تفسير الصّافي - ج ١

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]

تفسير الصّافي - ج ١

المؤلف:

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: منشورات مكتبة الصدر
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٣
ISBN الدورة:
964-6847-51-X

الصفحات: ٥٢٨

هذا أبداً إنّما كان عليَّ أن أخبركم حين جمعته لتقرؤوه.

وبإسناده عن البزنطي قال : دفع أبو الحسن عليه السلام مصحفاً وقال : لا تنظر فيه ففتحته وقرأت فيه لم يكن الذين كفروا فوجدت فيه اسم سبعين رجلاً من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم. قال : فبعث إلي ابعث إليّ بالمصحف.

وفي تفسير العيّاشيّ عن أبي جعفر عليه السلام قال : لو لا إنّه زيد في كتاب الله ونقص ما خفي حقنا على ذي حجى ولو قد قام قائمنا فنطق صدَّقه القرآن.

وفيه عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لو قرأ القرآن كما أنزل لألفيتنا فيه مسمّين.

وفيه عنه عليه السلام : إن في القرآن ما مضى وما يحدث وما هو كائن كانت فيه أسماء (١) الرجال فألقيت وإنّما الاسم الواحد منه في وجوه لا تحصى يعرف ذلك الوصاة.

وفيه عنه عليه السلام : إن في القرآن قد طرح منه آي كثيرة ولم يزد فيه إلا حروف قد أخطأت به الكتبة وتوهمتها الرجال. وروى الشيخ أحمد بن أبي طالب الطبرسيّ طاب ثراه في كتاب الإحتجاج في جملة احتجاج أمير المؤمنين عليه السلام على جماعة من المهاجرين والأنصار : أن طلحة قال له عليه السلام في جُملة مسائله عنه يا أبا الحسن شيء أُريد أن أسألك عنه رأيتك خرجت بثوب مختوم فقلت أيها الناس إنّي لم أزل مشتغلاً برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم بغسله وكفنه ودفنه ثمّ اشتغلت بكتاب الله حتّى جمعته فهذا كتاب الله عندي مجموعاً لم يسقط عني حرف واحد ولم أر ذلك الذي كتبت وألّفت وقد رأيت

__________________

(١) لعل المراد بأسماء الرجال الملقية أعلامهم وبالاسم الواحد ما كنى به تارة عنهم وتارة عن غيرهم من الألفاظ التي لها معان متعدّدة وذلك كالذكر فإنّه قد يراد به رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم. وقد يراد به أمير المؤمنين عليه السلام وقد يراد به القرآن وكالشيطان فإنّه قد يراد به الثاني ، وقد يراد به إبليس ، وقد يراد به غيرهما أراد عليه السلام : أن الرجال كانوا مذكورين في القرآن تارة بأعلامهم فألقيت وأخرى بكنايات فألقيت فهم اليوم مذكورون بالكنايات بألفاظ لها معان أخر يعرف ذلك الأوصياء. «منه قدّس سرّه».

٤١

عمر بعث إليك أن ابعث به إليَّ فأبيت أن تفعل فدعا عمر الناس فإذا شهد رجلان على آية كتبها وإن لم يشهد عليها غير رجل واحد أرجأها فلم يكتب فقال عمر : وأنا أسمع إنّه قد قتل يوم اليمامة قوم كانوا يقرؤن قرآناً لا يقرؤه غيرهم فقد ذهب وقد جاءت شاة إلى صحيفة وكتاب يكتبون فأكلتها وذهب ما فيها والكاتب يومئذ عثمان وسمعت عمر وأصحابه الذين ألفوا ما كتبوا على عهد عمر وعلى عهد عثمان يقولون ان الأحزاب كانت تعدل سورة البقرة وان النور نيف ومائة آية والحجر تسعون ومائة آية فما هذا وما يمنعك يرحمك الله أن تخرج كتاب الله إلى الناس وقد عمد عثمان حين أخذ ما ألف عمر فجمع له الكتاب وحمل الناس على قراءة واحدة فمزق مصحف أبي بن كعب وابن مسعود وأحرقهما بالنار. فقال له علي : يا طلحة إن كل آية أنزلها الله عزّ وجلّ على محمّد صلّى الله عليه وآله عندي بإملاء رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم وخطّ يدي وتأويل كل آية أنزلها الله على محمّد صلّى الله عليه وآله وسلم وكل حلال وحرام أو حدّ أو حكم أو شيء يحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة مكتوب بإملاء رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم وخطّ يدي حتّى أرش الخدش. قال طلحة كل شيء من صغير أو كبير أو خاصّ أو عام كان أو يكون إلى يوم القيامة فهو عندك مكتوب. قال : نعم وسوى ذلك إن رسول الله صلّى الله عليه وآله أسرّ إليّ في مرضه مفتاح ألف باب من العلم يفتح كل باب ألف باب ولو أن الأمة منذ قبض رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم اتبعوني وأطاعوني لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم وساق الحديث إلى أن قال : ثم قال طلحة : لا أراك يا أبا الحسن أجبتني عما سألتك عنه من أمر القرآن ألا تظهره للناس. قال : يا طلحة عمداً كففت عن جوابك فأخبرني عما كتب عمر وعثمان القرآن كله أم فيه ما ليس بقرآن؟! قال طلحة بل قرآن كله. قال إن أخذتم بما فيه نجوتم من النار ودخلتم الجنة فان فيه حجتنا وبيان حقنا وفرض طاعتنا. قال طلحة : حسبي أما إذا كان قرآناً فحسبي. ثم قال طلحة : فأخبرني عما في يديك من القرآن وتأويله وعلم الحلال والحرام إلى من تدفعه ومن صاحبه بعدك؟ قال عليه السلام : إن

٤٢

الذي أمرني رسول الله صلّى الله عليه وآله أن أدفعه إليه وصيّي وأولى الناس من بعدي بالناس ابني الحسن ثمّ يدفعه ابني الحسن إلى ابني الحسين عليهما السلام ثمّ يصير إلى واحد بعد واحد من ولد الحسين عليه السلام حتّى يرد آخرهم على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم حوضه هم مع القرآن لا يفارقونه والقرآن معهم لا يفارقهم إلّا أن معاوية وابنه سيليانها بعد عثمان ثمّ يليها سبعة من ولد الحكم بن أبي العاص واحد بعد واحد تكملة اثني عشر إمام ضلالة وهم الذي رأى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم على منبره يردون الأمة على أدبارهم القهقرى عشرة منهم من بني أميّة ورجلان أسسا ذلك لهم وعليهما مثل جميع أوزار هذه الأمة إلى يوم القيامة.

