تفسير الصّافي - ج ١

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]

تفسير الصّافي - ج ١

المؤلف:

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: منشورات مكتبة الصدر
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٣
ISBN الدورة:
964-6847-51-X

الصفحات: ٥٢٨

المدينة لأمتار لأهلي طعاماً قال هل لك أن تمر بحمراء الأسد وتلقى أصحاب محمّد صلّى الله عليه وآله وسلم وتعلمهم أن حلفاءنا وموالينا قد وافونا أتونا من الأحابيش (١) حتى يرجعوا عنا ولك عندي عشرة قلائص املأها تمراً وزبيباً قال نعم فوافى من غد ذلك اليوم حمراء الأسد فقال لأصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله أين تريدون قالوا قريشاً قال ارجعوا ان قريشاً قد اجتمعت إليهم حلفاؤهم ومن كان تخلف عنهم وما أظن إلّا وأوائل خيلهم يطلعون عليكم الساعة ف قالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ما نبالي فنزل جبرئيل على رسول الله فقال ارجع يا محمّد فان الله قد ارعب قريشاً ومروا لا يلوون على شيء فرجع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة وأنزل الله الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ الآيات.

(١٧٣) الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ يعني نعيم بن مسعود الأشجعي كذا في المجمع عنهما عليهما السلام إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ يعني أبا سفيان أصحابه فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.

في المجمع عن الباقر عليه السلام : أنها نزلت في غزوة بدر الصغرى وذلك أن أبا سفيان قال يوم أُحد حين أراد أن ينصرف يا محمّد موعدنا بيننا وبينك موسم بدر الصغرى القابل إن شئت فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم ذلك بيننا وبينك فلما كان عام المقبل خرج أبو سفيان في أهل مكّة حتّى نزل مجنة (٢) من ناحية مر (٣) الظهران ثمّ القى الله عليه الرعب فبدا له في الرجوع نلقي نعيم بن مسعود الأشجعي وقد قدم معتمراً فقال له أبو سفيان اني واعدت محمّداً أن نلتقي موسم بدر الصغرى وان هذه عام جدب ولا يصلحنا إلّا عام نرعى فيه الشجر ونشرب فيه اللبن وقد بدا لي أن لا أخرج إليها وأكره أن يخرج محمّد صلّى الله عليه وآله وسلم ولا أخرج أنا

__________________

(١) وحبشي بالضم جبل بأسفل مكّة يقال منه سمي أحابيش قريش وذلك أن بني المصطلق وبني الهون بن خزيمة اجتمعوا عنده فخالفوا قريشاً وتحالفوا بالله إنا ليد على غيرنا ما سجى ليل ووضح نهار وما أرسى حبشي مكانه فسموا أحابيش قريش باسم الجبل «صحاح».

(٢) المجنة : الأرض الكثيرة الجن وموضع قرب مكّة وقد تكسر ميمها «ق».

(٣) بطن مر ويقال له مر الظهران موضع على مرحلة من مكّة «قاموس».

٤٠١

فيزيدهم ذلك جرأةً فالحق بالمدينة فثبطهم (١) ولك عندي عشرة من الإِبل أضعها على يد سهيل بن عمرو فأتى نعيم المدينة فوجد الناس يتجهزون لميعاد أبي سفيان فقال بئس الرأي رأيكم أتوكم في دياركم وقراركم فلم يفلت منكم إلّا شريد (٢) فتريدون أن تخرجوا وقد جمعوا لكم عند الموسم فو الله لا يفلت (٣) منكم أحد فكره أصحاب رسول الله الخروج فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم والذي نفسي بيده لأخرجن ولو وحدي فأما الجبان فانه رجع وأمّا الشجاع فانه تأهب للقتال وقال حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فخرج رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم في أصحابه حتّى وافى بدر الصغرى وهو ماء لبني كنانة وكانت موضع سوق لهم في الجاهلية يجتمعون إليها في كل عام ثمانية أيّام فأقام ببدر ينتظر أبا سفيان وقد انصرف أبو سفيان من مجنة إلى مكّة فسماهم أهل مكّة جيش السويق ويقولون انما خرجتم تشربون السويق ولم يلق رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم وأصحابه أحداً من المشركين ببدر ووافوا السوق وكانت لهم تجارات فباعوا وأصابت الدرهم درهمين وانصرفوا إلى المدينة سالمين غانمين.

(١٧٤) فَانْقَلَبُوا فرجعوا من بدر بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ عافية وثبات على الإيمان وزيادة فيه وَفَضْلٍ وربح في التجارة لَمْ َمْسَسْهُمْ سُوءٌ من جراحة وكيد عدو وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللهِ بجرأتهم وخروجهم وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ قد تفضل عليهم بالتثبيت وزيادة الإِيمان والتوفيق للمبادرة إلى الجهاد والتصلب في الدين وإظهار الجرأة على العدو وبالحفظ عن كل ما يسوؤهم واصابة النفع مع ضمان الأجر حتّى انقلبوا بنعمة منه وفضل وفيه تحسير وتخطئة للتخلف حيث حرم نفسه ما فازوا به.

(١٧٥) إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يعني به المثبط وهو نعيم يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ القاعدين عن الخروج مع الرسول فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ في مخالفة أمري إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فان الإِيمان يقتضي إيثار خوف الله على خوف الناس.

__________________

(١) ثبطة : عوقة «ق».

(٢) الشريد : الطريد «ص».

(٣) التفلت والإفلات التخلص يقال أفلت الطائر وغيره إفلاتاً تخلص وفلت الطائر فلتاً من باب ضرب لغة «مجمع».

٤٠٢

(١٧٦) وَلا يَحْزُنْكَ وقرئ بضم الياء وكسر الزاي الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ خوف أن يضروك ويعينوا عليك وهم المنافقون من المتخلفين إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً لن يضروا أولياء الله بمسارعتهم في الكفر وانما يضرون بها أنفسهم يُرِيدُ اللهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ نصيباً من الثواب فيها وفيه دلالة على تمادي طغيانهم وموتهم على الكفر وان كفرهم بلغ الغاية حتّى أراد أرحم الراحمين أن لا يكون لهم حظ من رحمته وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ مع الحرمان والثواب.

