شرح كتاب سيبويه - ج ٥

أبي سعيد السّيرافي الحسن بن عبدالله بن المرزبان

شرح كتاب سيبويه - ج ٥

المؤلف:

أبي سعيد السّيرافي الحسن بن عبدالله بن المرزبان


المحقق: أحمد حسن مهدلي و علي سيّد علي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-5251-0

الصفحات: ٤٨٨

وكان الأصمعي يقول : القبيلة سدوس بالضم ، والطيلسان سدوس بالفتح ، وقال ابن حبيب : كل ما في العرب سدوس بالفتح إلا سدوس بن أصمع بن نبهان.

"والعطود" السفر البعيد ، "والكروس" العظيم الرأس ، وهو من صفات الأسد ، "والعثوثل" المسترخي كالعثول ، "والقطوطى" : البطيء "والغدودن" : الشاب الناعم "زحبونن" اسم واد ، العرقوة الخشبة التي على الدلو ، "والقرنوة" نبت يدبغ ، "والعنفوة" : القطعة من يبيس الحليّ ، وهو يابس النص يجمع في الصيف وقد اختلف النسخ في الخنذوة فأما كتاب القاضي فالخنذوة وهي شعبة من الجبل لأن الخنذيذة الشمراخ المشرف من الجبل ، والجمع خناذيذ ، وهي أيضا من الخيل. وأما في كتاب أبي العباس فالخنزوة ، وهي أكبر مثل الخنزوانة ، وقد رأيت في بعض النسخ :

"حنذوة" وجنذوة وكل يفسر على أنه القطعة من الجبل ، وقد ذكره سيبويه بكسر الأول" حنذوة" وقيل بالحاء والجيم والخاء ، وهو بناء منكر لأنه ليس في أبنية كلام العرب شيء فيه كسرة وبعدها ضمة وبينهما حرف ساكن. وقد قال بعض النحويين : أصل البناء بضم الأول ، وإنما كسر استثقالا للضمتين مع الواو وعلى إنها لغة في المضموم وفي بعض النسخ خنذوة بكسر الحرف الذي قبل الواو ، وهذا لا يجوز ، لأن سيبويه ذكر بعد هذا إنه ليس في الكلام ، واو طرف قبلها كسرة ، وإن كان بعد الواو ما يقع الإعراب عليه ، يعني حرف التأنيث" والعجّول" ولد البقرة ، " والقلّوب" الذئب قال الشاعر :

فيا جحمتا بكى أم مالك

أكيلة قلوب بإحدى المذانب

" والجحمة" : العين ، " والخنّوص" : جرو الخنزير ، " والسروط" : الأكول" والضروط" : الضّراط." والتّنوم" : نبت ، ويقال : الشهدانج ، " والطخرور" : السحاب ، قال الشاعر :

إنّا إذا قلت طخارير القزع

نفحلها البيض القليلات الطبع

وأما الطحرور بالحاء فإنه يقال : ما عليه طحرور إذا لم يكن عليه شيء من الثياب ، " والهذلول" : واحد الهذاليل ، وهي الرمال المنقادة المشرفة ، " والشؤبوب" : الدفعة من المطر ، " والبهلول" : السيد الجامع لكل خير ، " والحلكوك والحلبوب" : الأسود ، " والبلصوص" : طائر ، " والجمع البلنصى" ، " والبعكوك" : الرّهج والغبار" والحلكوك" : الأسود.

ذكر سيبويه في هذا الباب أن أفعل لم يجىء الا في الجمع نحو : كلب أو أكلب ، وأنه لا يكون في الأسماء والصفات غير الجمع ، وقال غيره : قد جاء آنك ، وهو أفعل

١٦١

وكذلك آجر ، والذيقالة القائل لا يفسد قول سيبويه ، لأن آنك أعجمي ، وكذلك آجر فهو بمنزلة سوسن وإبريسم وما أشبه ذلك من الأبنية الأعجمية التي لم يأت نظيرها في الكلام ؛ كلام العرب. وفي آجر لغات : آجر وآجور وآجر.

قال سيبويه : " وقد جاء الأزمول إفعول في الاسم والصفة ، والاسم إدرون والصفة إزمول" ثم أنشد لابن مقبل :

" عودا أحم القرا إزمولة وقلا

يأتي تراث أبيه يتبع القذفا"

فقال : " إنما لحقت الهاء كما تقول نسابة للنساب وليست الهاء من البناء في شيء إنما تلحق بعد البناء".

يعني أن الهاء في أزمولة إنما لحقت بعد أن صح البناء على أزمول ، لأن هاء التأنيث بمنزلة شيء ضم إلى شيء وقد مر هذا فيما مضى. ويروى : القذفا والقذفا ، ورواه أبو عبيد : أزمولة ، وسيبويه : يروي إزمولة ، ورواه أبو عبيد أزمولة في باب أفعولة في غريب المصنف.

قال : " وقد تكون على فعالى مبدلة الياء فيهما فالاسم صحارى وحبالى وزرافى وقد تكون غير مبدلة الياء فيهما نحو صحار وذفار وفياف".

يعني أن الأصل في هذا البناء الياء ، صحاري وذفاري ، فإذا قلنا صحارى وذفارى بالألف فإنما أبدلنا الألف من الياء ، وإنما صار الأصل الياء من قبل أن ألف الجمع إذا دخلت ثالثة في نحو هذا البناء كسر ما بعدها ، كقولك : مسجد ومساجد وقنديل وقناديل فإذا جمعنا ذفرى أدخلنا ألف الجمع ثالثة بعد الفاء كما نفعل ذلك في درهم ثم كسرنا الراء لوقوعها بعد ألف الجمع ، فإذا كسرنا الراء انقلبت الألف التي في ذفرى ياء لوقوعها بعد كسرة الراء في الجمع ، وكذلك الكلام في ذفرى مقصور. وأما صحار ففيه ثلاثة أوجه : يقال صحاريّ بالتشديد وصحاري بكسر الراء والياء بلا تشديد وصحارى بفتح الراء والألف. فأما من قال صحارى وهو الأصل فإنه جمع صحراء فأدخل ألف الجمع ثالثة بعد الحاء ثم كسر الراء التي بعد الحاء فانقلبت الألف التي بعد الراء ياء ثم قلبت الهمزة ياء وأدغمت الياء فيها. وأما من خفف فإنه يحذف الياء الساكنة التي انقلبت من الألف فتصير بعد الراء ياء ساكنة ، وهي تسقط في حال الرفع والجر ويكون التنوين عوضا منها كقولك : هذه صحار ومررت بصحار ، وتثبت في النصب كقولك : رأيت صحاري طيبة. ونظير حذف هذه حذفهم إياها في كرابس وقراقر ، والأصل كرابيس وقراقير ، لأنه جمع

