إعراب القرآن - ج ١

الزجّاج

إعراب القرآن - ج ١

المؤلف:

الزجّاج


المحقق: ابراهيم الأبياري
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٨

أما الوجه الأول فلأن المعنى يصير : قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به. والقتال وإن كان كبيرا فيمكن أن يكون صدا ، لأنه ينفر الناس عنه ، فلا يجوز أن يكون كفرا ، لأن أحدا من المسلمين لم يقل ذلك ، ولم يذهب إليه. فلا يجوز أن يكون خبر المبتدأ شيئا لا يكون المبتدأ ، ويمنع من ذلك أيضا بعد (وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ) (١) ومحال أن يكون إخراج أهله منه أكبر من الكفر ، لأنه لا شىء أعظم منه.

ويمتنع الوجه الثاني أيضا ، لأن التقدير فيه يكون : قتال فيه كبير ، وكبير الصد عن سبيل الله والكفر به ، وكذلك مثّله الفراء وقدّره ، فإذا صار كذلك ، فكأن المعنى : وإخراج أهل المسجد الحرام أكبر عند الله من الكفر ، فيكون بعض خلال الكفر أعظم منه كله ، وإذا كان كذلك امتنع الأول ، وإذا امتنع مذان ثبت الوجه الثالث ، وهو أن يكون قوله (وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) ابتداء و «كفر به وإخراج أهله» معطوفان عليه ، و «أكبر» خبر. فيكون المعنى : وصد عن سبيل الله ، أي : منعهم لكم أيها المسلمون عن سبيل الله وعن المسجد الحرام وإخراجكم منه وأنتم ولاته ، والذين هم أحق به منهم ، وكفر بالله أكبر من قتال فى الشهر الحرام.

وأما قوله تعالى : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ)(٢). قرئ : (وَالْأَنْصارِ) بالرفع : على أن يجعل «الأنصار» ابتداء ، ولا تجعلهم من السابقين الذين هم المهاجرون. دليل هذه القراءة قوله

__________________

(١) البقرة : ٢١٧.

(٢) التوبة : ١٠٠.

٢٠١

(وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ) (١) والذين جاءوا من بعدهم الأنصار. و «الذين» فى موضع جر ، لأنه معطوف / على قوله (لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ) (٢) ، ففى الآية دلالة من وجهين على أن المهاجرين هم السابقون : فى قوله (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ) (٣) وقوله / : (الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ) (٤).

وعلى هذا ما روى عن خالد بن الوليد أنه قال لعماّر : إن كنت أقدم منى سابقة فليس لك أن تنازعنى. فالسابقون على هذا هم المهاجرون من دون الأنصار. ويقوّى ذلك ما روى من قوله عليه‌السلام : لو لا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار.

ووجه الجر فى (الْأَنْصارِ) أن يجعل (الْأَنْصارِ) مع المهاجرين السابقين. والمعنى: أن كلا القبيلين سبقوا غيرهم ممن تأخر عن الإيمان إلى الإيمان.

ويقوّى هذه القراءة أن فى بعض الحروف : «من المهاجرين ومن الأنصار». حكاه أبو الحسن.

وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ) يجوز أن يكون مبتدأ ويكون الخبر (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ).

ويجوز أن يكون : (وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ) عطفا على الصّنفين المتقدمين.

وإذا رفعت (الْأَنْصارِ) بالابتداء يكون التقدير : هؤلاء فى الجنة. فأضمر الخبر.

__________________

(١) الحشر : ١٠.

(٢) الحشر : ٨.

٢٠٢

ويجوز أن يكون : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ) أي : وفيما يتلى عليكم والسابقون الأولون ، أو : منهم.

وأما قوله تعالى : (وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ) (١) الجارّ يتعلق بمحذوف خبر ثان ل «أنّ» ولا يتعلق ب «بادون» إلا أن تعنى أنهم خرجوا إلى البدو وفيهم.

ويجوز أن يكون حالا من الضمير فى (بادُونَ).

ويجوز فى (يَسْئَلُونَ) أن يكون صفة للنكرة ، وأن يكون حالا مما فى (بادُونَ) حكاية لحال ، أو من باب : «صائدا به غدا» من قولك : مررت برجل معه صقر صائدا به غدا. وقوله (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ) (٢).

ومن ذلك قوله تعالى : (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ) (٣) ، التقدير : بل هم عباد مكرمون ، فأضمر المبتدأ.

فأما ما ذهب إليه أبو إسحاق فى قوله تعالى : (لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) (٤) من أنه يجوز أن يرتفع (جَنَّاتٌ) بإضمار مبتدأ على تقدير : ذلك جنات تجرى من تحتها الأنهار ، فحذف المبتدأ ، فباطل أن يبقى قوله (خالِدِينَ فِيها) لا ناصب له ولا عامل يعمل فيه ، وإنما يرتفع (جَنَّاتٌ) بالظرف ، على قول الأخفش / فيكون (خالِدِينَ) حالا من المجرور باللام.