(١٧٧) إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ تأكيد وتعميم.

(١٧٨) وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وقرئ بالتاء أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ الاملاء الامهال واطالة العمر أو تخليتهم وشأنهم إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً اللام للعاقبة أي ليكون عاقبة أمرهم ازدياد الإثم وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ.

العيّاشيّ عن الباقر عليه السلام : أنه سئل عن الكافر الموت خير له أم الحياة فقال الموت خير للمؤمن والكافر لأن الله يقول وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ ويقول وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ الآية.

(١٧٩) ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ مختلطين لا يعرف مخلصكم من منافقكم حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ حتى يميز المنافق من المخلص بالتكاليف الشاقة التي لا يصبر عليها ولا يذعن بها إلّا الخلص المخلصون وقرئ يميز من التمييز وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ ليؤتي أحدكم علم الغيب فيطلع على ما في القلوب من إخلاص ونفاق وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ فيوحي إليه ويخبره ببعض المغيبات فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ مخلصين وَإِنْ تُؤْمِنُوا حق الإِيمان وَتَتَّقُوا النفاق فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ لا يقادر قدره.

(١٨٠) وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ وقرئ بالتاء بَلْ هُوَ أي البخل شَرٌّ لَهُمْ لاستجلاب العقاب عليهم سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ

٤٠٣

الْقِيامَةِ سيلزمون وباله الزام الطوق.

في الكافي عن الباقر والصادق عليهما السلام : ما من أحد يمنع من زكاة ماله شيئاً إلّا جعل الله ذلك يوم القيامة ثعباناً من نّار مطوقاً في عنقه ينهش (١) من لحمه حتّى يفرغ من الحساب وهو قول الله تعالى سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ يعني ما بخلوا به من الزكاة.

وعن الصادق عليه السلام قال قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم : ما من ذي زكاة مال نخل أو زرع أو كرم يمنح زكاة ماله إلّا قلده الله تربة أرضه يطوق بها من سبع أرضين إلى يوم القيامة وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وله ما فيهما ممّا يتوارث فما لهؤلاء يبخلون عليه بماله ولا ينفقونه في سبيل الله وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ من المنع والإِعطاء خَبِيرٌ فيجازيهم وقرئ بالياء على الالتفات وهو أبلغ في الوعيد.

(١٨١) لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ قاله اليهود لما سمعوا مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً كذا قيل.

والقمّيّ قال والله ما رأوا الله فيعلموا أنّه فقير ولكنهم رأوا أولياء الله فقراء فقالوا لو كان غنياً لأغنى أولياءه ففخروا على الله بالغنى.

وفي المناقب عن الباقر عليه السلام : هم الذين يزعمون أن الإِمام يحتاج إلى ما يحملونه إليه سَنَكْتُبُ ما قالُوا في صحائف الكتبة ونحفظه في علمنا لا نهمله لأنه كلمة عظيمة إذ هو كفر بالله واستهزاء به وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍ.

في الكافي عن الصادق عليه السلام : أَمَا والله ما قتلوهم بأسيافهم ولكن أذاعوا أمرهم وأفشوا عليهم فقتلوا وقرئ سيكتب بالياء وضمها وقتلهم بالرفع وَنَقُولُ وقرئ بالياء ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ وننتقم منهم بهذا القول.

(١٨٢) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ بل إنّما يعذب بمقتضى العدل ان عذب ولم يتفضل.

__________________

(١) نهشته الحية من بابي ضرب ونفع لسعته وعضته «مجمع».

٤٠٤

(١٨٣) الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنا أمرنا في التوراة وأوصانا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ حتى تأتينا بهذه المعجزة الخاصّة التي كانت لأنبياء بني إسرائيل وهو أن يقرب بقربان وهو ما يتقرب به إلى الله من ذبيحة أو غيرها فيقوم النبيّ عليه السلام فيدعو فتنزل نار من السماء فتحرق قربان من قبل منه وهذا من مفترياتهم وأباطيلهم لأن هذه انما توجب الإِيمان لكونها معجزة فهي وسائر المعجزات سواء في ذلك قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ تكذيب والزام بأن رسلاً جاؤوهم قبله كزكريا ويحيى بمعجزات أُخر موجبة للتصديق وبما اقترحوه فقتلوهم فلو كان الموجب للتصديق هو الإِتيان به وكان امتناعهم عن الإِيمان لأجله فما لهم لا يؤمنون بمن جاء به في معجزات أُخر واجترءوا على قتله.

في الكافي عن الصادق عليه السلام قال : كان بين القائلين والقاتلين خمسمائة عام فألزمهم الله القتل لرضاهم بما فعلوا ومثله العيّاشيّ في عدة روايات.

(١٨٤) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جاؤُ بِالْبَيِّناتِ المعجزات وَالزُّبُرِ الحكم والمواعظ الزواجر وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ المشتمل على الشرائع والأحكام وقرئ وبالزبر.

(١٨٥) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وعد ووعيد للمصدق والمكذب.

العيّاشيّ عن الباقر عليه السلام : من قتل لم يذق الموت ثمّ قال لا بدّ من أن يرجع حتّى يذوق الموت.

وعنه عليه السلام : من قتل ينشر حتّى يموت ومن مات ينشر حتّى يقتل وقد مضى الحديث الأول بتمامه عند تفسير قوله تعالى أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ من هذه السورة.