١٦٢

كرباس وقرقور ، فإذا أدخلت ألف الجمع بعد الراء في كرباس انكسرت الياء فتنقلب الألف ياء ثم تأتي بالسين ، وكذلك إن أدخلت الألف بعد الراء في قرقور وانكسرت القاف فانقلبت الواو ياء ثم تأتي بالراء فإذا قلبتها ألفا فقلت صحارى فإنما قلبت الياء ألفا ، لأن الألف أخف من الياء ، ولأن الألف أيضا لا تسقط بلحاق التنوين بها كسقوط الياء في قولك : صحار وعذار ، وإنما لم تسقط الألف لأنها لا تتحرك ، ولأن التنوين لم يلحقها إذا كان البناء غير منصرف ولحق التنوين الياء من قبل أن البناء قد كان الأصل فيه أن يقال : عذارى وصحارى بحق الأسمية إذ كانت الأسماء كلها في الأصل منصرفة ، ومنع البناء الصرف كما منع قواتل ومساجد ، ثم استثقلت الضمة على الياء فسكنت في حال الضم ، فاجتمع في هذا البناء شيئان : أحدهما منع التنوين الذي هو له في الأصل ، والآخر تسكين الياء ، فأجحف به ذلك فعوضوا منه تنوينا بعد الياء الساكنة فاجتمع له ساكنان : الياء والتنوين ، فسقطت الياء لاجتماع الساكنين. وقال الزجاج في هذا : إن التنوين الذي فيه هو التنوين الذي يدخل الاسم علامة للصرف وليس يعوض من المحذوف ، ولكن الاسم نون على ما يستحقه من التنوين في الأصل ، ثم سكنت الياء استثقالا للضم والكسر عليها ، فاجتمع ساكنان فحذفت الياء ، ويلزم الزجاج عندي أن يضمن نحو مطايا ومدارى بالتنوين الذي هو الأصل لأنه قد بقي التنوين قبل حذف الياء في قوله جوار ثم حذف الياء لالتقاء الساكنين.

قال سيبويه عقيب قوله : " ويكون على فياعل فيهما" :

فالأسماء نحو : جنادب وخنافس وعناظب ، والصفة : عنابس وعناسل ، فجميع ما ذكرت لك من هذا المثال الذي لحقته الألف ثالثة لا يكون إلا للجمع ، فلا تلحقه ثالثة في هذا المثال إلا بثبات زيادة قد كانت في الواحد قبل أن يكسر أو زيادتين كانتا في الاسم قبل أن يكسر إذا كانت إحداهما رابعة حرف لين ، فإن لم تكن إحداهما رابعة حرف لين لم تثبت إلا زيادة واحدة إلا أن يلحق إذا جمع حرف اللين فإنهم قد يلحقون حرف اللين إذا جمعوا ، وإن لم يكن ثابتا رابعا في الواحد.

وقد بينا ما جاء من هذا المثال والهمزة في أوله مزيدة في باب ما الهمزة فيه زائدة وليس شيء عدته أربعة أو خمسة وكسر بعدته يخرج عن مثال مفاعل ومفاعيل فمن ثم جعلنا حبالي الألف فيه مبدله من الياء كبدلها من الياء مدارى. وقد قال بعض العرب : بخاتي ، كما قالوا : مهارى ، فحذفوا كما حذفوا أثاف ثم أبدلوا كما أبدلوا صحارى أما قوله :

١٦٣

فجميع ما ذكرت لك من هذا المثال الذي لحقته الألف ثالثه لا يكون إلا للجميع.

يعني جميع ما ذكره من حد قوله : " ويكون على مفاعل ومفاعيل في الاسم والصفة" ، وكذلك كل ما كان في كلام العرب أوله مفتوح وثالثه ألف وبعد الألف حرفان أو ثلاثة أو حرف مشدد وليس في آخرها هاء التأنيث فإنه جمع لا يكون إلا ذلك. فأما الذي بعد ألفه حرفان فمساجد وقواتل ، وأما الذي ألفه ثلاثة أحرف فقناديل وكرابيس ، والذي بعده حرف مشدد فنحو : دوابّ ومداقّ. وإذا كان في آخره هاء التأنيث جاز أن يكون للواحد كقولك : رجل عباقيه وحمار حزابية وكراهية ورفاهية وما أشبه ذلك. فإن قال قائل : فقد رأينا هذا المثال للواحد وهو قولهم للضبع حضاجر ، قيل له : ليس الأمر على ما ظننته ، وذلك أن حضاجر جمع حضجر ، وهو العظيم البطن ، قال الشاعر :

حضجر كأم التوأمين توكأت

على مرفقيها مستهلة عاشر

وإنما سميت الضبع حضاجر بجمع حضجر كأنها جماعة ضم بعضها إلى بعض.

قوله : " فلا تلحقه ثالثة في هذا المثال إلا بثبات زيادة فقد كانت في الواحد أو زيادتين".

يعني أن الجموع التي ذكرها من الفصل الذي ذكرناه إلى حيث انتهى فيها سوى ألف الجمع إما زيادة وإما زيادتين ، وذلك أن الباب من أوله إلى آخره يشتمل على ما كان أصله ثلاثة أحرف ويزاد فيه حرف أو حرفان ، فإذا جمع فالجمع ما فيه زيادة حرف أو حرفين. فأما ما فيه زيادة حرف سوى ألف الجمع فعناسل ويرامع وجداول ، لأن النون في عنسل والياء في يرمع والواو في جدول زوائد ، وليس في هذه الأسماء من الزوائد غير واحدة. وأما ما فيه زيادة حرفين سوى ألف الجمع فنحو عفاريت وقراويح وذلك أنهما جمع عفريت وقرواح ، والياء والتاء في عفريت زائدتان وكذلك الواو والألف في قرواح زائدتان.

وقوله : زائدتين كانتا في الاسم قبل أن يكسر إذا كانت إحداهما رابعة حرف لين ، فإن لم تكن إحداهما رابعة حرف لين لم تثبت إلا زيادة واحدة".

