شرح كتاب سيبويه - ج ٥

أبي سعيد السّيرافي الحسن بن عبدالله بن المرزبان

شرح كتاب سيبويه - ج ٥

المؤلف:

أبي سعيد السّيرافي الحسن بن عبدالله بن المرزبان


المحقق: أحمد حسن مهدلي و علي سيّد علي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-5251-0

الصفحات: ٤٨٨

الحلق ، ولا ما بعدها من حروف الفم.

وأما قول سيبويه لا تدغم الحاء في العين في قولك امدح عرفة يريد أنك تبين الحاء من امدح والعين من عرفة.

وقوله : لأن الحاء قد يفرون إليها إذا وقعت الهاء مع العين يريد أن الهاء والعين إذا اجتمعتا وأرادوا الإدغام قلبوا الهاء حاء والعين حاء ؛ فلو كانت الحاء تدغم في العين لكانوا لاي قلبون الهاء حاء بل كانوا يدغمونها في العين كما أن الميم لو كانت تدغم في الياء ما كانت تقلب النون ميما مع الباء في قولك عنبر وشنبا بل كانوا يدغمونها في الباء فيقولون عبر وشبا فأجريت العين مع الحاء مجرى الميم مع الباء فجلتها بمنزلة [ ](١) إذا كانت الهاء مع العين كما جعلت الميم بمنزلة النون في عنبر وشنباء.

وقوله : ولم تقو العين على الحاء أي لم تقو على إدغام الحاء فيها.

قال : ولو قلت : امدح حرفه فجعلت العين حاء جاز ، وقد مضى القول في جواز إدغام العين في الحاء ، وما جاز إدغامه جاز أن يقلب إلى جنس ذلك الحرف إذا كان متأخرا.

قال سيبويه : والغين مع الخاء الإدغام والبيان حسنان ، وذلك قولك [ ](٢) كما قلت ذلك في العين والحاء والخاء مع الغين البيان فيهما أحسن ؛ لأن الغين [ ](٣) وهما من حروف الحلق ، وقد خالف [ ](٤) الهمس فشبهت بالحاء مع العين وقد [ ](٥) الإدغام فيهما لأنهما مخرج الثالث من الحلق وهو أدنى المخارج من الحلق إلى [ ](٦).

ألا ترى أن بعض العرب يقول : منخل ، نغل فيخفي النون معهما كما يخفيها مع حروف اللسان والفم ، وذلك قولك : انسخ غنمك وذلك على حسن البيان عزتها في باب [ ](٧).

قال أبو سعيد رحمه‌الله : قد ذكرنا [ ](٨) والغين وأنهما حيز لا يختلط بحروف الحلق وحروف الفم في الإدغام ، وأن كل واحد يدغم بالآخر.

__________________

(١) كشط بالأصل.

(٢) كشط بالأصل.

(٣) كشط بالأصل.

(٤) كشط بالأصل.

(٥) كشط بالأصل.

(٦) كشط بالأصل.

(٧) كشط بالأصل.

(٨) كشط بالأصل.

٤٢١

وقد فرق سيبويه [ ](١) في العين فقال في [ ](٢) الغين في الخاء البيان أحسن ، وإنما قال ذلك ؛ لأن الغين مجهورة كالعين والخاء مهموسة رخوة كالحاء.

فلما كان إدغام العين في الحاء والبيان فيهما أحسن من إدغام الخاء في الغين ، وإدغامهما جائز ، وإنما جاز إدغام الخاء في الغين ، ولم يجز إدغام الحاء في العين لما ذكرت لك ، ولأن حروف الحلق ليست بأصل في الإدغام ، ولا يقوي فيها ، والحاء والعين من وسط الحلق والخاء والغين قريبان من حروف الفم.

وقد أجريا مجرى حروف الفم في إخفاء النون الساكنة عندها في بعض اللغات ، وقد ذكرنا ذلك.

وقوله : ويدلك على حسن البيان عزتها في باب رددت يريد أن التقاء الغينين أقل من التقاء الخاءين ألا ترى أن ما عين فعله ولامه خاء قد جاء منه حروف جماعة نحو رخ العجين ورخ في قفاه إذا وقع ورخها يرخها إذا نكحها وشح البول إذا أخرجه قليلا ، والمخ وألفخ والصخ الصياخة.

ولا أعلم غينين التقتا عينا ولاما وقد تكون الغينان غينا ولاما وبينهما حاجز قالوا : ضغيغة من بقل ، ومن عشب إذا كانت الروضة ناضرة متخيلة والرغيغة لبن يحفن حتى يشتد حمصه [ ](٣) باب رددت يوجب حسن البيان إذا كانت خاء بعدها غين لأنا لو لم نبين وأدغمنا الخاء في الغين لالتقت غينان.

قال : والقاف مع الكاف كقولك : الحق كلدة الإدغام والبيان حسنان لقرب المخرجين ، وإنهما من حروف اللسان ، وإنهما متفقان في الشدة والكاف مع القاف كقولك انهك قطعا البيان أحسن ، والإدغام حسن ؛ لأن القاف مجهورة فشبهت بالخاء مع الغين كما شبه أقرب مخارج الحلق إلى اللسان بحروف اللسان فيما ذكرنا من البيان والإدغام.

قال أبو سعيد ـ رحمه‌الله ـ : القاف والكاف هما في أقصى الفم مما يلي الحلق والغين والخاء في طرف الحلق مما يلي الفم بالحيز فما يتجاوران والقاف كالغين ؛ لأن القاف والغين مجهوران والكاف كالخاء ؛ لأنهما مهموسان.

فلما كان البيان في الخاء التي بعدها الغين أحسن كذلك البيان في الكاف التي بعدها

__________________

(١) كشط بالأصل.

(٢) كشط بالأصل.

(٣) كشط بالأصل.

٤٢٢

الكاف.

ولما كان البيان والإدغام حسنين في الغين التي بعدها الخاء كذلك البيان والإدغام في القاف التي بعدها الكاف حسنان والجيم والشين والبيان والإدغام حسنان ؛ لأنهما من مخرج واحد وهما من حروف وسط اللسان ، وقد بينا أنه لا يجوز إدغام الشين في الجيم.

قال سيبويه : واللام مع الراء كقولك : اشتغل رجب لقرب المخرجين ، ولأن الراء فيها انحراف نحو : اللام قليلا ، وقاربتها في طرف اللسان ، وهما في الشدة وحصر الصوت ، سواء ، وليس بين مخرجيها مخرج وكذلك النون مع الراء لقرب المخرجين على طرف اللسان وهي مثلها في الشدة وذلك قولك من راشد ومن رأيت وتدغم بلا غنة.

قال أبو سعيد ـ رحمه‌الله ـ : ذكر سيبويه إدغام اللام والنون في الراء بلفظ لا يحتاج إلى تفسير وليس يدغم في الراء غير هذين الحرفين والأجود في إدغام النون في الراء أن تكون بغنة ؛ لأن الغنة فرق واضح.

وذكر بعض أصحاب أبي العباس المبرد عنه قال : لو بنيت من كسرت مثل افعلل لم يجز لأنك إن بنيت النون فقلت : اسكنرر منعتها ما يجب فيها من الإدغام ، وإن أدغمتها بطل لفظ الحرف ؛ لأن اكسنرر ملحق بأحرنجم.

وقال مرة أخرى : هذا جائز ؛ لأنه ليس في الكلام على مثال فعلل شيء فيعلم أنه افعنلل ولا يجوز أن تدغم الراء وتحول حركتها على النون ؛ فيقال اكسنر مثل اقشر لئلا يلتبس بباب افعلل فعلى قوله في الجواز اكسرّر النون مدغمة في الراء الأولى ولم يجز القاء حركتها على النون من جهتين إحداهما أن النون ساكنة من الملحق به ، وما بعد النون منه مفتوح والأخرى أنه يلتبس بباب اقشعر.

