إعراب القرآن - ج ١

الزجّاج

إعراب القرآن - ج ١

المؤلف:

الزجّاج


المحقق: ابراهيم الأبياري
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٨

وهذا على قول من وقف على قوله «كلّ يوم» ، فهو منصوب ب «يسأله».

وقوله «هو فى شأن» مبتدأ وخبر. ومثل الأول ما حكاه سيبويه من قولهم : أكلّ يوم لك ثوب.

وأمّا جعل «أن» بصلته اسم «كان» ، وليس فى الآي التي تلوناها ، فإنما كان لأن «أن» وصلتها أولى وأحسن لشبهها بالمضمر فى أنها لا يوصف [بها] (١) المضمر ، وكأنه اجتمع مضمر ومظهر.

والأولى إذا اجتمع مضمر ومظهر أن يكون المضمر الاسم من حيث كان أذهب فى / الاختصاص من المظهر ، فكذلك إذا اجتمع مع مظهر غيره كان أن يكون اسم كان المضمر والمظهر الخبر أولى.

فلهذا المعنى قال قوم : إذا قلت : فى الدار إنك قائم ، ونحو قوله : (وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً) (٢) (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ) (٣) (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ) (٤). إنما رفع بالظرف لأنه يشبه المضمر. و «غدا الرحيل» ، هو «أن» مع الفعل ، فيشبه المضمر.

ويلزم على تشبيه «أن» بالمضمر أن تكون «أن» الناصبة للفعل مرتفعة فى قوله بالظرف لاجتماعها مع «أن» فيما ذكرنا.

__________________

(١) تكملة يقتضيها السياق.

(٢) فصلت : ٣٩.

(٣) الروم : ٢٥.

(٤) الروم : ٢٠.

٢٨١

وليس الأمر فى «أن» كذلك لارتفاعها بالابتداء ، وإن لم يجز تقديمه فى قوله : (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) (١) و (وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ) (٢).

ولا يستقيم أن يفصل بينهما ب «أن» يقال : إنّ «أن» الخفيفة قد ابتدئت والثقيلة لم تبتدأ.

لأنه يقال له : ارفعه بالابتداء ، وإن لم يجز تقديمه ، كما رفعت «زيدا» ونحوه بالابتداء ، وإن لم يجز أن يبتدأ بها فى أول الكلام.

وأما قوله تعالى : (مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ) (٣) ، فمذهب سيبويه أن فى «كاد» ضمير القصة والحديث ، وفسر بالجملة من الفعل والفاعل.

وجاز ذلك فيها وإن لم تكن مثل «كان» وبابها من الأفعال المجردة من الدلالة على الحدث ، لمشابهتها لها فى لزوم الخبر إياها.

ألا ترى أنها لا تخلو من الخبر ، كما أن تلك الأفعال كذلك.

وقد أجاز أبو الحسن فى قوله : (مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ) (٤) أن يكون فى «كاد» ضمير ممن تقدم ، ويرفع (قُلُوبُ فَرِيقٍ) (٥) «تزيغ».

قال : وإن شئت رفعتها ، يعنى «القلوب» ب «كاد» وجعلت «تزيغ» حالا.

__________________

(١) البقرة : ١٨٤.

(٢) النور : ٦٠.

(٣) التوبة : ١١٧.

٢٨٢

فأما احتماله الضمير مما جرى ، فوجهه : أنه لما تقدم قوله : (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ) (١). وكانوا قبيلا ، ومن عاندهم من الكفار والمنافقين قبيلا ، أضمر فى كاد ، قبيلا.

فأما كون «يزيغ» حالا فيدل على صحته قول العجّاج :

إذا سمعت صوتها الخرّارا

أصمّ يهوى وقعها الصّوارا

ألا ترى أنه قد تقدم «يهوى» على «وقعها» فى موضع هاويا ، وهذا يدل على جواز تقديم الحال من المضمر.

