تفسير الصّافي - ج ١

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]

تفسير الصّافي - ج ١

المؤلف:

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: منشورات مكتبة الصدر
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٣
ISBN الدورة:
964-6847-51-X

الصفحات: ٥٢٨

الآيات وسبعة بطون لكل آية. ونزل على سبع لغات. واما حمل الحديث على سبعة أوجه من القراءات ثمّ التكلف في تقسيم وجوه القراءات على هذا العدد كما نقله في مجمع البيان عن بعضهم فلا وجه له مع أنّه يكذبه ما رواه في الكافي بإسناده عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن القرآن واحد نزل من عند واحد ولكن الاختلاف يجيء من قبل الرواة. وبإسناده عن الفضيل بن يسار قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام إن الناس يقولون إن القرآن نزل على سبعة أحرف. فقال : كذبوا أعداء الله ولكنه نزل على حرف واحد من عند الواحد ، ومعنى هذا الحديث معنى سابقه والمقصود منهما واحد وهو أن القراءة الصحيحة واحدة الا أنّه عليه السلام لما علم أنهم فهموا من الحديث الذي رووه صحة القراءات جميعاً مع اختلافها كذّبهم. وعلى هذا فلا تنافي بين هذين الحديثين وشيء من أحاديث الأحرف أيضاً.

وبإسناده عن عبد الله بن فرقد والمعلى بن خنيس قالا : كنا عند أبي عبد الله عليه السلام ومعنا ربيعة الرأي فذكر القرآن فقال أبو عبد الله عليه السلام : إن كان ابن مسعود لا يقرأ على قراءتنا فهو ضال. قال (فقال خ ل) : ربيعة ضال. فقال : نعم ضال. ثم قال أبو عبد الله عليه السلام : أما نحن فنقرأ على قراءة أُبيّ.

ولعلّ آخر الحديث ورد على المسامحة مع ربيعة مراعاة لحرمة الصحابة وتداركاً لما قاله في ابن مسعود ذلك لأنّهم عليهم السلام لم يكن يتّبعون أحداً سوى آبائهم عليهم السلام لأن علمهم من الله وفي هذا الحديث اشعار بأن قراءة أُبيّ كانت موافقة لقراءتهم عليهم السلام أو كانت أوفق لها من قراءة غيره من الصحابة.

ثمّ الظاهر أن الاختلاف المعتبر ما يسري من اللفظ إلى المعنى مثل مالك وملك دون ما لا يجاوز اللفظ أو يجاوزه ولم يخل بالمعنى المقصود سواء كان بحسب اللغة مثل كفؤاً بالهمزة والواو ومخففاً ومثقلاً أو بحسب الصرف مثل يرتد

٦١

ويرتدد أو بحسب النحو مثل ما لا يقبل منها شفاعة بالتاء ، والياء وما يسري إلى المعنى ولم يخل بالمقصود مثل الريح والرياح للجنس والجمع فان في أمثال هذه موسع علينا القراءات المعروفة.

وعليه يحمل ما ورد عنهم عليهم السلام من اختلاف القراءة في كلمة واحدة وما ورد أيضاً في تصويبهم القراءتين جميعاً كما يأتي في مواضعه أو يحمل على أنهم لما لم يتمكنوا أن يحملوا الناس على القراءة الصحيحة جوزوا القراءة بغيرها كما أُشير إليه بقولهم عليهم السلام : اقرؤا كما تعلمتم فسيجيئكم من يعلمكم. وذلك كما جوزوا قراءة أصل القرآن بما هو عند الناس دون ما هو محفوظ عندهم وعلى التقديرين في سعة منها جميعاً ، وقد اشتهر بين الفقهاء وجوب التزام عدم الخروج عن القراءات السبع أو العشر المعروفة لتواترها وشذوذ غيرها.

والحق : أن المتواتر من القرآن اليوم ليس إلّا القدر المشترك بين القراءات جميعاً دون خصوص آحادها إذ المقطوع به ليس إلّا ذاك فان المتواتر لا يشتبه بغيره وأمّا نحن فنجعل الأصل في هذا التفسير أحسن القراءات كانت قراءة من كانت كالأخف على اللسان والأوضح في البيان والآنس للطبع السليم والأبلغ لذي الفهم القويم والأبعد عن التكلف في إفادة المراد والأوفق لأخبار المعصومين. فان تساوت أو أشبهت فقراءة الأكثرين في الأكثر.

