شرح كتاب سيبويه - ج ٥

أبي سعيد السّيرافي الحسن بن عبدالله بن المرزبان

شرح كتاب سيبويه - ج ٥

المؤلف:

أبي سعيد السّيرافي الحسن بن عبدالله بن المرزبان


المحقق: أحمد حسن مهدلي و علي سيّد علي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-5251-0

الصفحات: ٤٨٨

من كلمة.

قال : ومما يدلك على أنه يخفى ويكون بمنزلة المتحرك قوله يعني غيلان بن حريث :

إني بما قد كلفتني عشيرتي

من الذب عن عرضها لحقيق

الشاهد فيه إخفاء الياء مع الميم في بما ولو أدغم انكسر البيت لأن الياء في أني ساكنة وتسكن الباء في بما فيجتمع ساكنان.

وقال أيضا :

وامتاح مني حلبات الهاجم

شاو مدل سابق اللهامم

الشاهد : إخفاء الميم الأولى ، ولو أدغم ؛ فقال : اللهام لانكسر البيت وقال غيلان :

وغير سفع مثل يحامم

أخفى الميم الأولى في يحامم ، حكى سيبويه في ذلك كله الإخفاء.

قال : ولو قال : إني بما قد كلفتني فأدغم الباء في الميم لجاز لأن قبله حرف مد يعني يجوز ذلك في الكلام.

وأما الشعر فلا يجوز ذلك فيه لاجتماع الساكنين ولا يجوز في اللهامم الإسكان في الكلام لا لهمم ملحق بربرج فلا يجوز فيه غير الإظهار ، وإلا ذهب الإلحاق ، ومثله قرادد وهمم لا يدغم فيكره أن يجيء جمعه على جمع ما واحد مدغم يريد أنه كره أن يجيء جمع قردد ، ولهمم مدغما فيكون كجمع معد ومدق لأنك تقول : معاد ومداق ؛ لأن معدا ومدقا غير ملحقتين وليس جواز الإدغام في أني بما كإدغام قردد وقرادد لأن قرددا ملحق.

قال : ولكنك إن شئت قلت قرادد فأخفيت كما تقول : متعفف يعني أن متعففا وبابه متفعل ومتفعل لا يقع فيه إدغام بغير لفظ بنيته.

قال : فأما قراءة بعضهم : (إِنَّ اللهَ نِعِمَّا) فليس على لغة من قال : نعم فأسكن العين ، ولكنه على لغة من قال : نعم فحرك العين ، وهي لغة هذيل ، وكسر النون كما قالوا : لعب يريد أن الذي يقول : نعم لا يدغم ميمها في مم كما لم يدغم اسم موسى وابن نوح لأن العين قبل الميم ساكنة وإنما تدغم على لغة من قال : نعم ، وفيما كان على فعل ، والثاني منه حرف من حروف الحلق أربع لغات فعل نحو نعم : ولعب وفعل نحو : نعم ولعب وفعل نحو : نعم ولعب قال.

٤٠١

وأما قوله عزوجل : (فَلا تَتَناجَوْا) فإن شئت أدغمت التاء الأولى ؛ لأن قبلها حرف مد ، وهو الألف التي في فلا.

وزعموا أن أهل مكة لا يبينون التاءين.

قال أبو سعيد ـ رحمه‌الله ـ : يريد أنهم يقولون ولا تناجوا وأنا أذكر ذلك مستقصيا في باب أفردته لإدغام القراء إن شاء الله.

قال : وتقول : هذا ثوب بكر فالبيان في هذا حسن منه في الألف ؛ لأن حركة ما قبل واو ثوب ليست منه فتكون بمنزلة الألف ، وكذلك جيب بكر ألا ترى أنك تقول : اخشووا قدا وأخشى ياسرا فتجريه مجرى غير الواو والياء.

قال أبو سعيد : اعلم أن الياء والواو إذا كانتا ساكنتين وانفتح ما قبلهما ففيهما مد دون المد الذي تكون فيهما إذا انضم ما قبل الواو ، وانكسر ما قبل الياء وذلك أن الألف التي هي أوسع حروف المد واللين مخرجا وأبلغهما مدى لا يكون ما قبلها إلا مفتوحا والفتحة من الألف ؛ فإذا كان قبل الواو والساكنة ضمة وقبل الياء كسرة فهما على منهاج الألف فلذلك يستحسن الإدغام في قولك : هذا كوب بكر ، وجيب بكر ، كما يستحسن المال لك ، ولم يكن ثوب بكر وجيب بكر كذلك.

واحتج سيبويه بأن المفتوح ما قبله من الواوات والياءات ليس كالمضموم ما قبله من الواوات والمكسور ما قبله من الياءات بأنك تقول : اخشووا وقد فتدغم واخشوا في واو وقد وكذلك تدغم ياء أخشى ياسرا وذلك لنقصان المد من أجل الفتحة.

قال الله تعالى : (تَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللهُ) بإدغام الواو من تولوا في واو واستغنى الله المفتحة.

وقال الله تعالى : (قالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ) فلم تدغم الواو من قالوا في واو اقبلوا وعلى هذا تقول : وأكرمي ياسرا ؛ فلا تدغم.

قال سيبويه : ولا يجوز في القوافي المحذوفة وذلك أن كل شعر حذفت من أتم بنائه حرفا متحركا أو وزنه حرف متحرك ؛ فلابد من حرف الردف وأنشد :

وما كل ذي لبّ بمؤتيك نصحه

وما كل موت نصحه بلبيب

لم يجز سيبويه في الضرب الثالث من الطويل ، وما جرى مجراه مما يلزمه الردف على ظاهر هذا الكلام أن يكون ردفه واوا مفتوحا ما قبلها ، أو ياء مفتوحا ما قبلها.

وقد ذكرنا لزوم الردف لهذا النحو فيما مضى ثم قال : وإن شئت أدغمت ؛ لأن

٤٠٢

الواو التي في ثوب والياء التي في جيب مدا ولينا وإن لم يبلغا الألف كما قالوا ذلك في غير المنفصل نحو أصيم فياء التحقير لا تحرك لأنها نظيرة الألف في مفاعل ومفاعيل ؛ لأن التحقير عليها يجري إذا جاوز الثلاثة فيما كانوا يصلون إلى إسكان حرفين في الوقف من سواهما احتمل هذا في الكلام لما فيها من المد.

قال أبو سعيد : يعني أن ثوب بكر وجيب بكر إن لم يستحين فيه الإدغام لما ذكرنا فإن إدغامه جائز لأن مدا والمدات تتفاضل فأتمها مدا الألف ثم الواو والساكنة المضموم ما قبلها والياء الساكنة المكسور ما قبلها ، ثم الواو والياء الساكنتان المفتوح ما قبلها واستدل على المد الذي فيه بتصغير أصم على اصيم والياء أصيم ساكنة لأنها في موضع ألف الجمع في أصام ومداق ودواب ولو صغرت مدقا ودابة لقلب مديق ودويبة.

وتجري أحكام المصغر في ذوات الأربعة كأحكام الجمع غير أن مديقا وأصيم واجبان وثوب بكر وجيب بكر غير مستحسن ؛ لأن هذا منفصل ولست بمضطر إلى إدغامه وأصيم كلمة واحدة ، وصارت الياء فيه نظيرة الألف في أصام ومداق ووجوب أصيم ومديق طريق إلى جواز إدغام ثوب بكر وجيب بكر ، وإن لم يكن مستحسنا.