ومن تقديم خبر «كان» قوله : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) (٢) فالظرف حشو و «أحد» اسم «كان» ، و «كفوا» خبره ، وأجاز أن يكون «له» وصفا للنكرة ، فلما تقدم انتصب على الحال.

وحمله الكوفي على إضمار المجهول فى «يكن» ، وفى «يكن» ضمير القصة ، و «كفوا» حال.

وهذا إنما جاز عندهم للحاق النفي الكلام ، وإلا كان كفرا ، لأنك إذا قلت : لم يكن الأمر له كفوا أحد ، كان إيجابا ، تعالى الله عن ذلك وتقدّس.

__________________

(١) التوبة : ١١٧.

(٢) الإخلاص : ٤.

٢٨٣

فهو كقولهم : ليس الطيب إلا المسك ، على إضمار فى «ليس» وإدخال «إلا» بين المبتدأ والخبر ، لأنه يؤول إلى النفي.

والعامل فى الظرف إذا كان حالا هو «يكن». وعلى قول البغداديين فى «كفوا» المنتصب على الحال «له» ، و «له» متعلق بمحذوف فى الأصل ، و «أحد» مرتفع به على قولهم.

وكانّ «له» إنما قدمت وإن لم يكن مستقرا ، لأن فيه تبيينا وتخصيصا ل «كفو». فلهذا قدّم ، وحسن التقديم وإن لم يكن مستقرا.

فهذا كله فى تقديم ما فى حيزّ المبتدأ.

فأما الظرف إذا كان خبرا ل «كان» فتقديمه على اسم «كان» كثير ، كقوله : (وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ) (١) وقوله : (وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ) (٢). وقوله : (قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ) (٣) وكقوله : (وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ) (٤).

فأما قوله : (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) (٥) فقيل : «نصر» يرتفع ب «كان» ، و «حقا» خبر مقدم. وقيل : بل اسم «كان» مضمر ، والتقدير : كان الانتقام حقّا ، فتقف على هذا ، وتبتدئ (عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) (٦).

__________________

(١) القصص : ٣٧.

(٢) يونس : ٧٨.

(٣) آل عمران : ١٣.

(٤) الكهف : ٤٣.

(٥) الروم : ٤٧.

٢٨٤

ومن هذا الباب قوله تعالى : (كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ (١٧) وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (١) ف «هم» مبتدأ ، و «يستغفرون» الخبر ، والجار فى صلة «يستغفرون» ، وقدمه على المبتدأ كما قدم (وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) (٢).

ومثله : (أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ) (٣). ف «أنتم» مبتدأ ، و «مدهنون» خبره ، والجار من صلة «مدهنون».

وأما قوله (قَلِيلاً) (٤) فستراه فى باب آخر إن شاء الله.

__________________

(١) الذاريات : ١٧ ، ١٨.

(٢) البقرة : ٤.

(٣) الواقعة : ٨١.

٢٨٥

الرابع عشر

هذا باب ما جاء في التنزيل وقد حذف الموصوف

وأقيمت صفته مقامه

/ وهو جائز حسن فى العربية يعد من جملة الفصاحة والبلاغة. وقد ذكره سيبويه فى غير موضع من كتابه.

فمن ذلك قوله : (وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) (١) والتقدير : وبالدار الآخرة هم يوقنون.

ومن ذلك قوله : (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) (٢) أي : فى الدار الآخرة.

كما أن قوله : (وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا) (٣) أي : فى الدار الدنيا.

دليله قوله : (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ) (٤).

وما جاء فى التنزيل من قوله : (وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ) (٥) فهو على تقدير : ولدار السّاعة الآخرة ، فتكون «الآخرة» صفة للساعة المضمرة.

وعليه قراءة ابن عامر فى قوله : (لَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) فى الأنعام (٦).

__________________

(١) البقرة : ٤.

(٢) البقرة : ١٣٠.

(٣) البقرة : ١٣٠.

(٤) الأنعام : ٣٢.

(٥) النحل : ٣٠.

(٦) الأنعام : ٣٢.

