تفسير الصّافي - ج ١

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]

تفسير الصّافي - ج ١

المؤلف:

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: منشورات مكتبة الصدر
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٣
ISBN الدورة:
964-6847-51-X

الصفحات: ٥٢٨

وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ.

في المجمع والجوامع عن ابن عبّاس : نزلت في عليّ عليه السلام كان معه أربعة دراهم فتصدّق بدرهم ليلاً وبدرهم نهاراً وبدرهم سراً وبدرهم علانية قال وروى ذلك عن الباقر والصادق صلوات الله عليهما.

والعيّاشيّ عن أبي إسحاق قال : كان لعلي بن أبي طالب أربعة دراهم لم يملك غيرها فتصدّق بدرهم ليلاً وبدرهم نهاراً وبدرهم سراً وبدرهم علانية فبلغ ذلك النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم فقال يا علي ما حملك على ما صنعت قال انجاز موعد الله فأنزل الله الآية.

وفي الفقيه عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم : انها نزلت في النفقة على الخيل. قال وروي : انها نزلت في أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه وكان سبب نزولها انها كان معه أربعة دراهم فتصدّق بدرهم بالليل وبدرهم بالنهار وبدرهم في السر وبدرهم في العلانية فنزلت فيه هذه الآية قال والآية إذا نزلت في شيء فهي منزلة في كل ما يجري فيه والاعتقاد في تفسيرها انها نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام وجرت في النفقة على الخيل وأشباه ذلك.

وفي الكافي والعيّاشيّ عن الصادق عليه السلام : انها ليست من الزكاة.

(٢٧٥) الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إذا بعثوا من قبورهم إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ الا كقيام المصروع مِنَ الْمَسِ أي الجنون.

في المجمع والقمّيّ عن الصادق عليه السلام قال قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم : لما أُسرى بي إلى السماء رأيت قوماً يريد أحدهم أن يقوم فلا يقدر أن يقوم من عظم بطنه فقلت من هؤلاء يا جبرائيل قال هؤلاء الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِ وإذا هم بسبيل آل فرعون يعرضون على النار غدوّاً وعشياً يقولون ربنا متى تقوم الساعة.

والعيّاشيّ عنه عليه السلام قال : آكل الربا لا يخرج من الدنيا حتّى يتخبّطه الشيطان ذلِكَ العقاب بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا قاسوا أحدهما بالآخر وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا إنكار لتسويتهم وإبطال للقياس.

٣٠١

في الكافي عن الصادق عليه السلام : إنّما حرّم الله الربوا لئلا يمتنع الناس من اصطناع المعروف.

أقول : يعني بالمعروف القرض الحسن كما يأتي عند تفسير (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ) فَمَنْ جاءَهُ بلغه مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ زجر بالنهي فَانْتَهى فاتّعظ وامتنع منه فَلَهُ ما سَلَفَ لا يؤاخذ بما مضى منه ولا يسترد منه.

في الكافي عن أحدهما عليهما السلام وفي التهذيب عن الباقر عليه السلام والعيّاشيّ عنهما عليهما السلام قال : الموعظة التوبة.

وفي الكافي والفقيه عن الصادق عليه السلام قال : كل ربا أكله الناس بجهالة ثمّ تابوا فانه يقبل منهم إذا عرف منهم التوبة وقال لو أن رجلاً ورث من أبيه مالاً وقد عرف ان في ذلك المال رباً ولكن قد اختلط في التجارة بغير حلال كان حلالاً طيّباً فليأكله وإن عرف منه شيئاً معزولاً انّه رباً فليأخذ رأس ماله وليرد الرّبوا وأيّما رجل أفاد (١) مالاً كثيراً قد أكثر فيه من الرّبوا فجعل ذلك ثمّ عرفه بعد ذلك فأراد أن ينزعه فما مضى فله ويدعه فيما يستأنف وفي معناه أخبار كثيرة.

وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ يحكم في شأنه وَمَنْ عادَ إلى تحليل الرّبوا والاستخفاف به بعد أن تبين له تحريمه فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ.

في الكافي عن الصادق عليه السلام : انه سئل عن الرجل يأكل الربوا وهو يرى أنّه حلال قال لا يضرّه حتّى يصيبه متعمّداً فإذا أصابه متعمّداً فهو بالمنزلة التي قال الله عزّ وجلّ.

وفي الفقيه والعيون عن الرضا عليه السلام : وهي كبيرة بعد البيان قال والاستخفاف بذلك دخول في الكفر قال بعض العارفين أكل الرّبوا أسوأ حالاً من جميع مرتكبي الكبائر فان كل مكتسب له توكل فيما كسبه قليلاً كان أو كثيراً كالتاجر والزارع والمحترف لم يعيّنوا أرزاقهم بعقولهم ولم يتعين لهم قبل الاكتساب فهم على غير معلوم في الحقيقة كما قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم : أبى الله أن يرزق المؤمن الا من حيث لا يعلم وأمّا أكل الربوا فقد عين

__________________

(١) أفاد بمعنى استفاد وفي الفقيه أراد مكان أفاد وذلك إشارة إلى تحريم الربوا والبارز في ينزعه راجع إلى الربوا بمعنى الزائد ، وفي الفقيه نزع ذلك المال وهو أوضح «منه».

٣٠٢

مكسبه ورزقه وهو محجوب عن ربّه بنفسه وعن رزقه بتعيينه لا توكّل له اصلاً فوكّله الله إلى نفسه وعقله وأخرجه من حفظه وكلائته فاختطفته الجن وخبّلته فيقوم يوم القيامة ولا رابطة بينه وبين الله عزّ وجلّ كسائر الناس من المرتبطين به بالتوكل فيكون كالمصروع الذي مسّه الشيطان فيتخبّطه لا يهتدي إلى مقصده.

(٢٧٦) يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا يذهب بركته ويهلك المال الذي يدخل فيه.

في الفقيه والكافي : سئل الصادق عليه السلام عن هذه الآية قيل وقد أرى من يأكل الربوا يربو ماله قال فأي محق أمحق من درهم ربوا يمحق الدين وإن تاب منه ذهب ماله وافتقر وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ يضاعف ثوابها ويبارك فيما أخرجت منه.