قال : وتقول هذا دلو وقد وظبي ياسر فتجري الواوين والياءين هاهنا مجرى الميمين في قولك اسم موسى يعني ، ولا تدغم دلو وقد وظبي ياسر ؛ لأنك إذا أدغمت بقيت اللام من دلو والياء من ظبي ساكنتين وبعدهما حرف ساكن وليسا من حروف المد واللين أو تلقي عليهما حركة ما بعدهما فتغير الياء ، وقد ذكرنا فساد ذلك.

وقال سيبويه : وإذا قلت مررت بولي يزيد وعدو وليد فإن شئت أخفيت وإن شئت بنيت ولا تدغم ؛ لأنك حين أدغمت الواو في عدو والياء في ولي فرفعت لسانك رفعة واحدة ذهب المد وصارتا بمنزلة ما يدغم من غير المعتل ؛ فصارت الواو الأولى في عدو بمنزلة اللام في دلو والياء الأولى في ولي بمنزلة الياء في ظبي.

والدليل على ذلك أنه يجوز في القوافي ليا مع ظبيا ودوا مع غزوا.

قال أبو سعيد : يريد أنه لا تدغم الثانية المتحركة من ولي في ياء يزيد لأنا إذا أدغمناها سكناها بطل إدغام الياء الأولى الساكنة من ولي فيها.

وإذا لم ندغمها فظهرت وهي ياء ساكنة قبلها كسرة صار فيها مد وقد كان المد بطل بإدغام ، وقد تقدم أنا لا ندغم في المنفصلين إذا كان الإدغام يوجب تغيير بنية الكلمة ، وكذلك القول في عدو وليد.

وأما قوله يجوز في القوافي ليا مع ظبيا فلأن المد قد ذهب من ليا فصارت الياء

٤٠٣

الأولى لما ذهب المد فيها بمنزلة الياء في ظبيا.

وعندي أن قائلا : لو قال أن ذلك لا يجوز لأن فيه مدا أما لم يكن بعيدا ، والدليل على ذلك أنا رأينا القوافي المبنية على الياء المشددة لا يأتي فيها غير الياء المشددة كقول العجاج :

بكيت والمختزن البكي

وإنما أتي الصبي الصبي

إلى آخر القصيدة قد لزم فيها الياء المشددة ، وقال أبو الأسود الدؤلي :

يقولون الأرذلون بنو قشير

طوال الدهر لا تنسى عليّا

فقلت لهم ، وكيف يكون تركي

من الأعمال ما يقضي عليّا

أحب محمدا حبا شديدا

وعباسا وحمزة والوصيّا

بنو عم النبي وأقربوه

أحب الناس كلهم إليّا

فإن يك حبهم رشدا أصبه

ولست بمخطئ إن كان غيّا

إلى آخر القصيدة.

وقد ذكر سيبويه في فصل بعد هذا أن الياء المدغمة فيها لين وذلك قوله في الجيم لا تدغم في الياء وفي الميم لا تدغم في الواو ؛ لأنك تدخل اللين فيما لا يكون فيه لين نحو : اخرج ياسرا لم يجز ادغام الجيم من إخراج في الياء من ياسر فيقال : أخر ياسرا لأنك تدخل الجيم لينا إذا أدغمته في ياسرا وإنما يصير الجيم الياء المدغمة ؛ فعلم أن الياء ، وإن أدغمت فيه لين.

قال سيبويه : وإذا كانت الواو قبلها ضمة والياء قبلها كسرة ؛ فإنها لا تدغم إذا كان بعدها مثلها سواء ، وذلك قولك : ظلموا واقد والظمي ياسرا ويعلو واقد ويقضي ياسر.

وإنما تركوا المد على حاله في الانفصال كما قالوا قوول حيث لم تلزم الواو واردوا أن يكون على مثال فأول ؛ فكذلك هذه لما لم تكن الواو لازمة لها أرادوا أن يكون ظلموا على زنة ظلما واقد وقضى ياسرا ولم تقو هذه الواو عليها كما لم يقو المنفصلان على تحريم الساكن في قولك اسم موسى.

وإذا قلت : وأنت تأمر أتخشى ياسرا واخشوا واقد أدغمت لأنهما ليسا في المد كالألف ، وإنما هو كقولك أحمد داود واذهب بناء فهذا لا تصل فيه إلا إلى الإدغام.

قال أبو سعيد ـ رحمه‌الله ـ الواو إذا انضم ما قبلها وسكنت فقد تكامل مدها

٤٠٤

باجتماع الضمة والواو وكذلك الياء إذا سكنت وانكسر ما قبلها فقد تكامل مدها باجتماع الكسرة والياء كاجتماع الفتحة التي قبل الألف والألف فقد حصلت المدة في الواو المضموم ما قبلها والياء المكسور ما قبلها في كلمة.

فإذا لقيها مثلها من كلمة أخرى لم تدغم لئلا يبطل المد الذي قد لزم فيما لا يلزم فيه الإدغام وللمد مزية وقوة لا يجوز إبطالها مما قد وجبت فيه ، وإنما وجب المد في الواو الأولى من الكلمة الأولى لأنه يجوز السكوت عليها ، ويجوز أن لا يلقاها كلمة أولها واو.

وكذلك الياء المكسورة ما قبلها وهي ساكنة إذا كان آخر الكلمة قد وجب فيه المد فلا يبطل بالياء التي تلقاها من كلمة أخرى في اظلمي ياسرا والعلة فيها وفي الواو واحدة ولو كانت الواوان أو الياءان على السبيل الذي ذكرناه في كلمة واحدة أدغمت إحداهما في الأخرى.

أما الواو فقولك مغزو وزنه مفعول وعدو وزنه فعول ، وأما الياءان فقولك : حمى وعصى ووزنهما فعيل وإنما وجب الإدغام في كلمة واحدة ؛ لأن مدة الواو الأولى والياء الأولى لم تثبت في لفظ الكلمة فقط ؛ فلم يكن إدغامها يزيل عنها شيئا قد وجب لها.

ومعنى قوله : وإنما تركوا المد على حاله في الانفعال كما قالوا قوول حيث لم تلزم الواو ، وأرادوا أن يكون على مثال قاول يريد أنهم تركوا المد على حاله في ظلموا واقدا واظلمي ياسرا في المنفصلين كما مدوا في قوول وإن كانت الواوان في كلمة لأن قوول من قاول وقد ثبت المد فيه قبل قوول فإذا قالوا قوول لم يبطلوا ذلك فحملوا قوول على بعض أحوال الكلمة وحملوا يقضي ياسرا على قضى ياسرا.

لأن الياء في يقضي هي الألف في قضى ياسرا كما أن الواو الأولى في قوول هي الألف في قاول ، وكذلك الواو في ظلموا تجري مجرى الألف في ظلما وواقعة موقعها وتالية لها في ترتيب الحروف الاثنين والجماعة.

وقوله : ولم تقو هذه عليها كما لم يقو المنفصلان على تحريك الساكن في قولك اسم موسى يعني به أن الواو الثانية في قوول لم تقو على الأولى ؛ فتدغم الأولى فيها للعلة التي ذكرنا.

