إعراب القرآن - ج ١

الزجّاج

إعراب القرآن - ج ١

المؤلف:

الزجّاج


المحقق: ابراهيم الأبياري
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٨

الفاعل هو المصدر دون ليسجننه). بخلاف مذهبه ـ أعنى سيبويه ـ حيث جعل (لَيَسْجُنُنَّهُ) الفاعل وإن كان جملة. فإذا كان كذلك كان فى قوله : (يا مُوسى) بمنزلة (لَيَسْجُنُنَّهُ) عند سيبويه ، هذا سهو.

ومثله : (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ) (١) فى قراءة حمزة ، بفتح الألف والتشديد والألف والنون على تقدير : ولأنا اخترناك فاستمع لما يوحى ؛ أي : استمع لما يوحى لأنا اخترناك ، فاللام الأولى بمعنى إلى ، لو لا ذلك لم يجز ، لأنه لا يتعدّى فعل واحد بحر فى جر متفقين ، وإن اختلفوا فى المختلفين.

وزعم الفارسىّ أن قوله (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ) محمول على (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) (٢) فسبحان الله ـ إن من قرأ (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) بالفتح يقرأ (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ) ـ وهو ابن كثير. وأبو عمرو ـ فكيف نحمل عليه! إنما ذلك على قوله (فَاسْتَمِعْ) أو على المعنى ، لأنه لما قال (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً) (٣) / كأنه قال : اخلع نعليك لأنك بالوادي المقدس طوى. ولو قال ذلك صريحا لصلح (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ) على تقدير : ولأنا اخترناك : أي : اخلع نعليك لهذا ولهذا.

ومثله : (عَبَسَ وَتَوَلَّى (١) أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى) (٤) أي : لأن جاءه الأعمى ، فحذف اللام.

ومثله : (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً) (٥) أي : وفجرنا من الأرض عيونا. أو يكون كقوله (جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً) (٦) [أي] (٧) بظلم. والتقدير : وفجرنا الأرض بعيون.

__________________

(١) طه : ١٣ والقراءة المشهورة : (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ).

(٢) طه : ١٢.

(٣) عبس : ١ ، ٢.

(٤) القمر : ١٢.

(٥) الفرقان : ٤.

(٦) تكملة يقتضيها السياق.

١٢١

ومن ذلك قوله تعالى : (فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً) (١) أي : بيوم ، فحذف الحرف ، وأوصل للفعل ، وليس بظرف ، لأن الكفر لا يكون يومئذ لارتفاع الشّبه لما يشاهد. وقيل : التقدير ، كيف تتقون عقاب يوم؟

ومن ذلك قوله تعالى : (تَبْغُونَها عِوَجاً) (٢) حكم تعدّيه إلى أحد المفعولين أن يكون بحرف الجر ، نحو : بغيت لك خيرا ، ثم يحذف الجار.

وحكى فى قوله تعالى : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً) (٣) أي : دينا غير الإسلام ف ، «غير» على هذا وصف للنكرة فتقدّم عليها ، فانتصب على الحال ؛ نحو : فيها قائما رجل.

ومن ذلك قوله تعالى : (نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ) (٤) أي : على من فى النار.

كما قال : (وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ) (٥). وقال : (إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ) (٦).

فكأنه قال : باركت على من فى النار من دخل فيها. ولكن على معنى : من قرب منها ومن داناها ، فحذف المضاف.

فإن قلت : ف «من حولها» بقربها ، فما معنى التكرير؟

قيل : لا يدل «حول كذا» على التقريب ، لأنك تقول : هو يطوف حول البيت ، ويكون متراخيا عنه.

__________________

(١) المزمل : ١٧.

(٢) آل عمران : ٩٩.

(٣) آل عمران : ٨٥.

(٤) النمل : ٨.

(٥) الصافات : ١١٣.

(٦) الأنبياء : ٧١.

١٢٢

وأبين من هذا قوله تعالى : (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ) (١) والأعراب لا يكونون فى الأكثر إلا متراخين عن البلدان.

فالمعنى : أن بورك من فى قرب النار أو طلب النار ومن فى بعدها ، ومن حولها : الملائكة وغيرهم. والقريب منها موسى ، لأنه أراد أن يحمل نارا إلى أهله ليصطلوا بها.

