الحقيقة المظلومة

محمد علي صالح المعلّم

الحقيقة المظلومة

المؤلف:

محمد علي صالح المعلّم


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٤٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

القرآن كلّه وما يدريه ما كلّه قد ذهب من قرآن كثير ولكن ليقل قد أخذت منه ما ظهر) الاتقان في علوم القرآن للسيوطي : ج ٣ ص ٨١ و ٨٢ .

٥ ـ وروى عروة بن الزبير عن عائشة قالت : كانت سورة الاحزاب تقرأ في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مأتي آية فلما كتب عثمان المصاحف لم نقدر منها الّا على ما هو الآن) الاتقان في علوم القرآن للسيوطي : ج ٣ ص ٨٢ .

٦ ـ وروت حميدة بنت أبي يونس قالت قرأ علي أُبيّ ـ وهو ابن ثمانين سنة ـ في مصحف عائشة إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما وعلى الذين يصلون في الصفوف الأولى قالت : قبل أن يغير عثمان المصاحف ، الاتقان في علوم القرآن للسيوطي : ج ٣ ص ٨٢ .

٧ ـ وروى زرّ قال : قال أبيّ بن كعب يا زرّ : كايّن تقرأ سورة الاحزاب قلت : ثلاث وسبعين آية قال : إن كانت لتضاهي سورة البقرة أو هي أطول من سورة البقرة . . . » منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد : ج ٢ ص ٤٣ .

٨ ـ وروى ابن أبي داود وابن الأنباري عن ابن شهاب قال : بلغنا أنه كان أنزل قرآن كثير فقتل علماؤه يوم اليمامة الذين كانوا

١٠١
 &

قد وعوه ولم يعلم بعدهم ولم يكتب . منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد : ج ٢ ص ٥٠ .

٩ ـ وروى عمرة ، عن عائشة أنها قالت : كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحر من ثم نسخن بـ : خمس معلومات ، فتوفّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهنّ فيما يقرأ من القرآن ، صحيح مسلم : ج ٢ كتاب الرضاع باب ٦ ص ١٠٧٥ ، الطبعة الثانية .

١٠ ـ وروى المسور بن مخرمة قال : قال عمر لعبدالرحمن ابن عوف : ألم تجد فيما اُنزل علينا أن جاهدوا كما جاهدتم أول مرة فإنّا لا نجدها ، قال : اُسقطت فيما اُسقط من القرآن ، الاتقان في علوم القرآن للسيوطي : ج ٣ ص ٨٤ .

١١ ـ وروى أبو سفيان الكلاعي أنّ مسملة بن مخلد الأنصاري قال لهم ذات يوم : أخبروني بآيتين في القرآن لم يكتبا في المصحف ، فلم يخبروه وعندهم أبو الكنود سعد بن مالك فقال ابن مسملة : إنّ الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ألا أبشروا أنتم المفلحون والذين آووهم ونصروهم وجادلوا عنهم القوم الذين غضب الله عليهم اولئك لا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون »

١٠٢
 &

الاتقان في علوم القرآن للسيوطي : ج ٣ ص ٨٤ .

١٢ ـ وقد نقل بطرق عديدة عن ثبوت سورتي الخلع والحفد في مصحف ابن عبّاس وأبيّ بن كعب اللهمّ إنّا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك اللهمّ إياك نعبد ولك نصلّي ونسجد وإليك نسعى ونحفد ونرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك بالكافرين ملحق) الاتقان في علوم القرآن للسيوطي : ج ١ ص ٢٢٧ .

وهناك غيرها من الروايات أيضاً ذكرت في كتب السنة .

فماذا يقول هذا الكاتب وبماذا يجيب ؟

على أنّ المشهور بين علماء الشيعة ومحقّقيهم بل المتسالم على بينهم هو القول بعدم التحريف واستدلوا بعدّة أدلة من القرآن ومن أحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على أن القرآن لا تحريف فيه ومن ذلك قوله تعالى : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) ١ وقوله تعالى : ( وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) ٢ ومن الاحاديث قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنّهما لن يفترقا حتى

__________________

١) سورة الحجر ، الاية ٩ .

٢) سورة فصلت ، الآيتان ٤١ و ٤٢ .

١٠٣
 &

يردا عليّ الحوض » ١ .

