شرح كتاب سيبويه - ج ٥

أبي سعيد السّيرافي الحسن بن عبدالله بن المرزبان

شرح كتاب سيبويه - ج ٥

المؤلف:

أبي سعيد السّيرافي الحسن بن عبدالله بن المرزبان


المحقق: أحمد حسن مهدلي و علي سيّد علي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-5251-0

الصفحات: ٤٨٨

الموجبة للبدل ما لم تغير الكلمة عن معناها في نفسها فمن ذلك أنا نقول أغزيت ودانيت والأصل اغزيت ودانوت ولكن الواو تنقلب في المستقبل ياء في قولك يغزي ويداني لانكسار ما قبلها فجعلت في الماضي كذلك وإن لم يكن ما قبلها مكسورا ؛ لأن المضي والاستقبال ليس باختلاف معنى ألا ترى أن المستقبل يصير ماضيا إذا أتى عليه زمان كونه وكذلك هما يغزوان ويدعيان ؛ لأن الماضي قد لزم فيه القلب تقول غزي ودعي للكسر الذي قبله فجعل في المستقبل كذلك ، فإذا كان القلب الذي يجب في المستقبل يجري في الماضي والذي يجري في الماضي يلزم في المستقبل على ما بينا والذي بيّن الفعل التام الحركات والفعل الذي خفف بعض حركاته ، والاستقبال أقرب وذلك قولك غزى وشقى إذا خففناه قلنا غزى وشقى ولم ترد الواو التي انقلبت منها ياء كما لم تردها في يغزيان ويشقيان ، لأن غزى وشقى أولى أن يحمل على غزي وشقي من حمل يغزي ويشقي عليه إذ كان معناهما وزمانهما واحدا وكذلك لقضو الرجل في باب التعجب قلبت الواو ياء لانضمام ما قبلها فإذا سكناها تخفيفا بقيت الواو كما بقيت الياء في غزى فهذا حكم الحرف الذي يبدل ثم يعرض لهذا المخفف أعني غزي ورضي ما يخالف حكم غزى ورضى وذلك أنا إنما جمعنا فألحقنا ضمير المذكرين الواو قلنا في المخفف غزيوا ورضيوا فأثبتنا الياء ولم نحذفها ولو دخلنا على غزى ورضى لحذفت الياء فقلنا رضوا وغزوا فان قال قائل : فقد فرقتم بين حكم المخفف والمشبع في الجمع فهلا فرقتم بينهما في رد الواو ، قيل له إنما فرقنا بينهما في الجمع لأنا إذا ألحقنا رضى وغزى علامة الجمع وهي الواو سكنت الياء استثقالا لضمها وقبلها كسرة فاجتمع ساكنان الواو والياء فأسقطنا الياء لاجتماع الساكنين وضممنا قبل الواو لتسلم علامة الجمع ومتى قلنا رضى وغزو ثم جمعنا لم نحذف شيئا لأن الياء إذا انضمت وقبلها ساكن لم يستثقل فلم نحتج إلى تسكين الياء إذا سكنا ما قبلها وما حذف لاجتماع الساكنين من كلمة واحدة يعود إذا لم يجتمع ساكنان كقولك غلاما الرجل فتسقط ألف الوصل في اللفظ لاجتماع الساكنين وكذلك هذان عبدا الله وهؤلاء مسلمو البلد بسقوط الواو فإذا زال اجتماع الساكنين عاد الحرف في اللفظ كقولك غلاما زيد ومسلمو بلدك ألا ترى أنك إذا نسبت إلى ناجية أو إلى قاض قلت ناجي وقاضي ، فإذا رخمته قلت يا قاضي ويا ناجي وذلك إنما حذفت الياء التي في قاضي وناجي لاجتماع الساكنين ياء قاضي والياء الأولى من ياءي النسب فلما حذفت ياءي النسب للترخيم عادت الياء التي ذهبت لاجتماع الساكنين مثل ذلك الحركة إذا دخلت بسبب حرف ، ثم زال ذلك الحرف زالت الحركة كقولك دجاجة بيوض ودجاج

٣٠١

بيض فإن خففنا فسكنّا الياء قلنا دجاج بيض فكسرنا الياء لسكون الياء حتى تسلم فإذا حركنا الياء زالت الكسرة وكذلك لو بنينا من جئت فعل لقلنا جيء على مذهب الخليل وسيبويه ومتى خففنا الهمزة قلنا جي وذلك أن الأصل في جيء جي وكسرنا الجيم لتسلم الياء كما قلنا في بيض لسكون الياء فإذا ألقينا حركة الهمزة على الياء تحركت الياء فعادت ضمة الجيم التي هي لها في الأصل وإذا بنينا منه فعلل قلنا جويء والأصل جييء وقلبنا الياء واوا لانضمام ما قبلها وسكونها وبعدها من الطرف كما قلبناها في عوطط وكولل وهو فعلل من الكيل ، فإذا خففنا الهمزة ألقينا حركتها على الواو فتحركت فرجعت إلى الياء ألا ترى أنك تقول موقن والأصل ميقن فتقلب الياء واوا لسكونها وانضمام ما قبلها فإذا صغرت أو جمعت قلت مييقن ومياقن لتحرك الياء وتقول في تصغير ليّة لويّة وذلك أن الأصل في ليّة لوية ثم قلبت الواو ياء لسكونها وكون الياء بعدها فإذا صغرناها تحركت فعادت الواو وليس شيء من ذلك بمنزلة غزى لأن الواو إنما قلبت للكسرة فصارت كأنها من الياء ولزمتها الياء كما أغزيت بسبب يغزي.

هذا باب ما يخرج على الأصل إذا لم يكن حرف إعراب

وذلك قولك الشقاوة والأداوة والنقاوة والنقاية والنهاية قويت حيث لم يكن حرف إعراب.

قال أبو سعيد رحمه‌الله : " قد كنا بينا أن الياء والواو إذا وقعتا بعد ألف أنهما تقلبان همزة وإذا اتصلت بهما هاء أو غيرها مما يقع الإعراب عليه أقرّتا على لفظهما وكذلك الواو إذا وقعت طرفا وقبلها ضمة قلبت ياء كادل واحق فإذا اتصل بها ما يقع عليه الإعراب لم تقلب نحو عرقوة وقلنسوة بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع فأما قولهم صلاءة وعباءة وغطاءة فالأصل فيها صلاي وعظاي وعباي فهمزت هذه الياءات بوقوعهن طرفا بعد ألف ثم دخلت الهاء عليهن بعد انقلابهن همزات ، ومن قال صلاية وعباية وعظاية لم نقدر الياء منفصلة من الهاء وكأن بنية الكلمة وقعت على التأنيث في أوليتها كما قالوا النهاية والنقاية ومثل عظاءة وصلاءة قولهم مسنية ومرضية للمؤنث والأصل مسنو ومرضو ؛ لأنه من سنوت ومن الرضوان ووقعت الواو طرفا فشبهوها بعتيّ وادل وقد فسر هذا ثم دخلت هاء التأنيث عليها بعد انقلاب الواو ياء بوقوعها طرفا ولو لم يقدر سقوط الهاء لم يجز قلب الواو ، لأنها لم تقع طرفا وكانت تكون بمنزلة قلنسوة".