٢٨٦

وليست «الدار» مضافة إلى الآخرة ؛ لأن الشيء لا يضاف إلى صفته كما لا يضاف إلى نفسه.

وعلى هذا : مسجد الجامع ، أي الوقت الجامع ؛ وصلاة الأولى ، أي : صلاة الساعة الأولى ؛ و (دِينُ الْقَيِّمَةِ) (١) ، أي : دين الملة القيمة ؛ وكذلك (وَحَبَّ الْحَصِيدِ) (٢) أي : حب الزرع الحصيد ؛ و (حَقُّ الْيَقِينِ) (٣) أي : حق العلم اليقين. فمن قال بخلاف ذا فقد أخطأ.

ومن ذلك قوله تعالى : (آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ) (٤) أي : آمنوا إيمانا مثل إيمان الناس ، (قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ) (٥) أي أنؤمن إيمانا كإيمان السفهاء. فحذف الموصوف وأقيمت الكاف التي هى صفته بمقامه. وعلى هذا جميع ما جاء فى التنزيل من قوله: «كما».

ومثله : «كذلك» فى نحو قوله : (كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ) (٦) أي قولا مثل ذلك قال الذين لا يعلمون. ويكون (مِثْلَ قَوْلِهِمْ) بدلا من الأول وتفسيرا.

ومثله : (كَذلِكَ اللهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ) (٧) ، و : (كَذلِكِ اللهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ) (٨).

ومثله : (كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ) (٩) أي : فعلا مثل ذلك ، وقولا مثل ذلك.

__________________

(١) البينة : ٥.

(٢) ق : ٩.

(٣) الواقعة : ٩٥.

(٤) البقرة : ١٣.

(٥) البقرة : ١١٣.

(٦) آل عمران : ٤٠.

(٧) آل عمران : ٤٧.

(٨) مريم : ٩.

٢٨٧

وأما قوله : (كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ) (١) إن (٢) شئت كان وصفا لمصدر قوله : (وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ) (٣) على تقدير : إتماما مثل إرسالنا الرسول. وإن شئت كان من صلة قوله : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) (٤) أي : ذكرا مثل إرسالنا الرسول.

وأما قوله : (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ) (٥) فإن شئت كان صفة لمصدر خبر مبتدأ تقدم / ذكره ، على تقدير : (قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) (٦) أي : الأنفال ثابتة لله ثبوتا كثبوت إخراج ربك إياك من بيتك.

وإن شئت : فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم إصلاحا مثل إخراجك من بيتك.

وأما قوله تعالى : (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) (٧) أي : تعودون عودا مثل بدئنا إياكم ، كقوله : (بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ) (٨).

وعلى هذا قياس كاف التشبيه فى التنزيل ، وهذا نوع آخر من حذف الموصوف.

ومن ذلك (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) (٩) فريق ـ (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ) (١٠) فحذف الموصوف وجعل (يَوَدُّ) وصفا له.

__________________

(١) البقرة : ١٥١.

(٢) الأصل : «وإن».

(٣) البقرة : ١٥٠.

(٤) البقرة : ١٥٢.

(٥) الأنفال : ٥.

(٦) الأنفال : ١.

(٧) الأعراف : ٢٩.

(٨) الأنبياء : ١٠٤.

(٩) البقرة : ٩٦.

٢٨٨

وقدّره آخرون : ولتجدنهم ومن الذين أشركوا ، أي : ولتجدنهم وطائفة من الذين أشركوا أحرص الناس ؛ فهو وصف لموصوف منصوب معطوف على مفعول (لَتَجِدَنَّهُمْ).

وقدره الفرّاء : من يود. و «من» إن كان موصولا فلا يجوز إضماره ، وإن كان موصوفا جاز إضماره ، كقول حسّان :

فمن يهجو رسول الله منكم

ويمدحه وينصره سواء

أي : من يمدحه ومن ينصره. ويكون «من» موصوفا. ومن لم يقف على «حياة» ، فإنما أدخل «من» على قوله : (وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) (١) حملا على المعنى. إذ المعنى : ولتجدنهم أحرص من الناس ومن الذين أشركوا.