ومثله قوله تعالى : (وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ) (٢) أي : قربه ولم يتوغّل فيه.

ومن ذلك : (أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً) (٣) فمن فتح أراد : لأن كنتم.

والمعنى : أفنضرب عنكم ذكر الانتقام / منكم والعقوبة لكم لأن كنتم قوما مسرفين.

وهذا يقرب من قوله : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً) (٤) وانتصاب «صفحا» على المصدر ، من باب : (صُنْعَ اللهِ) (٥) ، و (كِتابَ اللهِ) (٦) ، و (وَعَدَ اللهُ)(٧).

ومن ذلك قوله تعالى : (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ) (٨) أي : على أمركم.

ومن هذا الباب قوله : (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ) (٩) والتقدير : يسبحون بالليل. كقوله تعالى : (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) (١٠).

__________________

(١) التوبة : ١٠١.

(٢) القصص : ٢٣.

(٣) الزخرف : ٥.

(٤) القيامة : ٣٦.

(٥) النمل : ٨٨.

(٦) النساء : ٢٤.

(٧) النساء : ١٢٢ ، يونس : ٤.

(٨) يونس : ٧١.

(٩) الأنبياء : ٢٠.

(١٠) النور : ٣٦.

١٢٣

فأما قوله : (وَالنَّهارَ) فقيل : هو منصوب بقوله (لا يَفْتُرُونَ) والأحسن أن يكون عطفا على «اللّيل».

ومثله : (وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ) (١) فإنه يجوز أن يحمل على «عن» تقديره : معكوفا عن أن يبلغ محله. فلما كانت «أن» الموصولة بالفعل قد طال الكلام بها جاز إضمار الجار.

ويجوز النصب فى موضع «أن» على هذا ، والعامل فيه على ضريين : أحدهما أن يكون التقدير : والهدى معكوفا كراهة أن يبلغ ، أو لئلا يبلغ محله ؛ على تقدير الكوفيين.

فإن قلت : فإن «معكوفا» يقتضى حرف جر على تقدير «على» ـ ولا يكون متعديا بنفسه ، والتنزيل يشهد بصحة ذا ؛ قال عز من قائل : (يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ) (٢). و (سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ) (٣).

قيل : هو محمول على المعنى ، كأنه قال : والهدى محبوسا كراهة أن يبلغ ، كالرّفث حيث حمل على الإفضاء فى قوله : (الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ). (٤) وجاز ذا لأن المسلمين أحصروا إذ ذاك ، ويكون «معكوفا» فى بابه ، كمدرهم (٥) ، حيث لم يقل درهم ، ومفؤود ، للجبان ، و «بماء معين» (٦) ، ولم يقل : عين ، وكذلك لم يقل : عكف.

__________________

(١) الفتح : ٢٥.

(٢) الأعراف : ١٣٨.

(٣) الحج : ٢٥.

(٤) البقرة : ١٨٧.

(٥) مدرهم : كثير الدراهم.

(٦) الملك : ٣٠.

١٢٤

وإن حملته على (وَصَدُّوكُمْ) كان فيه إضمار «عن» كالأول ، أو يكون من باب (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ) (١) أو يكون من باب : بمن تمرر أمرر ؛ ولم يحتج إلى : امر ربه ؛ لجرى الأول. فكذا لم يحتج إلى «عن» لذكره (عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ).

ومن ذلك قوله تعالى : (تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ) (٢) أي : لأن تكون. فموضع «أن» نصب ، مفعول له وقدّره الزجاج : بأن يكون ، فحذف الباء.

ومن ذلك قوله تعالى : (فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي) (٣). أي : فى مكانه.

وكذلك / قوله تعالى (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا) (٤) أي : فى أن تبتغوا. لقوله : (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ) (٥) فحذف «فى».

وقال : (وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ) (٦) يجوز أن يكون : وترغبون فى أن تنكحوهن لجمالهن (٧) ؛ ويجوز أن يكون : وترغبون عن نكاحهن لدمامتهن.

وأما قوله تعالى : (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ) (٨) فقد قيل : التقدير : يستضعفون فى مشارق الأرض ، أي. جعلنا الذين يستضعفون فى مشارق الأرض ومغاربها ملوك الشام ومصر.

__________________

(١) الأعراف : ١٥٥.

