الحقيقة المظلومة

محمد علي صالح المعلّم

الحقيقة المظلومة

المؤلف:

محمد علي صالح المعلّم


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٤٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

قالوا : إنّ أوّل من سمّى عثمان نعثلاً عائشة ، والنّعثل : الكثير شعر اللحية والجسد ، وكانت تقول : اقتلوا نعثلاً قتل الله نعثلاً ورووا أن الزبير كان يقول : اقتلوه فقد بدّل دينكم ، وكان طلحة والزّبير من أشدّ المحرّضين عليه ، وأشدّهما كان طلحة .

وروى المدائني في كتاب الجمل وغير واحد من اثبات السير قالوا : لما قتل عثمان كانت عائشة بمكّة ، وحين بلغها قتله لم تكن تشكّ في أنّ طلحة هو صاحب الأمر .

فقالت : بُعداً لنعثل وسحقاً ، إيه ذا الإصبع ! إيه أبا شبل ! إيه يا ابن عم ! لكأنّي أنظر إلى إصبعه وهو يبايع ، قال : وكان طلحة حين قتل عثمان أخذ مفاتيح بيت المال ، وأخذ نجائب كانت لعثمان في داره ، ثم فسد أمره فدفعها إلى علي بن أبي طالب ١ .

ولسنا بحاجة بعد هذا إلى ذكر حوادث أخرى وحسبنا أن نشير إلى أنّ في عهده نفي أبوذر إلى الربذة ٢ وضرب عمار ٣ وكسرت أضلاع ابن مسعود ٤ وحوادث أخرى غيرها .

__________________

١) شرح نهج البلاغة : ج ٦ ص ٢١٥ و ج ٩ ص ٣٥ و ٣٦ ، دار احياء الكتب العربية ـ عيسى البابي الحلبي وشركاه .

٢) نفس المصدر : ج ٣ ص ٥٢ .

٣) نفس المصدر : ج ٣ ص ٤٧ .

٤) نفس المصدر : ج ٣ ص ٤٠ .

١٦١
 &

في زمان الإمام علي عليه‌السلام

وقد اتّسع الخرق على الراقع فأدّى الخلاف والإختلاف إلى المواجهة والقتال ، وشهروا السيوف في وجوه بعضهم بعضاً ، وسفكت فيها الدماء . فكانت الحروب الثلاث الضارية ، وهي النتيجة الطبيعية للإختلاف فيما بينهم وكان ذلك من أعلام النبوة فقد أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله علي بن أبي طالب بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين ١ .

فكان كما أخبر صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقد قادت عائشة جيشاً جرّاراً لحرب علي ، وكان معها طلحة والزّبير ، فكانت حرب الجمل ، وإنّما سمّيت بهذا الاسم لأنّ عائشة كانت تركب جملاً وهي تقود أبناءها وقاد معاوية جيشاً آخر ، فكانت حرب صّفين .

وخُدع بعض من كان مع علي (عليه السّلام) ، فكانت حرب النّهروان .

ولا تسأل عمّا حدث بعد ذلك وإلى ماذا آلت إليه الأمور فكم حرمة هتكت وكم دماء سفكت .

ونكتفي بعرض هذه الصّور والنّماذج القليلة من تاريخ الصّحابة في النّصف الأوّل من القرن الأوّل ، وإنّما عرضناها

__________________

١) المستدرك على الصحيحين : ج ٣ ـ كتاب معرفة الصحابة ـ ص ١٣٩ ، دار الفكر ـ بيروت .

١٦٢
 &

للدلالة على أنّ الصحابة إن هم الّا بشر كسائر الناس قد يصدر عنهم الخطأ والذنب والإختلاف .

