الحقيقة المظلومة

محمد علي صالح المعلّم

الحقيقة المظلومة

المؤلف:

محمد علي صالح المعلّم


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٤٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

ونقول : ليت هذا الكاتب يقرأ كتب مذهبه وكتب المذاهب الاخرى ، ويطّلع على من يقول بتحريف القرآن ، وقد ذكرنا ذلك مفصلاً في ما تقدم فلا حاجة الى الإعادة .

قال الكاتب : وقد ورد أيضاً في ألفاظ ابن حزم الحنبلي ما نصّه : إنّ الشيعة والرافضة لا يعدّون مسلمين حقيقة .

ونقول : إن كان مراده من الشيعة هم الاثنا عشرية ، فهذه الدعوى باطلة وهذه الفتوى ظالمة ؛ لأن المقياس في كون الانسان مسلماً هو أن يتشهّد الشهادتين ، كما اعترف به هذا الكاتب ونقله عن علماء الاسلام ، والشيعة يتشهدون الشهادتين ، ويؤمنون بالله وبالرسول وباليوم الآخر ، ويعملون على طبق تعاليم الاسلام ، والاختلاف بين الشيعة وغيرهم في المسائل الاخرى لا يسوّغ رميهم بالكفر وعدم الاسلام ، والا فإنّ بين المذاهب الأربعة من الاختلاف ما هو كثير وعظيم . وإن كان مراد ابن حزم من الشيعة غير الإثني عشريّة ، فهذا لا يعنينا وعلى هؤلاء أن يتصدّوا للردّ على هذه الفتوى .

قال الكاتب : ما ذكره من ارتداد الشيعة وكفرهم هو نفس الفتوى الثابتة عند العلماء أجمع ومن خلاله اتّضح عند مسلمي السنة حقيقة الشيعة وهويّتهم .

١٤١
 &

ونقول : إن تناقضات هذا الكاتب لا تنتهي فهو تارة يقول : إن الشيعة لم يؤمنوا بالله أصلاً ، وتارة يقول : إنّهم ارتدّوا ، وهذا يعني أنّهم كانوا مسلمين فأي القولين نأخذ به . ثمّ إنّه هل يمكن معرفة حقيقة الشيعة وهويتهم من خلال فتوى ظالمة وكيف استطاع هذا الكاتب من معرفة حقيقة الشيعة وهويتهم من كلام ابن حزم وكيف استطاع مسلمو السنة أن يدركوا هذه الحقيقة ؟ وكيف توصّلوا الى المعرفة التامة بعد مراجعتهم للفتوى المذكورة ـ كما يدعي هذا الكاتب ـ إلى عدم مشروعية الدخول في أية معاملة مع الشيعة والحكم باجتناب ذبائحهم والصلاة على أمواتهم ؟

هل المقياس في ذلك هو كلام ابن حزم واضرابه أو أن المقياس هو التحاكم إلى القرآن وسنة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وما يرشد اليه العقل والفهم الصحيح .

ان هذا التهويل وهذه الدعاوي الفارغة لا تغيّر الحقيقة ولا تبدل الواقع مهما حاول الحاقدون أن ينفثوا سموم حقدهم بين الناس لتفريق الكلمة وتشتيت الشمل ، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون .

قال الكاتب : ولمعرفة حقيقة الشيعة أكثر فأكثر راجع الكاتب المسمى : هل الشيعة هم أهل السنة ؟ تأليف احسان إلهي ظهير هذا الكتاب يوزع مجاناً ولا يباع .