قال : " وأما من قال صلاية وعباية فانه لم يجئ بالواحد على الصلاء والعباء كما

٣٠٢

أنه إذا قال خصيان لم يبنه على الواحد المستعمل في الكلام ولو أراد ذلك لقال خصيتان" يعني أن صلاية وعباية ليست بتأنيث عباء وصلاء لأنها لو كانت تأنيث عباء وصلاء لقيل عباة وصلاة ولكنها جاءت على غير المذكور المستعمل كما أن قولهم خصيان ليس بتثنية خصية المستعمل في الكلام بل هي تثنية خصي ، وإن كان خصي لا يستعمل في الكلام ومثل هذا كثير في كلامهم ألا تراهم قالوا افتقر الرجل فهو فقير ، وفقر من فقر وفقر يستعمل وقولهم في جمع ذكر مذاكي ، ر ومذاكير إنما هو جمع مذكار ومذكار لا يستعمل وكذلك محاسن وملامح إنما هي جمع محسن وملمح وإن كانا لا يستعملان في الكلام ومثل خصيين الياءان تثنية إليه قال الشاعر :

يرتج الياه ارتجاج الوطب

وقال آخر :

كأن خصييه من التدلدل

ظرف عجوز فيه ثنتا حنظل

قال وسألته عن الثنايين فقال : " هو بمنزلة النهاية لأن الزيادة في آخره لا تفارقه أشبهت الهاء ومن ثم قالوا مذروان فجاؤا به على الأصل ، لأن ما بعده من الزيادة لا يفارقه وإذا كان قبل الياء والواو حرف مفتوح كانت الهاء لازمة لم يكن إلا بمنزلتها لو لم تكن هاء وذلك قولك علاة وهناة وقناة وليس هذا بمنزلة قمحدوة لأنها حيث فتحت وقبلها الضمة كانت بمنزلتها منصوبة في الفعل".

قال أبو سعيد رحمه‌الله : أما الثنايان فهذه الياء وقعت بعد ألف واتصلت بها علامة التثنية فلم يجب قلبها همزة ، لأن واحدها لا يفرد كما أن هاء النهاية لما اتصلت بالياء وقع الإعراب عليها لم يجب قلبها همزة والثنايان حبلان أحدهما مشدود مع الآخر أو حبل واحد يعطف في الشد حتى يصير كحبلين يقال عقلته بثنايين ومثله مما لا يقلب للزوم علامة التثنية له قولهم مذروان وهما طرفا الإلية قال الشاعر :

أحولي تنفض إستك مذرويها

لتقتلني فها أنا ذا عمارا

ولا يستعمل في الكلام واحد المذروين ولو استعمل واحده لقيل مذري كما يقال مغزي وكان يثنى على مذريان لأنا إذا قلنا مذري فالألف تكون منقلبة من ياء ، لأنها وقعت رابعة طرفا في موضع تنقلب الواو فيه ياء كقولنا في أغزى أغزيت ودانى دانيت وهو من الواو ولكن مذروان لما اتصل بها علامة التثنية ولم تقع طرفا صارت بمنزلة

٣٠٣

قمحدوة فإن قال قائل : فإن سيبويه فرق بين الواو التي قبلها ضمة وبين الواو التي قبلها فتحة فجعل الواو التي قبلها ضمة إذا انفتحت تصح كما صحت في لن يغزو حتى وقع الإعراب على غيرها كقولهم قمحدوة وإذا انفتح ما قبل الواو انقلبت ألفا نحو غزا ودعا واستدل بهذا على أن الواو إذا كانت قبلها فتحة أشد اعتلالا فكيف تثبت الواو في مذروان وقبلها فتحة قيل له قد كان حكم هذه الواو أن تقلب ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ولو جعلناها ألفا ثم اتصلت بها علامة التثنية لرجعت الألف إلى الياء والواو كما يقال في تثنية رحى رحيان ، وقفا قفوان وليس الكلام في مذروان من جهة إعلال الواو وإنما الكلام فيه أنهما لم يفردا فتقلب الواو ياء ثم تثنى بالياء فتكون شاهدا للصلاية والعطاية أنها لم تذكر فتصير الياء همزة وكذلك النهاية والدراية وما أشبه ذلك على أن سيبويه إنما قصد إلى الواو والياء إذا انفتح ما قبلهما وهما في موضع لام الفعل واتصلت بهما هاء التأنيث اعتلت وانقلبتا ألفين نحو علاة ومناة وشياة وما أشبه ذلك وإذا انضم ما قبل الواو صحت إذا كانت الهاء بعدها نحو قلنسوة وعرقوة وفرق بين المضموم ما قبله والمفتوح وليست علامة التثنية بمنزلة التأنيث ؛ لأن علامة التثنية لا يكون ما قبلها ساكنا ولم توجد الواو لاما وقبلها فتحة إلا معتلة وإذا كانت قبلها ضمة جاز أن لا تعتل كقولك سرو يريد أن يغزوك.

قال : " وأما النفيان والغثيان فإنما دعاهم إلى التحريك أن بعدها ساكنا فحركوا كما قالوا رميا وغزوا" وقد ذكرنا هذا فيما مضى مشروحا.

قال : " وإذا كانت الكسرة قبل الواو ثم كان بعدها ما يقع عليه الإعراب لازما أو غير لازم فهي مبدلة مكانها الياء ؛ لأنهم قد قلبوا الواو في المعتل الأقوى ياء ، وهي متحركة لما قبلها من الكسر وذلك نحو القيام والثيرة والسياط".

قال أبو سعيد ـ رحمه‌الله ـ : يعني متى وقعت قبل الواو كسرة وهي لام الفعل انقلبت ياء ، وإن كانت بعدها هاء التأنيث كقولك محنية والأصل محنوة ، وإنما انقلبت الواو ياء للكسرة قبلها وإن لم يقع الإعراب عليها لأنها قد انقلبت ياء فيما هو أقوى من واو محنوة وأبعد من الطرف وذلك في قيام وسياط وثيرة ، وذلك أن الياء في قيام منقلبة من واو وهي عين الفعل وقد بعدت من الطرف ، ووقع الإعراب على غيرها ومما يقوي هذا أنهم يقولون هذا قنية ، وإنما هو في الأصل قنوة فجعلوا الواو ياء لكسرة القاف ، وبينهما النون الساكنة وقد وقع الإعراب على الهاء ، فإذ أجاز قلب الواو التي هي لام الفعل ياء لكسرة بينهما وبين الواو حرف ساكن وجب أن تقلب ياء متى وليت الكسرة ولم يكن بينهما حرف.

٣٠٤

هذا باب ما تقلب فيه الياء واوا ليفصل بين الصفة والاسم

" وذلك فعلى إذا كانت اسما أبدلوا مكانها الواو نحو الشروى والتقوى والرعوى والفتوى وإذا كانت صفة تركوها على الأصل وذلك نحو صديا وخزيا وريّا ولو كانت ريا اسما لقلت روّى لأنك كنت تبدل الواو وموضع اللام وتثبت الواو التي هي عين الفعل".

قال أبو سعيد رحمه‌الله : اعلم أن الذي يشتمل عليه هذا الباب قد مضى بيان أكثره وأنا أعيده وأبين جملة الباب وجملته إنه شذ فيه بابان عما يوجبه القياس إحدهما فعلى إذا كانت لامه ياء وهو اسم قلبت واوا نحو رعوى وشروى وكان القياس رعيا وشريا ، لأنه من رعيت وشريت وليس قبلها ما يوجب قلب الياء واوا والآخر فعلى إذا كان اسما ولام الفعل منه واو تقلب ياء ، وذلك قولك العليا والدنيا والقياس فيها العلوي والدنوي وهما شاذان ومع الشذوذ قد زعم سيبويه أنهم أرادوا الفعل بين الاسم والصفة فجعلوا الاسم في فعلي من ذوات الياء بالواو لأن الاسم أخف وهو أجمل للواو الصفة متروكة على الياء لأن الياء أخف فإذا كان ريان وريا صفة فالأصل فيه رويا من رويت وقلبت الواو ياء ولو بنينا من فعلي اسما مثل شروى ورعوى لقلنا روي ، لأن عين الفعل واو في الأصل وقلبنا لامه واوا لأنه اسم فاجتمعت واوان وذكر سيبويه في غير هذا الموضع أنهم أبدلوا الياء واوا في رعوي وشروي عوضا للواو من كثرة دخول الياء عليها وذكر أن الصفة من باب فعلى من ذوات الواو على الأصل ولم أجده ذكر صفة على فعلي مما لامه واوا إلا ما يستعمل بالألف واللام نحو الدنيا والعليا وما أشبه ذلك وهذه عند سيبويه بمنزلة الأسماء وإنما ذكر أن فعلي من بنات الواو ، إذا كانت صفة على أصلها وإن كان لا يحفظ في كلامهم شيء من ذلك على فعلا لأن القياس أن يحمل على أصله حتى يتبين أنه خارج عن أصله شاذ عن بابه وأما القصوى فالباب فيه القصيا كما قالوا الدنيا والعليا وإنما قالوا القصوى ، لأنها صفة بالألف واللام وإن كانت الصفات اللاتي لا يستعملن إلا بالألف واللام بمنزلة الأسماء.