(٢) النحل : ٩٢.

(٣) الأعراف : ١٤٣.

(٤) البقرة : ١٩٨.

(٥) الأحزاب : ٥.

(٦) النساء : ١٢٧.

(٧) في الأصل «لمالها».

(٨) الأعراف : ١٣٧.

١٢٥

وأنكر الطّبرى (١) هذا القول ، واعتل بأنهم ما كانوا يستضعفون إلا فى أرض مصر من جهة القبط.

وغلط الطّبرى ، لأنه ظن أنهم لا يكونون مستضعفين إلا بعد أن يقتل أبناؤهم وتستحيا نساؤهم ، ويلزموا أن يضربوا لبنا صلبا بلا تبن ، وليس كذلك ، لأنهم لمّا تفردوا بدين إبراهيم ، ولم يكن يدين به فى ذلك الوقت أحد ، إلا وكانوا مدفوعين عندهم غير مقبولين ، ومقهورين غير مالكين.

ألا ترى أنّ قوما منهم صاروا بعد «بختنصر» إلى أرض فارس ، وكانوا أذلّ من بها ، لمفارقتهم لهم فى أديانهم. والشأن فى أنه أنكر هذا القول ، ولم يذكر هو شيئا يعبأ به ، لأنه قال : أورثهم مشارق الشام ؛ وذلك مما يلى الشرق منها ، ومغاربها التي باركنا فيها.

وقيل : التقدير : أورثنا مشارق هذه الأرض التي أغرقنا مالكيها وسالكيها.

فإذا نصبت «مشارق» بأورثنا ، كان قوله «التي» جرّا ، صفة ل «الأرض» المجرورة ، وإذا نصبت «مشارق» ب «يستضعفون» ، كان «التي» نصبا ، صفة موصوف محذوف منصوب ب «أورثنا» أي : أورثناهم الأرض التي باركنا فيها.

__________________

(١) هو أبو جعفر محمد بن جرير يزيد الطبري ، المؤرخ المفسر. وكانت وفاته سنة ٣١٠ ه‍.

١٢٦

ومثله قوله تعالى : (وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) (١) ففى موضع (أَنِ) قولان :

أحدهما : أن يكون بتقدير الباء ، أي : أرسلناه بأن اعبدوا الله ؛ فانتصب بالنّزع.

والثاني : أن تكون (أَنِ) بمعنى «أي» المفسّرة.

وأما قوله فى التنزيل : (لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ) (٢) و (لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) (٣) (لا جَرَمَ أَنَّهُمْ / فِي الْآخِرَةِ) (٤) فبعضهم يحمله على إضمار «من». أي : من أن لهم النار (٥) ، فيحمل «لا جرم» على معنى : لا بد. وهذا لا يصح ، لأن «جرم» يقتضى مرفوعا ، لأنه فعل ماض عندنا.

وذهب الفرّاء (٦) إلى أن «جرم» معمول «لا» وهو اسم ، وهو جار مجرى القسم.

وقيل : إن «أن» منصوبة الموضع ، مفعول «جرم».

وقال بعض الكوفيين : جرم : أصله الفعل الماضي ، فحول عن طريق الفعل ، ومنع التصرف ، فلم يكن له مستقبل ولا دائم ولا مصدر ، وجعل مع «لا» قسما ، وتركت «الميم» على فتحها الذي كان عليها فى المضي ، كما نقلوا

__________________

(١) النحل : ٣٦.

(٢) النحل : ٦٢.

(٣) غافر (المؤمن) : ٤٣.

(٤) هود : ٢٢ ، والنحل : ١٠٩ وقد كتبت الآية في الأصل «لا جرم أن لهم في الآخرة».

(٥) كأن في الكلام استكفاء ، لعدوله عن التقدير في الآيتين الأخريين.

(٦) هو يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور ، أبو زكريا ، إمام الكوفيين. وله كتاب المعاني في التفسير ، والجمع والتثنية في القرآن ، وغيرهما. توفي سنة ٢٠٧ ه‍.

١٢٧

«حاشى» ـ وهو فعل ماض ، مستقبله : يحاشى ، ودائمه : محاش ، ومصدره : محاشاة ـ من باب الانفعال إلى باب الأدوات ، لمّا أزالوه عن التصرّف.

