الحقيقة المظلومة

محمد علي صالح المعلّم

الحقيقة المظلومة

المؤلف:

محمد علي صالح المعلّم


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٤٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

والمقداد وعمار وحذيفة بن اليمان وخزيمة بن ثابت ذا الشهادتين وأبا أيوب الأنصاري وغيرهم كانوا من شيعة علي بن أبي طالب .

يقول محمّد كرد علي في كتابه خطط الشام ـ وهو ليس من الشيعة ولا من أنصارهم ـ :

عرف جماعة من كبار الصحابة بموالاة علي في عصر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مثل سلمان الفارسي القائل : بايعنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على النصح للمسلمين والائتمام بعلي بن أبي طالب والموالاة له ، ومثل أبي سعيد الخدري الذي يقول أُمر الناس بخمس فعملوا بأربع وتركوا واحدة . ولمّا سئل عن الأربع قال : الصلاة والزكاة وصوم شهر رمضان والحج ، قيل : فما الواحدة التي تركوها ؟ قال : ولاية علي بن أبي طالب . قيل له : وانّها لمفروضة معهنّ ؟ قال : نعم هي مفروضة معهنّ ، ومثل أبي ذر الغفاري ، وعمّار بن ياسر ، وحذيفة بن اليمان ، وذي الشهادتين خزيمة بن ثابت وأبي أيّوب الأنصاري ، وخالد بن سعيد بن العاص وقيس بن سعد بن عبادة ١ .

__________________

١) تاريخ الشيعة : ص ٩ . وقد ذكر المرحوم السيد شرف الدين في كتابه الفصول المهمة أسماء الشيعة من أصحاب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ لا على سبيل الحصر ـ ورتبها على حروف المعجم فبلغ عددهم أكثر من ماءتي نفر . راجع الفصول المهمة في تأليف الامة : ص ٢٦٥ ـ ٣٠٩ الطبعة المحققة .

٤١
 &

هؤلاء وغيرهم كانوا من الشيعة في زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فكيف يقول هذا الكاتب : إنّ هذه الفرقة لم يكن لها ارتباط بالدين وإنّها ترفع بعض الشعارات الدينيّة .

قال الكاتب : وهناك شخص يدعى عبدالله بن سبأ يعتبر من قادة مؤامرة اغتيال عثمان .

ونقول : وهذه فرية اخرى روّجها أعداء الشيعة ضدّ الشيعة .

إنّ عبدالله بن سبأ ممّن اختلفت آراء الباحثين فيه ، فمنهم من قال بوجوده ونسب اليه أحداثاً كثيرة وكبيرة ، ومنهم من قال انّه من صنع الخيال ، وقد تنبّه إلى ذلك الدكتور طه حسين في كتابه الفتنة الكبرى ، والدكتور علي الوردي في كتابه وعاظ السلاطين وغيرهما ، وقد استنتج الدكتور طه حسين أن قضيّة عبدالله بن سبأ وما نسب إليه إنما نسجت للنيل من الشيعة والكيد لهم .

وسواء كان عبدالله بن سبأ حقيقة ثابتة أم أنّه محض خيال ، فلا يعنينا من أمره شيء .

يقول محمد كرد علي في كتابه خطط الشام : وأما ما ذهب إليه بعض الكتاب من أن أصل مذهب التشيّع من بدعة عبدالله بن سبأ المعروف بابن السوداء ، فهو وهم وقلّة معرفة بحقيقة مذهبهم

٤٢
 &

ومن علم منزلة هذا الرجل عند الشيعة وبراءتهم منه ومن أقواله وأعماله وكلام علمائهم في الطعن فيه بلا خلاف بينهم علم مبلغ هذا القول من الصواب ، لا ريب في أنّ أوّل ظهور الشيعة كان في الحجاز بلد المتشيع له وقال : وفي دمشق يرجع عهدهم الى القرن الأوّل للهجرة ١ .

وقد قلنا آنفاً إنّ محمّد كرد علي صاحب الخطط ليس من الشيعة ولا من أنصارهم .