وفي الكافي عن الصادق عليه السلام أنّه قال : يموت أهل الأرض حتّى لا يبقى أحد ثمّ يموت أهل السماء حتّى لا يبقى أحد إلّا ملك الموت وحملة العرش وجبرئيل وميكائيل قال فيجيء ملك الموت حتّى يقوم بين يدي الله عزّ وجلّ فيقال له من بقي

٤٠٥

وهو أعلم فيقول يا ربّ لم يبق إلّا ملك الموت وحملة العرش وجبرئيل وميكائيل فيقال له قل لجبرئيل وميكائيل فليموتا فيقول الملائكة عند ذلك يا ربّ رسولاك واميناك فيقول إنّي قد قضيت على كل نفس فيها الروح الموت ثمّ يجيء ملك الموت حتّى يقف بين يدي الله عزّ وجلّ فيقال له من بقي وهو أعلم فيقول يا ربّ لم يبق إلّا ملك الموت وحملة العرش فيقول قل لحملة العرش فليموتوا ثمّ قال يجيء كئيباً حزيناً لا يرفع طرفه فيقال له من بقي وهو أعلم فيقول يا ربّ لم يبق إلّا ملك الموت فيقال له مت يا ملك الموت فيموت ثمّ يأخذ الأرض بيمينه ويقول أين الذين كانوا يدعون معي شريكاً أين الذين كانوا يجعلون معي إلهاً آخر وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ تعطون جزاء أعمالكم خيراً كان أو شراً تاماً وافياً يَوْمَ الْقِيامَةِ يوم قيامكم عن القبور وقد يكون قبلها بعض الأجور كما يدلّ عليه أخبار ثواب القبر وعذابه فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ بوعد عنها وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ ظفر بالنجاة ونيل المراد.

في المجالس عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم : حاكياً عن الله عزّ وجلّ في حديث فبعزتي حلفت وبجلالي أقسمت أنّه لا يتولي عليّاً عبد من عبادي إلّا زحزحته عن النار وأدخلته الجنة ولا يبغضه أحد من عبادي إلّا أبغضته وأدخلته النار وبئس المصير.

وفي الكافي عن الصادق : خياركم سمحاؤكم وشراركم بخلاؤكم ومن خالص الإِيمان البر بالإخوان والسعي في حوائجهم وان البار بالإخوان ليحببه الرحمن وفي ذلك مرغمة الشيطان وتزحزح عن النيران ودخول الجنان وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا أي زخارفها وفضولها إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ مصدر أو جمع غار.

(١٨٦) ولَتُبْلَوُنَ أي والله لتختبرن فِي أَمْوالِكُمْ بتكليف الإِنفاق وما يصيبه من الآفات وَأَنْفُسِكُمْ بالجهاد والقتل والأسر والجراح وما يرد عليها من المخاوف والأمراض والمتاعب.

في العلل عن الرضا عليه السلام : فِي أَمْوالِكُمْ بإخراج الزكاة وفي أنفسكم بالتوطين على الصبر وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا

٤٠٦

أَذىً كَثِيراً من هجاء الرسول والطعن في الدين وإغراء الكفرة على المسلمين وغير ذلك أخبرهم بذلك قبل وقوعها ليوطنوا أنفسهم على الصبر والاحتمال ويستعدوا للقائها حتّى لا يرهقهم نزولها بغتة وَإِنْ تَصْبِرُوا على ذلك وَتَتَّقُوا مخالفة أمر الله فَإِنَّ ذلِكَ يعني الصبر والتقوى مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ مما يجب ثبات الرأي عليه نحو إمضائه.

(١٨٧) وَإِذْ أَخَذَ اللهُ اذكر وقت أخذه مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ.

القمّيّ عن الباقر عليه السلام : يعني في محمّد صلّى الله عليه وآله وسلم لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ قال إذا خرج وقرئ بالياء فيهما فَنَبَذُوهُ أي الميثاق وَراءَ ظُهُورِهِمْ فلم يراعوه ولم يلتفتوا إليه والنبذ وراء الظهر مثل في ترك الاعتداد وعدم الالتفات ويقابله جعله نصب عينيه وَاشْتَرَوْا بِهِ أخذوا بدله ثَمَناً قَلِيلاً من حطام الدنيا واعراضها فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ.

في المجمع عن أمير المؤمنين عليه السلام : ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلموا حتّى أخذ على أهل العلم أن يعلّموا.

وفي الاحتجاج عنه عليه السلام في حديث يذكر فيه : أن أعداء رسول الله الملحدين في آيات الله (١) تأويل لهذه الآية وقد سبق ذكره في المقدّمة السادسة.

(١٨٨) لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا يعجبون بما فعلوا من التدليس وكتمان الحق أو من الطاعات والحسنات وقرئ بالياء وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا من الوفاء بالميثاق وإظهار الحق والإخبار بالصدق أو كل خير فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ تأكيد وقرئ بالياء وضم الباء بِمَفازَةٍ بمنجاة.

__________________

(١) ولقد احضروا الكتاب كملا مشتملاً على التأويل والتنزيل والمحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ ولم يسقط حرف الف ولا لام فلما وقفوا على ما بينه الله من أسماء أهل الحق والباطل وان ذلك ان ظهر نقض ما عقدوه قالوا لا حاجة فيه نحن مستغنون عنه بما عندنا ولذلك قال فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ ثم دفعهم الاضطرار بورود المسائل عليهم عما لا يعلمون إلى جمعه وتأليفه وتضمينه من تلقائهم ما يقيمون به دعائم كفرهم فصرخ مناديهم من كان عنده شيء من القرآن فليأتنا به ووكلوا تأليفه ونظمه إلى بعض من وافقهم على معاداة أولياء الله والفه على اختيارهم وتركوا منه ما قد رأوا أنّه لهم وهو عليهم ورأوا ما ظهر تناكره وتنافره وانكشف أهل الاستعباد عوارهم وافتراؤهم.

٤٠٧

والقمّيّ عن الباقر عليه السلام : ببعيد مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بكفرهم وتدليسهم.

(١٨٩) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فهو يملك أمرهم وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فيقدر على عقابهم.

(١٩٠) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ لدلائل واضحة على التوحيد وكمال علمه سبحانه وحكمته ونفاذ قدرته ومشيته لذوي العقول الخالصة عن شوائب الحس والوهم.

(١٩١) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ في جميع الأحوال وعلى جميع الهيئات قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ.

عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم : من أحبّ أن يرتع في رياض الجنة فليكثر ذكر الله.

وفي الكافي عن الصادق عليه السلام قال قال رسول الله : من أكثر ذكر الله تعالى أحبه الله.

وفيه والعيّاشيّ عن الباقر عليه السلام : في قوله الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً ، قال الصحيح يصلي قائماً والمريض يصلي جالساً وعلى جنوبهم الذي يكون أضعف من المريض الذي يصلي جالساً.

وفي الأمالي والعيّاشيّ عنه عليه السلام : لا يزال المؤمن في صلاة ما كان في ذكر الله قائماً أو جالساً أو مضطجعاً ان الله يقول الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ويعتبرون بهما.

في الكافي عن الصادق عليه السلام : أفضل العبادات إدمان التفكر في الله وفي قدرته.

وعنه قال : كان أمير المؤمنين يقول نبه في التفكر قلبك وجاف عن الليل جنبك واتق الله ربك.

٤٠٨

وعن الرضا عليه السلام : ليس العبادة كثرة الصلاة والصوم انما العبادة التفكر في أمر الله.

وعن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم : تفكر ساعة خير من قيام ليلة ، وفي رواية : من عبادة سنة ، وفي أخرى : ستين سنة وانما اختلف لاختلاف مراتب التفكر ودرجات المتفكرين وأنواع المتفكر فيه رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا الخلق باطِلاً عبثاً ضائعاً من غير حكمة يعني يقولون ذلك سُبْحانَكَ تنزيهاً لك من العبث وخلق الباطل وهو اعتراض فَقِنا عَذابَ النَّارِ للاخلاف بالنظر فيه والقيام بما يقتضيه.

(١٩٢) رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ وضع المظهر موضع المضمر للدلالة على أن ظلمهم صار سبباً لإِدخالهم النار وانقطاع النصرة عنهم في الخلاص منها.

العيّاشيّ عن الباقر عليه السلام : ما لهم من أئمة يسمونهم بأسمائهم.

(١٩٣) رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً هو الرسول وقيل القرآن يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا كبائرنا فإنها ذات تبعات وأذناب وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا صغائرنا فإنها مستقبحة ولكنها مكفرة عن مجتنب الكبائر وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ مخصوصين بصحبتهم معدودين في زمرتهم.

(١٩٤) رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ أي على ألسنتهم وانما سألوا ما وعدوا مع أنّه لا يخلف الله وعده تعبداً واستكانة ومخافة أن يكونوا مقصرين في الامتثال وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ بأن تعصمنا عما يقتضي الخزي إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ باثابة المؤمن وإجابة الداعي وتكرير رَبَّنا للمبالغة في الابتهال والدلالة على استقلال المطالب وعلو شأنها ، روي : من حزنه أمر فقال خمس مرّات ربّنا أنجاه الله ممّا يخاف.

في المجمع عن النبيّ لما أنزلت هذه الآية قال : ويل لمن لاكها بين فكيه ولم يتأمل ما فيها.

(١٩٥) فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ إلى طلبهم

٤٠٩

أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ لأنّ الذكر من الأنثى والأنثى من الذكر أو لأنهما من أصل واحد أو لفرط الاتصال والاتحاد ولاتفاقهم في الدين والطاعة وهو اعتراض روي : أن أم سلمة قالت يا رسول الله ما بال الرجال يذكرون (١) في الهجرة دون النساء فأنزل الله فَالَّذِينَ هاجَرُوا الأوطان والعشائر للدين وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي بسبب إيمانهم بِاللهِ ومن أجله وَقاتَلُوا الكفّار وَقُتِلُوا في الجهاد وقرئ بتقديم وقتلوا وبتشديد تائها لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللهِ وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ.

في الأمالي : أن أمير المؤمنين عليه السلام لما هاجر من مكّة إلى المدينة ليلحق بالنبي صلّى الله عليه وآله وسلم وقد قارع (٢) الفرسان من قريش ومعه فاطمة بنت أسد وفاطمة بنت رسول الله وفاطمة بنت الزبير فسار ظاهراً قاهراً حتّى نزل ضجنان (٣) فلزم بها يوماً وليلة ولحق به نفر من ضعفاء المؤمنين وفيهم أم أيمن مولاة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم وكان يصلي ليلة تلك هو والفواطم ويَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ فلن يزالوا كذلك حتّى طلع الفجر فصلى بهم صلاة الفجر ثمّ سار لوجهه فجعل وهن يصنعون كذلك منزلاً بعد منزل يعبدون الله عزّ وجلّ ويرغبون إليه كذلك حتى قدموا المدينة وقد نزل الوحي بما كان من شأنهم قبل قدومهم الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً الآيات قوله مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى الذكر عليّ والأنثى الفواطم بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ يعني علي من فاطمة أو قال الفواطم وهن من علي.

والقمّيّ : فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ يعني أمير المؤمنين عليه السلام وسلمان وأبا ذر حين أُخرج وعمّار الذين أوذوا في سبيل الله.

أقول : وتشمل الآيات كل من اتصف بهذه الصفات.

__________________

(١) حاصل سؤالها أنّه أي فرق بين الرجال والنساء في ثبوت الهجرة لهم دونهن وحاصل الجواب بالآية أن للهجرة لوازم واحكام لا يليق بالنساء ويمكن أن يكون المراد ثبوتها لهن أيضاً إمّا اختصاصاً بالفواطم أو عاماً لغيرهن أيضاً بشرط المساواة لهن في الكيفية والسبب.

(٢) قارعته أي ضاربته وجادلته فقرعته أي غلبته بالمجادلة وقارعته أقرعه بفتحتين غلبته «مجمع».

(٣) ضجنان كسكران جبل قرب مكّة «ق».