ولا نتعرض لغير ذلك إلّا ما يتغير به المعنى المراد تغييراً يعتد به أو يحتاج إلى التفسير وذلك لأن التفسير إنّما يتعلق بالمعنى دون اللفظ وضبط اللفظ إنّما هو للتلاوة فيخص به المصاحف ، وأمّا ما دونوه في علم القراءة وتجويدها من القواعد والمصطلحات فكل ما له مدخل في تبيين الحروف وتمييز بعضها عن بعض لئلا يشتبه أو في حفظ الوقوف بحيث لا يختل المعنى المقصود به أو في صحة الإعراب وجودته لئلا تصير ملحونة أو مستهجنة أو في تحسين الصوت وترجيعه بحيث يلحقها بألحان العرب وأصواتها الحسنة فله وجه وجيه.

٦٢

وقد وردت الإشارة إليه في الروايات المعصومية وإنّما ينبغي مراعاة ذلك فيما اتفقوا عليه لاتفاق السلائق عليه دون ما اختلفوا فيه لاختلافها لديه.

٦٣

المقدّمة التاسعة

في نبذ ممّا جاء في زمان نزول القرآن وتحقيق ذلك

روى في الكافي عن حفص بن غياث عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن قول الله تعالى : شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ، وإنّما نزل في عشرين سنة بين أوله وآخره. فقال أبو عبد الله عليه السلام : أُنزل القرآن جملة واحدة في شهر رمضان إلى البيت المعمور ثمّ نزل في طول عشرين سنة ثمّ قال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم أُنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من شهر رمضان وأُنزل التوراة لست مضين من شهر رمضان وأُنزل الإنجيل لثلاث عشرة خلت من شهر رمضان وأُنزل الزبور لثمان عشرة خلون من شهر رمضان وأُنزل القرآن في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان.

وفيه وفي الفقيه باسنادهما عن أبي عبد الله عليه السلام قال : نزلت التوراة في ست مضين من شهر رمضان ونزل الإنجيل في اثنتي عشرة ليلة مضت من شهر رمضان ونزل الزبور في ليلة ثمان عشرة من شهر رمضان ونزل القرآن في ليلة القدر.

وفي بعض نسخ الفقيه ، : ونزل الفرقان في ليلة القدر. وباسنادهما عن حمران : أنه سأل أبا جعفر عليه السلام عن قول الله تعالى : إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ؟ قال هي ليلة القدر وهي في كل سنة في شهر رمضان في العشر الأواخر. ولم ينزل القرآن إلا في ليلة القدر. قال الله تعالى : فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ. قال : يقدر في ليلة القدر كل شيء يكون في تلك السنة إلى مثلها من قابل من خير أو شر أو طاعة أو معصية أو مولود أو أجل أو رزق. الحديث.

وباسنادهما عن يعقوب قال : سمعت رجلاً يسأل أبا عبد الله عليه السلام عن

٦٤

لَيْلَةِ الْقَدْرِ؟ فقال : أخبرني عن ليلة القدر كانت أو تكون في كل عام؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام لو رفعت ليلة القدر لرفع القرآن.

أقول : وذلك لأن في ليلة القدر ينزل كل سنة من تبيين القرآن وتفسيره ما يتعلق بأمور تلك السنة إلى صاحب الأمر عليه السلام فلو لم يكن ليلة القدر لم ينزل من أحكام القرآن ما لا بدّ منه في القضايا المتجددة وإنّما لم ينزل ذلك إذا لم يكن من ينزل عليه وإذا لم يكن من ينزل عليه لم يكن قرآن لأنهما متصاحبان لن يفترقا حتّى يردا على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم حوضه كما ورد في الحديث المتفق عليه وقد مضى معنى تصاحبهما.

والمستفاد من مجموع هذه الأخبار ، وخبر الياس الذي أورده في الكافي في باب شأن إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وتفسيرها من كتاب الحجة أن القرآن نزل كله جملة واحدة في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان إلى البيت المعمور وكأنّه أُريد به نزول معناه على قلب النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم كما قال الله نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ ثم نزل في طول عشرين سنة نجوماً من باطن قلبه إلى ظاهر لسانه كلما أتاه جبرئيل عليه السلام بالوحي وقرأه عليه بألفاظه وأن معنى انزال القرآن في ليلة القدر في كل سنة إلى صاحب الوقت انزال بيانه بتفصيل مجمله وتأويل متشابهه وتقييد مطلقه وتفريق محكمه من متشابهه.

وبالجملة تتميم إنزاله بحيث يكون هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان كما قال الله سبحانه : (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) يعني في ليلة القدر منه (هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ) تثنية (تثبيت خ ل) لقوله عزّ وجلّ : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) أي محكم أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ فقوله فِيها يُفْرَقُ وقوله والْفُرْقانِ معناهما واحد فان الفرقان هو المحكم الواجب العمل به كما مضى في الحديث ، وقد قال تعالى : إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ. أي حين أنزلناه نجوماً فَإِذا قَرَأْناهُ عليك حينئذ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ أي جملته ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ في ليلة القدر بانزال الملائكة والروح فيها عليك وعلى أهل بيتك من بعدك

٦٥

بتفريق المحكم من المتشابه وبتقدير الأشياء وتبيين أحكام خصوص الوقائع التي تصيب الخلق في تلك السنة إلى ليلة القدر الآتية.