والصحيح أنه فعل ماض ، وتجعل «لا» داخلة عليه ، وهو مذهب سيبويه.

ومن أصحابه من يجعلها جوابا لما قبله. ومثله : يقول الرجل كان كذا وكذا ، وفعلوا كذا ، فيقول : لا جرم أنهم سيندمون.

وبيّن غير الخليل (١) وقال : إنه ردّ على أهل الكفر فيما قدّروه ، من اندفاع عقوبة الكفر ومضرّته عنهم يوم القيامة.

وقد ذكر حجاج هؤلاء فى «المختلف» (٢).

ومن ذلك قوله تعالى : (لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً) (٣) أي ، كدعاء بعضكم على بعض. فالمصدر فى قوله (دُعاءَ الرَّسُولِ) مضاف إلى الفاعل ، أي : كدعاء الرسول عليكم.

وقيل : لا تجعلوا دعاءه إياكم إلى الحرب كدعاء بعضكم بعضا إليها ، فيكون أيضا مضافا إلى الفاعل.

__________________

(١) هو ابو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي ، اللغوي الأديب ، وكانت وفاته سنة ١٧٠ ه‍.

(٢) لعله : «مختلف الرواية» لعلاء الدين محمد بن عبد الحميد ، المعروف بالعلاء السمرقندي المتوفي سنة ٥٥٢ ه‍. ذكر فيه مختلف الرواية ، وذكر لخلاف كل واحد من الأئمة بابا.

(٣) النور : ٦٣.

١٢٨

وقيل : لا تجعلوا دعاءكم الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا ، أي : لا تدعوه ب «يا محمد» ، وادعوه ب «يا نبيّ الله» ، كقوله تعالى : (وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ) (١) فيكون المصدر مضافا إلى المفعول.

ومن ذلك قوله تعالى : (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ) (٢) أي : يسير فى منازل ، سائرا فيها.

ومن ذلك قوله تعالى : (لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ) (٣) قيل : التقدير : بعلم اليقين لترونّ ، فحذف الجار.

وقيل : بل هو نصب على المصدر.

ومن ذلك قوله تعالى : (فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ) (٤) أي : بخير ، فحذف الباء.

ويجوز أن يكون التقدير : فمن تطوع تطوعا خيرا ، فحذف / الموصوف.

ومن ذلك قوله تعالى : (آتِنا غَداءَنا) (٥).

قال أبو على : (آتِنا) ليس من الإعطاء ، إنما هو من ، أتى الغداء وآتيته ، كجاء وأجأته ، ومنه قوله تعالى : (تُؤْتِي أُكُلَها) (٦) أي : تجىء.

و (آتِنا غَداءَنا) يتعدّى إلى غدائنا بإرادة الجار ، لا بد من ذلك ؛ لأن الهمزة لا تزيده إلا مفعولا واحدا ؛ بخلاف (وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ) (٧)

__________________

(١) الحجرات : ٢.

(٢) يس : ٣٩.

(٣) التكاثر : ٥.

(٤) البقرة : ١٨٤.

(٥) الكهف : ٦٢.

(٦) إبراهيم : ٢٥.

(٧) إبراهيم : ٣٤.

١٢٩

(وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ) (١) لأنه من الإعطاء ؛ إذ هو متعد إلى ضمير الموصول ، وإلى الكاف والميم. وقد عددت لك هذه الآي.

وقد قال سيبويه فى الباب المترجم عنه : «فهذا باب ما ينتصب من الأسماء ليست بصفة ولا مصادر ، لأنه حال يقع فيه الأمر ، فينتصب لأنه مفعول فيه» (٢).

قال : وزعم الخليل أن قولهم : ربحت الدرهم درهما ، محال ؛ حتى يقولوا : فى الدرهم ، أو للدرهم. كذلك وجدنا العرب تقول.

(٣) ومن زعم أنه يريد معنى الباء واللام ويسقطها ، قيل له : أيجوز أن تقول له : مررت أخاك ، وهو يريد بأخيك؟ فإن قال : لا يقال ؛ فإن هذا لا يقال أيضا.

__________________

(١) الحشر : ٧.

(٢) الكتاب (١ : ١٩٥).

(٣) النقل من هنا فيه بعض تصرف.