العيّاشيّ عن الصادق عليه السلام قال قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم : إنّه ليس شيء الا وقد وكل (١) به ملك غير الصدقة فان الله يأخذه بيده ويربِّيه كما يربي أحدكم ولده حتّى تلقاه يوم القيامة وهي مثل أحد وفي معناه أخبار كثيرة.

وفي الحديث النبوي : ما نقص مال من صدقة وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ مصرّ على تحليل المحرمات أَثِيمٍ منهمك في ارتكابه.

(٢٧٧) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ.

(٢٧٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا واتركوا بقايا ما شرطتم على الناس من الربوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ بقلوبكم فان دليله امتثال ما أمرتم به.

في المجمع عن الباقر عليه السلام : أن الوليد بن المغيرة كان يربي في الجاهلية وقد بقي له بقايا على ثقيف فأراد خالد بن الوليد المطالبة بها بعد أن أسلم فنزلت.

والقمّيّ : لما نزلت الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا قام خالد بن الوليد فقال يا رسول الله ربا أبي في

__________________

(١) وفي رواية : ان الله يقول ليس شيء الا وكلته به ان يقضيه غيري الا الصدقة فأنا أتلقفها حتّى الرجل والمرأة يتصدق بتمرة وشق تمرة اربيها كما يربى الرجل فلوه وفصيله فيلقى يوم القيامة وهي مثل أحد وأعظم من احد. والفلو ولد الفرس والفصيل ولد الناقة إذا فصل عن أمه «منه».

٣٠٣

ثقيف وقد أوصاني عند موته بأخذه فأنزل الله.

(٢٧٩) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ فاعلموا بها من أذن بالشيء إذا علم به وقرئ بمدّ الألف وكسر الذّال من الإيذان بمعنى الاعلام فإنهم إذا علموا أعلموا بدون العكس فهو آكد والتنكير للتعظيم.

في الكافي عن الصادق عليه السلام : درهم رباً أشدّ عند الله من سبعين زنية كلها بذات محرم.

وزاد القمّيّ : في بيت الله الحرام وقال : الرّبوا سبعون جزءاً أيسره مثل أن ينكح الرجل أمّه في بيت الله الحرام.

وفي الفقيه والتهذيب عن أمير المؤمنين عليه السلام : لعن رسول الله الرّبوا وآكله وبايعه ومشتريه وكاتبه وشاهديه.

وَإِنْ تُبْتُمْ من الارتباء واعتقاد حلّه فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ المديونين بأخذ الزيادة وَلا تُظْلَمُونَ بالمطل والنقصان منها.

(٢٨٠) وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ ان وقع في غرمائكم ذو إعسار فَنَظِرَةٌ فانظار أي فانظروه إِلى مَيْسَرَةٍ وقرئ بضم السين إلى وقت يسار وَأَنْ تَصَدَّقُوا وقرئ بتخفيف الصَّاد تتصدّقوا بالإبراء خَيْرٌ لَكُمْ أكثر ثواباً من الانظار إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ في الكافي عن الصادق عليه السلام قال : صعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم المنبر ذات يوم فحمد الله وأثنى عليه وصلّ على أنبيائه ثمّ قال أيها الناس ليبلغ الشاهد منكم الغائب الا ومن أنظر منكم معسراً كان له على الله في كل يوم صدقة بمثل ماله حتّى يستوفيه ثمّ قال أبو عبد الله عليه السلام وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ انّه معسر فتصدّقوا عليه بما لكم عليه وعنه عليه السلام قال : من أراد أن يظلّه الله يوم لا ظلّ إلَّا ظلّه قالها ثلاثاً فهابه الناس أن يسألوه فقال فلينظر معسراً (١) أو ليدع له معه من حقه وعنه عليه السلام قال : خلّوا سبيل المعسر كما خلاه الله.

__________________

(١) أراد أن يبين ان المعسر إذا صار بحيث انظاره فهل لانظاره مدة معلومة إذا لم يكن له منتظر «منه».

٣٠٤

وعنه عليه السلام : انه جاء إليه رجل فقال له يا أبا عبد الله قرض إلى ميسرة فقال له أبو عبد الله عليه السلام إلى غلّة تدرك فقال الرجل لا والله قال فالى تجارة تؤوب قال لا والله قال فالى عقدة تباع فقال لا والله فقال أبو عبد الله عليه السلام فأنت ممّن جعل الله له من أموالنا حقاً ثمّ دعا بكيس فيه دراهم فأدخل يده فيه فناوله منه قبضة.

وفيه والعيّاشيّ عن الرضا عليه السلام : انه سئل عن هذه النظرة التي ذكرها الله عزّ وجلّ في كتابه لها حدّ يعرف إذا صار هذا المعسر لا بدّ له من أن ينظر وقد أخذ مال هذا الرجل وأنفقه على عياله وليس له غلّة ينتظر إدراكها ولا دين ينتظر محلّه ولا مال غائب ينتظر قدومه؟ قال نعم ينتظر بقدر ما ينتهي خبره إلى الامام فيقضي عنه ما عليه من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في طاعة الله فان كان أنفقه في معصية الله فلا شيء له على الامام قيل فما لهذا الرجل الذي ائتمنه وهو لا يعلم فيما أنفقه في طاعة الله أم في معصية الله؟ قال يسعى له فيما له فيرده وهو صاغر.

القمّيّ عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم قال : ما من غريم ذهب بغريمه إلى والٍ من ولاة المسلمين واستان للوالي عسرته الا بريء هذا المعسر من دينه وصار دينه على والي المسلمين فيما في يديه من أموال المسلمين.

(٢٨١) وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ تأهبوا لمصيركم إليه وقرئ بفتح التاء وكسر الجيم ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ من خير أو شرّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ بنقص ثواب أو تضعيف عقاب.

في المجمع عن ابن عبّاس : انها آخر آية نزل بها جبرائيل.

(٢٨٢) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إذا تعاملتم نسيئة إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى معلوم فَاكْتُبُوهُ لأنّه أوثق وادفع للنزاع.