وإذا قلت : أخشى ياسرا واخشوا وقد أدغمت ذلك لنقصان المد من أجل مخالفة ما قبل الواو والياء لهما وإذا وقع بعد الساكن مثله من الحروف لم يمكن اللفظ به إلا مدغما فقولك : اخشى ياسرا واخشوا ، وقد كقولك أحمد داود واذهب بنا إلا أن يكون بينهما مد على ما ذكرنا وسكتة.

٤٠٥

وقد ذكرنا ذلك في قوله : (تَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللهُ) [التغابن : ٦].

قال سيبويه : وأما الهمزتان فليس فيهما إدغام كقولك : قرأ أبوك وأقرئ أباك ؛ لأنهما لا يجوز تحقيقهما فتصير كأنك إنما أدغمت ما يجوز فيه البيان وكذلك قالت العرب وهو قول الخليل ويونس.

وزعموا أن ابن أبي إسحاق كان يحقق الهمزتين وناس معه وهي رديئة فقد يجوز فيه الإدغام في قول هؤلاء.

قال أبو سعيد ـ رحمه‌الله ـ قد ذكرنا في تفسير باب الهمز ما يجب في التقاء الهمزتين من تلاشي أحدهما وتحقيقها ما يغني عن إعادته في هذا الموضع ، ومعنى لينت أحداهما فقد خرجت عن جنس الهمز فلا يجوز إدغامها في الأخرى ؛ لأنه لا يدغم الشيء فيما ليس من جنسه ، وذكر عن قوم تحقيق الهمزتين وأنه يجوز الإدغام في قول هؤلاء وذلك أنه إذا حقق الهمزتين وجمع بينهما فقد صيرهما كحرفين يلتقيان دالين أو ميمين ، وما أشبه ذلك.

فإذا اجتمعت الهمزتان وكانت الأولى ساكنة وحققهما محقق فبالضرورة تدغم الأولى في الثانية ، وتوهم بعض القراء أن سيبويه أنكر ادغام الهمزة وليس الأمر على ما توهمه ، وإنما أنكره على مذهب من خفف الهمزة ، وهو المختار عندنا.

وقد بين ذلك بقوله ؛ فقد يجوز الإدغام في قول هؤلاء قال سيبويه : ومما أجرى مجرى المنفصلين قولهم : اقتتلوا ويقتتلون وأظهروا التاءين ولم يجعلوهما بمنزلة أحمر وأصله أحمرر.

قال : لأن التضعيف لازم لهذه الزيادة يعني أن تاء الفعل يزاد على لام الفعل مثلها في اللفظ كقولنا : احمر وابيض واسود فصارت بمنزلة العين واللام اللتين من موضع واحد نحو يرد وأشباهه.

ويقتتل يفتعل ولا يلزم أن يكون بعد تاء يفتعل مثلها ألا تراهم قالوا : يستمع ويرتحل ويغتسل وغير ذلك من حروف المعجم فلما كان الحرف الذي بعد تاء الأفعال غير لازم تاء أشبه المنفصلين.

وقد احتججنا له قبل هذا الموضع بغيرها.

قال : وقد أدغم بعض العرب فأسكن لما كان الحرفان في كلمة واحدة ، وذلك قولهم يقتل وقتلوا.

قال أبو سعيد ـ رحمه‌الله ـ : أما الإدغام في قوله : يقتل وقتلوا ؛ فأمره بيّن لأنه لا

٤٠٦

يخلو من أن يكون حكمه حكم كلمة واحدة ؛ فالإدغام في كلمة واحدة واجب نحو رد واحمر وحك كلمتين : فالإدغام في كلمتين جائز نحو : جعل لك ويد داود فأما لفظ الإدغام في ذلك في الفعل الماضي ؛ فإنه يقال فيه قتل بفتح القاف ، وقتل بكسرها فأما من قال : قتل بالفتح فإنه كان اقتتل فألقي فتحة التاء الأولى على القاف وانفتحت القاف فأسقط ألف الوصل وأدغمت التاء في التاء وأن من كسر فإنه لما سكن التاء اجتمع ساكنان التاء والقاف فكسرت لاجتماع الساكنين ثم أسقطت ألف الوصل لتحرك القاف ، وأما المستقبل ؛ فيقال : يقتل بفتح القاف ويقتل بفتح الياء وكسر القاف ويقتل بكسر الياء والقاف وذكر عن بعضهم وجه رابع وهو تسكين القاف مع الإدغام ، ويجمع بين ساكنين ، أما من قال يقتل بفتح الياء والقاف ؛ فإنه ألقى فتحة الياء فإنه سكن التاء الأولى ، وأدغم ولم يلحق فتحها على القاف واجتمع ساكنان القاف والتاء الأولى ؛ فكسر القاف لاجتماع الساكنين وأن من كسر الياء مع كسر القاف فإنه اتبع الكسر كما قالوا : منخر وأصله منخر ومنتن ، وأصله منتن.

وأما من سكن القاف مع الإدغام فإن وجه بمستضعف لأنه يجمع بين الساكنين وليس الأول منهما من حروف المد واللين وأكثر الناس ينكر ذلك.

قال سيبويه : وقد كسروا القاف في يقتل وقتل لأنهما ساكنان التقيا فشبه برد يا فتى يعني أن كسر دال رد يا فتى لاجتماع الساكنين.

وأنكر الفراء كسر القاف لاجتماع الساكنين وزعم أن كسرها طلبا للكسر الذي في اقتتل وحملا عليه.

وزعم أنه لو كسر لاجتماع الساكنين لجاز في يعفو ويرد يعض ويرد فرد بعض أصحابنا هذا عليه وفصلوا بين يقتل وبين يعض ويرد فقالوا : يقتل يفتعل وليس يلتبس به بناء آخر ؛ فإذا قلنا يقتل فكسرنا لا يتوهم أنه غير يفتعل ومتى قلنا بعض ويرد توهم أنه يفعل ؛ لأن في الكلام يفعل.

قال سيبويه : " لا يكون في هذا وأشباهه إلقاء الحركة على ما قبلها من الساكن".

يعني لا يكون في باب يعض ويرد ويفر وما كان عينه ولامه من جنس واحد إلا تحويل الحركة على ما قبلها ؛ لأن يعض ويرد ويفر أصله يعضض ويردد ويفرر.

وإنما ألقيت على فاء الفعل حركة عينه ولا يكون فيه غير ألقاء حركة العين على الفاء ، ولا يجوز كسره لاجتماع الساكنين ، وذلك لما ذكرناه من وقوع اللبس.

قال : وجاز في قاف يقتلون الفتح والكسر ؛ لأنه يجوز في الكلام فيه الإظهار ، والإخفاء

٤٠٧

والإدغام ، فكما جاز هذا فيه وتصرف دخله شيئان يعرضان في التقاء الساكنين يعني أن اقتتل وما أشبهه إنما جاز فيه وجه إلقاء حركة التاء الأولى على القاف وكسرها لاجتماع الساكنين حين تصرف بإظهار الحرفين وتبيينه والإخفاء وهو إظهار الحرفين مع اختلاس.

وبالإدغام فيجوز هذه الوجوه عليها تصرفوا فيها بإلقاء الحركة والكسر لاجتماع الساكنين ولم يتصرفوا في باب يعض ويرد بالإظهار فلم يزيدوه على إلقاء الحركة.

