إعراب القرآن - ج ١

الزجّاج

إعراب القرآن - ج ١

المؤلف:

الزجّاج


المحقق: ابراهيم الأبياري
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٨

وقال : (يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ) (١) أي : لا عوج لهم عنه.

وقوله : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ) (٢) أي : ليعلم أن العزة لمن هى.

وقال الله تعالى : (ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ) (٣) أي : عن الدنيا ، لأنهم قالوا : (ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) (٤).

وقال : (قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ) (٥) أي : لذكر الله.

وقوله : (فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٦) أي : لهم ، على قول أبى الحسن.

وقال : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ) (٧) أي : قالوا لهم.

ومن ذلك قوله تعالى : (وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللهِ) (٨) أي : صدها عبادة غير الله عن عبادة الله ، فحذف الجار والمجرور ، وهو المفعول ، و «ما» فاعلة.

وقيل : صدها «سليمان» عما كانت تعبد ، فحذف «عن».

وقيل : التقدير : صدها الله عما كانت تعبد بتوفيقها.

__________________

(١) طه : ١٠٨.

(٢) فاطر : ١٠.

(٣) إبراهيم : ٤٤.

(٤) الجاثية : ٢٤.

(٥) النحل : ٢٢.

(٦) البقرة : ١٩٢.

(٧) النساء : ٩٧.

(٨) النمل : ٤٣.

٣٤١

وقيل : الواو فى قوله «وصدها» واو الحال ، والتقدير : تهتدى أم تكون على ضلالتها ، وقد صدها ما كانت تعبد من دون الله.

ومثله قوله : (فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً) (١) أي : للأوابين منكم.

وقيل : بل الأوابون هم الصالحون ، فوضع الظاهر موضع المضمر ، كقوله : (ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ) (٢). على قول الأخفش ، أي : مصدق له / فوضع الظاهر موضع المضمر ، كقوله : (مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ) فحذف الجار والمجرور. كقوله : (نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ) (٣) أي : نسارع لهم به.

ومن ذلك قوله : (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً) (٤) عن الأمة (فَآوى) أي : فآواك إلى أبى بكر. وقيل : إلى خديجة. وقيل : إلى أبى طالب. وقيل : بل آواه إلى كنف ظله ، وربّاه بلطف رعايته. ويقال : فآواك إلى بساط القربة ، بحيث انفردت بمقامك فلم يشاركك فيه أحد.

(وَوَجَدَكَ ضَالًّا) عن الاستثناء حين سئلت ، فلم تقل إن شاء الله [فهدى) أي] (٥) : فهداك لذلك ، ويقال : فى محبتنا ، فهديناك بنور القربة إلينا. ويقال : ضالا عن محبتى فعرّفتك أنى أحبك. ويقال : جاهلا بمحلّ شرفك ، فعرّفتك قدرك. ويقال : مستترا فى أهل مكة لم يعرفك أحد ، فهداهم إليك ، حتى عرفوك.

__________________

(١) الإسراء : ٢٥.

(٢) آل عمران : ٨١.

(٣) المؤمنون : ٥٦.

(٤) الضحى : ٦.

(٥) تكملة يقتضيها السياق.

٣٤٢

(وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى (٨)) أي : أغناك عن الإرادة والطلب ، بأن أرضاك بالفقر. ويقال : أغناك عن السؤال ، فيما أعطاك ابتداء بلا سؤال منك. ويقال : أغناك بالنبوة والكتاب.

ومن ذلك حكاية عن إبليس اللعين : (إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ) (١). قال قوم منهم الفراء : إنى كفرت بالله ، وجعل «ما» فى مذهب ما يؤدى عن الاسم ، ويعنى من قوله : «من قبل» فى وقت آدم حين أبى السجود واستكبر.

وقال قوم التقدير : إنى كفرت اليوم بما كنتم تعبدونه لى فى الدنيا ، فحذفوا الظرف دون الجار.