ومن ذلك قوله تعالى : (مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ) (٢) قال أبو على : ومنالذين هادوا فريق يحرف الكلم ، فحذف الموصوف ، كما قال : (وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ) (٣) أي : ومن آياته آية يريكم البرق دليله قوله : (وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ) (٤) أي : سماعون من أجل الكذب. أي : يسمعون ليكذبوا عليك ويحرفوا ما سمعوا. فقوله «يحرفون» صفة لقوله «سماعون» وليس بحال من الضمير الذي فى «يأتوك».

ألا ترى أنهم إذا لم يأتوا لم يسمعوا فيحرفوا ، وإنما التحريف ممن يشهد ويسمع ثم يحرف.

__________________

(١) البقرة : ٩٦.

(٢) النساء : ٤٦.

(٣) الروم : ٢٤.

(٤) المائدة : ٤١.

٢٨٩

وإذا كان كذلك فالمحرفون من اليهود بعضهم ، وإذا كانوا بعضهم لا جميعهم كان حمل قوله : (مِنَ الَّذِينَ هادُوا) فريق (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ) أشبه من حمله على ما أجبنا نحن به أحد شيوخنا ، لأنه لهذه الآية أوفق.

* يعنى بذلك حين سأله أحد شيوخه عن تعلق (مِنَ) فى قوله : (مِنَ الَّذِينَ هادُوا) (١) فأجابه بأنه يتعلق ب «نصير» من قوله (وَكَفى بِاللهِ نَصِيراً) (٢). كقوله (فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللهِ إِنْ جاءَنا) (٣) فإن قلت : فلم لا نجعل قوله (يُحَرِّفُونَ) (٤) حالا منها فى (لَمْ يَأْتُوكَ) (٥) على حد (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ) (٦) أي مقدرا البلوغ فيه ، فإن الذي قدمناه أظهر إن شاء الله (٧).

ومن حذف الموصوف ، قوله : (أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) (٨) أي : قوما حصرت صدورهم ، فحذف الموصوف وقدر «قوم» فيه. أي : قد حصرت صدورهم ، ليكون نصبا على الحال. وقال قوم : هو على الدعاء.

ومن حذف الموصوف قوله : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) (٩) أي : عشر حسنات أمثالها. فحذف الموصوف. وفيه وجهان آخران نخبرك عنهما فى بابيهما إن شاء الله.

ومن حذف الموصوف قوله تعالى : (وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ) (١٠) أي : شىء من نبأ المرسلين. لا بد من هذا التقدير ، لأنك لو لم تقدر هذا

__________________

(١) النساء : ٤٦.

(٢) النساء : ٤٥.

(٣) المؤمن : ٢٩.

(٤) المائدة : ٤١.

(٥) المائدة : ٩٥.

(٦) يبدو أن هذه العبارة التي بين النجمتين من تعليق قارئ.

(٧) النساء : ٩٠.

(٨) الأنعام : ١٦٠.

(٩) الأنعام : ٣٤.

٢٩٠

لوجب عليك تقدير زيادة «من» فى الواجب ، وليس (١) مذهب صاحب الكتاب.

ومثله قراءة من قرأ : (يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ) (٢) بالجر. تقديره : وشىء من نحاس. فحذف الموصوف ، إذ لا يجوز جر «نحاس» على النار ، لأن النحاس لا يكون منه شواظ.

ومن حذف الموصوف قوله : (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) (٣) أي: ما أنتم بمعجزين من فى الأرض. «فمن» موصوف ، وقد حذفه.

ومن حذف الموصوف : (وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها) (٤) أي (وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً (٥) ... وَدانِيَةً) أي : وجنة دانية ، فحذف الموصوف.