١٣٠

الخامس

باب ما جاء في التنزيل وقد زيدت فيه «لا» و «ما»

وفي بعض ذلك اختلاف ، وفي بعض ذا اتفاق

وقد ذكر سيبويه (١) زيادة «لا» (٢) فى قوله : «أما العبيد فذو عبيد» : «وأما قول الناس للرجل : أما أن يكون عالما فهو عالم ؛ وأما أن يعلم شيئا فهو عالم. وقد يجوز أن تقول : أما أن لا يكون يعلم فهو يعلم ؛ وأنت تريد : أن يكون كما جاءت : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) (٣) فى معنى : «لأن يعلم أهل الكتاب ، فهذا يشبه أن يكون بمنزلة المصدر» فى كلام طويل.

فمن ذلك قوله تعالى : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) (٤) ف «لا» فى قوله : (وَلَا الضَّالِّينَ) زيادة. وجاءت زيادتها لمجىء (غَيْرِ) قبل الكلام ، وفيه معنى النفي.

ألا ترى أن التقدير : لا مغضوبا عليهم ولا الضالين ، وكما جاء : (وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ) (٥) فكّرر «لا» وهى زيادة ، وكذلك هذا.

__________________

(١) الكتاب (١ : ١٩٤ ـ ١٩٥).

(٢) يريد : عند قوله : أي عند الكلام على وجوه الأعراب في هذه العبارة : «أما العبيد ... إلخ».

(٣) الحديد : ٢٩.

(٤) الفاتحة : ٧.

(٥) فاطر : ٢٢.

١٣١

ومن ذلك قوله تعالى : (قالَ ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ) (١).

والتقدير : ما منعك أن تسجد ، ف «لا» زائدة.

وقيل : فى قوله تعالى : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) (٢) إن «لا» زائدة (٣).

والمعنى : وما يشعركم أنها إذا جاءت يؤمنون ، فيمن فتح «أن». ولما كان فتح «أن» يؤدى إلى زيادة «لا» عدل الخليل إلى أنّ «أن» من قوله «أنّها» بمعنى : لعلها. قال : والمعنى : وما يشعركم لعلها إذا جاءت لا يؤمنون ؛ لأن فى حملها على بابها عذرا لهم فى ترك الإيمان حيث لم ينزل الآية ، وذلك لأنه إذا قال : وما يشعركم أن الآيات إذا جاءت لا يؤمنون ، فالمعنى : لو جاءت آمنوا. فلما كان كذلك حملها على «لعل». وقيل : بل إن «أن» على بابها. والتقدير : وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون أو يؤمنون ، فيكون من باب حذف الجمل.

وقال قوم : بل فى الآية تقديم وتأخير ، والتقدير : إنما الآيات عند الله ولا ينزلها ، لأنها إذا جاءت لا يؤمنون.

فهذه ثلاثة أقوال.

ومن ذلك قوله تعالى : (وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) (٤) قالوا : «لا» زائدة. والتقدير : وحرام على قرية أهلكناها رجوعها إلى الدنيا ،

__________________

(١) الأعراف : ١٢.

(٢) الأنعام : ١٠٩.

(٣) يضعف الرازي في كتابه «مفاتيح الغيب» (٣ : ١٣٠) هذا الرأي نقلا عن الزجاج.

(٤) الأنبياء : ٩٥.

١٣٢

ف «لا» زائدة وقال أبو علىّ : إن قوله : (أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) (١) داخل فى المصدر ، الذي هو حرام ؛ وخبر «حرام» مضمر. والتقدير : وحرام على قرية أهلكناها بأنهم لا يرجعون ، موجود ، أو كائن ، أو مقضى. أي حرام عليهم بالاستئصال وجودهم فى الدنيا أو رجوعهم إليها.

وأما قوله تعالى : (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٢) لا يخلو «لا» من أن يكون لتأكيد النفي ، كالتى فى قولك : ما قائم زيد ولا عمرو. فيفيد أن كل واحد منتف على حياله. أو يكون «لا» نفيا مستأنفا. فالدلالة على الوجه الأول أنك لو حملته على الوجه الثاني لم يجز حتى تكرّرها ، كما تقول : لا زيد عندك ولا عمرو. فلما لم تكرر علمت أنها على الوجه الأول. ولا يكون مثل :

حياتك لا نفع وموتك فاجع (٣)

لأن ذلك يقع فى الشعر.