وإذا أدغمت النون في الراء فقلت : اكسر صار مثل اقعنسس ، وقد اختلف النحويون إذا بنى مثل اقعشر من ضرب ؛ فقال الأخفش اضربت يشدد الباء الطرف التي في موضع الراء من اقعشر.

وقال المازني ، وذكره عن النحويين اضرب بتشديد الباء التي تلي الراء وهما بناء اقعشر في الأصل ؛ لأن الأصل اقشعرر كما أن أصل احمر احمرر وتتبين في اقشعررت واحمررت ؛ فإذا قلت : اكسرر فهو بمنزلة اضربب على مذهب المازني ، ويقع ليس بينهما في القولين نظر ، والله الموفق.

٤٢٣

وذكر سيبويه إدغام النون في الراء ، ثم [ ](١) إدغامها في جميع ما تدغم فيه ، وهي تدغم في خمسة أحرف : الراء واللام والميم والواو والياء يجمعهن ، ويرمل.

وقد ذكرناها قبل ؛ فإذا أدغمت فيها تحولت من جنسها وصار مخرجها من مخرجها ، وكذلك النون إذا أدغمت في النون صار مخرجها من الفم ؛ لأن الحرفين إذا أدغم أحدهما في الآخر لم يجز أن يختلف مخرجاهما ؛ فلما كان مخرج النون المتحركة من الفم وجب أن تكون الساكنة المدغمة فيها من الفم ؛ لأنها لو كانت من الخيشوم اختلف المخرجان.

وإذا أدغمت النون في الراء واللام والواو والياء ؛ فإنها تدغم بغنة ، وغير غنة ، أما إذا أدغمت بغير غنة ؛ فلأنها إذا أدغمت في هذه الحروف صارت من جنسها فتصير مع الراء راء ، ومع اللام لاما ، ومع الواو واوا ، ومع الياء ياء ، وهذه الحروف ليس لها غنة.

وأما إذا أدغمت بغنة ؛ فلأن النون لها غنة في نفسها سواء كانت من الفم أو من الأنف والغنة صوت من الخيشوم يتبع الحرف ، وإن كان خروج الحرف من الفم.

وقد كان للنون من قبل الإدغام غنة فكرهوا إبطالها ، حتى لا يكون للنون أثر من صوتها ألبتة ، وهم يجدون سبيلا إلى الإتيان بها ، ورأيت بعض النحويين يقول : الغنة فيهن أجود ؛ لأن الغنة فرق واضح وبين القراء اختلاف في اختيار الغنة في بعض ذلك ، وتركها في بعض ، وسأذكره في باب الإدغام في القراءات إن شاء الله.

وأما الميم إذا أدغمت النون فيها فليست بمحتاجة إلى غنة من أجل النون ؛ لأن الميم فيها غنة ، وإن كان مخرجها من الشفتين يغني عن غنة النون ، وكذلك إذا أدغمت في نون مثلها فالنون الثانية ، وإن كان مخرجها من الفم فيها غنة.

قال أبو سعيد ـ رحمه‌الله ـ : وأنا أسوق لفظ سيبويه في إدغام النون في هذه الحروف ، وأشرح ما استغلق منه إن شاء الله.

قال سيبويه : والنون مع الراء لقرب المخرجين يريد تدغم النون في الراء وذلك مثل قولك من راشد ومن رأيت ، وتدغم بغنة وبلا غنة ، وإدغامها يجوز بغنة وغير غنة ؛ لأن الراء فيها فضيلة التكرير ويغلب لفظها على ما أدغمت فيه.

والراء ليس فيها غنة فيتوهم المتوهم أنه لا يجوز فيها الغنة ؛ لأنها قد أدخلت في الراء وغلب عليها فضيلة التكرير فأراد أن يبين أنها من إدغامها في الراء فيها غنة ؛ لأن الغنة

__________________

(١) كشط بالأصل.

٤٢٤

زيادة في الصوت ؛ فكرهوا إبطالها ، ومن أدغم بغير غنة فهو القياس ، والأصل لأنك إذا أدغمتها في الراء فقد صيرتها راء وليس في الراء غنة.

وقد جاءت القراءات وكلام العرب بالأمرين جميعا وتدغم مع اللام لأنها قريبة منها ، وذلك من لك إن شئت كان الإدغام بغنة وإن شئت بغير غنة لأن لها صوتا من الخياشيم فيترك على حاله لأن الذي بعده ليس له في الخياشيم نصيب فيغلب عليه الأنفاق.

قوله : «لأن لها صوتا في الخياشيم» يعني النون ، وقوله : لأن الذي بعده يعني اللام ليس لها نصيب في الخياشيم ، ولو كان له نصيب في الخياشيم لما احتجنا إلى أن نتكلف غنة من أجل النون كما أنا إذا أدغمنا النون في الميم استغنينا بما للميم من الصوت في الخيشوم عن الغنة التي تتكلف للنون.

قال : وتدغم النون مع الميم ؛ لأن صوتهما واحد وهما مجهوران ، وقد خالف سائر الحروف في الصوت حتى إنك تسمع الميم كالنون والنون كالميم حتى تتبين فصارتا بمنزلة اللام والراء يريد أن النون والميم ، وإن كان مخرجاهما متباعدين فقد جمعهما على بعد مخرجيهما شيئان يوجبان إدغام النون في الميم وهما الجهر والغنة حتى صارتا متشابهتين في السمع ، وقد تتشابه الحروف بالكيفيات على بعد مخرجها بأقوى من التشابه بتقاربها في المخرج.

كما ذكرنا ذلك في تشابه حروف المد واللين على تباعدها في المخرج ، قال : وتقلب النون مع الباء ميما ؛ لأن الباء من موضع تعتل فيه النون ؛ فأرادوا أن يدغموا هاهنا إذ كانت الباء من موضع الميم ، كما أدغموها فيما يقرب من الراء في الموضع ؛ فجعلوا ما هو من موضع ما وافقها فقالوا : مترد وأصله متترد ومصبر وأصله مصطبر على قلب الثاني من جنس الأول.

ثم قال : وأقيسهما مظلم ، واحتج لذلك بأن الإدغام أن يتبع الأول الآخر في نحو ذهب به وبين له ، ولو كان الثاني ساكنا لم يدغم فيه الأول نحو : ذهب ابن زيد ؛ لأن باء ابن ساكنة ؛ فلما كان الثاني إن كان متحركا أدغم فيه ، وإن كان ساكنا لم يدغم دل على أن الثاني يتبعه الأول ، ومع ذلك يجوز قلب الأول للثاني كما قيل مترد ومصبر قال : وكذلك الدال تبدل من مكان التاء أشبه الحروف بها ؛ لأنهما إذا كانا في حرف واحد لزم أن لا يثبتا إن كانا يدغمان منفصلين يريد أن الدال والتاء لما كانتا إذا التقتا من كلمتين جاز الإدغام وقلب أحدهما إلى الآخر كقولك : لم يعد تمام ، وكذلك الدال والدال كقولك : لم يقعد داود كان كونهما في كلمة أثقل وجب الإدغام والقلب لاسيما مع تاء

٤٢٥

الافتعال لكثرته في الكلام أو شبه الحروف بالذال من موضع التاء الدال ؛ لأن الذال والدال مجهوران.

وقوله : وكرهوا هذا الإجحاف. يعني إدغام الدال في التاء ، وإن لم يجعل مكان التاء دالا لأن التاء إذا جعلت دالا ؛ فالدال مجهورة مثل الذال والقياس مذكر.

