إعراب القرآن - ج ١

الزجّاج

إعراب القرآن - ج ١

المؤلف:

الزجّاج


المحقق: ابراهيم الأبياري
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٨

السادس

هذا باب ما جاء في التنزيل من الأسماء التي سميت بها الأفعال

وهى أبواب ذكرها سيبويه ، نحو : صه ، ومه ، ورويد ، والنّجاء ، وإياك ، وعليك ، وهاك ، وهلم. كما تراه فى الكتاب (١). فهذه كلها أسماء سميت بها الأفعال.

وقد أبطلنا قول من قال : هى قسم رابع ، فى غير كتاب من كتبنا.

فما جاء فى التنزيل من ذلك قولهم فى الدعاء بعد الفاتحة (آمين).

وفيه لغتان : أمين ، وآمين ، بالقصر والمد ؛ وكلاهما اسم ل «استجب» ؛ كما أن «صه» اسم. ل «اسكت» و «مه» كذلك. وفى «آمين» ضمير المخاطب.

وروى عن الأخفش أنه اسم أعجمى ، مثل : هابيل وقابيل ؛ فإن سميت به رجلا لم ينصرف.

قال أبو علىّ «فى التذكرة» : لو قال قائل إنه ليس / بأعجمى ، لأنه لا يخلو لو كان أعجميا من أن يكون اسم جنس ، أو منقولا من معرفة ، وليس باسم جنس ولا منقولا من معرفة. فإذا لم يخل من هذين الوجهين فى العجمة ، وليس واحدا منهما ، ثبت أنه ليس بأعجمى ، فهو وجه.

__________________

(١) انظر الكتاب لسيبويه (١ : ١٢٢ ـ ١٢٧).

١٤١

فإن قلت : إنه وزن جاء فى الأعجمية.

قيل : لا ينكر ، وإن كان جاء فى الأعجمى : مثل ، هابيل ، أن يجىء هذا عربيّا ، ويكون إفراده فى الأبنية العربية مثل : درّىّ ، ومرنّق ، ونحو ذلك من الأبنية التي تجىء مفردة ، نحو : انقحل ، وما أشبه. فبعضهم لا يصرفه لتوهم العجمة ، وبعضهم يصرفه ويجعله مثل: قيراط ، وفيروز.

قال أبو علىّ فى موضع آخر : اختلف فى «آمين» فقال قائلون :

إنه اسم من الأسماء التي سمى بها الفعل ، نحو : صه ، ومه ، وإيه ، ورويد ، وما أشبه ذلك. وقال قائلون : هو اسم من أسماء الله.

فما يدل على أنه اسم سمى به الفعل : ما روى حجّاج (١) عن ابن جريح (٢) عن عكرمة (٣) قال : أمّن هارون على دعاء موسى عليه‌السلام ، فقال الله : (قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما) (٤).

وكما أن قول موسى : (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ) (٥) جملة مستقلة وكلام تام ، كذلك قول هارون (آمِّينَ) جملة مستقلة وكلام تام. ولولا أنه كذلك لم يكن هارون داعيا ، لأن من تكلّم باسم مفرد أو كلمة مفردة لم يكن داعيا ،

__________________

(١) هو حجاج بن محمد المصيصي ـ بكسر الميم وتشديد الصاد المهملة ، وقيل بفتح الميم وخفة الصاد ـ وكانت وفاته سنة ٢٠٦ ه‍ (تهذيب التهذيب ٢ : ٢٠٥).

(٢) هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريح. وكانت وفاته سنة ١٥٠ ه‍ (تهذيب التهذيب ٦ : ٤٠٢).

(٣) هو عكرمة بن خالد بن العاص بن هشام. وعنه يروى ابن جريج (تهذيب التهذيب ٧ : ٢٥٨).

(٤) يونس : ٨٩.

(٥) يونس : ٨٨.

١٤٢

كما لا يكون آمرا ، ألا ترى أن الدعاء لفظه كلفظ الأمر ، فيقول القائل : اللهم اغفر لي فى الأمر لى ، كقوله لصاحبه : اذهب بي. إلا أنه استعظم فى الدعاء أن يقال إنه أمر.

كما أن قولهم : صه ، بمنزلة : اسكت ؛ ومه ، بمنزلة : اكفف. كذلك فى الدعاء : آمين ، بمنزلة : استجب. وفيه ضمير مرفوع بأنه فاعل. كما أن فى سائر هذه الأسماء التي سمى بها الفعل أسماء مضمرة مرتفعة.

ويدل على ذلك ما رواه عبد الوهاب (١) عن إسماعيل بن مسلم قال : كان الحسن إذا سئل عن «آمين» قال : تفسيرها : اللهم استجب.

عبد الوهاب ، عن عمرو بن عبيد ، عن الحسن فى «آمين» : ليكن ذلك.