قال : وفي رواية أبي ذر الغفاري رضي الله عنه : أنه لما توفي رسول الله صلّى الله عليه وآله جمع عليّ عليه السلام القرآن وجاء به إلى المهاجرين والأنصار وعرضه عليهم لما قد أوصاه بذلك رسول الله صلّى الله عليه وآله فلما فتحه أبو بكر خرج في أول صفحة فتحها فضائح القوم فوثب عمر فقال : يا علي أردده فلا حاجة لنا فيه فأخذه عليّ عليه السلام وانصرف ثمّ احضر زيد بن ثابت وكان قارئاً للقرآن فقال له عمر إنَّ علياً عليه السلام جاءنا بالقرآن وفيه فضائح المهاجرين والأنصار ، وقد أردنا أن تؤلف لنا القرآن وتسقط منه ما كان فيه فضيحة وهتك للمهاجرين والأنصار. فأجابه زيد إلى ذلك ثمّ قال : فان أنا فرغت من القرآن على ما سألتم وأظهر علي القرآن الذي ألّفه أليس قد بطل كل ما قد عملتم. ثم قال عمر : فما الحيلة؟ قال زيد : أنتم أعلم بالحيلة. فقال عمر : ما الحيلة دون أن نقتله ونستريح منه. فدبر في قتله على يد خالد بن الوليد فلم يقدر على ذلك وقد مضى شرح ذلك (١) ، : فلما استخلف عمر سأل علياً أن يدفع إليهم القرآن فيحرفوه فيما بينهم. فقال : يا أبا الحسن إن كنت جئت به إلى أبي بكر فأت به إلينا حتّى نجتمع عليه. فقال عليّ عليه السلام : هيهات ليس إلى ذلك سبيل إنّما جئت به إلى أبي بكر لتقوم الحجة عليكم ولا

__________________

(١) قوله : وقد مضى شرح ذلك كأنّه من كلام صاحب الإحتجاج «منه قدّس سرّه».

٤٣

تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ أو تقولوا ما جئتنا به إن القرآن الذي عندي لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ والأوصياء من ولدي فقال عمر فهل وقت لإظهاره معلوم؟ قال عليّ عليه السلام : نعم إذا قام القائم من ولدي يظهره ويحمل الناس عليه فتجري السنة به.

وقال في احتجاجه عليه السلام على الزنديق : الذي جاء إليه مستدلاً بآي من القرآن متشابهة يحتاج إلى التأويل وكان من سؤاله إنّي أجد الله قد شهر هفوات أنبيائه بقوله (فعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) وبتكذيبه نوحاً عليه السلام لما قال : إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي. بقوله : إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ، وبوصفه إبراهيم عليه السلام بأنّه عبد كوكباً مرة ومرة قمراً ومرة شمساً ، وبقوله في يوسف عليه السلام : وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ ، وبتهجينه موسى عليه السلام حيث قال : رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ : لَنْ تَرانِي الآية. وببعثه إلى داود وجبرائيل وميكائيل حيث تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ إلى آخر القصة ، وبحبسه يونس في بطن الحوت حيث ذهب مغاضباً مذنباً ، وإظهار خطأ الأنبياء وزللهم ثمّ روى أسماء من اغتر وفتن خلقه وضل وأضل وكنى عن أسمائهم في قوله : (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي) فمن هذا الظالم الذي لم يذكر من اسمه ما ذكر من أسماء الأنبياء. ثم قال : وأجده قد بيّن فضل نبيه على سائر الأنبياء. ثم خاطبه في أضعاف ما أثنى عليه في الكتاب من الإزراء عليه وانخفاض محله وغير ذلك من تهجينه وتأنيبه ما لم يخاطب به أحداً من الأنبياء مثل قوله : وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ ، وقوله : وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً ، وقوله : وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ ، وقوله ما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ ، وهو يقول : ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ ، فإذا كانت الأشياء تحصى في الإمام وهو وصي النبيّ صلّى الله عليه

٤٤

وآله وسلم فالنبيّ صلّى الله عليه وآله أولى أن يكون بعيداً من الصفة التي قال فيها : وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ. وقال في جملة سؤاله : وأجده يقول : وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ. وليس يشبه القسط في اليتامى نكاح النساء ولا كل النساء أيتام فما معنى ذلك؟.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام :

وأمّا هفوات الأنبياء وما بينه الله في كتابه ووقوع الكناية عن أسماء من اجترم أعظم ممّا اجترمته الأنبياء ممن شهد الكتاب بظلمهم فان ذلك من أدل الدلائل على حكمة الله الباهرة وقدرته القاهرة وعزته الظاهرة لأنّه علم أن براهين أنبيائه تكبر في صدور أممهم وأن منهم من يتخذ بعضهم إلهاً كالذي كان من النصارى في ابن مريم فذكرها دلالة على تخلفهم من الكمال الذي تفرد به عز وجل. ألم تسمع إلى قوله في صفة عيسى عليه السلام حيث قال فيه وفي أمه : كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ يعني أن من أكل الطعام كان له ثقل ومن كان له ثقل فهو بعيد مما ادعته النصارى لابن مريم ولم يُكنّ عن أسماء الأنبياء تجبراً وتعززاً بل تعريفاً لأهل الاستبصار أن الكناية (١) عن أسماء ذوي الجرائر العظيمة من المنافقين في القرآن ليست من فعله تعالى وأنّها من فعل المتغيرين والمبدلين الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ واعتاضوا الدنيا من الدين وقد بين الله تعالى قصص المغيرين بقوله : (لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً). وبقوله : (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ) وبقوله : (إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ) بعد فقد الرسول ما يقيمون به أود باطلهم حسب ما فعلته اليهود والنصارى بعد فقد موسى وعيسى من تغيير التوراة والإنجيل وتحريف الكلم عن مواضعه ، وبقوله (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ

__________________

(١) قوله : ان الكناية مفعول للتعريف أراد عليه السلام أن الله سبحانه صرّح في كتابه بأسماء المنافقين كما صرّح بأسماء الأنبياء وإنّما بدلها المبدلون وإنّما لم يكن من أسماء الأنبياء في مقام ذكر هفواتهم بل صرّح بها تجبراً وتعززاً لئلا يتخذوا من دونه آلهة وليعرف أهل الاستبصار أن التكنية عن أسماء المنافقين ليست من فعله بل هو من فعل المغيرين وذلك لعلمه بأنهم سيبدلونها ويبقى أسماء الأنبياء مصرحاً بها فلفظة بل ليست للإضراب بل للترقي. منه قدّس سرّه.

٤٥

بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ) يعني أنهم أثبتوا في الكتاب ما لم يقله الله ليلبسوا على الخليفة فأعمى الله قلوبهم حتّى تركوا فيه ما دل على ما أحدثوه فيه وحرفوه منه وبين عن إفكهم وتلبيسهم وكتمان ما علموه منه ولذلك قال لهم لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَ وضرب مثلهم بقوله : (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) فَأَمَّا الزَّبَدُ في هذا الموضع كلام الملحدين الذين أثبتوه في القرآن فهو يضمحل ويبطل ويتلاشى عند التحصيل والذي ينفع الناس منه فالتنزيل الحقيقي الذي لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ والقلوب تقبله والْأَرْضِ في هذا الموضع هي محل العلم وقراره وليس يسوغ مع عموم التقية التصريح بأسماء المبدلين ولا الزيادة في آياته على ما أثبتوه من تلقائهم في الكتاب لما في ذلك من تقوية حجج أهل التعطيل والكفر والملل المنحرفة عن قبلتنا وإبطال هذا العلم الظاهر الذي قد استكان له الموافق والمخالف بوقوع الاصطلاح على الايتمار لهم والرضا بهم ولأن أهل الباطل في القديم والحديث أكثر عدداً من أهل الحق ولأن الصبر على ولاة الأمر مفروض لقول الله عزّ وجلّ لنبيه صلّى الله عليه وآله وسلم فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ، وإيجابه مثل ذلك على أوليائه وأهل طاعته بقوله لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ. فحسبك من الجواب عن هذا الموضع ما سمعت فان شريعة التقية تحظر التصريح بأكثر منه ثمّ قال عليه السلام : وأمّا ما ذكرته من الخطاب الدال على تهجين النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم والإزراء به والتأنيب له مع ما أظهره الله تبارك وتعالى في كتابه من تفضيله إياه على سائر أنبيائه فان الله عز وجل جعل لكل نبي عدواً من المشركين كما قال في كتابه وبحسب جلالة منزلة نبيّنا صلّى الله عليه وآله وسلم عند ربّه كذلك عظم محنته بعدوه الذي عاد منه إليه في حال شقاقه ونفاقه كل أذى ومشقة لدفع نبوّته وتكذيبه إياه وسعيه في مكارهه وقصده لنقض كل ما أبرمه واجتهاده ومن مالاه على كفره وعناده ونفاقه وإلحاده في إبطال دعواه وتغيير ملّته ومخالفة سنته ولم ير شيئاً أبلغ في تمام كيده من تنفيرهم عن موالاة وصيه وإيحاشهم منه وصدهم عنه وإغرائهم بعداوته

٤٦

والقصد لتغيير الكتاب الذي جاء به وإسقاط ما فيه من فضل ذوي الفضل وكفر ذوي الكفر منه وممن وافقه على ظلمه وبغيه وشركه ولقد علم الله ذلك منهم فقال إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا ، وقال يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ ، ولقد احضروا الكتاب كملاً مشتملاً على التأويل والتنزيل والمحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ لم يسقط منه حرف الف ولا لام فلما وقفوا على ما بينه الله من أسماء أهل الحق والباطل وان ذلك إن ظهر نقض ما عقدوه قالوا لا حاجة لنا فيه نحن مستغنون عنه بما عندنا ، ولذلك قال : فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ ، ثمّ دفعهم الاضطرار بورود المسائل عليهم عما لا يعلمون تأويله إلى جمعه وتأليفه وتضمينه من تلقائهم ما يقيمون به دعائم كفرهم فصرح مناديهم من كان عنده شيء من القرآن فليأتنا به ووكلوا تأليفه ونظمه إلى بعض من وافقهم إلى معاداة أولياء الله فألّفه على اختيارهم وما يدل للتأمل على اختلال تمييزهم وافترائهم وتركوا منه ما قدروا أنّه لهم وهو عليهم وزادوا فيه ما ظهر تناكره وتنافره وعلم الله أن ذلك يظهر ويبين فقال ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وانكشف لأهل الاستبصار عوارهم وافتراؤهم والذي بدأ في الكتاب من الإزراء على النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم من فرية الملحدين ولذلك قال لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً. ويذكر جل ذكره لنبيه صلّى الله عليه وآله وسلم ما يحدثه عدوه في كتابه من بعده بقوله : وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ. يعني أنّه ما من نبي تمنى مفارقة ما يعانيه من نفاق قومه وعقوقهم والانتقال عنهم إلى دار الإقامة إلّا ألقى الشيطان المعرض بعداوته عند فقده في الكتاب الذي أنزل عليه ذمّه والقدح فيه والطعن عليه فيفسخ الله ذلك في قلوب المؤمنين فلا يقبله ولا يصغي إليه غير قلوب المنافقين والجاهلين ويُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ بأن يحمي أولياءه من الضلال والعدوان ومشايعة أهل الكفر والطغيان الذين لم يرض الله أن يجعلهم كالأنعام حتّى قال بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً فافهم هذا واعمل به.