في العلل عن الباقر عليه السلام : ان الله عزّ وجلّ عرض على آدم أسماء الأنبياء وأعمارهم قال فمرّ بآدم اسم داود النبيّ فإذا عمره في العالم أربعون سنة فقال آدم يا ربّ ما أقل عمر داود وما أكثر عمري يا ربّ ان انا ازددت داود ثلاثين سنة أتثبت ذلك له قال نعم يا آدم قال فانّي قد زدته من عمري ثلاثين سنة فأنفذ ذلك وأثبتها له عندك واطرحها من عمري قال أبو

٣٠٥

جعفر عليه السلام فأثبت الله عزّ وجلّ لداود في عمره ثلاثين سنة وكانت له عند الله مثبتة فذلك قوله عزّ وجلّ يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ ، قال فمحا الله ما كان عنده مثبتاً لآدم وأثبت لداود ما لم يكن عنده مثبتاً قال فمضى عمر آدم فهبط ملك الموت لقبض روحه فقال له آدم يا ملك الموت انه قد بقي من عمري ثلاثون سنة فقال له ملك الموت يا آدم ألم تجعلها لابنك داود النبيّ وطرحتها من عمرك حين عرض عليك أسماء الأنبياء من ذرّيتك وعرضت عليك أعمارهم وأنت يومئذ بوادي الدّخياء فقال له آدم ما اذكر هذا قال فقال له ملك الموت يا آدم لا تجحد ألم تسأل الله عزّ وجلّ أن يثبته لداود ويمحوها من عمرك فأثبتها لداود في الزّبور ومحاها من عمرك في الذكر قال آدم حتّى أعلم ذلك ، قال أبو جعفر عليه السلام : وكان آدم صادقاً قال لم يذكر ولم يجحد فمن ذلك اليوم أمر الله تبارك وتعالى العباد أن يكتبوا بينهم إذا تداينوا وتعاملوا إلى أجل لأجل نسيان آدم وجحوده ما على نفسه.

وفي الكافي ما يقرب منه في روايتين على اختلاف في عدد ما يزيد على عمر داود : وزاد شهادة جبرائيل وميكائيل على آدم.

وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ لا يزيد على ما يجب ولا ينقص وَلا يَأْبَ كاتِبٌ لا يمتنع احد من الكتّاب أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللهُ مثل ما علّمه الله من كتبه الوثائق ولا يأب أن ينفع الناس بكتابته كما نفعه الله بتعليمها كقوله وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ فَلْيَكْتُبْ تأكيداً ومتعلق بكما علّمه الله وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُ لأنّه المقرّ المشهود عليه والإملال والأملاء واحد وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ أي المملي أو الكاتب وَلا يَبْخَسْ ولا ينقص مِنْهُ من الحق أو ممّا أملى عليه شَيْئاً فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً ناقص العقل أو مبذّراً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ في تفسير الإمام : يعني ضَعِيفاً في بدنه لا يقدر أن يملّ أو ضعيفاً في فهمه وعلمه لا يقدر أن يمل ويميز الألفاظ التي هي عدل عليه وله من الألفاظ التي هي جور عليه أو على حميمه أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ بمعنى أن يكون مشغولاً في مرّمة لمعاش أو تزوّد لمعاد أو لذة في غير محرّم فان تلك الأشغال التي لا ينبغي للعاقل أن يشرع في غيرها.

وفي التهذيب عن الصادق عليه السلام : السفيه الذي يشتري الدرهم بأضعافه والضعيف الأبله.

٣٠٦

والعيّاشيّ عنه : السفيه الشارب الخمر والضعيف الذي يأخذ واحداً باثنين فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ النائب عنه والقيّم بأمره بِالْعَدْلِ بأن لا يحيف على المكتوب له ولا المكتوب عليه وَاسْتَشْهِدُوا على الدَّين شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ أحراركم دون عبيدكم فان الله قد شغل العبيد بخدمة مواليهم عن تحمل الشهادات وعن أدائها وليكونوا من المسلمين منكم فان الله شرف المسلمين العُدول بقبول شهاداتهم وجعل ذلك من الشرف العاجل لهم ومن ثواب دنياهم قبل أن يصلوا إلى الآخرة كذا في تفسير الإمام عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم. :.

أقول : لا ينافيه تقييد الاستشهاد بالأحرار لاشتغال العبيد بالخدمة قبول شهادة العبيد إذا استشهدوا وكانوا عدولاً كما يثبت عن أهل البيت عليهم السلام فَإِنْ لَمْ يَكُونا يعني الشهيدين رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ قال عليه السلام : يعني ممن ترضون دينه وأمانته وصلاحه وعفّته وتيقّظه فيما يشهد به وتحصيله وتميّزه فما كل صالح مميّز ولا محصّل ولا كل محصّل مميّز صالح وإنّ من عباد الله لمن هو أهل لصلاحه وعفّته لو شهد لم يقبل شهادته لقلّة تميّزه فإذا كان صالحاً عفيفاً مميّزاً محصّلاً مجانباً للمعصية والهوى والميل والتحامل فذلك الرجل الفاضل فيه فتمسّكوا وبهداه فاقتدوا وان انقطع عنكم المطر فاستمطروا به وان امتنع نبات فاستخرجوا به النبات وان تعذّر عليكم الرزق فاستدروا به الرزق فان ذلك ممن لا يخيّب طلبه ولا ترد مسألته أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما وقرئ بكسر الهمزة فَتُذَكِّرَ وقرئ مرفوعاً وبالتخفيف والنصب من الاذكار إِحْداهُمَا الْأُخْرى في تفسير الإمام عن أمير المؤمنين عليه السلام : إذا ضلت إحداهما عن الشهادة ونسيتها ذكرتها الأخرى فاستقامتا في أداء الشهادة.

أقول : وهو من قولهم ضلّ الطريق إذا لم يهتد وهذه علّة لاعتبار العدد قال عليه السلام : عدل الله شهادة امرأتين بشهادة رجل لنقصان عقولهن ودينهن.

وفي الكافي عن الصادق عليه السلام في عدة أخبار : أربعة لا يستجاب لهم دعوة أحدهم رجل كان له مال فأدانه بغير بينة يقول الله عزّ وجلّ ألم آمرك بالشهادة وعنه عليه السلام : من ذهب حقه على غير بيّنة لم يؤجر.

وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا في الكافي والعيّاشيّ عن الصادق عليه السلام في عدة

٣٠٧

أخبار في هذه الآية قال : لا ينبغي لأحد إذا ما دعي إلى الشهادة ليشهد عليها أن يقول لا أشهد لكم وفي بعضها قال في آخره : فذلك قبل الكتاب وفي بعضها هي قبل الشهادة ومن يكتمها بعد الشهادة.

وعن الكاظم عليه السلام فيها : إذا ما دعاك الرجل تشهد له على دين أو حقّ لم ينبغ لك أن تقاعس عنه.

وفي تفسير الإمام عن أمير المؤمنين عليه السلام في هذه الآية : من كان في عنقه شهادة فلا يأب إذا دعي لإقامتها وليقمها ولينصح فيها ولا تأخذه فيها لومة لائم وليأمر بالمعروف ولينه عن المنكر قال في خبر آخر : وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا أنزلت فيمن إذا دعى لاقامة إسماع الشهادة فأبى ونزلت فيمن امتنع عن أداء الشهادة إذا كانت عنده وَلا تَسْئَمُوا ولا تملوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً كان الحق أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ إلى وقت حلوله الذي أقرّ به المديون ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ أعدل وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وأثبت لها وأعون على إقامتها وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا وأقرب في أن لا تشكّوا في جنس الدين وقدره وأجله والشهود ونحو ذلك إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ إلا أن تتبايعوا يداً بيد فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها لبعده عن التنازع والنسيان وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ لأنّه أحوط وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ يحتمل البنائين وهو نهى لهما عن ترك الإجابة والتحريف والتغيير في الكتب والشهادة أو نهي عن الضرار بهما مثل أن يعجّلا عن مهمّ ويكلّفا الخروج عما حدّ لهما أو لا يعطي الكاتب جعله والشهيد مؤنة مجيئه حيث كان وَإِنْ تَفْعَلُوا الضّرار وما نهيتم عنه فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ خروج عن الطاعة لا حقّ بكم وَاتَّقُوا اللهَ في مخالفة أمره ونهيه وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ أحكامه المتضمنّة لمصالحكم وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ قيل كرر لفظة الله في الجمل الثلاث لاستقلالها فان الأولى حثّ على التقوى والثانية وعد بانعامه والثالثة تعظيم لشأنه ولأنه ادخل في التعظيم من الكناية.

القمّيّ في البقرة خمسمائة حكم وفي هذه الآية خاصّة خمسة عشر حكماً.

(٢٨٣) وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ أي مسافرين وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ فالذي يستوثق به رهان وقرئ فرهن بضمتين وكلاهما جمع رهن هو بمعنى مرهون مَقْبُوضَةٌ في الكافي عن

٣٠٨

الصادق عليه السلام : لا رهن الا مقبوضاً.

أقول : وليس الغرض تخصيص الارتهان بحال السفر ولكن السفر لما كان مظنّة لإِعواز الكتب والاشهاد امر المسافر بأن يقيم الارتهان مقام الكتابة والإِشهاد على سبيل الإرشاد إلى حفظ المال فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً بعض الدّائنين بعض المديونين بحسن ظنه به فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ وهو الذي عليه الحق أَمانَتَهُ سمّى الدين أمانة لايتمانه عليه بترك الارتهان منه وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ في الخيانة وإنكار الحق وفيه من المبالغات ما لا يخفى وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ خطاب للشهود وَمَنْ يَكْتُمْها مع علمه بالمشهود به وتمكنّه من أدائها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ يعني أن كتمان الشهادة من آثام القلوب ومن معاظم الذّنوب.

في الفقيه عن الباقر عليه السلام قال : كافر قلبه وفي حديث مناهي النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم : ونهى عن كتمان الشهادة وقال من كتمها أطعمه الله لحمه على رؤوس الخلائق وهو قول الله عزّ وجلّ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ تهديد.

(٢٨٤) لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ خلقاً وملكاً وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ من خير أو شر أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ في نهج البلاغة : وبما في الصدور يجازي العباد.

أقول : لا يدخل فيما يخفيه الإنسان الوساوس وحديث النفس لأن ذلك ممّا ليس في وسعه الخلوّ منه ولكن ما اعتقده وعزم عليه.

في الكافي عن الصادق عليه السلام قال قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم : وضع عن أمتي تسع خصال الخطأ والنسيان وما لا يعلمون وما لا يطيقون وما اضطروا إليه وما استكرهوا عليه والطّيرة والوسوسة في التفكر في الخلق والحسد ما لم يظهر بلسان أو يد.

والعيّاشيّ عنه عليه السلام في هذه الآية قال : حقيق على الله أن لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبّة من خردل من حبّهما.

فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ مغفرته وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ تعذيبه وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فيقدر على المحاسبة.

٣٠٩

(٢٨٥) آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ شهادة وتنصيص من الله على الاعتداد بإيمانه وَالْمُؤْمِنُونَ قيل اما عطف على الرَّسُولُ وما بعده استئناف واما استئناف بافراد الرسول وافراد إيمانه تعظيماً لشأنه وشأن إيمان.

أقول : وللافراد وجه آخر يأتي في الحديث.

كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وقرئ وكتابه في الغيبة عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم انه قال : ليلة اسري بي إلى السماء قال العزيز جل ثناؤه آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ قلت وَالْمُؤْمِنُونَ قال صدقت يا محمد لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ يقولون ذلك والمراد نفي الفرق في التصديق وقرئ لا يفرق بالياء واحد في معنى الجمع لوقوعه في سياق النفي ولذا دخل عليه «بين» وَقالُوا سَمِعْنا أجبنا وَأَطَعْنا أمرك غُفْرانَكَ اغفر غفرانك أو نطلب غفرانك رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ المرجع بعد الموت وهو إقرار منهم بالبعث لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً فيما افترض الله عليها رواه العيّاشيّ عن أحدهما عليهما السلام إِلَّا وُسْعَها الا ما يسعه قدرتها فضلاً ورحمة.

