محمد علي صالح المعلّم
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٤٦
محمّد صلىاللهعليهوآله . ثم إن الشيعة تعتقد أنّ النبيّ محمّد صلىاللهعليهوآله هو أفضل الخلق وأشرف الممكنات على الاطلاق ، وأنّ الأنبياء عليهمالسلام لو بعثوا في زمانه ما وسعهم الا الإيمان به واتّباعه ، كما أشار القرآن الكريم إلى ذلك في قوله تعالى : ( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ ) ١ على ما جاء في تفسير هذه الآية الشريفة .
ويتلو النبيّ صلىاللهعليهوآله في الفضل والشرف خلفاؤه من بعده وهم الأئمّة الاثنا عشر عليهمالسلام .
وأمّا ما ذكره الكاتب من أنّ الائمّة عليهمالسلام في درجة الأنبياء وأكثر وأنّهم في مقام الأنبياء والإختلاف بينهم وبين الأئمّة في التّسمية فحسب . . .
فالذي تعتقده الشّيعة أنّ الأئمّة عليهمالسلام خلفاء النبيّ صلىاللهعليهوآله وهم أئمّة وليسوا بأنبياء لما ذكرنا من أنّ النبوّة خُتمت بنبيّنا محمّد صلىاللهعليهوآله فلا نبيّ بعده .
وأمّا أفضليّة الأئمة عليهمالسلام على الأنبياء عليهمالسلام عد النبيّ محمّد صلىاللهعليهوآله
__________________
١) سورة آل عمران ، الآية ٨١ .
عند الشّيعة الإمامية فهو مما قامت عليه الأدلّة النقليّة الواصلة إليهم ، وساقهم البرهان للاعتقاد بذلك ، وأيّ ضير فيه على الشّيعة في هذا الإعتقاد ؟
ولعلّ الكاتب وأمثاله يستبعدون ذلك ، ونرفع هذا الإستبعاد بأمرين دون الدخول في التفاصيل فإن لها مقامات أخرى .
الأوّل : ذكرنا آنفاً أنّ القرآن الكريم أشار إلى أنّ الأنبياء لو بعثوا في زمان النبيّ صلىاللهعليهوآله لما وسعهم الّا الإيمان به واتباعه ، ومقتضى الإيمان والاتّباع هو الإمتثال لكل ما يأمر به النبي صلىاللهعليهوآله ، واتباعه في كلّ شيء ، فلو فرضنا أنّ الأنبياء موجودون في زمان النبي صلىاللهعليهوآله ونصّ على إمامة الأئمة عليهمالسلام وأمر باتباعهم فهل يسع الأنبياء مخالفة ذلك ؟ وحينئذ نسأل أيّهما أفضل الإمام أم المأموم ؟ والتّابع أم المتبوع ؟ وإذا ثبتت أفضليّتهم في هذا الحال فهي ثابتة في كلّ الأحوال ، فليس هناك ما يمنع من القول بأفضلية الأئمّة عليهمالسلام على سائر الأنبياء لا عقلاً ولا شرعاً .
الثاني : إنّ السّنة رووا في كتبهم أنّ النبي صلىاللهعليهوآله قال علماء أمتي كأنبياء بني اسرائيل أو بمنزلة أنبياء بني اسرائيل ، ونحو ذلك وأنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله يفتخر بعلماء أمته يوم القيامة ١ فإذا كان العالم
__________________
١) جامع الأخبار ـ الفصل العشرون ـ الحديث ٥ ص ١١١ عن أبي هريرة .
المسلم من أمّة النبي صلىاللهعليهوآله بهذه المنزلة والمكانة ، وهو مهما بلغ في علمه فليس بمعصوم ، فكيف بمن نصّ القرآن على عصمتهم ونوّه النبيُّ صلىاللهعليهوآله بفضلهم ، وورثوا العلوم عن النبي صلىاللهعليهوآله ، واستغنوا عن النّاس في المعارف والعلوم ، واحتاج الناس إلى علومهم ومعارفهم !!
وأمّا قول الكاتب أخيراً ومجرّد التّسمية لم تغيّر النّظرة والا فالنبيّ والإمام شيء واحد ، فهو من رمي القول على عواهنه من دون معرفة ودليل ، وقد تبيّن جوابه مما ذكرنا .