هذا باب ما إذا التقت فيه الهمزة والياء قلبت الهمزة والياء ألفا

وذلك قولك مطيّة ومطايا وركيّة وركايا وقد ذكرنا هذا فيما مضى ونعيد بعضه هاهنا ركية فعيلة مثل صحيفة وسفينة فإذا جمعنا أدخلنا ألف الجمع بعد الكاف ثالثة فانقلبت الياء الأولى من ركية همزة ووقعت بعد ألف الجمع وهي فعلية كما قلت صحائف فوقعت ياء فعيلة بعد الجمع مهموزة فصارت ركائي والهمزة ثقيلة والياء من حروف

٣٠٥

الاعتلال فقلبوا الياء ألفا كما قلبوها في مدارى حيث قالوا مدارا غير أن القلب في مدارى غير لازم ، لأنه لم يعرض قبل الياء حرف ثقيل معتل وهو الهمزة وفي ركائي لازم لاجتماع هذين الحرفين الثقيلين ثم غيروا الهمزة كما غيروا ما بعدها لأن باجتماعهما ثقل الاسم فلحقهما التغيير فلما غيروا الهمزة لم يمكن تغييرها إلى الألف إذ كانت أشبه حروف الاعتلال بها فغيرت إلى الياء لأن الياء أقرب إلى الألف من الواو ووجه آخر وهو أن الهمزة وقعت بين ألف فصارت هي والألفان كهمزتين لقرب شبه الألف منها فوجب الإبدال كما تبدل من الهمزتين فإذا اجتمعتا فأبدلت إلى أقرب الحروف شبها بالألف وهو الياء.

ثم قال سيبويه عقب هذا الاحتجاج بذلك : " إن الذين يقولون سلاء فيحققون كما ترى يقولون رأيت سلا فلا يحققون كأنها همزة جاءت بعدها همزة" يعني أنهم إذا قالوا سلا فليست ها هنا همزة وألفان فإذا نصبت جعلت بعد الهمزة ألفا بدلا من النون فصارت الهمزة بين ألفين فلم يحققوا ، لأنهم أقاموا الألفين مقام همزة فكأن همزتين قد اجتمعتا فيجب التخفيف والتليين.

قال : " وأبدلوا مكان الهمزة الياء التي كانت ثابتة في الواحد كما أبدلوا مكان حركته قلت التي في القاف وحركة ياء بعت اللتين كانتا في العينين ليعلم أن الياء في الواحد كما علم أن ما بعد الياء والقاف مضموم ومكسور" يعني أنهم إنما أبدلوا الياء من الهمزة في مطايا لأن الياء كانت في الواحد ظاهرة فجعلوها على فعلت لتلقى حركة العين على الفاء فيعلم بحركة الفاء حركة العين كأنه قد علم حركة الواو المحذوفة من قلت أنها كانت ضمة بضمة القاف وعلم حركة الياء المحذوفة من بعت أنها كانت كسرة بكسرة الياء.

قال : " وقد قال بعضهم هداوي فأبدلوا الواو لأن الواو قد تبدل من الهمزة" يعني أنهم قد يبدلون من الهمزة واوا في حمراوان وسماوى ونحو ذلك.

قال : " وأما ما كانت الواو فيه ثابتة نحو أداوة وعلاوة وهراوة فإنهم يقولون هراوي وعلاوي وأداوي وألزموا الواو هاهنا كما ألزموا في ذلك".

قال أبو سعيد رحمه‌الله : اعلم أن أداوة تجري مجرى جمع مطية في كل حال إلا في قلب الهمزة التي بين ألفين فأنها تقلب في جمع مطية ياء وفي أداوة واوا وإنما استويا في الجمع من قبل أن أداوة فعالة على وزن رسالة فإذا جمعناها أدخلنا ألف الجمع عليها ثالثة بعد الدال كما تدخل ألف الجمع ثالثة بعد السين فيقع بعد ألف الجمع ألف أداوة وألف

٣٠٦

رسالة فلا يمكن تحريك الألف فجعلت همزة ، لأنها أقرب الحروف إلى الألف فلما صيرت همزة وكسرت انقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها وتطرفها فصارت ادائي مثل مطائي ثم صيرت الياء المتطرفة ألفا فصارت اداأا كما صارت مطاأا فقلبوا همزة مطاأا ياء لظهور الياء في مطية وقلبوا الهمزة في أداأا واوا لظهور الواو في واحدها وليست الواو في اداوي هي الواو في اداوة لأن الواو في أداوة قد انقلبت ياء وهي طرف الواو في اداوي هي منقلبة من الهمزة التي كانت بدلا من ألف أداوة والألف في اداوة ليست للتأنيث بل هي بدل من ياء كما ذكرنا مثل ألف مدارى وعذارى.

قال : " ولم يفعلوا هذا في جاءي لأنه ليس على مثال قاضي ونحوه تبدل فيه الياء ألفا" يعني أنهم لا يجعلون الألف بدلا من الياء في قاضي ونحوه ، لأنهم لو فعلوا ذلك فصيروه قاضا لصار بمنزلة ضارب نحو جاري وقاضي زيد عمرا إذا حاكمه وليس كذلك مداري إذا قلبت ياؤها ألفا لأنه ليس في الكلام مفاعل فلا يقع لبس.

قال : " وفواعل منهما بمنزلة فواعل من جئت وسوت في أنك تهمز ولا تبدل من الهمزة ياء كما فعلت ذلك في عورت وذلك قولك عوائر لا يكون أمثل حالا من فواعل وأوائل وذلك قولك شواءي" يعني أن فواعل من عورت وصيدت عواور وصيايد ، فتقع ألف فواعل بين واوين أو ياءين فتقلب الثانية منهما همزة كما فعلت ذلك بأوائل وسائر ما مضى فإن قال قائل : فإن أوائل وسيايد ما بعد ألف الجمع منهما همزة لأنه جمع وللجمع حال في الاعتلال ليست لغيره قيل له فواعل وإن لم يكن جمعا فإن أوله مضموم ، فضم أوله قد ألحقه ثقلا وقد رأينا الواحد يلحق بالجمع في الاعتلال ، وإن كان الجمع أقوى في ذلك كما قالوا معزى وعتى مصدرا ، فضم الأول قد صار له كالجمع فقوي فيه الاعتلال وكان الأخفش والزجاج لا يرى إعلال هذا ويقول فيه عواود وصيايد ؛ لأنه ليس بجمع فإن قال قائل فإذا أعللتم فواعل من عورت وصيدت وأجريتموه مجرى فواعل في وجوه الإعلال فهلا أجريتموه مجرى فواعل في وجوه الإعلال كلها فيلزم إذا بنيتم فواعل من جئت وسؤت أن تقولوا جوايا وسوايا والأصل جواريي ، وسواوي فوقعت الألف بين واوين أو واو وياء فقلبت الحرف الذي بعدها همزة كما تفعل في فواعل فإذا لزم في فواعل أن تقولوا جوايا وسوايا وجب في فواعل ففرق سيبويه بين فواعل وفواعل فقال فواعل إذا فتحناه وقلبنا الياء لا يلتبس ببناء آخر وفواعل متى قلبنا الياء ألفا التبس بحباري وشكاعي وما أشبه ذلك.