وغيرها من الأدلّة بل إنّ القول بعدم التحريف من معتقدات الاماميّة التي صرّح بها علماؤهم ، كالشيخ الصدوق محمّد بن بابويه القمي ، والشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي والطبرسي ، والسيد المرتضى ، والشيخ جعفر كاشف الغطاء ، والشيخ محمد جواد البلاغي ، وغيرهم من أقطاب العلماء والفقهاء الشيعة .

بل قام اجماعهم على ذلك .

ونحيل الكاتب على كتاب البيان في تفسير القرآن وهو للسيد أبي القاسم الخوئي أحد أبرز علماء الشيعة في العصر الحديث ليقف على الدفاع عن القرآن الكريم باسلوب علمي محكم .

وأما الروايات التي وردت في كتب الشيعة وظاهرها التحريف ، فهي : إمّا مردودة لا يعتمد عليها ، وإما مؤولة على وجوه أخرى لا تتنافى مع القول بسلامة القرآن عن التحريف .

والنتيجة أن الشيعة الامامية لا تقول بتحريف القرآن ،

__________________

١) أخرجه الترمذي : ج ٥ ص ٣٢٩ ، طبعة دار الفكر ـ بيروت .

ومستدرك الحاكم : ج ٣ ص ١٨ ح ٤٥٧٦ وص ١٦١ ح ٤٧١١ .

١٠٤
 &

ومجرد وجود رواية في كتبهم لا يعني الأخذ بها ، فما عند السنة من ذلك الشيء الكثير وقد ذكرنا بعضه .

قال الكاتب : ومن جهة أخرى أنّهم يعتقدون أيضاً أنّ القرآن الموجود حالياً لم يدوّن الّا على يدي أبي بكر وعمر وعثمان بينما هم غاصبون لخلافة علي عليه‌السلام وهذا (أي غصب الخلافة) يثبت خيانتهم وفقد الايمان الصحيح .

ونقول : إنّ القرآن قد دوّن وجمع في زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لأنّ الروايات المذكورة في جمع القرآن بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كلّها مضطربة ومتناقضة ، كما أنها مخالفة للعقل وتستلزم القول بالتحريف ، وقد بحث السيد أبو القاسم الخوئي هذه المسألة في كتابه البيان في تفسير القرآن فإن شاء هذا الكاتب أن يقف على حقيقة الأمر فليرجع الى هذا الكتاب ١ .

وأما مسألة الخلافة ، فقد ذكرنا أكثر من مرّة أنّ الشيعة تعتقد بأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله نص على إمامة الأئمّة عليهم‌السلام من بعده وعيّنهم بأسمائهم وعى ذلك أدلّة الشيعة في هذا المجال في كتبهم الاعتقاديّة .

قال الكاتب : وبحسب اعتقادهم إنّ القرآن الصحيح قد

__________________

١) البيان في تفسير القرآن : ص ٢٥٧ و ٢٧٨ الطبعة الثانية ١٣٨٥ هـ ١٩٦٥ م .

١٠٥
 &

خلّفه الرسول للامام علي عليه‌السلام وعندما لم يفسح له الاعداء مجالاً لخلافة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أخفاه الامام وأوصاه لأولاده المعروفين بالأئمّة الى أن وصل الى الامام الحادي عشر ، فقام بدوره وسلّمه الى الامام الثاني عشر وهو الغائب وعلى أنّه اختفى وغاب بالقرآن الصحيح وعند ظهوره سوف يخرج وينكشف هذا القرآن الصحيح أمام الملأ .

ونقول : إنّ في كلام هذا الكاتب خلطاً واضحاً ، وذلك لأن الشيعة كما مرّ تعتقد أنّ القرآن هو هذا القران المتداول بين المسلمين وهو عند الشيعة كما هو عند السنة ، وليس عند الشيعة ولا عند أئمتهم قرآن آخر .

وأما الذي عند الائمة فهي كتب اُخرى غير القرآن الكريم ، وانما هي كتب فيها من العلوم والمعارف كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يمليها على علي وكان علي يكتبها وهي ليست كتب احكام وتشريع مخالفة للقرآن الكريم ، بل فيها تفاصيل بعض الأحكام الواردة في القرآن ، ويستند إليها الائمة عليهم‌السلام في بعض ما ينقلون من الأحكام ، وهي من مختصّاتهم عليهم‌السلام وممّا ورثوه عن جدّهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وان كان لا يعمل على طبقها في زمان غيبة الإمام عليه‌السلام والمدار في في زمانها على القرآن والسنة .