قال : وتحذف ألف الوصل حيث حركت القاف يعني في قتل وقتل كما حذفت في رد يريد أنك لا تقول : اقتل فيبقى ألف الوصل مع تحريك القاف كما لا تقول ارد فيبقى ألف الوصل مع تحريك الراء والأصل اردد فلما ألقيت حركة الدال على الراء : أذهبت ألف الوصل وكذلك حذفت الألف في قل وكان الأصل أقول فألقيت حركة الواو على القاف وحذفت ألف الوصل وحذفت الواو لاجتماع الساكنين الواو واللام.

وقول سيبويه : لأنهما في كلمة واحدة لحقهما الإدغام يعني التاءين في اقتتل.

قال : وتصديق ذلك قراءة الحسن «إلّا من خطّف الخطفة» يريد أن قراءة الحسن شاهد لجواز الإدغام.

قال : " وحدثني الخليل بن أحمد وهارون القاري أن ناسا يقرؤون (مُرْدِفِينَ) يريدون مرتدفين ، وهي قراءة لأهل مكة. وإنما ضموا الراء للضمة التي قبلها".

قال أبو سعيد ـ رحمه‌الله ـ : هذا الإتباع مثل اتباع الدال ضمة الراء في قولك : رد ولم يرد ومثله جريا فتى ولم يجر قال ومثل ذهاب الألف ذهابها في سل عين حركت السين يعني ذهاب الألف في قتل وقتل ورد وقل في الأمر مثل ذهاب الألف في مثل وذهاب الألف في سل لأنه كان أسل فلما خففت الهمزة ألقيت حركتها على السين فتحركت السين وذهبت ألف الوصل كذهاب الألف في قتل ودد وقل.

قال سيبويه : " فإن قال قائل : فما بالهم قالوا الحمر فلم يحذفوا الألف حين حركوا اللام فلأن هذه الألف قد ضارعت الألف المقطوعة نحو ألف أحمر ألا ترى أنك إذا ابتدأت فتحت وإذا استفهمت ثبتّ ؛ فلما كانت كذلك قويت كما قلت الجواد معبد وجاورت".

وتقول : فالله فلا تقوى في [ ](١) الاستفهام وفي نسخة [ ](٢) تتقوى في مواضع

__________________

(١) كشط بالأصل.

(٢) كشط بالأصل.

٤٠٨

[ ](١) الإدغام كحسنه في قولهم جعل [ ](٢) ولأنه مضارع حين كان الحرفان غير منفصلين نحو احمررت.

قال أبو سعيد ـ رحمه‌الله ـ لما ذكر سيبويه سقوط ألف الوصل لتحرك ما بعدها في قتل ورد وقل في الأمر وسل إذا لينت الهمزة عارض نفسه بقولهم : ألحمر إذا خففوا الهمزة من قولهم الأحمر على أخذ وجهي تخفيف الهمزة فيه وذلك أن من العرب من يقول لحمر ويحذف ألف الوصل لتحرك اللام ومنهم من يقول ألحمر يحرك اللام ولا يسقط ألف الوصل ينوي أن تكون اللام على سكونها.

وإن تحركت لأن الحركة للهمزة ومن ذلك قولهم : لم يقم القسم ولم يقم أبوك إذا ألقيت فتحة همزة أبوك على الميم تحرك الميم في يقم ولا ترد الواو الساقطة في يقوم لأن الحركة لا يعتد بها ؛ لأنها حركة عارضة لاجتماع الساكنين ويسأل السائل فيقول لم جاز إثبات ألف الوصل في الحمر ولا يجوز في نسل؟

فيقال له : لأن السين في نية السكون وحركتها حركة الهمزة المحذوفة وقد فرق بينهما بثلاثة أشياء منها ما فرق به سيبويه بينهما وهو قوله : إن هذه الألف يعني ألف لام [ ](٣) مضارع بالألف المقطوعة يعني ألف أحمر بانفتاحها [ ](٤).

في قولك آلرجل وآلذكرين حرم أم الانثيين.

قال : فلما كانت كذلك قويت كما قلت الجوارحين جاورت أي ثباتها في الاستفهام وفتحها في الابتداء أوجبا لها قوة كما أن الجوار حين كان مصدر فعل لا يعتل وهو جاورت لم يعل.

ولو كان مصدر فعل معتل لانقلبت الواو ياء كقولك قام قياما وحال يحول حيالا وأصله قواما وأحوالا ؛ لأن قام وحال معتلان.

وكذلك قويت هذه الألف لما كانت تثبت في الاستفهام دون سائر ألفات الوصل ثم قوي ذلك بقولهم أي ها الله.

فأما قوله : " أفا الله فإنه يهمز بعد الفاء ألف الوصل عوضا من واو القسم ، وأما أي ها الله فإن ألف ها تثبته ولا تحذف لاجتماع الساكنين كان الهمزة من الله باقية وإن حذفت في اللفظ ، كما أن اللام من قولنا الحمر كأنها ساكنة وإن حركت بإلقاء

__________________

(١) كشط بالأصل.

(٢) كشط بالأصل.

(٣) كشط بالأصل.

(٤) كشط بالأصل.

٤٠٩

حركة ألف أحمر عليها".

وقد مضى الكلام في أفاء الله وها الله في باب القسم مشروحا مستقصى ، وكما يقوي ذلك ايضا مما لم يستشهد به سيبويه قولهم في النداء يا الله بقطع الألف وقد ذكر ذلك فيما تقدم ، ومما يقوي هذه الألف أن الخليل جعل أن بمنزلة قد لان اختصاصها الاسم كاختصاص [ ](١).

أنها ألف قطع ، وأن سقوطها لكثرة الاستعمال.

وذكر أبو بكر مبرمان وجها ثانيا أظنه عن أبي إسحاق وهو أنه ليس كل فعل يلزمه ألف الوصل وكل لام معرفة يلزمها ذلك.

قال أبو سعيد ـ رحمه‌الله ـ ووقع لي وجه ثالث وهو أن هذه السين قد تتحرك في تصاريف الكلمة كقولنا سال وهو سائل واللام لا تزول عن السكون بحال فحق الألف أن لا تفارقها للزوم السكون إذا كانت الألف إنما دخلت من أجل سكون ما بعدها والسكون لازم في الحكم.

ووجه آخر أيضا أن هذه الألف تسقط في المستقبل إذا قلت يسل فلما كانت هذه الألف قبل السين عارضة غير لازمة لم تكن قوتها كقوة الألف مع اللام التي لا تفارقها.

وقد حكى بعض النحويين أسل على نحو الحمر ، ويفسد ما حكاه أنه ليس أحد يقول اقتلوا ولا يرد قال : وأما رد داود فبمنزلة اسم موسى يعني لو أدغمنا الدال الثانية من رد في دال داود لوجب إن تحرك الدال وتغير كما لو أدغمنا الميم لوجب تحريك [ ](٢) فساد ذلك.

هذا باب الإدغام في الحروف المتقاربة التي هي من مخرج واحد

والحروف المتقاربة مخارجها

فإذا أدغمت فإن حالها حال الحرفين اللذين هما سواء في حسن الإدغام وفيما يزداد البيان فيه حسنا وفيما لا يجوز فيه الإخفاء وفي نسخة مبرمان الإخفاء واحدة وفيما يجوز فيه الإخفاء والإسكان والإظهار وفي الحروف التي هي حيز واحد وفي نسخته هي مخرج واحد وليست بأمثال سواء أحسن لأنها قد اختلفت وهي في المختلفة المخارج أحسن لأنها أشد تباعدا والإظهار كلما تباعدت المخارج ازداد حسنا ومن الحروف ما لا يدغم

__________________

(١) كشط بالأصل.