يعني أنه متى كان في الثلاثي زائدتان ثم جمعناه حذف أحد الزائدتين ، لأن الاسم لا يجمع إذا كان على خمسة أحرف إلا أن يكون الرابع خوفا من حروف المد واللين وهي الألف والواو والياء ، فجمعنا عفريتا وبهلولا وجلبابا ، فالياء والتاء في عفريت زائدتان ،

١٦٤

والياء رابعة وإحدى اللامين في بهلول مع الواو زائدتان ، وكذلك إحدى الياءين مع الألف في جلباب زائدتان ، والألف والواو رابعتان فثبت ذلك كله في الجمع لأنها رابعة. فإذا كان في الاسم زائدتان وليس أحدهما من حروف المد واللين رابعا سقط أحد الزائدين في الجمع كقولك في حبنطي ودلنظى وعفنجج وقلنسوة ، النون في هذه الأسماء والحرف الأخير زائدتان ، فإذا جمعنا ، أسقطنا أحد الحرفين ، ولنا أن نسقط أيهما شيءنا. فإن أسقطنا النون قلنا دلاظى وحباطى ، وإن أسقطنا الأخير قلنا حبائط ودلانظ ونحو ذلك مغتسل ، الميم والتاء فيه زائدتان لأنه من الغسل. وإذا جمعناه قلنا مغاسل لا غير.

وفي الرباعي الذي لا زائد فيه هذا الجمع كقولنا : سلهب وسلاهب ، وجعفر وجعافر ، ويجمع الخماسى فيحذف منه حرف كقولنا : فرزدق وفرازد ، وسفرجل وسفارج ، وهمرجل وهمارج. وقوله : " لم تثبت إلا زيادة واحدة إلا أن تلحق إذا جمع حرف اللين فإنهم قد يلحقون حرف اللين إذا جمعوا وإن لم يكن ثابتا رابعا في الواحد".

يعني أنهم قد يجمعون الاسم الذي على أربعة أحرف وليس رابعه حرف مد فيزيدون في جمعه ما لم يكن في الواحد كقولهم : درهم ودراهم ، وصيرف وصيارف ، وذلك لأحد وجهين : إما أن يكون لإشباع كسرة الحرف الذي وقع بعد الألف ، كقولهم : دراهيم وصياريف.

قال سيبويه : " مدوه" ، يعني زادوا هذه الياء بعد الكسرة بعد الياء فمدوا ، ولم يكن في الواحد ، وكأنهم جمعوا في التقدير درهام وإن لم يكن مستعملا. والوجه الثاني أن تزاد هذه الياء عوضا من محذوف ، وذلك في فرزدق ونحوه إذا جمعناه فحذفنا منه حرفا جاز أن نعوض من ذلك الحرف ياء فنقول إذا لم نعوض في سفرجل وفرزدق : فرازد وسفارج ، فإذا عوضنا : فرازيد وسفاريج ، وقوله : " وليس شيء عدته أربعة أو خمسة يكسر بعدته يخرج عن مثال مفاعل ومفاعيل".

ويعني ليس اسم على أربعة أحرف أو خمسة أحرف قد جمع على تمام حروفه إلا وهو على هذين المثالين مفاعل ومفاعيل. فالأربعة على مثال مفاعل نحو : مسجد ومساجد ، وقردد وقرادد ، وقلوص وقلائص ، والخمسة نحو : قنديل وقناديل ، ومنديل ومناديل ، وقنطار وقناطير ، وبهلول وبهاليل ، وقد يكون الاسم على أربعة أحرف ولا يجمع على تمام حروفه فلا يكون على مثال مفاعل ومفاعيل كقولنا : قلوص وقلص ، وكتاب

١٦٥

وكتب ، وبلصوص وبلنص.

" فمن ثم جعلنا حبالى الألف فيه مبدلة من الياء كبدلها من ياء مدارى".

يعني أن حبلى لما جمعت على تمام حروفه وجب أن يقال : حبالى لما ذكرنا أن ما بعد ألف الجمع مكسور ولما ذكره سيبويه أن ما جمع على تمامه مما هو على أربعة أحرف أو خمسة يكون على مثال مفاعل أو مفاعيل ، والحرف الذي بعد الألف مكسور ، فإذا رأينا حبالى اللام مفتوحة وهي جمع حبلى علمنا أن الأصل فيه حبالى حتى يكون على مثال مفاعل. فإن قيل : فهذه الجموع التي ذكرها سيبويه ما كان على أربعة أحرف أو خمسة أحرف منها ما هو على مفاعل ومفاعيل نحو : مساجد ومفاتيح ومنها على غير مفاعل ومفاعيل لأن فيها فعاعل نحو : سلالم ودرارح وفيها فعاليل نحو : كلاليب وغير ذلك من الأبنية ، فلم جعلها كلها على مثال مفاعل ومفاعيل؟

قيل له : إنما جعلها سيبويه على مثال مفاعل ومفاعيل في أن بعد ألف جمعه حرفان ، وإن كان ثلاثة أحرف فهو على مثال مفاعيل ، ولم يقل سيبويه هذه الجموع على مفاعل ومفاعيل ، ولو قال على مفاعل ومفاعيل كان قد وزنهما بهذين المثالين ، وكان الظاهر يوهم ما توهمته ، ولكنه قال : على مثال مفاعل ومفاعيل ، فتبين الفصل بينهما.

" وقد قال بعض العرب بخاتى كما قالوا مهارى ، حذفوا كما حذفوا أثافى ، ثم أبدلوا كما أبدلوا صحارى. يعني أنهم قالوا : بخاتى والأصل بخاتّي بالتشديد لأنها جمع بختي ، فإذا أدخلنا على بختى ألف الجمع ثالثة بعد الخاء كسرنا التاء وبقيت الياء على التشديد ولم يحذف شيئا ، لأن في الواحد حرفا من حروف اللين قد وقع رابعا وهي الياء الأولى من الياءين ، وصارت الياء الأولى بمنزلة الياء في مفاعيل ، وقد بينا أن مثل هذه الياء قد تحذف ، مثل قولهم : قراقر وكرابس في قراقير وكرابيس ، وقد ذكرنا ذلك في صحار ، فلما خففوا هذه الياء وحذفوها صارت بخاتى ، وقلبوا الياء ألفا لما ذكرناه ، وكذلك مهارى كان أصله مهاريّ لأنه جمع مهرية أو مهري ، وهو ما كان من الإبل منسوبا إلى مهرة بن حيدان ، وهم قبيلة من اليمن من قضاعة بناحية الشجر ، والعمل في مهارى كالعمل في بخاتي. وأما أثافى فالأصل فيه أيضا أثافيّ لأنه جمع أثفيّة ، ثم حذفوا الياء الأولى لما ذكرناه فصار أثافه ولا يكادون يقلبونها ألفا فيقولون أثافى كما فعلوا ذلك بمهارى ، وإنما شبه سيبويه مهارى باثافى بالتخفيف في القلب ، قلب الياء ألفا. فإذا ورد مثل الجمع الذي مضى بضم أوله فإنما صير واحدا يدل على جمع ، كقولهم سكارى وكسالى ، جعل