وقال أبو على : تقدير «من قبل» أن يكون متعلقا ب «كفرت». المعنى : إنى كفرت من قبل بما أشركتمونى.

ألا ترى أن كفره قبل كفرهم ، وإشراكهم إياه فيه بعد ذلك.

فإذا كان كذلك علمت أن «من قبل» لا يصح أن يكون من صلة «أشركتمون».

وإذا لم يصح ذلك فيه ، ثبت أنه من صلة «كفرت».

فأما «ما» فيحتمل وجهين :

يجوز أن يكون المصدر ، فإذا كان إيّاه لم يحتج إلى عائد ، وكان التقدير : بإشراككم إياى فيه.

__________________

(١) إبراهيم : ٢٢.

٣٤٣

وإن جعلتها موصولة ، كان التقدير : بإشراككم إياى فيه ، فحذف «فيه». على قياس ما قاله فى قوله : (لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) (١) وأوصل ٧ ليه الفعل / ثم حذف الضمير.

والمعنى ، إنى كفرت من قبل بما أشركتمونى فيه من بعد ، ويقدر «أشركتمون» جعلتمونى شريكا فى كفركم.

ومما حذف منه الجار والمجرور : قول العرب «الحملان حمل ودرهم».

فالحملان يرفع بالابتداء. و «حمل» ابتداء ثان. و «درهم» فى موضع الجر. والمعنى الحملان حمل منهما بدرهم. فقولك «منهما» مقدر فى الكلام ، وبتقديره يستقيم ، ولو قلت : حمل ودرهم رخيص. ويكون ب «درهم» يتعلق ب «رخيص» ـ جاز.

ومما حذف منه الجار والمجرور قوله : (وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) (٢). أي : على إيمانهم أجرا ، أي : ما دعوا إليه من الإيمان.

والإيمان المقدر المحذوف على ضربين :

أحدهما أن يكون إيمان من آمن ، ويجوز أن يكون إيمانا نسب إلى من يؤمن.

وجاز ذلك فيه للالتباس الذي لهم به فى دعائهم إليه ، كما قال : (وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ) (٣). والتقدير : الذي شرع لهم ودعوا إليه.

__________________

(١) البقرة : ٤٨.

(٢) الشعراء : ١٠٩.

(٣) الأنعام : ١٣٧.

٣٤٤

ومن ذلك قوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً) (١) أي : نورا فى القيامة. (فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) (٢) أي : فى الخلق.

ومنه قوله تعالى : (ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً) (٣). أي : دليلا على الظل ، إذ لولاه لم تعرف ، وبضدها تتبين الأشياء ، عن ابن سحبر [ة] ، وقيل : تاليا على الظل حتى يأتى عليه كله. عن قتادة.

وقيل : دليلا على قدرة الله ، (ثُمَّ قَبَضْناهُ) (٤) يعنى : الظل ، أي : بطلوع الشمس ، وقيل : بغروبها ، (يَسِيراً) (٥) أي : سريعا ، وقيل : هو فعيل بمعنى مفعولة. أي : جعلنا الشمس مدلولة على الظل ، أي : دللناها عليه حتى أذهبته وحكت له (٦).

وأما قوله : (وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) (٧). فقيل : هو من هذا الباب. والذين آمنوا هم الفاعلون. والتقدير : ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات لربهم ، كالآية الأخرى : (وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ) (٨) وقيل : بل الذين آمنوا نصب مفعول به على تقدير : ويستجيب الله للذين آمنوا ، فحذف اللام.

وأما قوله : (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ

__________________

(١) النور : ٤٠.

(٢) الفرقان : ٤٥.

(٣) الفرقان : ٤٦.

(٤) كذا.

(٥) الشورى : ٢٦.

(٦) الشورى : ٣٨.