(٢) ما بين المعقوفين كشط بالأصل.

٤١٠

في مقاربة ولا يدغم مقاربة فيه كما لا يدغم في مثله وذلك الحرف الهمزة.

قال أبو سعيد ـ رحمه‌الله ـ : اعلم أن الإدغام على ضربين :

أحدهما : توجبه الضرورة والآخر يطلب به الخفة ؛ فأما الذي توجبه الضرورة ؛ فهو أن يلتقي حرفان من جنس واحد الأول منهما ساكن ، والثاني متحرك من غير الهمز.

وحروف المد واللين ، فإن الهمزتين إذا التقتا وحروف المد واللين في التقائها أحكام قد ذكرنا [ ](١) مفردة وبعضها يذكر فيما بعد إن شاء الله.

فإن التقى حرفان الأول منهما ساكن ، والثاني متحرك وأدرجت الكلام ولم تقف على الأول ؛ فأحدهما مدغم في الآخر قصدت ذلك أو لم تقصده كقولك لم تجد داود ، ولم يذهب بمالك ، ولم يعلم من هو ، ولو أردت تبين الحرف لم يكن إلا بوقفة ، وإن خفيت وقصر زمانها ، والضرب الثاني يطلب به الخفة ، وهذا الضرب هو على ضربين أحدهما التقاء حرفين متحركين من جنس واحد فيسكن الأول منهما تخفيفا ، ويدغم في الآخر ، وذلك إما في كلمة أو كلمتين نحو قولنا : رد يرد واحمر يحمر ، وأصله ردد يردد واحمرر يحمرر.

والكلمتان نحو : جعل لك ويد داود والأصل جعل لك ويد داود وقد مضى الكلام على ذلك بما يغني عن إعادته والضرب الثاني من ضربي طلب التخفيف إدغام الحرف في غير جنسه بأن يقلب إلى جنس ما يدغم فيه وذلك على الترتيب الذي نذكره من كلام سيبويه وما يكشفه ويؤكده وزيادة وغير ذلك مما يقتضيه الموضع ويلحق به إن شاء الله أقدم جملة [ ](٢) ومعرفتها كلام سيبويه [ ](٣) فيما بعد إن شاء الله.

حروف الحلق

وهي الهمزة والهاء والعين والحاء والغين والخاء ؛ فأما الهمزة فلا تدغم في غيرها إلا أن تلين إلى ياء أو واو فتصادف ما تدغم فيه الياء والواو فيجوز إدغامه على أنها ياء أو واو كقولهم في رؤيا ورؤية إذا خففوا قالوا : رويا وروية تجعل واوا ويجوز [ ](٤) لم يدغم فلان الواو تنوي الهمزة.

ومن أدغم فلأنه واو ساكنة بعدها ياء كقولهم كويته طيا وأصله طويا ولا يدغم فيها غيرها إلا أن تجعل كقولهم في تليين خطيئة ومقروءة خطية ومقروة.

__________________

(١) كشط بالأصل.

(٢) كشط بالأصل.

(٣) كشط بالأصل.

(٤) كشط بالأصل.

٤١١

وأما إدغام الهمزتين إذا التقتا وليستا عينين للفعل فقال سيبويه إذا التقت الهمزتان لينت إحداهما واستقبح فيها الإدغام إلا في قول من حقق الهمزتين إذا التقتا نحو : أانت وإذا وليس ذلك بالمختار وقد مضى ذكرنا في تفسير الهمزة.

وأما الألف فلا تدغم ، ولا يدغم فيها ، وأما الهاء فيدغم فيها مثلها فقط كقولك أحبه هلا لا ولا يدغم فيها شيء غيرها ، وتدغم في الحاء كقولهم : أحبه حاتما وكذلك إذا كانت الحاء قبلها قلبت الهاء حاء ثم أدغمت فيها الحاء الأولى كقولك : أذبح هذه لفظها [ ] العين فيدغم فيها مثلها فقط نحو : ارفع عليا ولا يدغم فيها غيرها ألبتة ، ولكنها تدغم في الحاء كقولك ارفع حاتما ، وكذلك إذا كانت الحاء قبلها قلبت العين حاء ثم أدغمت الحاء الأولى في الحاء المنقلبة عن العين كقولك اذبح عتود لفظه إذ بحتودا وإذا جتمع العين والهاء جاز قلبها حاءين وإدغام إحداهما في الأخرى تقول في معهم محهم ، وأما الحاء فيجوز إدغامها في مثلها فقط كقولك : اذبح حملا وتدغم فيها الهاء والعين كما ذكرنا.

وأما الغين والخاء فكل واحدة منهما تدغم في مثلها ، وتدغم في الأخرى فقط ؛ فإدغام العين في الخاء كقولك : ادمغ خلفا وإدغام الخاء في الغين كقولك : اسلخ غنمك ، وأول مخارج الفم يلي حروف الحلق ، وهو مخرج القاف والكاف وكل واحد منهما يدغم في مثله ويدغم في صاحبه ، ولا يدغم واحد منهما في غير صاحبه فإدغام القاف في الكاف كقولك : اطلق كوثرا وإدغام الكاف في القاف : اترك قاسما والجيم والشين والياء.

فأما الجيم فإنها تدغم في الشين كقولك : اخرج شيئا ولا تدغم الشين في الجيم وتدغم في ستة أحرف من غير مخرجها وهي الطاء والدال والتاء والظاء في مثل وجبت جنوبها ، وأما الشين ؛ فإنها لا تدغم في شيء وتدغم فيها الجيم والطاء والدال والتاء والظاء والذال والتاء.

وأما الياء فتدغم فيها النون ، وتدغم فيها الواو في قولك : طويت طيا ، وما أشبه ذلك ، وأما الضاد فلا تدغم في شيء وتدغم فيها الطاء والدال والتاء والظاء والذال والثاء واللام ، وهذه الستة الأحرف أحكامها في الإدغام متساوية على تفاضل بينها فيه وهي الطاء والدال والتاء والظاء والذال والثاء وكل ما جاز أن تدغم فيها واحدة منهن جاز أن تدغم في البواقي ويجوز إدغامهن في أمثالهن ويجوز إدغام بعضهن في بعض كل واحد من الستة يجوز إدغامه في الخمسة البواقي ويجوز إدغام الخمسة فيه ويجوز إدغامهن في الشين والضاد والجيم كقولك صببت شمال ، وأصابت ضربتك ، وقرئ وجبت جنوبها بإدغام التاء في الجيم.

٤١٢

ولم يذكر سيبويه إدغامهن في الجيم ويدغمن في حروف الصفير وهي الصاد والسين والزاي كقولك : اخلط صاعك وحط سالما وارسته زيدا أو سائر الحروف كذلك ولا تدغم في الطاء والدال والتاء والظاء والذال والثاء ما أدغمت فيه ولا يدغم فيهن ، ومن غيرهن إلا اللام لا يدغم فيهن الشين والجيم والصاد والسين فيهن من غيرهن اللام فقط.

وأما الصاد والسين والزاي فإن كل واحدة منهن تدغم في الباقيتين ولا تدغم في شيء سواهما ويدغم فيهن أيضا من غيرهن سبعة أحرف وهي الطاء والدال والتاء والظاء والذال والثاء واللام والراء واللام والنون.