١٦٦

سكارى وبابه بمنزلة حبارى وسمانى والألف للتأنيث ، وإذا فتحت أوله فقلت سكارى وكسالى فليست الألف للتأنيث ، بل هي بدل من الياء ، وفي سكارى وببابها قولان : أحدهما أن هذا الجمع بمنزلة اسم مبنى الواحد ، ودل به على جمع كقولهم : بقر وجامل ونفر ورهط ، هذه أسماء أحاد وهي دالة على جموع ، والوجه الثاني أن سكارى وكسالى ليست بجمع سكران وكسلان على توفية حروفه ، ولكنها جمع على حذف الزوائد منه ، ألا ترى أنك تقول : قلوص وقلاص ، فقلاص ليست بجمع قلوص على توفية حروفه ، لأن الواو التي كانت في قلوص لم نأت بها في قلاص ، بل حذفنا الواو ثم جمعنا الباقي على قلاص كما يجمع كلب على كلاب ، وكعب على كعاب ، ولو قلنا قلائص كنا قد وفينا الحروف ، لأنا جئنا بألف الجمع فأدخلناها ثالثة فوقعت بعد اللام وجعلنا الواو في قلوص همزة ، وكذلك كسالى وسكارى كأنا جمعنا سكر وكسل على سكارى وكسالى ، ويقوى ذلك أن نجمع زمنا وضمنا على زمنى وضمنى فنجمعهما على غير زيادة ، ونأتي في الجمع بألف تأنيث ، فكذلك كسالى زدنا ألفا في الجمع كما نزيدها في كلاب ، وألفا للتأنيث كما نزيدها في زمنى وضمنى وهذا أقوى القولين وأشبههما بمذهب سيبويه ، لأن سيبويه ذكر أن فعالى لا يكون وصفا إلا أن يكسر عليه الواحد للجمع نحو مجالى وسكارى. فقوله : " إلا أن يكسر عليه الواحد للجمع" ، دليل على أن الألف الأولى وألف التأنيث زيدا للجمع على سبيل التكسير ، كما زيدت ألف كلاب وألف زمنى وضمنى.

قال سيبويه : " وليس في الكلام مفعال ولا فعلال ولا تفعال إلا مصدا" فأما مفعال فلا يعرف في الكلام البتة ، وأما فعلال فقد جاء في الرباعي كثيرا نحو قولك : صلصال وخلخال وناقة خزعال وإنما أراد سيبويه فعلال الذي إحدى اللامين فيه زائدة لأنه في باب الثلاثي وهذا كما قاله. وأما تفعال فإن المصادر تجيء بفتح التاء كقولك : ترداد وتكرار وتثقال ، وهذه الألف بمنزلة الياء في تكرير وتقتيل وترديد ، والياء مفتوحة فيهما ، ولم يجئ في المصادر بالكسر إلا حرف واحد وهو تبيان مصدر بيّن. وقال بعض أهل العلم : لم يجئ تبيان على أنه مصدر وإنما هو اسم وافق معناه معنى المصدر فاستعمل في موضعه كما استعمل كثير من الأسماء مواضع المصادر ، ألا ترى أنك تقول : أطعمت زيدا طعاما والطعام هو المأكول فجعل طعام في موضع إطعام.

وليس في الكلام تفعال إلا مصدرا ، كما ليس أفعال إلا جمعا. وأما الأسماء فيجيء ، فيها تفعال نحو : تجفاف وتمثال وتعشار موضع وتمساح هو الكذاب ، ومرّ من الليل تهواء ، ونظائره كثيرة لهذه الأسماء بكسر التاء.

١٦٧

وقال : " وجاء في الكلام على فعلاء نحو قوباء" فإن قيل : لم جعل الواو في قوباء أصلية فجعلها عين الفعل وهو قد قال : طومار وسولاف إنهما على فوعال فجعل الواو زائدة ، قيل له : أما طومار فإنه جعل الواو زائدة ، لأن من حكم الياء والواو والألف إذا وجدناهن في شيء من الكلام ووجدنا سواهن ثلاثة أحرف قضينا عليهن بالزيادة لكثرة ما وجدناهن زوائد إلا أن يدل دليل على أنها أصول ، وطومار قد وجدنا سواهن ثلاثة أحرف ، وهي الطاء والميم والراء فقضينا على الواو والألف بالزيادة. وأما قوباء فهي معنى قباء ، وقوباء فعلا فثبت أن الواو أصلية ، وأيضا فإنه مشتق من القوب ، والواو أصلية وذكر فيعال فقال" شيطان" ، فجعل النون أصلية وجعله مشتقا من شطن ومعناه البعد ، فكأن الشيطان هو المبعد في الشر ، وقد قال الشاعر :

أيما شاطن عصاه عكاه

ثم يلقى في السجن والأغلال

وقد قال بعض أهل اللغة الشيطان فعلان والنون زائدة والياء أصلية ، وهو مشتق من شاط يشيط ، وشاط معناه هلك ، فكأنه الهالك خبثا وتمردا.

قال : " وتلحق خامسة" ، يعني الألف مع زيادة غيرها لغير التأنيث ، ولا يلحق خامسة في بنات الثلاثة إلا مع غيرها من الزوائد ، لأن بنات الثلاثة لا تصير به عدة الحروف أربعة إلا بزيادة ، لأنك تريد أن تجاوز الأصل ؛ يعني أنها تلحق مع زيادة أخرى ذوات الثلاثة لغير التأنيث ، وإنما تتبين الألف التي هي للتأنيث من التي لغير التأنيث بالتنوين ، لأن ألف التأنيث لا يدخلها تنوين كقولك : هذه حبلى وحبارى وزمكى وما أشبه ذلك. والألف التي لغير التأنيث يدخلها التنوين كقولك : حنبطى وملهى وما أشبه ذلك.

وإنما دخلها التنوين لأن الأصل فيها إما ياء وإما واو ، وقعت طرفا وانفتح ما قبلها ، وذلك قولك : حبنطى وقرنبى ، والأصل فيه حبنطي ، فانقلبت الياء ألفا وبقي التنوين الذي كان فيه.

وقوله : " ولا تلحق في بنات الثلاثة إلا مع غيرها من الزوائد".

فلقائل أن يقول : إن هذا كلام لا فائدة فيه ، لأنا قد علمنا أنه لا يدخل حرف على ذوات الثلاثة فيصر خامسا منها إلا ومع ذلك الحرف الخامس حرف آخر ، وإلا ما كان يصير خامسا. فالذي عندي أنه أراد بذلك أن الألف إذا كانت خامسة لغير التأنيث في ذوات الثلاثة فمنعها غيرها من الزوائد التي لم تدغم في حرف من الاسم كما قد يكون

١٦٨

ذلك فيما ألفه للتأنيث سمهّى وزمكّى وعبدّى ، فهذه الألفات للتأنيث ، ولا يكون في نحو هذه الأسماء الألف لغير التأنيث.