١٠٦
 &

وكان الائمة عليهم‌السلام يتوارثون هذه الكتب وهي موجودة الآن عند الإمام الثاني عشر . هذا هو معتقد الشيعة .

أمّا أن القرآن الصحيح هو عند الامام الثاني عشر وعند ظهوره سوف يخرج وينكشف امام الملأ ، فهذا كذب وافتراء على الشيعة وإذا كان هذا الكاتب قد قرأ في كتب الشيعة شيئاً من هذا القبيل فهو لم يفهم المعنى المراد فخلط في كلامه وجرّه ذلك إلى الإتهام الباطل كما هي عادته .

قال الكاتب : ويذهبون بعيداً من القول إن إمامة علي واولاده تمّ التنصيص عليها في هذا القرآن المذكور .

ونقول : إن ما يذهب إليه الشيعة هو التنصيص على إمامة علي وأولاده في هذا القرآن المتداول عند كافة المسلمين ويستدلون بالآيات القرآنية والروايات الواردة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله التي رواها علماء السنة في صحاحهم كآية التطهير وآية المباهلة وآية المودة وآية الغدير ، وهي قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) ١ حيث نزلت هذه الآية في غدير خم وهو مكان بين مكة والمدينة بعد منصرف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من حجّة الوداع ، وقد روى هذه

__________________

١) سورة المائدة ، الآية ٦٧ .

١٠٧
 &

الحادثة علماء السنة في كتبهم وألّفت فيها كتب عديدة .

وآية الولاية وهي قوله تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) ١ وقد نزلت هذه الآية في قصة مشهورة ذكرت في كتب التفاسير وآية الإنذار يوم الدار وغيرها من الآيات ، وهكذا الروايات الواردة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كحديث الثقلين ، وحديث المنزلة ، وحديث السفينة ، وأحاديث اُخرى كثيرة ، مما أشرنا فيما تقدّم .

والنتيجة ان الشيعة تستدل على إمامة أئمتّهم بآيات هذا القرآن الكريم وأمّا الكتب التي هي عند الائمة عليهم‌السلام فهي كتب خاصة لهم يتوارثونها فيما بينهم .

قال الكاتب : إن ما عليه الشيعة من القول يعادل من يرفض وينكر هذا القرآن بكونه صحيحاً ومحتوياً على أحكام الله وشرائعه المنزلة على رسوله لهداية الناس (الاُمّة) فالانكار للقرآن الكريم يستلزم الانكار لنبوة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله نفسه ولكن الشيعة لا يظهرون هذا الانكار لأجل التقيّة ولما ينجم عن الانكار الصريح تلويث ورقة الاسلام بالفضيحة .

ونقول : إنّ هذا الكاتب يدّعي علم الغيب ، فإنّه اطّلع على

__________________

١) سورة المائدة ، الآية ٥٥ .

١٠٨
 &

قلوب الشيعة ، وعرف أنّهم لا يظهرون هذا الانكار لأجل التقية ، ثمّ هو يناقض نفسه فهو في الوقت الذي يتهم الشيعة بالكفر والخروج عن الدين يرى أنهم يخافون على الاسلام من أن تتلوث ورقته بالفضيحة إن أفكار هذا الكاتب مبعثرة ولا يدري ماذا يقول فهو تارة يمدح وتارة يذمّ وتارة يدّعي علم الغيب وتارة يهاجم وأخرى يدافع وكل ذلك يدل على اضطراب في نفسه وحقد دفين في قلبه ، ولا يسعنا الّا أن نسال الله له الشفاء .

الشيعة والسنة النبويّة

قال الكاتب : إنّهم لا ينكرون القرآن فحسب ، بل يمتدّ هذا التكذيب والرفض الى الكتب الحديثية (الصحاح الستة) فبناء على دعواهم يقولون ان لديهم كتب حديثية وما فيها من أحاديث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله لا تتجاوز الخمسة بالمائة والبقية يعني ٩٥% (الخمسة والتسعون) من الأقوال والأفعال ترجع الى أئمتهم إن كلمة الحديث في مصطلحهم تعني أقوال أئمتهم وأفعالهم وتقريراتهم .