١٤٢
 &

ونقول : نحن وكثيرون يعرفون من هو احسان إلهي ظهير وعلى من يعتمد ومن يأمره بالكتابة ضد الشيعة ، ونعلم من الذي يوزّع كتبه مجاناً ، وأين تنشر ؟ ولكن لماذا هذه المغالطات المكشوفة ؟ كيف لا يطلب قراءة كتب الشيعة التي كتبها علماء الشيعة أنفسهم ولماذا يأمر هذا الكاتب بقراءة كتب شخص حاقد مأجور ليتعرف على حقيقة الشيعة ؟ هل يمكن التعرّف على حقيقة الشيعة من كتب أعداء الشيعة ؟ ولكن هكذا تدلس الحقيقة ، وهكذا يخدع الناس إنهم يفترون على الشيعة الأباطيل ، ثمّ يقولون للناس هذه حقيقة الشيعة ، والا فما قيمة إحسان إلهي ظهير الذي كتب الأكاذيب ونسبها الى الشيعة في كتبه وكان من ورائه من يدفعه ويدفع له الثمن بسخاء ويشجّعه على إثارة الفتن بين المسلمين .

وإذا أراد التعريف بحقيقة الشيعة ، فليرجع إلى كتب الشيعة ما ألّفه علماء الشيعة ، فإنّ الشيء لا يؤخذ إلّا من مصدره لا من مصادر أعدائه ، وقد ذكرنا جملة من كتب الشيعة ومصادرها فيراجعها من شاء لمعرفة حقيقة الشيعة وأفكارهم وآراءهم ١ .

ثمّ إن هذا لا يختصّ بما كتبه احسان إلهي ظهير بل يجري

__________________

١) راجع كتب الشيعة المذكورة في أول الكتاب .

١٤٣
 &

في كل قضيّة يراد الوقوف على حقيقتها ، فإن اُصول البحث ومقتضى الانصاف الرجوع إلى المصادر الاوّليّة لنفس صاحب الفكرة أو الرأي لا أنّها تؤخذ من المخالف والعدو لها فإن ذلك خلاف العدل والانصاف .

قال الكاتب : أعدّ العلماء من أكثر الدّول الاسلاميّة في مؤتمرهم الذي عقدوه أعدوا له جدولاً على أن يكتبوا كتاباً بخصوص الشيعة حتى يتمكّنوا من الوقوف على معرفة أصل الشيعة وتعاليمهم وعقائدهم والفرق الموجود بينهم وبين مسلمي أهل السنة .

ونقول : أوّلاً : هل دعوا أحداً من علماء الشيعة لحضور هذا المؤتمر .

وثانياً : ان كلامه هذا يفيد أنهم إلى قبل عقد المؤتمر لم يكونوا يعرفون أصل الشيعة وتعاليمهم ، وهذا يناقض ما ذكره من أن حقيقة الشيعة معلومة ومعروفة كما ذكر عن مراجعة العلماء الى فتوى ابن حزم ، فكيف ينسجم هذا مع ذاك ؟

وثالثاً : لماذا يتعبوا أنفسهم ويكتبوا كتاباً ليتعرفوا على أصل الشيعة وتعاليمهم وهذه كتب الشيعة منتشرة وآراؤهم في العقائد والفقه والتفسير والحديث والأخلاق والفلسفة ، وهل أنّ علماء

١٤٤
 &

السنة أعرف بمذهب الشيعة من علماء الشيعة أنفسهم .

ورابعاً : أنّ التعبير الصحيح عن هذا المؤتمر هو أنّه مؤامرة على نشر الفتن والتفريق بين المسلمين في الوقت الذي لدينا من القضايا المشتركة ما يشغلنا عن التفكير في هذا السفاسف والأباطيل .

وخامساً : أنّ هذا الكاتب يدّعي أن معتقدات الشيعة وأعمالهم من الامور التي ابتدعها اليهود (الاسرائيليون) وأدخلوها في الاسلام ، ونحن لا نريد ان ننبش الماضي ونكشف الحقائق ، فإن هذا الكاتب لا يحتمل سماع الحقيقة ، ولكن نطلب منه أن يرجع الى المصادر الأولية لعلماء السنة ليتطلع بنفسه على من هم اولئك الذين كانوا يدسون في الروايات الأباطيل الاسرائيلية وينسبونها الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إن هذا الكاتب ينطبق عليه المثل العربي (رمتني بدائها وانسلّت) .