قال : " وقد بينا ما لحقت للتأنيث خامسة فيما لحقته الألف رابعة ببنائه مما جاء فيها وفي ما الهمزة أوله فريدة وفيما لحقته الألف ثالثة".

يعني قد ذكر ألفات التأنيث خامسة في الأسماء التي عقبها بهذا الكلام. وقد كان ذكر ألف التأنيث خامسة في فعلاء ونحوها كحمراء وعزلاء ، فألف التأنيث قد وقعت في حمراء خامسة وقبلها ألف زائدة رابعة ، فقلبت ألف التأنيث همزة.

وقوله : " وفيما الهمزة أوله مزيدة".

يعني وقد بينا أيضا ألف التأنيث خامسة فيما الهمزة أوله فريدة نحو : أجفلى وأيجلى. وقوله : " وفيما لحقته الألف ثالثة" ، يعني في جمادى وسكارى ، لأن ثالثها ألف زائدة وخامسها ألف التأنيث.

قال : " ويكون الاسم فيعلان نحو : الضميران والأيهقان". وهما نبتان ، فقال قائل : إن زعمتم أن الأيهقان فيعلان فهلا جعلتموه أفعلان ، لأن من حكم الهمزة إذا كانت أولا وبعدها ثلاثة أحرف أن نقضي عليها بالزيادة ، قيل له : من حكم الهمزة إذا كانت أولا أن نقضي عليها بالزيادة وإذا كانت على ما وصفت ، ومن حكم الياء إذا وقعت في كلمة وفيها ثلاثة أحرف سواها أن نقضي عليها بالزيادة ، فقد اجتمع الأمران في هذه الكلمة ، ولا بد من جعل إحداهما زائدة إذ لا سبيل إلى جعلهما زائدتين لأنهما لو جعلناهما زائدتين والألف والنون أيضا زائدتان بقيت الهاء والقاف أصليتين فقط ، ولا يكون الاسم على حرفين. فلما صح أن الهمزة والياء إحداهما زائدة نظرنا أيهما أولى بالزيادة في هذا الموضع واعتبرنا ذلك بالنظائر فرأينا الياء أولى بالزيادة ، لأنا إذا جعلناها زائدة صارت الكلمة على فيعلان نحو : ضيمران وخيزران. وإذا جعلنا الهمزة زائدة صارت على أفعلان ، وليس في الكلام أفعلان. وقال بعد ذكر الألفات خامسة وبعدهن حرف من الكلمة : " وقد بينا ما لحقته خامسة لغير التأنيث فيما مضى".

يعني الألف نحو سرطراط ، والألف التي قبل الهمزة في دبوقاء وبروكاء. وقال بعد فصل ذكر فيه الألف أنها تلحق سادسة للتأنيث ولغير التأنيث ، فأما التي للتأنيث فقد بينها ونص عليها كالألف التي هجيرى وقتيتى ، وأما التي لغير التأنيث فهي الألف التي قبل الهمزة في معبوراء ومعلوجاء ، ومثلها ألف في أشهيباب ونحوه.

١٦٩

ثم قال : " وليس في الكلام بفعال ولا بفعول. فأما قول العرب : في اليسعروع يسروع فإنما ضموا الياء لضمة الراء ، كما قالوا استضعف" اقتل" لضمة التاء".

يعني أنهم شبهوا اتباع الياء للراء في الضم باتباع الهمزة للتاء في استضعف ، أقتل ، وكان الأصل في ألف استضعف ، اقتل الكسر لأنها ألف وصل أتي بها للتوصل إلى الساكن الذي بعدها فصار بمنزلة ما يكسر من الحروف لاجتماع الساكنين نحو : قامت المرأة ، ولم يقم القسم ، وكرهوا أن يخرجوا من كسره إلى ضمة ليس بينهما إلا حرف ساكن ليس بحاجز حصين ، وليس في كلامهم شيء مبناه على كسرة بعدها ضمة نحو : فعل ، فأتبعوا الكسر الضم ليدل على ما لم يسم فاعله إذا كان الضم دليلا على ما لم يسم فاعله ، ثم اتبعوا الفتح الضم أيضا في يسروع ويعفر تشبيها باستضعف واقتل.

قال : " ويكون الاسم على فعلوه نحو : حنذوة ، والهاء لا تفارق هذه الواو كما لا تفارق الهاء ياء حذرية وأخواتها".

يعني أنه قد جاء فعلوه وأنها لا تفارق هذا البناء كما لم تفارق حذرية ، وقد عرفتك أن من الناس من يقول حنذوه بكسر الأول وضم الحرف الذي قبل الواو. ومنهم من يكسر الحرفين جميعا ، وبنيت لك خطأ قول من قال إن الحرف الذي قبل الواو مكسور بالهاء فعلوه ، كما جاء فعليه نحو : حذريه وعفريه. وفي هذا الباب أشياء كثيرة قد جعلها سيبويه زوائد ، وقد يمكن أن يعتقد أنها أصلية على ما يوجبه ظاهر العربية والتصريف ، وأنا أذكرها حرفا حرفا وأبين زيادة الزائد منها بالاشتقاقات والدلائل التي لا يقع لمتأمليها ريب فيها إن شاء الله تعالى

هذا باب الزيادة من موضع غير حروف الزوائد

اعلم أن الزيادة في الثلاثي قد تقع في موضع عين الفعل ، وإن لم يكن ذلك الحرف من حروف الزيادة ؛ كقولنا قوم سرّق إحدى الراءين في سرق قد زيدت على الراء التي في الأصل ؛ لأن الأصل راء واحدة إذا كانت من السرقة والراء عين الفعل وليست من حروف الزيادة.

زادت العرب في الثلاثي من موضع عين الفعل في أربعة أمثلة وهي فعّل وفعل وفعل ؛ فإما فعّل فذكره سيبويه اسما وصفة ، فالاسم حمّر وهو جمع حمّرة وهي طائر ، والعلف ثمر الطلح واحدته علافة والصفة فيما ذكره سيبويه الزمج ، والمعروف أن الزمج اسم ؛ لأنه الطائر الجارح المعروف.

١٧٠

وكذلك أبو عمر الجرمي الزمج وفسرها هذا التفسير ، غير أنه لم يذكر هل هو اسم أو صفة والزمج والزماج الخفيف الرجلين فيما ذكره ، وفيما فسره ثعلب من الأبنية عن سيبويه الزمح بالحاء اللئيم ، وهذا صفة وهو أشبه بما قاله سيبويه.