__________________

(١) الأحزاب : ٢٠.

(٢) المائدة : ٩٥.

(٣) الأنبياء : ٢٦.

(٤) آل عمران : ١٥.

٢٠٣

وإن رفعته بالابتداء وجعلت فى الظرف ضميرا كان الحال عنه.

ومن ذلك قوله تعالى : (مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ) (١).

قال أبو على : يبيّن أن الخبر محذوف فى نحو قوله :

(مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ) ظهوره فى قوله :

لا شىء فى ريدها إلّا نعامتها

منها هزيم ومنها قائم باقى (٢)

وكذلك : «منها قسىّ وزائف» (٣).

لا يكون إلا على إضمار «منها» لأن «القسي» غير الزائف.

كما أن «الهزيم» غير «القائم». فكذلك ، الحصيد «غير ، القائم» والتقدير : ومنها حصيد.

ومن ذلك قوله ـ فى قول أبى إسحاق ـ : (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) (٤) أي : إنهما ساحران ، فحذف المبتدأ. وإنما أضمره عنده وعند عالمه لأنه يرى أن «إنّ» بمعنى نعم ، و «هذان» مبتدأ. فلو حمل على الظاهر لدخل اللام على الخبر فأضمر المبتدأ.

فقال أبو على : ليس هذا بصحيح ؛ لان الإضمار ضد التأكيد ، واللام للتأكيد. فإنما تلا هذا على لغة من قال :

إنّ أباها وأبا أباها

قد بلغا فى المجد غايتاها

__________________

(١) هود : ١٠٠.

(٢) الريد : حرف من حروف الجبل. والنعامة : ما نصب من خشب يستظل به. والهزيم : المتكسر. والبيت من قصيدة تأبّط شرا.

(٣) جزء من بيت لمزرد. والبيت بتمامه :

ما زودوني غير سحق عمامة

وخمس مئى منها قسي وزائف

القسي : الدرهم الرديء.

(٤) طه : ٦٣.

٢٠٤

ومن ذلك قوله تعالى : (ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً) (١) قال أبو على : «هذا» خبر مبتدأ وليس بصفة ل «مثل» ، بدلالة قوله : (كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ) (٢) فى الأخرى.

ومن ذلك قوله تعالى : (عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ) (٣) أي : هى عوان ، ويكون (بَيْنَ ذلِكَ) بدلا من (عَوانٌ) كحامض بعد حلو.

ومن ذلك قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً) (٤) فقوله : (مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) أي : هو ابن مريم ، خبر ابتداء مضمر.

قال أبو على : بنبغي أن يكون (عِيسَى) بدلا من (الْمَسِيحُ) من المبدل الذي هو هو ، ولا يكون إلا كذلك. ألا ترى أن المسيح اسم ، وأن الاسم مبتدأ ، فيجب أن يكون خبره. إذا كان مفردا. شيئا هو هو فى المعنى ، ولا يجوز أن يكون (عِيسَى) خبرا أيضا من حيث كان الاسمان له ، لأنه لو كان كذلك لكان أسماه على المعنى أو أسماه على الكلمة. وإذا كان على ما ذكرنا لم يجز أن يكون (ابْنُ مَرْيَمَ) وصفا لعيسى فى هذا الموضع ، وإن كان يجوز أن يكون وصفا له فى غير / هذا الموضع ، وإنما كان كذلك لأن «عيسى» هنا عبارة عن غير شخص. ألا ترى أنه خبر عن الاسم ، والاسم لا يكون الشخص ، فوجب من هذا أن يكون (ابْنُ مَرْيَمَ) فى هذه الآية خبر مبتدأ محذوف. أو مبتدأ محذوف الخبر ، أي هو ابن مريم ، أو ابن مريم هذا المذكور.

__________________

(١) البقرة : ٢٦.

(٢) المدثر : ٣١.

(٣) البقرة : ٦٨.

(٤) آل عمران : ٤٥.

٢٠٥

ومن ذلك قوله تعالى : (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ) (١) أي : منها مقام إبراهيم.

وأما قوله تعالى : (إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ) (٢) «إذا» للمفاجأة و «فريق» مبتدأ ، و «إذا» خبره ، و «يخشون» خبر ثان. أو حال من الضمير في «إذا» عند سيبويه ، وعند الأخفش من «فريق». أي : فبالحضرة فريق.