ومثله (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) (٦) أي ما منّا أحد إلا ثابت له مقام ، فالظرف صفة ل «أحد» المضمر. ولا بد من تقديره ليعود الهاء إليه ، وهذا يدل على قول الفقهاء حيث قالوا فيمن قال لعبده : إن كان فى هذا [البيت] إلا رجل فأنت حر. فإذا كان فيه رجل والصبى فإنه يحنث ؛ لأن التقدير : إن كان فى / هذا البيت أحد إلا رجل والصبى من جملة الأحد ، إلا أن يعنى أحدا من الرجال ، فيدّين إذ ذلك.

والذي يقوله النحويون فى قولهم «ما جاءنى إلا زيد» : «زيد» فاعل ل «جاء» و «أحد» غير مقدر ، وإن كان المعنى عليه ؛ لأن تقدير «أحد» يجوّز نصب زيد ، ولم يرد عن العرب نصبه فى شىء من كلامهم بتة.

__________________

(١) في الأصل : «فليس».

(٢) الرحمن : ٣٥.

(٣) العنكبوت : ٢٢.

(٤) الإنسان : ١٤.

(٥) الإنسان : ١٢.

(٦) الصافات : ١٦٤.

٢٩١

وحذف «أحد» جاء فى التنزيل ، وإن لم يكن موصوفا ، كقوله (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ) (١) والتقدير : وإن من أهل الكتاب أحد.

كذا : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) (٢) أي : إن منكم أحد.

وإن جعلت الظرفين فى الآيتين وصفا ل «أحد» على تقدير : وإن أحد ثابت من أهل الكتاب ، وإن أحد منكم إلا واردها ، كان وجها.

وإن طلبت شاهدا على حذف «أحد» من أشعارهم ، فقد أنشد سيبويه :

لو قلت ما فى قومها لم تيثم

يفضلها فى حسب وميسم (٣)

أي : ما فى قومها أحد يفضلها.

ولفظ سيبويه فى ذلك : وسمعنا بعض العرب الموثوق به يقول : ما منهم مات حتى رأيته فى حال كذا وكذا. وإنما أراد : ما منهم أحد مات ، ومثل ذلك (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) (٤) ومثل ذلك فى الشعر للنابغة (٥) :

كأنّك من جمال بنى أقيش

يقعقع خلف رجليه بشنّ (٦)

أي : كأنك جمل من جمال بنى أقيش.

__________________

(١) النساء : ١٥٩.

(٢) مريم : ٧١.

(٣) البيت للنابغة ، والشاهد فيه : حذف الاسم والتقدير : أو قلت ما في قومها أحد يفضلها لم تكذب فنأثم. والميسم : الجمال. وكسر تاء تأثم على لغة من يكسر تاء تفعل فانقلبت التاء ياء (الكتاب ١ : ٣٧٥).

(٤) النساء : ١٥٩.

(٥) الشاهد فيه : حذف الاسم لدلالة حذف التبعيض عليه ، والتقدير كأنك جميل من هذا الجمال. وبنو أقيش حي من اليمن في إبلهم نفار ، ويقعقع يصوت والقعقعة صوت الجلد البالي ، وهو الفتن.

٢٩٢

ومن ذلك قوله تعالى : (وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ) (١) والتقدير : وقوم أخذنا ميثاقهم ، فحذف الموصوف وأقام الصفة مقامه. وقيل : إن التقدير : وأخذنا من الذين قالوا إنا نصارى ميثاقهم ، ففصل بين الواو والفعل. وقيل : هو محمول على قوله : (وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ) (٢) (وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا) (٣) ، فحمل على المعنى.

ومن ذلك قوله : (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ) (٤) أي : قوم مردوا (وَآخَرُونَ) (٥) (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا) (٦). والمعنى : ومنهم آخرون ، ومنهم الذين اتخذوا.

ومن ذلك قوله : (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) (٧) أي : كبرت كلمة تخرج ، فحذف وأقام الجملة مقامه.

قال أبو علىّ / : يحتمل ضربين :

أحدهما : أن يكون فى «كبرت» ضمير مما جرى من اتخاذ الولد ، وأنث على المعنى ، لأن ذلك «كلمة» فعلى هذا لا يكون بمنزلة «نعم» ، لأن فاعل «نعم» لا يكون معهودا. وتكون «كلمة» على هذا منتصبة على الحال. كما أن «مقتا» فى قوله (كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا) (٨) حال.