ونقول : إذا كان هذا حال الصحابة في زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وما بعده فيا تُرى ما هو الموقف الصحيح حيال ذلك ؟ هل نغالط أنفسنا ونلغي أفهامنا ونصحّح كلّ فعل صدر عن بعض الصحابة ، وإن كان خلاف الشّرع والعقل ؟ أو نتغافل عمّا جرى في التاريخ ونوصد الباب لئلا تخدش كرامة بعض من كان في زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

أو أن الإستفادة من التاريخ تقتضي النّظر إلى الأحداث وصانعيها بعين البصيرة والإنصاف وتقييمها على ضوء المعايير الشرعيّة والعقليّة وإن استلزم ذلك إسقاط البعض عن الإعتبار ؟

أمّا نحن الشّيعة الإماميّة ـ بحمد الله ـ حيث اعتصمنا بحبل الله ، وركبنا سفينة النجاة ، ودخلنا باب حطة ، فالأمر جليّ عندنا لا ريب فيه ولا ارتياب .

روى المتقي الهندي في كنز العمال أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : سيكون بعدي فتنة ، فإذا كان ذلك فالزموا عليّ بن أبي طالب ، فإنّه الفاروق بين الحقّ والباطل ١ .

على أنّ القرآن الكريم صرّح بما سيقع بعد رحيل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

١) كنز العمال : ج ١١ ص ٦١٢ ، الحديث ٣٢٩٦٤ الطبعة الخامسة ١٤٠٣ هـ ـ ١٩٨٣ م مؤسسة الرسالة .

١٦٣
 &

من الانقلاب على الأعقاب ( أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ) ١ والآية الكريمة تضمّنت خطاباً للصحابة لا لغيرهم ، فهل يمكن الإعراض عن القرآن وآياته الصريحة ونقول إنّهم جميعاً كانوا فوق مستوى الشبهة إن العقل والعدل والانصاف والنظر الصحيح كلها تدعوا الى القول بأنّ الصحابة مثلهم مثل سائر الناس في أيّ عصر أو أيّ زمان نعم هم قد نالوا شرف لقاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وحظوا برؤيته وخدمته ، ولكن هذا لا يعني تعديلهم وتنزيههم عن الاخطاء والوقوع في الشبهات .

وأما ما ذكره هذا الكاتب عن حجّة الوداع فالشيعة تعتقد ـ كما هو الواقع التاريخي ـ أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد منصرف من حجة الوداع نزل عليه الوحي في مكان بين مكّة والمدينة يقال له غدير خم وأمره عن الله تعالى أن يجعل علياً خليفة على المسلمين من بعده ، وامتثل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر ربّه وقد بويع أمير المؤمنين علي عليه‌السلام بذلك وفي مقدمة من سلّم على علي عليه‌السلام بالإمرة عمر بن الخطّاب والرواية في ذلك بلغت حد التواتر ورواتها السنّة أكثر من الشيعة ٢ وقد ذكرت في كتبهم مفصّلة ولو أن هذا الكاتب قرأ

__________________

١) سورة آل عمران ، الآية ١٤٤ .

٢) راجع كتاب الغدير في الكتاب والسنة للشيخ عبدالحسين الاميني : ج ١ ص ٢٧٢ تحت عنوان حديث تهنئة عمر بن الخطاب لأمير المؤمنين .

١٦٤
 &

بعض الكتب التاريخيّة أو الروايات التي تناولت هذه القضية لا نكشف له الواقع وقد بحث أحد علماء الشيعة هذه المسألة وألّف كتاباً ضخماً طبع منه أحد عشر مجلداً تناول فيه واقعة الغدير ـ سمّاه الغدير في الكتاب والسّنة والأدب ـ واعتمد في اثباتها واثبات خلافة أمير المؤمنين عليه‌السلام بعد النبي مباشرة على كتب السنّة ، فليطالع هذا الكاتب ذلك الكتاب ويرى الحقائق جليّة واضحة ليعلم أن الشيعة تملك أقوى الحجج والبراهين في كلّ ما تدّعيه وتستطيع اثباته من كتب السّنة أنفسهم .

وأما ما ذكره الكاتب عن ارتداد جل الصحابة بعد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الّا أربعة نفر منهم فقط ، فجوابه ظهر ممّا ذكرنا ونريد أن نسأل هذا الكاتب وأمثاله أن يفسّر لنا قوله تعالى : ( أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ) ١ فما معنى الانقلاب على الأعقاب ؟ ولمن كان هذا الخطاب ؟ ثم ما معنى عدم امتثال أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في خلافة علي عليه‌السلام ؟ وما معنى الهجوم على بيت الزهراء عليها‌السلام بنت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وتهديد من كان فيه بإضرام النار عليهم وقد كان في البيت آنذاك علي والزهراء والحسنان ، وهذا بعض ما كان من الصحابة الذين جعلهم هذا الكاتب فوق العدالة والاستقامة .