٤١٠

(١٩٦) لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ تبسّطهم في مكاسبهم ومتاجرهم ومزارعهم وسعتهم في عيشهم وحظهم الخطاب لكل أحد أو للنبي صلّى الله عليه وآله وسلم والمراد أمته روي : أن بعض المسلمين كانوا يرون المشركين في رخاءٍ ولين عيش فيقولون ان أعداء الله فيما نرى من الخير وقد هلكنا من الجوع فنزلت.

(١٩٧) مَتاعٌ قَلِيلٌ ذلك التقلب متاع قصير مدته يسير في جنب ما أعد الله تعالى للمؤمنين.

وفي الحديث النبوي : ما الدنيا في الآخرة الا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بم يرجع ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ ما مهدوا لأنفسهم.

(١٩٨) لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللهِ النزل ما يعد للنازل من طعام وشراب وصلة وَما عِنْدَ اللهِ لكثرته ودوامه خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ مما يتقلب فيه الفجار لقلته وسرعة زواله وامتزاجه بالآلام.

(١٩٩) وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ خاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً كما فعله المحترفون من أحبارهم أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ ويؤتون أجرهم مرتين كما وعده في آية أُخرى إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ لعلمه بالأعمال وما يستوجبه كل عامل من الجزاء فيسرع في الجزاء ويوصل الأجر الموعود سريعاً.

(٢٠٠) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا على الفرائض وَصابِرُوا على المصائب وَرابِطُوا على الأئمة.

كذا في الكافي عن الصادق عليه السلام والقمّيّ عنه عليه السلام : اصْبِرُوا على المصائب وَصابِرُوا على الفرائض وَرابِطُوا على الأئمة.

والعيّاشيّ عنه : اصْبِرُوا على المعاصي وَصابِرُوا على الفرائض ، وفي رواية : اصْبِرُوا على دينكم وَصابِرُوا عدوكم ممن يخالفكم وَرابِطُوا إمامكم.

٤١١

وعن الباقر عليه السلام : وَصابِرُوا على التقية.

وفي المعاني عن الصادق عليه السلام : اصْبِرُوا على المصائب وَصابِرُوهم على الفتنة وَرابِطُوا على من تقتدون به وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.

العيّاشيّ عن الصادق عليه السلام : يعني فيما أمركم به وافترض عليكم.

والقمّيّ عن السجّاد عليه السلام : نزلت الآية (١) في العباس وفينا ولم يكن الرباط الذي أمرنا به وسيكون ذلك من نسلنا المرابط ومن نسله المرابط.

وفي المجمع عن أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه : رابِطُوا الصلوات قال أي انتظروها واحدة بعد واحدة لأن المرابطة لم تكن حينئذ.

وعن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم : من الرباط انتظار الصلاة بعد الصلاة وقد سبق ثواب قراءة هذه السورة في آخر البقرة.

__________________

(١) ويحتمل أن يكون المراد من قوله (ع) نزلت الآية اه يعني أنهم مأمورون برباطنا وصلتنا وقد تركوا ولم يأتمروا وسيكون ذلك في زمان ظهور القائم (ع) فيرابطنا من بقي من نسلهم فينصرون قائمنا فيكون من نسلنا المرابط بالفتح أعني القائم عجل الله فرجه ومن نسله المرابط بالكسر ويحتمل على هذا الوجه أيضاً الكسر فيهما والفتح كذلك فتأمل.

٤١٢

سورة النساء

مدنية كلها (١) وعدد آيها مائة وسبع وسبعون آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(١) يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ هي آدم على نبيّنا وعليه الصلاة والسلام وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها هي حواء.

القمّيّ برأها من أسفل أضلاعه وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً بنين وبنات كثيرة ورتب الامر بالتقوى على ذلك لما فيه من الدلالة على القدرة القاهرة التي من حقها أن تخشى والنعمة الظاهرة التي توجب طاعة مولاها.

العيّاشيّ عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : خلقت حواء من قصيري جنب آدم والقصير هو الضلع الأصغر فأبدل الله مكانه لحماً وفي رواية : خلقت حواء من جنب آدم وهو راقد.

وعن الصادق عليه السلام : أن الله خلق آدم من الماء والطين فهمة ابن آدم في الماء والطين وان الله خلق حواء من آدم فهمة النساء بالرجال فحصنوهن في البيوت.

وفي الفقيه والعلل عنه عليه السلام : أنه سئل عن خلق حواء وقيل له أن أناساً عندنا يقولون ان الله عزّ وجلّ خلق حواء من ضلع آدم اليسرى الأقصى قال سبحان الله تعالى عن ذلك علواً كبيراً ، يقول من يقول هذا ان الله تبارك وتعالى لم يكن له من القدرة ما يخلق لآدم زوجة من غير ضلعه ويجعل للمتكلم من أهل التشنيع سبيلاً إلى

__________________

(١) قيل : انها مدنية الا قوله إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ الآية ، وقوله : يَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ في الكلالة الآية فإنهما نزلتا بمكّة «منه».

٤١٣

الكلام يقول ان آدم كان ينكح بعضه بعضاً إذا كانت من ضلعه ما لهؤلاء حكم الله بيننا وبينهم ثمّ قال ان الله تبارك وتعالى لما خلق آدم من طين وأمر الملائكة فسجدوا له القى عليه السبات ثمّ ابتدع له حواء فجعلها في موضع النقرة التي بين وركيه وذلك لكي تكون المرأة تبعاً للرجل فأقبلت تتحرك فانتبه لتحركها فلما انتبه نوديت أن تنحي عنه فلما نظر إليها نظر إلى خلق حسن يشبه صورته غير انها أنثى فكلمها فكلمته بلغته فقال لها من أنت فقالت خلق خلقني الله كما ترى فقال آدم عليه السلام عند ذلك يا رب من هذا الخلق الحسن الذي قد آنسني قربه والنظر إليه فقال الله يا آدم هذه أمتي حواء أتحب أن تكون معك فتؤنسك وتحدثك وتأتمر لأمرك فقال نعم يا ربّ ولك عليّ بذلك الشكر والحمد ما بقيت فقال الله تعالى فاخطبها إليّ فإنها أمتي وقد تصلح لك أيضاً زوجة للشهوة والقى الله عليه الشهوة وقد علمه قبل ذلك المعرفة بكل شيء فقال يا ربّ فاني أخطبها إليك فما رضاك لذلك فقال رضائي ان تعلمها معالم ديني فقال ذلك لك يا ربّ علي ان شئت ذلك لي فقال قد شئت ذلك وقد زوجتكها فضمها إليك فقال لها آدم إليّ فاقبلي فقالت له لا بل أنت فاقبل إليّ فأمر الله تعالى آدم أن يقوم إليها فقام ولو لا ذلك لكن النساء يذهبن حتّى يخطبن على أنفسهن فهذه قصة حواء.