وأما قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ) (٣) ف «من» استفهام مرفوع بالابتداء ، وخبره «يضل» ، ويجوز فيه النصب بفعل مضمر (٤) ، ولمجىء الجار فى موضع آخر.

ومثله : (أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى) (٥) و (أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى) (٦) من هو؟ ومن يكون؟

ومن ذلك قوله تعالى : (أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ) (٧) فمن فتح الواو كان الخبر مضمرا ، أي : مبعوثون. أو يكون محمولا على موضع «أن» ، أو على الضمير فى «مبعوثون».

ومنه قوله تعالى : (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ) (٨) أي : عن اليمين قعيد ، وعن الشمال قعيد.

ومن ذلك قوله : (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ) (٩) فيمن قصر ، عن ابن كثير والحسن.

وتقديره : لأنا أقسم. فاللام لام المبتدأ والمبتدأ محذوف. هذا هو الصحيح.

__________________

(١) آل عمران : ٩٧.

(٢) النساء : ٧٧.

(٣) الأنعام : ١١٧.

(٤) القصص : ٨٥.

(٥) الأصل : «مضمر كالقوانس».

(٦) القصص : ٣٧.

(٧) الواقعة : ٤٨.

(٨) ق : ١٧.

(٩) القيامة : ١.

٢٠٦

واضطرب كلامه فقال مرة : اللام لام القسم ، وإن لم يدخل النون واحتج بأن النون ينفرد عن اللام ، واللام ينفرد عن النون ، كقوله (١).

وقال مرة : إنها ردّ (٢). ثم رجع عن هذا ، وتذكر قول الخليل فى قوله : (وَالشَّمْسِ وَضُحاها. وَالْقَمَرِ) (٣) من أن القمر لا يدخل على القسم ، فقال : اللام زيادة ، مثلها فى قراءة ابن جبير (إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ) (٤) بالفتح ، وقوله :

ولكنّنى من حبّها لكميد (٥)

وبيت آخر فى ديوان ابن الأعرابى.

ومن ذلك قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ) (٦).

فقوله (طَوَّافُونَ) خبر مبتدأ مضمر ، أي : أنتم طوافون. وقوله (بَعْضُكُمْ) / بدل من الضمير فى قوله (طَوَّافُونَ) أي : أنتم يطوف بعضكم على بعض. هذا أيضا من طرائف العربية ، لأن الضمير فى قوله (طَوَّافُونَ) يعود إلى «أنتم» وأبدل منه قوله (بَعْضُكُمْ). وقد مررت بك المسكين ، ممتنع. ولكن يكون من باب قوله : «وما ألفيتنى حلمى (٧)» «وأوعدنى رجلى»

وزعم الفراء أن التقدير : هم طوّافون ، وأنت لا تقول : هم يطوف بعضكم على بعض. ولو قلت : إن المبدل منه فى تقدير الثبات. «كحاجبيه معين» فربما يمكن أن يقال ذلك.

__________________

(١) كذا في الأصل. وظاهر أن للكلام بقية.

(٢) أي رد لكلامهم حيث أنكروا البعث.

(٣) الشمس : ١ و ٢.

(٤) الفرقان : ٢٠.

(٥) المحفوظ : ولكنني من حبها لعميد.

(٦) النور : ٥٨.

(٧) من رجز. هو : أوعدني بالسجن والأداهم رجلي ورجله شثنة المناسم. أي : أوعدني بالسجن وأوعد رجلي بالأداهم.

٢٠٧

وحمل قوم قوله : (بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ) على الابتداء والخبر ، أي بعضكم من بعض ، وجعل (عَلى) بمنزلة «من».

وقال قوم : يدخل بعضكم على بعض ، فأضمر «يدخل» لأن ذكر الطواف يدل عليه.

وأما قوله تعالى : (قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ) (١) فقد قال أبو على فى نصب الأول: إنه لم يحك شيئا تكلموا به فيحكى كما تحكى الجمل. ولكن هو معنى ما تكلمت به الرسل ، كما أن [المؤذن] (٢) إذا قال : لا إله إلا الله. قلت : حقا ، وقلت : إخلاصا ، أعملت القول فى المصدرين ، لأنك ذكرت معنى ما قال ولم تحك نفس الكلام الذي هو جملة تحكى ، فلذلك نصب (سَلاماً) فى قوله : (قالُوا سَلاماً) ، لما كان معنى ما قيل ولم يكن نفس المقول بعينه.

وقوله : (قالَ سَلامٌ) أي : أمرى سلام ، كقوله : (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ) (٣) (وَقُلْ سَلامٌ) أي : أمرى سلام ، فحذف المبتدأ ، وقدر مرة حذف الخبر ، أي : سلام عليكم ، كما حذف من قوله (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) (٤) يبين ذلك قوله تعالى : (وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) (٥).