قال الكاتب : إن مشروع الاتحاد والوحدة إنّما نشأ من قبل انصار الشيعة وبعض مشايخهم . . الخ .

ونقول : هذه عودة الىٰ النغمة التي كان يرددها هذا الكاتب ليدلل على افلاسه ويبرهن على جهله ولسنا بحاجة الى اعادة الجواب بعدما ذكرناه مراراً وتكراراً .

١٤٥
 &

الشيعة والصحابة مرة ثالثة

قال الكاتب : إن الأساس لتعاليم الشيعة ودعاياتهم يبتني على القول بأنّ أصحاب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله الذين بلغ عددهم مائة ألف في حجّة الوداع خرجوا كلّهم عن الإسلام بل ارتدّوا جلّهم وكفروا بعد وفاة النبي الّا أربعة أنفار منهم فقط حسب مدعاهم .

ونقول : إنّ الصحبة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في حدّ ذاتهم ليست مقياساً للعدالة والاستقامة ما لم يعضدها إيمان بالله وتقوى وعمل صالح ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) ١ ودليلنا على ذلك أن القرآن الكريم تحدث في العديد من الآيات عن أحوال الناس الذين كانوا في زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فوصف بعضهم بالإيمان والصّلاح ، ووصف آخرين بالنفاق ، وذكر أن قسماً منهم كان يؤذي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وذكر المفسّرون والمؤرّخون من القضايا والأحداث ما يدلّ على أن الصحابة لم يكونوا كلّهم على المستوى المطلوب من العدالة والاستقامة وشأنهم شأن سائر الناس .

ونحن وإن أشرنا ـ فيما تقدم ـ إلى ما كان عليه الصّحابة من الاختلاف وأنّ حالهم لا يختلف عن أحوال الناس الّا أنّنا ـ وفي

__________________

١) سورة الحجرات ، الآية ١٣ .

١٤٦
 &

خاتمة الحديث عن هذا الموضوع ـ نعرض صوراً ونماذج من تاريخهم كما أثبته الرواة والمؤرخون ، معتمدين في ذلك على المصادر السنّية فحسب ، ليقف الكاتب وأضرابه على حقيقة الحال ، وليس فيما سنذكره فضيحة على الصحابة كما يتوهم الكاتب ، وإنّما هو التاريخ الذي كتب بأقلام سنيّة وذكرت الأحداث وصانعيها ، وإذا كان ثمّت فضيحة فليست الشيعة هي المسؤولة عنها ، إذ لا دور لها في صنع هذه الأحداث ، وإنّما جاء الشيعة إلى كتب التأريخ فوجدوا ـ من خلال ما أودع فيها ـ أنّ الصحابة مثلهم كمثل سائر النّاس في كلّ شيء ، فقد يصدر عنهم الخطأ ، والإشتباه ، وسوء الفهم ، والتّعدي ، وتجاوز الحدود الشرعية ، وإيذاء الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وعترته وما إلى ذلك ، وقد يكون بعضهم مستقيماً في جميع أحواله ، فقال الشيعة بعد ذلك عن المسىء أنّه أساء ، وعن المحسن أنّه أحسن ، هذه هي الحقيقة في نظر الشيعة ، وأمّا أنّ الصّحابة كلهم مسيئون أو أنّهم كلهم محسنون فهو هراء يكذّبه الواقع التأريخي .

وينبغي لهذا الكاتب ومن هم على شاكلته أن يتحرّوا قليلاً عن الموروثات والمرتكزات ، وينظروا للأحداث وأشخاصها بعين البصيرة والعدل والإنصاف ، وأن يحكموا على الأشخاص أولهم

١٤٧
 &

على ضوء ما حفظته لنا كتب التاريخ والرّوايات من الوقائع والأحداث .

وفيما يلي نعرض جملة من حوادث الخلاف والاختلاف بين الصحابة ابتداء من زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فاستمع لما يتلى عليك .

في زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

قال الله تعالى : ( وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا ) ١ .

وهذه الآية الشريفة نزلت تخاطب صحابة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وتنهاهم نهياً مؤكداً عن أيذاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وتعيّن الأمر الذي كان يؤذي الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو نكاح أزواجه بعد وفاته صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وقد ذكر المفسرون أنّ هذه الآية نزلت في بعض أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان يحدّث نفسه بالزواج من بعض نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد موته .

روى أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في تفسيره قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ . . . ) قال : ربّما بلغ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ الرجل يقول :

__________________

١) سورة الأحزاب ، الآية ٥٣ .

١٤٨
 &

لو أنّ النبي توفي تزوجت فلانة من بعده ، قال : فكان ذلك يؤذي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فنزل القرآن : وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ١ الآية .

وقال السيوطي : وأخرج البيهقي في السنن عن ابن عباس قال رجل من أصحاب النبي : لو مات رسول الله تزوجت عائشة أو اُمّ سلمة ٢ .

وذكر عدة روايات بهذا المضمون ٣ .

ونصّت بعض التفاسير على اسم هذا الرجل قال السيوطي : وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي بلغنا أنّ طلحة بن عبيدالله قال : أيحجبنا محمّد عن بنات عمّنا ويتزوّج نساءنا من بعدنا ، لئن حدث به حدث لنتزوّجنّ نساءه من بعده ٤ .

وذكر ذلك أيضاً غيره من المفسّرين ٥ .

__________________

١) جامع البيان في تفسير القرآن : ج ١٠ ص ٢٩ دار المعرفة للطباعة والنشر .

٢) الدر المنثور : ج ٦ ص ٦٤٣ الطبعة الاولى ١٤٠٣ هـ ـ ١٩٨٣) دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع .

٣) نفس المصدر : ص ٦٤٢ .

٤) نفس المصدر : ص ٦٤٤ .

٥) تفسير البحر المحيط : ج ٧ ص ٢٤٧ الطبعة الثانية دار الفكر ، وراجع زاد المسير في علم التفسير : ج ٦ ص ٤١٦ ، الطبعة الأولى .

١٤٩
 &

وقال الله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ . . . ) ١ .

وتسمّى هذه الآية بآية الإفك وهو ـ كما عرّفه الفخر الرازي ـ : أبلغ ما يكون من الكذب والافتراء ، وقيل : هو البهتان ، وهو الأمر الذي لا تشعر به حتى يفجؤك ، وأصله الإفك وهو القلب ، لأنّه قول مأفوك عن وجهه ٢ .

ثم قال : وأمّا قوله منكم فالمعنى إن الذين أتوا بالكذب في أمر عائشة جماعة منكم ٣ .

فالخطاب في الآية الكريمة موجّه للصّحابة وأنّ بعضهم جاء بالكذب والإفتراء .

وأما كون المقصود بالإفك هو عائشة أو غيرها فسيأتي الحديث عن ذلك في محلّه من هذا الكتاب .

وقد ذكر المفسّرون والرواة تفاصيل هذه القضيّة ونصّ بعضهم على أسماء العصبة التي جاءت بالإفك وهم : عبدالله بن أبيّ ، وزيد بن رفاعة ، وحسّان بن ثابت ، ومسطح بن أثاثة ،

__________________

١) سورة النور ، الآية ١١ .

٢) التفسير الكبير : ج ٢٣ ص ١٧٢ ، الطبعة الثالثة .

٣) نفس المصدر : ص ١٧٣ .

١٥٠
 &

وحمنة بنت جحش ومن ساعدهم ١ .