٤٧

وقال عليه السلام في هذا الحديث بعد أن بين تأويل بعض المتشابهات : وإنّما جعل الله تبارك وتعالى في كتابه هذه الرموز التي لا يعلمها غيره وغير أنبيائه وحججه في أرضه لعلمه بما يحدثه في كتابه المبدّلون من إسقاط أسماء حججه منه وتلبيسهم ذلك على الأمة ليعينوهم على باطلهم فأثبت فيه الرموز وأعمى قلوبهم وأبصارهم لما عليهم في تركها وترك غيرها من الخطاب الدال على ما أحدثوه فيه وجعل أهل الكتاب المقيمين به والعالمين بظاهره وباطنه من شجرة أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها ، أي يظهر مثل هذا العلم لمحتمليه في الوقت بعد الوقت وجعل أعدائها (أهل (أصل خ. ل.) الشجرة الملعونة الذين حاولوا إطفاء نور الله بأفواههم فأبى الله إلّا أن يتم نوره ولو علم المنافقون لعنهم الله ما عليهم من ترك هذه الآيات التي بيّنت لك تأويلها لأسقطوها مع ما اسقطوا منه ولكن الله تبارك اسمه ماض حكمه بإيجاب الحجة على خلقه كما قال الله : فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ ، أغشى أبصارهم وجعل على قلوبهم أكنة ، عن تأمل ذلك فتركوه بحاله وحجبوا عن تأكيد الملتبس بابطاله فالسعداء يتنبَّهون عليه والأشقياء يعمون عنه وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ ثم أن الله جل ذكره بسعة رحمته ورأفته بخلقه وعلمه بما يحدثه المبدلون من تغيير كتابه قسّم كلامه ثلاثة أقسام فجعل قسماً منه يعرفه العالم والجاهل وقسماً لا يعرفه إلّا من صفا ذهنه ولطف حسّه وصح تمييزه ممن شرح الله صدره للإسلام وقسماً لا يعرفه إلّا الله وأمناؤه الراسخون في العلم وإنّما فعل ذلك لئلا يدعي أهل الباطل من المستولين على ميراث رسول الله من علم الكتاب ما لم يجعله الله لهم وليقودهم الاضطرار إلى الايتمار لمن والاه (ولاه خ ل) أمرهم فاستكبروا عن طاعته تعززاً وافتراء على الله عزّ وجلّ واغتراراً بكثرة من ظاهرهم وعاونهم وعاند الله عزّ وجلّ اسمه ورسوله فاما ما علمه الجاهل والعالم من فضل رسول الله صلّى الله عليه وآله من كتاب الله فهو قول الله سبحانه (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) وقوله إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ، ولهذه الآية ظاهر وباطن فالظاهر قوله صَلُّوا عَلَيْهِ والباطن قوله وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً أى سلموا لمن وصاه واستخلفه عليكم فضله

٤٨

وما عهد به إليه تسليماً وهذا ممّا أخبرتك أنّه لا يعلم تأويله الا من لطف حسه وصفا ذهنه وصح تمييزه وكذلك قوله سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ لأن الله سمى النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم بهذا الاسم حيث قال : (يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) ، لعلمه بأنهم يسقطون قول سلام على آل محمّد صلّى الله عليه وآله وسلم كما أسقطوا غيره وما زال رسول الله صلّى الله عليه وآله يتألفهم ويقربهم ويجلسهم عن يمينه وشماله حتّى اذن الله عزّ وجلّ في ابعادهم بقوله وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً وبقوله : فَما لِلَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (١) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ كَلَّا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ. قال : واما ظهورك على تناكر قوله : وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ. وليس يشبه القسط في اليتامى نكاح النساء ولا كل النساء أيتام فهو ممّا قدمت ذكره في إسقاط المنافقين من القرآن وبين القول في اليتامى وبين نكاح النساء من الخطاب والقصص أكثر من ثلث القرآن وهذا وما أشبهه ممّا ظهرت حوادث المنافقين فيه لأهل النظر والتأمل ووجد المعطلون وأهل الملل المخالفة للإسلام مساغاً إلى القدح في القرآن ولو شرحت لك كل ما أسقط وحرّف وبدّل ممّا يجري هذا المجرى لطال وظهر ما تحظر التقية إظهاره من مناقب الأولياء ومثالب الأعداء.

أقول : المستفاد من جميع هذه الأخبار وغيرها من الروايات من طريق أهل البيت عليهم السلام إن القرآن الذي بين أظهرنا ليس بتمامه كما أُنزل على محمّد صلّى الله عليه وآله وسلم بل منه ما هو خلاف ما أنزل الله ومنه ما هو مغير محرف وإنّه قد حذف عنه أشياء كثيرة منها اسم عليّ عليه السلام في كثير من المواضع ومنها غير ذلك وأنّه ليس أيضاً على الترتيب المرضي عند الله وعند رسوله صلّى الله عليه وآله وسلم.

وبه قال عليّ بن إبراهيم قال في تفسيره : وأمّا ما كان خلاف ما أنزل الله

__________________

(١) قوله مُهْطِعِينَ : أي مسرعين عِزِينَ : أي فرق شتّى كان المشركون يحلقون حول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم حلقاً حلقاً «منه قدّس سرّه».