وأكثر ما يستعمل (سَلامٌ) بغير ألف ولام ، وذلك أنه فى موضع الدعاء. فهو مثل قولهم : خير بين يديك ؛ لما كان المعنى المنصوب استجيز فيه الابتداء بالنكرة.

ومن ذلك قوله تعالى : (قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي) (٦)

__________________

(١) هود : ٦٩.

(٢) بمثل هذه الكلمة يستقيم الكلام.

(٣) الزخرف : ٧٩.

(٤) يوسف : ١٨ ، ٨٣.

(٥) القصص : ٥٥.

(٦) مريم : ٤٧.

٢٠٨

وقال : (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (٢٣) سَلامٌ عَلَيْكُمْ) (١).

وقال : (سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ) (٢). (سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ) (٣) (وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى) (٤).

وقد جاءت بالألف واللام ، قال الله تعالى حكاية عن عيسى عليه‌السلام : (وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ) (٥) فمن ألحق / الألف واللام حمله على العهد ، ومن لم يلحقه حمله على غير المعهود.

قال سيبويه : وزعم أبو الخطاب أن قولك للرجل «سلاما» وأنت تريد : تسلما منك ، كما تقول : براءة منك ، تريد : لا ألتبس بشىء من أمرك. وزعم أن أبا ربيعة كان يقول : إذا لقيت فلانا فقل له سلاما. فزعم أنه سأله ، وفسر له معنى ، براءة منك. وزعم أن هذه الآية (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً) (٦) بمنزلة ذلك ؛ لأن الآية فيما زعموا مكية ، ولم يؤمر المسلمون يومئذ أن يسلّموا على المشركين ، ولكنه على قولك ، براءة منكم ، أو تسلما لا خير بيننا وبينكم ولا شر. انتهت الحكاية عن سيبويه (٧).

وفى كتاب أبى على هذا غلط ، وإيضاح هذا ووجهه (٨) أنه لم يؤمر المسلمون يومئذ بقتال المشركين ، إنما كان شأنهم المتاركة ، ولكنه على قوله براءة.

ومما يقرب من هذا الباب قول عديّ :

أنت فانظر لأيّ ذاك تصير (٩)

__________________

(١) الرعد : ٢٣ و ٢٤.

(٢) الصافات : ٧٩.

(٣) الصافات : ١٠٩.

(٤) النمل : ٥٩.

(٥) مريم : ٣٣.

(٦) الفرقان : ٦٣.

(٧) الكتاب (١ : ٤٦٣).

(٨) الأصل : «ووجوهه».

(٩) البيت مطلع قصيدة لعدي بن زيد العبادي الشاعر ، وهو :

أرواح مودع أم بكور

لك فاعمد لأي حال تصير

٢٠٩

ذكر فيه وجوها ، منها حمله على حذف الخبر ، أي : أنت الهالك ؛ ولم يحمله على حذف المبتدأ ، على تقدير : هذا أنت ، لأنك لا تشير إلى المخاطب ، إلى نفسه ، ولا تحتاج إلى ذلك ، فإنما تشير إلى غيره. ألا ترى أنك لو أشرت إلى شخصه فقلت : هذا أنت ، لم يستقم.

وقال فى حد الإضمار : وزعم الخليل أن «ها» هاهنا التي مع «ذا» إذا قلت : هذا ، وإنما أرادوا أن يقولوا : هذا أنت ، ولكنهم جعلوا أنت بين «ها» و «ذا» وأرادوا أن يقولوا : أنا هذا ، وهذا أنا. فقدّموها وصارت : أنت وأنا بينهما.

وزعم أبو الخطاب أن العرب الموثوق بهم يقولون : أنا هذا ، وهذا أنا. وبمثلها قال الخليل هذا البيت :

انا اقتسمنا المال نصفين بيننا

فقلت لها هذا لها وهذا ليا (١)

كأنه أراد أن يقول : وهذا ليا ، فصير «الواو» بين «ها» و «ذا» ، زعم أن مثل ذلك : أي ها الله ذا ، إنما هو هذا. وقد يكون «ها» فى : ها أنت ذا ، غير مقدمة ، وإنما تكون بمنزلتها [للتنبيه] (٢) فى «هذا». يدلك على ذلك قوله تعالى : (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ) (٣) / فلو كانت «ها» هاهنا هى التي تكون أولا إذا قلت «هؤلاء» لم تعد «ها» هاهنا بعد «أنتم».