ومن حيث كان دعاء كما ذكرنا ، أخفى فى قول أبى حنيفة وأصحابه فى الصلاة ولم يجهر به ، لأن المسنون فى الدعاء الإخفاء ، بدلالة قول الله تعالى : (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً) (٢). ولما روى من قول النبي صلى الله عليه وعلى آله أنه قال لقوم رافعى أصواتهم بالدعاء : إنكم لا تنادون أصمّ ولا غائبا ، وإن الذي تنادونه أقرب إليكم من رءوس مطيكم.

ومما يدل على أن هذه الأسماء المسمى بها الفعل فيها ضمير فاعل ، كما أن فى قولنا «اضرب» وما أشبهه ـ من أمثلة الأمر ـ ضمير فاعل ، أنك لما عطفت عليه المضمر المرفوع أكّدته ، كما أنك لما عطفت على الضمير

__________________

(١) هو عبد الوهاب بن عطاء الخفاف أبو نصر العجلي. وكانت وفاته سنة ٢٠٤ ه‍. (تهذيب التهذيب ٦ : ٤٥٠).

(٢) الأعراف : ٥٥.

١٤٣

المرفوع فى مثال الأمر أكّدته. وذلك نحو قوله تعالى : (مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ) (١) لما عطف (الشركاء) على (مَكانَكُمْ) ، وكان قوله : (مَكانَكُمْ) بمنزلة قولك : اثبتوا ، واسما لهذا الفعل ، أكد بأنتم ؛ كما أنه لما عطف على المضمر المرفوع فى مثال الأمر أكد فى قوله تعالى : (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا) (٢) ، و (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) (٣). فإذا ثبت احتمال هذه الأسماء المسمى بها الفعل الضمير ، كما احتملته أمثلة الأمر ، ثبت أنها جمل. وإذا كانت جملا لم تصحّ أن تكون من أسماء الله سبحانه ، وأن القائل بذلك مخطئ ، لادعائه ما لا دليل عليه. وقد قامت الدلالة على فساده.

ألا ترى أن أسماء الله ليس فيها ما هو جملة ، وأنها كلها مفردة ، وهى على ضربين :

أحدهما ما كان صفة ، نحو : عالم ، وقادر ، وخالق ، ورازق.

والآخر ما كان مصدرا ، نحو : الإله ، والسلام ، والعدل. فإذا لم تخل من هذين الضربين ، ولم يكن «آمين» من واحد من هذين ، ولا اسما غير وصف ولا مصدرا ، كقولنا «شىء» ثبت أنه ليس منها.

فأمّا ما روى عن جرير بن عبد الحميد ، عن منصور بن [المعتمر عن] (٤) هلال بن يساف ، عن مجاهد أنه قال : آمين اسم من أسماء الله تعالى. فعندنا هذا الاسم لما تضمن الضمير المرفوع الذي وصفنا ، / وذلك الضمير

__________________

(١) يونس : ٢٨.

(٢) المائدة : ٢٤.

(٣) البقرة : ٣٥.

(٤) تكملة يستقيم بها السند. وانظر التهذيب في أسماء : جرير ، ومنصور ، وهلال (٣ : ٧٥ و ١٠ : ٣١٢ و ١١ : ٨٦).

١٤٤

مصروف إلى الله سبحانه ، قال : إنه اسم الله على هذا التقدير ، ولم يرد أن الكلمة اسم من أسماء الله دون الضمير ، كعالم ، ورازق.

فإذا احتمل هذا الذي وصفت لم يكن فيما روى عنه حجة لمن قال : إن جملة الكلمة اسم.

ومما يدل على أنه ليس باسم من أسماء الله تعالى ، وأنه من أسماء الأفعال على ما ذكرت ، أنه مبنى ، كما أن هذه الأسماء الموضوعة للأمر مبنية. وليس فى أسماء الله تعالى اسم مبنى. على هذا الحد. فلما كان هذا الاسم مبنيّا كصه ، وإيه ، ونحوهما. دلّ ذلك على أنه بمنزلتهما ، وليس من أسماء القديم سبحانه ، إذ ليس فى أسمائه اسم مبنى على هذا الحد.

فإن قال قائل : فقد حكى سيبويه وعامة البصريين فى : لاه أبوك. أنهم يريدون لله أبوك. وهذا الاسم مبنى. لأنه لا يخلو من أن يكون على قول من قال : [لاه] لأفعلن. فأضمر حرف الجر واختص به.

أو على قول من قال :

ألا ربّ من قلبى ـ له الله ـ ناصح

لأنه ليس بمنون ، فأوصل الفعل لما حذف الجار ، وأعمله ، فبين أنه ليس على إضمار حرف الجر ، إذ هو مفتوح فى اللفظ (١).

__________________

(١) تكررت هذه العبارة في الأصل مرة أخرى بهذا النص : «وليس أيضا على قول من قال : ألا رب من قلبي له الله ناصح ، لأنه ليس بمنون» وهي كما ترى زيادة من الناسخ.