قال في الفقيه : تكامل نزول القرآن ليلة القدر وكأنّه أراد به ما قلناه. وبهذا التحقيق حصل التوفيق بين نزوله تدريجاً ودفعة واسترحنا من تكلفات المفسرين.

٦٦

المقدّمة العاشرة

في نبذ ممّا جاء في تمثل القرآن لأهله يوم القيامة وشفاعته لهم

وثواب حفظه وتلاوته

روى في الكافي بإسناده عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال : يجيء القرآن في أحسن منظور إليه صورة فيمر بالمسلمين (١) فيقولون هذا رجل منا فيجاوزهم إلى النبيين فيقولون هو منا فيجاوزهم إلى الملائكة المقربين فيقولون هو منا حتّى ينتهي إلى ربّ العزة جل وعزّ فيقول : يا ربّ فلان بن فلان أضمأت هواجره وأسهرت ليله في دار الدنيا وفلان بن فلان لم أظمئ هواجره ولم أسهر ليله. فيقول تعالى : أدخلهم الجنة على منازلهم فيقوم فيتبعونه فيقول للمؤمن اقرأ وارق قال : فيقرأ ويرقى حتّى يبلغ كل رجل منهم منزلته التي هي له فينزلها. وبإسناده عن يونس ابن عمّار قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : ان الدواوين يوم القيامة ثلاثة ديوان فيه النعم وديوان فيه الحسنات وديوان فيه السيئات فيقابل ديوان النعم وديوان الحسنات فيستغرق النعم عامة الحسنات ويبقى ديوان السيئات فيدعى بابن آدم المؤمن للحساب فيتقدم القرآن أمامه في أحسن صورة فيقول يا ربّ أنا القرآن وهذا عبدك المؤمن قد كان يتعب نفسه بتلاوتي ويطيل ليله بترتيلي وتفيض عيناه إذا تهجد فأرضه كما أرضاني. قال : فيقول العزيز الجبار عبدي أبسط يمينك فيملأها من رضوان الله

__________________

(١) لما كان المؤمن في نيته أن يعبد الله حقّ عبادته ويتلو كتابه حقّ تلاوته ويسهر ليله بقراءته والتدبر في آياته وينصب بدنه بالقيام به في صلواته إلّا أنّه لا يتيسر له ذلك كما يريد ولا يأتي به كما ينبغي.

وبالجملة لا يوافق عمله بما في نيته بل أنزل منه كما ورد في الحديث : نية المؤمن خير من عمله. فالقرآن يتجلى لكل طائفة بصورة من جنسهم الا أنّه أحسن في الجمال والبهاء ومن الصورة التي لو كانوا يأتون بما في نيّتهم من العمل وزيادة الاجتهاد في الإتيان بمقتضاه لكان لهم تلك الصورة وإنّما لا يعرفونه كما ينبغي لأنّهم لم يأتوا بذلك كما ينبغي ولم يعملوا بما هو به حري وإنّما يعرفونه بكونه منهم لأنّهم كانوا يتلونه في آناء الليل وأطراف النهار ويقرءونه في الإعلان الإسرار وإنّما يشفع لمن عمل به وإن كان مقصراً لما كان في نيته من العمل بمقتضاه كما ينبغي. منه رحمه الله تعالى.

٦٧

العزيز الجبار ويملأ شماله من رحمة الله ثمّ يقال هذه الجنة مباحة لك فاقرأ واصعد فإذا قرأ آية صعد درجة.

أقول : وفي هذا المعنى أخبار كثيرة ومنها ما هو أبسط من هذا وقد أوردنا نبذاً منها في كتابنا الوافي وشرحناها هناك.

وبإسناده عن الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله عليه السلام قال : الحافظ للقرآن العامل به مع السفرة الكرام البررة.

وبإسناده عن الزهري قال : قلت لعلي بن الحسين عليهما السلام أي الأعمال أفضل قال : الحال المرتحل. قلت : وما الحال المرتحل؟ قال : فتح القرآن وختمه كلما جاء بأوله ارتحل في آخره ، وقال قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم من أعطاه الله القرآن فرأى أن أحداً أُعطي أفضل ممّا أُعطي فقد صغر عظيماً وعظم صغيراً.

أقول : يشبه أن يكون قوله جاء بأوله كان حل بأوله فصحّف.