ثمّ إنّ حادثة مقتل الخليفة الثالث ممّا حارت فيها أفهام علماء السنّة ، ولم يستيطعوا أن يقدموا لها تفسيراً صحيحاً ومقبولاً يمكن الإعتماد عليه ، والّا فأين الصحابة الأوّلون عن هذا الأمر ؟

وكيف تركوا خليفة المسلمين بلا حماية حتّى جاءه أناس فقتلوه ؟! ثمّ ما هي الدوافع لقتل الخليفة بينهم ؟؟

والحقيقة كما تشهد بها كتب التاريخ أنّ لبعض الصحابة والتابعين يدا في قتل الخليفة أمثال طلحة ، والزبير ، وعائشة ، وعمرو بن العاص وغيرهم ممّن يؤلّب النّاس على قتل عثمان ، وارجع الى التاريخ لتقف على حقيقة الحال .

ومن الجدير بالذّكر أنّ المؤرخين كما نصّوا على أشتراك

__________________

١) تاريخ الشيعة : ص ١٠ .

٤٣
 &

بعض الصحابة والتابعين في قتل عثمان ، كذلك نصّوا على براءة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، من دمه أو الإعانة عليه ، بل لم يكن راضياً بقتله ، وكان عليه‌السلام يقوم بدور الإصلاح والنصح ما استطاع الى ذلك سبيلاً ، يقول ابن أبي الحديد : وأمير المؤمنين عليه‌السلام أبرأ الناس من دمه ، وقد صرّح بذلك في كثير من كلامه ، من ذلك قوله عليه‌السلام : والله ما قتلت عثمان ولا مالأت على قتله ١ .

وقد ذكر الطبري في تاريخه ٢ تفاصيل مقتل عثمان بأسبابها ودوافعها وكثيراً مما يتعلق بها ، ونقلها ابن أبي الحديد في شرح النهج ٣ وأضاف إليها حوادث أخرى نقلها عن غيره . فراجع .

قال الكاتب : فأبوه كان يهودياً بينما أتت أمّه إلى المدينة وحاولت الحصول على منصب في الحكومة الإسلامية فلم تنجح .

ونقول : لا ندري على أيّ المصادر اعتمد هذا الكاتب ؟ ومن أين جاء بهذه المقالة ؟ وماذا كانت تريد أمّ عبدالله بن سبأ أن تصبح ؟ وأيّ منصب كانت تطمح إليه ؟ وهل كانت النساء في تلك

__________________

١) شرح نهج البلاغة : ج ١ ص ٢٠٠ ، دار إحياء الكتب العربية .

٢) تاريخ الامم والملوك (تاريخ الطبري) : ج ٤ ص ٣١٧ ـ ٤١٧ .

٣) شرح نهج البلاغة : ج ٢ ص ١٢٦ ـ ١٦١ ، دار إحياء الكتب العربية .

٤٤
 &

الفترة تتقلد المناصب حتّى تطمع هذه المرأة في أن يكون لها منصب في الحكومة الإسلاميّة ؟

انّ هذا الكاتب يتعمد الافتراء ، وسنوافيك بكثير من أكاذيبه التي ألصقها بالشيعة زوراً وبهتاناً .

قال الكاتب : فعلى هذا الأساس يكون مصدر الشيعة وفروعها نابتاً من فرقة عبدالله بن سبأ الذي هو المسؤول عن اغتيال خليفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ونقول : إن الاساس الذي هو مصدر التشيّع هو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يكن لعبدالله بن سبأ ـ على فرض وجوده ـ شأن يذكر ، والمسؤول عن اغتيال الخليفة هو الصحابة أنفسهم وهذه الحقيقة تحتاج الى الشجاعة والجرأة والإنصاف ومحاكمة الأشخاص على ضوء ما حفظه لنا التاريخ ، والّا فكيف يتسنّى لعبدالله بن سبأ وهو ينحدر من أصل يهودي ـ حسب هذا الزعم ـ ويدبر مقتل الخليفة على مرأى من المسلمين ولم يتحرّكوا من أجل حماية الخليفة أليس في هذا طعنٌ على الصحابة من حيث لا يشعر هذا الكاتب ؟؟

قال الكاتب : هذه الجماعة في حين تستّرهم مؤيّدين للامام علي عليه‌السلام رافعين راية أهل البيت عليهم‌السلام قد انحرفوا عن طريق الصحابة وسنّة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وعندما اغتالوا عثمان تشخّصوا

٤٥
 &

وتميّزوا بالشيعة .