١٤٥

وليس فى نحو : إبراهيم ، وعمر. فيكون مفتوحا فى موضع الجر ، أو منصوبا بلا تنوين ، نحو : رأيت عمر ، لتعرّى الاسم مما يمنع الصرف.

فإذا لم يكن على شىء من هذه الأنحاء ، التي ينبغى أن يكون المعرب عليها. ثبت أنه مبنى ، وإذا كان مبنيا لم يمتنع أن يكون «آمين» اسما مثله وإن كان مبنيا.

قيل له : إنما بنى هذا الاسم الذي حكاه سيبويه لتضمنه معنى الحرف «ال» للتعريف.

ألا ترى أنه زعم أنهم أرادوا : لله أبوك ، فلماّ لم يذكر لام المعرفة وتضمن الاسم معناها بنى كما بنى آمين ، لما تضمن معنى الألف واللام ، وكما بنى خمسة عشر «لما تضمن معنى حرف العطف ، وكم ، وكيف ، وأين» لما تضمنت [معنى الاستفهام] أغنت عن حروف الاستفهام. والاسم إذا تضمن معنى الحرف بنى. / فأما «آمين» لم يتضمن معنى الحرف على هذا الحد ، ولا على نحو «كيف» وكم ، وإنما بنى كما بنى «صه» و «مه» و «نزال» و «حذار» ، ونحو ذلك من الأسماء التي تستعمل فى الأمر للخطاب.

وحكى قطرب : له أبوك ، بإسكان الهاء. وهذا صحيح فى القياس مستقيم ، وذلك أنه لما وجب البناء وحرك الآخر منه بالفتح لالتقاء الساكنين ، ثم حذف منه حرف اللّين الواقع موقع اللام ، كما حذف فى نحو : يد ودم ، وبقي على حرفين ، زال التقاء الساكنين ، فبنى على السكون ، لزوال ما كان يوجب التحريك من التقاء الساكنين.

فإن قال : فهلّا بنى على الحركة وإن كان على حرفين ، لأنه قد جرى متمكّنا فى غير هذا الموضع ، كما بنى «عل» عند سيبويه على الحركة ، فى قولهم :

١٤٦

من عل. وإن كان على حرفين ، تجريه غير متمكن مجراه متمكّنا ، قبل حال البناء.

قيل : لم يشبه هذا «عل» ، لأن «عل» ونحوه مما يلحقه الإعراب فى التمكن على اللفظ الذي هو عليه. و «له» من قولهم : له أبوك ، لحقه الحذف من شىء لم يتمكن قط فى كلامهم. فإذا كان كذلك لم يلزم أن يكون مثل «عل» لمفارقته ل «عل» فى أنه لم يجر الاسم المحذوف هذا عنه متمكّنا ؛ فلما كان كذلك صار بمنزلة حذفهم «مذ» فى «منذ» فى أن المحذوف مبنى كما أن المحذوف منه كذلك ، وفى أن المحذوف أسكن لزوال ما كان له حرك بالحذف ، وهو التقاء الساكنين.

فأما قوله تعالى : (مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ) (١) فالقول أنه مبنىّ غير معرب من حيث صار اسما للفعل ، كما كان «صه» و «هلم» ونحوهما مبنية.

فإن قلت : إن «مكانكم» منصوب والنصب فيه ظاهر.

قيل : ليست هذه الفتحة بنصب ، وذلك أن انتصابه لا يخلو من أن يكون بعامل عمل فيه بعد أن جعل اسما للفعل ، أو أن يكون بعد التسمية به فى الانتصاب على ما كان عليه قبل ذلك ، فلا يجوز أن يكون انتصابه / الآن ، وقد سمى به الفعل على ما كان قبل ، ألا ترى أن تقديره معمولا لذلك العامل ، واتصاله به لا يصح كما يصح اتصاله به فى هذه المواضع التي لا تكون أسماء للفعل ؛ وذلك قولك : زيد مكانك ، والذي مكانك زيد ؛ فهذا سد مسد الفعل الذي عمل فيه ، وأغنى من حيث كان تقدير العامل الذي تعلّق به هذا الظرف فى الأصل غير ممتنع ، نحو : زيد استقر مكانك ،

__________________

(١) يونس : ٢٨.

١٤٧

أو مستقر ؛ والذي استقر مكانك. وقدّرت هذا العامل فى الموضع الذي سميت الفعل به لم يتعلق به ، على حد تعلق الظرف فى المعمولات بعواملها.

ألا ترى أنك إن علّقته بها على أنه ظرف بطل أن يكون جملة وزال عنه معنى الأمر ، فإذا كان كذلك لم يتصل به بعد أن صار اسما للفعل كما كان يتصل به قبل. وإذا لم يتصل به لم يكن معمولا له ، ولم يجز أن يكون ، وهو اسم للفعل ، معربا بالإعراب الذي كان يعرب به قبل. ولا يجوز أيضا أن يكون انتصابه بعامل عمل فيه بعد أن جعل اسما للفعل ، وذلك أنه بمنزلة الأمر ، وهو نفسه العامل ، كما أن أمثال الأمر نفس العامل ، وكما أنه لا عمل لشىء فى أمثلة الأمر ، كذلك ما أقيم مقامه.