وفي التوحيد عن الصادق صلوات الله عليه : ما أمر العباد الا دون سعتهم وكل شيء امر الناس بأخذه فهم متسعون له ما لا يتسعون له فهو موضوع عنهم ولكن الناس لا خير فيهم لَها ما كَسَبَتْ من خير وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ من شر لا ينتفع بطاعتها ولا يتضرّر بمعاصيها غيرها رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا أي لا تؤاخذنا بما أدى بنا إلى نسيان أو خطأ من تفريط أو من قلّة مبالاة رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً حملاً ثقيلاً يأصر صاحبه أي يحبسه في مكانه يعني به التكاليف الشاقة كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا يعني به ما كلّف به بنو إسرائيل من قتل الأنفس وقطع موضع النجاسة وغير ذلك رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ من العقوبات النّازلة بمن قبلنا وَاعْفُ عَنَّا وامح ذنوبنا وَاغْفِرْ لَنا واستر عيوبنا ولا تفضحنا بالمؤاخذة وَارْحَمْنا تعطّف بنا وتفضّل علينا أَنْتَ مَوْلانا سيّدنا ونحن عبيدك فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ بالقهر لهم والغلبة بالحجة عليهم فان من حقّ المولى أن ينصر مواليه على الأعداء.

العيّاشيّ عن أحدهما عليهما السلام في آخر البقرة قال : لما دعوا أُجيبوا.

والقمّيّ عن الصادق عليه السلام : ان هذه الآية مشافهة الله لنبيّه صلّى الله عليه وآله وسلم

٣١٠

لما أسري به إلى السماء قال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم لما انتهيت إلى سدرة المنتهى وإذا الورقة منها تظل أمّة من الأمم وكنت من ربي ك قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى كما حكى الله عزّ وجلّ فناداني ربي تبارك وتعالى آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ فقلت أنا مجيبه عني وعن أمتي وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ فقلت سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ فقال الله لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ فقلت رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا فقال الله لا أؤاخذك فقلت رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا فقال الله لا أحملك فقلت رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ فقال الله تبارك وتعالى قد أعطيت ذلك لك ولأمتك فقال الصادق عليه السلام ما وفد إلى الله تعالى أحد أكرم من رسول الله حين سأل لأمّته هذه الخصال.

والعيّاشيّ ما في معناه في حديث بدون قوله فقال الصادق عليه السلام إلى آخر الحديث.

وفي الاحتجاج عن الكاظم عليه السلام عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السلام في حديث يذكر فيه مناقب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم قال : انه لما أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى مسيرة شهر وعرج به في ملكوت السماوات مسيرة خمسين ألف عام في أقل من ثُلث ليلة حتّى انتهى إلى ساق العرش فدنا بالعلم فتدلّى وقد دلى له من الجنة رفرف أخضر وغشّى النور بصره فرأى عظمة ربّه عزّ وجلّ بفؤاده ولم يرها بعينه فَكانَ ك قابَ قَوْسَيْنِ بينهما وبينه أَوْ أَدْنى فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى فكان فيما أوحى إليه الآية التي في سورة البقرة قوله تعالى لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وكانت الآية قد عرضت على الأنبياء من لدن آدم على نبيّنا وعليه السلام إلى أن بعث الله تبارك اسمه محمّداً صلّى الله عليه وآله وسلم وعرضت على الأمم فأبوا أن يقبلوها من ثقلها وقبلها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم وعرضها على أمّته فقبلوها فلما رأى الله عز وجل منهم القبول على أنّهم لا يطيقونها فلما أن سار إلى ساق العرش كرر عليه الكلام ليفهمه فقال آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ فأجاب مجيباً عنه وعن أمته فقال وَالْمُؤْمِنُونَ

٣١١

كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ فقال جل ذكره لهم الجنة والمغفرة على أن فعلوا ذلك فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم أمّا إذا فعلت ذلك بنا ف غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ يعني المرجع في الآخرة ، قال فأجابه الله عزّ وجلّ ثناؤه وقد فعلت ذلك بك وبأمتك ، ثمّ قال عزّ وجلّ أمّا إذا قبلت الآية بتشديدها وعظم ما فيها وقد عرضتها على الأمم فأبوا أن يقبلوها وقبلتها أمّتك فحق عليّ أن أرفعها عن أمتك وقال لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ من خير وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ من شر ، فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم لما سمع ذلك أمّا إذا فعلت ذلك بي وبأمتي فزدني قال سل قال رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا قال الله تعالى لست أوأخذ امّتك بالنسيان أو الخطأ لكرامتك عليّ وكانت الأمم السالفة إذا نسوا ما ذكروا به فتحت عليهم أبواب العذاب وقد رفعت ذلك عن أمتك وكانت الأمم السالفة إذا أخطأ وأُخذوا بالخطإ وعوقبوا عليه وقد رفعت ذلك عن أمتك لكرامتك علي فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله اللهم إذا أعطيتني ذلك فزدني فقال الله تعالى له سل قال : (رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا) يعني بالإصر الشدائد التي كانت على من كان قبلنا فأجابه الله إلى ذلك فقال تبارك وتعالى اسمه قد رفعت عن امّتك الآصار التي كانت على الأمم السالفة كنت لا أقبل صلواتهم الا في بقاع من الأرض معلومة اخترتها لهم وإن بعدت وقد جعلت الأرض كلّها لأمّتك مسجداً وطهوراً فهذه من الآصار التي كانت على الأمم قبلك فرفعتها عن أمتك وكانت الأمم السالفة إذ أصابهم اذىً من نجاسة قرضوها من أجسادهم وقد جعلت الماء طهوراً لأمتك فهذه من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن أمتك وكانت الأمم السالفة تحمل قرابينها (١) إلى بيت المقدس فمن قبلت ذلك منه أرسلت إليه ناراً فأكلته فرجع مسروراً ومن لم أقبل ذلك منه رجع مثبوراً (٢) وقد جعلت قربان أمتك في بطون فقرائها ومساكينها فمن قبلت ذلك منه أضعفت ذلك له أضعافاً مضاعفة ومن لم أقبل ذلك منه رفعت عنه عقوبات الدنيا وقد رفعت ذلك عن أمّتك وهي من الآصار التي كانت على الأمم قبلك وكانت الأمم السالفة صلاتها مفروضة عليها في ظلم الليل وانصاف النهار وهي من الشدائد التي كانت عليهم فرفعت عن أمّتك وفرضت عليهم صلواتهم في أطراف الليل والنهار وفي أوقات نشاطهم وكانت

__________________

(١) القربان بالضم ما يتقرب به إلى الله تعالى ج قرابين «ق».