وقد تقدم ذكر جوازه بالذال ، وقد ذكرنا وجه ذلك.

قال : وإنما منعهم أن يقولوا مذدكر كما قالوا مزدان لأن كل واحد منهما قد يدغم في صاحبه في الانفصال فلم يجيزوا في الحرف الواحد إلا الإدغام والزاي لا تدغم في الدال على حال ؛ فلم يشبهوها بها.

وذكر سيبويه مضطجع ومضجع ، وهو على قياس ما مضى ، وذكر أن بعضهم قال مطجع حيث كانت الطاء مطبقة ، ولم تكن في السمع كالصاد ، وقربت منها وصارت في كلمة واحدة ؛ فلما اجتمعت هذه الأشياء وكان وقوعها معها في كلمة واحدة أكثر من وقوعها معها في الانفصال اغتفروا ذلك ، وأدغموها وصارت كلام المعرفة حيث ألزموها الإدغام فيما لا تدغم فيه في الانفصال ، وو لا يدغمونها في الطاء يعني الصاد في الانفصال ؛ لأنها لم يكثر معها في كلمة واحدة ككثرة لام المعرفة مع تلك الحروف.

قال أبو سعيد ـ رحمه‌الله ـ : أما مطجع ؛ فإنما أدغم فيه الضاد في الطاء ؛ لأن الإدغام في كلمة واحدة ألزم منه في كلمتين ، وأقوى وتجاوز حرفين متقاربين ، والأول منهما ساكن ثقيل ، وإذا كانا في كلمة واحدة ؛ فهو أثقل ، ولذلك ألزموا لام المعرفة الإدغام فيما أدغمت فيه ، ولم يلزموها إذا كان ما يلقاها من كلمة أخرى نحو : هل ثوب ، وبل تؤثرون.

وسهل إدغام الضاد في الطاء أن الطاء مثل الصاد في الإطباق ، وأن الضاد قبلها ساكنة ولاستثقال تجاوز هذين الحرفين في الكلمة الواحدة ما روي أن بعض العرب يقول الطجع ؛ فأبدل من الضاد لاما لأنه رأى تلاقي حرفين مطبقين أثقل من تلاقي حرفين أحدهما مطبق ، والآخر غير مطبق ولاشتراك الضاد واللام في الانحراف وقرب الضاد منهما في استطالتها.

ولم يدغموا الضاد في الطاء في المنفصلين كما جوزوا ادغام اللام في المنفصلين في كل ما تدغم فيه لام المعرفة ؛ لأن لام المعرفة كثرت جدا لأنها تدخل على كل اسم مكسور ، واجتماع الضاد والطاء في كلمة واحدة قليل.

قال : وإذا كانت الطاء مع التاء فهو أجدر أن تدغم لأنهما في الانفصال أثقل من

٤٢٦

جميع ما ذكرنا ، ولم يدغموها ؛ لأنهم لم يريدوا أن يبقى الإطباق إذ كان يذهب في الانفصال ؛ فكرهوا أن يلزموه ذلك في حرف من حروف الإطباق ، وذلك قولهم اظعنوا ، وفي نسخة أبي بكر مبرمان ؛ فهو أجدر أن تقلب التاء طاء.

ولا تدغم الطاء في التاء فتخل بالحرف ؛ لأنهما في الانفصال أثقل من جميع ما ذكرنا يريد أن الطاء إذا كان بعدها تاء الافتعال قلبت التاء طاء وقلبها طاء مع الطاء أجدر من سائر ما ذكر قلبها معه طاء.

وقوله : لأنهما في الانفصال أثقل يريد أن التقاءهما في الانفصال ثقيل فإذا التقتا في كلمة ازدادت ثقلا فقوله : ولم يدغموها ؛ لأنهم لم يريدوا أن يبقى الإطباق إذ كان يذهب في الانفصال يريد أنهم لم يدغموا الطاء في التاء ؛ لأنهم لم يريدوا أن لا يبقى الإطباق كما قال عزوجل (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) [النساء : ١٧٦].

ولو أدغموها في التاء لذهب الإطباق.

وقوله : إذ كان يذهب في الانفصال معناه : أنهم لم يريدوا أن لا يبقى الإطباق حسبما يذهب الإطباق في المنفصل إذا التقى في الصوت بمنزلة ما قرب من أقرب الحروف في الموضع ، ولا يدغمون النون في الباء للبعد منها في المخرج ، وأنها ليست فيها غنة ، ولكنها أبدلوا مكانها أشبه الحروف بالنون ، وهي الميم وذلك قولك من يك وشنباء والعنبر يريد تقلب النون الساكنة إذا كانت بعدها باء ميما كقولك من بك وشنباء ؛ لأن الباء من موضع الميم والنون تعتل مع الميم واعتلالها أن تنقلب ميما ؛ فأرادوا قلبها ميما مع الباء إذ كانت الباء من مخرج الميم.

كما أدغموها فيما يقرب من الراء كما أدغموا النون في الياء ؛ لأن الباء تقرب من الراء والراء أقرب الحروف من النون في قلبها ياء ، وسترى قرب الراء من الياء إن شاء الله.

فإن قال قائل : فهل يلزم على ذلك إذا أدغم حرف في حرف أن يقلب الحرف المدغم مع كل حرف من مخرج الحرف المدغم فيه قيل له : لا يلزم ذلك حتى يكون معه معنى آخر يوجب ذلك القلب ، وذلك المعنى هو ما يلحق النون إذا كان بعد هاء ؛ لأن ابتداء صوت النون من الخيشوم ولها حالان حال ابتداء وحال انتهاء ؛ لأنها يتقرر مخرجها ؛ فإذا ابتدأت إخراجها وحركاتها كانت من الفم لا غير وذلك بين إذا امتحنته كقولك منا ومنى ومنو ، وكذلك إذا وقفت عليها ساكنة ، وهي من الفم كقولك : من وعن وهو بين إذا امتحنته.

وإذا وصلتها بما تخفى معه تفردت بالخيشوم كقولك : منك وعنك فأشد أصواتها

٤٢٧

واحد من موضع واحد ، والانتهاء مختلف ، ألا ترى أنك لو قلت من وفي نفسك الكاف فقطعك عن لفظك بالكاف قاطع صار اللفظ من كما يكون من مفردة إذا لم تنو معها الكاف ؛ فإذا بدأت بإخراج نون عنبر من الخيشوم على ما ذكرناه ، وصوت الخيشوم مشترك بين النون والميم في المبدأ ، وإنما يتغير في المقطع ؛ فاعتماد المتكلم على إخراج الباء يمنع من استمداد الصوت بغنة الخيشوم.

واحتاج المتكلم إلى أحد أمرين في المقطع إما أن يجعله من مخرج النون من الفم فيقول : عنبر ببيان النون وإخراجها من الفم وذلك ممكن وفيه مشقة.

وأما أن يجعل المقطع من موضع الميم وهو مخرج الباء فيجعله ميما ، وذلك أسهل فهذا سبب جعلها ميما والله أعلم.

ولا تدغم النون في الباء للبعد بينهما في المخرج إن كانت ومن الفم ومن الخيشوم لأنهما لا يجتمعان في المخرج ولا في الغنة المقرية إذا بينهما على بعد المخرجين فإن قيل ؛ فهل يجوز إذا قلبت النون ميما أن تجعل الباء ميما ، وتدغم الميم في الميم فتقول : عمر في عنبر وشمّاء في شنباء.