والعيّاشيّ عن الباقر عليه السلام : أنه سئل من أي شيء خلق الله حواء فقال أي شيء يقولون هذا الخلق؟ قلت يقولون ان الله خلقها من ضلع من أضلاع آدم فقال كذبوا كان يعجز أن يخلقها من غير ضلعه ثمّ قال أخبرني أبي عن آبائه عليهم السلام قال قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم ان الله تبارك وتعالى قبض قبضة من طين فخلطها بيمينه وكلتا يديه يمين فخلق منها آدم وفضل فضلة من الطين فخلق منها حواء.

وفي العلل عنه عليه السلام : خلق الله عزّ وجلّ آدم من طين ومن فضلته وبقيته خلقت حواء وفي رواية أخرى : خلقت من باطنه ومن شماله ومن الطينة التي فضلت من ضلعه الأيسر.

قال في الفقيه وأمّا قول الله عزّ وجلّ : يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ

٤١٤

نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها ، والخبر الذي روي : أن حواء خلقت من ضلع آدم الأيسر صحيح ومعناه من الطينة التي فضلت من ضلعه الأيسر فلذلك صارت أضلاع الرجال أنقص من أضلاع النساء بضلع.

أَقُولُ : فما ورد : أنّها خلقت من ضلعه الأيسر إشارة إلى أن الجهة الجسمانية الحيوانية في النساء أقوى منها في الرجال والجهة الروحانية الملكية بالعكس من ذلك وذلك لأن اليمين ممّا يكنى به عن عالم الملكوت الروحاني والشمال ممّا يكنى به عن عالم الملك الجسماني فالطين عبارة عن مادة الجسم واليمين عبارة عن مادة الروح ولا ملك (١) إلا بملكوت وهذا هو المعني بقوله : وكلتا يديه يمين فالضلع الأيسر المنقوص من آدم كناية عن بعض الشهوات التي تنشأ من غلبة الجسمية التي هي من عالم الخلق وهي فضلة طينه المستنبط من باطنه التي صارت من مادة لخلق حواء فنبه في الحديث على أنّه جهة الملكوت والأمر في الرجال أقوى من جهة الملك والخلق وبالعكس منهما في النساء فان الظاهر عنوان الباطن وهذا هو السر في هذا النقص في أبدان الرجال بالإضافة الى النساء وأسرار الله لا ينالها إلّا أهل السر فالتكذيب في كلام المعصومين انما يرجع إلى ما فهمه العامّة من حمله على الظاهر دون أصل الحديث.

وفي العلل عن الصادق عليه السلام : أنه سئل عن بدو النسل من ذرّية آدم وقيل له ان عندنا اناساً يقولون ان الله تعالى أوحى إلى آدم أن يزوج بناته من بنيه وأن هذا الخلق أصله كله من الاخوة والأخوات فقال سبحان الله وتعالى عن ذلك علواً كبيراً يقول من يقول هذا ان الله عزّ وجلّ جعل أصل صفوة خلقه وأحبائه وأنبيائه ورسله والمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات من حرام ولم يكن له من القدرة ما يخلقهم من الحلال وقد أخذ ميثاقهم على الحلال والطهر الطاهر الطيب والله لقد نبئت أن بعض البهائم تنكرت له أخته فلما نزل عليها ونزل كشف له عنها وعلم أنّها أخته أخرج عزموله (٢) ثم قبض عليه بأسنانه ثمّ قلعه ثمّ خر ميتاً ، وفي رواية أخرى

__________________

(١) قوله : لا ملك الا بملكوت أي ليس عالم المادية الا متقوماً بالنفوس الروحانية.

(٢) العزمول بالضم الذكر (ق).

٤١٥

عنه عليه السلام ما يقرب منه مع تأكيد بليغ في تحريم الأخوات على الاخوة و : انه لم يزل كان كذلك في الكتب الأربعة المنزلة المشهورة وان جيلاً من هذا الخلق رغبوا عن علم أهل بيوتات الأنبياء وأخذوا من حيث لم يؤمروا بأخذه فصاروا الى ما قد ترون من الضلال والجهل وفي آخرها : ما أراد من يقول هذا وشبهه الا تقوية حجج المجوس فما لهم قاتلهم الله ، ثم قال : ان آدم ولد له سبعون بطناً في كل بطن غلام وجارية إلى أن قتل هابيل فلما قتل هابيل جزع آدم على هابيل جزعاً قطعه عن إتيان النساء فبقي لا يستطيع أن يغشى حواء خمسمائة عام ثمّ تجلى ما به من الجزع فغشي حواء فوهب الله له شيثاً وحده وليس معه ثان واسم شيث هبة الله وهو أول وصي أوصى اليه من الآدميين في الأرض ثمّ ولد له من بعد شيث يافث ليس معه ثان فلما أدركا وأراد الله عزّ وجلّ أن يبلغ بالنسل ما ترون وأن يكون ما قد جرى به القلم من تحريم ما حرم الله عزّ وجلّ من الأخوات على الأخوة أنزل بعد العصر في يوم الخميس حوراء من الجنة اسمها نزلة فأمر الله عزّ وجلّ آدم أن يزوجها من شيث فزوجها منه ثمّ أنزل بعد العصر من الغد حوراء من الجنة اسمها منزلة فأمر الله عزّ وجلّ آدم أن يزوجها من يافث فزوجها منه فولد لشيث غلام وولد ليافث جارية فأمر الله تعالى آدم حين أدركا أن يزوج ابنة يافث من ابن شيث ففعل وولد الصفوة من النبيين والمرسلين من نسلهما ومعاذ الله أن يكون ذلك على ما قالوا من أمر الاخوة والأخوات.