٣٠٧

قال : " ولو بنينا فعائل من ذوات الياء لقلنا فيهما مطاءي ورماءي" ولم نقل مطايا ورمايا لما ذكرناه فان جمعناه قلنا مطاي ورماي ولم نقل مطايا ورمايا ؛ لأن هذه همزة كانت في الواحد ولم تعرض في جمع فصارت كهمزة جائية وجوائي وذكر في هذا الفصل إلى آخر الباب ما أتى شرحنا عليه فيما تقدم.

هذا باب ما بني على أفعلاء وأصله فعلاء

وذلك أثرياء وأغنياء وأشقياء وإنما صرفوها عن سرواء وغنياء وشقياء ؛ لأنهم يكرهون تحريك الياء والواو وقبلهما الفتحة إلا أن يخافوا التباسا في نحو رميا وغزوا ونحوهما قد بينا أن الياء إذا كانت قبلها فتحة والواو إذا كانت قبلها فتحة أشد اعتلالا منهما إذا كانت قبلهما كسرة لا ضمة وقد رأينا جمع فعيل يكون عليه أفعلاء وفعلاء ، فإذا جمعنا شقيا وغنيا على فعلاء صارت شقواء وغنياء فوقعت قبل الياء والواو فتحة وإذا جمعناها على أفعلا ، فقلنا أشقياء وأغنياء صار قبل الياء كسرة وكان أخف كما يقال شقي وغني فاقتصروا على هذا الجمع الأخف ومما جاء من فعيل على أفعلاء نصيب وانصباء وقريب وأقرباء وكذلك الكلام في فعيل المضاعف وهو ما كان عينه ولامه من جنس واحد نحو جليل وأجلاء وحبيب وأحباء ولبيب ولباء ، واختاروا هذا الجمع واقتصروا عليه ؛ لأنهم لو جمعوه على فعلاء لقالوا لبيب ولبباء وحبيب وحبباء فثقل بإظهار الحرفين والإدغام في أحباء والباء أخف.

هذا باب ما يلزم الواو فيه بدل الياء

" وذلك إذا كانت فعلت على خمسة أحرف فصاعدا وذلك قولك اغزيت وغازيت واسترشيت.

قال : " وسألت الخليل عن ذلك فقال إنما قلبت ياء لأنك إذا قلت يفعل لم تثبت الواو للكسرة فلم يكن ليكون فعلت على الأصل وقد أخرجت يفعل إلى الياء وأفعل وتفعل ونفعل".

قال أبو سعيد رحمه‌الله : قد مضى فيما تقدم من شرح هذا جملة كافية ولكنا نعيد منها ما يتسق عليه الكلام الذي يأتي بعده اعلم أن الفعل متى كان ماضيه على أربعة أحرف فصاعدا فلابد من كسر ما قبل آخر مستقبله كقولك أكرم يكرم وقاتل يقاتل ودحرج يدحرج وكسر يكسر وانطلق ينطلق وارتبط يرتبط وغيرها من الأفعال التي ماضيها على أربعة أحرف أو أكثر ، فإذا كان لام الفعل واوا فلا محالة أنها تنقلب ياء في

٣٠٨

المستقبل ؛ لأنك إذا وقفت عليها سكنت وقبلها كسرة فتنقلب ياء كما انقلبت ياء ميزان وما أشبهه فلما انقلبت ياء في جميع المستقبل من أفعل وفاعل وسائر ما ذكرنا لانكسار ما قبلها وسكونها في الوقف وجب قلبها في جميع تصاريف الفعل.

قال : " قلت فما بال تغازينا وترجينا وأنت إذا قلت يفعل منهما كان بمنزلة يفعل من غزوت قال الألف هاهنا بدل من الياء التي أبدلت مكان الياء وإنما أدخلت التاء على غازيت ورجيت" قوله" قلت" يعني قت للخليل لم قالوا تغازينا وترجينا فقلبوا الواو التي كانت في غزوت ورجوت ياء ومستقبل هذين الفعلين لا ينكسر ما قبل آخره ، لأن تفاعل وتفعل تقول في مستقبلهما يتفعل ويتفاعل فإذا قلت يترجى ويتغازى لم ينكسر ما قبل آخرهما وإنما كان السبب في قلب الواو ياء في اغزيت ورجيت انقلابها في المستقبل إذا قلت يغزي ويرجي وليست هذه العلة موجودة في يتغازى ويترجى لانفتاح ما قبل آخرهما في المستقبل فقال الخليل مجيبا إن تغازيت وترجيت أصلهما غازيت ورجيت وانقلابها ياء في غازيت ورجيت للعلة التي ذكرناها.

وقال : " ضوضيت وقوقيت بمنزلة ضعضعت ولكنهم أبدلوا الياء إذا كانت رابعة فإذا كررت الحرفين فهما بمنزلة تكريرك الحرف الواحد" يعني أن الأصل في ضوضيت وقوقيت ضوضوت وقوقوت وقلبت الواو ياء للعلة التي لها قلبت الواو ياء في اغزيت وسائر ما ذكرناه وهي انكسار ما قبلها في المستقبل وإنما حكمنا أن الياء في قوقيت منقلبة من واو دون أن يكون ياء في أصلها أنّا رأينا أكثر هذه الأفعال الرباعية مضاعفة كقولك صعصعت وصلصلت وجرجرت وما أشبه ذلك فقضينا ضوضيت وقوقيت بالأغلب في الباب وفعلل من المكرر يجيء على ضربين أحدهما أن يكون أصله مما عينه ولامه من جنس واحد فاذا بنوا منه فعلل اجتمع فيه ثلاثة أحرف من جنس واحد وأشبه لفظة لفظ فعل فيقلبون الأوسط من الثلاثة الأحرف وهو لام الفعل مثل الحرف الذي في موضع الفاء من الفعل كقولك كفكفتة من كففته وكبكبت من كببت قال الله عزوجل (فَكُبْكِبُوا فِيها) أي فكبوا فيها وأصله كببوا وكففته واستثقل ثلاثة أحرف من جنس واحد مع اللبس الذي يقع بين فعللت وفعلته فقلبوا واحدا منها على لفظ أقرب الحروف إليه وهو فاء الفعل ولو تركوه ولم يقلبوه فقالوا كففته وكببته لكان لفظه كلفظ فعلت فكان يجتمع مع الاستثقال ليس بين بناءين والدليل على أنهم يستثقلون كففته وكببته وما جرى مجراهما

٣٠٩

لاجتماع حروف من جنس واحد قولهم دسيت في دسست وقد قال الله عزوجل (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) في معنى من دسسها وكما قال تظنيت في معنى تظننت وذكر الفراء أن كبكبت وما كان نحوه مما عينه ولامه جنس واحد في الأصل يجوز أن يكون فعل ويجوز أن يكون فعلل فأما فعلل فقد ذكرناه ولا يجوز أن يكون فعل كما ذكره وذلك أن فعل مصدره تفعيل أو تفعله فلو كان كبكبت فعلت لوجب أن يكون مصدره تكبيب أو تكبة فلما قالوا كبكبت كبكبة علمنا أنه فعللت والضرب الثاني من هذا ما كان مبنيا لصوت على حرفين يتكرران كقولك قرقر الطائر وقعقع الحلي إذا صوت ، وذاذا الحجر إذا تدحرج من علو جبل إلى قراره. فإن قال قائل فكيف اقتصروا من هذا الصوت المكرر على اثنين فلم يجاوزوه ولم ينقصوه فيصيروه واحدا قيل له أما مجاوزة الواحد فقد وجبت بالتكرير الذي يلزم الصوت وأما الاقتصار على الاثنين فلو لم يقتصروا على الاثنين للزمهم أن يذكروا عدد ما يكرر عليه الصوت من المرات ومثل ذلك قولهم قام القوم رجلا رجلا رضوا من عدد الرجال برجلين فلم يجاوزوهما ولم يقتصروا على واحد وذلك أن المعنى يراد منه التردد فلم يكتف بالواحد ولو جاوز الاثنين لاحتاجوا أن يعدوا جمع الرجال وقد يجيء على فعللت مضاعفا ما لا يعرف منه فعل عينه ولامه من جنس واحد ولا هو من الأصوات المكررة كقولك عسعس الليل إذا أدبر وولى ، وقال بعضهم : إذا اعتكر وتراكبت ظلمته وصعصع القوم إذا اضطربوا ونحو ذلك فهذا إما أن يكون أصله ما ذكرناه وإما أن يكون على فعلل مثل دحرج واتفق أن يكون لاماه من جنس عينه وفائه.