قال الكاتب : في بعض البيانات عن مقام الأئمّة ورد في كلام ما نصّه : انّه من اعتقادنا نحن الشيعة انّه لا يمكن أن يتأتى لشخص الوصول الى درجة ايمان الأئمّة حتّى وإن يكن الملك جبرئيل فضلاً عن النبي صلىاللهعليهوآله .
ونقول : إن مشكلة هذا الكاتب أنه لا يفهم معاني الكلام ولا يلتفت الى المرادات ، ولذلك تراه يخلّط في كلامه ويضيف من عند نفسه الأكاذيب والأباطيل من أجل الكيد للشيعة ونظراً لقصور أفكاره لا يستطيع أن يفهم المقصود ويفسّر الكلام بحسب نظرته الممزوجة بالحقد والبغضاء .
إن الشيعة قاطبة
تعتقد بأفضليّة النبي صلىاللهعليهوآله على سائر
الكائنات وهو سيد البشر وأئمتنا عليهمالسلام إنما هم ورثة علمه وليسوا في درجته فضلاً عن كونهم افضل منه ولا ندري من أين لهذا الكاتب أن يسمح لنفسه بأن يرمي الشيعة بالاتهام الباطل ولا يراعي أبسط الآداب الاخلاقيّة في البحث والمناظرة ، وكان ينبغي عليه أن يستفهم ويسأل ليبيّن له المراد لا أنه يفهم الكلام فهماً خاطئاً ويضيف اليه الاباطيل من عنده ويتّهم بالكفر والفساد كما هي عادته دائماً .
قال الكاتب : وفي نظر الشيعة أنّ الائمة الاثني عشر منتخبون من قبل الله تعالى .
ونقول : إنّ انتخاب الأئمة تمّ على يد الرسول من قبل الله ، وأي ضير في ذلك إذا كان الدليل قام على ذلك . إنّ النبي صلىاللهعليهوآله يقول : « الائمة اثنا عشر كلّهم من قريش » ١ وقد عيّنهم النبي صلىاللهعليهوآله ونصّ على إمامتهم والرسول صلىاللهعليهوآله ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ) ٢ فما المانع من ذلك . ونؤكّد أنّ اختيار الأئمّة عليهمالسلام
__________________
١) راجع الجامع الصحيح للترمذي : ج ٤ ص ٥٠١ باب ما جاء في الخلفاء دار احياء التراث العربي .
وراجع ايضاً كنز العمال : ج ١٢ ص ٣٢ مؤسسة الرسالة ، الطبعة الخامسة .
وراجع سنن أبي داود : ج ٤ ص ١٠٦ ح ٤٢٨٠ و ٤٢٨١ .
٢) سورة النجم ، الآية ٣ و ٤ .
لا على أنّهم أنبياء بل هم خلفاء من قبل الرسول صلىاللهعليهوآله وليس الائمّة يتلقّون الوحي كما هو الحال عند النبي صلىاللهعليهوآله بل الائمة يعرفون الأحكام التي جاء بها النبي صلىاللهعليهوآله ويعلمونها الناس لأنّهم أعلم الناس بأحكام الله تعالى بعد النبي صلىاللهعليهوآله وفيما تقدم أشرنا الى بعض ما ورد في حقّ أمير المؤمنين عليهالسلام ، وابناؤه من بعده على هذا النحو ، ولهذا كان ائمتنا على مر التاريخ هم المرجع للناس وللعلماء حتى قال ابو حنيفة (لولا السنتان لهلك النعمان) ١ وقال مالك (ما رأت عين ولا سمعت أذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر بن محمد ٢) والمرجوّ من الكاتب أن يرجع الى كتاب الامام الصادق عليهالسلام والمذاهب الاربعة تأليف الشيخ أسد حيدر ليرى أن الامام الصادق عليهالسلام وهو الامام السادس من أئمة الشيعة كيف كان له دور بارز في المجالات العلميّة بحيث استفاد منه كافة علماء المسلمين في زمانه وهكذا غيره من سائر الائمة عليهمالسلام كانوا في أزمنتهم الملاذ للمسلمين في معرفة أحكام الدين والتفسير والحديث وغيرها من علوم الشريعة .