ونقول : إنّ هذا الكاتب يتجاسر على الصحابة وينسب لهم النفاق من حيث لا يشعر ، وإلّا فهؤلاء المتستّرون ـ على حسب زعمه ـ هل هم من الصحابة أم لا ؟ فإن كانوا من الصحابة فكيف لهذا الكاتب أن يقول عنهم إنّهم انحرفوا وكانوا يتستّرون بالتأييد للإمام علي وإن كانوا ليسوا من الصحابة فكيف لصحابي وهو الامام علي ان يرضى أن تتستّر الجماعة بتأييده ، ولماذا لم يردعهم ويفضحهم ويعاقبهم ، ثمّ ليته ذكر أسماء هؤلاء الذين تستّروا بالتأييد للامام علي عليه‌السلام إن هذا الكاتب يتجنّى على الصحابة في الوقت الذي يريد الدفاع عنهم ، فتراه يتخبّط في القول ولا يدري ماذا يقول .

قال الكاتب : ثمّ إنّ للفرقة الشيعيّة فرق أخرى كثيرة لها اعتقاداتها ومبانيها لا تتّفق مع الإيمان في شيء .

ونقول : إنّ كلام الكاتب مبهم وغير واضح ، فإن حديثنا وكلامنا عن الشيعة الإماميّة الاثنا عشريّة لا عن جميع فرق الشيعة ونحن لا ننكر وجود فرق اخرى كالزيدية والإسماعيليّة وغيرهما ولا يعنينا من أمر هذه الفرق شيء ، لكننّا لا نقول إنّها خارجة عن

٤٦
 &

الاسلام ، وعندنا ان كل من شهد الشهادتين وأقام الفرائض فهو مسلم الّا من استثني .

وأما قوله بعد ذلك : وحيث خرجت هذه الفرقة عن هيكل الإسلام فإن ذلك يعني خروجها عن خط أصحاب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله . . .

فهذا القول منه تخبّط على غير هدى وذلك لأنّ عنوان المسلم إنّما ينطبق على كلّ من تشهد الشهادتين وأقام الفرائض ، وأما الخروج عن خطّ أصحاب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فليس مقياساً لمعرفة المسلم من غيره ، وذلك لأن التاريخ بيّن أن خط أصحاب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن خطّاً واحداً بل كانت هناك خطوط متعدّدة فإنّ الصحابة أنفسهم قد اختلفوا ووقعت الحروب فيما بينهم ، وهذه حرب الجمل ١ وحرب صفين ٢ وحرب النهروان ٣ إنّما وقعت

__________________

١) حرب الجمل وهي الحرب التي دارت رحاها في البصرة بين أمير المؤمنين علي عليه‌السلام وبين طلحة والزبير وعائشة سنة ٣٦ وإنّما سميت بذلك لأن عائشة كانت تركب جملاً وهي تقود الجيش ضد علي عليه‌السلام .

٢) حرب صفين بكسرتين وتشديد الفاء وهو موضع بقرب الرقة على شاطىء الفرات من الجانب الغربي بين الرقة وبالس وكانت واقعة صفين بين علي عليه‌السلام ومعاوية في سنة ٣٧ في غرة صفر . راجع معجم البلدان .

٣) حرب النهروان . والنهروان كورة واسعة بين بغداد وواسط من الجانب الشرقي راجع معجم البلدان لشهاب الدين بن عبدالله الحمويني الرومي البغدادي : ج ٥ دار احياء التراث العربي .