__________________

(١) المائدة : ١٤.

(٢) المائدة : ١٢.

(٣) المائدة : ١٤.

(٤) التوبة : ١٠١.

(٥) التوبة : ١٠٢ ، ١٠٦.

(٦) التوبة : ١٠٧.

(٧) الكهف : ٥.

(٨) الصف : ٣.

٢٩٣

ويجوز أن تجعله بمنزلة «نعم» وتضمر فيها شائعا كما تضمر فى : نعم رجلا. فإذا جعلته كذلك احتمل قوله : (تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) (١) أمرين ، ولكن لا بد منها لتبيين الضمير.

والآخر : أن يكون صفة للمخصوص بالذم وقد حذف ، والتقدير : كبرت الكلمة كلمة تخرج من أفواههم ، فحذف المخصوص بالذم ، لأنه إذا جاز أن يحذف بأسره فى نحو : نعم العبد ، كان أن يحذف وتبقى صفتها أجود. وإن جعلت قوله (تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) (٢) صلة ل «كلمة» المذكورة ، كان المخصوص بالذم مرادا ، ويكون ذلك قولهم (اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) (٣) فحذف ولم يذكر لجرى ذكرها ، كما لم يذكر «أيّوب» فى قوله (نِعْمَ الْعَبْدُ)(٤) لجرى ذكره.

ومن ذلك قوله تعالى : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) (٥) أي : قولا ذا حسن ، فحذف الموصوف وأقام الصفة مقامه بعد حذف المضاف. ومن قرأ (حسنا) فالتقدير : قولا حسنا.

قال أبو على : وحسن ذلك فى حسن ، لأنه ضارع الصفة التي تقوم مقام الأسماء ، نحو : الأبرق ، والأبطح ، والأبتر (٦). ثم يقولون : هذا حسن ، ومررت بحسن ، ولا يكادون يذكرون معه الموصوف.

__________________

(١) الكهف : ٥.

(٢) الكهف : ٤.

(٣) ص : ٤٤.

(٤) البقرة : ٨٣.

(٥) في الأصل : «عبد الأبتر».

٢٩٤

ومثل ذلك فى حذف الموصوف قوله : (قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً) (١) أي متاعا قليلا ، يدلّك على ذلك قوله : (قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ) (٢).

وقوله : (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ* مَتاعٌ قَلِيلٌ) (٣) يحسّن هذا ، وإن كان قد جرى على الموصوف فى قوله : (إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ) (٤). وكذلك يحسن فى قوله : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) (٥).

أما قوله : (ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ) (٦) فينبغى أن يكون اسما ، لأنه قد عودل به ما لا يكون إلا اسما ، وهو السوء.

وأما قوله : (وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً) (٧) فيمكن أن يكون : / أمرا ذا حسن ، ويمكن أن يكون : الحسن ، مثل الحلو.

ومن ذلك قوله : (فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ) (٨) أي : إيمانا قليلا يؤمنون. ف «قليلا» صفة إيمان ، وقد انتصب ب «يؤمنون» أعنى : إيمانا.

وكذلك قوله : (قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) (٩) أي : تذكرا قليلا تذكرون. و (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) (١٠) أي : شكرا قليلا تشكرون.

__________________

(١) البقرة : ١٢٦.

(٢) النساء : ٧٧.

(٣) آل عمران : ١٩٦ ، ١٩٧.

(٤) الشعراء : ٥٤.

(٥) البقرة : ٨٣.

(٦) النمل : ١١.

(٧) الكهف : ٨٦.

(٨) البقرة : ٨٨.

(٩) الأعراف : ٣.

(١٠) الأعراف : ١٠.

٢٩٥

ومعنى (فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ) (١) أي : الإيمان لهم ، لأن القلة يراد به النفي.