قال أبو بكر بن دريد الزمج الضعيف والزمل وهو الضعيف والجبّأ وهو الجبان قال الشاعر :

فما أنا من ريب المنون بجبّأ

ولا أنا من سيب الإله بيائس (١)

وأما فعل فالاسم قنب وهو معروف ، والبنف وهو يابس الغدير ، والقنع مثله وقد قال بعد هذا سيبويه في باب فعل ما تجعله زائدة من حروف الزوائد والأمرة والأمعة صفتان ؛ فظاهر هذا يوهم المناقضة لأنه قال في الباب الأول أنه اسم ، وفي الباب الثاني أنه صفة ، وكلا القولين صحيح ، أما جعله اسما فلأن الأمر والأمرة من ولد الفنان ، وأما جعله إياه صفة فلأنه يقال رجل لآمر إذا كان يأتمر لكل من أمره بشيء قال امرؤ القيس :

ولست بذي رثية أمرا

إذا قيد مستكرها أصحبا (٢)

والصفة ذنب وهو القصير ، ويقال دنم في هذا المعنى ودنبة ودنمة والأمّعة الذي لا رأي له ، ويتبع كل إنسان على رأيه وهواه ؛ فإن قال قائل لم جعلتم أمعة فعّلة وجعلتم الهمزة أصلية وهلا جعلتموها زائدة ، وقلتم إنها أفعلة ؛ قيل له ليس في النعوت أفعلة وأمعة نعت ؛ فإن قال ففي الأسماء أفعلة نحو أونرة فهلا جعلتم أمرة أفعله ؛ قيل له لو جعلناه أفعله كنا قد جعلنا فاء الفعل وعينه ميمين ، وليس في الأسماء ما عينه وفاؤه من جنس واحد إلا أحرفا يسيرة نحو أول وكوكب ؛ فعدلنا به إلى الباب الأكثر وهو فعل نحو قنب وفلق والهيج وهو الفحل الهائج مأخوذ من الهبيح والجاز من حب الحبوب يكون بالشام ، ورجل جاز وامرأة جازة إذا كانا بخيلين ، وقال أبو حاتم الجاز القصير ، وقال ثعلب في تفسير الأبنية جاز ، وهو شجر قصار والمعروف على هذه الحروف الجلوز وهو البيذق والبيذق فارسي ، وإما فعل فهو تبع معناه الظل يقال تبع وتبع قال الشاعر :

__________________

(١) انظر المخصص ٥ / ١١ ، تاج العروس ٣ / ٨٣.

(٢) انظر أساس البلاغة ١ / ٣٤٨ ، انظر تهذيب اللغة ١٥ / ٢٠٩.

١٧١

يرد المياه حضيره ونفيضه

ورد القطاة إذا أسمال التبع (١)

وأما ما زيد على لامه من الثلاثي حرف من جنس اللام فهو على ضربين منه ؛ فتدغم وهو ما سكن الأول من حرفيه في نفس البنية ، ومنه غير مدغم وهو ما تحرك الأول من حرفيه ، فإما الذي ليس بمدغم فهو أربعة أمثلة فعلل وفعلل وفعلل وفعلل ملحقات بالأصول بجعفر وبرثن وزبرج وفعلل وفعلل وفعلل على قول الأخفش ومن تبعه ملحق بجحذب ونحوه ، وعلى قول غيره ليس في الأصول فعلل فلم تجعل فعلل بزيادة إحدى لاميه ملحقا فإما فعلل نحو قردد ومهدد و" قردد" الأرض المستوية ومهدد اسم امرأة فإن قال قائل لم لا تجعلون مهدد مفعل والميم زائدة إذا كانت الميم تقع زائدة في أول الاسم كثيرا ، قيل له لو كان مهدد مفعل لكان مهد مثل مرد ومفر ؛ لأن مفعل إذا كان عينه ولامه من جنس واحد أدغمت العين في اللام كقولنا مكر ومجر ، وإنما أظهروا في قردد ومهدد الدالين ، ولم يدغموا لأنهم ألحقوهما بجعفر ؛ فجاءوا بهما على لفظ جعفر ولم يدغموا الدال للفظ لأنه كان تسكن الدال الأولى التي هي بإزاء الفعل من جعفر وهي متحركة فتخالف لفظ الملحق به ، وإما فعلل فهو سردد اسم موضع ملحق ببرثن ، وإحدى داليه زائدة وشربب وهو اسم شجر واسم موضع أيضا ، ودعبب وله معنيان الدعبب عنب الثعب والدعبب الدعابة ، وفي الصفة قعدد وهو أقرب القبيلة نسبا إلى جده ، والقعدد أيضا الضعيف الذي يقعد عن المكارم قال الشاعر :

هرنبي يحك قفا مقرف

لئيم ما تره قعدد

والدخلل المداخل للرجل المستبطن لأمره ، وإما فعلل فهو قولهم رمدد وملحق بزبرج قالوا رماد رمدد إذا كان أتى عليه الدهر وحال عن حاله ، وإما فعلل فهو عندد يقال" ما لي عنك عندد" أي بد في معناه ، وليس من لفظه" ما لي عنك معلندد" أي بد فإن قال قائل فهلا جعلتم النون فيه زائدة وجعلتموه فنعل مثل جندب ، قيل له جندب ليس فيه من الزوائد غير النون ، وعندد أعيد آخره وكرر ، ومن حكم المكرر أن يكون زائدا إلا أن يقوم الدليل على أنه أصل ، وذلك لما سنبينه إن شاء الله ، وعنبب والصفة فيه قعدد ودخلل وفيهما لغتان قعدد وقعدد ودخلل. ودخلل وإما المدغم من هذا فعلى سبعة أمثلة فعّل وفعّل وفعّل وفعّل وفعّل وفعّل أما فعّل نشرته وهي اسم بلد قال الشاعر :

__________________

(١) انظر إصلاح المنطق ١ / ٣٥٥ ، الأصمعيات ١ / ١٠٣ ، جمهرة اللغة ٢ / ١٠٨٩.