٤٩

فهو قوله تعالى : كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ. فقال أبو عبد الله عليه السلام لقارئ هذه الآية : خير أُمة تقتلون أمير المؤمنين والحسين بن علي عليهما السلام؟ فقيل له كيف نزلت يا بن رسول الله فقال إنّما نزلت خير أئمة أُخرجت للناس ا لا ترى مدح الله لهم في آخر الآية تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ. ومثله : إنّه قرأ على أبي عبد الله (الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً) فقال أبو عبد الله عليه السلام لقد سألوا الله عظيماً أن يجعلهم للمتقين إماماً فقيل له يا بن رسول الله كيف نزلت؟ فقال : إنّما نزلت واجعل لنا من المتقين إماماً. وقوله تعالى : لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ. فقال أبو عبد الله عليه السلام كيف يحفظ الشيء من أمر الله وكيف يكون المعقب من بين يديه فقيل له وكيف ذلك يا بن رسول الله فقال إنّما أُنزلت له معقبات من خلفه ورقيب من بين يديه يحفظونه بأمر الله. ومثله كثير قال : وأمّا ما هو محذوف عنه فهو قوله لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ في علي كذا أنزلت أنزله بعلمه والملائكة يشهدون ، وقوله : يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ في علي وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ ، وقوله : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا آل محمّد حقهم لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ. وقوله : وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا آل محمّد حقهم أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ، وقوله ويرى الَّذِينَ ظَلَمُوا آل محمّد حقهم فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ ، ومثله كثير نذكره في مواضعه إن شاء الله.

قال : وأمّا التقديم والتأخير فإن آية عدّة النساء النّاسخة (١) التي هي أربعة أشهر وعشر قدّمت على المنسوخة التي هي سنة وكان يجب أن يقرأ المنسوخة التي نزلت قبل ثمّ الناسخة التي نزلت بعد. وقوله : أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً ، وإنّما هو وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ

__________________

(١) الآيتان متقاربتان في سورة البقرة واما الناسخة المتقدمة فهي قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً). وأمّا المنسوخة المتأخرة فهي قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ). منه قدّس سرّه.

٥٠

إِماماً وَرَحْمَةً وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى ، وقوله : وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وإنّما هو نحيي ونموت لأن الدهرية لم يقروا بالبعث بعد الموت وإنّما قالوا : نحيي ونموت فقدموا حرفاً على حرف ومثله كثير.

قال : وأمّا الآيات التي هي في سورة وتمامها في سورة اخرى فقول موسى : أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ قالُوا : يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ ، نصف الآية في سورة البقرة ونصفها في سورة المائدة. وقوله : اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ، فرد الله عليهم وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ ، فنصف الآية في سورة الفرقان ونصفها في سورة العنكبوت ومثله كثير انتهى كلامه.

أقول : ويرد على هذا كله إشكال وهو أنّه على هذا التقدير لم يبق لنا اعتماد على شيء من القرآن إذ على هذا يحتمل كل آية منه أن يكون محرفاً ومغيراً ويكون على خلاف ما أنزل الله فلم يبق لنا في القرآن حجة أصلاً فتنتفي فائدته وفائدة الأمر باتباعه والوصية بالتمسك به إلى غير ذلك ، وأيضاً قال الله عز وجل : وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ. وقال : إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ فكيف يتطرق إليه التحريف والتغيير ، وأيضاً قد استفاض عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام حديث عرض الخبر المروي على كتاب الله ليعلم صحته بموافقته له وفساده بمخالفته فإذا كان القرآن الذي بأيدينا محرفاً فما فائدة العرض مع أن خبر التحريف مخالف لكتاب الله مكذب له فيجب رده والحكم بفساده أو تأويله.

ويخطر بالبال في دفع هذا الاشكال والعلم عند الله أن يقال : إن صحت هذه الأخبار فلعل التغيير إنّما وقع فيما لا يخل بالمقصود كثير إخلال كحذف اسم علي وآل محمّد صلّى الله عليهم ، وحذف أسماء المنافقين عليهم لعائن الله فإن الانتفاع بعموم اللفظ باق وكحذف بعض الآيات وكتمانه فان الانتفاع بالباقي

٥١

باق مع أن الأوصياء كانوا يتداركون ما فاتنا منه من هذا القبيل ويدلّ على هذا قوله عليه السلام في حديث طلحة : إن أخذتم بما فيه نجوتم من النار ودخلتم الجنة فإن فيه حجتنا وبيان حقنا وفرض طاعتنا.

ولا يبعد أيضاً أن يقال أن بعض المحذوفات كان من قبيل التفسير والبيان ولم يكن من أجزاء القرآن فيكون التبديل من حيث المعنى أي حرفوه وغيروه في تفسيره وتأويله أعني حملوه على خلاف ما هو به فمعنى قولهم عليهم السلام : كذا نزلت. أن المراد به ذلك لا أنّها نزلت مع هذه الزيادة في لفظها فحذف منها ذلك اللفظ.

وممّا يدلّ على هذا ما رواه في الكافي بإسناده عن أبي جعفر عليه السلام : أنه كتب في رسالته إلى سعد الخير : وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرّفوا حدوده فهم يروونه ولا يرعونه والجهال يعجبهم حفظهم للرواية والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية. الحديث.