قال سيبويه : قلّ رجل يقول ذاك إلا زيد. والمعنى : ما رجل يقول ذاك إلا زيد. فزيد لا يجوز فيه إلا الرفع لأنه منفى ؛ وكذلك : قلّما سرت حتى أدخلها ، بالنصب. كما تقول : ما سرت حتى أدخلها.

وأما قوله : (فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً) (٢). فقد قال أبو على : قلة إيمانهم قولهم : الله ربّنا ، والجنّة والنّار حقّ. وليس هذا بمدح إيمانهم ، إذ ليس القدر مما يستحق به الجنة ، ولا يكون التقدير إلا جماعة قليلا لقوله : (لَعَنَهُمُ اللهُ) (٣). فعمّهم باللعن. وإنما التقدير: إيمانا قليلا.

وأما قوله : (كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ) (٤) أي : قليلا فى العدد من الليل لم يهجعوا ، عن الضحّاك ، وهو ضعيف. لأنه قدّم الجار على المنفي.

وقيل : كانوا قليلا هجوعهم ، و «ما» مصدرية ، فتكون بدلا من الضمير فى «كانوا» ، أي : يرتفع بالظرف. و (قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ) (٥) خبره ، لأنه حدث والجملة فى موضع خبر «كان».

قال الشيخ : هذا سهو منه ، لأنه إذا ارتفع بالظرف لم يرتفع بالابتداء ، وإذا لم يرتفع بالابتداء لم يكن «قليلا» خبرا ، لا سيما و «قليلا» منصوب ، فكيف يكون خبر «ما» ، إنما نصبه لأنه خبر «كان».

__________________

(١) البقرة : ٨٨.

(٢) النساء : ١٥٥.

(٣) النساء : ٥٢.

(٤) الذاريات : ١٧.

٢٩٦

ولا يمتنع أن يكون «قليلا» خبرا عن «ما» وصلته ، وإن لم يجز أن يكون خبرا عن المبدل منه ؛ لأن المقصود الآن هو البدل.

ولا يجوز أن يرتفع «ما» ب «قليل» ، وهو موصول بالظرف ؛ لأن «القليل» لما وصلت به من قوله (مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ) (١) قد دل على أنه ليس بصفة الهجوع ، إنما القلّة لّليل.

وإن علقت «من الليل» «بكانوا» أو ب «قليل» «ما» نفى لم يجز ، ألا ترى أن «قليلا» على هذا الخبر للضمير الذي فى «كانوا» / ولا يكون من «الليل» فلا يتعلق أيضا ب «كانوا» على حد قولك : «كانوا من اللّيل».

ولم يرض أبو على أن يكون (مِنَ اللَّيْلِ) مثل قوله : (مِنَ الزَّاهِدِينَ) (٢) (وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) (٣).

قال أبو على : فى الآي التي تقدم ذكرها فصل (٤) نقلته لك ، وهو أنه قال فى قوله (فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ) (٥) ، أي : فلا يؤمنون إلا إيمانا قليلا ، كما تقول : ضربته يسيرا وهينا.

وقال : (وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ) (٦) أي : المكرات السيئات.

ويجوز أن يكون (فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً) أي : لا يؤمنون إلا نفرا قليلا ، كقوله : (وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ) (٧). فهذا قلة فى العدد ، ويكون حالا. ولا يراد به القلة التي هى الوضع ، والتي هى خلاف الكثرة فى قوله :

وأنت كثير يا ابن مروان طيّب

__________________

(١) الذاريات : ١٧.

(٢) يوسف : ٢٠.

(٣) الأنبياء : ٥٦.

(٤) في الأصل : «فصلا».

(٥) البقرة : ٨٨.

(٦) فاطر : ١٠.

(٧) هود : ٤٠.

٢٩٧

وما روى من قوله : المرء كثير بأخيه ، لأن ذلك لا يوصف به المؤمنون. وعكسه : (فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً) (١).