فأما قوله تعالى : (لا أُقْسِمُ) (٤) فقيل : «لا» زائدة. وقيل : «لا» ردّ لكلامهم : (لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ). فقال : لا. أي : ليس الأمر كما تظنون.

__________________

(١) أنبياء : ٩٥.

(٢) البقرة : ٣٨.

(٣) عجز بيت لرجل من بني سلول ، وصدره :

وأنت امرؤ منا خلقت لغيرنا

(٤) القيامة : ١.

١٣٣

ومن ذلك / قوله تعالى : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) (١) قالوا : التقدير : ليعلم أهل الكتاب ؛ ولا ، زائدة. أجمعوا على هذا ، غير ابن بحر (٢) فإنه زعم أن الأولى ألا يكون فى كلام الله شذوذ وما يستغنى عنه. والذي يوجبه اللفظ على ظاهره أن يكون الضمير فى (يَقْدِرُونَ) (٣) للنبى صلى‌الله‌عليه‌وآله والمؤمنين. والمعنى : لئلا يعلم اليهود والنصارى أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والمؤمنين لا يقدرون على ذلك ، وإذا لم يعلموا أنهم لا يقدرون فقد علموا أنهم يقدرون عليه. أي إن آمنتم كما أمرتم آتاكم الله من فضله فعلم أهل الكتاب ذلك ولم يعلموا خلافه. والعلم فى هذا ومثله يوضع موضع وقوع الفعل ؛ لأنه إنما يعلم الأشياء واقعة بعد وقوعها.

قال أبو سعيد السيرافي (٤) : إن لم تجعل «لا» زائدة جاز ؛ لأن قوله : (يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) (٥) أي : يفعل بكم هذه الأشياء ليتبين جهل أهل الكتاب وأنهم لا يعلمون ما يؤتيكم الله من فضله ، لا يقدرون على تغييره وإزالته عنكم. فعلى هذا لا يحتاج إلى زيادة «لا».

__________________

(١) الحديد : ٢٩.

(٢) هو أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ المولود سنة ١٦٣ ه‍ ـ ٧٨٠ م ـ المتوفى سنة ٢٥٥ ه‍ ـ ٨٦٩ م ـ ومن كتبه «مسائل القرآن» ولعله هو الذي منه النقل هنا.

(٣) هو أبو سعيد الحسن بن عبد الله السيرافي النحوي. كان مولده سنة ٢٨٤ ه‍ ـ ٨٩٧ م ـ ووفاته سنة ٣٦٨ ه‍ ـ ٩٧٩ م.

(٤) الحديد : ٢٨ ، ٢٩.

١٣٤

قلت :

وحمل ابن بحر زيادة «لا» على الشذوذ جهل منه بقواعد العربية. وليس كل من يعرف شيئا من الكلام يجوز له التكلم على قواعد العربية. وليس كون «لا» زائدة فى فحوى خطاب العرب مما يكون طعنا من الملحدة على كلام الله ، لأن كلام الله منزّل على لسانهم. فما كان متعارفا فى لسانهم لا يمكن الطعن به على كتاب الله ، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.

وكيف يكون زيادة «لا» شاذة ، وقد جاء ذلك عنهم وشاع ، كقول الهذلي (١) :

أفعنك لا برق كأن وميضه

غاب تسنّمه ضرام مثقب

أي ، أفمن ناحيتك أيتها المرأة هذا البرق الذي يشبه ضوؤه ضوء غاب.

/ وأنشد أبو عبيدة للأحوص (٢) :

وتلحيننى فى اللهو ألّا أحبّه

ولّلهو داع دائب غير غافل

أي : فى اللهو أن أحبه ؛ و «لا» زائدة :

ومنه ما أنشده سيبويه لجرير :

ما بال جهلك بعد الحلم والدين

وقد علاك مشيب حين لا حين (٣)

لا «فيه» زائدة ؛ إذا قلت : علاك مشيب حين حين ، فقد أثبت حينا علاه فيه المشيب. فلو جعلت «لا» غير زائدة لوجب أن تكون نافية

__________________

(١) هو : ساعدة الهذل. (اللسان ٢٠ : ٣٥٤).

(٢) بغية الوعاة (١ : ١٩٥).