وفي الفقيه عنه عليه السلام : أن آدم ولد له شيث وان اسمه هبة الله وهو أول وصي أوصى إليه من الآدميين وساق الحديث إلى آخر ما ذكره.

وفي العلل والعيّاشيّ عنه عليه السلام : قيل له ان الناس يزعمون أن آدم زوج ابنته من ابنه فقال قد قال الناس ذلك ولكن أما علمت أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم قال لو علمت أن آدم زوج ابنته من ابنه لزوجت زينب من القاسم وما كنت لأرغب عن دين آدم.

وفي الكافي عن الباقر عليه السلام : أنه ذكر له المجوس وانهم يقولون نكاح كنكاح ولد آدم وانهم يحاجوننا بذلك فقال أما أنتم فلا يحاجونكم به لما أدرك هبة الله

٤١٦

قال آدم يا ربّ زوج هبة الله فاهبط الله حوراء فولدت له أربعة غلمة ثمّ رفعها الله فلما أدرك ولد هبة الله قال يا ربّ زوج ولد هبة الله فأوحى الله عزّ وجلّ إليه أن يخطب إلى رجل من الجن وكان مسلماً أربع بنات له على ولد هبة الله فزوجهن فما كان له من جمال وحلم فمن قبل الحوراء والنبوّة للانتهاء إلى آدم عليه السلام وما كان من سفه أو حدة (١) فمن الجن.

والعيّاشيّ عنه عليه السلام قال : ان آدم ولد له أربعة ذكور فاهبط الله إليه أربعة من الحور فزوج كل واحد منهم واحدة فتوالدوا ثمّ ان الله رفعهن وزوج هؤلاء الأربعة أربعة من الجن فصار النسل فيهم فما كان من حلم فمن آدم وما كان من جمال فمن قبل الحور العين وما كان من قبح أو سوء خلق فمن الجن. وفي رواية لما ولد لآدم هبة الله وكبر سأل الله أن يزوجه فأنزل الله له حوراء من الجنة فزوجها إياه فولدت له أربعة بنين ثمّ ولد لآدم ابن آخر فلما كبر أمره أن تزوج الجان فولد له أربع بنات فتزوج بنو هذا بنات هذا فما كان من جمال فمن قبل الحوراء وما كان من حلم فمن قبل آدم وما كان من خفة فمن قبل الجان فلما توالدوا صعدت الحوراء إلى السماء.

وفي الفقيه عنه عليه السلام : ان الله عزّ وجلّ أنزل على آدم حوراء من الجنة فزوجها أحد ابنيه وتزوج الآخر ابنة الجان فما كان في الناس من جمال كثير أو حسن خلق فهو من الحوراء وما كان فيهم من سوء خلق فهو من آدم ابنة الجان.

وفي قرب الإسناد عن الرضا عليه السلام : حملت حواء هابيل وأختاً له في بطن ثمّ حملت في البطن الثاني قابيل وأختاً له في بطن فتزوج هابيل التي مع قابيل وتزوج قابيل التي مع هابيل ثمّ حدث التحريم بعد ذلك.

وفي المجمع عن الباقر عليه السلام : أن حواء امرأة آدم كانت تلد في كل بطن غلاماً وجارية فولدت في أول بطن قابيل وقيل قابين وتوأمته إقليما بنت آدم والبطن الثاني هابيل وتوأمته (٢) لوزاء فلما أدركوا جميعاً أمر الله آدم أن ينكح قابيل أخت هابيل

__________________

(١) الحدة : ما يعتري الإنسان من النزق والغضب ، يقال حدّ يحد إذا غضب (مجمع)

(٢) التوأم من جميع الحيوان المولود مع غيره في بطن من الاثنين فصاعداً ذكراً أو أنثى أو ذكراً وأنثى جمعه توائم وتوآم كرخال ويقال توأم للذكر وتوأمة للأنثى فإذا جمعا فهما توأمان وتوأم قد اتأمت الأم فهي متئم ومعتادته متئم وتاأم أخاه ولد معه وهو تئمة بالكسر وتوأمة وتيامة (ق)

٤١٧

وهابيل أخت قابيل فرضي هابيل وأبى قابيل لأن أخته كانت أحسنهما وقال ما أمر الله بهذا ولكن هذا من رأيك فأمرهما الله أن يقربا قرباناً فرضيا بذلك «الحديث» ويأتي تمامه في سورة المائدة عند تفسير وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ.

