الملائكة .

ونقول : أمّا قوله وقد سبق أنّ كفر الشيعة ، فهذا ليس جديداً على الشيعة وما أكثر من نسبهم الى الكفر عن جهل

٢٠٧
 &

بحالهم وهو شأن من لا يتثبّت في الأحكام ولا يتّقي الله فيما يقول .

وأمّا قوله : وأكّد القول بأنّهم خرجوا عن الاسلام نتيجة تسالمهم على تحريف القرآن ، فهذا بهتان وزور وافتراء وقد قلنا وكرّرنا بما فيه الكفاية .

وأمّا قوله : وأنّ أئمّتهم الاثني عشر معصومون ، فهذا ما أثبته الدليل والبرهان وفي آية التطهير وآية المودّة وما تواتر من الروايات كحديث الثقلين وحديث المنزلة وحديث السفينة غنى وكفاية لمن ألقى السمع وهو شهيد ، فضلاً عن عشرات الروايات التي وردت عن السنّة والشيعة تؤكّد هذه الحقيقة التي يعتقد بها الشيعة وهي عصمة أئمتهم عليهم‌السلام وأنّ الله تعالى اختارهم خلفاء على الناس من بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله كما شهدت بذلك الأدلّة العقليّة والنقلية ، فتكفير الشيعة لقولهم بعصمة أئمّتهم عليهم‌السلام زيغ وضلال وانحراف عن جادّة الصواب .

وأمّا قوله : ناهيك عن سبّهم الملائكة فهذه فرية تضاف الى مفترياتهم على الشيعة . ( كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا ) .

٢٠٨
 &

الشيعة وتحريف القرآن مرّة ثالثة

ثمّ قال الكاتب : بناء على مصادر الشيعة الموثوقة على ما قيل يقولون : يوجد في حوزتهم عشرون ألفاً من الأحاديث تطرّقت الى الحديث عن تحريف القرآن وعلى أنّها ربّما تحدّثت عن إمامتهم أيضاً .

ونقول : وهذه أيضاً إحدى الأكاذيب على الشيعة وقد ذكرنا الجواب فيما تقدّم ، ثم ذكر الكاتب المحدث النوري وهو المرحوم الميرزا حسين النوري الطبرسي وكتابه فصل الخطاب .

ونقول : أولاً ان المحدث النوري رحمه الله ممّن نسب اليه القول بتحريف القرآن وهو من علماء الشيعة وقد توفّي سنة ١٣٢٠ هـ وكانت ولادته سنة ١٢٥٤ هـ فيكون من العلماء المتأخّرين .

وثانياً : أنّ تلميذه الشيخ آغا بزرگ الطهراني ذكر في كتابه الذريعة أن الشيخ النوري قد صرّح في رسالة كتبها جواباً على من ألّف كتاباً في الردّ عليه بأنّه ليس مراده من التحريف هو التغيير والتبديل وأنّ القرآن الموجود بين الدفّتين باق على الحالة التي وضع بين الدفتين في عصر عثمان لم يلحقه زيادة ولا نقصان .

٢٠٩
 &

ويقول تلميذه الطهراني : وسمعت عنه شفاهاً يقول : إنّي أثبت في هذا الكتاب أن هذا الموجود المجموع بين الدفتين كذلك باق على ما كان عليه في أوّل جمعه كذلك في عصر عثمان ولم يطرأ عليه تغيير وتبديل . . ١ .

وثالثاً : أنّ مراده هو اسقاط بعض الوحي المنزل الالهي لدلالة بعض الروايات لا أنّ هذا القرآن الموجود بين الناس ناقص .