قال : " فإنما الواوان هاهنا بمنزلة ياءي حييت وواوي قوّة لأنك ضاعفت" يعني أن الواوين في ضوضوت وقوقوت وإن كانت الثانية منهما منقلبة ياء بمنزلة ياءي حييت وواوي قوّة وذلك إن ياءي حييت وإن كانتا ياءين على لفظ واحد هما عين الفعل والأخرى لامه فكذلك واو ضوضوت إحداهما عين والأخرى لام.

قال : " وكذلك حاحيت وعاعيت وهاهيت ولكنهم أبدلوا الألف لشبهها بالياء فصارت كأنها هي" يعني أن حاحيت فعللت مثل ضوضيت والألف فيه منقلبة من ياء والأصل حيحيت والدليل على أن الألف منقلبة من ياء أنا رأينا ذوات الواو من هذا الباب تجيء على أصلها كقولك ضوضيت وقوقيت ولم نر شيئا من ذوات الياء جاء من هذا

٣١٠

الباب ، والألف لا تكون أصلا وإنما هي منقلبة فجعل انقلابها من ياء وقد ذكرنا هذا فيما مضى بأتم من هذا التفسير مع ذكر الخلاف الذي فيه وقد يقلبون من الياء الساكنة ألفا كقولك ياجل في ييجل.

قال : " يدلك" على أنها ليست فاعلت قولهم الحيحاء والعيعاء كما قالوا السرهاف والفرشاط والقلقال والحاحاة والهاهاة فأجري مجرى دعدعت إذ كن للتصويت كأن متوهما توهم أن حاحيت وهاهيت وعاعيت فاعلت فاحتج عليه سيبويه بمصدرهن وذلك أن مصدر فاعلت مفاعلة ومصدر فعللت فعللة فلما قالوا في مصدر حاحيت حاحاة وحاحاة فعللة قضي على حاحيت أنه على فعللت لما ذكرناه.

ومعنى قوله " فأجري مجرى دعدعت" يعني أن دعدعت قد علم أنه فعللت وأنه ليس بفاعلت وهو تصويت فكذلك حاحيت وهاهيت وكذلك أكثر ما يجيء من الأصوات على هذا الوزن كقولك جهجهت بالسبع وساسات بالحمار وغير ذلك مما لا يحصى كثرة.

قال : " كما أن دهديت هي فيما زعم الخليل دهدهت بمنزلة دحرجت ولكنه بدل الياء من الهاء لشبهها بها وإنها من الخفاء والخفة نحوها فأبدلت كما أبدلت من الياء في هذه" يعني أن دهديت أصله دهدهت وقلبوا من الهاء الثانية ياء لاجتماع الهاءين فكذلك حاحيت أصله حيحيت ولاجتماع الياءين قلبت إحداهما وكان قلب الأولى أولى ، لأن الثانية طرف ولو كانت غير ياء انقلبت ياء فإن قال قائل : إذا كانوا يقولون دهدهت ودهديت ودهدية ودهدوهة فكيف صارت الهاء الأصل والياء بدل منها قيل له الهاء أولى أن تكون أصلا وذلك أنا رأيناهم قد يبدلون للتضعيف أحد الحرفين إلى الياء كقولهم في تظننت لاجتماع النونات فكذلك دهديت أصلها دهدهت فقلبوا إحدى الهاءين فإن قال قائل : فما وزن دهدية قيل له فعلولة مثل دهدوهة ودحروجة وكان أصله دهدوية فاجتمعت واو وياء الأولى منهما ساكنة فقلبت الواو ياء وأدغمت الدال لتسلم الياء.

قال : " فأما الغوغاء ففيها قولان أما من قال غوغاء فأنث ولم يصرف فهي عنده مثل عوراء" يعني تكون الألف للتأنيث وتكون غوغاء على فعلال مثل صلصال وأصله غوغاو.

٣١١

وقال : " وكذلك الصيصية والدوداة والشوشاة فإنما يضاعف حرف ياء وواو كما ضاعفت القمقام فجعلت هؤلاء بمنزلتها" يعني أن شوشاة أصلها شوشوة ودوداة دودوة وقلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، فوزنهما فعللة وليس فيها زائد غير هاء التأنيث ومعنى شوشاة السريعة ودوداة أرجوجة من أراجيج الصبيان فإنما جعل شوشاة فعللة ولم يجعل شيئا من حروفه زائدا ؛ لأنها أولى بها من سائر الأبنية وذلك أنها تحتمل أن تكون فوعلة إذا جعلت الواو زائدة ويحتمل أن تكون فعلاة إذا جعلت الواو أصلية والألف زائدة ، ويحتمل أن تكون فعللة بأن تكون الواو أصلية وتكون الألف منقلبة من واو ويكون أصلها شوشة وهذا البناء أولى بها وأن فعللة أكثر في الكلام من فوعلة وفعلاة وكذلك صيصية الياءان أصليتان وهي فعللة مثل سمسمة وجعل صيصية بمنزلة سمسمة وشوشاة بمنزلة خلخلة وجميع ذلك من الرباعي بمنزلة واحدة على وزن واحد وإن كان في بعضه حروف العلة مع أن وزن الحيا كوزن الغصص ، ووزن جئت كوزن غصصت فقد تساوي ذوات الحروف الزوائد غيرها من سائر الحروف ومثل ذلك الموماة هي فعللة وإن كانت الميم من حروف الزيادة والأصل موموة ومثل مرمر فعلل لتكرير الميم وقد كثر فعلل من هذا المكرر فحمل عليه.

قال : " ولا تجعل موماة بمنزلة تمسكن لأن ما جاء هكذا والأول من نفس الحرف هو الكلام الكثير ولا تكاد تجد في هذا الضرب الميم زائدة إلا قليلا" يعني أن الميم فيه أصلية بسبب التكرير الذي فيه ولو كان بدل مرمر مرتع أو غير ذلك لقضي على الميم الأولى بالزيادة ولكن يقضي عليها بالأصل لما ذكرناه وذلك معنى قوله" لا تكاد تجد الميم في هذا الضرب زائدة" يعني فيما تكرر لفظ عينه وفائه وقد تبين أن الميم زائدة في تمسكن بالاشتقاق لأن أصله من السكوت ولأنه يقال أيضا في معنى تمسكن تسكن.

قال : " وأما قولهم الفيفاة فالألف زائدة لأنهم يقولون الفيف" يعني أن فيفاة هي فعلاة مثل علقاة وأرطاة وليست بمنزلة شوشاة ودوداة وذلك أنهم يقولون فيف ثم تزاد عليه الألف.

قال : " وأما الفيفاء والزيزاء فبمنزلة العلياء لأنه لا يكون في الكلام بمنزلة القلقال إلا مصدرا" يعني أن زيزاء وفيفاء ليسا من المضاعف والحرف الذي انقلبت منه الهمزة زائد وهو إما ياء وإما واو وزنه فعلاء كما أن علياء وزنه فعلاء ولو كانت الهمزة

٣١٢

منقلبة من حرف أصلي لكان وزنها فعلال وليس في الكلام فعلال مضاعف مكرر لفظ الفاء والعين إلا مصدرا كقولك زلزل زلزالا وقلقل قلقالا والقياس في فيفاء وزيزاء أن تخالف الياء الأولى منها في التقدير الهمزة إن كانت منقلبة من ياء فالياء الأولى منقلبة من واو لسكونها وانكسار ما قبلها وإن كانت الهمزة منقلبة من واو فالياء الأولى غير منقلبة من واو وذلك أن الياء الأولى لو كانت من جنس الهمزة لكان بمنزلة القلقال وليس بمصدر ومثل غير موجود في الكلام.