__________________

١) سورة آل عمران ، الآية ١١٤ .

١٦٥
 &

تكرار واعادة

قال الكاتب : إنّهم يعتقدون كما ذكرنا سابقاً بتحريف القرآن بينما لديهم نفاق متعمّد يصطلحون عليه بالتقيّة وعلى أنها أيّ التقية أحد الاركان المهمّة والطريق الأساسي للتقرّب الى الله تعالى .

ونقول : هكذا يفعل الأفلاس العلمي والأخلاقي بالحاقدين ، فهذا الكاتب يجترّ ويعيد ويكرر ما قاله مراراً ليدلّل على ضحالة فكره وسوء نواياه وما انطوت عليه نفسه العدائيّة لتضليل الناس وتشويه الحقائق ، ونحن نعتقد أنّ هذا الكاتب يرمي عن غير قوسه ويتحدّث بغير لسانه ، وإنما يُملى عليه إملاء وقد أجبنا عن دعوى تحريف القرآن وانّ السنّة هم القائلون بذلك وأجبنا عن مسألة التقيّة وهو بقوله إنّها نفاق متعمّد يرد على القرآن صراحة لثبوت التقيّة في القرآن في قضيّة عمار بن ياسر وغيرها .

وأمّا قوله إنّ التقية أحد الأركان المهمّة والطريق الاساسي للتقرب الى الله تعالى فهو محض افتراء وزور وبهتان ، وإنّما التقيّة هي حالة علاجية مؤقتة يدفع بها الخطر عن النفس والعرض والمال مع اطمئنان القلب بالايمان ، وليست هي ركناً من أركان الدين كما

١٦٦
 &

ذكر هذا الكاتب وقد قلنا ان هذا الكاتب لا يعي ما يقول .

قال الكاتب : إنّهم يعتقدون بأنّ سيدنا علي رضي الله عنه وأولاده اختيروا وعيّنوا من قبل الله تعالى بينما كانوا كثيري العبادة حتى من الانبياء ومن المؤسف حقّاً أن الشيعة ذووا الافكار الدنيئة يخدعون أنفسهم بكونهم من أحبّاء أهل بيت رسول الله (ص) .

ونقول : إنّ الشيعة تعتقد ـ وبشهادة علماء السنة ـ أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله جعل علياً وأولاده ـ وهم الأئمة الاثنا عشر ـ أئمّة على الأمة من بعده ، وأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إنما فعل ذلك بأمر الله ( إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ) ١ وإن شئت أيّها الكاتب أن تقف على أقوال علماء السنة ورواياتهم في ذلك فارجع الى كتاب ينابيع المودّة وهو من علماء السنة فقد ذكر في كتابه الروايات الدالة على أن الأئمّة اثنا عشر كلهّم من قريش ٢ ، بل ليرجع الى أيّ كتاب من الكتب المعتمدة عند السنّة التي تتناول مسألة الولاية والامامة بعد النبي ، فإذا قام الدليل على ذلك فأيّ ضرر فيه على الشيعة ، وهل على المسلمين الّا الإتباع وأن يسلموا الأمر لله وللرسول . هذا كلّه بغضّ النظر عن الأدلّة الخاصة التي أقامها الشيعة من العقل والنقل

__________________

١) سورة النجم ، الآية ٤ .

٢) ينابيع المودة : ج ٣ ص ١٦٠ ، ط / بيروت .

١٦٧
 &

على إمامة الائمّة الاثني عشر عليهم‌السلام وقد ذكرنا في مطلع الحديث شيئاً ممّا يتعلق بهذا الموضوع .