١٧٢

وإلا فإنا بالشربة واللّوى

معترامات الرباع ونبسر

ومعده وهو موضع رجل الفارس من الدابة إذا ركب قال الشاعر :

فا ما زال سرج من معد

وأجدر بالحوادث إن نكرنا

فإن قال قائل فما تنكرون أن يكون معد مفعل ؛ قيل له علمنا أن الميم فيه زائدة بالاشتقاق ، وذلك بقولهم تمعدد الرجل تشبه بمعد في خشونة العيش والتضمر والشدة قال الشاعر :

ربّيته حتى إذا تمعددا

وصار نهدا كالحصان أجردا (١)

كان جزائي بالعصا أن أجلدا

والهبي الصبي الصغير فإن قال قائل ما أنكرتم أن يكون تمعدد تمفعل ، كما قالوا تمدرع إذا لبس المدرعة ، وتمسكن إذا تعاطي المسكنة ، وأصلها من السكون قيل له هذا ، وإن كان قد جاء فليس بالوجه إنما هو شاذ قليل ، والوجه الجيد تدرع وتسكن ، وإذا رجعنا إلى تأمل معناه كان كالدليل على أن الميم أصلية ، وذلك أنا إذا جعلنا الميم أصلية فهي من معد الرجل يمعد إذا عدا قال الشاعر :

رحّال بين حربا فمعدا

لا يحسبان الله إلا رقدا

والمعد هو الموضع الذي تقع عليه رجل الفارس إذا ركض الدابة وبعثه على العدو فهو شبيه بمعنى معد ، وإذا جعلنا الميم زائدة فهو من عد يعد ولا معنى للعد ها هنا والجربة وهي العانة من الحمير فيما ذكره أبو بكر بن دريد قال الراجز :

ليس بنا فقرا إلى التّسكن

جربة لحرالا

والجربة الجماعة من النبات والجربة الجماعة الأشداء إذا اجتمعوا ، وإما فعل فالاسم خدب والصفة خدب وهو الضخم الشديد ، وهجف وهو الجافي الأخرق ، وهتف وهو العظيم وإما فعل فالجبن والفلح وهو الصنف يقال الناس فلجان أي صنفان ، والرجف وهو جمع رجفة وهو الغيم والظلمة ، والصفة تمد وصمل وهما الشديدان والعتل اللفظ الغليظ ، وإما فعل فهو جبر قال الشاعر :

فعودة نفقا جبر

ليس به من أهل عريب

__________________

(١) أساس البلاغة ١ / ٥٩٩ ، تاج العروس ٩ / ١٨٠ ، جمهرة اللغة ٢ / ٦٥٥.

١٧٣

والفلز خبث الفضة والحمر معظم المطر ، والطمر الفرس الوثاب في جريه يقال طمر إذا وثب ، وإنما يراد به سرعته والهبر المنقطع من قولك هبرت اللحم أهبره إذا قطعته ومنه سيف هبا إذا كان قطاعا والحنق السريع يقال إنه لحنق العنق وهو الإسراع ، وإما فعل فحكاها سيبويه بالهاء وهي تئفة يقال جئتك على تئفة ذاك ، وعلى تفئة ذاك ، وعلى إفان ذاك إذا كان بالقرب من وقته ، وإما فعلة فدرجة ومعناها الدرجة والمرقاة ، والجمع درج ، وإما فعل فاستعمل بالهاء منه ثلاثة وهي الحاجة قال ابن مقبل :

يا حراست فلتات العباد عبت

فلست منها على عين ولا أثر

فإن قال قائل أخبرونا عن هذه الأشياء المكررة من عينات الفعل ولاماته التي جعلتموها زوائد ما الدليل على زيادتها ، وهلا جعلتموها أصلية ؛ قيل له الدليل على زيادتها أنا اعتبرنا هاهنا ما له اشتقاق فرأيناه زائدا ؛ فحملنا ما لا اشتقاق له في الزيادة على ما له اشتقاق فأما ما له اشتقاق في الأسماء فإنا رأينا الجمع يجيء كثيرا في فعل كقولك نادر وندر وسارق وسرق وغاز وغزى ، ولو رأينا هذه الحروف المشددة أصلها التخفيف لأنها من ندر وسرق وغزا فعلمنا أن أحد الحرفين قد زيد فيه ونرى الفعل أيضا كذلك لأنا نقول حرّك وسبّح ودبّح وهو من التحريك والتسبيح والتدبيح براء وقاف وباء واحدة ، ورأينا هذا الاشتقاق أيضا فيما كرر لامه في الأسماء والأفعال موجودا ، فإما الأسماء فإنا رأينا فيها قعدد أو اشتقاقه من القعود بدال واحدة لأن الضعيف سمي بذلك لقعوده عن المساعي ، ويقال القعدد في النسب هذا أقعد من هذا بدال واحدة ؛ فعلمنا أن إحدى الدالين زائدة ، وكذلك داخلل إحدى لاميه زائدة ؛ لأنه من الدخول والسؤدة إحدى داليه زائدة ؛ لأنه من ساد يسود وإحدى الدالين من رمدد زائدة ؛ لأن أصله مشتق من الرماد ، وكذلك حيّف لأنه يقال حيف بالتخفيف ، وكذلك إحدى الجيمين في فلجّ لأنه نصف مكيال فوقه ولهذا سمي الفالج فالجا لذهاب نصف الإنسان فيه ، ويقال الناس فلجان أي نصفان صنفان ، وفي الفعل احمرّ واشهبّ بتشديد اللام وأصله من الحمرة والشهبة ؛ فصار الباب كله إذا تكرر العين من الفعل أو اللام أن يجعل زائد إذا تم ثلاثة أحرف أصول سوى الحرف المكرر فإذا كان الحرف المكرر لو جعلناه زائدا لم نثبت للاسم أو الفعل ثلاثة أحرف جعلناه أصليا ضرورة إذا كان أقل الأسماء والأفعال على ثلاثة أحرف ، وذلك قولنا رد وقل وكر وجد لأنا لو جعلنا أحد الحرفين زائدا بقي من الاسم والفعل حرفان والاسم والفعل أقل ما يكون عليه ثلاثة أحرف.

١٧٤

هذا باب الزيادة من موضع العين واللام إذا

ضوعفا

اعلم أن هذا الباب قد كرر في الاسم موضع عينه ، ولامه فيحكم عليهما قياسا بالزيادة لذلك في ثلاثة أمثلة فقط وهي فعلعل وفلعل وفعلعال فأما فعلعل فهو أكثرهما وذلك جبربر وكبربر وجورور ومعناها كلها واحد يقال ما أصبت منه جبربرا ولا تبربرا ولا جورورا ؛ أي ما أصبت منه شيئا ، ولا يستعمل ذلك إلا في النفي لأنه لا يقال أصبت منه جبربرا في معنى أصبت منه شيئا ، والصفة صمحمح وهو الغليظ القصير ، ويقال الصمحمح الأصلع ويقال المحلوق الرأس أنشد أبو عمر :