فأما قوله : (وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً) (٢) فيكون العدد من الذل ؛ لأنهم لكفرهم لا يكثرون عند البأس ، فهم خلاف الأنصار الذين قال فيهم : إنكم لتكثرون عند الفزع ، وتقلّون عند الطّمع.

وقوله تعالى : (عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ) (٣) ليس هو من قلة العدد ، كأنه : عن زمان قليل يندمون. و «عمّا» متعلق بمحذوف يدل عليه (لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ) (٤).

ومن حذف الموصوف قوله : (نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ) (٥) أي : نعم شيئا يعظكم به موعظته ، فحذف المخصوص بالمدح ، وكلاهما حسن.

ومنه قوله : (وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ) (٦) ، أي : فرقة خائنة. وقيل : على خيانة. وقيل : الهاء للمبالغة.

فأما قوله : (فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ) (٧) أي : بالصيحة الطاغية. فحذف الموصوف.

__________________

(١) الإسراء : ٨٩.

(٢) الأحزاب : ١٨.

(٣) المؤمنون : ٤٠.

(٤) النساء : ٥٨.

(٥) المائدة : ١٣.

(٦) الحاقة : ٥.

٢٩٨

وقيل : بفعل النفس الطاغية. فحذف المضاف والموصوف ، وهو عاقر الناقة.

وقيل : بل الطاغية للطغيان ؛ أي : أهلكوا بطغيانهم كالكاذبة. وقال : (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها) (١). وقيل : بالذنوب الطاغية ، أي : المطغية.

ولما قال : (وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ) (٢) فذكر العذاب ، اقتضى ذلك الوجه الأول ، كى يكون المعطوف كالمعطوف عليه.

/ واعلم أن فاعلة التي بمنزلة «العافية» و «العاقبة» أريتك فى هذه الآي الثلاث «الخائنة» و «الكاذبة» و «الطاغية». وفى آيتين «الخالصة» فى قوله :

(ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ) (٣) أي : ذات خلوص.

وقال : (إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ) (٤) ، أي : بإخلاصهم أو بالخلوص لهم ، (ذِكْرَى الدَّارِ). فهذه خمسة مواضع حضرتنا الآن.

ومثله «الكافة» فهو كالعافية والعاقبة ، ونحوه. ويدل عليه قوله : (ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) (٥) فأوقع على الجماعة. وقال : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً) (٦).

__________________

(١) الشمس : ١١.

(٢) الحاقة : ٦.

(٣) الأنعام : ١٣٩.

(٤) ص : ٤٦.

(٥) البقرة : ٢٠٨.

(٦) سبأ : ٢٨.

٢٩٩

ومثله «الفاحشة» فى قوله : (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً) (١) وقوله : (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ) (٢). هى فاعلة بمعنى المصدر ، عن أبى على وعن غيره ، بل هى صفة موصوف محذوف ، أي : فعلوا خصلة فاحشة ، وأن يأتين بخصلة فاحشة.

ومثله (لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً) (٣) قيل : «لغوا» مثل العافية. وقيل : كلمة لاغية. وقيل : قائل لغو.

ومثله قوله تعالى : (أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ) (٤) (أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً) (٥) أو ناخره ، نردّ فى الحافرة. ف «إذا» فى موضع نصب بهذا الفعل. و «الحافرة» مصدر كالعاقبة ، والعافية ، و (لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ) (٦) كأنه أراد نردّ إلى الطريق الذي حفرناه بسلوكنا.

ومن حذف الموصوف جميع ما جاء فى التنزيل من قوله : (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) (٧) والتقدير : وعملوا الخصال الصالحات.

كما أن السيئات فى قوله : (وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا) (٨) و (نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) (٩) أي : الخصال السيئات.

__________________

(١) آل عمران : ١٣٥.

(٢) النساء : ١٩.

(٣) الغاشية : ١١.

(٤) النازعات : ١٠ و ١١.

(٥) الواقعة : ٢.

(٦) البينة : ٧.

(٧) آل عمران : ١٩٣.

(٨) النساء : ٣١.

٣٠٠