أما الراء ؛ فلا تدغم في شيء وتدغم فيها اللام فتدغم في مثلها ، وفي ثلاثة عشر حرفا سواها وهي التاء والثاء والدال والذال والراء والزاي والسين والشين والصاد والضاد والطاء والظاء والنون.

ولا يدغم فيها غير النون وإدغام الراء فيها قبيح.

وقد روي عن بعض القراء وسأذكره في باب أفرده في إدغام القراء إن شاء الله ، وأما النون فتدغم في مثلها أحرف سواها وهي الواو والباء والراء والميم ويجمعها ويرمل ولا يدغم فيها شييء غير اللام.

وأما الفاء فلا تدغم في شيء ، وتدغم فيها الباء.

وقد ذكر عن الكسائي إدغامها في الباء في قوله تعالى : (إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ) [سبأ : ٩] وسأذكره في بابه إن شاء الله.

والباء والميم والواو فأما الباء فتدغم في الفاء والميم ولا يدغم فيها شيء ولا تدغم الميم في شيء وتدغم فيها النون والباء و [ ] (١) في مثلها وتدغم.

قولنا : طويت طيا وأصله طويا وتدغم فيها النون ، وقد ذكرنا ذلك في الحروف الخمسة التي تدغم فيها النون.

قال أبو سعيد ـ رحمه‌الله ـ بدأ سيبويه بما لا يدغم في مثله فقال : وذلك الحرف الهمزة ، وقد تقدم الكلام في الهمزتين إذا التقتا أنه يلزم تخفيف إحداهما ويجوز تخفيفهما جميعا.

وذكر أن ابن أبي إسحاق خففهما وهي لغة رديئة ، ويجوز في هذه اللغة إدغام إحداهما في الأخرى ، وإذا كانت الهمزة لا تدغم فيها الهمزة فإدغام غيرها فيها أبعد ، وكذلك الهمزة لا تدغم في غير الهمزة ؛ لأنها إذا كانت لا تدغم في مثلها فإدغامها في غيرها أبعد.

__________________

(١) كشط بالأصل.

٤١٣

وإذا كانت الهمزة وحدها ثقيلة ولثقلها يجوز تخفيفها بالحذف والتغيير.

وقد مضى الكلام في باب الهمزة مستقصى بما يغني عن إعادته ؛ فإذا كانت الهمزة وحدها مستثقلة يجوز فيها الحذف والتغيير ، وهي مع مثلها أثقل والتغيير لها ألزم.

قال سيبويه : فإذا جاءت مع مثلها ، أو ما قرب منها أجريت على ما أجريت عليه وحدها يعني إذا جاءت الهمزة مع همزة أخرى خفف كما تخفف وحدها.

وقوله : ما قرب منها يعني كتغييرها أما الألف نحو قولهم حمراوان في حمراآن قلبوها حين وقعت الهمزة بين ألفين ، وقالوا حمراوي في حمراءي حين وقعت بين ألف وياء.

قال : وكذلك الألف لا تدغم في الهاء ولا فيما يقاربها لأن الألف لا تدغم في مثلها ؛ لأنها لو أدغمت في مثلها تحركت الثانية ، وإذا تحركت بطلت أن تكون ألفا وصارت حرفا أخر وانقلبت معها.

قال سيبويه ؛ لأنهما لو فعل بهما ذلك فأجريتا مجرى الدالين والتاءين تغيرتا فكانتا غير الألفين ، وإلا لم تكونا كالذالين يعني أنه إن لم تتغير الألفان لم يمكن الإدغام ؛ لأن الألف لا تكون إلا ساكنة ، ولا تدغم في ساكن.

والإدغام يصيرهما مثل الدالين ؛ فإن لم يغيرا عن الألفين إلى شيء آخر لم يكونا مثل الدالين.

قال : ولا تدغم الياء ، وإن كانت قبلها فتحة ، ولا الواو ، وإن كانت قبلها فتحة في شيء من المقاربة لأن فيها مدا ولينا فلم تقو الجيم على الياء ولا الياء ع لى الواو ، وما ليس فيه مد من الحروف أن تجعلهما مدغمتين ؛ لأنهما يخرجان ما فيه مد ولين إلى ما ليس فيه. وسائر الحروف لا تزيد فيها على أن تذهب الحركة.

قال أبو سعيد ـ رحمه‌الله ـ : اعلم أن حروف المد واللين لها فضيلة على سائر الحروف بما فيها من الحركات من مأخوذة من المد [ ](١) منهن فهن يباين الحروف والمقاربة لهن في المخرج فمن أجل ذلك لا يدغمن فيما كان من مخرجهن منهن فهن يباين الحروف [ ](٢) والمقاربة لهن في المخرج ؛ فمن أجل ذلك لا يدغمن فيما كان من مخرجهن ؛ فلذلك لم تقو الجيم على الباء بأن تدغم في الجيم.

وإن كانت الياء من مخرج الجيم ، وكذلك لا تدغم الواو في الياء ، وهما من مخرج

__________________

(١) كشط بالأصل.

(٢) كشط بالأصل.

٤١٤

واحد ؛ لأنه بإدغام الياء في الجيم والواو في الياء يصيران جيما وياء فيذهب المد واللين فيهما.

قال : ولو كان مع هذه الياء التي ما قبلها مفتوح ، والواو التي ما قبلها كذلك ما هو مثلها سواء أدغمتا ، ولم تستطع إلا ذلك لأن الحرفين استويا في اللين يعني أن الياء تغم في ياء مثلها إذا انفتح ما قبل الأولى نحو : اخشى ياسرا وكذلك الواو في نحو : اخشوا واقد لأنهما قد استويا ولا يستطاع إلا ذلك.

وقد مضى الكلام فيه قال : فصارت هذه الياء والواو مع الجيم والباء نحوا من الألف مع المقاربة لأن فيهما لينا وإن لم يبلغا الألف ولكن فيهما شبه منها ألا تراهما إذا كانت واحدة منهما في القوافي لم يجر في مثل ذلك الموضع من القافية غيرها إذا كانت قبل حرف الروي فلم تقو المقاربة عليها لما ذكرت لك يعني أن الياء مع الجيم والواو مع الياء التي من مخرجها في تباين الكيفية والحكم كالألف من الحروف المقاربة لما فيها من اللين وإن لم يبلغا منزلة الألف.

ومعنى قوله : إذا كانت [ ](١) كانت الواو ساكنة والياء في موضع ردف لم يجز في مكانها غيرها كقول الشاعر :

يا قوم مالي وأبا ذؤيب

كنت إذا أتوته من غيب

يشم عطفي وبين ثوبي

كأنني أربته بريب

الياء في ذؤيب وغيب والواو في ثوب ردف ولو قال : أتوته من غرب لم يجز أن يكون بيت مردفا وبيت غير مردف ، ثم ذكر قاضي جابر وغلامي جابر تمثيلا لما ذكر أن لا يجوز من إدغام الياء في الجيم ومثل إدغام الواو في الميم بقوله : رأيت دلو مالك وهذا سهو وغلط في الكتاب ؛ لأنه لو قال : سلم مالك ما أدغمت الميم في الميم لسكون ما قبل الأولى ، وينبغي أن يجعل التمثيل هؤلاء مصطفو مالك.