٤٧
 &

بين الصحابة أنفسهم فهل يستطيع هذا الكاتب أن يحدّد خطّ الصحابة الذي يكون مقياساً لمعرفة المسلم من غير المسلم ، وأمّا ما توصّل اليه الكاتب من النتيجة وهي قوله : إذن الشيعة هي إحدى الفرق الكاذبة التي ضلت وافترقت وهي التي تحدث عنها الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّها في النار ، فهي نتيجة باطلة ، وكأنّما هذا الكاتب يرتب المقدمات ويستخرج النتائج كما يحلو له من دون مراعاة دليل أو برهان على صحّة مقدّماته ، وإلّا فما معنى قوله هي إحدى الفرق الكاذبة التي ضلّت وافترقت ؟ وما هو كذبها ؟ وفي أيّ شيء كذبت ؟ وكيف صحّ له أن يطبق الحديث على هذه الفرقة وحكم عليها أنّها في النار ؟! ثمّ من هم الذين عناهم الرسول في الحديث بأنّهم أصحابه ؟ ونحن نعلم أن اصحابه قد اختلفوا ووقعت الحروب فيما بينهم ، فمن هو المحقّ منهم ومن هو المبطل ؟ فإنّ الحق واحد لا يكون في طرفين في آن واحد .

إنّ هذا الكاتب يركّز على أمر الصحابة واعتبارهم مقياساً في الحكم ، ولكن لا ندري هل غاب عنه أنّ الصحابة بشر كسائر الناس منهم المصيب ومنهم المخطىء ، والصحبة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله شرف عظيم ولكن لا يعني هذا أنّهم معصومون من كلّ خطأ وشاهد ذلك أنّ الاختلاف قد وقع بينهم حتّى شهر بعضهم السيف في

٤٨
 &

وجه بعض . وهذه هي إحدى المشاكل الخلافية القائمة ، فإنّ إعطاء الصحابة منزلة العصمة تصطدم مع الواقع التاريخي الذي عاش عليه المسلمون بعد رحيل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الى الرفيق الأعلى .

إنّ الانصاف والعدل يقضيان بعرض أعمال الناس صحابة أو غيرهم على المقاييس الشرعية فما كان منها موافقاً لموازين الدين والشرع حكم بصحّته وما كان مخالفاً للموازين حكم بخطأه ، سواء صدر ذلك من صحابي أو غيره ، وبذلك يستطيع الكاتب وأمثاله أن يتخلّص من هذه العقدة التي يعاني منها .

الإختلاف بين الشيعة والسنّة

قال الكاتب : ليس هناك اختلاف بسيط بين مسلمي السنّة وبين الشيعة كما يحاول أن يدعي ذلك أنصار ايران .

ونقول : إنّ الاختلاف بين الفريقين يرجع الى مسألة الخلافة بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فإنّ مذهب السنّة يقول إنّ الخلافة هي بالانتخاب والاختيار من الناس ، وامّا الشيعة فيقولون إنّ الخلافة منصب إلهي لا يد للبشر فيه ، فإنّ أهميّة الإمامة بعد النبي وكونها الامتداد لمسيرته في تعليم الناس وبيان أحكام الله للعباد تقتضي أن يكون الخليفة بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مجعولاً من قبل الله فإنه تعالى العالم

٤٩
 &

بحقائق الناس وهو الخبير بمن يصلح لقيادة الأمة ، وقد أقام الشيعة الأدلة العقليّة والنقليّة من القرآن ومن أحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله واعتمدوا في مصادرهم على ما رواه السنّة أنفسهم في صحاحهم وأشرنا إلى طرف من ذلك .

هذا هو سرّ الخلاف ومرجعه بين السنّة والشيعة وما عداه من الخلافات فهي خلافات طبيعيّة تابعة للمصادر التي استند اليها كلّ من الفريقين في معرفة الأحكام والعقائد .

الشيعة والمتعة

قال الكاتب : ليس الاختلاف يكمن فقط في مسألة كون الزنا مشروعاً في الاسلام والذي يسمى عندهم (متعة) .

ونقول : إنّ هذا الكاتب لا يتقي الله في تهمة المسلمين زوراً وبهتاناً ، والّا ففي أيّ كتاب من كتب الشيعة وجد هذا الكاتب وغيره أن الشيعة تحلّل الزنا ، وهذه كتبهم الفقهيّة الاستدلاليّة منتشرة في جميع البلدان وكلّها قد اتّفقت كلمتهم على أنّ الزنا محرّم بنصّ القرآن وانّه إحدى الكبائر ، وقد بيّنوا ذلك في مختلف كتبهم الفقهيّة ، وأوضحوا كلّ ما يتعلّق بهذه المسألة من الأحكام والآثار .