ورابعاً : ولو تنزّلنا وقلنا بأنّ النوري قال بالتحريف ، فهذا رأيه الخاص به ولا يعبّر عن رأي المذهب ، ولذا ردّ عليه كثيراً من العلماء وألّفوا كتباً في ذلك ، فإذا كان الأمر كذلك فكيف يحمل القول بالتحريف على الشيعة قاطبة ؟

قال الكاتب : يذهب الشيعة إلى الاعتقاد أنّ الامام علي عليه‌السلام جمع كلّ القرآن وفيه سبعة عشر ألف آية ، ولكن الموجود في متناول أيدينا لا يحتوي الّا على ستة آلاف وثلاثمائة وستّة عشر آية وهذا يكشف النقاب على أنّ عشرة آلاف آية لم يدونها الصحابة في القرآن ، والقرآن الصحيح هو ما جمعه الامام علي عليه‌السلام وهذا القرآن لا يوجد عندهم وذلك لأن الامام المهدي الثاني عشر غاب معه .

__________________

١) الذريعة الى تصانيف الشيعة : ج ١٦ ص ٢٣١ ، الطبعة الاولى .

٢١٠
 &

ونقول : قد بيّنا مراد المحدّث النوري آنفاً ، فإنه يقول : إنّ هذا القرآن الموجود لا نقص فيه ولا تبديل الّا أن بعض الروايات تدلّ على اسقاط بعض الوحي المنزل ، وذلك أمر آخر غير التحريف الذي تتّهم السنّة الشيعة به .

ثمّ إنّ بعض علماء الشيعة يذهبون إلى أنّ القرآن كان مجموعاً في زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على ما هو عليه الآن ، وقد ذكرنا سابقاً أقوال علماء الشيعة في ذلك .

وقلنا : إنّه على فرض قول المحدث النوري بذلك فهو تعبير عن رأي شخصي وليس هو رأي المذهب .

وأما قوله ان القرآن الصحيح هو ما جمعه الامام علي عليه‌السلام وهذا القرآن لا يوجد عندهم وذلك أنّ الامام المهدي الثاني عشر غاب معه فهو بناء على قول المحدّث النوري لا إشكال فيه ؛ لأن الامام لا بدّ أن يكون أعلم الناس بكتاب الله تعالى ، وأما اختفاؤه فلاقتضاء المصلحة ذلك . وأمّا بناء على قول غيره من علماء الشيعة وهم الأكثر فهذا القرآن هو الذي كان في زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد صرّحوا بذلك كما ذكرنا وارجع الى ما قلناه في المواضع المتفرّقة من هذا الكتاب حول هذا الموضوع لتتّضح الحقيقة .

قال : الدليل الثاني : إنّهم يجوّزون اسناد الخطأ إلى الله

٢١١
 &

تعالى (البداء) ونظير ذلك هو القول بتغير علمه تعالى وعلى أنّه قد يغيب عنه معرفة بعض الحوادث وما ينجم منها . . . إلى أن قال : إنّ هذا الكلام لا يخرج عن اطار تنزيل الله منزلة ما لا يناسب قدسيته . . .

ونقول : إنّ مسألة البداء من المسائل التي قصرت أذهان أعداء الشيعة عن إدراكها ، فما كان منهم الّا اتّهام الشيعة بما هم منه براء ، وقد أجبنا عن هذه المسألة فيما تقدّم وأوضحنا المراد من البداء عند الشيعة وأنه لا يصطدم مع التوحيد ، بل إن فيه الدليل على أن سلطان الله وقدرته مهيمنة على كل شيء حدوثاً وبقاء .

قال : الدليل الثالث : إنّهم يقولون بضرورة جرح الشيخين (أبي بكر وعمر (رض) وينسبون إليهما ما هو عار تماماً عن الصحّة فضلاً عن اتّهامهم السيّدة عائشة (رض) بأنها زنت .

ونقول : إن الشيعة تعتمد في تقييمها للأشخاص على النصوص التاريخيّة ، وتعطي كلّ ذي حقّ حقه ، وقد أشرنا الى كلا الموضعين المذكورين فيما تقدم ، ونطلب من هذا الكاتب ومن قائد علماء الهند كما عبّر عنه الكاتب أن يقرأ التاريخ بروح الانصاف والتعامل مع الأحداث على أساس من التجرّد عن المرتكزات ثم يوافينا بما يتوصّل إليه .