فإن قلت : إن الأفعال المضارعة عاملة فى فاعليها ، ولم يمنعها ذلك من أن تكون معمولة لعوامل أخر ؛ فكذلك ما تنكّر ، ألا يمنع كون «مكانك» ونحوه عاملا فى الفاعل المضمر فيه أن يكون هو نفسه أيضا معمولا لغيره ، كما لم يمنع المضارع أن يكون معمولا لغيره وإن كان عاملا فى فاعله.

قيل : إن المضارع لما أشبه الأسماء ووقع موقعها فى بعض المواضع تعرّف (١) ، للمشابهة التي بينه وبين الاسم ، على ما ذكر فى مواضع ذلك. وهذه الأسماء إذا سمى بها الفعل تخرج بذلك عن أن تقع مواقع الأسماء ، فوجب بناؤها لوقوعها موقع ما لا يكون إلا مبنيا ، كما بنى قولهم : «فدى لك» / فى قوله :

مهلا فداء لك يا فضاله

أجرّه الرّمح ولا تهاله (٢)

__________________

(١) في الأصل : «الذي يعرف».

(٢) أي أطعنه به فاجعله يمشي به وهو يجره. وقد ساق ابن منظور البيت (فدى) شاهدا على أن «فداء» إذا كسرت فاؤه مد. وإذا فتحت قصر.

١٤٨

لمّا وقع موقع الأمر ، وكما بنى المضارع ـ فى قول أبى عثمان ـ لما وقع موقع فعل الأمر.

كذلك بنى «دونك» و «حذرك» ونحوه ، لوقوعه موقع فعل الأمر ؛ ألا ترى أنهم بنوا «رويد» فى هذا الباب مع أنه مصغر. فما عداه من هذه الأسماء أجدر بالبناء.

وإذا كان كذلك لم يجز أن يتعرب «مكانك» بإعراب بعد ما سمى به الفعل ، فإذا لم يجز أن يتعرب بما كان متعربا قبل أن سمى به الفعل ، ولم يجز أن يعرب بشىء بعد ما سمى به ثبت أنه غير معرب. وهذا مذهب أبى الحسن الأخفش. وإذا لم يكن معربا كان مبنيّا ، ولم يجز أن يكون فى موضع رفع ولا نصب ولا جر ، لأن ما يعمل فى الأسماء لا يعمل فيه الآن عامل.

فأما ما يعمل فى الفعل فلا يعمل فيه أيضا ، لأنه ليس بفعل ؛ فإذا كان كذلك ثبت أنها غير معربة.

فأما تحرّك بعض هذه الأسماء بحركة قد يجوز أن تكون للإعراب ، نحو : مكانك ، وحذرك ، وفرطك ؛ فإن ذلك لا يدل على أنها معربة.

ألا ترى أن الحركات قد تتفق صورها وتختلف معانيها ، كقولك : «يا منص» ، فى ترخيم رجل اسمه «منصور» على قول من قال : «يا حار» «ويا حار».

وكذلك من قال : درع «دلاص» ، و «أدرع» دلاص لا تكون الكسرة التي فى الجمع الكسرة التي فى الواحد ، لأن التي فى الواحد مثل التي فى «كناز» و «ضناك» والتي فى الجمع مثل التي فى «شراف» و «ظراف».

١٤٩

وكذلك قوله تعالى : (فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) (١) فضمة الفاء مثل ضمة «قفل» و «برد». وقوله تعالى : (وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ) (٢) ضمة الفاء فيه للجمع على حد «أسد» و «أسد» و «وثن» و «وثن».

وكذلك لا ينكر أن تتفق الحركات فى «مكانك» ويختلف معناها ، لما ذكرنا من الدلالة على ذلك ؛ فتكون ، إذا كان ذلك ظرفا أو مصدرا ، حركة إعراب ، وإذا كان اسما / للفعل حركة بناء ونحوه.

ألا ترى اتفاق حركة الإعراب وحركة البناء فى : «يا ابن أمّ» ، و «لا رجل عندك» فكذلك اتفاقهما فى «مكانك».

وفى «آمين» لغتان : قصر ومدّ ؛ فالمقصور عربىّ ، لكثرة «فعيل» فى العربي.

والممدود مختلف فيه وقد حكينا عن الأخفش أنه أعجمى ، لما لم ير هذا المثال فى العربي.

وهذا [لا] (٣) يصح ؛ لأن الأعجمى لا يخلو من قسمين :

أحدهما : نحو : اللّجام.

والآخر : نحو : إبراهيم ، وإسماعيل.

وهذا ليس واحدا منهما ، فإذن هو عربى.