حدثنا يونس تصديقا لقول أبى الخطاب أن العرب تقول : هذا أنت تقول كذا وكذا ، ولم ترد بقولك : هذا أنت ، أن تعرفه نفسه ؛ كأنك تريد أن تعلمه أنه ليس غيره. هذا محال. ولكنه أراد أن ينبههه كأنه قال : الحاضر عندنا أنت ، والحاضر القائل كذا وكذا أنت وإن شئت لم تقدم «ها» فى هذا

__________________

(١) البيت للبيد وهو كما في الكتاب لسيبويه (١ : ٣٧٩) :

ونحن اقتسمنا المال نصفين بيننا

فقلت لهم هذا لهاها وذاليا

(٢) تكملة من الكتاب.

(٣) آل عمران : ٦٦.

٢١٠

الباب. قال الله تعالى : (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ) (١) قال أبو سعيد : ها أنا ذا ، وها نحن أولاء ، وها هو ذاك ، وها أنت ذا ، وها أنتم هؤلاء ، وها أنتن أولاء ؛ «فها» للتنبيه ، والأسماء بعدها مبتدآت ، والخبر أسماء الإشارة ؛ ذا ، وذاك. وإن شئت جعلت الضمير المقدم هو الخبر ، والإشارة هى الاسم. وأما «ها» فيجوز أن يكون مع «ذا» وفصل بينهما «بأنت» ، المراد ب «هذا» أن تكون مع «ذا» والتقدير : أنا هذا ، ويجوز أن يكون التنبيه للضمير ، لأنهما مشتركان فى الإبهام. فأما من قدّرها مع «ذا» وإن فصل بينهما ، فإنه يحتج بقول زهير :

تعلّمن ها لعمر الله ذا قسما

فاقدر (٢) بذرعك وانظر أين تنسلك

[و] : فقلت لهم هذا لهاها وذاليا (٣)

والتقدير : هذا لها وذا لى ، فصير الواو بين «ها» و «ذا».

ويحتج أيضا بقولهم : لا ها الله ذا ، واسم «الله» ظاهر لا يدخل عليه هاء التنبيه ، كما لا يدخل على «زيد» ونحوه. وإنما معناه : لا والله هذا. وإن من يقدّر أن «ها» داخلة على «أنت» غير منوى دخولها على «ذا» فإنه يحتج بقوله : (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ)(٤) فأتى ب «ها» فأدخلها على «أنتم» ثم أعادها فى «الأولاء». فلو كانت [«ها»] (٥) (أولاء) بمعنى الأولى منويّا بها التأخير ، لكانت «ها» الأولى والثانية جميعا لأولاء. وهذا بعيد. وهذه حجة سيبويه. ومعنى قوله : وقد يكون «ها» فى «ها أنت ذا» غير متقدمة ، أي موضعها ل «أنت» ، غير متقدمة من «ذا» إلى «أنت».

__________________

(١) البقرة : ٨٥.

(٢) في الكتاب (ج ٢ : ١٤٥ ، ١٥٠) : «فاقصد».

(٣) تقدم البيت في حواشي الصفحة السابقة.

(٤) آل عمران : ٦٦.

(٥) تكملة يقتضيها السياق.

٢١١

قال أبو سعيد : «وإنما يقول القائل : ها أنا ذا ، إذا طلب رجل لم يدر أحاضر هو أم غائب ، فقال : المطلوب : ها أنا ذا. / أي : الحاضر عندك أنا. وإنما يقع جوابا. لقول القائل (١) : أين من يقوم بالأمر؟ فيقول له الآخر. ها أنا ذا ، [أو : ها] (٢) أنت ذا. أي أنا فى الموضع الذي التمست [فيه من التمست] (٣) ، أو أنت فى ذلك الموضع».

وأكثر ما يأتى فى كلام العرب هذا بتقديم «ها» و [الفصل بينها و] (٤) بين «ذا» بالضمير المنفصل. والذي حكاه أبو الخطاب عن العرب من قوله : «هذا أنا» و «أنا هذا». هو فى معنى : أنا ذا. ولو ابتدأ إنسان على غير الوجه الذي ذكرناه فقال : هذا أنت ، وهذا أنا ، يريد أن يعرفه نفسه ، كان محالا ؛ لأنه إذا أشار له إلى نفسه بالإخبار عنه ب «أنا» و «بأنت» لا فائدة فيه ، لأنك إنما تريد أن تعلمه أنه ليس خبره. ولو قلت : «ما زيد غير زيد» ، و «ليس زيد غير زيد» ، كان لغوا لا فائدة فيه. أو قلت : هذا أنت ، والإشارة إلى غير المخاطب ، كان معناه : هذا مثلك ، كما تقول : زيد عمرو ، على معنى : زيد مثل عمرو.