قال : " وإذا كانت الياء رابعة في الكلام فهي تجري مجرى ما هو من نفس الحرف وذلك نحو سلقيت وجعبيت تجريهما وأشباههما مجرى ضوضيت وقوقيت " يعني أن الياء متى لحقت في آخر الثلاثي رابعة كانت للإلحاق فيكون سلقيت الذي من سلق بمنزلة ضوضيت الذي حروفه أصلية.

قال : " وأما المروراة فبمنزلة الشجوحي وهما بمنزلة صمحمح ولا تجعلهما على عثوثل لأن مثل صمحمح أكثر".

قال أبو سعيد رحمه‌الله : يعني أن شجوجي يحتمل أن يكون فعلعل مثل صمحمح فتكون السين فاء الفعل والجيم الأولى عينه والواو لامه ، ثم أعاد الجيم والواو للشين هما عين ولام وقلب الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ويحتمل أن يكون فعوعل مثل عثوثل فتكون الواو الأولى زائدة غير أن فعلعل أولى به لأنه أكثر في الأبنية من فعوعل وقطوطي مثل شجوجي.

قال : " وقالوا القيقاءة والزيزاءة" أراد سيبويه أن يريك أن الهمزة في القيقاء والزيزاء ليست للتأنيث كما كانت في حمراء وخنفساء بإدخال الهاء عليها ، والهاء التي للتأنيث لا تدخل على ما فيه علامة التأنيث.

قال : " وبعضهم يقول قيقاءة وقواقي" إن الذي يقول قيقاءة وقواقي جعل الياء في قيقاءة منقلبة من واو بسبب انكسار ما قبلها وسكونها فلما انفتح ما قبلها في الجمع وتحركت عادت الواو كقولنا ميزان وموازين وقد يقال في جمعها قراق ولم يذكره سيبويه أنشدنا أبو بكر بن دريد :

إذا تبارين على القياقي

لاقين منه أدنى عناق

قال : " وسألته عن أثفية فقال هي فعلية فيمن قال اثّفت" يعني إن اثّفت فعلت

٣١٣

فالهمزة فاء الفعل والثاء عينه والفاء لامه فاثفية على هذا فعلية قال النابغة :

لا تقذفني بركن لاكفاء له

وإن تأثفك الأعداء بالرفد (١)

فقال تاثّفنك ووزنه تفّعلك ومن قال ثفيت القدر فأثفية أفعولة لأن الهمزة زائدة وأصلها أثفوية فقلبت الواو ياء.

هذا باب التضعيف في بنات الياء

" وذلك نحو عييت وحييت واحييت واعييت اعلم أن آخر المضاعف من بنات الياء يجري مجرى ما ليس فيه تضعيف من بات الياء ولا يجعل بمنزلة المضاعف من غير الياء ، لأنها إذا كانت وحدها لاما لم تكن بمنزلة اللام من غير الياء فكذلك إذا كانت مضاعفة وذلك نحو يعيا ويحيا".

قال أبو سعيد رحمه‌الله : يعني أن ما كان من الفعل عينه ولامه من جنس واحد وهو ياء لم يجب فيه من الإدغام ما يجب في سائر الحروف كقولنا حيي وعيي ولا يلزم فيه إدغام كما لزم عضّ ومسّ ومصّ والأصل عضض ومسس وأدغمت الحرف الأول في الآخر وإنما لم يلزم في حيي مثل في عضض من قبل أن الضادين في عضّ والسينين في مسّ وكذلك غيرها من الحروف لا يلزم قلب الضاد منها والسين إلى حرف سواه والياء الثانية من حييت تنقلب ألفا في المستقبل لانفتاح ما قبلها فلما كان حيي وعيي في المستقبل منهما تقول يحيا ويحيى كانت الألف الثانية في عيي غير لازمة فلما لم تكن لازمة لم يلزم إدغام الياء الأولى فيها إذا كان حرف لا يثبت ولكن يجوز إدغامه في كل موضع تلزم الثانية فيه الفتحة بناء كقولك في الماضي حيي وفي الجمع أحية مكان أحيية وقد مضى الكلام في هذا وشبهه.

ومعنى قوله : " يجري مجرى ما ليس فيه تضعيف" يعني أن آخر حيي كآخر خشى في أنه يعتل في المستقبل فتنقلب ألفا ولا يدغم فيها ما قبلها في الماضي كما لم يدغم في خشى ولم يجر مجرى المضاعف وهو باب عض ومس.

ومعنى قوله : " إذا كانت وحدها لاما لم تكن بمنزلة اللام من غير الياء" يعني أن الياء إذا كانت وحدها في موضع لام الفعل ولم يكن قبلها ياء مثلها لم يكن سبيلها سبيل سائر الحروف لأن سائر الحروف لا تنقلب في المستقبل كانقلاب الياء ألفا في قولك حيي

__________________

(١) انظر الحلل في شرح أبيات الجمل ١ / ٩٧ ، روح المعاني ٣٠ / ٢٧٧.

٣١٤

يحيا وكذلك إذا كان قبلها ياء لم يكن سبيلها سبيل الحرفين المتجانسين إذا كان أحدهما عين الفعل والآخر لامه.

قال : " فإذا وقع شيء من التضعيف بالياء في موضع تلزم ياء يخشى فيه الحركة وياء يرمي لا تفارقهما فان الإدغام جائز فيه لأن اللام من يرمي ويخشى قد صارتا بمنزلة غير المعتل" يعني أن الياء الثانية إذا لزمتها فتحة لا تفارقها جاز الإدغام ولم يكن لازما كما ذكرنا في عي وحي وأحية على معنى عيي وحيي وأحيية للزوم الفتحة لهن فأما إذا قلت لن يحيى فلا تدغم ، لأن الفتحة في لن يحيى للنصب وهي تزول في حال الرفع والجزم ثم مثل ما أجاز الإدغام فيه من ذلك وشبهه بما صح لما لزمت فيه الحركة فقال وذلك قولك قد حي في هذا المكان ومعنى حي في هذا المكان حيي لما لم يسم فاعله ويجوز ضمه على الأصل ويجوز كسره بسبب الياء اتباعا وتسليما لها فإن قال قائل : لم أجزت الضمة والكسر في حي وحيي ولم يجز مثلها في عتى وجثى ونحوهما وجعلت ما قبل الياء منهن مكسورا لا غير؟ فالجواب أن عتي وبابه إنما ألزمنا ما قبل الياء فيه الكسر ، لأن بناءه لا يشكل ولا يتوهم بكسر ما قبل الياء أنه على غير فعول في الوزن وإذا كان على ثلاثة أحرف فكسرنا جاز أن يتوهم أنه فعل كقولنا قرن ألوى وقرون لي كما تقول أحمر وحمر ويجوز أن تقول لي لتسلم الياء ولقائل أن يقول في لي مكسورا أنه بمنزلة بيض ، لأن الياء المشددة الأولى منهما ساكنة ، وكذلك حي في هذا المكان بمنزلة قيل ومن العرب من يقول عيي واعيياء فيظهر ولا يدغم كما قال حيي وحياء وأحيية وهو حياء الناقة.

قال : " فإذا قلت يحيى أو يعيى ثم أدركه النصب فقلت رأيت معييا ، وتريد أن تجيبه لم تدغم لأن الحركة غير لازمة" يعني فتحة النصب لأنها تزول في الرفع وتسكن الياء ولكن إن شئت أخفيتها وهي متحركة وإن شئت بينتها ومثل ذلك التثنية وما لحقته هاء التأنيث ، وجاز أن يفارقه كقولك معيية ومحيية ومعييان ومحييان لأن الهاء دخلت على معيي وكذلك علامة التثنية فإذا فارقتها بطلت الفتحة فيها وكذلك حيان تثنية حيا من الغيث لا يجوز فيها الإدغام ولكن يجوز في ذلك الإخفاء والتبيين ، والتبيين في حييان أحسن لانفتاح الياء الأولى وخفة النطق بها وإذا كانت الياء الأولى مكسورة كان الإخفاء أجود لأن الكسرة فيها بمنزلة ياء أخرى فكأنها ثلاث ياءات فآثروا الإخفاء لذلك.