وأمّا قوله أنّهم أكثر عبادة من الأنبياء فما هو الإشكال في ذلك أليس علماء السنّة يروون عن النبي أنّه قال : علماء اُمّتي أفضل من انبياء بني اسرائيل ، فإذا كان العالم العادي هو أفضل من أنبياء بني إسرائيل فكيف بآل بيت النبوة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، وكانوا ملاذاً للناس في العلم والعمل . وقد تقدم الكلام منّا مفصلاً حول هذا الموضوع .

وأمّا قوله إنّ الشيعة ذووا الأفكار الدنيئة يخدعون أنفسهم . . .

فجوابه أنه قد تبين من هو دنيء الفكر والنفس ومن هو الذي يخدع نفسه ويغالط نفسه عن اتّباع الحق والحقيقة ، إنّ الشيعة هم الذين اقتدوا بأئمّة أهل البيت عليهم‌السلام في أفعالهم وأقوالهم ومعتقداتهم ، وهم الذين امتثلوا أمر الله تعالى الوارد على لسان نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو قوله تعالى : ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) ١ والشيعة هم الذين حفظوا تراث أهل البيت عليهم‌السلام عبر التاريخ ، والشيعة إنّما سمّوا بالشيعة لمشايعتهم

__________________

١) سورة الشورى ، الآية ٢٢ .

١٦٨
 &

وأتباعهم علياً وأولاده امتثالاً لأمر الله ورسوله هؤلاء هم الشيعة وهم الامامية الاثنا عشرية الذين يملكون أقوى الحجج والبراهين وأوضح الأدلة على اثبات أن طريقتهم ومسلكهم في العقيدة والفقه والاخلاق هي طريقة أئمّتهم عليهم‌السلام .

إنّ الشيعة الاماميّة لا تحتاج الى الدعاية ، فمذهبهم قائم بذاته وبأدلّته في كلّ ما يعتقدون أو يعملون الّا أنّهم ابتلوا بمثل هذا الكاتب ممّن امتلأت قلوبهم بالحقد وعقولهم بالجهل لاحداث الفتنة بين المسلمين الأمر الذي اضطرّ الشيعة الى الدفاع عن أنفسهم بالحجّة والدليل والبرهان .

ثمّ إنّ هذا الكاتب يذكر تحت عنوان فتاوى العلماء واتّفاقهم على ارتداد الشيعة وكفرهم .

ويقول : اتّفق الفقهاء على كفر الشيعة وارتدادهم عن الدين .

ونقول : إنّا قد أجبنا عن ذلك وقلنا إذا كان المناط والمقياس في الحكم على أي إنسان بأنه مسلم هو النطق بالشهادتين فإنّ الشيعة تأتي بجميع الفروض الدينيّة والمستحبّات الشرعيّة ، وذكرنا أن مساجدهم عامرة بالصلاة في أوقاتها ، فالحكم عليهم بالكفر والارتداد حكم جائر وهو على خلاف مبادىء الاسلام التي

١٦٩
 &

اعترف بها هذا الكاتب وأضرابه ممّن افتى بكفر الشيعة وارتدادهم . وسيأتي الحديث عن ذلك أيضاً .

الشيعة وتحريف القرآن مرّة أخرى

ثم ذكر هذا الكاتب سؤالاً حول التعامل مع الشيعة والزواج منهم وتناول ذبائحهم والصلاة على أمواتهم ، أو قبول صدقاتهم ، ويجيب عن ذلك بجواب سخيف هو اعادة لما ذكره مراراً من امر التقيّة ، والقول بتحريف القرآن ، وانّ حقيقة الشيعة لم تكن معروفة إذ لا وجود لكتبهم ، ولذلك لم يكفّرهم العلماء والمحقّقون السابقون ، وفي زماننا انتشرت كتب الشيعة ، واتّفق المحقّقون في الأديان على كفرهم ؛ لأن جميع اعتقاداتهم تستبطن الكفر ؛ لأنّهم يقولون بتحريف القرآن ، وفي كتب الشيعة ما لا يقل عن ألفين مورد تدل على القول بتحريف القرآن ويذكر موارد خمسة عن التحريف ذكرت في كتب الشيعة وهي تحريف المعنى وتغيير الالفاظ وتغيير الحروف عن مواقعها والتغيير في الترتيب وعدم استقامة ترتيب السور والآيات والحروف ، ثم يقول : إنّ هذا هو ما ذكره علماء الشيعة والمعتمد عليه عندهم ويؤمنون به بكلّ قوّة .