والذي حكاه يونس عن العرب «هذا أنت» ، تقول : «أنت تفعل كذا وكذا». هو مثل قوله (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ) (٥) لأن قولهم : هذا أنت ، كقولك : أنت هذا ، أحدهما مبتدأ والآخر خبره ، أيهما شئت جعلته المبتدأ والآخر الخبر ، وقوله : تفعل كذا وكذا فى موضع الحال عند البصريين ، كأنك قلت : هذا زيد فاعلا كذا. والعامل فيه معنى التنبيه. وعند الكوفيين أن المنصوب فى هذا بمنزلة الخبر ، لأن المعنى عندهم : زيد فاعل كذا. ثم

__________________

(١) مكان هذه العبارة في الأصل. «لقول القائل» : «ويقول» ، وما أثبتنا من هامش الكتاب (١٥ : ٣٧٩).

(٢) التكملة من هامش الكتاب.

(٣) تكملة يقتضيها السياق.

(٤) البقرة : ٨٥.

٢١٢

أدخلوا «هذا» للوقت الحاضر ، كما يدخلون «كان» لما مضى. فإذا ادخلوا «هذا» وهو اسم ، ارتفع به «زيد» وارتفع «هذان» به على ما لو اختير حكم المبتدأ والخبر والذي بعده. فارتفاع «زيد» «بهذا». ويسمى أهل الكوفة هذا : التقريب. ومنزلة «ها» عند منزلة «كان» لأن «كان» دخلت على : زيد قائم به فانتصب به. ولا يجوز إسقاط المنصوب ، لأن الفائدة به ، معقودة والقصد إليه.

ويجوز عند الكوفيين : هذا زيد القائم ، كما يجوز كان زيد القائم. ولا يجوز عند البصريين : هذا زيد القائم ، لأن مجراه عندهم مجرى الحال ، بخلاف خبر كان ، إذ ليس هو بحال.

وأما قوله تعالى : (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ) (١) ففيه ثلاثة أقوال :

أحدها مذهب أصحابنا ، وهو أن «أنتم» و «هؤلاء» مبتدأ وخبر. و (تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ) فى موضع الحال ، تقديره : قاتلين أنفسكم.

وعلى مذهب الكوفيين «تقتلون» خبر التقريب ، على ما ذكرناه من مذهبهم.

وقال ثعلب : «هؤلاء» فى معنى «الّذين» و «تقتلون» فى صلتها.

كأنه قال : ثم أنتم الذين تقتلون أنفسكم ، كما قال ابن مفرّع :

عدس ما لعبّاد عليك إمارة

أمنت (٢) وهذا تحملين طليق

__________________

(١) البقرة : ٨٥.

(٢) اللسان (٨ : ٧) : «نجوت».

٢١٣

وكان ينبغى على ما قدره ثعلب أن يقرأ : (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ) ، على تقدير : أنتم الذين تقتلون أنفسكم.

ويجوز عند البصريين : ثم أنتم الذين أنفسكم ، فى الضرورة ، وليس بالمختار. وأنشدوا فيه لمهلهل :

وإنّ الّذى قتّلت بكر بالقنا

ويركب [منها] (١) غير ذات سنام

والوجه : وإن الذي قتل.

والآخر :

يا أيّها الذّكر الّذي قد سؤتنى

وفضحتنى وطردت أمّ عياليا

والوجه : يا أيها الذي قد ساءنى.

والآخر :

يا مرو يا بن واقع يا أنتا

أنت الّذي طلّقت عام جعتا (٢)

حتّى إذا اصطبحت واغتبقتا

أقبلت مرتادا لما تركنا

والوجه : الذي طلق عام جاع ، لأن الضمير فى «طلق» يعود إلى «الذي» وهو غائب ، فوجب أن يكون ضمير غائب.

ومثله : (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) (٣) و (ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ) (٤) فيها الوجوه التي ذكرنا.

__________________

(١) تكملة يستقيم بها البيت.

(٢) الرجز لسالم بن عبادة في مرة بن واقع الفزاري.

(٣) آل عمران : ٦٦.

(٤) آل عمران : ١١٩.

٢١٤

إذا زعمتم أن قوله : (تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ) (١) فى موضع الحال ، والحال فضلة فى الكلام / فهل يجوز أن يقول : «ثم أنتم هؤلاء»؟.

قيل له : إذا كان المقصد الإخبار ، فما أوجب حكم اللفظ فيه أن يكون حالا وجب أن يجرى لفظه على الحال ، وتصير الحال لازمة عما أوجبه المعنى ، كما أن الصفة فى بعض المواضع لازمة ، كقولك : مررت بمن صالح ، ويا أيها الرجل : فصالح والرجل ، لازمتان لا يجوز إسقاطهما من الكلام ، وإن أصل الصفة أن تكون مستغنى عنها.

وأيضا فإنا رأينا الحال مع المصادر لا يستغنى عنها فى مثل قولك :

شربك السّويق ملتوتا ، ونحوه.