وبإسناده عن حريز عن أبي عبد الله عليه السلام قال : القرآن عهد الله إلى خلقه فقد ينبغي للمرء المسلم أن ينظر في عهده وأن يقرأ منه في كل يوم خمسين آية.

وبإسناده عن محمّد بن بشير عن عليّ بن الحسين عليهما السلام ومرسلاً عن أبي عبد الله عليه السلام قالا : من استمع حرفاً من كتاب الله تعالى من غير قراءة كتب الله تعالى له به حسنة ومحا عنه سيئة ورفع له درجة ومن قرأ نظراً من غير صوت كتب الله له بكل حرف حسنة ومحا عنه سيئة ورفع له درجة ومن تعلم منه حرفاً ظاهراً كتب الله له عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات.

قال : لا أقول بكل آية ولكن بكل حرف باء أو ياء أو شبههما. قال : ومن قرأ حرفاً وهو جالس في صلاته كتب الله له خمسين حسنة ومحا عنه خمسين سيئة ورفع الله له خمسين درجة ، ومن قرأ حرفاً وهو قائم في صلاته كتب الله له مائة حسنة ومحا

٦٨

عنه مائة سيئة ورفع له مائة درجة ومن ختمه كانت له دعوة مستجابة مؤخرة أو معجلة قال : قلت جعلت فداك ختمه كله. قال : ختمه كله.

وبإسناده عن ليث بن أبي سليم رفعه قال : قال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم : نوروا بيوتكم بتلاوة القرآن ولا تتخذوها قبوراً كما فعلت اليهود والنصارى صلوا في الكنائس والبِيَع وعطّلوا بيوتهم فان البيت إذا كثر فيه تلاوة القرآن كثر خيره واتسع أهله وأضاء لأهل السماء كما تضيء نجوم السماء لأهل الدنيا.

٦٩

المقدّمة الحادية عشرة

في نبذ ممّا جاء في كيفية التلاوة وآدابها

روى في الكافي بإسناده عن اسحق بن عمّار عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قلت له جعلت فداك إنّي احفظ القرآن عن ظهر قلبي فأقرأ عن ظهر قلبي أفضل أو انظر في المصحف؟ فقال لي : لا بل اقرأه وانظر في المصحف فهو أفضل أما علمت أن النظر في المصحف عبادة. وبإسناده عن محمّد بن عبد الله قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : اقرأ القرآن في ليلة؟ قال : لا يعجبني أن تقرأ في أقل من شهر.

وبإسناده عن أبي بصير أنّه قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام جعلت فداك اقرأ القرآن في شهر رمضان في ليلة؟ فقال : لا قال ففي ليلتين قال : لا قال ففي ثلاث؟ قال : ها وأشار بيده. ثم قال : يا أبا محمّد إن لرمضان حقاً وحرمة ولا يشبهه شيء من الشهور وكان أصحاب محمّد صلّى الله عليه وآله وسلم يقرأ أحدهم القرآن في شهر أو أقل. إن القرآن لا يقرأ هذرمة ولكن يرتل ترتيلاً وإذا مررت بآية فيها ذكر الجنة فقف عندها واسأل الله تعالى الجنة وإذا مررت بآية فيها ذكر النار فقف عندها وتعوذ بالله من النار.

أقول : ها كلمة إجابة يعني بها نعم. ثم علل جواز الختم في ثلاث ليال في شهر رمضان بحق الشهر وحرمته واختصاصه (١) من بين الشهور.

والهذرمة السرعة في القرآن.

__________________

(١) أريد به مطلق الاختصاص لا اختصاصه بزيادة القراءة ولذا لم يقل اختصاصه بذلك. منه قدّس سرّه.

٧٠

وبإسناده عن عبد الله بن سنان قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله تعالى : (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً). قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : بيّنه تبييناً ولا تهذه هذّ الشعر ولا تنثره نثر الرمل ولكن فزّعوا قلوبكم القاسية ولا يكن همّ أحدكم آخر السورة.

أقول : الهذّ السرعة في القراءة أي لا تسرع فيه كما تسرع في قراءة الشعر ولا تفرق كلماته بحيث لا تكاد تجتمع كذرات الرمل ، والمراد به الاقتصاد بين السرعة المفرطة والبطؤ المفرط.

وفي رواية أخرى : أن أمير المؤمنين عليه السلام سئل عن ترتيل القرآن فقال : هو حفظ الوقوف وبيان الحروف ، وفسر الأول بالوقف التام والحسن والثاني بالإتيان بصفاتها المعتبرة من الجهر والهمس والاطباق والاستعلاء وغيرها. وعن أبي عبد الله عليه السلام : هو أن تمكث وتحسّن به صوتك.

وبإسناده عنه عليه السلام : قال : القرآن نزل بالحزن.