وأما ما ذكره من المتعة ، فالجواب عنه .

أولاً : أنّ المتعة ليست هي من الزنا .

٥٠
 &

وثانياً : إنّها زواج شرعيّ يشترط فيه جميع الشرائط في النكاح ، وإنّما يختلف عن النكاح المتعارف عليه أنّ فيه تحديد مقدار المهر ومقدار المدّة ، ولهذا يسمى بالنكاح المنقطع في مقابل النكاح الدائم ولا يفترق النكاح المنقطع عن الدائم الا في هذين الأمرين ، والا فما عداهما ممّا يشترط في النكاح الدائم هو مشترط في النكاح المنقطع .

وثالثاً : أنّ الشيعة لم تقل بحلّيّة المتعة الّا بعد قيام الدليل من الكتاب والسنة ، واستدلوا من الكتاب بآية قرآنيّة هي نصّ في دلالتها على حلّية المتعة ، وهي قوله تعالى : ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) ١ .

راجع تفسير أبي حيّان ٢ ، وتفسير الطبري ٣ ، وتفسير البغوي ٤ ، وتفسير الزمخشري ٥ ، وتفسير القرطبي ٦ ، وتفسير

__________________

١) سورة النساء ، الآية ٢٤ .

٢) تفسير أبي حيان : ج ٣ ص ٢١٨ .

٣) تفسير الطبري : ج ٥ ص ٩ ط / ٢ بولاق مصر ١٩٧٢ .

٤) تفسير البغوي : ج ١ ص ٤١٤ ط / ٢ دار المعرفة ـ بيروت .

٥) الكشاف للزمخشري : ج ١ ص ٥١٩ ، دار المعرفة ـ بيروت .

٦) جامع احكام القرآن للقرطبي : ج ٥ ص ١٣١ و ١٣١ و ١٣٢ ، دار الكتب العربية ، القاهرة ـ مصر .

٥١
 &

البيضاوي ١ ، وتفسير السيوطي ٢ حول تفسير هذه الآية .

واستدلّوا من السنّة بروايات كثيرة رواها علماء السنة في كتبهم وإليك بعض هذه الروايات : روى مسلم في صحيحه ٣ وابن الأثير في جامع الاصول ٤ عن قيس ، قال : سمعت عبدالله بن مسعود يقول : كنا نغزوا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ليس لنا نساء فقلنا الّا نستخصي فنهانا عن ذلك ، ثمّ رخّص لنا ان نستمتع فكان أحدنا ينكح المرأة بالثوب الى أجل ثم قرأ عبدالله : ( أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) .

وروى البخاري ٥ ومسلم في صحيحيهما ٦ وابن الأثير في جامع الاصول ٧ عن سلمة بن الاكوع وعن جابر قالا : خرج علينا

__________________

١) تفسير البيضاوي لناصر الدين الشيرازي البيضاوي : ج ١ ص ٣٣٦ ط / ١ مؤسسة الاعلمي ، بيروت ـ لبنان .

٢) الدر المنثور لجلال الدين السيوطي : ج ٨ ص ١٤٠ .

٣) صحيح مسلم : ج ٤ ص ٤٥ و ٤٦ .

٤) جامع الاصول : ج ٢ ص ٣٣٤ و ٣٣٥ دار إحياء الكتب العربية .

٥) صحيح البخاري : ج ٥ ص ١٥٨ .

٦) صحيح مسلم : ج ٤ ص ١٣١ .

٧) جامع الاصول : ج ١١ ص ٤٤٤ و ٤٤٦ و ٤٤٧ ، دار الفكر ، بيروت ـ لبنان .

٥٢
 &

منادي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد أذن لكم أن تستمتعوا فاستمتعوا يعني متعة النساء ١ .

وروى مسلم في صحيحه ٢ عن عطاء قال : قدم جابر بن عبدالله معتمراً فجئناه في منزله فسأله القوم عن أشياء ثمّ ذكروا المتعة ، فقال : نعم استمتعنا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأبي بكر وعمر وروى مسلم ٣ أيضاً وذكره في جامع الاصول عن أبي الزبير قال : سمعت جابر بن عبدالله يقول : كنّا نستمتع بالقبضة من التمر والدّقيق ، الايّام على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأبي بكر وعمر حتّى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث .

وعن أبي نضرة ، قال : كنت عند جابر بن عبدالله فأتاه آت فقال : ان ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين ، فقال جابر : فعلناهما مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ نهانا عمر عنهما فلم نعد لهما .

وهناك الكثير من الروايات في هذا المعنى راجع صحيح

__________________

١) صحيح مسلم : ج ٢ ص ١٠٢٢ ح ١٤٠٥ ، باب نكاح المتعة ، دار احياء التراث العربي .

٢) صحيح مسلم : ج ٤ ص ١٣١ .

٣) صحيح مسلم : ج ٢ ص ١٠٢٣ باب نكاح المتعة ، دار احياء التراث .

٥٣
 &

مسلم ١ وصحيح الترمذي ٢ وسنن البيهقي ٣ وموطأ ٤ مالك وأحكام ٥ القرآن وغيرها من كتب السنة . وحكى الفخر الرازي في تفسير آية المتعة عن محمّد بن جرير الطبري قال : قال علي بن أبي طالب عليه‌السلام لولا أنّ عمر نهى عن المتعة ما زنى الّا شقيّ ٦ .

ورابعاً : يظهر بعد ذلك أنّ المتعة حلال وجائزة بنصّ القرآن والروايات عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد فعلها كبار الصحابة ، وإنّما كان النهي صدر من عمر في زمان خلافته ولا يرتاب المسلم أنّ قول القرآن والنبي مقدّم على قول عمر .

فكيف لهذا الكاتب يدعي ويفتري أن الشيعة تبيح الزنا ؟ ألم يعلم أن الزنا شيء وان المتعة شيء آخر ؟

قال الكاتب : بل هناك اختلافات جوهريّة كثيرة جداً بين

__________________

١) صحيح البخاري : ج ٣ ص ٢٤٦ ، دار المعرفة ، بيروت ـ لبنان .

٢) صحيح الترمذي : ج ٢ ص ١٨٥ ، الحديث ٨٢٤ ، باب ما جاء في التمتع .

٣) سنن البيهقي : ج ٥ ص ٢١ وج ٧ ص ٢٠٦ .

٤) موطأ ابن مالك : ج ٢ ص ٣٠ .

٥) احكام القرآن للجصّاص : ج ١ ص ٣٤٢ و ٣٤٣ و ٣٤٤ و ٣٤٥ : ج ٢ ص ١٧٨ و ١٧٩ .

٦) التفسير الكبير للفخر الرازي : ج ١٠ ص ٥١ ط / ١ المطبعة البهية المصرية ١٩٣٨ م .

٥٤
 &

السنة والشيعة في الإيمان تؤدي الى الكفر الصريح .

ونقول : انّ الذي يؤدّي الى الكفر الصريح قد بيّن في محلّه من كتب الفقه والإعتقاد ، ومنها انكار وجود الله تعالى أو تكذيب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو الاستهانة بالمقدّسات الدينيّة أو إنكار ما ثبت أنّه من الدين كانكار الصلاة مثلاً ونحو ذلك من الأمور مع ضرورة الالتفات الى عدم وجود الشبهة في ذهن المنكِر ، والشيعة مؤمنة بوجود الله معتقدة بوحدانيّته تعالى مصدقة بالأنبياء وبما جاؤا به من عند الله محترمة لجميع المقدسات ، تؤدي الصلاة المفروضة في أوقاتها محافظة على جميع الواجبات الشرعية مستندة في ما تعتقد وتعمل إلى الأدلة والبراهين ، محتجّة على خصومها ، فأين الكفر من ذلك ؟ وقد قلنا إذا كان هناك اختلاف أساسي فهو يرجع الى مسألة الإمامة والخلافة وما يترتّب عليها من آثار . ثمّ إنّ رمي أحد من الناس بالكفر والخروج عن الدين ليس بالأمر اليسير ، فكيف ساغ لهذا الكاتب أن يتّهم غيره ممّن يخالفه في النظرة والفكرة بأنّه كافر الّا يتّقي هذا الكاتب ربّه في ما يقول ؟

قال الكاتب : الاختلافات بوسعها وعريضها موجودة بين كافّة أهل الحق . . .