ونقول : إنّ الشيعة تعتقد أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله جاء بالشريعة كاملة غير منقوصة ، وقد بيّن تعاليم الاسلام وأحكامه من خلال القرآن

١٠٩
 &

الكريم وأحاديثه صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد نصّ بأمر من الله على إمامة الأئمّة من ذرّيّته وعترته وجعلهم خلفاء من بعده وأمر بأخذ العلم والمعرفة منهم إذ هم الاعرف والاعلم من كلّ الناس بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لانّهم أهل البيت وهم أدرى بالذي في البيت والائمّة عليهم‌السلام أخذوا العلم عن طريق الوراثة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فإذا تحدّثوا فإنّما يتحدّثون عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وقولهم قول النبي ، وحديثهم حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لكونهم ورّاث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ولمّا قامت الأدلّة على ذلك وثبت أنهم عليهم‌السلام أخذوا العلم عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد أمرنا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله باتّباعهم ، فإنّهم سفينة النجاة ومثلهم كمثل سفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلّف عنها غرق وهوى وأنّهم عدل القرآن وأنّهم عترة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يتضح بذلك مسلك الشيعة وطريقتهم في أخذ الأحكام فهم إنّما يأخذون التعاليم من أئمّتهم عليهم‌السلام لأنّ أقوالهم وأحاديثهم هي التي توصل الى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ولانهم باب حطة وهم سفينة النجاة ورثة علمه صلى‌الله‌عليه‌وآله وليس أحد من الناس أقرب الى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله من أهل بيته ولا أحد أعلم ولا أعرف بالاحكام منهم بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وكان ينبغي على كافة المسلمين أن يسلكوا هذا المسلك وكان الصحابة أنفسهم يأخذون الأحكام من أمير المؤمنين علي بن

١١٠
 &

أبي طالب عليه‌السلام ويرجعون إليه إذا أشكل عليهم الأمر فإنه باب مدينة علم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى قال عمر كلمته المشهورة لولا علي لهلك عمر .

الشيعة لا تقول إنّ الائمة في مقابل النبي ولهم طريق يخالف طريق النبي بل تقول إن طريق الأئمة وسيرتهم هو طريق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وسيرته لأنّهم أهل بيته وعترته وذرّيته وهو صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر المسلمين باتباعهم كما في حديث الثقلين والعاقل المنصف إذا فكر في هذا الأمر رأى أن الاخذ عن الائمّة عليهم‌السلام الذين هم ذرية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته هو الطريق الصحيح المؤدّي إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ولمّا قرن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بين القرآن والعترة وأخبر أنّهما لن يفترقا علمنا بعصمتهم عن الخطأ ويكون قولهم وفعلهم وتقريرهم كلّ ذلك على طبق الحقّ والصواب .

ثمّ إنّ هذا الكاتب يدّعي أنّنا لا نأخذ الّا عن أئمّتنا ، وهذا كذب صريح إنّ الشيعة تأخذ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعن أئمّتهم الذين امر النبي باتّباعهم ، ولكن لا بدّ ان يعلم أنّه ليس كلّ حديث يروى يعتمد عليه ؛ لأنّنا علمنا أنّ كثيراً من الروايات مكذوبة لما أخبر به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله : لقد كثرت علي الكذابة وستكثر من بعدي .

١١١
 &

فمن أجل صيانة الحديث الشريف وتنزيهه عن عبث العابثين لا بدّ من عرضه على المقاييس الصحيحة ليعرف منها صدق الحديث من غيره كما هو معلوم عند علماء السنة ، فما وافق المقاييس أخذ به وما لم يوافقها يرد وليس ردّ الحديث تكذيباً للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كما قد يتوّهم هذا الكاتب ويبادر للاتهام فإن هذا أمر يعرفه علماء السنّة والغرض منه صيانة الحديث والدفاع عنه .

وتبيّن من ذلك أن الشيعة في أخذها الأحاديث عن أئمّتها باعتبار أنّ طريقهم أوثق الطرق وأقربها الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأعرفها بمقاصده .