كما يجوز لك في قولك : أقم البصرة أن تقلب الباء ميما ، وتدغم فتقول : أقم البصرة قلت : ذلك لا يجوز عندي لما يقع فيه من اللبس بما عينه ولامه ميم ؛ ألا تراهم قد بينوا في قنبة وزنمة النون وأخرجوها من الفم لئلا يدغموا فيقولوا فيه وزمة فيتوهم أنهما باءان وميمان ، وتدغم مع الواو بغنة وبلا غنة ؛ لأنها من مخرج ما أدغمت فيه ، وإنما منعها أن تقلب مع الواو ميما أن الواو حرف لين يتجافى عنه اللسان والميم كالباء في الشدة ولزوم الشفتين فكرهوا أن يكون مكانها أشبه الحروف عن موضعها بالنون وليس مثلها في اللين والتجافي والمدة ؛ فاجتملت الإدغام كما احتملته اللام وكثرة البدل لما ذكرت لك.

قال أبو سعيد : أما إدغام النون في الواو بغنة وغير غنة ؛ فقد ذكرناه ، وأما قوله ؛ لأنها من مخرج ما أدغمت فيه يريد لأن الواو من مخرج الميم ، وقد أدغمت النون في الميم.

وقوله : إنما منعتها أن تقلب مع الواو ميما كما قلبت مع الباء ميما في اعنبر ، وأشباهه أن الواو يتجافى عنها اللسان ، ويريد باللسان الشفتين وفي الواو أيضا مد ولين فتباعد ما بين الواو والميم كالباء في الشدة ، ولزوم الشفتين فمن أجل بعد الميم من الواو وشبهها بالباء جعلت النون وهي شبيهة الميم مع الباء ميما ولم يجعل مع الواو ميما.

وقوله : فكرهوا أن يكون مكانها أشبه الحروف من موضعها أي كرهوا أن تجعل النون ميما والميم أشبه الحروف من موضع الواو بالنون وليس مثلها في اللين والتجافي

٤٢٨

والمد كما كانت الميم مثل الباء في الشدة ولزوم الشفتين.

وقوله : واحتملت الإدغام في الواو كما احتملت اللام الإدغام ؛ لأن اللام ، وهي من مخرج النون تدغم في ثلاثة عشر حرفا سوى النون ، وكثرة بدل اللام أنها تبدل إلى الحروف التي تدغم فيها كلها.

قال : وتدغم مع الياء بغنة وبلا غنة ؛ لأن الياء أخت الواو وقد تدغم فيها فكأنهما من مخرج واحد ؛ لأنه ليس مخرج من طرف اللسان أقرب إلى الياء من الراء ؛ ألا ترى أن الألتغ بالراء يجعلها ياء ، وكذلك الألتع باللام ؛ لأنها أقرب الحروف من حيث ذكرت لك منهما جعل سيبويه إدغام النون نفي الياء حملا على إدغامها في الواو ؛ لأن الياء والواو كأنها من مخرج واحد ، وإن تباعد مخرجهما لما بينهما من الاجتماع في المد واللين.

وقد تدغم الواو في الياء نحو : طويته طيا ، وشوية شيا ، وأصله طويا وشويا ؛ فإدغام الواو في الياء قد صيرهما بمنزلة المتجاورين فكان الياء من بين الشفتين.

وقد ذكرنا حال النون ، وأن خروجها قبل الحروف التي من بين الشفتين من الخيشوم غير ممكن ، وخروجها قبل هذه الحروف من الفم مستثقل ؛ فلا بد من قلبها.

وقوله : لأنه ليس مخرج من طرف اللسان أقرب إلى الياء من الراء يريد أنه ليس بعد حروف طرف اللسان كالطاء وأختيها والظاء أقرب إلى الياء من الراء والنون من مخرج الراء ، ويدغمون النون فيها ليريك ملابسة النون للياء بهذه الضروب من التعلق لتصحح إدغامها في الياء وهذه علة ثانية في إدغام النون في الياء.

وقد احتج سيبويه في ادغام النون في الياء بحجتين :

إحداهما تشبيه بالواو وردها إليها ، والأصل إدغام النون في الواو ، وإدغامها في الياء قياس على الواو.

والحجة الثانية : أن تقول ليس مخرج من طرف اللسان أقرب إلى الياء من الراء ، ويجوز طرح الواو في نحو هذا كقولك : زيد عالم ، وشجاع وزيد عالم شجاع ، ثم أيد ذلك بجعل الألتغ الراء ياء ليعلم قرب الياء من الراء والراء والنون متقاربان.

ومعنى قوله : لأنها أقرب الحروف إلى الياء ؛ لأن الياء أقرب الحروف من حيث ذكرت يعني من طرف اللسان منهما من الراء واللام.

قال سيبويه : وتكون يعني النون مع سائر حروف الفم حرفا مخرجه من الخياشيم وذلك أنها من حروف الفم ، وأصل الإدغام لحروف الفم ؛ لأنها أكثر الحروف ؛ فلما وصلوا إلى أن يكون لها مخرج من غير الفم كان أخف عليهم أن لا يستعملوا ألسنتهم إلا مرة ،

٤٢٩

وكان العلم بأنها نون من ذلك الموضع مثله إذا كانت من الفم ؛ لأنه ليس حرف يخرج من ذلك الموضع غيرها ؛ فاختاروا الخفة إذا لم يكن لبس وذلك قولك من كان ومن قال ، ومن جاء.

قال أبو سعيد ـ رحمه‌الله ـ : جملة قول سيبويه أن النون تخفى إذا كانت ساكنة قبل خمسة عشر حرفا من حروف الفم وهي القاف والكاف والجيم والشين والضاد والصاد والسين والزاي والطاء والدال والتاء والظاء والذال والثاء والفاء.

ومن الناس من يخفيها قبل الغين والخاء ، وإنما أخفاها عند هذه الحروف ؛ لأنها حروف الفم وللنون مخرج من الفم فصارت هذه الحروف ملابسة للنون باشتراكهن في الفم ومع ذلك أن النون تدغم في حروف من حروف الفم والإخفاء في طلب الخفة كالإدغام في طلب الخفة ؛ فلما أمكن استعمال الخيشوم وحده في النون ثم استعمال الفم فيما بعده كان ذلك أخف من أن يستعملوا الفم في إخراج النون ثم يعودوا إلى الفم فيما بعد النون وهذا معنى قوله : كان أخف عليهم أن لا يستعملوا ألسنتهم إلا مرة.

ولا يقع لبس في خروجها من الخيشوم ، وإنما ساغ هذا في حروف الفم خاصة دون حروف الحلق لقرب مدخل الخيشوم ، ومخرجه من حروف الفم دون حروف الحلق.

قال : وهي يعني النون مع الراء واللام والياء والواو إذا أدغمت بغنة فليس مخرجها من الخياشيم ؛ لأنها لا تدغم في شيء من الحروف حتى يحول من جنس ذلك الحرف ؛ فإذا أدغمت في حرف فمخرجه مخرج ذلك الحرف ولا يمكن إدغامها في هذه الحروف حتى تكون مثلهن سواء في كل شيء.

وهذه الحروف لا حظ لها في الخياشيم ، وإنما يشرب صوت الفم غنة ، ثم ذكر حروف الحلق وهي الهمزة والهاء والعين والغين والخاء.

وأن النون قبلها بنية موضعها من الفم قال : وذلك أن هذه الحروف تباعدت وليس من قبيلها فلم تخف هاهنا ، كما أن حروف اللسان لا تدغم في حروف الحلق ، وإنما خفيت مع حروف الفم كما أدغمت في اللام وأخواتها.