ونقل السيوطي القضية بتفاصيلها ومما جاء فيها : فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فاستعذر يومئذ من عبدالله بن أبيّ ، فقال وهو على المنبر : يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل بلغني أذاه على أهل بيتي ، فوالله ما علمت على أهلي الّا خيراً ، ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه الّا خيراً ، وما كان يعرض على أهلي الّا معي ، فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال : يا رسول الله أنا أعذرك منه ،إن كان من الأوس ضربت عنقه ، وإن كان من أخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك ، فقام سعد بن عبادة وهو سيّد الخزرج ، وكان قبل ذلك رجلاً صالحاً ، ولكن احتملته الحميّة فقال لسعد : كذبت لعمر الله ، ما تقتله ولا تقدر على قتله ، فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد ، فقال لسعد بن عبادة : كذبت لنقتلنّه ، فإنّك منافق تجادل عن المنافقين ، فتثاور الحيّان الأوس والخزرج حتى همّوا أن يقتتلوا ورسول الله قائم على المنبر ، فلم يزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يخفضهم حتى سكتوا وسكت ٢ .

__________________

١) تفسير البحر المحيط : ج ٦ ص ٤٣٦ وذكرهم في تفسير زاد المسير ـ عدا زيد بن رفاعة ـ عن مقاتل ، راجع ج ٦ ص ١٨ .

٢) الدر المنثور : ج ٦ ص ١٤٢ ، الطبعة الاولى ١٤٠٣ هـ ـ ١٩٨٣ م ، دار الفكر .

١٥١
 &

وغرضنا من إيراد هذه القضيّة هو بيان حال الصحابة في حضور النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وما كان يجري بينهم على مسمع ومرأى منه كما رواها أعلام السنة في كتبهم ، وليس الغرض تصحيح القضية فإنّ فيها بحثاً سيأتي .

٣ ـ ومن الوقائع في زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله القضية المشهورة والمعروفة برزيّة يوم الخميس أو حديث الدواة والكتف . وقد رواها المحدّثون وأودعوها صحاحهم بطرقهم المتعددة كصحيح البخاري ١ وصحيح مسلم ٢ ومسند أحمد ٣ وذكرها المؤرخون كالطبري ٤ وابن أبي الحديد ٥ والشهرستاني ٦ وغيرهم ٧ .

روي البخاري بسنده إلى عبيدالله بن عبدالله عن ابن عباس

__________________

١) صحيح البخاري : ج ٧ ص ١٥٦ ـ كتاب المرضى ـ دار إحياء التراث العربي .

٢) صحيح مسلم : ج ٣ ص ١٢٥٧ الحديث ١٦٣٧ الطبعة الثانية ١٣٩٨ هـ ـ ١٩٧٨ دار الفكر .

٣) مسند الإمام أحمد : ج ١ ص ٣٣٢ ، دار الفكر .

٤) تاريخ الامم والملوك (تاريخ الطبري) ج ٣ أحداث سنة ١١ ص ١٩٣ ، دار سويدان بيروت .

٥) شرح نهج البلاغة : ج ٦ ص ٥١ ، دار إحياء الكتب العربية ـ عيسى البابي الحلبي وشركاه .

٦) الملل والنحل : ج ١ ص ٢٩ ، الطبعة الثانية .

٧) طبقات ابن سعد : ج ٢ ص ٢٤٢ ، دار صادر ـ بيروت ـ لبنان .

١٥٢
 &

قال : لما حُضر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب ، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : هلمّ أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده .

فقال عمر : إنّ النبي قد تغلب عليه الوجع ، وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله ، فاختلف أهل البيت ، فاختصموا منهم من يقول : قرّبوا يكتب لكم النبي كتاباً لن تضلوا بعده ، ومنهم من يقول ما قال عمر ، فلمّا اكثروا اللّغو والإختلاف عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : قوموا ، قال عبيدالله : فكان ابن عباس يقول : إنّ الرزيّة كل الرزيّة ما حال بين رسول الله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم ١ .

وهناك حوادث جمة وفي ما ذكرنا كفاية .