ونقول : إنما ذكرنا ذلك ليرى القارىء كيف يفتري هذا

١٧٠
 &

الكاتب ولا يستحيي من نسبة الزور والبهتان الى الأبرياء وليته ذكر مصدراً من مصادر الشيعة ذكر ذلك ، ونحن قد أجبنا عن هذه الاتهامات وقلنا في مواضع متعدّدة أنّ الشيعة نشأت في زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو واضع بذرة التشيع ، وأنّ بلادهم وتاريخهم وكتبهم موجودة ، ولم تكن خفية أو مخفية على أحد ١ ثمّ من هم هؤلاء المحقّقون في الأديان الذين اتّفقوا على كفر الشيعة ؟ وما هي العقائد التي تستبطن الكفر كما يدّعي هذا الكاتب ؟ وليته ذكر مورداً واحداً من الموارد التي قال الشيعة فيها بتحريف القرآن ، ولا نريد منه مئة أو ألفاً فضلاً عن ألفين وقد مرّ الجواب عن هذه الفرية وليرجع الى اقوال علماء السنة ليعلم من هو القائل بالتحريف .

إن هذا الكاتب يحكم على نفسه وعلى اتباعه وعلى مذهبه وعلى علمائه بالكفر والخروج عن الاسلام من حيث لا يشعر .

قال الكاتب : إنّ مؤسسي مذهب الشيعة قد مرّوا بثلاث مراحل منذ أن بدأوا بتأسيسه .

ونقول : إنّ مؤسّس مذهب الشيعة وغارس بذرته هو

__________________

١) راجع كتاب الامامية واسلافهم من الشيعة تأليف الدكتور عبدالله فيّاض : ص ١٩ منشورات مؤسسة الاعلمي ، بيروت ـ لبنان .

١٧١
 &

الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله كما ذكرنا ذلك ، وانتشر المذهب في زمان الامام جعفر الصادق عليه‌السلام استاذ أئمّة المذاهب الاربعة ، كما هو محقق في التاريخ وارجع الى كتاب الامام الصادق والمذاهب الأربعة لتقف على حقيقة الحال .

قال الكاتب : المرحلة الاولى : لا أحد من الشيعة يؤمن بتماميّة القرآن وكماله ، ولا أحد منهم لا يعتقد بعدم تحريفه .

ونقول : متى كان هذا ؟ ومن هم هؤلاء الذين لا يعتقدون بتمامية القرآن ؟ وفي أي زمان كانوا ؟ (إن هذا الّا اختلاق) .

قال الكاتب : المرحلة الثانية : يؤمن الشيعة بوثاقة أربعة أشخاص فقط معتمدين عندهم وهؤلاء الأربعة رووا في أحاديثهم بعدم وجود التحريف في القرآن تقيّة .

ونقول : أولاً : إنّ هذا الكاتب يخلّط ويغالط في ما يقول هل الشيعة لا تؤمن الّا بوثاقة أربعة أشخاص فقط ، وهذه المعاجم الرجالية وأسماء الرواة عندهم تعد بآلآلاف ، ثمّ كيف يروي هؤلاء الأربعة في أحاديثهم عدم وجود التحريف في القرآن ثم عمّن روى هؤلاء الاربعة عدم التحريف في القرآن ؟

وثانياً : يدّعي هذا الكاتب أنّ هؤلاء رووا عدم التحريف تقية فمن من كانوا يتّقون ؟ هل يتّقي هؤلاء الأربعة من الشيعة أم

١٧٢
 &

من السنّة ؟ فإن كانوا يتقون من الشيعة فهم علماء الشيعة وإن كانوا يتقون من السنة فهذا خلاف غرض الكاتب . وعلى كلّ فهذا الكاتب لا يدري ماذا يقول .