٣٤٥

مِنَّا) (١). أي : نجيّناهم من الإهلاك (وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ) (٢) فحذف الجار / والمجرور. ولا يكون (وَنَجَّيْناهُمْ) مكررا. لمكان الواو.

ومن ذلك قوله تعالى : (إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا) (٣) أي : الدنيا من المدينة. (وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى) (٤) أي : من المدينة.

وقال : (فِي أَدْنَى الْأَرْضِ) (٥) أي فى أدنى الأرض منهم.

وعند الكوفيين : قام اللّام مقام الضمير ، كقوله : (فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى) (٦).

ومن ذلك قوله تعالى : (وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها) (٧). أي : أمرنا مترفيها بالطاعة ، ففسقوا فيها ، فحذف «بالطاعة».

وفسّره قوم فقالوا : أمرنا ، أي كثّرنا ، قالوا : ويقال : أمرت القوم وآمرت وأمّرت ، إذا كثّرتهم.

وفى الحديث : خير المال سكّة مأبورة ، أو مهرة مأمورة ؛ أي : كثيرة النتاج ، «فمأمورة» من «أمرت».

وزعم أبو عبيدة عن يونس عن أبى عمرو أنه قال : لا يقال أمرت ، أي كثرت ؛ وإنما فسر «أمر» ، أي : أمرناهم بالطاعة.

__________________

(١) هود : ٥٨ ـ ٦٥.

(٢) الأنفال : ٤٢.

(٣) الروم : ٣.

(٤) النازعات : ٤١.

(٥) الإسراء : ١٦.

٣٤٦

وزعم ثعلب : أمر القوم ، إذا كثروا ؛ أمر علينا فلان ، إذا ولى. وكأنه اقتدى بأبى عمرو ، ولم ير «أمرت» أي : كثرت ، صحيحا ولم ير حجه فى قوله : مهرة مأمورة ؛ لأنه يكون من باب قوله : (حِجاباً مَسْتُوراً) (١). أي : ذا ستر ؛ ويكون بمعنى : ساتر ؛ فكذا «مأمورة» أي : ذات كثرة ؛ أو بمعنى أمر.

وزعم أبو عليّ : أن أمر وأمرته ، من باب رجع ورجعته ، ووقف ووقفته.

ومن ذلك قوله تعالى : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) (٢)

قال أبو على : يجوز أن يكون «ما» بمعنى «الذي» ولا يكون «استمتعتم» فى موضع جزم بالجزاء ، وقد عاد الذكر فى «به» إليه ، ويكون العائد إليه من الخبر محذوفا ، كأنه : فآتوهن أجورهن له : أي : لما استمتعتم به.

ولا يجوز أن تكون «ما» مصدرا لعود الذكر إليها من قوله ؛ ولا يستقيم فى المعنى أيضا ، لأن الأجور المهور فلا تؤتاه المرأة إلا مرة.

ولا يجوز أيضا أن تكون «ما» كالتى فى قوله :

فما تك يا ابن عبد الله فينا

__________________

(١) الإسراء : ٤٥.

(٢) النساء : ٢٤.

٣٤٧

هذا المعنى أيضا ويجوز (١).

أن تكون «ما» بمنزلة «من» ، فإذا كان كذلك لم يلزم أن يضمر شيئا يعود على المبتدأ ؛ لأن قوله : / «فآتوهنّ» يرجع إلى «ما» على المعنى ، لأن التقدير ب «ما» يجوز أن يكون جمعا ، قد قال هذا (٢).

فقال فى قوله : (مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ) (٣) فكلاهما فى موضع رفع فيمن قال : زيد ضربته ، ومن قال : زيدا ضربته ، وزيدا مررت به ؛ كان عنده فى موضع نصب.

وكلام سيبويه فى هذا : ويرفع الجواب حين يذهب الجزم قولهم : أيهم يأتك تضرب ، إذا جزمت ؛ لأنك جئت «بتضرب» مجزوما بعد أن عمل فى أيهم ، ولا سبيل له عليه ، وكذلك هذا حيث جئت بجوابه مجزوما بعد أن عمل فيه الابتداء.