وبإسناده عنه عليه السلام قال : قال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم : لكل شيء حلية وحلية القرآن الصوت الحسن. وعنه عليه السلام قال : كان علي بن الحسين عليهما السلام أحسن الناس صوتاً بالقرآن. وكان السقاؤون يمرون فيقفون ببابه يستمعون قراءته. وكان أبو جعفر عليه السلام أحسن الناس صوتاً.

وبإسناده عن عليّ بن محمّد النوفليّ عن أبي الحسن عليه السلام قال : ذكرت الصوت عنده فقال إن عليّ بن الحسين عليهما السلام كان يقرأ القرآن فربما مر به المار فصعق من حسن صوته ، وان الإمام عليه السلام لو أظهر من ذلك شيئاً لما احتمله الناس من حسنه. قلت : ولم يكن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم يصلي بالناس ويرفع صوته بالقرآن فقال : إن رسول الله «ص» كان يحمل الناس من خلفه (١) ما يطيقون.

__________________

(١) يحتمل كلمة من أن تكون اسماً موصولاً بدلاً من الناس ، يعني كان يحمل من كان يصلي خلفه من الناس على ما يطيقون معه إتمام الصلاة من غير أن يخرجوا عن حدود التكليف وذلك لمصالح تقتضيه فإنّه عليه السلام كان مأموراً بالإقبال والإدبار جميعاً ومن هنا يقول الرومي :

احمد ار بگشايد آن پرّ جليل

تا ابد مدهوش ماند جبرئيل

ويحتمل أن يكون حرفاً قيداً للناس أو متعلقاً بيحمل فتدبر. منه (قده)

٧١

وبإسناده عن أبي بصير قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام إذا قرأت القرآن فرفعت به صوتي جاءني الشيطان. فقال : إنّما ترائي بهذا أهلك والناس. قال : يا أبا محمّد اقرأ قراءة بين القراءتين تسمع أهلك ورجِّع بالقرآن صوتك فان الله تعالى يحب الصوت الحسن يرجّع به ترجيعاً.

وبإسناده عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم : اقرؤا القرآن بألحان العرب وأصواتها وإيّاكم ولحون أهل الفسق وأهل الكبائر فانه سيجيء بعدي أقوام يرجعون القرآن بترجيع الغناء والنوح والرهبانية لا يجوز تراقيهم وقلوبهم مقلوبة وقلوب من يعجبه شأنهم. وعن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم : زينوا القرآن بأصواتكم. وعنه عليه السلام : إن القرآن نزّل بالحزن فإذا قرأتموه فابكوا فان لم تبكوا فتباكوا وتغنوا به فمن لم يتغن بالقرآن فليس منا ، قال في مجمع البيان تأول بعضهم تغنوا به بمعنى استغنوا به وأكثر العلماء على أنّه تزيين الصوت وتحزينه.

أقول : المستفاد من هذه الأخبار جواز التغني بالقرآن والترجيع به بل استحبابهما فما ورد من النهي عن الغناء كما يأتي في محله إنشاء الله ينبغي حمله على لحون أهل الفسق والكبائر وعلى ما كان معهوداً في زمانهم عليهم السلام في فساق الناس وسلاطين بني أميّة وبني العباس من تغني المغنيات بين الرجال وتكلمهن بالأباطيل ولعبهن بالملاهي من العيدان والقضيب ونحوها.

قال في الفقيه : سأل رجل عليّ بن الحسين عليهما السلام عن شراء جارية لها صوت؟ فقال : ما عليك لو اشتريتها فذكّرتك الجنة. قال : يغني بقراءة القرآن والزهد والفضائل التي ليست بغناء فأما الغناء فمحظور.

وفي الكافي والتهذيب : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : أجر المغنية التي تزف العرائس ليس به بأس ليست بالتي تدخل عليها الرجال.

وفي معناه أخبار أُخر وكلام الفقيه يعطي أن بناء الحل والحرمة على ما يتغنى به.

٧٢

والحديث الأخير يعطي أن لسماع صوت الأجنبية مدخلاً في الحرمة فليتأمل.