٢١٢
 &

ثم يذكر شهادات من مؤلفين حول هذا الموضوع وردت في كتاب فتاوى المجيري وهي :

ا ـ كل شيعي يسبّ سيدنا أبا بكر وعمر (رض) ويرفض خلفاء الرسول فهو كافر .

ب ـ ان كل من يتهم سيدتنا عائشة وينكر صحابة أبيها سيدنا أبي بكر فهو كافر .

ونقول : إنّ في ما ذكرناه من الاجوبة كفاية ولا حاجة إلى الاعادة والتكرار .

ثم يطرح سؤالاً هو هل يجوز وصف الشيعة بالكفرة ؟ ويجيب عن ذلك بأنّ الشيعة بما أنّها تؤمن بالخرافات فإن وصفهم بصفة الكفر ممّا لا اشكال فيه .

ونقول : من حقّنا أن نتساءل ما هي تلك الخرافات التي تؤمن بها الشيعة ؟ وهلا ذكر واحدة منها لنرى مدى صدق دعوى هذا المدعي ، وحيث لم يذكر شيئاً من ذلك فإنّنا نجيب عن ذلك بقوله تعالى : ( سُبْحَانَكَ هَٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ) ١ .

قال : إنّ الكثير من الناس بعيدون عن ظلّ الاسلام بينما وقعوا في شبكة اُولئك الخارجين منه (المرتدّين) فيجب أن يعامل

__________________

١) سورة النور ، الآية ١٦ .

٢١٣
 &

هؤلاء معالة الكفر والذي يمتنع عن تسميتهم ووصفهم بذلك ، فإنّه يعدّ منهم وليس من المتديّنين في شيء .

ونقول : إن هذا الشخص يرى أن التديّن هو اتّهام الناس بالكفر والّا كان خارجاً عن الدين فيكون كافراً ، أهذا هو الدين عندكم ؟ وهل بهذا أمر القرآن وبهذا جاء النبي ؟؟ إننا لا نستطيع أن نفسر هذا التحجّر وهذه الغلظة وهذا الافق الضيّق المشحون بالحقد والعداء ، ولا يخفى أنّ هذا إعادة لما ذكره سابقاً ، وقد أجبنا عنه هناك فراجع .

قال : الدليل الرابع : من مسلمات الشيعة القول بأن أئمّتهم كانوا معصومين غير عاجزين عن أيّ شيء كان ، حقاً إن هذه الصفات هي صفات الأنبياء والرسل فقط .

ونقول : إنّ أهل البيت وهم عترة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً كما نطق القرآن بذلك في آية التطهير ١ وأمر القرآن الناس بمودّتهم كما في آية المودة ٢ وأكّد ذلك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في أقواله وقرنهم بالقرآن وشبّههم بسفينة نوح من

__________________

١) سورة الاحزاب ، الآية ٣٣ .

٢) سورة الشورى ، الآية ٢٣ .

٢١٤
 &

ركب فيها نجى ومن تخلّف عنها غرق وهوى ١ ، مضافاً الى ما دل عليه العقل والنقل من أنّهم الأئمّة والخلفاء بعد النبيّ كلّ ذلك يويّد القول بعصمتهم فأيّ مانع عقلي أو نقلي يمنع من ذلك ؟ وهل فيه منافاة للدين ومخالفة لحكم العقل ؟ ثم ما المانع أن يتحلّى هؤلاء بصفات الأنبياء والرسل ؟ وما المحذور في ذلك إذا قام الدليل على ذلك ؟

قال : فهل هؤلاء أفضل من سيّدنا أبي بكر وعمر ؟ .

ونقول : نعم هم افضل بنصّ القرآن الكريم وبالنصوص المتواترة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في شأن أهل بيته عليهم‌السلام وبسيرتهم العمليّة وارجع الى التاريخ لتقف على هذه الحقيقة ، وستجد أنّ أهل البيت عليهم‌السلام هم افضل الناس بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في العلم والعمل والفضائل .