وفي الاحتجاج عن السجّاد عليه السلام : يحدث رجلاً من قريش قال لما تاب الله على آدم واقع حواء ولم يكن غشيها منذ خلق وخلقت إلّا في الأرض وذلك بعد ما تاب الله عليه قال وكان يعظم البيت وما حوله من حرمة البيت فكان إذا أراد أن يغشى حواء خرج من الحرم وأخرجها معه فإذا جاء الحرم غشيها في الحل ثمّ يغتسلان اعظاماً منه للحرم ثمّ يرجع إلى فناء البيت قال فولد لآدم من حواء عشرون ذكراً وعشرون أنثى يولد له في كل بطن ذكر وأنثى فأول بطن ولدت حواء هابيل ومعه جارية يقال لها إقليما قال وولدت في البطن الثاني قابيل ومعه جارية يقال لها لوزاء وكانت لوزاء أجمل بنات آدم قال فلما أدركوا خاف عليهم آدم الفتنة فدعاهم إليه وقال أريد أن أنكحك يا هابيل لوزاء وأنكحك يا قابيل إقليما قال قابيل ما أرضى بهذا أتنكحني أخت هابيل القبيحة وتنكح هابيل اختي الجميلة قال فأنا أقرع بينكما فإن خرج سهمك يا قابيل على لوزاء أو خرج سهمك يا هابيل على إقليما زوجت كل واحدة منكما التي خرج سهمه عليها قال فرضيا بذلك فاقرعا قال فخرج سهم قابيل على إقليما أخت هابيل وخرج سهم هابيل على لوزاء أخت قابيل قال فزوجهما على ما خرج لهما من عند الله قال ثمّ حرم الله تعالى نكاح الأخوات بعد ذلك قال فقال له القرشيّ فأولداهما قال نعم فقال له القرشيّ فهذا فعل المجوس اليوم قال فقال عليه السلام ان المجوس انما فعلوا ذلك بعد التحريم من الله ثم قال عليه السلام له : لا تنكر هذا انما هي شرائع الله جرت أليس الله قد خلق زوجة آدم منه ثمّ أحلها له فكان ذلك شريعة من شرائعهم ثمّ أنزل الله التحريم بعد ذلك ، إن قيل كيف التوفيق بين هذه الأخبار والاخبار الأولى قلنا الاخبار الأولى هي الصحيحة المعتمد عليها وانما الأخيرة فإنما وردت موافقة للعامة فلا اعتماد عليها مع جواز تأويلها (١) بما توافق الأولة وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ

__________________

(١) قوله مع جواز تأويلها : علل المراد به أن التوأمة في كل بطن ان الله تعالى أنزل تارة من طينة الحوراء في بطن حواء ما يكون بمنزلة النطفة لا من نطفة آدم نظير ما صنع بمريم وأخرى من طينة الجان على ذلك المنوال أو المراد بما أنكر في الأولة التزويج من بطن واحد فلا ينافي الثانية إلى غير ذلك ممّا يجده المتأمل.

٤١٨

بِهِ أي يسأل بعضكم بعضاً فيقول أسألك بالله واصله تتساءلون فأدغمت التاء في السين وقرئ بالتخفيف وطرح التاء وَالْأَرْحامَ واتقوا الأرحام ان تقطعوها.

كذا في المجمع ، عن الباقر عليه السلام وقيل هو من قولهم أسألك بالله والرحم أن تفعل كذا أو أنشدك الله والرحم يعني كما انكم تعظمون الله بأقوالكم فعظموه بطاعتكم إياه وعليه بناء قراءته بالجر.

والقمّيّ قال تساءلون يوم القيامة عن التقوى هل اتقيتم وعن الرحم هل وصلتموها.

وفي الكافي والعيّاشيّ عن الصادق عليه السلام : هي أرحام الناس ان الله عز وجل أمر بصلتها وعظمها ألا ترى أنّه جعلها معه.

أقول : يعني قرنها باسمه في الأمر بالتقوى.

وفي الكافي عنه عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : صلوا أرحامكم ولو بالتسليم ثمّ تلا هذه الآية.

وعن الرضا عليه السلام : ان رحم آل محمّد الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم لمعلقة بالعرش تقول أللهم صل من وصلني واقطع من قطعني ثمّ هي جارية بعدها في أرحام المؤمنين ثمّ تلا هذه الآية.

وفي العيون عنه عليه السلام : ان الله أمر بثلاثة مقرون بها ثلاثة إلى قوله وأمر باتقاء الله وصلة الرحم فمن لم يصل رحمه لم يتق الله.

وعنه عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم السلام قال قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم : لما أسري بي إلى السماء رأيت رحماً معلقة بالعرش تشكو رحماً إلى ربها فقلت لها كم بينك وبينها من أب فقالت نلتقي في أربعين أباً إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً حفيظاً.

(٢) وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ يعني إذا بلغوا وآنستم منهم رشداً كما في الآية

٤١٩

الأخرى وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ولا تستبدلوا الحرام من أموالهم بالحلال من أموالكم بأن تتعجلوا الحرام من أموالهم قبل أن يأتيكم الرزق الحلال الذي قدر لكم وقيل كانوا يأخذون الرفيع من أموالهم ويجعلون مكانه الخسيس فنهوا عنه وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ مضمومة إليها مسوّين بينهما فان أحدهما حلال والآخر حرام يعني فيما زاد على قدر أجره لقوله سبحانه فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً ذنباً عظيماً.

(٣) وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ قيل يعني ان خفتم أن لا تعدلوا في يتامى النساء إذا تزوجتم بهن فتزوجوا ما طاب من غيرهن إذ كان الرجل يجد يتيمة ذات مال وجمال فيتزوجها ضناً (١) بها فربما يجتمع عنده منهن عدد ولا يقدر على القيام بحقوقهن.

وذكر القمّيّ وغيره في سبب نزوله وكيفية نظام محصوله واتصال فصوله وجوهاً أُخر ولا يخلو شيء منها عن تعسف.

وفي الإِحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام قال لبعض الزنادقة في حديث : وأمّا ظهورك على ـ تناكر قوله تعالى ـ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ ـ فليس يشبه القسط في اليتامى نكاح النساء ولا كل النساء يتامى ـ فهو مما قدمت ذكره من إسقاط المنافقين من القرآن ـ وبين القول في اليتامى وبين نكاح النساء من الخطاب والقصص ـ أكثر من ثلث القرآن وهذا وما أشبهه ممّا ظهرت حوادث المنافقين فيه لأهل النظر والتأمل ووجد المعطلون وأهل الملل المخالفة للإسلام مساغاً إلى القدح في القرآن ولو شرحت لك كل ما أُسقط وحرّف وبُدِّل لما يجري هذا المجرى لطال وظهر ما تحظر التقية إظهاره من مناقب الأولياء ومثالب الأعداء مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ ثنتين ثنتين وثلاث ثلاث وأربع أربع وتخيير في العدد لكل أحد إلى أربع.

في الكافي عن الصادق عليه السلام : إذا جمع الرجل أربعاً فطلق إحداهن فلا

__________________

(١) ضننت بالشيء أضن به ضناً وضنانة إذا بخلت وهو ضنين به (صحاح)

٤٢٠