قال أبو سعيد ـ رحمه‌الله ـ : اعلم أن حروف الحلق أشد علاجا وأصعب إخراجا وأحوج إلى تمكين آلة الصوت من غيرها ، ومن أجل ذلك لا يمكن النطق بأربعة أحرف من حروف الحلق ، وهي الهمزة والهاء والعين والحاء إذا كان قبلها النون الساكنة التي مخرجها من الخيشوم ؛ لأنه لا علاج في إخراجها ولا اعتماد وإخراج حروف الحلق محتاج إلى اعتمادات تكون في اللسان ؛ فإذا كان قبلها نون ساكنة بينة أمكن إخراجها ؛ لأن النون

٤٣٠

البينة مخرجها من اللسان وسبيلها سبيل سائر حروف اللسان كالراء واللام ، وما أشبه ذلك.

وسمعت أبا بكر بن مجاهد رحمه‌الله يقول : حروف الحلق التي تبين النون قبلها ستة ؛ فأما ثلاثة منها فإن النون الساكنة تتبين عندها ضرورة من غير تعمل وهي الحاء والهاء والعين كقولك من عندك ومن حملك ومن هلال.

وأما الهمزة إذا تعمل لتحقيقها تبينت النون كقولك : من أبوك؟ وقد يتوانى المتكلم عن تحقيقها فتنقلب حركتها على النون ، وتنحذف كقولك من أبوك؟ وأما الغين والخاء فبعض العرب وبعض القراء يخرجها مخفاة فيحتاج في تثبيتها إلى تفقد وتعمل.

وقد مضى أمر النون مع الغين والخاء وسنبين منه أيضا ما تقف عليه إن شاء الله.

واحتج سيبويه لبيان النون عند حروف الحلق الستة فقال : وذلك أن هذه الستة تباعدت عن مخرج النون وليست من قبيلها يريد تباعد صوت الخيشوم من هذه الحروف وتعذر إخراجها بعد النون وقربت حروف الفم أنها أنها قد أدغمت في اللام وأخواتها يعني الراء واللام والياء فجعل ذلك سبب إخفائها مع ما يخفى عنده من حروف الفم.

قال : ولم نسمعهم قالوا في ذلك هذا ختن سليمان ؛ فأسكنوا مع هذه الحروف التي مخرجها معها من الخياشيم يعني إذا تحركت النون قبل السين وأخواتها وسائر الحروف التي تخفى قبلها النون وتخرج من الخيشوم لم تسكن كما تسكن النون المتحركة قبل الحروف التي تدغم فيها الإدغام من قبل أنها لا تحول حتى تصير من مخرج الذي بعدها.

وترتيب لفظ سيبويه ، ولم نسمعهم قالوا ختن سليمان كأنه قال لك ولم نسمعهم أسكنوا النون المتحركة مع الحروف التي تخفي النون معها نحو السين والقاف وسائر حروف الفم سوى ما تدغم فيه.

ومعنى قوله : من قبل أنها لا تحول حتى تصير من مخرج التي بعدها أي لا تحول يعني النون مع السين والقاف والكاف وسائر حروف الفم كما تحول مع الستة الأحرف وهي الواو واللام والنون والميم والواو والياء.

قال : وإن قيل : لم يستنكر يريد لو أسكنت العرب النون المتحركة مع الحروف التي تخفي قبلها من حروف الفم لم يستنكر ذلك ؛ لأنهم يطلبون هاهنا من الاستخفاف ما يطلبون إذا تحولوا يريد أنهم يطلبون التخفيف بإخراج النون من الخيشوم مع حروف الفم فغير مستنكر أن يسكنوا النون المتحركة ليحصل لهم خروجها من الخيشوم وخفاؤها كما يسكنوها إذا أرادوا إدغامها فيحولونها إلى جنس ما تدغم فيه.

٤٣١

قال : ولم تقو هذه الحروف على أن لا تقلبها ؛ لأنها تراخت عنها ولم تقرب قرب هذه الستة يعني : ولم تقو الحروف التي تخفي النون قبلها على أن تقلب النون إلى جنسها لتراخي ما بينهما وتباعده.

وقد ذكرنا الحروف الستة التي تقلب النون قبلها ومعنى قوله : فلم يحتمل عندهم حرف ليس من مخرجه غيره للمقاربة أكثر من هذه الستة يريد لم يحتمل النون وهي حرف ليس من مخرجه غيره قبلها حرف سوى هذه الأحرف الستة من المقاربة والمناسبة وليس غير هذه الستة مثلها.

قال سيبويه : وتكون ساكنة مع الميم إذا كانت من نفس الحروف والواو والياء بينة بمنزلتها مع حروف الحلق كقولهم شاة زنماء وغنم زنم وقثواء وقنية وكنية ومنية لأملهم على البيان مخافة الالتباس حتى يصير الحرف كأنه من المضاعف ؛ لأن هذا قد يكون مضاعفا.

ألا تراهم قالوا : محى حيث لم يخافوا الالتباس ؛ لأن هذا مثال لا تضاعف فيه الميم أبدا.

قال أبو سعيد ـ رحمه‌الله ـ قد ذكرنا أن النون تدغم في ستة أحرف تدغم في النون والراء واللام والميم والواو والياء.

وقد يعرض في ثلاثة أحرف من هذه الستة علة توجب أن تبين النون الساكنة قبلها ، وتخرج من الفم وهي الميم والواو والياء.

وعلة ذلك أن تقع النون الساكنة في كلمة وبعدها ما يكون إدغامها فيه يوهم أن الأصل ليس بنون وذلك في مثل ما ذكره سيبويه شاة زنماء وغنم زم لتوهم أن عين الفعل ولامه ميمان ، وأن منزلته كقولك شاة جماء وغنم جم.

ولو أدغموا في الواو والياء في قنو قو وفي كنية ومنية كنة ومية فيصير بمنزلة ما عينه ولامه واوان كقولك : قو وجو أو ياءان جي.

وإذا لم يقع لبس أدغم وذلك في شيئين أحدهما أن تكون الكلمتان منفصلتين فيعلم بالانفصال حرف كل واحدة من حروف الأخرى كقولك : من مالك ومن راقد ومن ياسر ، والآخر أن تكون الكلمة يعرف من بنيتها أن فيها نونا مدغمة كقولك : امحى وهو انفعل ؛ لأنا إن لم نجعلها انفعل وجعلنا المستددة أصلية صارت أفعل وليس في الكلام أفعل.

ولو بنينا من وجل انفعل قلنا : اوّجل ومن يسر ايّسر فأدغمنا لزوال اللبس فصار ما

٤٣٢

يزول فيه اللبس من كلمة واحدة قبلهما نون ساكنة ظاهرة في كلمة واحدة ، ولا كلمتين.

أما كلمة واحدة فلم تبن على نون ساكنة بعدها راء ، وإما في كلمتين فإذا لقيت النون الساكنة لاما أو راء وجب إدغامها فيها كقولك : من لك ، ومن رآك.

والفرق بينهما وبين الميم والواو والياء أن الميم والواو والياء هن بعيدات من موضع النون ، وإنما يجمع بينهن لأحوال التي ذكرناها فتبين النون معهن غير منكر للبعد بينهن.

وأما الراء واللام والنون فبينهن من المقاربة ما يعدهن به بعض الناس من مخرج واحد.

قال سيبويه : ولا نعلم النون وقعت ساكنة قبل الراء واللام ؛ لأنهم إن بينوا نقل عليهم لقرب المخرجين كما نقلت التاء مع الدال في ود وعدان.

وإن أدغموا التبس بالمضاعف ولم يجز فيه ما جاز في ود فيدغم ؛ لأن هذين حرفان كل واحد منهما يدغم في صاحبه وصوتهما من الفم والنون ليست كذلك ؛ لأن فيها غنة فتلبس بما ليس فيه غنة إذ كان ذلك مما تضاعف فيه الراء ، وذلك أنه ليس في الكلام مثل قبر وعنل.