قلت : الصحيح ما ذكر فى قوله : (مَهْما تَأْتِنا بِهِ) (٤) ومنعه فى : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ) (٥) من أن يكون شرطا ، محتجا بما يعود إليه من «به» شبهة وقعت له من قول سيبويه : أيهم يأتك تضرب ، إذا جزمت «تضرب» على الجواب لم يعمل فى «أيهم».

__________________

(١) في الأصل : «ويجوز أن تكون».

(٢) يشير إلى أن هذا من كلام أبي علي الفارسي.

(٣) الأعراف : ١٣٢.

(٤) النساء : ٢٤.

٣٤٨

فأما : أيهم تضرب يأتك ؛ فإنك تنصبه «بتضرب» ولو أدخلت الهاء فقلت : أيهم تضربه يأتك ، جاز رفعه ، وإن كان الاختيار النصب.

ومثل الآية قول المتنخّل الهذلي :

إذا سدته سدت مطواعة

ومهما وكلت إليه كفاه (١)

فالهاء فى «كفاه» عائدة إلى «مهما» ، كما يعود إلى «ما» ولا يكون بمثل هذا العائد فى : أين ومتى ، لا تقل : أين تكن أكن فيه ، ولا : متى تأتنى آتك فيه ، لأن «أين» و «متى» لا يبتدآن ، فهما منصوبان على الظرف فلا يشتغل الفعل عنهما ، و «ما» قد تكون مبتدأة.

ثم اعلم بعد : أنى لا أختار فى «ما» من قوله : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ) (٢) أن يكون بمعنى «الذي» ، لأنه يحتاج إلى ما يعود إليه من الخبر ، على حد ما قال من قوله : (فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) له ؛ إذ لا يكاد يفيد معنى. ولكن ما يكون شرطا ؛ إما منصوبا بفعل مضمر يفسره : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ) (٣) ، أو يكون مبتدأ ، وما بعده خبره.

ولا أختار أن يكون بمعنى «من» لقلة ذلك ، وكلام الله لا يحمل على القليل.

ووجدت فى موضع آخر قال : لا يجوز أن تكون «ما» مصدرا على حدّ قوله : (بِما كانُوا يَكْذِبُونَ) (٤) أي : بتكذيبهم ؛ لأن الذكر قد عاد

__________________

(١) اللسان (طوع).

(٢) النساء : ٢٤.

(٣) البقرة : ١٠.

٣٤٩

إليه / من الصلة فى قوله (١) به ، فإذا كان كذلك كان بمعنى الذي ، ودخلت الفاء على حد دخولها فى قوله : (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ) (٢) ، وقوله : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ) (٣).

وإذا حملته على هذا وجب أن يعود مما بعد الفاء ذكر يعود إلى المبتدأ : فآتوهن أجورهن له أو من أجله ، أي : من أجل ما استمتعتم به ؛ لا يكون إلا كذلك.

فإن قلت : لا يجوز أن تكون «ما» للجزاء ، فإنه يجوز أن يكون له ، ويكون موضع «استمتعتم» جزما والفعل ، وما بعد «ما» فى موضع الجزم ، ويكون اسما للوقت وقد قال :

فما تك يا ابن عبد الله فينا

وموضع «ما» رفع لاشتغال الفعل بالجار.

ومن قال : زيدا مررت به ، كانت عنده فى موضع نصب ، ورجوع الذكر من الشرط لا يمنع أن يكون الاسم الذي قبله للمجازاة.

__________________

(١) في الأصل : «قوله في به».

(٢) النحل : ٥٣.

(٣) البقرة : ٢٧٤.