قال الكاتب : ولاجل ذلك إن الشيعة قد قطعوا حبل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وفتّتوا عرى الاسلام في حين قال صلى‌الله‌عليه‌وآله في حجّة الوداع الأخيرة في حياته ما نصّه : إنّي تارك فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم بهما لن تضلوا بعدي كتاب الله وسنتي .

ونقول : إن الشيعة بفعلهم حفظوا الدين وصانوه عن التلاعب لانّهم يعتقدون أنّ الدّين وضعه النبي في أيدي أمينة وهم عترته واهل بيته وامر الناس باتباعهم واقتفاء آثارهم لأنهم أعرف الناس بمرادات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ومقاصد القرآن وذلك لأنهم عليهم‌السلام ورثوا العلم عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله . وليس الأمر كما يدّعيه هذا الكاتب من أنهم قطعوا حبل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وفتّتوا عرى الاسلام .

١١٢
 &

فيا أيّها العقلاء والمفكّرون هل في اتّباع ذرية الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله الذين أمر النبي باتّباعهم قطع لحبل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ وهل في الاقتداء بأهل البيت تفتيت لعرى الاسلام ؟ كيف لهذا الكاتب أن يسمّى الاشياء بغير أسمائها ؟ وكيف له ان يعكس الحقائق ويبدلها ؟ نحن لا ندري ولعل الكاتب أيضاً لا يدري .

وأمّا ما ذكره من الرّواية : « إنّي تارك فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي كتاب الله وسنتي » فالمتواتر عند الشيعة والسنّة أنّ المرويّ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله هو قوله : وعترتي ، لا وسنتي . وهذه الرواية وردت بأسانيد متعددة بلغت حدّ التّواتر ، ونقلها علماء السنة في كتبهم ، فضلاً عن علماء الشّيعة ، فقد وردت هذه الرّواية في كل من صحيح مسلم ، وسنن الدرامي ، وخصائص النسائي ، وسنن أبي داود ، وابن ماجة ، ومسند أحمد ، ومستدرك الحاكم ، وذخائر الطبري ، وحلية الأولياء ، وكنز العمّال ، وتفسير الرازي ، وتفسير الثعلبي ، وتفسير النّيسابوري ، وتفسير الخازن ، وتفسير ابن كثير ، وغيرها . بالاضافة الى الكثير من كتب التاريخ واللغة والسير والتراجم .

وقد اشتهر هذا الحديث شهرة واسعة نظراً إلى أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يكرره في أكثر من موضع ، وقد ذكروا أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قاله في

١١٣
 &

حجة الوداع بعرفة ، وبالمدينة في مرضه وقد امتلأت الحجرة بأصحابه ، وفي غدير خم ، وفي الطائف ، وغيرها من المواطن .

ومن هنا تعدّدت طرقه واسانيده حتى بلغت اكثر من مائة طريق ١ .

وقد استشهد الإمام الرّضا عليه‌السلام ـ وهو الثّامن من أئمة أهل البيت عليهم‌السلام ـ بهذا الحديث في مناظرة علمية جرت بينه وبين العلماء في مجلس المأمون العباسي .

روى الشيخ الصدوق في كتاب الأمالي بسنده عن الريّان بن الصّلت قال : حضر الرضا عليه‌السلام مجلس المأمون بمرو ، وقد اجتمع في مجلسه جماعة من علماء أهل العراق وخراسان ، فقال المأمون : أخبروني عن معنى هذه الآية : ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ) ٢ فقالت العلماء : أراد الله عزّوجل بذلك الأمة كلّها .

فقال المأمون : ما تقول يا أبا الحسن ؟ فقال الرضا عليه‌السلام : لا أقول كما قالوا ، ولكنّي أقول : أراد الله العترة الطاهرة .

فقال المأمون : وكيف عنى العترة من دون الأمة ؟ فقال له

__________________

١) الاصول العامة للفقه المقارن : ص ١٦٤ و ١٦٥ ، الطبعة الثانية بتصرّف .

٢) سورة فاطر ، الآية ٣٢ .

١١٤
 &

الرضا عليه‌السلام : إنّه لو أراد الأمة لكانت بأجمعها في الجنة ، لقول الله تبارك وتعالى : ( فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ) ١ .

ثم جمعهم كلهم في الجنة فقال : ( جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ ) ٢ فصارت الوراثة للعترة الطّاهرة لا لغيرهم .