وأما قوله : «هذا لها وذاليا». بمعنى : «وهذا ليا» فإنما جاز تقديم «ها» على الواو لأن «ها» تنبيه ، والتنبيه قد يدخل على الواو إذا عطفت بها جملة على جملة ، كقولك : «ألا إنّ زيدا خارج ، ألا إنّ عمرا مقيم» ونحو هذا ، فاعرفه.

وأما القول فى الهاء التي فى (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ) (٢) فقد روى بالمد والقصر. فوجه (ها أَنْتُمْ) أنه قد أبدل من الهمزة الهاء ، أراد «أنتم» فأبدل من الهمزة الهاء. ولا يمتنع أن تبدل من الهمزة الهاء ، كما لم يمتنع إبدال الواو والتاء والباء فى القسم ، وإن كان على حرف واحد ؛ ولا يحمل على حرف الألف من «ها» هنا فى «هلم» فإنه جاز ، لأن اللام فى تقدير السكون ، لأن الحركة نقلت إليها من غيرها فحذفت الألف لالتقاء الساكنين. وهذا الاستفهام

__________________

(١) البقرة : ٨٥.

(٢) آل عمران : ٦٦.

٢١٥

بمعنى التقرير. وأمّا (ها أَنْتُمْ) فإنها للتنبيه ، ولحقت الجملة كما لحقت «يا» فى ذا البيت :

يا قاتل الله صبيانا تجئ بهم

أمّ [الضبيغس من زند] (١) لها وارى

ويجوز أن تكون فى (ها أَنْتُمْ) بدلا من همزة الاستفهام ، كما كان بدلا منها فى قول من قال (ها أَنْتُمْ) ، وتكون الألف التي تدخل بين الهمزة لتفصل بينهما ، لأن الهاء بمنزلة الهمزة فى حمراء ؛ فى حكم الألف ، بدلالة ترك الصّرف.

ومما أضمر فيه المبتدأ قولهم من مسائل الكتاب : لا سواء / والتقدير : «هذان لا سواء» فحذفوا المبتدأ وصارت «لا» كافة عوضا منها ، و «سواء» خبر المبتدأ ، وكما صارت «لا» هنا عوضا عن المبتدأ صارت كذلك عوضا عنه فى قولك : «أزيد عندك أم لا»؟

قال : التقدير «أم هو لا» فلم يظهر ، لأن «لا» قد صار عوضا عنه كما صار عوضا فى «سية» قوله : لا سواء. والمعنى : لا هما سواء ، ولا هذان سواء. فلم يكرر «لا» لم يستقبح ذلك ، كما استقبحوا «لا زيد عندك» حتى يقال : «ولا عمرو» ، لأنه كما أنه لو أظهر المبتدأ لم يلزم تكرير «لا» كذلك لم يلزم تكريره فيما هو بدل منه. وأما خبر المبتدأ المضمر ، فاستغنى عن إظهاره كما استغنى عن إظهار الخبر ، نحو «زيد عندك وعمرو». وحسّن هذا الكلام أنّ «لا» قد حذفت بعدها الجمل فى نحو قول ذى الرّمة :

خليلىّ هل من حيلة تعلمانها

__________________

(١) ويروى : «أم الهنينين». (اللسان ٢٠ : ٣٨٤).

٢١٦

تقديره : هل من حيلة تعلمانها ، أو لا حيلة لكم؟

واعلم أن «أم» لا تخلو من أن تكون الكائنة مع الهمزة بمنزلة «أي» أو المنقطعة ، فلو كانت التي بمعنى «أي» مع الألف لوجب أن يكون بعدها اسم أو فعل ، كقولك : أزيد قام أم عمرو؟. و : أقام زيد أم عمرو قعد؟. ولو كانت المنقطعة لوجب أن يكون بعدها جملة ، كقولك : عندك زيد أم عمرو؟. فلم يجىء واحد من الضربين.

٢١٧

الحادي عشر

هذا باب ما جاء في التنزيل من الإشمام والرّوم

والإشمام يكون فى الرفع دون الجر ، والرّوم يكون فى الرفع والجر جميعا. وذكر ذلك سيبويه فى كتابه (١) حيث قال :

فأما الذين أشمّوا فأرادوا أن يفرقوا بين ما يلزمه التحريك فى الوصل ، وبين ما يلزمه الإسكان على كل حال.

[وأما الذين لم يشموا فقد علموا أنهم لا يقفون أبدا إلا عند حرف ساكن ، فلما سكن فى الوقف جعلوه بمنزلة ما يسكن على كل حال لأنه وافقه فى هذا الموضوع] (٢).