وفي مصباح الشريعة عن الصادق عليه السلام أنّه قال : من قرأ القرآن ولم يخضع له ولم يرقّ عليه ولم ينشئ حزناً ووجلا في سره فقد استهان بعظم شأن الله وخسر خسراناً مبيناً فقارئ القرآن يحتاج إلى ثلاثة أشياء قلب خاشع ، وبدن فارغ ، وموضع خال. فإذا خشع لله قلبه فر منه الشيطان الرجيم وإذا تفرغ نفسه من الأسباب تجرد قلبه للقراءة فلا يعترضه عارض فيحرمه نور القرآن وفوائده وإذا اتخذ مجلساً خالياً واعتزل من الخلق بعد أن أتى بالخصلتين الأوليين استأنس روحه وسره بالله ووجد حلاوة مخاطبات الله عباده الصالحين وعلم لطفه بهم ومقام اختصاصه لهم بقبول كراماته وبدائع إشاراته فإذا شرب كأساً من هذا المشرب فحينئذ لا يختار على ذلك الحال حالاً ولا على ذلك الوقت وقتاً بل يؤثره على كل طاعة وعبادة لأن فيه المناجاة مع الرب بلا واسطة فانظر كيف تقرأ كتاب ربك ومنشور ولايتك وكيف تجيب أوامره ونواهيه وكيف تمتثل حدوده وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ فرتله ترتيلا ، وقف عند وعده ووعيده وتفكر في أمثاله ومواعظه واحذر أن تقع من إقامتك حروفه في إضاعة حدوده.

وروي عنه عليه السلام أنّه قال : والله لقد تجلى الله لخلقه في كلامه ولكن لا يبصرون.

قال أيضاً : وقد سألوه عن حالة لحقته في الصلاة حتّى خرّ مغشياً عليه فلما سرى (سوى خ ل) عنه قيل له في ذلك فقال : ما زلت اردد الآية على قلبي وعلى سمعي حتّى سمعتها من المتكلم بها فلم يثبت جسمي لمعاينة قدرته.

أقول : وللتلاوة آداب أُخر منها ظاهرة كالطهارة والاستعاذة وتعظيم المصحف والدعاء أولاً وآخراً وغير ذلك ومنها باطنة كحضور القلب والتدبر والتفهم والتخلي عن موانع الفهم وتخصيص نفسه بكل خطاب وتأثر قلبه بآثار مختلفة والترقي بقلبه إلى أن يسمع الكلام من الله لا من نفسه والتبري من حوله وقوته ومن الالتفات إلى نفسه بعين

٧٣

الرضا وإحضار عظمة الكلام والمتكلم بقلبه إلى غير ذلك كما مرت الإشارة إلى بعضها وقد أوردناها جميعاً وبيناها في كتابنا المسمى بالمحجة البيضاء من أرادها فليراجع إليه.

٧٤

المقدّمة الثانية عشرة

في بيان ما اصطلحنا عليه في التفسير

فنقول كلما يحتاج من الآيات إلى بيان وتفسير لفهم المقصود من معانيه أو إلى تأويل لمكان تشابه فيه أو إلى معرفة سبب نزوله المتوقف عليه فهمه وتعاطيه أو إلى تعرّف نسخ أو تخصيص أو صفة أخرى فيه.

وبالجملة ما يزيد على شرح اللفظ والمفهوم ممّا يفتقر إلى السماع من المعصوم فان وجدنا شاهداً من محكمات القرآن يدلّ عليه أتينا به فان القرآن يفسر بعضه بعضاً وقد أُمرنا من جهة أئمة الحق عليهم السلام أن نرد متشابهات القرآن إلى محكماته والا فان ظفرنا فيه بحديث معتبر عن أهل البيت عليهم السلام في الكتب المعتبرة من طرق أصحابنا رضوان الله عليهم أوردناه ، والا أوردنا ما روينا عنهم عليهم السلام من طرق العامّة لنسبته إلى المعصوم وعدم ما يخالفه ، نظيره في الأحكام ما روي عن الصادق عليه السلام : إذا نزلت بكم حادثة لا تجدون حكمها فيما يروى عنا فانظروا إلى ما رووه عن عليّ عليه السلام فعملوا به. رواه الشيخ الطوسيّ رضوان الله عليه في العدة. وما لم نظفر فيه بحديث عنهم عليهم السلام أوردنا ما وصل إلينا من غيرهم من علماء التفسير إذا وافق القرآن وفحواه وأشبه أحاديثهم في معناه فان لم نعتمد عليه من جهة الاستناد اعتمدنا عليه من جهة الموافقة والشبه والسداد. قال رسول الله «ص» : إن على كل حقّ حقيقة وعلى كل صواب نوراً فما وافق كتاب الله فخذوا به وما خالف كتاب الله فدعوه. وقال الصادق عليه السلام : ما جاءك في رواية من برّ أو فاجر يوافق القرآن فخذ به وما جاءك في رواية من بر أو فاجر يخالف القرآن فلا تأخذ.

٧٥

وقال الكاظم عليه السلام : إذا جاءك الحديثان المختلفان فقسهما على كتاب الله وعلى أحاديثنا فان أشبههما فهو حقّ وإن لم يشبههما فهو باطل. وما ورد فيه أخبار كثيرة فان لم يكن فيها كثير اختلاف اقتصرنا منها على ما اشتمل على مجامعها وتركنا سائرها ممّا في معناه روماً للاختصار وصوناً من الإكثار.