(٣) الديوان (ص ٥٨٦) والكتاب لسيبويه (١ : ٣٥٨).

١٣٥

على حدها فى قولهم : جئت بلا مال ، وأبت بلا غنيمة. فنفيت ما أثبت من حيث كان النفي ب «لا» عامّا منتظما لجميع الجنس. فلما لم يستقم حمله على الجنس لتدافع العارض فى ذلك حكمت بزيادتهما ، فصار التقدير : حين حين. وهو من باب : حلقة فضة ، وخاتم حديد ؛ لأن الحين يقع على الزمان القليل كالساعة ونحوها ؛ وعلى الطويل كقوله تعالى : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ) (١) وعلى ما هو أقصر من ذلك كقوله تعالى : (تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ) (٢). فصار : حين حين ، كقوله :

ولو لا يوم يوم ما أردنا

ومنه قول الشماّخ :

أعايش ما لأهلك لا أراهم

يضيعون الهجان مع المضيع (٣)

وروى التّوّزىّ عن أبى عبيدة أن «لا» زائدة.

ومنه قول المرّار ، بيت الكتاب (٤) ـ :

ولا ينطق الفحشاء من كان منهم

إذا جلسوا (٥) منّا ولا من سوائنا

__________________

(١) الدهر : ١.

(٢) إبراهيم : ٢٥.

(٣) الديوان (ص ٥٦). وفيه : «ما لقومك» مكان «ما لأهلك». وعائش : ترخيم : عائشة ، وهي امرأة الشماخ.

قال ابن فارس : «وأما قول أبي عبيدة في شعر الشماخ أن «لا» زائدة فقط ، لأنه ظن أنه أنكر فساد المال وليس الأمر كما ظن. وذلك أن الشماخ احتج على امرأته بصنيع أهلها أنهم لا يضيعون المال ، وذلك أنها قالت له : لم تشدد على نفسك في العيش حتى تلزم الإبل وتعذب فيها فهو عليك. فرد عليها فقال : ما لي أرى أهلك يتعهدون أموالهم ولا يضيعونها بل يصلحونها وأنت تأمرينني بإضاعة المال!».

(٤) الكتاب (١ : ٢٠٣).

(٥) في الكتاب : «إذا قعدوا».

١٣٦

وأما قوله تعالى : (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ) (١) فإن موضع قوله (فِي الْأَرْضِ) يحتمل ضربين :

أحدهما : أن يكون مفعولا فيه ظرفا.

والآخر : أن يكون وصفا.

فإن جعلته ظرفا احتمل أن يكون ظرفا ل «أصاب» واحتمل أن يكون ل «مصيبة». ولا ذكر فيه على شىء من هذين التأويلين. كما أن قولك : زيد ، من : مررت بزيد. كذلك يؤكد ذلك. ويحسنه دخول «لا» فى قوله : (وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ). فصار ذلك مثل : ما ضربت من رجل ولا امرأة.

والضرب الآخر أن يكون صفة للنكرة ، ويكون متعلّقا بمحذوف.

/ وفيه ذكر يعود إلى الموصوف. وقوله : (وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ) صفة معطوفة على صفة ، لأنه صفة منفىّ ، فيكون كالبدل فى قوله :

فى ليلة لا ترى بها أحدا

يحكى علينا إلّا كواكبها (٢)

من الضمير فى «يحكى» لمّا جرى على المنفىّ.

وزيادة الحروف فى التنزيل كثير ، فأقرب من ذلك إلى ما نحن فيه قوله : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ) (٣) وقوله : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ) (٤)

__________________

(١) الحديد : ٢٢.

(٢) البيت لعدي بن زيد ، والشاهد فيه : رفع الكواكب على البدل من الضمير الفاعل في يحكي. لأنه في المعنى منفى ، ولو نصب على البدل من أحد لكان أحسن. (الكتاب ١ : ٣٦١).

(٣) آل عمران : ١٥٩.

(٤) النساء : ١٥٤.

١٣٧

وقوله تعالى : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ) (١) وكقوله : (عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ) (٢) أي : عن قليل وكقوله : (جُنْدٌ ما هُنالِكَ) (٣) أي : جند هنالك.

وقيل فى قوله تعالى : (كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ) (٤) «ما» صلة.