وأما الذين راموا الحركة فإنهم دعاهم إلى ذلك الحرص على أن يخرجوها من حال ما لزمه إسكان على كل حال [وأن يعلموا أن حالها عندهم ليس كحال ما سكن على كل حال] (٣) وذاك أراد الذين أشموا ، إلا أن هذا (٤) أشد توكيدا.

قال : وأما ما كان فى موضع نصب أو جر ، فإنك تروم فيه الحركة وتضاعف ، وتفعل به ما تفعل بالمجزوم على كل حال ، وهو أكثر فى كلامهم. فأما الإشمام / فليس إليه سبيل ، وإنما كان ذا فى الرفع (٥) ، لأن الضمة من

__________________

(١) الكتاب (٢ : ٢٨٢ ـ ٢٨٣).

(٢) التكملة من الكتاب.

(٣) عبارة الكتاب : «إلا أن هؤلاء».

(٤) الأصل : «وأما ما كان في الرفع» وما أثبتنا من الكتاب.

٢١٨

الواو ، فأنت تقدّر أن تضع لسانك فى أن موضع من الحروف شئت ، ثم تضم شفتيك ، لأن ضمك شفيتك كتحريكك بعض جسدك ، وإشمامك فى الرفع للرّؤية وليس بصوت للأذن. ألا ترى أنك لو قلت. «هذا معن» فأشممت ، كان (١) عند الأعمى بمنزلتها إذا لم تشمم ، فأنت [قد] (٢) تقدر على أن تضع لسانك موضع الحرف قبل تزجية الصوت ، ثم تضم شفتيك ، ولا تقدر على [أن تفعل] (٣) ذلك ، ثم تحرك موضع الألف والياء ، فالنصب والجر لا يوافقان الرفع فى الإشمام انتهت الحكاية عن سيبويه.

فأما القراء فإنهم يطلقون على الرّوم فى المجرور اسم الإشمام.

والحقيقة ما ذكرت لك عن سيبويه.

وأكثر ما يجىء الإشمام والرّوم فى إدغام أبى عمرو ، فإذن أدغم المضموم أو المكسور فيما بعده.

وقد وقع الإجماع على إشمام حرف مضموم مدغم فيما بعده ، وهو قوله (قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ) (٤).

والقراء مجمعون على إشمام الضمة فى النون الأولى من (تَأْمَنَّا) ، ويختلفوا فيه إلا فى رواية شذّت عن نافع.

قال أبو على : وجه الإشمام أن الحرف المدغم بمنزلة الحرف الموقوف عليه من حيث جمعهما السكون ، فمن حيث أشموا الحرف الموقوف عليه إذا كان مرفوعا فى الإدراج ، أشموا النون المدغمة فى (تَأْمَنَّا).

__________________

(١) الكتاب : «كانت».

(٢) زيادة عن الكتاب.

(٣) يوسف : ١١.

٢١٩

وقد يجوز ذلك فى وجه آخر فى العربية وهو أن تبين ولا تدغم ، ولكنك تخفى الحركة ، وإخفاؤها هو ألا تشبعها (١) بالتمطيط ، ولكنك تختلسها اختلاسا. وجاز الإدغام والبيان جميعا ، لأن الحرفين (٢) ليسا يلزمانه ، فلما لم يلزما صارا بمنزلة «اقتتلوا» فى جواز البيان فيه والإدغام جميعا.

فما جاء فيه الإشمام عن أبى عمرو فى سورة البقرة ينقسم إلى قسمين : مضموم ، ومرفوع.

فالحروف المضمومة ثمانية :

قوله تعالى :

(وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ) (٣) (حَيْثُ شِئْتُما) (٤) (حَيْثُ شِئْتُمْ) (٥) (نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (٦) (وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ) (٧) (وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ) (٨) (حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) (٩).

والحروف المرفوعة خمسة :

قوله تعالى : (وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا) (١٠). (شَهْرُ رَمَضانَ) (١١). / (يَشْفَعُ عِنْدَهُ)(١٢). (الْأَنْهارُ لَهُ) (١٣). (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (١٤).

__________________

(١) الأصل : «يشبعها».

(٢) الأصل : «لأن الحرف».

(٣) البقرة : ٣٠.

(٤) البقرة : ٣٥.

(٥) البقرة : ٥٨.

(٦) البقرة : ١٣٣ ، ١٣٦.

(٧) البقرة : ١٣٨.

(٨) البقرة : ١٣٩.

(٩) البقرة : ١٩١.

(١٠) البقرة : ١٢٧.

(١١) البقرة : ١٨٥.

(١٢) البقرة : ٢٥٥.

(١٣) البقرة : ٢٦٦.

(١٤) البقرة : ١٢٦.

٢٢٠