فقال المأمون : من العترة الطاهرة ؟

فقال الرضا عليه‌السلام : الذين وصفهم الله في كتابه ، فقال جلّ وعزّ : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) ٣ .

وهم الذين قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « اني مخلّف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما ، أيها الناس لا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم » .

قالت العلماء : أخبرنا ـ يا أبا الحسن ـ عن العترة أهم الآل ،

__________________

١) سورة فاطر ، الآية ٣٣ .

٢) سورة فاطر ، الآية ٣٣ .

٣) سورة الاحزاب ، الآية ٣٣ .

١١٥
 &

أو غير الآل ؟ فقال الرّضا عليه‌السلام : هم الآل .

فقالت العلماء : فهذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يؤثَر عنه أنّه قال : أمّتي آلي . وهؤلاء أصحابه يقولون بالخبر المستفاض الذي لا يمكن دفعه : آل محمّد أمّته .

فقال أبو الحسن عليه‌السلام : أخبروني هل تحرم الصّدقة على الآل ؟ قالوا : نعم . قال : فتحرم على الامّة ؟ قالوا : لا . قال : هذا فرق ما بين الآل والأمّة ، ويحكم أين يذهب بكم ، أضربتم عن الذكر صفحاً أم أنتم قوم مسرفون ! أما علمتم أنّه وقعت الوراثة والطهارة على المصطفين دون سائرهم ؟ . . . . ١ .

والرّواية طويلة اقتصرنا منها على موضع الحاجة .

والحديث ـ بعد ذلك ـ أحد معالم النبوّة ومعجزاتها الخالدة ويمكن إجمال معطياته فيما يلي :

أولاً : دلالته على عصمة العترة الطّاهرة فإنّها عدل الكتاب ، وكما أنّ القرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فكذلك قرناؤه ، وأنهما معا عاصمان عن الضلالة دائماً وابداً ما دام التمسّك بهما قائماً ، والعاصم عن الضّلال لا بد وأن يكون

__________________

١) الامالي المجلس التاسع والسبعون ، الحديث ١ ص ٦١٤ و ٦١٥ ، الطبعة الاولى المحققة .

١١٦
 &

معصوماً والّا ففاقد الشّيء لا يعطيه .

وثانياً : ضرورة التمسّك بهما معاً وأنّ أحدهما لا يغني عن الآخر ، ومعنى التمسّك بهما الأخذ بتعاليمهما والسير على منهاجهما ، ولو كان يمكن الإكتفاء بأحدهما لضمان عدم الإنحراف والضلال لنبّه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على ذلك . ومن هنا يعلم أنّ قول من قال حسبنا كتاب الله ١ يتضمّن الردّ على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وثالثاً : دلالته على بقاء العترة إلى جنب الكتاب وأنّهما لن يفترقا حتى يردا الحوض على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فما دام القرآن موجوداً فلا بدّ ان تكون العترة إلى جانبه ، وهذا المعنى لا ينسجم الّا مع ما تذهب إليه الشيعة الإمامية من بقاء الإمامة ووجود الإمام إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .

ورابعاً : دلالته على جامعية العترة لكل ما يحتاج إليه الناس من العلوم والمعارف ، وهذا ما أكّدته سيرتهم عليهم‌السلام حيث كانوا فإنهم معدن العلوم والأسرار والأحكام ، وكانوا ملاذ المسلمين في النوازل والحوادث والمعضلات .

وخامساً : دلالته على انحصار المعرفة والعلم بالكتاب بهم عليهم‌السلام دون من سواهم فإنّهم أهل البيت وهم أدرى بما فيه ،

__________________

١) فتح الباري بشرح صحيح البخاري : ج ١ باب كتابة العلم : ص ١٦٨ الطبعة الثانية ١٤٠٢ هـ ـ ١٩٨٢ م دار إحياء التراث العربي .

١١٧
 &

فلا يعرف الكتاب حق معرفته إلّا من نزل الكتاب في أبياتهم وورثوا علومه وأسراره عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وغير ذلك . ونلفت النظر الى ما جاء في كتابي المراجعات للسيد شرف الدين رحمه الله ولا سيما المراجعة الثامنة ، وكتاب الأصول العامّة للفقه المقارن للسيّد محمّد تقي الحكيم حفظه الله في الفصول السبعة التي تناول البحث فيها حول السنّة فلا غنى لطلاب الحقيقة في هذا الموضوع عنهما .