وكذلك قوله : (إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ) (٥) أي : مثل أنكم.

وقيل فى قوله : (فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ) (٦) فكقوله :

* فهى ترثى بأبى وابنيما (٧)

وکقولهم افعله آثرا ما.

فهذه حروف جاءت للتأكيد عند سيبويه.

وعند قوم ، هو اسم ولا خلاف فى زيادتها. فمن قال : هو اسم ، قال : قد جاء من الأسماء مثله مزيدا ، كقولهم : كان زيد هو العاقل.

قال الله تعالى : (إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ) (٨) «فهو» فصل. وقال (تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً) (٩) وقال : (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (١٠) وقال : (إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ) (١١).

وسأعد لك الفصل فيما بعد.

__________________

(١) المائدة : ١٣.

(٢) المؤمنون : ٤٠.

(٣) ص : ١١.

(٤) الذاريات : ١٧.

(٥) الذاريات : ٢٣.

(٦) الانفطار : ٨.

(٧) البيت لرؤبة. و «ما» فيه فصل ، وإنما حكى ندبتها. (الكتاب ١ : ٣٢٢). ويروى : (فهي تنادي بأبي وابنما).

(٨) الأنفال : ٣٢.

(٩) المزمل : ٢٠.

(١٠) البقرة : ١٢٩.

(١١) الكهف : ٣٩.

١٣٨

والصحيح قول سيبويه ، إذ لا معنى لها سوى التوكيد ، ولا تكاد الأسماء تزاد. فأمّا «هو» فإنما جىء به ليفصل الخبر عن الوصف ، فهو لمعنى.

فثبت أن «ما» حرف زيدت كزيادة «من» فى النفي ، وزيادة الباء فى : ألقى بيده وساعده لك.

[و] زيادة «أن» و «إن» فى قوله تعالى : (فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ) (١) وقوله :

فما إن طبّنا جبن ولكن

منايانا ودولة آخرينا (٢)

وأما قوله تعالى : (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ) (٣) فإن الكسائي يقول : إنّ «إن» زائدة ، والتقدير : فى الذي مكناكم فيه.

والفرّاء يقول : فى الذي نمكنكم فيه. وإياه اختار أبو علىّ ، وزعم أنه من جهة المعنى واللفظ أقرب.

فأما المعنى ، فلأن قوله : (فِيما / إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ) فى المعنى فى قوله : (مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ) (٤).

وكما أن «لم» نفى بلا إشكال ، وكذلك «إن» ، ويبين ذلك قوله : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها) (٥) فهذا كله يدل على أن تمكين من تقدمهم يزيد على تمكينهم ، فهذا بمنزلة (ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ).

__________________

(١) يوسف : ٩٦.

(٢) البيت لفروة بن مسيك. وطبنا ، أي : عادتنا. (الكتاب ١ : ٤٧٥. المغني ١ : ٢٣).

(٣) الأحقاف : ٢٦.

(٤) الأنعام : ٦.

(٥) الروم : ٩.

١٣٩

وأما اللفظ فلأن «ما» موصولة ، و «أن» لا يزاد بعد «ما» الموصولة وإنما يزاد بعد النفي فى نحو : «ما إن طبّنا جبن».

والذي جاء من ذلك فى الشعر فيما أنشده سيبويه وأبو زيد من قوله :

ورجّ الفتى للخير ما إن رأيته (١)

إنما هو لتشبيه اللفظ.

فثبت بهذا كله وتحقق أن من تكلم فى الجوهر والعرض والجزء الذي يتجزأ (٢) أو لا يتجزأ لا يعرف معنى قوله : «حين لا حين» لأن ذاك عقلى وهذا سماعى ، وبين ما يكون مبنيّا على السماع ، وبين ما يكون مبنيّا على العقل تفاوت وبون.

ولو لا أنى خفت أن تقول بعدي ما لا يحل لك فى هذا الكتاب ؛ لسقت جميع ما اختلفوا فى زيادته فى التنزيل فى هذا الباب ، لكنى ذكرتها فى مواضع ليكون أحفظ عندك.

__________________

(١) عجزه :

على السن خيرا لا يزال يزيد

(المغني ١ : ٢٣ ـ الكتاب ٢ : ٣٠٦).

(٢) في الأصل : «لا يتجزأ».

١٤٠