(٢) قوله تعالى مَثْبُوراً أي مهلكاً وقيل ملعوناً مطروداً «مجمع».

٣١٢

الأمم السالفة قد فرضت عليهم خمسين صلاة في خمسين وقتاً وهي من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن أمّتك وجعلتها خمساً في خمسة أوقات وهي إحدى وخمسون ركعة وجعلت لهم أجر خمسين صلاة وكانت الأمم السالفة حسنتهم بحسنة وسيّئتهم بسيّئة وهي من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن أمّتك وجعلت الحسنة بعشر والسيئة بواحدة وكانت الأمم السالفة إذا نوى أحدهم حسنة ثمّ لم يعملها لم تكتب له وإن عملها كتبت له حسنة وإن أمّتك إذا همّ أحدهم بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة وإن عملها كتبت له عشراً وهي من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن أمّتك وكانت الأمم السالفة إذا هم أحدهمّ بسيّئة ثمّ لم يعملها لم تكتب عليه وإن عملها كتبت عليه سيئة وإنّ أمّتك إذا همّ أحدهم بسيئة ثمّ لم يعملها كتبت له حسنة وهذه من الآصار التي كانت عليهم فرفعت ذلك عن أمّتك وكانت الأمم السالفة إذا أذنبوا كتبت ذنوبهم على أبوابهم وجعلت توبتهم من الذنوب ان حرّمت عليهم بعد التوبة أحبّ الطعام إليهم وقد رفعت ذلك عن أمّتك وجعلت ذنوبهم فيما بيني وبينهم وجعلت عليهم ستوراً كثيفة أو قبلت توبتهم بلا عقوبة ولا أُعاقبهم بأن أُحرّم عليهم أحبّ الطعام إليهم وكانت الأمم السالفة يتوب أحدهم من الذنب الواحد مائة سنة أو ثمانين سنة أو خمسين سنة ثمّ لا أقبل توبته دون أن أعاقبه في الدنيا بعقوبة وهي من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن أمّتك وان الرجل من أمتك ليذنب عشرين سنة أو ثلاثين سنة أو أربعين سنة أو مائة سنة ثمّ يتوب ويندم طرفة عين فاغفر له ذلك كله فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم اللهمّ إذا أعطيتني ذلك كله فزدني قال سل قال رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ قال تبارك اسمه قد فعلت ذلك بك وبأمتك وقد رفعت عنهم عظيم بلايا الأمم وذلك حكمي في جميع الأمم أن لا اكلّف خلقاً فوق طاقتهم قال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا قال الله عزّ وجلّ قد فعلت ذلك بتائبي أمّتك قال فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ قال الله جلّ اسمه ان امّتك في الأرض كالشّامة البيضاء في الثور الأسود هم القادرون وهم القاهرون يستخدمون ولا يُستخدمون لكرامتك عليّ وحقّ عليّ أن أظهر دينك على الأديان حتّى لا يبقى في شرق الأرض وغربها دين الا دينك أو يؤدّون إلى أهل دينك الجزية.

في ثواب الأعمال عن السجّاد عليه السلام قال قال رسول الله صلّى الله عليه وآله

٣١٣

وسلم من قرأ أربع آيات من أوّل البقرة وآية الكرسيّ وآيتين بعدها وثلاث آيات من آخرها لم ير في نفسه وماله شيئاً يكرهه ولا يقربه الشيطان ولا ينسى القرآن.

وعن جابر عنه صلّى الله عليه وآله وسلم في حديث قال : قال الله تبارك وتعالى وأعطيت لك ولأمّتك كنزاً من كنوز عرشي فاتحة الكتاب وخاتمة سورة البقرة.

وروي عنه صلّى الله عليه وآله وسلم : أنزل الله آيتين من كنوز الجنة كتبهما الرحمن بيده قبل أن يخلق الخلق بألفي سنة من قرأهما بعد العشاء الآخرة أجزأتاه عن قيام الليل.

وفي رواية : من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة كفتَاه.

وفي ثواب الأعمال عن الصادق عليه السلام : من قرأ سورة البقرة وآل عمران جاءتا يوم القيامة تظلّانه على رأسه مثل الغمامتين أو مثل الغيابتين يعني المظلتين.

٣١٤

سورة آل عمران

مدنيّة كلها وهي مائتا آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(١) الم قد مضى الكلام في تأويله في أوّل سورة البقرة.

وفي المعاني عن الصادق عليه السلام في حديث : وامّا الم في آل عمران فمعناه انا الله المجيد.

(٢) اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ.

(٣) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ القرآن نجوماً بِالْحَقِ بالعدل والصدق والحجج المحققة انه من عند الله مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ من الكتب وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ جملة على موسى وعيسى.

(٤) مِنْ قَبْلُ من قبل تنزيل القرآن هُدىً لِلنَّاسِ عامة وقومهما خاصّة وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ ما يفرّق به بين الحق والباطل.

في الكافي عن الصادق عليه السلام : القرآن جملة الكتاب والْفُرْقانَ المحكم الواجب العمل به.

وفي الجوامع عنه عليه السلام : الْفُرْقانَ كل آية محكمة في الكتاب.

والقمّيّ والعيّاشيّ عنه عليه السلام : الْفُرْقانَ هو كل أمر محكم والكتاب هو جملة القرآن الذي يصدق فيه من كان قبله من الأنبياء.

وفي العلل عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم : سمي القرآن فرقاناً لأنّه متفرّق الآيات

٣١٥

والسّور أُنزلت في غير الألواح وغير الصحف والتوراة والإنجيل والزبور أُنزلت كلها جملة في الألواح والورق.

(٥) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ من كتبه المنزلة وغيرها لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بسبب كفرهم وَاللهُ عَزِيزٌ غالب لا يمنع من التعذيب ذُو انْتِقامٍ شديد لا يقدر على مثله منتقم إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ عبر عن العالم بهما لأن الحسّ لا يتجاوزهما.