في زمان أبي بكر

وأوّل حوادث الخلاف والإختلاف في زمانه حادثة اجتماع السّقيفة ، وما جرى فيه من الشقاق والنّزاع بين الصحابة على الخلافة (والجرح لمّا يندمل والرسول لما يقبر) وكانت هذه الحادثة قاصمة الظهر التي تمخّض عنها الجرح الذي لا يندمل والكسر الذي لا ينجبر .

__________________

١) صحيح البخاري : ج ٧ ص ١٥٦ ـ كتاب المرضى ـ دار احياء التراث العربي .

١٥٣
 &

ولو قلدوا الموصى إليه زمامها

لزمّت بمأمون عـن العثـرات

وكلّما تقادم العهد ازدادت رقعة الخلاف بين المسلمين واتسعت ، وأصبحوا شيعاً وأحزاباً كلّ حزب بما لديهم فرحون .

وخلاصة هذه الحادثة أنّ الأنصار اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة وخطب فيهم سعد بن عبادة واتفقوا على توليته ، فبلغ الخبر إلى أبي بكر ففزع أشدّ الفزع وقام معه عمر ، ولقيهما أبو عبيدة بن الجرّاح ، فانطلقوا حتى دخلوا سقيفة بني ساعدة وفيها رجال من الأشراف ، وخطب فيهم أبو بكر ، وحمل الحسد بعض الخزرجيّين لمّا رأى ما أتفق عليه قومه من تأمير سعد بن عبادة ، فسعى في نقض الأمر على سعد ، وأوشك القتال أن يقع بينهم حتى بادر بعضهم إلى السيف ، وكادوا يطأون سعداً ، فقال سعد : قتلتموني ، فقيل : اقتلوه ، قتله الله ، وانفضّ الإجتماع بمبايعة أبي بكر ، واعتزل سعد القوم ، فكان لا يصلّي بصلاتهم ، ولا يحضر جماعتهم ، ولا يفيض بإفاضتهم ، ولو كان يجد عليهم أعوانا لصال بهم ، ولم يزل كذلك حتى قتل بالشام .

وقد رواها الطبري في تاريخه ١ وذكر ابن قتيبة تفاصيلها في

__________________

١) تاريخ الامم والملوك (تاريخ الطبري) ج ٣ ص ٢٠٣ ـ ٢١١ دار سويدان ـ بيروت لبنان .

١٥٤
 &

كتابه الإمامة والسياسة ١ .

هذا وقد تخلّف بنو هاشم وآخرون عن البيعة ، منهم سلمان الفارسي ، وأبو ذر ، والمقداد ، وعمار ، والزبير ، وخزيمة بن ثابت ، وأبيّ بن كعب ، وخالد بن سعد بن العاص ، وغيرهم من المهاجرين والأنصار .

يقول الأستاذ عبدالفتاح عبدالمقصود : لو أنصف الناس حق الإنصاف لأرجأوا البيعة حتى يتم لهم مواراة جثمان الرسول كان هذا أدنى إلى الصواب ، إن لم يكن هو الصواب أن يتريّث القوم من المهاجرين والانصار لا يتنازعون سلطان محمد بينهم ، ومحمد ما زال مسجّى على فراشه لم يغيّبه عن عيونهم مثواه ٢ .

ويقول الأستاذ عبدالكريم الخطيب : ومع هذا فقد كان يوم السّقيفة فلتة من فلتات الأيام ، كما قال بذلك كثير ممن شهده ، أو علم بما جرى فيه من كبار الصحابة والتابعين ، أمّا بعد أبي بكر وقد بعد العهد شيئاً بزمن النبوّة وتدافعت في صدور النّاس

__________________

١) الإمامة والسياسة : ج ١ ص ٤ ـ ١٣ الطبعة الاخيرة ١٣٨٨ هـ ـ ١٩٦٩ م مطبعة البابي الحلبي ـ مصر .

٢) من حياة الخليفة عمر بن الخطاب لعبدالرحمن البكري : ص ٧٨ عن كتاب الامام علي بن أبي طالب لعبدالفتاح عبدالمقصود : ج ١ ص ٢٠٧ .