قال : وهل هم أقرب منزلة عند الله من أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

ونقول : نعم فإن القرآن الكريم عاتب بعض نساء النبي كما في سورة التحريم ٢ ، وثبتت مخالفة بعض نساء النبي لأوامر

__________________

١) راجع مستدرك الحاكم : ج ٣ ص ١٦٣ ح ٤٧٢٠ عن أبي ذر وراجع مجمع الزوائد : ج ٩ ص ١٦٨ ، دار الكتب العربي ، بيروت .

٢) سورة التحريم ، الآية ٥ .

٢١٥
 &

القرآن ، بينما أثنى القرآن على أهل البيت وشهد بطهارتهم ونزاهتهم من الرجس وأمر بمودّتهم من دون أن يعاتبهم على شيء ، والذي يبدو أنّ هذا المستدل لا يخلو إمّا أن يكون جاهلاً أو معانداً ، ونحن نشك في جهله والّا كيف يكون قائداً لعلماء الهند ولا يطلع على ما رواه علماء السنّة في فضائل أهل البيت عليهم‌السلام وكمالاتهم .

قال : اننّا بدورنا لا نقبل عصمتهم ولذلك لم يكونوا على احترام أو أيّ مقام يذكر في الاسلام بنظر أهل السنّة .

ونقول : ونحن بدورنا نقول إن إنكارك لعصمتهم ولمقامهم ردّ على الله وعلى الرسول ومخالفة صريحة لما جاء في القرآن ولما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في شأن أهل البيت عليهم‌السلام ثم كيف يجرؤ هذا المستدلّ على هذا القول وقد قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها غرق وهوى ١ وقال : علي مع الحقّ والحقّ مع علي ٢ . وقال : إنّي مخلّف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن تضلوا ما إن تمسكّتم بهما

__________________

١) مستدرك الحاكم : ج ٢ ص ١٥١ .

٢) نفس المصدر السابق : ج ٣ ص ١٣٠ ح ٤٦٢٩ ، وراجع أيضاً المناقب للخوارزمي : ص ٥٦ .

٢١٦
 &

وانهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ١ . وقال : الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ٢ . وقال : فاطمة بضعة منّي يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها ٣ . وغير ذلك من الروايات المروية في كتب السنة كيف بهذا المستدلّ أن يتجاسر بذلك القول وقد روى عن عمر أنه قال : لولا علي لهلك عمر ٤ . وقال : نتعوّذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن ٥ .

ثم من هو استاذ أئمّة المذاهب ؟ وماذا كان يقصد أبو حنيفة من قوله : لولا السنتان لهلك النعمان ٦ الى غير ذلك مما هو معلوم لدى الجميع وقد نقلته مختلف المصادر ، ثمّ ارجع الى التاريخ مرّة أخرى لتقف على أن أهل البيت عليهم‌السلام كانوا هم الملاذ عند نزول الشدائد ووضع الحلول العملية ، وكم من قضيّة استعصى حلّها

__________________

١) صحيح الترمذي : ج ٥ ص ٣٢٨ .

ومسند أحمد بن حنبل : ج ٥ ص ١٨١ ، وراجع بحار الأنوار للعلامة المجلسي : ج ٢٣ ص ١٠٧ .

٢) ينابيع المودة للقندوزي الحنفي : ج ١ ص ١٩٣

٣) صحيح البخاري : ج ٢ ص ٣٠٢ .

٤) ينابيع المودّة ، للقندوزي الحنفي : ج ١ ص ٢٢٧ .

٥) الاستيعاب المطبوع بهامش الاصابة : ج ٣ ص ٤٦ .

٦) الامام الصادق والمذاهب الاربعة ، لاسد حيدر : ج ١ ص ٧٠ ، مكتبة الصدر .