٣٥٠

ألا ترى أنك لو قلت : ما يحملك تركبه ؛ لم يمتنع أن يكون جزاء. وكذلك لو قلت : ما يحملك ينفعك. وقد جاءت «ما» فى مواضع للجزاء يراد به الزمان. وكذلك فى الآية : إن استمتعتم وقتا منهن به.

وينبغى فى قياس قول أبى الحسن أن يكون فى الشرط ذكر يعود إلى ما يعود من الخبر على الجمل.

على هذا حمل هذا النحو فى مسائل الكثير ، وهذا حكوا عنه فى الكتاب.

٣٥١

السادس عشر

هذا باب ما جاء في التنزيل وقد حذف منه همزة الاستفهام هذا باب ما جاء فى التنزيل وقد حذف منه همزة الاستفهام وحذف الهمزة فى الكلام حسن جائز ، إذا كان هناك ما يدل عليه.

فمن ذلك قوله تعالى فى قراءة الزهري : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) (١) والتقدير : أسواء عليهم الإنذار وترك الإنذار ، فحذف الهمزة.

ومثله قراءة ابن أبى عبلة فى قوله : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ) (٢) بالرفع على معنى : أقتال فيه؟

وقيل فى قوله تعالى : (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) (٣) فحذف الهمزة وقال الأخفش فى قوله تعالى : (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ) (٤) التقدير : أو تلك نعمة؟ فحذف الهمزة.

ومثله : (قالَ هذا رَبِّي) (٥). أي أهذا ربى؟ فحذف الهمزة ، فكذلك فى أختيها.

/ وقيل فى قوله تعالى : (تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) (٦) : أتلقون إليهم بالمودة؟ فحذف الهمزة.

__________________

(١) البقرة : ٦.

(٢) البقرة : ٢١٧.

(٣) الأنبياء : ٨٧.

(٤) الشعراء : ٢٢.

(٥) الأنعام : ٧٦ و ٧٧ و ٧٨.

(٦) الممتحنة : ١.

٣٥٢

وقيل فى قوله تعالى : (أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ) (١). تقديره : أإنّكم؟ لأنه فى الظاهر يؤدى إلى الكذب. وقيل : أراد سرقتم يوسف من أبيه ؛ لا أنهم سرقوا الصاع.

وهذا سهو ، لأن إخوة يوسف لم يسرقوا يوسف ، وإنما خانوا أباهم فيه وظلموه.

وقيل : قالوه على غلبة الظن ، ولم يتعمدوا الكذب ، ويوسف لا علم له ، فيكون التقدير : إنكم لسارقون فى غلبة ظنوننا.

وقال ميمون بن مهران : ربما كان الكذب أفضل من الصدق فى بعض المواطن ، وهو إذا دعا إلى صلاح لإفساد وجلب منفعة.

__________________

(١) يوسف : ٧٠.

٣٥٣

السابع عشر

هذا باب ما جاء في التنزيل من اجتماع الهمزتين

وذلك يكون على وجوه فى الكلام ، وينبغى أن نعلمك أصلا قبل ذلك ، فإن اجتماعهما يبتنى على ذلك الأصل ، وهو : أن تعرف أن الهمزة المتحركة وقبلها ألف متحرك تكون على تسعة أوجه (١) :

أحدها : أن تكون مفتوحة مضموما ما قبلها ، نحو : «جؤن».

والثاني : أن تكون مفتوحه مكسورا ما قبلها ، نحو : مئر : بوزن «معر» ، وهذه ليس فيها إلا أن تقلب واوا فى حال الضم ، وياء فى حال الكسر ، نحو «جون» و «مير» بواو وياء خالصين ، ولا يجوز فيهما بين بين. وذلك أن الهمزة المفتوحة ، إذا جعلتها بين بين قرّبتها من الألف ، والألف لا تقع بعد الضمة والكسرة بوجه ما ، وهو مما تشهد الضرورة به ، فكذلك لا يقع ما بعدهما ما يقارب الألف ، كما أن الألف لما لم يمكن الابتداء به لم يكن جعل الهمزتين بين بين فى الابتداء ، وإذا امتنع كونها بين بين ، فليس إلا القلب.