١٥٥
 &

نزعات من العصبيات الجاهلية .

فإنّ الخلاف في شأن الخلافة لن يأخذ صورة يوم السّقيفة ، ولن يقف عند حدود هذا اليوم ، بل سيكون خلافاً عاصفاً متسع الجوانب ، مختلف الوجوه ، إن سلّم بها الأنصار للمهاجرين فبحسب الخلاف شناعة وسوء عاقبة أن يقع بين المهاجرين أنفسهم ، وأن يتنازعوا « الخلافة » فيما بينهم ، بيتاً بيتاً ، وبطناً بطناً ، وقبيلة قبيلة ، إنّهم لن يلتقوا أبداً الّا في ساحة الحرب وميدان القتال ١ .

وأعقب ذلك حدث آخر ـ يضاف إلى حوادث الإختلاف ـ وهو ما جرى بين القوم وبين بني هاشم ، وخصوصاً الصّديقة الزهراء عليها‌السلام .

يقول ابن قتيبة في كتابه الإمامة والسياسة : فجاء (عمر) فناداهم وهم في دار عليّ ، فأبوا ان يخرجوا فدعا بالحطب ، وقال : والذي نفس عمر بيده لتخرجنّ أو لأحرقنّها على من فيها ، فقيل له : يا أبا حفص إنّ فيها فاطمة ؟! فقال : وإنْ ٢ .

__________________

١) من حياة الخليفة عمر بن الخطاب لعبدالرحمن البكري : ص ٨٤ عن كتاب عمر بن الخطاب لعبدالكريم الخطيب : ص ٧٢ .

٢) الامامة والسياسة : ج ١ ص ١٢ الطعبة الأخيرة ١٣٨٨ هـ ـ ١٩٦٩ م مطبعة البابي الحلبي بمصر .

١٥٦
 &

وتلا ذلك حوادث أخرى كقضية فدك والميراث وغيرهما ممّا دفع سيّدة النّساء الزهراء عليها‌السلام إلى الوقوف في مسجد أبيها ـ بعد أن ضرب بينها وبين القوم ملاءة ـ لتعلن ضلامتها أمام المسلمين . وكان ما كان مما حفظه التاريخ إلى أن ماتت بضعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهي ساخطة ١ .

ومن الحوادث التي رصدها التاريخ في زمان أبي بكر حادثة يوم البطاح وكان بطله خالد بن الوليد ، إذ قتل مالك بن نويرة التميمي ، ونكح زوجته ـ وكانت من أجمل النساء ـ ورجع إلى المدينة رجوع الفاتحين ، وقد غرز في عمامته أسهماً ، فقام إليه عمر فنزعها وحطّمها ، وقال له : قتلت امرءاً مسلماً ثم نزوت على امرأته ، والله لأرجمنّك بأحجارك ، ثم قال لأبي بكر : إنّ خالداً قد زنى فارجمه ، قال : ما كنت لأرجمه فإنّه تأوّل فأخطأ .

قال : إنّه قتل مسلماً فاقتله به ، قال : ما كنت لأقتله به إنّه تأوّل فأخطأ ، فلما أكثر عليه قال : ما كنت لأشيم سيفاً سلّه الله تعالى ، وودى مالكاً من بيت المال وفكّ الأسرى والسبايا .

وهذا الحدث مما أطبق على روايته المؤرخون ، فقد ذكره

__________________

١) نفس المصدر : ص ١٤ .

١٥٧
 &

الطبري ١ في تاريخه ، وابن الأثير ٢ في كامله ، والاندلسي ٣ في عقده الفريد وغيرهم .

في زمان عمر

وحوادث الإختلاف بين الصّحابة في زمان عمر كثيرة ونكتفي بذكر حادثتين .