قال الكاتب : الاول أبو جعفر محمد بن حسين بن موسى الصدوق توفي سنة ٣٨١ هـ ١٠٠٣ م .

الثاني الشريف المرتضى أبو القاسم علي بن حسين بن موسى البغدادي صاحب الكتاب المسمى (علم الهدى) توفي ٤٢٦ هـ ـ ١٠٨٥ م .

ونقول : أولاً : إن أبا جعفر هو محمّد بن علي بن الحسين بن موسى وليس محمد بن حسين كما ذكره الكاتب .

وثانياً : إن لفظ علم الهدى لقب للشريف المرتضى لا أنه اسم لكتابه وهو صاحب الكتب والمؤلّفات الكثيرة ، ومنها كتاب الشافي في الامامة ، وكتاب الانتصار ، وكتاب الأمالي ، وكتاب تنزيه الانبياء ، وكتاب الذريعة ، وغيرها من الكتب .

قال : الثالث : شيخ الطائفة ابو جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي (المفسر) توفي سنة ٤٦٠ هـ .

الرابع أبو علي الطبرسي أمين الدين الفضل بن حسين بن شهرآشوب صاحب كتاب مجمع البيان المتوفى سنة ٥٤٨ .

١٧٣
 &

ونقول : ان صاحب تفسير مجمع البيان هو أبو علي الفضل ابن الحسن الطبرسي وابن شهرآشوب هو اسم لعالم آخر من علماء الشيعة وهو ابو جعفر رشيدالدين محمد بن علي بن شهرآشوب صاحب كتاب المناقب إلى آل أبي طالب .

قال الكاتب : ونظراً إلى ما ذهب إليه هؤلاء الأربعة من الشجب والانكار كان يناقض ويعارض المبدأ المسلّم عليه عند جميع الطائفة الشيعة ، فقد تعرضوا في المقابل للنقد ووضعت آراؤهم على بساط البحث والمناقشة .

ونقول : قد ينخدع البعض بأنّ هذا الكاتب على اطّلاع ومعرفة بكتب الشيعة وآراء علمائهم ، ولكن ذلك خلاف الحقيقة ، فهو لا يعلم شيء من ذلك أصلاً ، وشاهده أنه يخطىء في نقل الأسماء ويخلّط بين اللقب واسم الكتاب ، ويجعل اللقب اسماً لكتاب ، ويمزج بين اسمين لمسمّى واحد ، وإذا كان هذا حاله فكيف يكون على اطّلاع ومعرفة بآراء الشيعة وأقوال علمائها ، وليته ذكر لنا مصدراً واحداً تعرّض فيه واحد من هؤلاء العلماء للمناقشة في هذه المسألة المزعومة الأمر الذي يؤكّد أنّ هذا الكاتب يرمي القول على عواهنه من دون معرفة ودراية .

قال الكاتب : إن العلامة . . . كان قد أصدر فتوى صرّح فيها أن الفرقة الشيعية منتسبة إلى كيان الاسلام حقيقة ولكنّه

١٧٤
 &

اسعده الحظّ لمطالعة كتاب تفسير مجمع البيان الذي وجد فيه أنّهم يؤمنون بالتحريف في اعتقادهم تراجع عن موقفه السابق ، فأصدر فتوى ثانية لابطال الأولى جاء فيها : إن كان من يستبطن اعتقاده وفكره بتحريف القرآن فهو كافر بلا إشكال .

ونقول : إن هذا المفتي لو تمعن في ما جاء في تفسير مجمع البيان من الدفاع عن القرآن والردّ على القائل بنقصان القرآن وتغييره وما أورده من كلام السيّد المرتضى في ذلك لما تغيّر موقفه من الشيعة .