وربما أشرنا إلى تعدّدها وتكثرها إذا أهممنا (اهمّنا خ ل) الاعتماد وإن كانت مختلفة نقلنا أصحها وأحسنها وأعمها فائدة ثمّ أشرنا إلى مواضع الاختلاف ما استطعنا وما لا يحتاج إلى شرح اللفظ المفهوم والنكات المتعلقة بعلوم الرسوم مما لا يفتقر إلى السماع من المعصوم أوردنا فيه ما ذكره المفسرون الظاهريون من كان تفسيره أحسن وبيانه أوجز واتقن كائناً من كان الا أوائل السورة التي يذكر فيها البقرة فان تفسير أكثرها وأكثر تفسيرها مأخوذ من التفسير المنسوب إلى مولانا الزكي أبي محمّد العسكريّ الذي منه ما هو من كلامه ومنه ما يرويه عن آبائه عليهم السلام.

منه ما أوردناه بألفاظه ومتونه. ومنه ما أوردناه بمعانيه ومضمونه.

ومنه ما لفّقناه من غير موضع منه ثمّ منه ما نسبناه إليه ومنه ما لم ننسبه إليه وما لم ننسبه إليه ولا إلى غيره فهو منه إلّا نادراً من شرح لفظه لا يجري فيه اختلاف وإنّما النسبة للفصل من كلام الغير فان (فإذا خ ل) فصل بالقرآن فلا نسبة وذلك إلى حيث ما وجد منه من تفسير هذه السورة وهو قوله عزّ وجلّ (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) ثم من قوله تعالى : (الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى) إلى قوله سبحانه (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) فان وجد منه تفسير آية أخرى في ضمن تفسير هذه الآيات أو على حدة نسبناه إليه في محله إنشاء الله وهو تفسير حسن لا سيما ما يتعلق منه بألفاظ القرآن ومعناه ممّا له مدخل في فهم القرآن وإن لم يقع موقع القبول عند جماعة من أصحابنا طاعنين في إسناده وإذا أردنا أن نأتي بمزيد بيان لآية أو حديث من لدنا أو من قول بعض أهل العلم والمعرفة أو أردنا أن نجمع ونوفق بين ما يوهم التناقض أو نحو ذلك صدّرنا كلامنا بقولنا (أقول أو قيل) ليفصل من كلام المعصوم عليه السلام إلّا إذا كانت هناك قرينة تدلّ على ذلك

٧٦

وما لا يحتاج إلى مزيد كشف وبيان إمّا لوضوحه وإحكام معناه أو لما عرف ممّا سلف قريباً من تفسير ما يجري مجراه طوينا تفسيره أو أحلنا على ما أسلفناه ، وقلما نتعرض لانحاء النحو وصروف الصرف وشقوق الاشتقاق واختلاف القراءة فيما لا يختلف به أصل المعنى لأن نظر أولي الألباب إلى المعاني أكثر منه إلى المباني.

وربما يحوجنا تمام الكشف عن المقصود إلى ذكر شيء من الأسرار فمن لم يكن من أهله فلا يبادر بالإنكار وليتركه لأهله فان لكل أهلاً وذاك أيضاً من مخزون علمهم الذي استفدناه من عباراتهم ومكنون سرهم الذي استنبطناه من إشاراتهم بإخلاص الولاء والحب وبمصاص المخ واللب ولله الحمد وما نقلناه من كتب الأصحاب نسبناه إليها باقتصار في أسمائها كالاكتفاء بالمضاف عما أُضيف إليه كالمجمع والجوامع للشيخ أبي عليّ الطبرسيّ ، وكالتوحيد والعيون والعلل والإكمال والمعاني والمجالس والاعتقادات من تصنيف (تصانيف خ ل) الصدوق أبي جعفر بن بابويه رحمه الله وكالمناقب لمحمّد بن شهرآشوب المازندراني ، وكالتهذيب والغيبة والأمالي للشيخ أبي جعفر الطوسيّ أطاب الله ثراهم ، وكنّينا عن كتاب من لا يحضره الفقيه بالفقيه واكتفينا عن ذكر تفسيري عليّ بن إبراهيم القمّيّ ومحمّد بن مسعود العيّاشيّ واسميهما بالقمي والعيّاشيّ ، وعبرنا عن تفسير الإمام أبي محمّد العسكريّ عليه السلام بتفسير الإمام واقتصرنا في التعبير عن المعصوم على ذكر لقبه تعظيماً بعدم التسمية وحذراً عن الاشتباه بذكر الكنى لاشتراك بعضها وطلباً للاختصار وكلما أضمرنا عن المعصوم بقولنا عنه عليه السلام فمرجع الضمير الإمام الذي سبق ذكره وكلما لم نسم الكتاب فالمروي عنه (منه خ ل) الكتاب الذي مضى اسمه أو اسم مصنّفه إلّا ما صدّر بروي والقمّيّ قد يسند إلى المعصوم عليه السلام وقد لا يسند وربما يقول : قال والظاهر أنّه أراد به الصادق عليه السلام فان (كما ان خ ل) الشيخ أبا علي الطبرسيّ قد يروي عنه ما أضمره ويسنده إلى الصادق عليه السلام ونحن نروي ما أضمره على إضماره وحذفنا الأسانيد في الكل لقلة جدوى المعرفة بها في هذا العصر البعيد العهد عنها مع الاختلاف فيها والاشتباه على أنا إنّما نصحح الأخبار بنحو آخر غير الأسانيد إلّا قليلاً ونستعين في ذلك كله بالله وحده ولا نتخذ إلى غيره