قال : ولا يدغمان في هذه الياء والواو ؛ لأنك تدخل اللين فيما لا يكون فيه لين يعني لا تدغم الجيم في الياء ولا الميم في الواو ؛ فتصير الميم والجيم من حروف المد ، واللين ؛ لأن تباعد ما بين حروف المد واللين ، وما بين غيرهما أشد من الحروف المتباعدة المخرج.

__________________

(١) كشط بالأصل.

٤١٥

ألا ترى أن حروف المد واللين وإن تباعدت مخارجهن يجتمعن في أحكام وينقلب بعضهن إلى بعض ؛ لأن ما بينهن في المد واللين أقوى مما يكون بين المتقاربات في المخرج ، ولقائل أن يقول إن منع سيبويه إدغام الجيم في الياء والميم في الواو ولئلا يدخل الميم فيما لا يكون فيه لين.

وقد أدغم النون في الياء والواو وليس في النون لين ؛ فإن الجواب في ذلك أن النون لما فيه من الغنة وأن له مخرجا من الخيشوم أجري مجرى حروفه المد واللين في الإعراب في يذهبان ويذهبون ، وتذهبين والتنوين الشائع للإعراب وبدل الألف منهما في زيدا واضربا فقربت بذلك من حروف اللين وحملت عليها وليس كذلك غيرها.

قال : وإذا كانت الواو قبلهن ضمة والياء قبلها كسرة فهو أبعد للإدغام لأنهما حينئذ أشبه بالألف وهذا مما يقوي ترك الإدغام فيهما وما قبلهما مفتوح ؛ لأنهما يكونان كالألف في المد والطول وذلك نحو : ظلموا مالكا واظلمي جابرا.

قال أبو سعيد ـ رحمه‌الله ـ : ذكر سيبويه أولا أنه لا يجوز إدغام الياء المفتوح ما قبلها في الجيم والواو المفتوح ما قبلها في الميم ثم قال : وإذا كان ما قبل الواو [ ](١) أبعد لإدغامهما في الميم والجيم ومثلهما يظلموا مالكا واظلمي جابرا.

وقوله : وهذا مما يقوي ترك الإدغام فيهما وما قبلهما مفتوح يعني أن الواو والياء المفتوح ما قبلهما مد ؛ فلا يدغمان في الميم والجيم كما تدغم الواو المضموم ما قبلها والباء المكسور ما قبلها في الميم والجيم لاشتراكهن في المد.

وقوله : لأنهما يكونان كالألف في المد والطول راجع إلى الواو والمضموم ما قبلها والياء المكسور ما قبلها.

قال : ومن الحروف حروف لا تدغم في المقاربة والمقاربة فيها وتلك الحروف الميم والراء والفاء والشين.

واعلم أن هذه الحروف لكل واحد منهن ضرب من الفضل على غيره كرهوا ذهاب ذلك الفضل بإدغامه في غيره ويذكر في موضعه إن شاء الله ، وذلك نحو قولك اكرم به لا يدغمون الميم في الباء ؛ لأنهم يقلبون النون ميما إذا كانت ساكنة وبعدها ياء في نحو قولهم : العنبر ، ومن بدأك فلما وقع من الباء الحرف الذي يفرون إليه من النون ولم يغيروه وجعلوه بمنزلة النون إذا كانا حرفي غنة ؛ لأن الميم لها غنة ، وليس الباء التي من

__________________

(١) كشط بالأصل.

٤١٦

مخرجها غنة [ ](١) وأيضا فإن النون الساكنة بعيدة من الباء في المخرج ومباينة لها في الخواص التي توجب الشركة بينهما.

فإذا كانت النون ساكنة قبل الواو وقلبوها ميما فلما قلبت ميما لما بين الميم والنون من الاشتراك في الغنة ، ولم تدغم الميم المنقلبة من النون في الباء كانت الميم الأصلية أولى أن لا تدغم فيها الباء.

وهذا معنى قول سيبويه ؛ فلما وقع مع الباء الحرف الذي يفرون إليه من النون يعني الميم ؛ لأنهم فروا إليه من النون في عنبر لم يغيروه يعني لم يغيروا الميم وجعلوه كالنون التي لا تدغم في الباء إذ كانت النون والميم حرفي غنة.

وقوله : الفاء لا تدغم في الباء ؛ لأنها من باطن الشفة يريد أن حروف الفم أقوى من حروف الشفتين وحروف الحلق ؛ لأن معظم الحروف في الفم واللسان ، وهو وسط مواضع النطق والحلق والشفتان طرفان فصارت الفاء لذلك أقوى من الباء ؛ لأنها من باطن الشفتين وهي من الفم والباء من الطرف.

قال : والباء تدغم في الفاء المتقارب ولأنها قد ضارعت التاء فقويت على ذلك لكثرة الإدغام لحروف الفم ، وذلك قولك : اذهب في ذلك ت بدل من الباء فاء كما فعلت في قولك : أصحاب مطرا والتقارب [ ](٢) إنك تعمل في الفاء الشفة السفلى [ ](٣) وأطراف الثنايا وتعمل في الباء الشفة السفلى والعلاي ويقوي ذلك أن في حروف الفرس حرفا بين الفاء والباء والباء الأغلب وحرفا بين الفاء والباء والفاء الأغلب.

قال : والراء لا تدغم في اللام ولا في النون ؛ لأن الراء مكررة فهي أفشى ، كما أن معها غيرها ؛ فكرهوا أن يجحفوا بها فيدغم فيها ما ليس فيه تفش في الفم مثلها ، ولا تكرير.

ويقوي هذا أن الطاء وهي مطبقة إذا أدغمت في التاء أشربت الإطباق ولا تجعل خالصة ؛ لأن الطاء أفشى منها بالإطباق فهذه أجدر أن لا تدغم إذا كانت مكررة ، وذلك قولك : اختر له واختر نفلا.

قال أبو سعيد ـ رحمه‌الله ـ : قد عرفتك أن الحرف إذا كانت له مزية يخرجه إدغامه فيما ليست له تلك الفضيلة عنها فيذهب ماله من الفضيلة كثرة إدغامه فيما يذهب

__________________

(١) كشط بالأصل.

(٢) كشط بالأصل.

(٣) كشط بالأصل.

٤١٧

فضيلته ، ولذلك لا يختار إدغام الطاء في التاء ؛ لأن الطاء مطبقة فيكره ذهاب إطباقها بإدغامها في التاء ، ولذلك كان أبو عمر يقرأ (بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ) [المائدة : ٢٨] ، وقال : (أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ) [النمل : ٢٢] ، (فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) [الزمر : ٥٦] ، ونحوه يدغم الطاء في التاء ، ويبقى منها صوتا لئلا يخل بحرف الإطباق.

قال : وتدغم اللام والنون [ ](١) لا يذهب بفضيلة لهما من تفش ولا غيره كقولك : هل رأيت ، ومن رأيت.

قال سيبويه : والشين لا تدغم في الجيم لاستطالة مخرج الشين ورخاوتها حتى اتصلت مخرج الطاء فصارت منزلتها منها نحو من منزلة الفاء مع الباء فاجتمع فيها هذا والتفشي فكرهوا أن يدغموها في الجيم كما كرهوا أن يدغموا الراء فيما ذكرت لك ، وذلك قولك افرش جبلة.

قال أبو سعيد : قد ذكرنا من حال الشين المانع من إدغامها في الجيم ما يغني عن الاحتجاج له ، وتدغم الجيم في الشين كما أدغخمت اللام والنون في الراء ؛ لأن الأقل تفشيا يدغم في الأكثر تفشيا.