قال الطبرسي في مقدمة الكتاب تحت عنوان الفن الخامس . . . :

ومن ذلك الكلام في زيادة القرآن ونقصانه ، فإنّه لا يليق بالتفسير ، فأمّا الزيادة فيه فمجمع على بطلانه ، وأمّا النقصان منه فقد روى جماعة من اصحابنا وقوم من حشويّة العامّة أنّ في القرآن تغييراً ونقصاناً ، والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه ، ثم ذكر كلام السيد المرتضى وجاء فيه : (إن القرآن كان على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مجموعاً مؤلّفاً على ما هو عليه الآن) وذكر الدليل على ذلك الى ان قال : (وذكر أن من خالف في ذلك من الاماميّة والحشوية ١ لا يعتد بخلافهم ، فإن الخلاف في ذلك مضاف إلى

__________________

١) الحشوية وهم العامة المنتسبون الى أهل الحديث ويلقبون بالحشوية لقبولهم الاحاديث المحشوة بالاباطيل وقيل هم الذين يحشون الاحاديث التي لا أصل لهما في الاحاديث المروية عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، او يدخلون فيها ما ليس منها .

١٧٥
 &

قوم من أصحاب الحديث نقلوا أخباراً ضعيفة ظنوا صحّتها لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحته ١ .

فهل يفهم من هذه العبارات وغيرها ممّا لم نذكره أنّ الشيعة تقول بتحريف القرآن وبنقصانه وقد ذكرنا في أوائل الكتاب أن وجود الروايات لا يعني الاعتماد عليها والأخذ بها ، فقد تكون ضعيفة لا يعتمد عليها كما في ما نحن فيه ، فهل تلزم الشيعة بأنّها تقول بتحريف القرآن بعد أن ردّ ذلك علماء الشيعة أنفسهم ونحيل الكاتب وأمثاله إلى كتب السنّة ليرى فيها ما هو أعجب وأغرب كما نرجوا قراءة مقدّمة تفسير مجمع البيان ليتبيّن أنّ مذهب الشيعة لا يقول بتحريف القرآن وهو قول علمائهم ، فكيف ساغ لهذا المفتي أن يحكم على أنّ الشيعة تستبطن الاعتقاد بتحريف القرآن ؟ .

الشيعة والبداء ونساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

قال الكاتب : وخلاصة القول لا يتوقّف انطباق الكفر على الشيعة على القول بالتحريف فحسب ، وإنّما تتّسع الدائرة إلى

__________________

١) مجمع البيان في تفسير القرآن : ج ١ ص ١٥ .

١٧٦
 &

أبعد من ذلك لقولهم بالبداء وقذف نساء النبي اللواتي هنّ اُمّهات المؤمنين جميعاً .

ونقول : لو أنّ هذا الكاتب اطّلع على عقائد الشيعة من كتبهم وسعى لفهمها وتخلّى عن مرتكزاته لكان خيراً له ، ولكنّه الجهل ، والناس أعداء ما جهلوا ولذا تراه تارة يحمل على الشيعة ويرميهم بالكفر والخروج عن الاسلام لقولهم بالتقيّة وهي واردة في القرآن وتارة لأنّهم يقولون بتحريف القرآن وعلماء الشيعة يردّون ذلك ، وتارة لانّهم يقولون بالبداء وهو موجود في القرآن ، فهل فهم معنى البداء الذي تقول به الشيعة وتعتقد به ، وتارة باتهامهم بقذف نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا ندري على أيّ المصادر يعتمد هذا الكاتب ، ومن الذي يملي عليه هذه الأباطيل ليسطرها من أجل ايقاع الفتنة بين الناس وسنذكر هنا خلاصة معنى البداء عند الشيعة إفهاماً لهذا الكاتب واضرابه ليعلموا أنّ عقيدة الشيعة في هذا الامر لا تتنافى مع مبادىء الاسلام ، ونؤكّد هنا أنّ هذا الاتهام ليس جديداً على الشيعة ، فقد سبق إلى ذلك غير هذا الكاتب ومن الذين لم يتثبّتوا ولم يتوقّفوا كالفخر الرازي عند تفسيره قوله تعالى : ( يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ) ١ قال : قالت

__________________

١) سورة الرعد ، الآية ٣٩ .

١٧٧
 &

الرافضة البداء جائز على الله تعالى وهو أن يعتقد شيئاً ثمّ يظهر له أنّ الأمر بخلاف ما اعتقده .