٢١٧
 &

على الناس ، فرجعوا الى أهل البيت عليهم‌السلام ليأخذوا منهم القول الفصل في القضاء والفقه وسائر الاحكام ، فكيف لهذا المدعوّ بقائد علماء الهند يقول بأن أهل البيت عليهم‌السلام لم يكونوا على احترام ، أو أيّ مقام يذكر في الاسلام ، وكيف يتنكّر للحقائق الثابتة التي لا تقبل الجدال ؟ إنّ في انكار فضل أهل البيت عليهم‌السلام ومقامهم وشأنهم خروجاً عن جادة الصواب وانحرافاً عن الحق وتخبطاً في الظلام والضلال وإذا بلغ الأمر إلى هذا الحدّ من انكار البديهيّات ، فأيّ برهان ينفع بعد ذلك مع أناس ضاقت صدورهم وقصرت انظارهم وتحجّرت عقولهم ولم تطاوعهم نفوسهم على الاعتراف بفضل أهل البيت عليهم‌السلام مع صراحة الآيات القرآنيّة وتواتر الأحاديث النبوية .

وهكذا يكون التدلس والتلبيس والتضليل للناس وسياسة التجهيل التي تتعمّد اخفاء الحقائق عن عامّة الناس ولولا أمثال هؤلاء المدلّسين الذين يصطبغون بصبغة العلم وهم خلو من كلّ علم . والذين يمنحون أفخم الألقاب وهي ألقاب جوفاء لا واقع لها وغاية علمهم أنّهم يسارعون إلى رمي الناس بالكفر والخروج عن حريم الاسلام .

أقول : لولا ذلك لعرف الناس قدر أهل البيت عليهم‌السلام ومقام

٢١٨
 &

عترة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ولما قدّم سواهم عليهم ولما كنّا بحاجة الى إيضاح الواضحات وبيان البديهيات وهذه كارثة عظمى ومصيبة خطيرة وإنا لله وإنا إليه راجعون .

قال : ومع الأسف إنّ بعض أهل السّنة يجهلون الشيعة وواقعهم الذي يتمثل في عدم قبولهم بخاتمية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ورسالته فتجدهم يوجّهون إليهم الدعوات للمشاركة في مراسيمهم الدينيّة مع كفرهم بخاتمية رسالة النبي محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ونقول : قال الشاعر العربي :

لي حيــلة في من ينمّ

وليس في الكذّاب حيلة

من كان يخلق ما يقول

فحيلتي فيه قليلة

ونريد أن نتساءل ونوجّه السؤال لهذا المفتري : في أيّ كتاب من كتب الشيعة جاء فيه أن الشيعة لا يقبلون بخاتمية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ وهذه كتبهم مبثوثة في جميع بقاع الأرض وهاهم الشيعة منتشرون في أنحاء العالم ، فهل رأى في كتاب أو رأى شيعياً يقول بذلك ( سُبْحَانَكَ هَٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ) ١ وإذا كان الشيعة يقولون بعصمة أئمّتهم عليهم‌السلام فهل هذا يعني عدم قبول خاتمية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ وأي

__________________

١) سورة النور ، الآية ١٦ .

٢١٩
 &

ملازمة بين الأمرين ؟ . ثم إنّه إذا كان الشيعة يقولون بعصمة الأئمّة عليهم‌السلام وعددهم اثنا عشر إماماً ، فالسنّة يقولون بعصمة جميع الصحابة والدليل على ذلك حكمهم بتكفير كل من يعترض على الصحابة مستنداً في اعتراضه على النصوص المأثورة وقضايا التاريخ المعلومة ، مع أنّ في الصحابة من هو منافق ، وفيهم من هو ضعيف الايمان ، وفيهم من هو حديث عهد بالاسلام ، بل قد وقعت الحروب الضارية بين الصحابة وقتل الصحابة بعضهم بعضاً ممّا هو معلوم في التاريخ .

ثمّ إن هذا المفتري هل وقف على ما تقوله الشيعة في أمر النبوة ورأى استدلالهم على خاتميّة نبوة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث اعتبر الشيعة أنّ خاتمية نبوة النبي محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله من ضروريات الدين واستدلوا بالآيات والروايات على ذلك .

ان الشيعة الإمامية تعتقد بأنه لا نبي بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد قرّروا ذلك وبرهنوا عليه في كتبهم الاعتقادية الّا أنّ هذا المفتري وأضرابه أبوا الا إلصاق التهمة والا الزور والبهتان ( كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا ) ١ .

__________________

١) سورة الكهف ، الآية ٥ .

٢٢٠