وإنما احتمل ذلك في الواو والياء لبعد المخارج يريد أنه لو جاءت النون مع الراء واللام في كلمة فبينوها نثقل عليهم نحو قنر وعنل وإن أدغموها فقالوا : قر وعل لم يذر أنها نون قد أدغمت أم هما راءان ، ولامان في الأصل.

وقد أظهرت العرب التاء مع الدال على ثقل ذلك وكونها في موضع واحد ؛ فقالوا :

وتد الوتد يتده وعتود وعتدان.

وليس يلزمهم إذا احتملوا الثقل في ذلك أن يحتملوه في جميع ما يستثقل ومنهم من يدغم فيقول ودّ في معنى وتد وعدان في معنى عتدان.

قال الأخطل :

واذكر غداته عدّانا مزنمة

من الحلق تبنى حولها الصبر

ومنهم من يلزم في المصدر تده كقولك وعد يعد عدة استثقالا لوتد ومنهم من يلزم في الاسم اللغة الحجازية وهي وتد استثقالا لسكون التاء والدال بعدها ، وكراهة الإدغام لئلا يدخل في باب رد وسد والذي يقول ود يعتمد على أنه قد علم بتصريف الفعل ، وهو وتد يتد.

وأما الجمع فقولهم أوتاد ومعنى قول سيبويه كما تقلب التاء مع الدال في ود وعدان

٤٣٣

يريد في وتد وعتدان ؛ فأدغموا.

وقوله : ولم يجز فيه ما جاز في ود يعني من الإدغام فرق بين إدغام التاء في الدال ، وإدغام النون في الراء ، واللام فجعل إدغام التاء في الدال أقوى ؛ لأن كل واحدة منهما تدغم في الأخرى ، والراء لا تدغم في النون وإدغام اللام فيها ليس بالقوي وهما جميعا من الفم وصوتهما منه والنون ليست كذلك ؛ لأن فيها غنة وهي من الخيشوم ، وإذا أدغمت ذهبت.

وقوله : وإنما احتمل ذلك في الواو والياء يعني احتمل بيان النون معهما في كلمة نحو قنو وكنية.

قال سيبويه : وليس حرف من الحروف التي تكون النون معهم من الخياشيم تدغم في النون ؛ لأن النون لم تدغم فيهن حتى يكون صوتها من الفم وتقلب حرفا بمنزلة الذي بعده ، وإنما هي معهن حرف بائن مخرجه من الخياشيم فلا يدغمن فيها كما لا تدغم هي فيهن كما فعل ذلك بها معهن لبعدهن منها وقلة شبهها بهن ؛ فلم يحتمل لهن أن تصير من مخارجهن.

قال أبو سعيد : اعلم أنهم جعلوا الإدغام في النون ضعيفا لتغيرها وخروجها مرة من الفم ومرة من الخيشوم ؛ فصار ذلك طريقا لإدغامها فيما بعد من مخرجها وقلبها إلى غيرها من غير إدغام كنحو قلبها في عنبر وهن بك فلم يدغموا فيها شيئا من الحروف التي معها من الخياشيم لبعدها منهن.

قال : وأما اللام قد تدعم فيها وذلك قولك هنري والبيان أحسن ؛ لأنه قد امتنع أن يدغم في النون ما أدغمت فيه سوى اللام ؛ فكأنهم يستوحشون من الإدغام فيها يريد أن النون إذا كانت لا تدغم هي فيه ؛ فلا تدغم هي فيه أبعد من أن تدغم فيها.

وأما إدغام اللام فيها فلان اللام حرف وقع التعريف به مع الألف فأدغمت لكثرتها في حروف كثيرة حتى أدغمت فيما بعد من مخرجها وهو الضاد والشين فكان إدغامها في النون وهو من مخرجها أولى ؛ فلما أدغمت اللام في النون في حال التعريف جاز إدغامها فيها في غير التعريف والبيان أحسن لضعف النون عن الإدغام فيها ؛ ولأن النون قد أدغمت في أحرف لم يدغم فيها شيء منهن فكأنهم يستوحشون من الإدغام فيها لخروجها عن نظائرها.

قال : ولم يدغموا الميم في النون ؛ لأنها لا تدغم في الياء هي من مخرجها وهي مثلها في الشدة ولزوم الشفتين يعني إذا كانت الميم لا تدغم في الياء ، وهي من مخرجها ومثلها

٤٣٤

في الشدة ولزوم الشفتين ؛ فهي أولى بأن لا تدغم في النون لبعدها منها ولا موافقة بينهما إلا في الغنة وهي دون موافقة ما بينهما وبين الياء.

ثم ذكر إدغام لام المعرفة ؛ فقال : وأما لام المعرفة ؛ فتدغم في ثلاثة عشر حرفا لا يجوز فيها معهن إلا الإدغام لكثرة لام المعرفة في الكلام ، وكثرة موافقتها لهذه الحروف واللام من طرف اللسان ، وحرفان يخالطان طرف اللسان. فلا اجتمع فيها هذا وكثرتها في الكلام لم يجز إلا الإدغام.

كما لم يجز في يرى حين كثر في كلامهم إلا حذف الهمزة إذ كانت الهمزة تستثقل ، ولو قلت : ينأى لكنت بالخيار ، والأخذ عشر حرفا النون والراء والطاء والدال والتاء والصاد والزاي والسين والظاء والذال والتاء واللذان يخالطان الضاد والشين ؛ لأن الضاد اتصلت لرخاوتها واستطالت حتى صارت إلى مخرج اللام والشين كذلك حتى اتصلت بمخرج الطاء.

قال أبو سعيد : لام المعرفة يلزم إدغامها في هذه الحروف ، وسائر اللامات لا يلزم إدغامها في هذه الحروف لام المعرفة ، كما أن الهمزة في يرى يلزم تخفيفها ، والأصل فيها يرأى مثل ينأى.

وقد أجمعوا على تخفيف يرى وصار تخفيفا لازما ، ولا يلزم تخفيف ينأى وتخفيف أنهم طرحوا حركة الهمزة على الساكن الذي قبلها ، وأسقطوا الهمزة ، وقد مر ذلك في تخفيف الهمزة ، ولا يلزم ينا إلا أن يختار مختار التخفيف ، والأكثر الهمز.

قال : فإذا كانت غير لام المعرفة نحو : هل وقل ؛ فإن الإدغام في بعضها أحسن ، وذلك قولك : هل رأيت ؛ لأنها أقرب الحروف إلى اللام وأشبهها بها فضارعتا الحرفين اللذين يكونان من موضع واحد إذا كانت اللام ليس حرف أشبه بها منه ، ولا أقرب كما أن الفاء ليس شيء أقرب إليها ، ولا أشبه بها من الدال وإن لم تدغم فقلت : هل رأيت فهي لغة أهل الحجاز وهي غريبة جائزة.

قال أبو سعيد ـ رحمه‌الله ـ : قد عرفك أن غير لام المعرفة ليس يلزم إدغامها في هذه الحروف ، وأنه يجوز إدغامها وإظهارها وأن إدغامها في بعض أحسن منه في بعض ؛ فبدأنا بإدغامها في الراء ، وهي أحسن من إدغامها في سائر الحروف ؛ ولأن الراء أقرب الحروف إلى اللام وأشبهها بها حتى أنك لترى بعض من يصعب عليه إخراج الراء يتكلم مكانها باللام فصارا وإن كانا متقاربين بمنزلة الحرفين اللذين من موضع واحد ؛ فصارت اللام ليس شيء أقرب إليها من الراء ، كما أن الطاء ليس شيء أقرب إليها ، ولا أشبه بها

٤٣٥

من الدال يريد أن اللام وإن لم تكن من مخرج الراء فليس حرف أقرب إليها من الراء فصارا بمنزلة الحرفين اللذين من مخرج واحد ، وإنما تصير الدال أقرب إلى الطاء من التاء وهما من مخرج واحد ؛ لأن التاء مهموسة والطاء والدال مجهوران ؛ فالدال أشبه بالطاء من التاء.