ونقول : انّ اختلاف الرأي والنظر بين بني البشر من الاُمور الطبيعية والسنن الكونيّة فإنّ لكلّ شخص ذوقاً ونظراً قد يتّفق مع

٥٥
 &

الآخرين وقد يخالفهم ، وهذا لا إشكال فيه فإذن لماذا لا يحترم هذا الكاتب غيره ويقدر لهم آراءهم ، ولماذا لا يحتمل في نفسه الخطأ وهل هو معصوم ليكون هو المقياس في الحكم على الناس بالكفر والخروج عن الدين ؟

وأمّا ما ذكر بعد ذلك من أنّ الاختلافات بين أهل المذاهب الأربعة اختلافات هامشيّة ، فنقول في جوابه : إنّ هذا الكاتب قليل الاطّلاع على مدى التباين والاختلاف بين هذه المذاهب بحيث أنّ أهل كلّ مذهب يكفّرون المذهب الآخر ، ونحيل الكاتب على قراءة كتاب الامام الصادق والمذاهب الأربعة ويقرأه ويرجع الى المصادر السنّية التي اعتمد عليها المؤلّف ليتأكّد من صدق المؤلّف بأنّ الاختلاف بين المذاهب وصل الى حدّ من البشاعة والاشمئزاز ممّا تنفر منه الطباع السليمة ، إرجع الى هذا الكاتب واقرأه وأبد بعد ذلك رأيك .

الشيعة والتقيّة

قال الكاتب : ولكن ليس كذلك عند الشيعة ، بل الشيعة فرقة كاذبة ودينها يعتمد على العداوة والبغض على رسول الله (ص) وهذه العداوة والبغض يصطلح عندهم بالتقيّة في اعتقادهم . . الخ .

٥٦
 &

ونقول : لقد أوضحنا في بداية هذا الكتاب بعض عقائد الشيعة بصورة اجماليّة ، ونلفت النظر الى أنّ الكاتب لا يعرف عن عقائد الشيعة شيئاً الّا ما يسمعه من خصومها أو يقرأ في كتب أعدائها ، ولو كان منصفاً لما بادر الى التهجّم بلا مبرر وبدون برهان ليست الشيعة ـ ونقصد الشيعة الاماميّة الاثنى عشرية ـ فرقة كاذبة ودينها يعتمد على العداوة والبغض لرسول الله ، بل الشيعة هي الفرقة التي آمنت بالله وبالرسول وصدقت بما جاء به وطبقت التعاليم الاسلامية وسارت على هدي القرآن والعترة امتثالاً لأوامر الله تعالى واستجابة لنداء الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث قال : إنّي مخلّف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وليس في مذهب الشيعة تجويز الكذب فهم يعدّون الكذب من أكبر الكبائر وقد نص القرآن على ذمّ الكذب والكاذبين ، ورووا عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وعن أئمتهم عليهم‌السلام روايات كثيرة في هذا المعنى ممّا لا يدع مجالاً لافتراء هذا الكاتب على الشيعة بأنها فرقة كاذبة ، ولو أنّه تناول أيّ كتاب من كتب الشيعة في هذا المجال لعلم ذلك ، ونحن نعتقد أنّه يعلم بذلك ولكن العصبية قد سيطرت عليه ودفعته الى التجني وعدم الانصاف وأما ما ذكره من أمر التقيّة ، فنقول في جوابه : ليست التقيّة من بدع الشيعة كما يحلو لهذا الكاتب أن يصفها بذلك ، وليست التقيّة فكرة مذهبيّة كما يرغب

٥٧
 &

أن ينعتها بذلك بل التقية مبدأ قرآني نصّ عليها في العديد من الآيات . وإذا كان الشيعة يطبقون التقيّة فلأنهم يلتزمون بتطبيق آيات القرآن وهل في هذا انحراف أو خروج عن جادّة الحقّ .

لقد أشار القرآن الكريم إلى التقيّة ومدح العاملين بها ، قال الله تعالى : ( إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ) ١ ( إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ) ٢ ( وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ ) ٣ فهذه الآيات المباركة وغيرها تدل صراحة على جواز التقية .