والضرب الثالث : أن تكون الهمزة مفتوحة مفتوحا ما قبلها ، فهذه تخفيفها أن تجعل بين بين ، نحو : «سال» و «قرا زيد» وذلك أن الألف من شأنها أن تقع بعد الفتحة ، وكذلك يقع المقرّب منها بعدها ، وقد عرّفتك أن هذا التخفيف مما ينكشف سره بالمشافهة.

__________________

(١) الأصل : «سبعة» وقد ساقها المؤلف تسعة.

٣٥٤

والضرب الرابع : أن تكون الهمزة مكسورة مفتوحا ما قبلها / نحو : «سم». فهذه تجعل بين بين ، فأنت لأجل أنها مكسورة تقرّبها بالتخفيف من الياء الساكنة ، والياء الساكنة تسلم بعد الفتحة ، فما ظنك بالمقارب لها.

والضرب الخامس : أن تكون الهمزة مضمومة مفتوحا ما قبلها نحو : «لؤم» ، فهذه أيضا تجعل بين بين ، لأجل أنك تقرّبها من الواو الساكنة ، والواو الساكنة تقرّ بعد الفتحة ، فكذلك ما يقاربها.

والضرب السادس : أن تكون الهمزة مضمومة قبلها ضمة نحو : «هذا عبد أختك» و «شقّ أبلم».

فهذه أحرى بأن تجعل بين بين ، لأجل أنك تقرّبها من الواو الساكنة ، وشأنها أن تقع بعد الضمة ، فكذا ما يقرب منها.

والضرب السابع : أن تكون الهمزة مكسورة مكسورا ما قبلها ، نحو : «من عند إبلك». تجعلها بين بين ، لأجل أنك تقرّبها من الياء الساكنة ، وحقّها أن تقع بعد الكسرة ، وكذلك القريب منها.

والضرب الثامن : أن تكون الهمزة مضمومة مكسورا ما قبلها ، نحو : «هذا قارئ يافتى» مثل «قارع يافتى».

وهذا فيه خلاف ، فمذهب الخليل وصاحب الكتاب جعلها بين بين ، ومذهب أبى الحسن القلب إلى الياء.

والتاسع : أن تكون مكسورة قبلها ضمة ، نحو : «سئل» وهذه مثل الثامن فى القلب ، إلا أن أبا الحسن يقلبه واوا للضمة قبلها ، كما يقلبها ياء للكسرة قبلها فى قارئ.

٣٥٥

فأما ما حكاه محمد بن السرى فى كتابه فى القراءات عن أبى الحسن من أنه قال : من زعم أن الهمزة المضمومة لا تمنع الكسرة إذا خففت دخل عليه أن يقول : «هذا قارئ» و «هؤلاء قارئون» و «يستهزئون».

قال ، يعنى أبا الحسن ، وليس هذا من كلام من خفّف من العرب ، إنما يقولون يستهزئون فخطأ فى النقل ، ألا تراه يلزم الخليل وسيبويه أن يقولا هذا فى المتصل؟

قالا ذلك فى المنفصل ، نحو : «من عند أخيك» ، ونسمعهما يقولان (١) : إنه قول العرب ، هذا مما لا يظنّ.

وأبو الحسن قد فصل بين المتصل والمنفصل فى : ... (٢) وغلام ، نحو : إبلك ، فقلب المتصل واوا والمنفصل ياء.

هذا الذي / حكاه عنه غلط فى النقل ، وإنما دخل عليه أن يقول : «هذا قارو» بالواو ، كما حكيناه.

فكذلك رواه أبو عبد الله اليزيدي عنه ، ثم حكاه عن أبى الحسن من قولهم : إنما يقولون يستهزيون على ماذا يحمله ، على التحقيق أم على فصلها بين بين؟.