__________________

(١) يس : ٤١.

(٢) البقرة : ١٦٤.

(٣) تكملة يفقدها الأصل.

١٥٠

والمدّ فيها لإشباع الفتح ، كإشباع «منتزاح» (١) ، و «لا ترضّاها» (٢) ، و «أنظور» (٣) ، و «الصّياريف» (٤) ، وغير ذلك.

[و] كما لا يجوز لأحد أن يقول إن هذه الكلمات أعجميات لخروجها عن كلامهم ، فكذلك لا يقال فى «آمين».

وإذا كان هذا للإشباع فيها ، فكذلك فى «آمين».

وقال محمد بن يزيد (٥) : «آمين» مثل «عاصين».

وأراد به أن الميم خفيفة كالصاد ، ولم يرد به أنه جمع ، لأنه إن كان اسما من أسماء الله فالجمع فيه كفر ، وإن كان اسما للفعل فإنه نائب عن الجملة ، فلا يجوز جمعه.

وأما قول الأخفش : إنك إذا سميت ب «آمين» رجلا لم تصرفه.

فإن قال [قائل] : فأحد السببين المانعين من الصرف التعريف ، فما السبب الثاني المنضم إلى التعريف ، وليس «آمين» بمنزلة «هابيل» فى أنه اسم جرى معرفة فى كلام العجم فيمنعه الصرف ، كما يمنع «إبراهيم» ونحوه؟

__________________

(١) من بيت لابن هرمة يرثى ابنه ، والبيت هو :

فأنت من الغوائل حين ترمى

ومن ذم الرجال بمنتزاح

أي : منتزح ، فأشبع فتحة الزاي فتولدت الألف.

(٢) يزيد قول الشاعر :

إذا العجوز غضبت فطلق

ولا ترضاها ولا تملق

واعمد لأخرى ذات دل مونق

لينة المس كمس الخرنق

(٣) يزيد قول الشاعر :

الله يعلم أنا في تلفتنا

يوم الفراق إلى إخواننا صور

وأتني حيثما يثنى أوى بصري

من حيثما سلكوا أوتو فأنظور

(٤) من بيت الفرزدق ، والبيت هو :

تنفى يداها الحصى في كل هاجرة

ففي الدنانير تنقاد الصياريف

(٥) هو محمد بن يزيد المبرد.

١٥١

قيل : يجوز أن تقول : إنه مالم يكن اسم جنس ك «شاهين» أشبه [الأسماء] المختصة. فامتنع من الصرف كما امتنعت عنده «عريط» (١).

وهذا الشبه فيما لا ينصرف معمل. ألا ترى أنهم شبهوا «عثمان» فى التعريف «بسكران».

ومن كان «آمين» عنده عربيّا فالقياس أن يصرفه إذا سمى به رجلا ، على قول بنى تميم ، ولا يمنعه خروجه عن أبنية كلامهم من الانصراف ، لأنه يصير بمنزلة عربىّ لا ثانى له من دونه ، نحو «انقحل» (٢).

وعلى قياس قول / أهل الحجاز ينبغى أن يحكى ، ألا ترى أنهم لو سموا رجلا بفعال ، نحو : حذام ، وقطام ، لحكوه ولم يعربوه. فهذا هو القول فى «آمين».

ومن ذلك قوله تعالى فى قول الكسائي (كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ) (٣) والتقدير عنده : عليكم كتاب الله.

كقوله تعالى (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) (٤) أي : احفظوها.

هذا عندنا لا يصح ، لأن معمول «عليك» لا يتقدم عليه ، وإنما «كتاب الله» نصب مصدر مؤكّد ما تقدّم (٥). وسأعدّ لك من أخواته معه ما يفهم به صحته. فإن قلت: فقد جاء ذلك فى قولها :

يا أيها الماتح دلوى دونكا

إنّى رأيت النّاس يحمدونكا

__________________

(١) العريط : العقرب.

(٢) الإنقحل : الكبير الهرم. قال ابن جني : ينبغي أن تكون الهمزة في «انقحل» للإلحاق بما اقترن بها من النون ؛ من باب جردحل. ثم قال : ولم يحك سيبويه من هذا الوزن إلا إنقحلا وحده.

(٣) النساء : ٢٤.

(٤) المائدة : ١٠٥.

(٥) قال الزمخشري (١ : ٤٩٧) : مصدر مؤكد ، أي كتب الله عليكم كتابا وفرضه فرضا.

١٥٢

قال : التقدير : دونك دلوى ، وهذا عندنا مبتدأ وخبر. ليس كما قالوا.

فأما وقف من وقف على قوله تعالى : (فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ) (١) ثم يبتدئ فيقرأ (عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) فليس بالمتّجه ، لأن سيبويه قال : إن هذا يكون فى الخطاب دون الغائب ، فلا يجوز حمله على الإغراء. وهذا لفظ سيبويه. قال : حدّثنى من سمعه : أن بعضهم قال : عليه رجلا ليسنى. هذا قليل ، شّبهوه بالفعل. يعنى أنه أمر غائبا ، فقال : عليه.