الأولى : ذكر المؤرخون في حوادث سنة إحدى وعشرين : أنّ عمر بعث أبا هريرة والياً على البحرين ، وبقى فيها سنتين ثم عزله ، وولّى عثمان بن العاص الثقفي ، ولم يكتف بعزله حتى استنقذ منه لبيت المال عشرة آلاف زعم أنه سرقها من مال الله . قال ابن عبدالبر في العقد الفريد : ثم دعا أبا هريرة فقال له علمت أنّي استعملتك على البحرين وانت بلا نعلين ، ثم بلغني أنّك ابتعت أفراساً بألف دينار وستمائة دينار ؟ قال : كانت لنا أفراس

__________________

١) تاريخ الامم والملوك (تاريخ الطبري) ج ٣ ص ٢٧٦ ـ ٢٨٠ دار سويدان ـ بيروت لبنان .

٢) الكامل في التاريخ : ج ٢ ص ٣٥٧ ـ ٣٦٠ دار صادر ـ دار بيروت .

٣) العقد الفريد : ج ٤ ص ٢٥٨ ـ ٢٦٣ الطبعة الثانية ، دار الكتاب العربي ـ بيروت لبنان .

١٥٨
 &

تناتجت وعطايا تلاحقت ، قال : حسبت لك رزقك ومؤنتك ، وهذا فضل فأدّه قال : ليس لك ذلك ، قال : بلى والله ، وأوجع ظهرك ، ثم قام إليه بالدرّة فضربه حتى أدماه ، ثم قال أئت بها ، قال : أحتسبها عند الله ، قال : ذلك لو أخذتها من حلال وأدّيتها طائعاً ، أجئت من أقصى حجر البحرين يجبي الناس لك ، لا لله ولا للمسلمين ما رجّعت بك أميمة الّا لرعية الحمر وأميمة اُمّ أبي هريرة ١ .

الثانية : أخرج الحاكم في مستدركه : أنّ رجلاً من المهاجرين الأوّلين جيء به وقد شرب الخمر ، فأمر به عمر ان يجلد ، فقال : لم تجلدني ؟ بيني وبينك كتاب الله عزّوجلّ ، فقال عمر : في أيّ كتاب الله أنّي لا أجلدك ؟ فقال : إنّ الله تعالى يقول في كتابه : ( لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا ) الآية ، فأنا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، ثم اتقوا وآمنوا ، ثم اتقوا واحسنوا ، شهدت مع رسول الله بدراً ، والحديبية ، والخندق ، والمشاهد ، فقال عمر : ألا تردّون عليه ما يقول ؟ فقال ابن عباس : إنّ هذه الآيات نزلت عذراً للماضين وحجة على الباقين ، لأنّ الله عزّوجلّ يقول : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ

__________________

١) نفس المصدر : ج ١ ص ٤٥ ـ و ٤٦ .

١٥٩
 &

وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ . . . ) ثم قرأ حتى أنفذ الآية الأخرى ومن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا واحسنوا فإنّ الله عزّوجلّ قد نهى عن أن يشرب الخمر ، فقال عمر : صدقت ، فماذا ترون ؟ فقال علي : نرى أنّه إذا شرب سكر ، وإذا سكر هذى ، وإذا هذى افترى ، وعلى المفتري ثمانون جلدة ، فأمر عمر (رض) فجلد ثمانين .

هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه ١ .

في زمان عثمان

وأمّا اختلاف الصحابة في زمان عثمان فبلغ إلى حدّ أدّى إلى قتله بينهم ، واشترك بعضهم في التأليب عليه ـ كما مر ـ وتحريك الناس ضدّه ، قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : إنّ عائشة كانت من أشدّ الناس على عثمان ، حتى أنّها أخرجت ثوباً من ثياب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فنصبته في منزلها ، وكانت تقول للدّاخلين إليها : هذا ثوب رسول الله لم يبل ، وعثمان قد أبلى ؟ سنته .

__________________

١) مستدرك الحاكم على الصحيحين : ج ٤ كتاب الحدود : ص ٣٧٦ ، دار الفكر بيروت .

١٦٠