__________________
١) راجع كتاب الامام الصادق والمذاهب الاربعة لاسد حيدر : ج ١ ص ٧٠ منشورات مكتبة الصدر طهران ، ط / ٤ سنة ١٤١٣ .
٢) نفس المصدر السابق : ج ١ ص ٥٣ .
قال الكاتب : فالامامة كما تفهم عندهم هي النبوّة . . .
ونقول : نحن نتحدّى هذا الكاتب أن يدلّنا على مصدر من مصادر الشيعة ذكر فيه أن الامامة هي النبوّة ، أو أنّ المفهوم عندهم من الامامة هو النبوة ، إنّ الامامة عندهم هي الرئاسة الدينية والخلافة بعد النبي صلىاللهعليهوآله للحفاظ على الاحكام وتبليغها الى الناس ، وليس كما يدّعيه هذا الكاتب زوراً وبهتاناً .
قال الكاتب : ولكن الشيعة ليس كذلك فالأئمة الاثنا عشر معصومون كالأنبياء أنّهم كما يثبتون العصمة الخاصة بالأنبياء يثبتونها للائمة عندهم . . .
ونقول :
معنى العصمة في عقيدة الشيعة هي : لطف يفعله الله تعالى بالانسان لا يكون له مع ذلك داع إلى ترك الطاعة وارتكاب المعصية مع قدرته على ذلك ، وهذه المعصية تشمل جميع الملائكة والأنبياء وأئمة أهل البيت عليهمالسلام فلا تصدر عنهم العصمة سواء كانت صغيرة أو كبيرة عمداً أو سهواً ويعتقدون أنّ السيّدة فاطمة الزهراء عليهاالسلام أيضاً كذلك ، ولهم على ذلك أدلّة عقليّة ونقليّة مبثوثة في كتبهم العقائديّة ، وقد تقدم فيما سبق أن أشرنا الى أنّ آية التطهير وآية المودّة وآية المباهلة وغيرها من الآيات
التي يستدلّ بها الشيعة على عصمة ائمتهم عليهمالسلام ونضيف هنا أنه إذا كان الائمة عليهمالسلام هم الخلفاء بعد الرسول صلىاللهعليهوآله وعلمنا أيضاً أن الخلافة إنّما هي من قبل الله تعالى على يد النبي صلىاللهعليهوآله وهم يتولّون مهمة ايصال التعاليم الالهية والتعريف بأحكام الله إلى الناس فمن الطبيعي أن يكون القائم بهذه المهمّة معصوماً ولو لم يكن معصوماً لكان ذلك نقضاً للغرض ، ولا يمكن الوثوق بأقواله وأفعاله ولو جاز أن تصدر عنه المعاصي لما أمكن الاعتماد عليه في سيرته ولا يمكن الركون إليه فكما أن النبي صلىاللهعليهوآله معصوم عن ارتكاب الصغائر والكبائر من الذنوب عمداً وسهواً فكذلك خلفاؤه الذين عينهم الرسول بأمر الله خلفاء من بعده وأمّا عصمة الزهراء عليهاالسلام ففيه لكونها أحد أفراد آية التطهير مضافاً إلى ما ثبت عن النبي صلىاللهعليهوآله مما رواه علماء السنة في كتبهم عن النبي صلىاللهعليهوآله « فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني ومن أبغضها فقد أبغضني » ١ وقوله صلىاللهعليهوآله « يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها » ٢ « فاطمة سيدة نساء العالمين » ٣ فاذا كان ايذاء الزهراء إيذاء للنبي صلىاللهعليهوآله فما ذلك الا لأن
__________________
١) راجع مستدرك الحاكم : ج ٣ ص ١٥٨ .
٢) ينابيع المودة : ج ١ ص ٢٠٣ انتشارات الشريف الرضي ، الطبعة السابعة .
٣) نفس المصدر السابق .