ثمّ إنّ التقية يلجأ اليها في حالة دفع الضرر والخوف على الدين أو النفس أو العرض أو المال ، وهذا أمر فطري طبيعي عند كلّ إنسان ، ولو أنّ هذا الكاتب واجهته بعض الظروف القاسية التي تهدد حياته أو ماله أو عرضه لما كان له مناص عن التقية ولعلم أنّ التقيّة حقّ لا ريب فيه ، وقد أقرّ علماء السنّة بهذه الحقيقة فيما ألّفوه من الكتب الفقهيّة ، ولكن هذا الكاتب لا يكلف نفسه حتى بقراءة كتب مذهبه فضلاً عن كتب غيرهم . والمهم انّ التقيّة أمر طبيعي لا يخالف الدين والعقل ، وليست هي نفاقاً ، كما

__________________

١) سورة النحل ، الآية ١٠٦ .

٢) سورة آل عمران ، الآية ٢٨ .

٣) سورة غافر ، الآية ٢٨ .

٥٨
 &

يحاول خصوم الشيعة أن يثبتوا ذلك بل هي حالة علاجيّة والغرض منها دفع الضرر والخوف عن الدين والنفس والعرض والمال ، ولها شرائط ومقررات ذكرها علماء الشيعة في كتبهم الفقهية ، فليست التقية عندهم جائزة في كلّ وقت وزمان ومكان وحال ، بل إنّ من الحالات ما لا يجوز فيها التقيّة أصلاً ، وقد ذكر ذلك مفصلاً في كتب الفقه الشيعية ، وأما اقتران التقيّة بالشيعة فلأنّ الشيعة في تاريخهم الطويل كانوا يعانون من الويلات والأذى من خصومهم في محاولات لمحوهم من الوجود ، ولا أقل من اسكات أصواتهم عن قول الحق وقد قدّم الشيعة من الضحايا في سبيل مبدئهم ما سطره التاريخ واقرأ ما فعله معاوية بن أبي سفيان ومن جاء من بعده من الامويين والعباسيّين في الشيعة من القتل والسجن والتشريد لا لشيء الّا لأنّهم شيعة أهل البيت عليهم‌السلام الأمر الذي دفع بالشيعة أن يعملوا بالتقيّة حفاظاً على دينهم وأنفسهم وأعراضهم .

وليس المقام مقام تفصيل والا لأسمعناك من ذلك عجباً ١

__________________

١) راجع كتاب النصب والنواصب فقد استوعب في دراسته لهذا الموضوع ما عاناه الشيعة ـ من خصومهم ـ عبر تاريخهم المظلوم .

٥٩
 &

وقد كتب علماء الشيعة حول التقيّة بحوثاً موسعة ومختصرة فقهية وغير فقهية ، فارجع إليها إن شئت المزيد ونكتفي بهذا القدر من الكلام حول التقيّة مشيرين الى أن التقية ليست نبزاً ونقصاً بقدر ما هي مدحاً وفضيلة ، وإذا كان من طعن أو نقاش حول التقية فليوجّه نحو الأسباب التي دفعت بالشيعة الى الالتزام بالتقيّة . وسيأتي أيضاً بعض ما يرتبط بالتقيّة عند تعرض الكاتب لذلك .

الشيعة والصحابة

قال الكاتب : توجد في الفرق الشيعيّة اعتقادات متنوّعة باختلاف فرقها .

ونقول : قد أشرنا أكثر من مرّة الى أننا لا يعنينا أمر سائر الفرق ، وينبغي أن يكون حديث الكاتب محدّداً ولا يخلّط في أقواله ، فإنّ فرق الشيعة وإن كانت كثيرة ومتعددة وهي كالفرق السنية فهي أيضاً كثيرة ومتعدّدة ، والاختلاف فيما بينها كبير جداً الّا أنّ كلامنا في الشيعة الاماميّة الاثني عشرية ولعل الكاتب متنبّه الى ذلك ، وإنما ذكر هذا تمهيداً لقوله الآتي حيث قال :

ولكنها مع ذلك تلتقي وتتفق على نقطة واحدة أساسيّة مشتركة لا تخرج عن صميمها جمعاء وهي السبّ والشتم والحملة

٦٠