(٦) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ من الصُّور المختلفة من صبيح أو قبيح ذكر أو أنثى فكيف يخفى عليه شيء.

في الفقيه عن الصادق عليه السلام : ان الله تبارك وتعالى إذا أراد أن يخلق خلقاً جمع كل صورة بينه وبين آدم ثمّ خلقه على صورة إحداهن فلا يقولن أحد لولده هذا لا يشبهني ولا يشبه شيئاً من آبائي.

وفي الكافي عن الباقر عليه السلام قال : ان الله تبارك وتعالى إذا أراد أن يخلق النطفة التي هي ممّا أخذ عليه الميثاق من صلب آدم أو ما يبدو له فيه ويجعلها في الرحم حرّك الرّجل للجماع وأوحى إلى الرحم ان افتحي بابك حتّى يلج فيك خلقي وقضائي النافذ وقدري فتفتح الرحم بابها فتصل النّطفة إلى الرّحم فتردّد فيه أربعين يوماً ثمّ تصير فيه علقة أربعين يوماً ثمّ تصير مضغة أربعين يوماً ثمّ تصير لحماً تجري فيه عروق مشتبكة ثمّ يبعث الله ملكين خلّاقين يخلقان في الأرحام ما يشاء يقتحمان في بطن المرأة من فم المرأة فيصلان إلى الرحم وفيها الروح القديمة المنقولة من أصلاب الرجال وأرحام النساء فينفخان فيها روح الحياة والبقاء ويشقّان له السمع والبصر وجميع الجوارح وجميع ما في البطن بإذن الله تعالى ثمّ يوحي الله إلى الملكين اكتبا عليه قضائي وقدري ونافذ أمري واشترطا لي البداء فيما تكتبان فيقولان يا ربّ ما نكتب قال فيوحي الله عزّ وجلّ إليهما ان ارفعا رؤوسكما إلى رأس أمّه فيرفعان رؤوسهما فإذا اللوح يقرع جبهة أمّه فينظران فيه فيجدان في اللوح صورته وزينته وأجله وميثاقه شقيّاً أو سعيداً وجميع شأنه ، قال عليه السلام : فيملي أحدهما على صاحبه فيكتبان جميع ما في اللوح ويشترطان البداء فيما يكتبان ثمّ يختمان الكتاب

٣١٦

ويجعلانه بين عينيه ثمّ يقيمانه قائماً في بطن أمه قال فربما عتا فانقلب ولا يكون ذلك الا في كل عات أو مارد وإذا بلغ أوان خروج الولد تاماً أو غير تام أوحى الله تعالى إلى الرحم ان افتحي بابك حتّى يخرج خلقي إلى أرضي وينفذ فيه أمري فقد بلغ أوان خروجه قال فتفتح الرّحم باب الولد فيبعث الله عزّ وجلّ إليه ملكاً يقال له زاجر فيزجره زجرة فيفزع منها الولد فينقلب فيصير رجلاه فوق رأسه ورأسه في أسفل البطن ليسهّل الله على المرأة وعلى الولد الخروج قال فإذا احتبس زجره الملك زجرة اخرى فيفزع منها فيسقط الولد إلى الأرض باكياً فزعاً من الزجرة.

أقول : قوله ان يخلق النطفة أي يخلقها بشراً تاماً وقوله وما يبدو له فيه أي ما يبدو له في خلقه فلا يتمّ خلقه بأن يجعله سقطاً وقوله حرّك الرجل يعني بإلقاء الشهوة عليه وإيحاؤه سبحانه إلى الرّحم كناية عن فطره إيّاها على الإطاعة طبعاً فتردد بحذف احدى التّائين أي تتحوّل من حال إلى حال يقتحمان يدخلان بعنف والروح القديمة كناية عن النفس النباتية وفي عطف البقاء على الحياة دلالة على أن النفس الحيوانية مجرّدة عن المادة باقية في تلك النشأة وان النفس النباتية بمجرّدها لا تبقى وقد حققنا معنى البداء في كتابنا الموسوم «بالوافي» وقرع اللوح جبهة أمه كأنّه كناية عن ظهور أحوال أمه وصفاتها وأخلاقها من ناصيتها وصورتها التي خلقت عليها كأنها جميعاً مكتوبة عليها وإنّما يستنبط الأحوال التي ينبغي أن يكون الولد عليها من ناصية أمه ويكتب ذلك على وفق ما ثمّة للمناسبة التي تكون بينه وبينها وذلك لأن جوهر الروح إنّما يفيض على البدن بحسب استعداده وقبوله إياه واستعداد البدن تابع لأحوال نفسي الأبوين وصفاتهما وأخلاقهما لا سيما الأم المربية له على وفق ما جاء به من ظهر أبيه فناصيتها مشتملة على أحواله الأبوية والأمية أعني ما يناسبهما جميعاً بحسب مقتضى ذاته وجعل الكتاب المختوم بين عينيه كناية عن ظهور صفاته وأخلاقه من ناصيته وصورته التي خلق عليها وانه عالم بها وقتئذ بعلم بارئها بها لفنائه بعد وفناء صفاته في ربّه لعدم دخوله بعد في عالم الأسباب والصفات المستعارة والاختيار المجازي ولكنه لا يشعر بعلمه فان الشعور بالشيء أمر والشعور بالشعور أمر آخر والعتوّ الاستكبار ومجاوزة الحدّ ويقرب منه المرود لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إذ لا يعلم غيره جملة ما يعلمه ولا يقدر على مثل ما يفعله الْعَزِيزُ في جلاله الْحَكِيمُ في أفعاله.

٣١٧

(٧) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ أحكمت عباراتها بأن حفظت من الإجمال هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ أصله يرد إليها غيرها وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ محتملات لا يتضح مقصودها الا بالفحص والنظر ليظهر فيها فضل العلماء الربّانيّين في استنباط معانيها وردّها إلى المحكمات وليتوصلوا بها إلى معرفة الله تعالى وتوحيده.

العيّاشيّ عن الصادق عليه السلام : انه سئل عن المحكم والمتشابه فقال المحكم ما يعمل به والمتشابه ما اشتبه على جاهله.