الزهراء عليهاالسلام لا تقول الّا الحق ولا تفعل الّا الحقّ دائماً وأبداً ، وهذا هو معنى العصمة ، فإن مفهوم العصمة الذي ذكرنا تعريفه هو عبارة عن الالتزام بجادة الحقّ وعدم الانحراف في القول والعمل ، وإذا كان الله تعالى يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضى فاطمة ، فما ذلك الا لأنّ فاطمة عليهاالسلام لا تفعل الّا ما يرضى به الله ، ولا تقول الا ما يرضى به الله ، ومعنى ذلك أن قولها وفعلها على طبق الحق ، وهذا هو معنى العصمة .
ثمّ إن هذا الكاتب ينكر علينا هذا الاعتقاد في أئمّتنا عليهمالسلام وقد قامت الأدلّة من القرآن الكريم واحاديث النبي صلىاللهعليهوآله كحديث الثقلين الذي يدلّ على عصمة العترة حيث قرنهم النبي صلىاللهعليهوآله بالقرآن ونحن نعلم أن القرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فكذلك العترة ، والّا فلا معنى لأن يأمر النبي بالتمسّك بهم لو كان يحتمل في حقهم ارتكاب الخطأ .
نقول :
إنّ هذا الكاتب ينكر علينا ذلك وهو اعتقادنا في أئمّتنا عليهمالسلام والسيّدة الزهراء عليهاالسلام بضعة النبي صلىاللهعليهوآله ومجموع عددهم ثلاثة عشر نفراً الأئمة الاثنا عشر مع السيّدة الزهراء في حين أنه يثبت العصمة الى جميع صحابة النبي صلىاللهعليهوآله بلا استثناء ويرى أنّهم كلّهم على الحقّ ، مع أن الواقع التاريخي يكذب هذا الادعاء ،
فكيف باءُ هذا الكاتب تجرّ وباؤنا لا تجرّ ، غير أنّه يلقي الكلام على عواهنه من دون تدبّر أو تفكير ، ونحن إذ ندّعي العصمة لائمّتنا عليهمالسلام والسيّدة الزهراء عليهاالسلام نقيم على ذلك الادلّة العقليّة والنقليّة ونتحدّاه أن يثبت أن أحد أئمتنا ارتكب ذنباً من الذنوب أو معصية من المعاصي ، وليقف على تراجمهم وتفاصيل حياتهم مما كتبه علماء السنة ليرى هذه الحقيقة الثابتة التي لا ينكرها الّا جاهل أو مغرض .
وقد أسمعت لو ناديت حيّاً |
|
ولكن لا حياة لمن تنادي |
الشيعة ومعجزات الائمة عليهمالسلام
قال الكاتب : ليس المعجزة في الإسلام الّا خاصة بالأنبياء وليس كذلك عند الشيعة بل تعد المعجزة ثابتة للائمة ، فعلى هذا فالائمة الاثنا عشر ثبتت لهم معجزات كما ثبتت للانبياء حسب تعاليم الشيعة .
ونقول : إن المعجزة هي : ثبوت ما ليس بمعتاد أو نفي ما هو معتاد مع خرق العادة ومطابقة الدعوى ١ . وذلك بإقدار من الله
__________________
١) كشف المراد في تجريد الاعتقاد ـ المقصد الرابع ـ المسألة الرابعة : ص ٢٧٥ منشورات مكتبة المصطفوي ـ قم .
تعالى ، وهي كما تجري على أيدي الأنبياء عليهمالسلام كذلك تجري على أيدي بعض الصالحين ، وقد تحدّث القرآن الكريم عن ذلك في قصّة مريم عليهاالسلام وأصحاب الكهف وآصف بن برخيا الذي جاء بعرش بلقيس في أقلّ من لمح البصر ، هذا مذهب الإمامية ويشاركهم في هذا المذهب أيضاً الأشاعرة وجماعة من المعتزلة .
ونتيجة ذلك أنّ المعجزة ليست خاصّة بالانبياء عليهمالسلام كما يدعي الكاتب ، فلا مانع من ثبوتها للائمّة عليهمالسلام تصديقاً لدعواهم الامامة وتأييداً لهم من قبل الله تعالى ، وقد ثبت عن أئمّتنا أنّهم أقاموا المعجزات من الأخبار بالمغيبات وغيرها من خوارق العادة وقد روي عن أمير المؤمنين عليهالسلام أنه قال : سلوني قبل أن تفقدوني ، فوالله لا تسألوني عن فئة تضلّ مائة أو تهتدي مائة الّا نبّأتكم بناعقها وسائقها وقائدها إلى يوم القيامة ١ .