وأما ما روى عن النبي «عليه‌السلام» أنه قال : «من استطاع منكم الباءة فليتزوّج وإلّا فعليه بالصوم فإنّه له وجاء».

وإنما أمر الغائب بهذا الحرف على شذوذه ، لأنه قد جرى للمأمور ذكر ، فصار بالذكر الذي جرى له كالحاضر ، فأشبه أمر الحاضر.

وإنما قوله (عَلَيْهِ) خبر (لا) أي : لا إثم عليه فى التطوف بينهما ، والطواف ليس بفرض.

وأما قوله تعالى : (هَيْتَ لَكَ) (٢) فقد قالوا : معناه : هلمّ لك.

قال رجل لعلىّ بن أبى طالب صلوات الله وسلامه عليه :

أبلغ أمير المؤمنين أخا العراق إذا أتيتا

أنّ العراق وأهله

عنق (٣) إليك فهيت هيتا

__________________

(١) البقرة : ١٥٨.

(٢) يوسف : ٢٣.

(٣) عنق أي : أقبلوا إليك بجماعتهم. يقال : جاء القوم عنقا ، أي فرقا. والرواية في اللسان «هيت» : «سلم».

١٥٣

أي : هلم إلينا ، وقد كسر قوم الهاء ، وهو لغة فى ذا المعنى ، ورفعت فى ذا المعنى(١).

/ قال : وقراءة أهل المدينة : «هيت لك» فى ذا المعنى ، الهاء مكسورة والتاء مفتوحة. والمعروف : هيت وهيت بضم التاء وفتحها. وحكى الكسر أيضا. وهو اسم للفعل. و «لك» على هذا للتبيين ـ بمنزلة «لك» فى قولهم : هلّم لك. ومثل تبيينهم : «رويدك» بالكاف فى «رويدك».

وتبيينهم «هاء وهاء» بقولهم : «هاك ، وهاك». و «لك «فى «هلمّ لك» ـ متعلق بهذا الاسم الذي سمى به الفعل. ولا يجوز أن يتعلق بمضمر ، لأنك لو علّقته بمضمر لصار وصفا.

وهذه الأسماء التي سميت الأفعال بها لا توصف ، لأنها بمنزلة مثال الأمر ، وكما لا يوصف مثال الأمر كذلك لا توصف هذه الأسماء.

ومن ذلك «هلمّ» فى قوله : (هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ) (٢) ، وفى قوله : (هَلُمَّ إِلَيْنا)(٣).

وهى «ها» ضمّت إلى «لمّ» فجعلا كالشىء الواحد. وفيه لغتان :

إحداهما ـ وهو قول أهل الحجاز ، ولغة التنزيل ـ أن يكون فى جميع الأحوال للواحد والواحدة والاثنين والاثنتين والجماعة من الرجال والنساء على لفظ واحد ، لا تظهر فيه علامة تثنية ولا جمع ، كقولهم : «هلمّ إلينا» فيكون بمنزلة : رويد ، وصه ، ومه ، ونحو ذلك ، نحو الأسماء التي سميت بها الأفعال ، وتستعمل للواحد والجمع ، والتأنيث والتذكير على صورة واحدة.

__________________

(١) مدلول العبارة : رفع الهاء : وما سمع هذا.

(٢) الأنعام : ١٥٠.

(٣) الأحزاب : ١٨.

١٥٤

والأخرى : أن تكون بمنزلة «ردّ» فى ظهور علامات الفاعلين ، على حسب ما تظهر فى «ردّ» وسائر ما أشبهها من الأفعال. وهى فى اللغة الأولى وفى اللغة الثانية ، إذا كانت للمخاطب ، مبنية مع الحرف الذي بعدها على الفتح. كما أن «هل تفعلنّ» مبنى مع الحروف على الفتح. وإن اختلف موقع الحرفين فى الكلمتين ، فلم يمنع الاختلاف من البناء على الفتح. ولخفّة «ها» المنبهة ، لكون الأمر موضعا للاستعطاف ، كما لحقت «يا» (أَلَّا يَسْجُدُوا) (١) و «ها» (ها أَنْتُمْ) (٢) فحذف لكثرة استعمال الألف من «ها» ك «لا أدرى ، «ولم أبل». ولأن الألف حذفت لما كانت اللام فى نية السكون ، وكأنه. هلمم. والساكن معتبر بدليل : جيل ، ومول ، فلم يعلّوا اعتبارا بسكون الياء والواو فى «موئل» ، «وجيأل». وحسّن حذف الألف جعلها مع «لم» كخمسة عشر ، بدلالة اشتقاقهم الفعل منه. فيما حكى الأصمعى : إذا قيل لك. هلمّ. فقال : ما أهلمّ ، فاشتقاقهم الفعل نظير «أهريق» زيادة لا معنى له. ويكون اشتقاق : هلّل ، وحوقل ، وهو أحسن ، لأنهم لم يغيروه فى التثنية والجمع.