فإن حمله على التحقيق لم يجز ، على [أن] (٣) الكلام ليس فيه ، إنما الكلام على التخفيف أم على جعلها بين بين.

فإن حمله على أنه جعلها بين بين ، فقد أثبت إذن ما أنكره ، وما لم يقله أحد من أهل التخفيف عنه ، وهذا خطأ عليه فاحش فى النقل.

__________________

(١) تكملة يقتضيها السياق.

(٢) بياض بالأصل.

٣٥٦

وأما ما ذكره محمد بن يزيد فى هذه المسألة فى كتابه المترجم بالشرح من قوله : والأخفش لا يقول إلا كما يقول النحويون : «هذا عند ئبلك». ولكن يخالف فى «يستهزئون».

فهذا الإطلاق يوهم أنه لا يفصل بين المتصل والمنفصل ، وقد فصل أبو الحسن بين «أكمؤك» و «عند نحو بك» (١).

فينبغى إذا كان كذلك ألا نرسل الحكاية عنه ، حتى يعتد ويفصل بين المتصل والمنفصل كما فصل هو.

وأما الهمزة المفتوحة التي بعدها همزة مضمومة من كلمة واحدة ، فقد جاء فى التنزيل فى أربعة مواضع :

فى آل عمران : (أَأُنَبِّئُكُمْ) (٢).

وفى ص : (أَأُنْزِلَ) (٣).

وفى القمر : (أَأُلْقِيَ) (٤).

والرابع فى الزخرف : (أَشَهِدُوا) (٥).

والهمزة المفتوحة التي بعدها مكسورة من كلمة :

أولها فى الأنعام : (أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ) (٦).

والثانية فى النمل : (أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ) (٧).

والثالثة فى الشعراء : (أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً) (٨).

والرابعة فى التوبة : (أَئِمَّةَ الْكُفْرِ) (٩).

__________________

(١) كذا في الأصل وانظر : الكتاب (٢ : ١٦٣ ـ ١٧١).

(٢) آل عمران : ٤٥.

(٣) ص : ٨.

(٤) القمر : ٢٥.

(٥) الزخرف : ١٩.

(٦) الأنعام : ١٩.

(٧) النمل : ٥٥.

(٨) الشعراء : ٤١.

(٩) التوبة : ١٢.

٣٥٧

والخامسة فى يوسف : (أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ) (١).

والسادسة فى مريم : (أَإِذا ما مِتُّ) (٢).

والسابعة فى الشعراء : (أَإِنَّ لَنا) (٣).

والثامنة والتاسعة فى القصص : (أَئِمَّةً) (٤) فيهما.

والعاشرة فى السجدة : (أَئِمَّةً) (٥).

والحادي عشر فى يس : (أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ) (٦).

والثاني عشر فى الصافات : (أَإِنَّا لَتارِكُوا) (٧).

والثالث عشر فيها : (أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ) (٨).

والرابع عشر فيها : (أَإِفْكاً آلِهَةً) (٩).

والخامس عشر فى السجدة : (أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ) (١٠).

والسادس عشر : فى الواقعة : (إِنَّا لَمُغْرَمُونَ) (١١).

والسابع عشر فى النمل : (أَإِنَّكُمْ) (١٢).

والثامن عشر فى ق (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا) (١٣).

__________________

(١) يوسف : ٩٠.

(٢) مريم : ٦٦.

(٣) الشعراء : ٤١.

(٤) القصص : ٥ و ٤١.

(٥) السجدة : ٢٤.

(٦) يس : ١٩.

(٧) الصافات : ٣٦.

(٨) الصافات : ٥٢.

(٩) الصافات : ٨٦.

(١٠) فصلت : ٩.

(١١) الواقعة : ٦٦.

(١٢) النمل : ٥٥.

(١٣) ق : ٣.

٣٥٨

والتاسع عشر فى الأنبياء : (أَئِمَّةً) (١).