وأخبر بقتل ذي الثدية من الخوارج ، وبصلب ميثم التمار وأراه النخلة التي يصلب عليها ، وبقتل ولد الحسين عليهالسلام في كربلاء وغيرها من الحوادث والوقائع التي أخبر عنها قبل وقوعها فليس هناك ما يمنع عقلاً أو نقلاً عن صدور المعجزة عن الأئمة عليهمالسلام
__________________
١) راجع كتاب سلوني قبل ان تفقدوني ، للشيخ محمد رضا الحكيمي : ج ٢ ص ١٧٦ ، مكتبة الصدر ، طهران ، طبعة ١٤٠٠ هـ .
بل لا بد من صدور المعجزة على يد الامام المعصوم عليهالسلام كما ثبت ذلك بالدليل العقلي والنقلي .
قال الكاتب : إنفرد الوحي في الاسلام بخصوصيّة نزوله على الانبياء لا غير وهذا ما نجده كثيراً في التعاليم الاسلاميّة على أنه لا يمكن نزول الوحي على أي شخص ما لم يتعيّن بهذا الميزة أي النبوّة ، ولكن بحسب تعاليم الشيعة ليس الأمر كذلك ، فكما ينزل الوحي على الانبياء كذلك ينزل على الأئمة بالسواء .
ونقول : قد أجبنا في ما تقدّم عن هذه الفرية ، ونضيف هنا أننا لا ندعي لائمتنا النبوة فقد ختمت الرسالات السماوية بخاتم الانبياء والمرسلين محمّد صلىاللهعليهوآله وقد ذكر ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى : ( وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ) ١ وأشار إليه النبي صلىاللهعليهوآله في الحديث المروي عنه « يا علي أنت منّي بمنزلة هارون من موسى الا أنّه لا نبيّ بعدي » ٢ وإنما دعوانا وعقيدتنا أن الأئمة عليهمالسلام خلفاء للرسول صلىاللهعليهوآله ونوّاب عنه في إيصال الاحكام الى الناس والمحافظة
__________________
١) سورة الاحزاب ، الآية ٤٠ .
٢) صحيح مسلم بشرح النووي : ج ٨ ص ١٧٥ ، دار الفكر ـ بيروت .
وراجع صحيح البخاري : ج ٤ ص ١٦٢ ، كتاب المغازي ، دار المعرفة ـ بيروت ، ومسند أحمد بن حنبل : ج ١ ص ١٧٩ وج ٣ ص ٣٢ .
على الدين من عبث العابثين ، وقد نص النبي صلىاللهعليهوآله على خلافتهم وإمامتهم من بعده وليس معنى هذا هو دعوى النبوة ونعتقد أيضاً أن الوحي لا ينزل على الأئمّة كما ينزل على النبي صلىاللهعليهوآله وقد كذب هذا الكاتب في نسبة ذلك الى الشيعة وليته ذكر مصدراً من مصادر الشيعة قالوا فيه بذلك .
ثمّ لا يخفى أنّ هذا الكاتب يكذب القرآن من حيث يشعر أو لا يشعر إذ يقول انه لا يمكن نزول الوحي على أيّ شخص ما لم يتعين بهذه الميزة أي النبوة والحال ان القرآن الكريم ذكر مخاطبة الملائكة لمريم عليهاالسلام ونزول الملك عليها ، فقال تعالى : ( وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ) ١ وقال تعالى : ( إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ ) ٢ وقال تعالى : ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا . . . ) ٣ وقال تعالى
__________________
١) سورة آل عمران ، الآية ٤٢ .
٢) سورة آل عمران ، الآية ٤٥ .
٣) سورة مريم من الآية ١٦ ـ ١٩ .
في قصة أم موسى ( وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ . . . ) ١ وقال تعالى : ( وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ ) ٢ فكيف لهذا الكاتب أن ينكر ذلك وهل هذا الّا تكذيب للقرآن وردّ على كتاب الله .