وقال الفراّء : إن : أصله : هل أمّ. و «أمّ «، من «قصدت».

والدليل على فساد هذا القول : أن «هل» لا يخلو من أحد أمرين :

إما أن يكون بمعنى : قد ، وهذا يدخل فى الخبر.

وإما أن يكون بمعنى الاستفهام ، وليس لواحد من الحرفين تعلّق بالأمر.

__________________

(١) النمل : ٢٥.

(٢) محمد : ٣٨. آل عمران : ١١٩.

١٥٥

وإن قلت : هو خبر بمعنى الأمر ؛ فإن ذلك لا يدخل عليه «هل» لأن من قال : «رحم الله» لا يقول : هل رحم الله ، والفتح فيه كالفتح فى «ليقومنّ» وليس لالتقاء الساكنين ، كالفتح فى «ردّ» لأن «ردّ» يجوز فيه الأوجه الثلاثة ، و «هلمّ» لا يجوز فيه إلا الفتح ، على لغة أهل الحجاز.

ومن ذلك «أفّ» فى قوله تعالى : (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ) (١) وقوله : (أُفٍّ لَكُمْ)(٢).

وفى قوله : (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما) (٣).

وفيه لغات : والمقروء منها الكسر بلا تنوين ، والكسر بتنوين ، عن نافع وحفص ، والفتح بلا تنوين ، ويجوز فى العربية الضم بلا تنوين ، والضم بتنوين.

وفى لغة سابعة ، أفّى ، مثل : أمليت ، وأمللت (٤).

ومعنى كله : نتنا وذفرا. وقد سمى الفعل به فبنى. وهذا فى البناء على الفتح ، كقولهم : سرعان ذا إهالة (٥) ، لما صار اسما ل «يسرع» ، وكذلك «أف» ، لمّا كان اسما لما يكره أو يضجر منه ، ونحو ذلك. فمن نوّن نكره ، ومن لم ينون كان عنده معرفة ؛ مثل : صه ، وصه ، ومه ، ومه ، إلا أن «أف» فى الخبر ، و «صه» فى الأمر.

__________________

(١) الإسراء : ٢٣.

(٢) الأنبياء : ٦٧.

(٣) الأحقاف : ١٧.

(٤) جمعها الشاعر في بيت فقال :

فأف ثلث ونون إن أردت وقل

أفي وأفي وأف وأفة تصب

(٥) الإهالة : الودك والشحم. وهذا مثل ، أصله : أن رجلا كان يحمق اشترى شاة عجفاء يسيل رغامها هزالا وسوء حال وفطن أنه ودك فقال : سرعان ذا إهالة.

١٥٦

فإن قلت : ما موضع «أفّ» فى هذه الآي بعد «القول» ، هل يكون موضعه نصبا كما ينتصب المفرد بعده ، أو كما تكون الجمل؟ وكذلك لو قلت : «أفّ» (١) وإذا لم يكن مع «أف» «لك» ، كان ضعيفا ، ألا ترى أنك لو قلت : «ويل» لم يستقم حتى توصل به «لك» فيكون فى موضع الجر.

ومن الأسماء / التي سميت بها الأفعال قوله تعالى : (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) (٢) وفيها لغات :

إحداها : هاك ، للرجل ، وهاك ، للمرأة. والكاف للخطاب. يدل على ذلك أن معنى : هاك زيدا ، أي : خذ زيدا «فزيدا» ، هو منصوب بهذا الفعل ، ولا يتعدى إلى مفعولين.

ويدلك على أن الكاف فى «هاك» و «هاك» حرف لا اسم إيقاعهم موقعها ما لا يكون اسما على وجه ؛ وذلك قولك : «هاؤم». وعلى هذا قوله تعالى : (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) (٣). وعلى هذا قالوا للاثنين : هاؤما ، وللنساء. هاؤنّ ؛ كما يقال : هاك ، وهاكما ، وهاكم ، وهاكنّ.

وفيها لغة ثالثة ، وهى أن تترك الهمزة مفتوحة على كل حال وتلحقها كافا مفتوحة للمذكّر ، ومكسورة للمؤنث ، فتقول : هاءك ، وهاءكما ، وهاءكم ، وهاءك ، وهاءكما ، وهاءكنّ.

وفيها لغة رابعة : وهى قولك للرجل : هأ ، بوزن : هع. وللمرأة : هانىء ، بوزن : هاعى ، وللاثنين : هاءا ، بوزن : هاعا ، وللمذكرين : هاءوا ، بوزن : هاعوا.

__________________

(١) أحقاف : ١٧.

(٢) كذا في الأصل. والسياق يملي أن للكلام بقية لم تذكر.