قال : فهذا تلخيص لحروف لا تدغم في شيء يعني الهمزة ، والألف وحروف لا تدغم في المقاربة يعني الميم والراء والفاء والشين. وقد مضى ذلك مشروحا.

قال سيبويه : ثم نعود إلى الإدغام في المقاربة التي تدغم بعضها في بعض إن شاء الله.

الهاء مع الحاء كقولك : أجبه حملا ، والبيان أحسن لاختلاف الحرفين ، وأن حروف الحلق ليست بأصل للإدغام اقلبها.

قال : والإدغام عربي حسن لقرب المخرجين ، وأنهما مهموسان ، قال : ولا تدغم الحاء في الهاء كما لا تدغم الفاء [ ](٢) إلى حروف الفم كان أقوى على الإدغام يعني على الإدغام فيه مثل امدح هلالا وهذا كله بين.

قال : ولا تدغم العين مع الهاء كقولك : اقطع هلالا والبيان أحسن فإن أدغمت لقرب المخرجين حولت الهاء حاء لأن الأقرب إلى الفم لا يدغم في الذي قبله فأبدلت مكانها أشبه الحرفين بها لكيلا يكون الإدغام في الذي فوقه ، ولكن في الذي من مخرجه ولم يدغموا الهاء في العين ، وإن كانت أقصى من العين واشتركتا في حروف الحلق لأنها حالفتها

__________________

(١) كشط بالأصل.

(٢) كشط بالأصل.

٤١٨

في الهمس والرخاوة ، ولأن العين لم يدغم ما هو من مخرجها فيها وهو الحاء فبعد إدغام ما ليس هو من مخرجها فيها مع ضعف الإدغام في حروف الحلق في لغة على قوم وخفف عليهم النطق به ، وقل في لغة أخرى واستثقلها فالحاء أخف من العين ، وإن كانا من مخرج واحد ؛ لأن الحاء مهموسة وهي رخوة والهمس والرخاوة ، وذلك قال سيبويه : ومع هذا فإن التقاء الحاءين أخف في الكلام من التقاء العينين واحدة كثيرا ولا تجد عينين كذلك ؛ ألا ترى أنهم يقولون بح ورح وارح وصح ومح وغير ذلك مما يكثر ولا يوجد ذلك في العين إلا قليلا كقولك : دع يدع وكع يكع.

قال : ومثله أحبه عتبة يعني مثله في أنك لا تدغم الهاء في العين.

قال : ومما قالت العرب تصديقا لهذا في الإدغام قول بني تميم محم يريدون معهم ثقل النطق بهما لأن التقاء حروف الحلق مستثقل وتنافر الهاء والعين لما بينهما من الحلاف من الهمس والرخاوة والشدة والجهر فطلبوا حرفا متوسطا بينهما فقلب إليه ، وهو الحاء وذلك أن الحاء مؤاخ للهاء بالهمس والرخاوة وهو مؤاخر بأنهما من مخرج واحد ومثله ست أصله سدس فاستثقلوا الجمع بين الدال والسين ؛ فقلبوا إلى حرف متوسط بينهما وهو التاء ؛ لأن التاء مؤاخر للدال بأنهما من مخرج واحد ، وهو مؤاخ للسين بالهمس.

قال : ومما أدغمت العرب الهاء في الحاء.

قول الراجز :

كأنها بعد كلال الزاجر

ومسحة مرّ عقاب كاسر

قال أبو سعيد ـ رحمه‌الله ـ : أما إدغام الهاء في الحاء إذا كانت قبلها بأن تقلبها حاء وإدغام الحاء فيها إذا كانت بعد الحاء بأن تقلب حاء تصحيح قد ذكرناه وأما الاستشهاد بهذا الشعر فسهو أو غلط ؛ لأن الإدغام لا يصح في البيت من أجل اجتماع الساكنين لأن السين ساكنة ، والحرف الأول من المدغم ، وهو الحاء الأولى بعد السين ساكن أيضا ، ولا يدغم حرف بعد ساكن في مثله إلا أن يكون الساكن من حروف المد واللين نحو دابة وأصم وثمود الثوب.

ويبطله أيضا أن الإدغام فيه يكسر البيت ويبطله أيضا أنه قال : ومما أدغمت العرب الهاء فيه في الحاء وليس الأمر كذلك ؛ لأن الحاء قبل الهاء في الكلمة فكيف يدغم الثاني في الأول.

قال : والعين مع الحاء كقولك : اقطع حملا الإدغام والبيان حسنان لأنهما من مخرج

٤١٩

واحد ، ولا تدغم الحاء في العين في قولك : امدح عرفة ؛ لأن الحاء قد يفرون إليها إذا وقعت الهاء مع الغين وهي مثلها في الهمس والرخاوة مع قرب المخرجين ؛ فأجريت مجرى الميم مع الباء فجعلتها يعني العين بمنزلة الهاء كما جعلت الميم بمنزلة النون مع الباء.

ولم تقو العين على الحاء إذا كانت هذه قصتها وهما من المخرج الثاني من الحلق ، ولكنك لو قلت : امدح حرفة فجعلت العين حاء جاز.

اعلم أن الحاء تشبه الأربعة الأحرف بأنها يدغم فيها ما قاربها ، ولا تدغم هي (......) ذكرنا علة ذلك والحاء بهذه المنزلة وذلك أن الهاء والعين تدغمان فيها وهي لا تدغم في واحد منهما ولا في غيرهما فصارت الحاء تدغم فيها الهاء [ ](١) وهي لا تدغم في شيء ، وإنما صارت كذلك [ ](٢) ومن أقصى الحلق الهمزة والألف والهاء ويجاورها من مخرجها العين [ ](٣) مما يلي الفم الخاء والغين ؛ فأما الهمزة فقد ذكر سيبويه : أنها لا تدغم في شيء ولا يدغم فيها.

وذكرنا عليه فيما مضى ، وأما الألف فإنه يكره الإدغام فيها ؛ لأنها لا تكون إلا ساكنة [ ](٤) أن تدغم ؛ لأن ما فيها من المد واللين [ ](٥) حكم الاشتراك فالمجاوزة إلى [ ](٦) اللفظ وخفته فاجتمع للحاء هذا وأن الحرف الذي من مخرجها موضعه الحلق وليس يتمكن ، ولا حروف الحلق بأصل الإدغام فضعفت العين عن إدغام الحاء فيها ، وحسن إدغام العين في الحاء.

وأما الغين والخاء فإنهما قربا من حروف المد جدا حتى إن من الناس من يجريهما مجرى حروف الفم فتخفي الحروف الساكنة معها كما تخفيها [ ](٧) حروف الفم فتقول منحل ومنغل.

وقد روى نافع إخفاء النون مع الخاء والغين المسبين.

وروى الأكثر من الرواة عنه بيان النون قبل الغين ، والخاء على ما ذكرنا في هذين الحرفين من اللغتين ذكرناهما عن العرب فصار العين والخاء حيزا مفردا بين حروف الحلق.

وحروف الفم فتدغم أحدهما في الآخر ، ولا تدغم في واحد منهما من حروف

__________________

(١) كشط بالأصل.

(٢) كشط بالأصل.

(٣) كشط بالأصل.

(٤) كشط بالأصل.

(٥) كشط بالأصل.

(٦) كشط بالأصل.

(٧) كشط بالأصل.

٤٢٠