وقوله : «إن لم تدغم» فقلت : هل رأيت فهي لغة أهل الحجاز وقد تقدم أن غير لام المعرفة قد يجوز ترك الإدغام فيه.

قال : وهي مع الطاء والتاء والدال والضاد والسين والزاي جائزة ، وليس ككثرتها مع الراء ؛ لأنهن تراخين عنها وهي من الثنايا وليس فيهن انحراف أراد وإدغاما للام في هذه الحروف الستة جائز وهي التي تلي الراء في حسن إدغام اللام فيها إذا لم تكن لام التعريف وليس جواز الإدغام فيها لكثرتها مع الراء ؛ لأن الراء من مخرجها ، وفيها انحراف مثل ما فيها وهذه الحروف تراخين عنها ومخرجها من الثنايا وليس فيهن انحراف كما فيها وفي الراء ، ثم ذكر وجه جواز إدغامها مع هذه الحروف فقال : وجواز الإدغام على أن آخر مخرج اللام قريب من مخرجهن وهي حروف طرف اللسان ، واللام كذلك ؛ فالذي جوز إدغامها في التاء والذال والظاء وليس كحسن إدغامها مع هذه الحروف الستة ؛ لأنهن من أطراف الثنايا ، وقاربن مخرج الفاء.

قال : وإنما جعل الإدغام في الثاء وأخواتها أضعف يعني بأخواتها الظاء والذال وفي الطاء وأخواتها أقوى ؛ لأن اللام لم تسفل إلى أطراف الأسنان ، كما لم تفعل ذلك الطاء وأخواتها.

قال أبو سعيد : مخرج اللام إذا اعتبرت ذلك في الوقف عليها على اعتدال إخراجها من طرف اللسان ملصقا بما فوق أصول إحدى الرباعيتين وإحدى الثنيتين العاليتين غير نازلة إلى الثنايا والرباعيات ، ولو تكلف إنسان إخراجها نازلا إلى نفس الثنايا والرباعيات أو منحرفا إلى الناب أمكن.

والطاء والدال والتاء من طرف اللسان ، وأصول الثنايا العلى.

والظاء والذال والثاء من طرف اللسان وأطراف الثنايا ؛ فعلم أن اللام أقرب إلى الطاء وأختيها ؛ لأنهن اشتركن من تقوية إدغام اللام في الطاء وأختيها.

وقد سوى سيبويه بين الطاء والدال والتاء وبين الصاد والسين والزاي والصاد وأختاها أسفل من الطاء وأختيها ، والصاد وأختاها أبعد من الطاء وأختيها ؛ فكان ينبغي أن يكون الإدغام في الصاد أضعف.

٤٣٦

وللمحتج عن سيبويه أن يقول : إن الصاد والسين والزاي من حروف الصفير ، ولهن قوة في باب الإدغام حتى يدغم فيهن غيرهن ولا يدغمن في غيرهن ؛ فمن أجل ذلك ألحقهن في إدغام اللام فيهن بما قرب.

قال : وهي مع الصاد والشين أضعف ؛ لأن الضاد مخرجها من أول حافة اللسان ، والشين من وسطه ، ولكنه يجوز الإدغام فيها لما ذكرت لك من اتصال مخرجها وأنشد قول :

طريف بن تميم :

يقول إذا استهلكت مالا للذة

فكيهة هل شيء بكفيك لائق

يريد هل شيء. وقرأ أبو عمرو : وهثوب الكفار.

قال : فأما التاء ؛ فعلى ما ذكرت لك وكذلك أخواتها يعني ما ذكره من قوة إدغام التاء وأخواتها ، وهي تلين الراء في قوة إدغام اللام.

قال : وقرئ بتؤثرون الحياة الدنيا [الأعلى : ١٦] بالإدغام ، ثم ذكر إدغام اللام في النون.

قال : وهي أقبح من هذه الحروف وأتبع ذلك بكلام مفهوم إلى آخر الباب.

هذا باب الإدغام في حروف طرف اللسان والثنايا

حروف طرف اللسان اثنا عشر حرفا : الراء واللام ، والنون والطاء والتاء والدال والصاد والزاي والسين والذال والظاء والثاء.

فأما الراء منها ؛ فلا تدغم في شيء لما فيها من التكرير.

وقد روي إدغامها في اللام وسأذكره في إدغام القراءات إن شاء الله.

وأما اللام والنون ؛ فقد ذكر إدغامهما. والإدغام فيهما بما يغني عن إعادته ، وأما الطاء والتاء والدال والظاء والثاء والذال ؛ فكل واحدة من هذه الحروف الستة تدغم في عشرة أحرف منها الخمسة الباقية معها ، وحروف الصفير كلها ، وهي الصاد والزاي والسين ، وفي الضاد والشين.

وحروف الصفير لا تدغم في غيرها ، ويدغم بعضها في بعض ، وقد رتب سيبويه إدغام بعض ذلك في بعض ما يستحسن منه ، ويقوي ما يضعف ، وأنا أسوق كلامه وأفسر ما يحتاج إلى تفسير إن شاء الله.

قال : الطاء مع الدال كقولك : اضبط دّلما لأنهما من موضع واحد ، وهي مثلها في الشدة إلا أنك تدع الإطباق على حاله فلا تذهبه ؛ لأن الدال ليس فيها إطباق والمطبق

٤٣٧

أفشى في السمع ورأوا إجحاقا أن تغليب الدال على الإطباق ، ومثل ذلك إدغامهم النون فيما تدغم فيه بغنة ، وبعض العرب يذهب الإطباق حتى يجعلها دالا خالصة أرادوا أن لا تخالفها إذ آثروا أن يقلبوها دالا كما أدغموا النون بلا غنة ، وكذلك الطاء مع التاء ؛ إلا أن ذهاب الإطباق مع الدال أمثل قليلا ؛ لأن الطاء كالدال في الجهر والتاء مهموسة ، وكل عربي وهو قولك : اضبط توأما وتصير الدال مع الطاء طاء ، وذلك قولك : انقذ طالبصا وكذلك التاء كقولك : ابعث طالبا ؛ لأنك لا تجحف بهما في الإطباق ، ولا غيره وكذلك التاء مع الدال ؛ لأنه ليس بينهما إلا الهمس والجهر وليس في واحد منهما إطباق ولا استطالة ولا تكرير يريد ليس بين التاء والدال فضل إلا أن الدال مجهورة والتاء مهموس ، وليس يفضل بذلك أحدهما على الآخر في الصوت فضلا بينا وليس في أحدهما فضل إطباق ولا فضل استطالة كما في الضاد والشين من الاستطالة ولا تكرير كما في الراء من التكرير واستشهد لبعض ما قدمه بقول العرب حتّهم يريدون حطتهم وبعده كلام يغني عنه ما مضى ، ولو تبينت فقلت : اضبط دلاما واضبط تلك وانقذ تلك وانعت دلاما جاز.

والبيان في هذا يثقل لشدتهن ولزوم اللسان موضعين لا يتجافى عنه فيثقل البيان في هذه الحروف إذا تلاقت ؛ لأنها من موضع واحد وهي شديدة ولو كانت من موضع واحد ، وكان رخوة لكان البيان أحسن ، وذلك في الصاد والزاي والسين لرخاوتهن.