وحاشا الشيعة أن تقول بذلك فإنهم يعتقدون أن الله تعالى عالم بالاشياء قبل وقوعها ، وهو الذي قدّرها ، وأنّ علمه تعالى عين ذاته ( يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) ١ .

وبعد هذا نقول :

البداء : لغة اسم مصدر من بدا يبدو بدواً من طلب بمعنى ظهر وقد يطلق على ما ينشأ للمرء من الرأي في أمر ويظهر له من الصواب ، قال تعالى ( وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا ) ٢ ولا يستعمل الفعل منه مفصولاً عن اللام الجارّه كما في الآية الشريفة ، ويستعمل كثيراً في معاني تستلزم الظّهور والبروز ، والجامع لهذه الاستعمالات هو الظّهور لا ظهور الرأي فقط ، لصحة استعماله في ظهور شيء آخر غير الرأي ، ثم إنّ في موارد استعمال البداء

__________________

١) سورة المجادلة ، الآية ٧ .

٢) سورة الزمر ، الآية ٤٨ .

١٧٨
 &

وإرادة ظهور الرأي لا يتكفل اللفظ بمدلوله اللغوي لاثبات سبب هذا الظهور من كونه الجهل بما هو الصحيح من الرأي أو كونه من النّدامة من الرأي السابق أو أمر آخر ؛ إذ سبب الظهور لا يفهم من لفظ وضع لنفس الظهور بل لا بدّ من وجود قرينة عليه . فإذا قلنا بدا لله كذا فهو بمعنى برز إلى عالم الوجود شيء لم يكن موجوداً وكان له الربط بالله تعالى وإنّما يكون ذلك من جهة دلالته على قدرة الله التامّة ومشيئته الدائمة على قلب الحوادث المحتملة إذا كانت مقتضيات حدوثها موجودة ، وذلك بجعل موانع حدوث تلك الحوادث ، أو إزالة المقتضيات لها عن صفحة الوجود قبل تحقّق تأثيرها ، نظير ما ورد في الأخبار بأن الشيعة قبل موت اسماعيل كانوا يعتقدون بأنّه الامام بعد أبيه الصادق ، كما كانوا يعتقدون بأن أبا جعفر محمداً هو الامام بعد أبيه الهادي ، فارتفعت تلك المزعمة بموتهما في حياة أبويهما ، وهذا إنّما يكون إعلاماً بأن كل شيء بيد الله تعالى وتحت سلطانه وهو دليل على دوام سلطان الله تعالى وبسط قدرته في كل زمان بالنسبة الى كل شيء . فهل في هذا منافاة للعلم الالهي أو فيه مخالفة لمبادىء الاسلام .

١٧٩
 &

ثمّ إنّ البداء الذي تقول به الشيعة الاماميّة إنّما يقع في القضاء غير المحتوم ، فانّ القضاء الالهي على أقسام ثلاثة .

الأوّل : قضاء الله الذي لم يطلع عليه أحداً من خلقه والعلم المخزون الذي استأثر به تعالى .

الثاني : قضاء الله الذي أخبر نبيّه وملائكته بأنّه سيقع حتماً .

الثالث : قضاء الله الذي أخبر نبيّه وملائكته بوقوعه في الخارج الّا أنّه موقوف على أن لا تتعلّق مشيئة الله بخلافه وهذا القسم هو الذي يقع فيه البداء ( يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) ١ (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ) ٢ وقد وردت الروايات عن أهل البيت عليهم‌السلام تشير الى كلّ من هذه الأقسام ، فالبداء في حقيقته كالنسخ الّا أنّ الأوّل في التكوين والثاني في التشريع ، وكلاهما لا يستلزمان الجهل أو نسبته الى الله تعالى .

وممّا يترتب على الاعتقاد بالبداء .

اولاً : الاعتراف الصريح بانّ العالم تحت سلطان الله وقدرته في حدوثه وبقائه ، وانّ إرادة الله نافذة في الأشياء أزلاً وأبداً .

وثانياً : انّ في القول بالبداء ايضاح للفرق بين العلم الالهي

__________________

١) سورة الرعد ، الآية ٣٩ .

٢) سورة الروم ، الآية ٤ .

١٨٠