قال الكاتب : يقول الطباطبائي في كتابه : إن الأئمّة وإن كانوا لا يتلقون جديداً الّا أن أفعالهم وأقوالهم تمثل تكملة أقوال النبي (الحديث والسنة) فالائمة بعده صلىاللهعليهوآله . . . من جهة التشريع والهداية . . .
ونقول : كان ينبغي على الكاتب أن ينقل العبارة كاملة ثم يوجّه نقده أمّا أنه يبتر الكلام ويأتي ببعض ويترك بعضاً فذلك إخلال بالمعنى وعلى أي حال فجوابنا أنّ الأئمّة عليهمالسلام في عقيدة الشيعة هم خلفاء الرسول صلىاللهعليهوآله وليسوا بأنبياء ومهمّتهم ابلاغ الاحكام وتعليم الناس ـ كما قلنا ذلك تكراراً ومراراً ـ فإنّ الناس كانوا حديثوا عهد بالاسلام ، ومنهم من أسلم ولم يتعمّق الاسلام في قلبه ، فكان بحاجة الى مرشد وموجّه ومعلّم بعد النبي ، ولا بد أن يكون المعلم والمرشد عالماً بالشريعة وأسرارها ، فكان الائمة عليهمالسلام
__________________
١) سورة القصص ، الآية ٧ .
٢) سورة طه ، الآية ٣٧ .
هم الملاذ والمرجع للناس في معرفة الأحكام ، وقد كان في زمان الصحابة أمير المؤمنين عليهالسلام هو المرجع للمسلمين ، فكانوا يرجعون اليه في معرفة الأحكام ، وقد نقل الرواة كثيراً أنّ عمر قال في أكثر من موضع كلمته المشهورة [ لولا علي لهلك عمر ] ١ وبعد زمان الصحابة كان الأئمّة من أولاد علي عليهالسلام هم المرجع للمسلمين وقد ذكرنا ما كان عليه الامام الصادق عليهالسلام حيث تتلمذ عليه أبو حنيفة سنتين ، حتى قال [ لولا السنتان لهلك النعمان ] ٢ وكانت للامام الصادق عليهالسلام مدرسة كبرى يقصدها طلّاب العلم في مختلف العلوم ويستفيدون من علمه حتى شهد علماء السنة بذلك .
قال الكاتب : في الحقيقة لو تمّ المقارنة بين مقامات الأنبياء والأئمّة يتّضح جيداً أنّ النبوّة مستمرّة وما تزال قائمة وهذه النبوة تسمّى عندهم بالامامة ، وان الشيعة لا يفرقون بين الأنبياء والأئمّة .
ونقول : ما لهذا الكاتب لا يكاد يفقه حديثاً ، ولا يدري ماذا
__________________
١) راجع ينابيع المودة لذوي القربى : ج ١ ص ٢٢٧ تحقيق السيد علي جمال اشرف الحسيني ، الطبعة الاولى ، دار الاسوة للطباعة ، وراجع ايضاً كتاب سلوني قبل ان تفقدوني للحكيمي : ج ٢ ص ٢١٥ ، مكتبة الصدر ـ طهران .
٢) راجع كتاب الامام الصادق والمذاهب الاربعة : ج ١ ص ٧٠ ، مكتبة الصدر .
يقول ، ويريد أن يلزمنا بشيء نحن لا نقول به ولا نعتقده وأدلّتنا على خلافه ، فالنبوة ختمت بالنبي صلىاللهعليهوآله والأئمّة إنما هم خلفاء عنه من بعده لا كما يدّعيه هذا الكاتب من أنّ النبوة مستمرّة ، فالامامة شيء والنبوّة شيء آخر ، وأئمتّنا ليسوا بأنبياء ، ونحن لا ندري لماذا يصرّ هذا الكاتب على إلصاق هذه التهمة كسائر التهم الباطلة بالشيعة ، ويكرر ذلك في مواطن كثيرة من كتابه ، وسيعود إلى هذه النغمة في مطاوي كلماته كما سيأتي .