وقد سبقت أخبار أخر في تفسيرهما في المقدّمة الرابعة.

وفي الكافي والعيّاشيّ عنه عليه السلام في تأويله : أن المحكمات أمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام والمتشابهات فلان وفلان.

فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ ميل عن الحق كالمبتدعة فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ فيتعلّقون بظاهره أو بتأويل باطل ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ طلب أن يفتنوا الناس عن دينهم بالتشكيك والتلبيس ومناقضة المحكم بالمتشابه.

وفي المجمع عن الصادق عليه السلام : ان الْفِتْنَةِ هنا الكفر.

وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وطلب أن يأوّلوه على ما يشتهونه وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ الذي يجب أن يحمل علي إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ الذين تثبّتوا وتمكنوا فيه.

والعيّاشيّ عن الباقر عليه السلام : يعني تأويل القرآن كله.

وفي الكافي والعيّاشيّ عن الصادق عليه السلام : نحن الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ونحن نعلم تأويله.

وفي رواية : فرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم أفضل الراسخين في العلم قد علمه الله عزّ وجلّ جميع ما أنزل عليه من التنزيل والتأويل وما كان الله لينزل عليه شيئاً لم يعلّمه تأويله وأوصياؤه من بعده يعلمونه كله.

وفي الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث قال : ثمّ ان الله جل ذكره بسعة رحمته ورأفته بخلقه وعلمه بما يحدثه المبدّلون من تغيير كلامه قسّم كلامه ثلاثة أقسام فجعل قسماً منه يعرفه العالم والجاهل وقسماً لا يعرفه الا من صفا ذهنه ولطف حسّه

٣١٨

وصحّ تميّزه ممن شرح الله صدره للإسلام وقسماً لا يعرفه الا الله وأنبياؤه والراسخون في العلم وإنّما فعل ذلك لئلا يدّعي أهل الباطل من المستولين على ميراث رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم من علم الكتاب ما لم يجعله لهم وليقودهم الاضطرار إلى الايتمار بمن ولّاه أمرهم فاستكبروا عن طاعته تعزّزاً وافتراءً على الله عزّ وجلّ واغتراراً بكثرة من ظاهرهم وعاونهم وعاند الله جل اسمه ورسوله.

يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ هؤلاء الراسخون العالمون بالتأويل يقولون آمنّا بالمتشابه كُلٌّ مِنْ المحكم والمتشابه عِنْدِ رَبِّنا من عند الله الحكيم الذي لا يتناقض كلامه وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ مدح للراسخين بجودة الذهن وحسن التدبر وإشارة إلى ما استعدوا به للاهتداء إلى تأويله وهو تجرّد العقل عن غواشي الحس.

في التوحيد والعيّاشيّ عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : اعلم ان الراسخين في العلم هم الذين أغناهم الله عن الاقتحام في السدد المضروبة دون الغيوب فلزموا الإقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب فقالوا آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا فمدح الله عز وجل اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علماً وسمي تركهم التعمّق فيما لم يكلّفهم البحث عنه منهم رسوخاً فاقتصر على ذلك ولا تقدّر عظمة الله على قدر عقلك فتكون من الهالكين.

وفي العيون عن الرضا عليه السلام قال : من ردّ متشابه القرآن إلى محكمه هدي إلى صراط مستقيم ثم قال عليه السلام : ان في اخبارنا متشابهاً كمتشابه القرآن ومحكماً كمحكم القرآن فردّوا متشابهها إلى محكمها ولا تتّبعوا متشابهها دون محكمها فتضلّوا.

(٨) رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا عن نهج الحق إلى اتباع المتشابه بتأويل لا ترتضيه وإنّما أضيف الزيغ إلى الله لأنّه مسبّب عن امتحانه وخذلانه بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا إلى الحق وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً بالتوفيق والمعونة إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ لكل سؤال ، في الكافي عن الكاظم عليه السلام في حديث هشام : يا هشام ان الله قد حكى عن قوم صالحين انهم قالوا رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ حين علموا ان القلوب تزيغ وتعود إلى عماها ورداها انه لم يخف الله من لم يعقل عن الله ومن لم يعقل عن الله لم يعقد

٣١٩

قلبه على معرفة ثابتة يبصرها ويجد حقيقتها في قلبه ولا يكون أحد كذلك الا من كان قوله لفعله مصدّقاً وسرّه لعلانيته موافقاً لأن الله تعالى لم يدلّ على الباطل الخفي من العقل الا بظاهر منه وناطق عنه.

والعيّاشيّ عن الصادق عليه السلام : أكثروا من أن تقولوا رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا ولا تأمنوا الزيغ.

(٩) رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لحساب يوم وجزائه لا رَيْبَ فِيهِ في وقوعه إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ الموعد لأن الإلهيّة تنافيه.

(١٠) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ.

(١١) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ كشأنهم وأصل الدّأب الكدح (١) وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ تهويل للمؤاخذة وزيادة تخويف للكَفَرَة.

(١٢) قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ وقرئ بالياء فيهما.

في المجمع نسب إلى رواية أصحابنا : أنه لما أصاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم قريشاً ببدر وقدم المدينة جمع اليهود في سوق قَيْنُقاع فقال : يا معشر اليهود احذروا من الله مثل ما نزل بقريش يوم بدر وأسلموا قبل أن ينزل بكم ما نزل بهم فقد عرفتم اني نبي مرسل تجدون ذلك في كتابكم فقالوا يا محمّد لا يغرّنّك انك لقيت قوماً اغماراً (٢) لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة اما والله لو قاتلتنا لعرفت انّا نحن الناس فانزل الله هذه الآية وقد فعل الله ذلك وصدق وعده بقتل بني قريظة واجلاء بني النضير وفتح خيبر ووضع الجزية على من بقي منهم وغُلِب المشركون وهو من دلائل النبوّة.

__________________

(١) كدح في العمل كمنع سعى لنفسه خيراً أو شراً والكدح بفتح العمل والسعي في الكسب لآخرة ودنيا.

(٢) رجل غمر : لم يجرب الأمور «ص».

٣٢٠