قال : " فأما تحية فبمنزلة أحيية وهي تفعلة".

٣١٥

قال أبو سعيد رحمه‌الله : فرق سيبويه بين معيية ومحيية وبني أحيية وتحية وأصلها تحيية ، لأنها مصدر حييت كما تقول كرمت تكرمه فأجاز في أحيية وتحيية الإظهار والإدغام كما ذكرناه ، لأن الهاء في أحيية وتحيية لا تفارقها ولا يكون فيها تذكير ، فالحركة لازمة للياء الثانية وفي محيية ومعيية يلحقها التذكير فتزول حركة الياء ثم قال في آخر الباب محتجا لجواز إدغام الياء في محيية وأحية.

قال : " وأما المضاعف من الياء فقليل لأن الياء قد تثقل وحدها لاما فإذا كان قبلها ياء كان أثقل لها يعني اجتماع ياءين قليل في كلامهم لأن الياء وحدها قد تستثقل في نحو القاضي والرامي وحيي تسكن في موضع الرفع والجر وتحذف في نحو يرمي في الجزم فإذا اجتمعت ياءان ولزمت الثانية الحركة أدغموا لأن الإدغام أخف من الإظهار.

هذا باب ما جاء على أن فعلت منه مثل بعت وإن كان لم

يستعمل في الكلام

" لأنهم لو فعلوا ذلك صاروا بعد الاعتلال إلى الاعتلال والالتباس فلو قلت يفعل من حيي ولم تحذف لقلت يحيي فرفعت ما لا يدخله الرفع في كلامهم فكرهوا ذلك كما كرهوا في التضعيف فإن حذفت فقلت يحيي أدركته علة لا تقع في كلامهم وصار ملتبسا بغيره يعني يعي ويقي ونحو ذلك".

قال أبو سعيد رحمه‌الله : قد كنا بينا فيما تقدم أن حرفي علة إذا اجتمعا في آخر الفعل لم يجز إعلالهما جميعا وإنما يعل أحدها والأولى بالإعلال منهما الأخير وهو لام الفعل دون عينه كقولك حيى وشوى وأحيى وأغوى وفي المستقبل يحيا ويشوى ويحيى ويغوى جعلنا الحرف الأولى بمنزلة حرف صحيح وأقررناه على لفظه في الماضي والمستقبل ووفيناه ما يستحقه من الحركات في مواضعها ولحق الثاني القلب والتغيير والسكون والحذف فالقلب والتغيير قولك في مستقبل حيى يحيا وشوى بألف والأصل شويت بالياء والسكون في يشوي ويحيي في حال الرفع والحذف في الجزم ، كقولك لم يشو ولم يحي ولو صححنا لام الفعل وأعللنا عينه لخرج عن منهاج كلامهم ودخله اللبس ووجب أن نقول في يفعل ويفعل من حي يحيى ويحيى لأنا إذا أعللنا عين الفعل وجب أن نقول في حيي حاي كما نقول فيما اعتلت عينه وصحت لامه نحو باع وهاب وأن نقول في احيي احاي كما نقول أبان وألان ومتى قلنا ذلك كان المستقبل كالمستقبل فنقول يحيى كما نقول تبيع ونقول يحيى كما نقول يبين ويلين ، فتضم الياء في الفعل المستقبل

٣١٦

علامة للرفع وليس بموجود في شيء من الفعل لأن الياء تسكن في الفعل في موضع الرفع ولو قال قائل تسكن الياء في الفعل في موضع الرفع ولو قال قائل تسكن الياء في الرفع لزمه أن يحذف الياء الأولى التي هي عين الفعل لسكونها وسكون لام الفعل في موضع الرفع فيقول يحيى فإذا قال يحيى أشبه يفي ويعي ونحوه ما فاء الفعل منه واو ولامه معتلة فيصير يحيى كمستقبل وحي يحيى ووعى يعي وما أشبهه ثم يلحقه الجزم فتسقط ياؤه كقولك لم يحي وفي ذلك إلباس وإخلال واعتلال بعد اعتلال.

قال : " فمما جاء في الكلام على أن فعله مثل بعت أي وغاية وآية وراية وجمعها راي كما قالوا آية وآي وتاية جعلوهن بمنزلة باب ودار وليس هذا بمطرد ؛ لأن فعله بمنزلة خشيت ورميت وتجرى عينه على الأصل" يعني أنه قد جاءت أسماء شاذة اجتمع في آخرها حرفا علة فاعل الأول منهما وهو عين الفعل وكان القياس أن يعل الثاني الذي هو لام الفعل ، وهي الأسماء التي ذكرها وكان القياس فيها أن يقال غواة أو غياة واوا أو ياء ، وذلك أن الألف من غاية إن كانت منقلبة من الياء فأصلها غيية وإن كانت منقلبة من واو فأصلها غوية فيجتمع حرفا علة فالوجه على ما قدمناه من قياس الفعل أن نعلّ الثاني ونصحح الأول فإذا صححنا الأول وأعللنا الثاني وجب أن نقول عيا إن كان من الياء وغوى إن كان من الواو كما نقول حيا وغوى وما أشبه ذلك ولكن هذا جاء شاذا محمولا على دار وباب في إعلال اللام وشبه شذوذ هذا بشذوذ قود وروع وحول.

فقال : " وهذا شاذ كما شذ قود وروع وحول في باب قلت ولم يشذ هذا في فعلت لكثرة تصرف الفعل وتقلب ما يكرهون فيه في فعل ويفعل ونحو ذلك" يعني أن هذا الشذوذ الذي أتى في غاية وراية ونحوهما إنما أتى في الأسماء دون الأفعال والتقدير أن لو أتى الفعل على ذلك لاعتلت عينه وصحت ، لأنه نحو بعت وهبت ولكن لم يأت في الفعل ذلك بسبب ما ذكرناه من الاختلال والخروج عن مذهب كلام العرب وأشبه غاية وسائر ما ذكرنا معها في الشذوذ قودا وروعا وذلك أن قودا وروعا اسمان شذا في تصحيح موضع العين منهما وكان حكمهما أن تكنا معتلتين فيقال قاد وراع لأنهما من باب قال وقام وهذا الشذوذ لم يأت في شيء من الفعل إنما أتى في الاسم ولم يأت قوم يقوم وبيع يبيع في الفعل لما يلزم الفعل من التغيير والتصرف ، فكذلك الشذوذ في إعلال عين الفعل وتصحيح لامه مما اجتمع في آخره حرفا علة إنما أتى في الاسم دون الفعل وحكى سيبويه

٣١٧

أن غير الخليل يقول أن أصل آية أية وأي ولكنهم قلبوا الياء واوا وأبدلوا مكانها الألف لاجتماعهما ، لأنهما تكرهان كما تكره الواوان فأبدلوا الألف كما قالوا : الجيران وكما قالوا : ذوائب ، فأبدلوا الواو كراهية الألف بين همزتين وهذا قول الخليل. اعلم أن الخليل ومن ذهب مذهبه ، يقول أن آية وزنها فعلة وقلبت عين الفعل منها ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها وقد مضى الكلام فيها على مذهبه وذهب الذي حكى عنه سيبويه وهو أيضا قول الفراء إلى أن وزنه فعلة وأنهم استثقلوا اجتماع ياءين فقلبوا إحداهما ألفا ثم استشهد سيبويه على قلبهم أحد الحرفين إذا اجتمعا وهما من حروف العلة فمن ذلك قلب إحدى الواوين إذا اجتمعتا في أول كلمة في جمع واصلة وتصغيرها أواصل وأويصلة والأصل وواصل وويصلة وكقلبهم الواو في حيوان والأصل حييان عنده وكما قالوا ذوائب والأصل ذائب وذلك أنها جمع ذؤابة فإذا جمعناها أدخلنا ألف الجمع بعد الهمزة فوقعت ألف ذؤابة بعد ألف الجمع فهمزت كما فعل برسالة ورسائل فاجتمعت همزتان بينهما ألف الجمع ، فقلبت الأولى منهما واوا وقد مضى الكلام في هذا في باب الهمز مستقصى ومما احتج به الفراء أيضا في هذا قولهم عيب وعاب قلبوا الياء ألفا وهي ساكنة لا ياء معها فكيف إذا اجتمعت معها ياء أخرى.