وما رواه العامّة : أن علياً عليه السلام كتب في مصحفه الناسخ والمنسوخ. ومعلوم أن الحكم بالنسخ لا يكون إلّا من قبيل التفسير والبيان ولا يكون جزء من القرآن فيحتمل أن يكون بعض المحذوفات أيضاً كذلك هذا ما عندي من التفصي عن الاشكال والله يعلم حقيقة الحال. واما اعتقاد مشايخنا «ره» في ذلك فالظاهر من ثقة الإسلام محمّد بن يعقوب الكليني طاب ثراه أنّه كان يعتقد التحريف والنقصان في القرآن لأنّه كان روى روايات في هذا المعنى في كتابه الكافي ولم يتعرض لقدح فيها مع أنّه ذكر في أوّل الكتاب أنّه كان يثق بما رواه فيه وكذلك استاذه عليّ بن إبراهيم القمّيّ (ره) فان تفسيره مملوّ منه وله غلوّ فيه ، وكذلك الشيخ أحمد بن أبي طالب الطبرسيّ رضي الله عنه فانه أيضاً نسج على منوالهما في كتاب الإحتجاج. واما الشيخ أبو علي الطبرسيّ فانه قال في مجمع البيان : اما الزيادة فيه فمجمع على بطلانه وأمّا النقصان فيه فقد روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية العامّة أن في القرآن تغييراً ونقصاناً

٥٢

والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه وهو الذي نصره المرتضى رضي الله عنه واستوفى الكلام فيه غاية الاستيفاء في جواب المسائل الطرابلسيات.

وذكر في مواضع : أن العلم بصحة نقل القرآن كالعلم بالبلدان والحوادث الكبار والوقائع العظام والكتب المشهورة وأشعار العرب المسطورة فان العناية اشتدت والدواعي توفرت على نقله وحراسته وبلغت حداً لم تبلغه فيما ذكرناه لأن القرآن معجزة النبوّة ومأخذ العلوم الشرعية والأحكام الدينية وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية حتّى عرفوا كل شيء اختلف فيه من إعرابه وقراءته وحروفه وآياته فكيف يجوز أن يكون مغيراً ومنقوصاً مع العناية الصادقة والضبط الشديد.

وقال أيضاً قدس الله روحه : إن العلم بتفصيل القرآن وأبعاضه في صحة نقله كالعلم بجملته وجرى ذلك مجرى ما علم ضرورة من الكتب المصنفة ككتاب سيبويه والمزني فان أهل العناية بهذا الشأن يعلمون من تفصيلها ما يعلمونه من جملتها حتّى لو أن مدخلاً أدخل في كتاب سيبويه باباً في (من خ ل) النحو ليس من الكتاب لعرف وميز وعلم أنّه ملحق وليس من أصل الكتاب وكذلك القول في كتاب المزني ومعلوم أن العناية بنقل القرآن وضبطه أصدق من العناية بضبط كتاب سيبويه ودواوين الشعراء وذكر أيضاً أن القرآن كان على عهد رسول الله مجموعاً مؤلّفاً على ما هو عليه الآن واستدلّ على ذلك بأن القرآن كان يدرس ويحفظ جميعه في ذلك الزمان حتّى عين على جماعة من الصحابة في حفظهم له وإنّه كان يعرض على النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم ويتلى عليه وأن جماعة من الصحابة مثل عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم عدة ختمات وكل ذلك يدلّ بأدنى تأمل على انه كان مجموعاً مرتباً غير مبتور ولا مبثوث.

وذكر أن من خالف في ذلك من الإماميّة والحشوية لا يعتد بخلافهم فان الخلاف في ذلك مضاف الى قوم من أصحاب الحديث نقلوا أخباراً ضعيفة ظنوا

٥٣

صحتها لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحته.

أقول : لقائل أن يقول كما ان الدواعي كانت متوفرة على نقل القرآن وحراسته من المؤمنين كذلك كانت متوفرة على تغييره من المنافقين المبدلين للوصية المغيرين للخلافة لتضمنه ما يضاد رأيهم وهواهم والتغيير فيه إن وقع فإنما وقع قبل انتشاره في البلدان واستقراره على ما هو عليه الآن. والضبط الشديد إنّما كان بعد ذلك فلا تنافي بينهما بل لقائل أن يقول إنّه ما تغير في نفسه وإنّما التغيير في كتاباتهم إياه وتلفظهم به فإنهم ما حرفوا إلّا عند نسخهم من الأصل وبقي الأصل على ما هو عليه عند أهله وهم العلماء به فما هو عند العلماء به ليس بمحرف وإنّما المحرف ما أظهروه لأتباعهم وأمّا كونه مجموعاً في عهد النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم على ما هو عليه الآن فلم يثبت وكيف كان مجموعاً وإنّما كان ينزل نجوماً وكان لا يتم الا بتمام عمره.

واما درسه وختمه فإنما كانوا يدرسون ويختمون ما كان عندهم منه لإتمامه.

وقال شيخنا الصدوق رئيس المحدثين محمّد بن عليّ بن بابويه القمّيّ طيب الله ثراه في اعتقاداته : اعتقادنا أن القرآن الذي أنزله الله على نبيه صلّى الله عليه وآله وسلم هو ما بين الدفتين وما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك ، قال : ومن نسب إلينا : إنا نقول إنّه أكثر من ذلك فهو كاذب.

وقال شيخ الطائفة محمّد بن الحسن الطوسيّ رضي الله عنه في تبيانه :

وأمّا الكلام في زيادته ونقصانه فمما لا يليق به لأن الزيادة فيه مجمع على بطلانه والنقصان منه فالظاهر أيضاً من مذهب المسلمين خلافه وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا وهو الذي نصره المرتضى رضي الله عنه ، وهو الظاهر في الروايات. غير أنّه رويت روايات كثيرة من جهة الخاصّة والعامّة بنقصان كثير من آي القرآن (١) ونقل شيء منه من موضع إلى موضع طريقها الآحاد التي لا يتوجب

__________________

(١) روي في الكافي بإسناده عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن القرآن الذي جاء جبرائيل على

٥٤

علماً فالأولى الاعراض عنها وترك التشاغل بها لأنّه يمكن تأويلها ولو صحت لما كان ذلك طعناً على ما هو موجود بين الدفتين فان ذلك معلوم صحته لا يعترضه أحد من الأمة ولا يدفعه ، وروايتنا متناصرة بالحث على قراءته والتمسك بما فيه ، ورد ما يرد من اختلاف الأخبار في الفروع إليه وعرضها عليه فما وافقه عمل عليه وما خالفه يجنب ولم يلتفت إليه ، وقد ورد عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم رواية لا يدفعها احد ، إنّه قال : إني مخلف فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض. وهذا يدلّ على أنّه موجود في كل عصر لأنّه لا يجوز أن يأمرنا بالتمسك بما لا نقدر على التمسك به كما أن أهل البيت عليهم السلام ومن يجب اتباع قوله حاصل في كل وقت وإذا كان الموجود بيننا مجمعاً على صحته فينبغي أن يتشاغل بتفسيره وبيان معانيه وترك ما سواه.