وأمّا ما ذكره الكاتب من الرواية المشتملة على لفظ (وسنتي) بدلاً من (وعترتي) فهم لم ترد الّا في روايات قليلة جداً ، مع الضّعف في أسنادها .

يقول السيّد الحكيم : وفي حدود تتبّعي لكتاب الحديث ، واستعانتي ببعض الفهارس ، لم أجد رواية وسنّتي الّا في عدد من الكتب لا تتجاوز عدد الأصابع لليد الواحدة ، وهي مشتركة في رواية الحديثين معاً ، اللهمّ الّا ما يبدو من مالك حيث اقتصر في الموطّأ على ذكرها فحسب ، ولم يذكر الحديث الآخر ـ إن صدق تتبّعي لما في الكتاب .

يقول راوي الموطأ : وحدّثني عن مالك : « أنّه بلغه انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : تركت فيكم أمرين لن تضلّوا ما تمسّكتم بهما :

١١٨
 &

كتاب الله وسنة نبيه » ، ويكفي في توهين الرواية أنّها مرفوعة ولم يذكر الكتاب رواتها ، مما يدل على عدم اطمئنان صاحبها ولسانها : « عن مالك انّه بلغه أنّ رسول الله » ، ولعلّ الموطّأ هو أقدم مصادرها في كتب الحديث ، كما أنّ ابن هشام هو أقدم رواتها في كتب السير فيما يبدو . وما عدا هذين الكتابين ، فقد ذكرها ابن حجر في صواعقه مرسلة ، وذكرها الطبراني فيما حكي عنه ١ .

ونضيف هنا أنّه لا يبعد القول إنّ الأيدي العابثة حرّفت الكلم عن مواضعه ، وأبدلت لفظ وعترتي بلفظ وسنتي ، ونسب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله افتراء على الله وعلى الرسول وبيان ذلك أنّ نقول : ما المراد من لفظ وسنتي ؟

فإن كان المراد به نفس الالفاظ الصّادرة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فهي ليست باقية بنفسها إلى يومنا كبقاء كتاب الله وعترة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فما صدر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إنّما صدر في زمان وجوده صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد تصرّم وانقضى فالوجود العيني الحقيقي لما صدر عنه غير متحقق لأن الالفاظ ترجع الى الكيف المحسوس وهو من الأعراض القائمة بالغير ولا وجود لها في نفسها ، كما أنها سريعة الزّوال كالقيام والقعود ونحوهما ممّا لا استقرار له .

__________________

١) الاصول العامة للفقه المقارن : ص ١٧١ و ١٧٢ ، الطبعة الثانية .

١١٩
 &

وإن كان المراد به وجودها في كتب الشّيعة والسنة أو في صدور الناس فهي قابلة للتّشكيك وتعرضها الزّيادة والنقيصة والإشتباه والسّهو والنسيان من غير المعقول ان يجعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك أماناً للأمّة وعاصماً لها عن الضّلال .

وأي عصمة في ذلك ؟ ما دامت عرضة للتغير والتبدل بالزيادة والنقيصة ونحوهما على أنّ السنّة النبويّة بهذا المعنى قد مُنيت بالتلاعب والعبث والدّس حتى في زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد كثر الكذب عليه وحذّر من مغبّة ذلك وخطره ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من كذب عليَّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار » وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من كذب عليّ فهو في النار » ١ .

ونقل محمود أبو رية في كتابه شيخ المضيرة ابو هريرة كلاماً لابن حزم فيه التصريح بذلك وممّا جاء فيه قوله : (وقد كذب على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو حيّ ، وقد كان في عصره منافقون ومرتدّون ، فلا يقبل حديث قال رواية فيه : عن رجل من الصّحابة أو حدثني من صحب رسول الله حتى يسمّيه ، ويكون معلوماً بالصحبة الفاضلة . . . » ٢ .

__________________

١) الجامع الصغير : ج ٢ الحديثان ٨٩٩٣ و ٨٩٩٤ ص ٦٤١ و ٦٤٢ الطبعة الاولى ١٤٠١ هـ .

٢) شيخ المضيرة أبو هريرة : ص ١١٧ ، الطبعة الثالثة .

١٢٠