قال الكاتب : أمّا لو توقّفنا عند اُصول الدين فالفارق فيها واضح بين أهل السنة وبين الشيعة ، وهذا الفارق خطير جدّاً ، ففي اعتقاد الشيعة كان الائمة الاثنا عشر يتلقون الوحي والاختلاف إنّما يكون في التسمية فقط ، وكما عرفت لا يسمونهم أنبياء بل يسمّونهم أئمة .
ونقول : عاد الكاتب مرّة أخرى ليضرب على وتره ، والملاحظة أنّه يأتي بالكلام بمناسبة بدون مناسبة ، وقد أجبنا عن ذلك مراراً ، وهنا نقول بصراحة لو كنا نعتقد ـ كما يدّعي هذا الكاتب ـ أنّ الائمة أنبياء فما الذي يمنعنا عن تسميتهم بالأنبياء ونكتفي بتسميتهم أئمة ؟ لماذا ؟ ان هذا الكاتب لا يخجل من نفسه حينما يفتري على غيره بلا دليل .
هذه الشيعة منتشرة في بقاع العالم هل وجدهم يصلّون إلى غير القبلة وهي الكعبة ؟ وهل وجدهم يحجّون إلى غير مكة المكرمة ؟ وهل وجدهم يصومون غير شهر رمضان ؟ وهل وجدهم يتوضّؤن بغير الماء ؟ هل وجدهم في أعمالهم العباديّة والمعاملاتيّة على خلاف سائر المسلمين ؟
إن الاختلافات الجزئية امر طبيعي بين الناس لاختلاف الآراء والانظار ، فكيف يصرّ هذا الكاتب على تعميق الخلاف ويدّعي الدعاوي الباطلة بلا أساس .
قال الكاتب : وبعد كل هذا البيان يجب أن لا يخفى على اهل السنة والجماعة أنه ليس الاختلاف بين السنّة والشيعة كالاختلاف المعروف بين المذاهب الاربعة كما يروّج ذلك شيوخ الشيعة .
ونقول :
قد أشار هذا الكاتب الى هذا الأمر وهنا يعود إليه مرة أخرى ، وقد أجبنا عن ذلك فيما تقدّم ، ونضيف هنا أنّ الاختلاف بين المذاهب قائم بشكل كبير شاء هذا الكاتب أم أبى ونحن على اطّلاع تام بالاختلافات والنزاعات فيما بينهم ولسنا في مقام التشهير وكشف العورات ، ونكتفي باحالته على كتاب
الامام الصادق والمذاهب الاربعة ١ ، كما ذكرنا ذلك ليقرأه بامعان ليرى مساحة الاختلاف بين هذه المذاهب الأربعة ، وإذا كان شيوخ الشيعة ـ على حدّ تعبير الكاتب ـ يروّجون أن الاختلاف بين السنة والشيعة كالاختلاف المعروف بين المذاهب الأربعة فإنما هو لتضييق دائرة الخلاف والّا فليعلم هذا الكاتب أن مذهب الشيعة مذهب قائم بذاته مستمد من الكتاب العظيم وأحاديث النبي صلىاللهعليهوآله والعترة عليهمالسلام وتدعمه الأدلّة التامّة من العقل النقل ، وليس مذهب أهل البيت بحاجة الى غيره مادام رائده الحق وصراطه مستقيم ولا يظنّ هذا الكاتب وأمثاله أنّ ذلك لضعف الشيعة فكريّاً وعقائديّاً فإنّهم يملكون القدرة على الاقناع وعلى استعداد تام لاظهار عقائدهم بأدلتها ، وانّما يحاولون هذه المحاولات من أجل رفع الخلاف بين المسلمين بظهور الحق واتباعه كما يقول تعالى ( الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ) ٢ ولن تتنازل الشيعة عن مبدئها وعقيدتها لأنّ الادلّة العقليّة والنقليّة تساند طريقتها في العقيدة وفي مختلف النظريات الدينية .
__________________
١) راجع كتاب الامام الصادق والمذاهب الاربعة ، لاسد حيدر : ج ١ ص ١٨٧ الى ص ٢٠٦ ، مكتبة الصدر ـ طهران .
٢) سورة الزمر ، الآية ١٨ .