قال : فإن قلت : أقول أصحب مطرا ، وهما شديدتان ؛ فالبيان فيهما أحسن فإنما ذلك لاستعانة الميم بصوت الخياشيم فضارعت ما لا يدغم ما قرب إليه فيه ، وهو النون يريد أن الميم فيها غنة ، والغنة من الخيشوم فصار بمنزلة ما تجافى عن موضعه وجرى فيه الصوت.

وقد ضارعت الميم النون بالغنة والنون لا تدغم فيها فحسن ذلك الإظهار ، والبيان وعلى أن الباء شديدة والرخوة والطاء والدال والتاء شديدات فما بين الباء والميم أبعد.

قال : وقصة الصاد مع السين والزاي كقصة الطاء مع الدال والتاء إلى قوله ، والبيان أحسن لرخاوتهن وتجافي اللسان عنهن يريد أن البيان في الصاد وأختيها أحسن منه في الطاء وأختها.

قال : وقصة الظاء والثاء والذال كذلك إلى قوله : والبيان فيهن أمثل منه في الصاد والسين والزاي ؛ لأن رخاوتهن أشد من رخاوتهن لانحدار طرف اللسان ، ولم يكن له رد يعني أن الظاء والذال والثاء أشد رخاوة ؛ لأن اللسان في النطق بهن يخرج عن الأسنان ، ولا تردهن الأسنان كما ترد السين والزاي والصاد ، وذلك أن الظاء والذال والثاء إذا وقفت

٤٣٨

على كل واحد منهما رأيت طرف اللسان خارجا عن أطراف الثنايا والصاد والزاي والسين إذا وقفت على واحدة منهن رأيت الأسنان العليا مطبقة على الأسنان السفلى واللسان من وراء الأسنان إلى الفم.

قال : والإدغام فيهن أجود وأكثر من البيان فيهن ؛ لأن أصل الإدغام لحروف اللسان ، وأكثر حروف الفم من طرف اللسان ، وهو أكثر حروفا من طرف الثنايا يريد أن الإدغام في الحرفين اللذين يلتقيان من مخرج واحد ، والأول منهما ساكن من حروف طرف اللسان أجود ، وإن كان البيان في بعضهن أحسن منه في بعض ؛ لأن أصل الإدغام في حروف اللسان والفم ، وأكثر حروف الفم من طرف اللسان ؛ لأن حروف الفم تسعة عشر حرفا منها اثنا عشر حرفا من طرف اللسان وطرف اللسان أكثر حروفا من طرف الثنايا ؛ لأن حروف الثنايا من طرف اللسان ، وليس كل حروف طرف اللسان من طرف الثنايا.

قال : والطاء والدال والتاء يدغمن في الصاد والزاي والسين لقرب المخرجين لأنهما من الثنايا وطرف اللسان ألا ترى أن الطاء وأختيها من أصل الثنايا ، وهي من أسفله قليلا ما بين الثنايا يعني الصاد وأختيها ، وذلك قولك : ذهبت سلمى فتدغم التاء في السين ، وقد سمعت فتدغم واضطر رده وقد سمعناهم ينشدون لابن مقبل.

وكأنما اغتبقت صبر غمامة

بعر اتصفقه الرياح زلالا

فأدغم التاء في الصاد ، وقرأ بعضهم لا يسمعون يريدون لا يتسمعون ، والبيان عربي جيد لاختلاف المخرجين.

قال : وكذلك الطاء والثاء والذال ؛ لأنهن من طرف اللسان ، وأطراف الثنايا فهن الخوت ، ومن حيز واحد والذي بينهما من الثنيتين يسير وذلك قولك : ابعث سلمة فتدغم واحفظ زد ، وخذ صابرا وسمعناهم يقولون مدزمان فيدغمون الذال في الزاي ومذ ساعة وفي نسخة أبي بكر مبرمان فيدغمونها في السين والبيان فيهن أمثل ؛ لأنهن أبعد من الصاد وأختيها ، وهي رخوة يريد أن الطاء والدال والتاء أبعد من الضاد وأختيها الذال والثاء ؛ فلذلك كان بيان الظاء وأختيها عند الصاد أمثل من بيان الطاء وأختيها عند الصاد وأختيها ؛ فإن قال قائل : كيف صارت الطاء وأختاها أبعد من الصاد وأختيها قيل له : قد ذكرنا أن الطاء وأختيها والصاد وأختيها تنطبق الأسنان على اللسان عند النطق بهن ، ولا يخرج اللسان عن الأسنان ؛ فقد اشتركن في ذلك والظاء والذال والثاء يخرج اللسان عن الأسنان فيهن خاصة فقد باينهن وصارت الطاء وأختاها أقرب من الصاد وأختيها ومع

٤٣٩

ذلك ؛ فإن البيان تقوية رخاوة الطاء وأختيها.

وقد مضى الكلام في نحو ذلك.

قال : والظاء والذال والثاء أخوات الطاء والثاء والدال لا يمتنع بعضهن من بعض في الإدغام ؛ لأنهن من حيز واحد ، وليس بينهن إلا ما بين أصل الثنية وطرفها ، وذلك قولك : اضبط ظالما ، وابعد ذلك وانعت ثابتا ، واحفظ طالبا ، وخذ داود وابعث تلك وحجته قولهم : ثلاثة دراهم ، فأدغموا ، وقالوا : حدثتهم فجعلوا الثاء تاء والبيان فيهن جيد هذا كله بين من كلام سيبويه.

وأما إدغام ثلاثة دراهم فلأن الهاء في ثلاثة تنقلب تاء في الدرج ، وتسكن لإدغام في الدال من دراهم ، وأما الصاد والسين ، والزاي ؛ فلا يدغمن في شيء من هذه الحروف التي أدغمت فيهن ؛ لأنهن حروف الصفير وهير أندى في السمع ، وهذه الحروف الثلاثة هي حروف الصفير وبها من الفضل في الصوت بما فيها من الصفير أكثر من التفاضل بين المجهور والمهموس والرخو ومثلهن فضل الحرف المكرر بالتكرير وهو الراء على ما يجاوزها مما ليس فيه تكرير ؛ فلذلك لم تدغم الصاد والزاي والسين والراء فيما جاوزهن ومعنى أندى في السمع أي أبعد ذهابا كما قال الشاعر :

فقلت ادعي وادع فإنه

أندى لصوت أن ينادي داعيان

قال : وتدغم الطاء والتاء والدال في الضاد ؛ لأنها اتصلت بمخرج اللام وتطأطأت عن اللام حتى اتصلت بما اللام فوقه من الأسنان ، وفي نسخة أبي بكر مبرمان حتى خالطت أصول ما اللام فوقه ولم تقع من الثنية موقع الطاء لانحرافها ؛ لأنك تضع للطاء لسانك بين الثنيتين وهي مع ذلك مطبقة ؛ فلما قاربت الطاء فيما ذكرت أدغموها فيها كما أدغموها في الصاد ، وأختيها ، وأدغم فيها التاء والدال ، كما أدغموها في الصاد ؛ لأنهما من موضعها وذلك قولك : اضبط ضرمة وابعد ضرمة وانعت ضرمة وسمعتها ممن يوثق بد من العرب قال :

ثار فضّجّت ضّجّة ركائبه

فأدغم التاء في الضاد وكذلك أدغم فيها الظاء والذال والثاء لأنه من حروف طرف اللسان والثنايا.

قال أبو سعيد ـ رحمه‌الله ـ جعل السبب في إدغام هذه الحروف في الضاد أن هذه الحروف قريبة المخرج من اللام ، وأن الضاد قد اتصلت باللام وهي منحطة عن اللام

٤٤٠