١٥٧

وللنساء : هأن ، بوزن : هعن (١). فهذه اللغة تتصرف تصرف «خف» و «خافى» و «خافا» و «خافوا» و «خفن» ، وهى لغة ، مع ما ذكرناه ، قليلة.

فأما قول على بن أبى طالب صلوات الله وسلامه عليه :

أفاطم هائى السيف غير ذميم

فلست برعديد ولا بلئيم

لعمرى لقد قاتلت فى جنب أحمد

وطاعة ربّ بالعباد رحيم

وسيفى بكفّى كالشّهاب أهزّه

أجذّ به من حالق وصميم

ومازلت حتّى فضّ ربّى جموعهم

وأشفيت منهم صدر كلّ حطيم

والوجه أن يكون على قول من كسر الهمزة للمؤنث ، لأن القرآن بهذه اللغة نزل ، وهو أفصح اللغات.

ويجوز أن يكون على قول من قال : هائى ، بوزن خافى. فحذف الياء لالتقاء الساكنين.

وفيه لغة خامسة ، وهو أن يقال للواحد والواحدة والتثنية والجمع على صورة واحدة. والذي ينبغى أن يحمل هذا عليه أن يجعل بمنزلة «صه» و «مه» و «رويد» و «إيه».

وأما «رويدا» من قوله عزوجل : (فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً) / (٢) فإن «رويدا» فى الآية ليست بمبنية. اسما ل «ارفق» ، نحو : رويد عليّا ، ولكنه صفة مصدر مضمر ، أي : أمهلهم إمهالا رويدا ، ويجوز أن يكون حالا.

__________________

(١) في الأصل : «عهن» بتقديم العين على الهاء.

(٢) الطارق : ١٧.

١٥٨

وفى كلا الوجهين تصغير «إرواد» تصغير الترخيم ، أو تصغير «رود» (١).

فأما قوله تعالى : (قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ) (٢) فالتقدير : ارجعوا ارجعوا و «وراءكم» لا موضع له لأنه تكرير. ألا ترى قولهم : وراءك أوسع لك (٣).

وأما قوله تعالى : (هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ) (٤) «فهيهات» مبنية على الفتح. وهو اسم ل «بعد». والفاعل مضمر فيه. والتقدير : هيهات إخراجكم ؛ لأنه تقدم أنكم تخرجون. ولا يصح قول من قال : إن التقدير : البعد لما توعدون ، أو البعيد لما توعدون ، لأن هذا التقدير لا يوجب لها البناء على الفتح ، وإنما يوجب بناءه كونه فى موضع «بعد» ، كسرعان ، فى موضع سرع ، وقد ذكرته فى «المختلف».

وأما قولهم : «إيها» وقوله عليه‌السلام : «إيها أصيل (٥) ، دع القلوب تقر» (٦). فإيها ، مبنى على الفتح ، وهو بالتنوين ، اسم «لكفّ» ، وهو نكرة.

__________________

(١) في الأصل : «مرود».

(٢) الحديد : ١٣.

(٣) ساق ابن منظور هذا القول وقال : «تنصب بالفعل المقدر ، وهو : تأخر».

(٤) المؤمنون : ٣٦.

(٥) هو أصيل الخزاعي وكان قدم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة فقال له صلى‌الله‌عليه‌وسلم : كيف تركت مكة؟ فوصفها له أصيل (النهاية لابن الأثير ، إيه).

(٦) أي كف واسكت.

١٥٩

السابع

هذا باب ما جاء في التنزيل من أسماء الفاعلين

مضافة إلى ما بعدها ، بمعنى الحال أو الاستقبال

فمن ذلك قوله تعالى : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) (١). الإضافة فيه إضافة غير تحقيقيّة ، وهو فى تقدير الانفصال ، والتقدير : مالك أحكام يوم الدين ؛ وإذا كان كذلك لم يكن صفة لما قبله ، ولكن يكون بدلا.

فإن قلت : إنه أريد به الماضي فأضيف ؛ فجاز أن يكون وصفا لما قبله ، والمعنى معنى المستقبل ، كما قال : (وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ) (٢).

فالوجه الأول أحسن ؛ لأنه ليس فى لفظه ما يدل على الماضي ، والشيء إنما يحمل فى المعنى على ما يخالف فى اللفظ ، نحو «نادى» ، يقال لفظه لفظ الماضي والمعنى المستقبل ، وهذا التقدير لا يصح فى (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) (٣) إذ لا يقال : لفظه لفظ الماضي ومعناه المستقبل.

ومن ذلك قوله تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) (٤) لو لا ذلك لم يجز خبرا على «كل» لأنه لا يكون المبتدأ نكرة والخبر معرفة.

نظيره فى الأنبياء : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ) (٥).

__________________

(١) الفاتحة : ٣.

(٢) الأعراف : ٤٤.

(٣) آل عمران : ١٨.

(٤) الأنبياء : ٣٥.

١٦٠