أقول : يكفي في وجوده في كل عصر وجوده جميعاً كما أنزله الله محفوظاً عند أهله ووجود ما احتجنا إليه منه عندنا وإن لم نقدر على الباقي كما أن الامام عليه السلام كذلك فان الثّقلين سيّان في ذلك.

ولعلّ هذا هو المراد من كلام الشيخ. واما قوله من يجب اتباع قوله فالمراد به البصير بكلامه فانه في زمان غيبتهم قائم مقامهم لقولهم عليهم السلام : انظروا إلى من كان منكم قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فاجعلوه بينكم حاكماً فإني قد جعلته عليكم حاكماً ، الحديث.

__________________

محمّد صلّى الله عليه وآله وسلم سبعة آلاف آية. ويقال إن الموجود منه في أيدي الناس أقل من ذلك ، والمشهور أنّه ستة آلاف وستمائة وستون.

وفي مجمع البيان من طريق العامّة عن النبيّ صلَّى الله عليه وآله وسلم : أن القرآن ستة آلاف ومائتان وثلاث وستون آية. وقد ذكر بعض أصحابنا عدد السور والكلمات والحروف والفتحات والضمات والكسرات والهمزات والتشديدات والألفات والباءات إلى آخر حروف التهجي واعتمد في عدد الآية على المشهور. ولعلّ بناء حديث العامّة على ما رأوه من عد البسملات آية واحدة وعلى ما حصل لهم القطع بكونه آية فإن للقراء في تعيين الآيات اختلافات والعلم عند الله. منه رحمه الله تعالى.

٥٥

المقدّمة السابعة

في نبذ ممّا جاء في أن القرآن تبيان كل شيء وتحقيق معناه

روي في الكافي بإسناده عن مرازم عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن الله تعالى أنزل في القرآن تبيان كل شيء حتّى والله ما ترك الله شيئاً يحتاج إليه العباد حتّى لا يستطيع عبد يقول لو كان هذا أنزل في القرآن الا وقد أنزله الله فيه.

وبإسناده عن عمرو بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال سمعته يقول : إن الله تعالى لم يدع شيئاً تحتاج إليه الأمة الا أنزله في كتابه وبينه لرسوله صلّى الله عليه وآله وسلم وجعل لكل شيء حداً وجعل عليه دليلاً يدلّ عليه وجعل على من تعدّى ذلك حداً.

وبإسناده عن المعلى بن خنيس قال قال : أبو عبد الله عليه السلام : ما من أمر يختلف فيه اثنان الا وله أصل في كتاب الله ولكن لا تبلغه عقول الرجال.

وبإسناده عن حماد (عمار خ ل) عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول : ما من شيء الا وفيه كتاب أو سنة. وبإسناده عن سماعة عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال : قلت له أكل شيء في كتاب الله وسنة نبيه أو تقولون فيه ، قال : بل كل شيء في كتاب الله وسنة نبيه.

وبإسناده عن أبي الجارود قال قال أبو جعفر عليه السلام : إذا حدثتكم بشيء فاسألوني أين هو من كتاب الله تعالى. ثم قال في بعض حديثه إن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم أنهى عن القيل والقال وفساد المال وكثرة السؤال فقيل له يا بن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم أين هذا من كتاب الله؟ قال :

٥٦

إن الله تعالى يقول لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ. وقال : لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً. وقال : لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ. قال بعض أهل المعرفة ما ملخصه : إن العلم بالشيء اما يستفاد من الحس برؤية أو تجربة أو سماع خبر أو شهادة أو اجتهاد أو نحو ذلك ومثل هذا العلم لا يكون الا متغيراً فاسداً محصوراً متناهياً غير محيط لأنّه إنّما يتعلق بالشيء في زمان وجوده علم وقبل وجوده علم آخر وبعد وجوده علم ثالث وهكذا كعلوم أكثر الناس وأمّا ما يستفاد من مبادئه وأسبابه وغاياته علماً واحداً كلياً بسيطاً على وجه عقلي غير متغير فانه ما من شيء الا وله سبب ولسببه سبب. وهذا إلى أن ينتهي إلى مسبب الأسباب وكل ما عرف سببه من حيث يقتضيه ويوجبه فلا بدّ أن يعرف ذلك الشيء علماً ضرورياً دائماً فمن عرف الله تعالى بأوصافه الكمالية ونعوته الجلالية وعرف أنه مبدأ كل وجود وفاعل كل فيض وجود وعرف ملائكته المقربين ثمّ ملائكته المدبرين المسخرين للأغراض الكلية العقليّة بالعبادات الدائمة والنسك المستمرة من غير فتور ولغوب الموجبة لأن يترشح عنها صور الكائنات كل ذلك على الترتيب السببي والمسببي.