٧٧

سبيلا فيها إخواني خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ.

٧٨

تفسير الاستعاذة

في تفسير الإمام عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام : أَعُوذُ امتنع بِاللهِ السّمِيْعِ لمقال الأخيار والأشرار ولكل المسموعات من الإعلان والأسرار الْعَلِيْمِ بأفعال الأبرار والفجّار وبكل شي ممّا كان وما يكون وما لا يكون أن لو كان كيف يكون مِنَ الشَّيْطانِ البعيد من كل خير الرَّجِيْمِ المرجوم باللعن المطرود من بقاع الخير ، وفي المعاني عن الزكي صلّى الله عليه وآله وسلم : معنى الرجيم أنّه مرجوم باللعن مطرود من الخير لا يذكره مؤمن الا لعنه وإن في علم الله السابق إذا خرج القائم عليه السلام لا يبقى مؤمن إلّا رجمه بالحجارة كما كان قبل ذلك مرجوماً باللعن ، وفي تفسير الإمام عليه السلام : والاستعاذة هي : ما قد أمر الله بها عباده عند قراءتهم القرآن فقال : فَإِذا (إذا خ ل) قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ.

أقول : الاستعاذة تطهير اللسان عما جرى عليه من غير ذكر الله ليستعد لذكر الله والتلاوة والتنظيف للقلب من تلوث الوسوسة ، ليتهيأ للحضور لدى المذكور ويجد الحلاوة.

٧٩

سُورة الفاتحة

مكيّة ، وقيل مدنية ، وقيل أُنزلت مرتين مرة بمكّة ومرة بالمدينة وهي سبع آيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (١)

في التوحيد وتفسير الإمام عن أمير المؤمنين عليه السلام : الله هو الذي يتأله إليه كل مخلوق عند الحوائج والشدائد إذا انقطع الرجاء من كل وجه من دونه وتقطع الأسباب من (عن خ ل) جميع من سواه تقول بِسْمِ اللهِ أي أستعين على أموري كلها بالله الذي لا تحق العبادة الّا له المغيث إذا استغيث والمجيب إذا دعي.

أقول : معنى يتأله إليه : يفزع إليه ويلتجأ ويسكن.

وفي رواية أخرى عنه عليه السلام : يعني بهذا الاسم اقرأ واعمل هذا العمل.

وفي العيون والمعاني عن الرضا عليه السلام : يعني بهذا أسِمُ نفسي بسمة من سمات الله وهي العبادة ، قيل له ما السمة قال العلامة.

وفي التوحيد وتفسير الإمام عليه السلام : قال رجل للصادق عليه السلام : يا بن رسول الله دلني على الله ما هو فقد أكثر علي المجادلون وحيروني فقال يا عبد

__________________

(١) قيل الوجه في كتابه البسملة بحذف الألف على خلاف وضع الخط كثرة الاستعمال وتطويل الباء عوض عنها منه قدس الله سره.

روي : أن قريشاً كانت تكتب في الجاهلية بسمك اللهمّ حتّى نزلت سورة هود فيها بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها فأمر النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم أن يكتب بسم الله ثمّ نزل عليه بعد ذلك : قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى ، فأمر صلّى الله عليه وآله وسلم أن يكتب بسم الله الرحمن فلما نزلت سورة النمل : إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أمر صلّى الله عليه وآله وسلم أن يكتب ذلك في صدور الكتب وأوائل الرسائل. وهي آية من كل سورة وقولنا : بسم الله أي أبتدئ ببسم الله أو ابتدائي ببسم الله فهو خبر مبتدأ محذوف واشتقاق الاسم من السمو وهو العلو والرفعة ومنه سما الزرع أي علا وارتفع. ومنه اشتقاق السماء لارتفاعها وعلوها وقيل هو مشتق من السمة التي هي العلامة فكأنّه علامة لما وضع له. منه قدّس سرّه.

٨٠