وخمسة فى النمل : (أَإِلهٌ) (٢).

/ فذلك أربعة وعشرون.

فهذه همزتان اجتمعتا مفتوح بعدها مكسور ، وفى مدها وتليين الثانية اختلاف ؛ إلا التي فى الشعراء ، فإنه لم يقرأ هناك على الخبر أحد ، كما قرأ فى الأعراف ، وقد يرد غير ذلك مع استفهام بعده :

فأولها فى سورة الرعد : (أَإِذا ـ أَإِنَّا) (٣).

وفى بنى إسرائيل : اثنان (٤).

وفى المؤمنين : واحد (٥).

وفى السجدة : واحد (٦).

وفى النمل : (أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ) (٧).

وفى العنكبوت : (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ... أَإِنَّكُمْ) (٨).

وفى الصافات : موضعان (٩).

وفى الواقعة (١٠) : وفى سورة النازعات (١١).

فهذه أحد عشر موضعا واثنتان وعشرون كلمة.

وأما المفتوحتان : ففى إحدى وثلاثين موضعا أولها :

فى البقرة : (أَأَنْذَرْتَهُمْ) (١٢).

وفيها : (أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ) (١٣).

وقوله : (أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) وقد تكرر في الآية ٤٩ والآية ٩٨.

__________________

(١) الأنبياء : ٧٣.

(٢) النمل : ٦٠ ـ ٦٤.

(٣) الرعد : ٥.

(٤) هما قوله تعالى : (إِذا كُنَّا عِظاماً)

(٥) في المؤمنين اثنان لا واحدا وهما (أَإِذا مِتْنا) (أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ).

(٦) في السجدة اثنان لا واحدا وهما (أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ) (أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ).

(٧) النمل : ٦٧.

(٨) العنكبوت : ٢٨ و ٢٩.

(٩) في الصافات خمسة مواضع ، الأول والثاني (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) الثالث والرابع (إِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) الخامس (أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ).

(١٠) هما (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ).

(١١) هما (أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ) و (أَإِذا كُنَّا عِظاماً).

(١٢) البقرة : ٦.

(١٣) البقرة : ١٤٠.

٣٥٩

والثالثة فى آل عمران : (أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ) (١) فى قراءة ابن كثير.

والرابعة فيها : (أَأَسْلَمْتُمْ) (٢).

والخامسة فيها : (أَأَقْرَرْتُمْ) (٣).

السادسة فى المائدة : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ) (٤).

السابعة ، والثامنة ، والتاسعة : (آمَنْتُمْ) (٥) فى الأعراف وطه والشعراء.

والعاشرة فى هود : (أَأَلِدُ) (٦).

الحادي عشر فى يوسف : (أَأَرْبابٌ) (٧).

الثاني عشر فى سبحان : (أَأَسْجُدُ) (٨).

الثالث عشر فى الأنبياء : (أَأَنْتَ فَعَلْتَ) (٩).

الرابع عشر فى الفرقان : (أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي) (١٠).

والخامس عشر فى النمل (أَأَشْكُرُ) (١١).

السادس عشر فى يس : (أَأَنْذَرْتَهُمْ) (١٢).

السابع عشر فيها : (أَأَتَّخِذُ) (١٣).

__________________

(١) آل عمران : ٧٣.

(٢) آل عمران : ٢٠.

(٣) آل عمران : ٨١.

(٤) المائدة : ١١٦.

(٥) الأعراف : ٢٣ ـ وطه : ٧١ ـ الشعراء : ٤٩.

(٦) هود : ٧٢.

(٧) يوسف : ٣٩.

(٨) الإسراء : ٦١.

(٩) الأنبياء : ٦٢.

(١٠) الفرقان : ١٧.

(١١) النمل : ٤٠.

(١٢) يس : ١٠.

(١٣) يس : ٢٣.

٣٦٠