وقال الكسائي آية وزنها فعلة وكان أصلها أيية فاستثقلوا اجتماع الياءين مع الكسرة فحذفوا إحداهما.

قال سيبويه : " وجاء استحييت على حاي مثل باع وفاعلة جاءي مثل بائع مهموز وإن لم يستعمل كما أنه يقول يذر ويدع ولا يستعمل فعل وهذا النحو كثير".

قال أبو سعيد رحمه‌الله : اعلم أن استحيت فيه لغتان إحداهما استحييت والأخرى استحيتو فأما استحييت بياءين فهي لغة أهل الحجاز وهو على ما ينبغي أن يكون في القياس ، لأنهم صححوا الياء الأولى وهي عين الفعل وأعلوا الثانية وهي لام الفعل ، فقالوا استحيي يستحيي واستحييت كما تقول استحلى يستحلي واستحليت ، وأما اللغة الأخرى وهي استحيت فهي لغة بني تميم ، واختلف فيها النحويون وفي السبب الذي حذفت إحدى الياءين لأجله.

فقال الخليل وهو الذي حكاه سيبويه عنه إن استحيت استفعل وعين الفعل منه معتلة كأنه كان في الأصل قبل دخول السين حاي ، كقولك باع بإعلال العين ثم دخلت السين على حاي فتقول استحاي كما تقول استباع ، ثم اتصلت تاء المتكلم بياء استحاي

٣١٨

فسكنت الياء لاتصال تاء المتكلم هاء فاجتمع ساكنان الألف والياء فسقطت الألف لاجتماع الساكنين.

ومعنى قوله : " جاء على حاي مثل باع وفاعله حاءي مثل بائع مهموز" إن استحيت إنما جاء على حاءي المعتل ولو بنينا منه فاعل لوجب همز موضع العين منه لأنه يقال بائع وقائل ولا يستعمل حاءي الذي جاء على استحيت كما يستعمل يذر ويدع على أن ماضيهما وذر وودع ولا يستعمل وذر ولا ودع والمستعمل حاي غير مهموز ، لأن عين الفعل من حيث صحيحة فإذا صحت الياء في الفعل لم تنقلب همزة في اسم الفاعل والقول الثاني إن استحيت أصله استحييت فاستثقلوا اجتماع ياءين فألقوا الأولى منهما تخفيفا وألقوا حركتها على الحاء وألزموها هذا الحذف تخفيفا في لغة بني تميم كما ألزمت العرب يرى وأرى ونرى وترى تخفيف الهمزة وإلقاء حركتها على الراء والأصل يرأى وممن ذهب إلى هذا القول أيضا أبو عثمان المازني ، قال أبو عثمان المازني : ولا تحذف لالتقاء الساكنين ولو كان حذفها له لردت إذا قلت هو يفعل فقلت يستحي.

يعني أبو عثمان إن استحيت لو كان جاء على اعتلال العين كاستبعت وجب أن تقول في المستقبل يستحي مثل يستبيع.

فقال المحتج عن الخليل : حذفوا الياء لالتقاء الساكنين في الماضي كما فعل باستبعت ولم يردوها في المستقبل لأنهم لو ردوها لقالوا يستحيي فرفعوا ما لا يرتفع مثله وذلك لأن الأفعال المضارعة إذا كان آخرها ياء لم يدخلها الرفع في شيء من الكلام والذي يوجبه قول الخليل في يستحي أن أصله يستحي فاعلوا الياء الأولى كما أعلوا ياء يستبيع ثم اسكنوا الياء الثانية ؛ لأنهم يسكنونها في موضع الرفع فاجتمع ساكنان فحذفوا الأولى منها وأما استحيى على هذه اللغة فكان حكمة أن يقال استحاي ولم يوجد في شيء من الأفعال ياء متحركة وقبلها ساكن فسكنوها فاجتمع ساكنان فحذفوا الأولى منهما وقلبوا هذه الياء ألفا لانفتاح ما قبلها.

قال المازني : ومما يقوي أن حذف الياء في استحيت ليس لالتقاء الساكنين قولهم في الاثنين استحيالات اللام لا ضمة فيها ولكن هذا حذف لكثرة الاستعمال كما قالوا في أشياء كثيرة بالحذف مثل أحست وظلت ومست.

يعني أن عين الفعل وإن كانت معتلة لا تسقط من فعل الاثنين الغائبين كقولنا

٣١٩

استباعا لتحرك لام الفعل فلو استحيت على استبعت لوجب أن يقال استحايا كما يقال استباعا ، فلما قالوا استحيا علمنا أنهم حذفوا تخفيفا من غير علة توجب حذفها كما قالوا احست وظلت ومست والأصل احسست وظللت ومسست فحذفوا أحد الحرفين تخفيفا وقالوا حيوة كأنها من حيوت وإن لم يقل لأنهم قد كرهوا الواو ساكنة وقلبها الياء فيما لا تكون الياء لازمة في تصرف الفعل منه نحو يوجل حتى قالوا يبجل فلما كان هذا لازما رفضوه كما رفضوا أن يكون من يوم يمت كراهية لاجتماع ما يستثقلون ، ولكن مثل لويت كثير لأن الواو تحيى ولم تعتل في يلوي كييجل فيكون هذا مرفوضا ، فشبهت واو ييجل بالواو الساكنة وبعدها ياء فقلبت ياء كما قلبت أولا ، وكانت الكسرة في الواو والياء بعدها أخف من الضمة في الياء والواو بعدها ، لأن الياء والكسرة نحو الفتحة والألف وهذا إذا صرت إلى يفعل.

أما قوله : " قالوا حيوة كأنها من حيوت" وإن لم يقل فإنه يعني أن حيوة شاذ لأن حكم الياء إذا كانت ساكنة وبعدها واوان تقلب الواو ياء وتدغم فكان يلزم أن يقال حية كما يقال في تصغير قشوة قشية ولكن حيوة أي كأنها من حيوت أن كأنها من فعل تكون عينة ولامه واوا ولا يوجد ذلك في شيء من الأفعال.

وقوله : " لأنهم قد كرهوا الواو ساكنة وقبلها الياء فيما لا تكون الياء لازمة في تصرف الفعل" يعني أنهم قد استثقلوا الواو في يوجل لكون الياء قبلها ، فقالوا ييجل وإن لم تكن الياء التي قبلها لازمة لأنك تقول أوجل توجل وتوجل فإذا كانوا قد استثقلوا يوجل فهم لحيوت أشد استثقالا.

وقوله : " فلما كان هذا لازما رفضوه" يعني لما كان هذا الاستثقال يلزم الياء في حيوت رفضوا استعمال الفعل منه كما رفضوا أن يبنوا من يوم فعلا وقد ذكرنا السبب في امتناعهم من بناء فعل ثلاثي من يوم ونحوه فيما مضى.

ومعنى قوله : " ولكن مثل لويت لأن الواو تحيا ولم تعتل في يلوي كييجل فيكون هذا مرفوضا" يعني أن الواو إذا كانت متحركة وبعدها ياء لا تستثقل كما استثقلت الواو إذا كان قبلها ياء وذلك إن قولنا يلوي ويحوي أخف من يوجل ويحيو ، وذلك لأن الياء أخف من الواو والكسرة أخف من الضمة فإذا بدأت بواو ثم جئت بعدها بكسرة أو ياء كان أخف من أن تبدأ بياء ، ثم تأتي بعدها بضمة أو واو لأنك في يحوي ويلوي تنقل

٣٢٠