الشيعة وتحريف القرآن
قال الكاتب : إذا راجعنا تعاليم الشيعة فسوف نجد أنّهم يقولون بعدم صحة القرآن الموجود بين أيدينا ، وعلى أنه نسخ منه بعض الأحكام وأضيفت فيه أخر فيما حرفت بعضها وحذفت منه آيات عديدة . انّ الشيعي المعروف والمشهور برواية الحديث عندهم المسمّى بالكليني أورد في كتابه الكافي ما حاصله « إن القرآن الذي جاء به جبرئيل إلى محمّد صلىاللهعليهوآله سبعة عشر ألف آية فكيف يتم ذلك والحال ما هو متواتر عندنا كون آيات القرآن كلها لا تتجاوز (٦٠٠٠) وهذا ليس الّا القول ضمنياً انّ البقية الـ (٢/٣) من الآيات اسقطت وحذفت من نصوصه .
ونقول : ان هذا الكاتب ينطبق عليه المثل المشهور (رمتني بدائها وانسلّت) ١ وقد استشهدنا بهذا المثل في موضع آخر وسنجيب عن هذا الاعتراض ولكن قبل ذلك نلفت نظر الكاتب إلى أننّا سنذكر المصادر السنّية وعليه أن يرجع إليها ليرى صدق
__________________
١) مجمع الامثال ، للميداني : ج ٢ ص ٢٣ ، المثل ١٥٢١ ، دار الجيل ، بيروت ـ لبنان .
كلامنا ولو أنه وقف على ما سنذكره من المصادر وما ورد فيها لما تجرّأ وفتح فمه بكلمة واحدة في هذا المجال وبعد هذا نقول :
إن المشهور عند علماء السنة هو القول بتحريف القرآن وقد رووا في كتبهم روايات كثيرة وهي :
١ ـ روى ابن عبّاس أن عمر قال : فيما قال وهو على المنبر : « إن الله بعث محمداً صلىاللهعليهوآله بالحقّ وأنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل الله آية الرجم فقرأناها وعقلناها ووعيناها ، فلذا رجم رسول الله صلىاللهعليهوآله ورجمنا بعده فأخشى أن طال بالناس زمان أن يقول قائل والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله والرجم في كتاب الله حقّ على من زنى إذا أحصن من الرجال . . . صحيح مسلم ـ كتاب الحدود ـ باب رجم الثيّب في الزنا ، الحديث ١٥ ص ١٣١٧ الطبعة الثانية .
وذكر السيوطي أخرج ابن اشته في المصاحف عن الليث بن سعد قال « أول من جمع القرآن أبو بكر كتبه زيد . . . وإن عمر أتى بآية الرجم فلم يكتبها لأنه كان وحده » الاتقان في علوم القرآن للسيوطي : ج ١ ص ٢٠٦ الهيئة المصرية العامة للمكتبات .
وآية الرجم التي ادعى
عمر أنّها من القرآن ولم تقبل منه رويت بوجوه منها : إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتة
نكالاً من الله والله عزيز حكيم .
ومنها : « الشيخ والشيخة فارجموهما البتة بما قضيا من اللذة .
ومنها : ان الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة .
وعلى أي تقدير فليس في القرآن الموجود ما يستفاد منه حكم الرجم المذكور فلو صحت الرواية فلازمة سقوط آية من القرآن .
٢ ـ وأخرج الطبراني بسند موثق عن عمر بن الخطاب مرفوعاً « القرآن ألف ألف وسبعة وعشرون ألف حرف » الاتقان في علوم القرآن للسيوطي : ج ١ ص ٢٤٢ .
بينما ان القرآن الذي بين أيدينا لا يبلغ ثلث هذا المقدار وعليه فقط سقط من القرآن أكثر من ثلثيه .
٣ ـ وروى ابن عبّاس عن عمر أنّه قال : إن الله بعث محمّداً بالحقّ وأنزل معه الكتاب ، فكان مما أنزل اليه آية الرجم فرجم رسول الله صلىاللهعليهوآله ورجمنا بعده ، ثم قال : كنّا نقرأ « ولا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم » أو (ان كفراً بكم ان ترغبوا عن آبائكم) مسند أحمد : ج ١ ص ٤٧ ، دار الفكر .
٤ ـ وروى نافع أنّ
ابن عمر قال : ليقولنّ أحدكم قد أخذت