فيحيط علمه بكل الأمور وأحوالها ولواحقها علماً برياً (بريئاً خ ل) من التغيير والشك والغلط فيعلم من الأوائل الثواني ومن الكليات الجزئيات المترتبة عليها ومن البسائط المركبات ، ويعلم حقيقة الإنسان وأحواله وما يكملها ويزكيها ويسعدها ويصعدها إلى عالم القدس وما يدنسها ويرديها ويشقيها ويهويها إلى أسفل السافلين علماً ثابتاً غير قابل للتغيير ولا محتمل لتطرق الريب فيعلم الأمور الجزئية من حيث هي دائمة كلية ومن حيث لا كثرة فيه ولا تغيير وإن كانت هي كثيرة متغيرة في أنفسها وبقياس بعضها إلى بعض وهذا كعلم الله سبحانه بالأشياء وعلم ملائكته المقربين وعلوم الأنبياء والأوصياء عليهم السلام بأحوال الموجودات الماضية والمستقبلة وعلم ما كان وعلم ما سيكون (يكون خ ل) إلى يوم القيامة من هذا القبيل فانه علم كلي ثابت غير متجدد بتجدد المعلومات ولا متكثر

٥٧

بتكثرها ، ومن عرف كيفية هذا العلم عرف معنى قوله تعالى : وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ. ويصدّق بأن جميع العلوم والمعاني في القرآن الكريم عرفاناً حقيقياً وتصديقاً يقينياً على بصيرة لا على وجه التقليد والسماع ونحوهما إذ ما من أمر من الأمور الا وهو مذكور في القرآن إمّا بنفسه أو بمقوماته وأسبابه ومبادئه وغاياته ولا يتمكن من فهم آيات القرآن وعجائب أسراره وما يلزمها من الأحكام والعلوم التي لا تتناهى الا من كان علمه بالأشياء من هذا القبيل. انتهى كلامه أعلى الله مقامه ، وينبه عليه لفظة الأصل في رواية المعلَّى.

٥٨

المقدّمة الثامنة

في نبذ ممّا جاء في أقسام الآيات واشتمالها على البطون والتأويلات وأنواع

اللغات والقراءات ، والمعتبرة منها

قد اشتهرت الرواية من طريق العامّة عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم أنه قال : نزل القرآن على سبعة أحرف كلها كاف شاف. وقد ادعى بعضهم تواتر أصل هذا الحديث الا انهم اختلفوا في معناه على ما يقرب من أربعين قولاً. وروت العامّة عنه عليه السلام أيضاً انه قال : نزل القرآن على سبعة أحرف أمر وزجر وترغيب وترهيب وجدل وقصص ومثل. وفي رواية أخرى : زجر وأمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال. والمستفاد من هاتين الروايتين أن الأحرف إشارة إلى اقسامه وأنواعه.

ويؤيده ما رواه أصحابنا عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال : إن الله تبارك وتعالى أنزل القرآن على سبعة أقسام كل قسم منها كاف شاف وهي : أمر وزجر وترغيب وترهيب وجدل ومثل وقصص.

وروت العامّة أيضاً عن النبيّ صلّى الله عليه وآله : أن القرآن أنزل على سبعة أحرف لكل آية منها ظهر وبطن ولكل حرف حدّ ومطلع.

وفي رواية أخرى : أن للقرآن ظهراً وبطناً ولبطنه بطناً إلى سبعة أبطن.

وربما يستفاد من هاتين الروايتين أن الأحرف إشارة إلى بطونه وتأويلاته ولا نص فيهما على ذلك لجواز أن يكون المراد بهما أن الكل من الأقسام ظهراً وبطناً ولبطنه بطناً (بطن خ ل) إلى سبعة أبطن.

ومن طريق الخاصّة ما رواه في الخصال بإسناده عن حمّاد قال : قلت لأبي

٥٩

عبد الله عليه السلام إن الأحاديث تختلف منكم ، قال : فقال : إن القرآن نزل على سبعة أحرف وأدنى ما للإمام أن يفتي على سبعة وجوه. ثم قال : هذا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ ، وهذا نص في البطون والتأويلات. ورووا في بعض ألفاظ هذا الحديث : أن هذا القرآن أُنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا بما تيسر منه.

وفي بعضها : قال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم لجبرئيل عليه السلام : إني بعثت إلى أُمة أُميين ، فيهم الشيخ الفاني والعجوز الكبيرة والغلام. قال : فمرهم فليقرءوا القرآن على سبعة أحرف.

ومن طريق الخاصّة ما رواه في الخصال بإسناده عن عيسى بن عبد الله الهاشمي عن أبيه عن آبائه قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم : أتاني آتٍ من الله عزّ وجلّ فقال : إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على حرف واحد. فقلت : يا ربّ وسع على أمتي. فقال : إن الله عزّ وجلّ يأمرك أن تقرأ القرآن على سبعة أحرف. ويستفاد من هذه الروايات ان المراد بسبعة أحرف اختلاف اللغات كما قاله ابن الأثير في نهايته فانه قال في الحديث : نزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف. أراد بالحرف اللغة يعني على سبع لغات من لغات العرب أي انها متفرقة (مفرقة خ ل) في القرآن فبعضه بلغة قريش وبعضه بلغة هُذيل وبعضه بلغة الهوازن (هوازن خ ل) وبعضه بلغة اليمن. قال : ومما يبين ذلك قول ابن مسعود إنّي قد سمعت القراء فوجدتهم متقاربين فاقرأوا كما علمتم إنّما هو كقول أحدكم : هلم تعال واقبل. وقال في مجمع البيان : إن قوماً قالوا إن المراد بالأحرف اللغات ممّا لا يغير حكماً في تحليل ولا تحريم مثل : هلم واقبل وتعال. وقالوا : وكانوا مخيرين في مبتدإ الإسلام في أن يقرءوا بما شاءوا منها ثمّ أجمعوا على أحدها وإجماعهم حجة فصار ما أجمعوا عليه مانعاً ممّا اعرضوا عنه.

أقول : والتوفيق بين الروايات كلها أن يقال : إن للقرآن سبعة أقسام من

٦٠