صمحمح قد لاحه الهواجر

ودمكمك غليظ شديد والبرهرة والبرهرهة الصافية اللون وإما فعلعل فنحو جلعلع وهو الجعل والذرحرج واحد الذراريح وهو دويبة ، وإما فعلعال فنحو جلبلاب وقد ذكر تفسيره وزعم الفراء أن صمحمح ودمكمك فعل مثل سفرجل ، وأنكر أن يكون فعلعل ، واحتج بأن قال لو جاز أن يكون صمحمح على فعلعل لتكرير لفظ العين واللام فيه لجاز أن يكون صرصر ومحسح على فعفع لتكرير لفظ الفاء فيه ، فلما بطل أن يكون صرصر على فعفع بطل أن يكون صمحمح على فعلعل والقول ما قاله سيبويه ، والذي احتج به الفراء غير صحيح ، وذلك إن الحرف لا يحصل زائدا في الاسم ولا في الفعل حتى يوجد فيه ثلاثة أحرف سواه تكون فاء الفعل وعينه ولامه ، فكذلك لم يحسن أن يجعل صرصر فعفع لأنا لو فعلنا ذلك كما قد أسقطنا من الفعل لامه فلم يجز ذلك وإذا جعلنا عين الفعل مكررة استقام ، ولم يفسر لأنا لم نجعل اللام ساقطة ، ألا ترى إنما نجعل إحدى الراءين في احمرّ زائدة ، ولم نجعل إحدى الراءين في كر وصر زائدة ، لأنا لو جعلنا إحداهما زائدة بطل لام الفعل أو عينه ، ومما يبطل قول الفراء قولهم جلعلع لو سلكنا به مذهب سفرجل لم يكن له نظير في كلام العرب ؛ لأنه ليس في كلامهم مثل سفرجل ، ومتى خرج اللفظ من أبنية الفعل الصحيحة كان خروجه من الأبنية أحد الدلائل عن زيادة الحرف فيه كما قد ذكرناه فاعرفه إن شاء الله تعالى ، ومما يدل على صحة قول سيبويه وفساد قول غيره أن الفراء يزعم أن أخلولق وبابه افعوعل مكرر العين ، ولم يجعله أفعولل وأفعلل ، فإن قال قائل ليس في الأفعال أفعلل ؛ قيل له يلزم الفراء أن يجعله أفعلل ولا يجعله أفعوعل ، ولا يكرر العين إذا كان قد أبطل تكرير العين فيما ذكرناه.

١٧٥

هذا باب لحاق الزيادة بنات الثلاثة من الفعل

" فأما ما لا زيادة فيه فقد كتب فعل سنه ، ويفعل منه ، وقيس".

قال أبو سعيد رحمه‌الله تعالى : اعلم أن الفعل على تسعة عشر بناء مختلفة لما سمي فاعله غير ما ألحق ببعض هذه التسعة عشر مما سنبين ؛ فهذه التسعة عشر بعضها بحروف أصلية وبعضها بزوائد ، وإنما أتى على جميع ذلك مستقصى إن شاء الله تعالى ، وهي فعل نحو ضرب ، وفعل نحو كرم ، وفعل نحو علم وعمل ، وفعلل دحرج ، وافعل نحو أكرم ، وفعّل نثر ، وفاعل قاتل ، وافتعل ارتبط ، وانفعل انطلق ، وافعلّ احمر ، وتفعلل تدحرج ، وتفاعل تعالج ، وفعّل تحرك ، وافعال احمار ، واستفعل استغفر ، وافعول أجلوذ ، وافعوعل أغدودن ، وافعلل اقشعرّ افعنعل احرنجم ؛ فهذه التسعة عشر بناء ثلاثة منها ثلاثية الحروف وأربعة منها رباعية وستة خماسية وستة سداسية ؛ فأما الأصول منها فأربعة أبنية منها الثلاثة وواحد رباعي ؛ وهو فعلل نحو دحرج ؛ فأما الثلاثي منها فأصل لأثني عشر بناء محققة زوائد مختلفة ؛ فصار على هذه الأبنية الأثني عشر فمن ذلك أفعل أكرم أصله كرم فلحقه الهمزة وفاعل قاتل أصله قتل فلحقه الألف بعد فاء الفعل ، وفعل نحو حرّك وكسّر شدد عين الفعل منه وأصله عين واحدة من كسر وحرك فهذه ثلاثة أفعال زيد على الثلاثي حرف واحد حتى صار على ما ذكرته ، وفيها ما زيد عليه حرفان وذلك فعلل نحو تكسّر أصله كسّر زيد عليه تاء ، وشدد موضع العين منه وتفاعل نحو تعالج وتقاتل زيد على قتل تاء في أوله وألف بعد فاء الفعل ، وأفعل نحو أحمر زيد عليه ألف الوصل وإحدى الراءين ؛ لأن أصله حمّر وافتعل نحو ارتبط زيد عليه ألف الوصل وتاء بعد فاء الفعل ؛ لأن أصله ربط وانفعل نحو انطلق زيد عليه ألف الوصل ونون قبل فاء الفعل ومنها فعوعل زيد عليها واو وإحدى عيني الفعل ومنها افعول نحو اعلوط وهو أن يركب الفرس عريا مأخوذ من العلط وألف الوصل والواو المشددة وهي واو زائدة ؛ فهذه أربعة أفعال على ستة أحرف وأصلها ثلاثة أحرف وأما الرباعي فهو أصل الثلاثة أبنية منها تفعلل نحو تدحرج زيدت فيه التاء وأصله دحرج ومنها افعنلل نحو اخرنطم ومعناه تكبر وأصله خرطم زيدت فيه ألف الوصل والنون ومنها افعلل وهو اقشعر الألف فيه زائدة وإحدى الراءين والأصل قشعر ، وليس في الأفعال فعل فيه خمسة أحرف أصلية لأن نهاية الاسم خمسة سفرجل ، ونهاية ما يبلغ الفعل بالزيادة ستة أحرف سوى تاء التأنيث نحو احرنجم واخرنطمم فيكون للاسم على الفعل فضيلة في الأصل والزائد ؛ فهذه جملة يتناول بها ما

١٧٦

ذكره سيبويه في الأفعال وزوائدها في هذا الباب وغيره بسهولة عن قرب إن شاء الله تعالى ؛ فأما هذا الباب فذكر فيه سيبويه خمسة أبنية وهي أفعل وفعل وفاعل ونفعل وتفاعل وأسماء الفاعلين والمفعولين المأخوذة من هذه الأفعال ، وأنا أشرح من هذا الباب ما اعتاص من لفظه من مستغلق في عرضه إن شاء الله تعالى.

قال سيبويه في أول الباب" فأما ما لا زيادة فيه فقد كتب منه فعل ويفعل منه ، وقيس" فهو يعني الماضي والمستقبل ؛ فإن كان على فعل وفعل ويفعل ويفعل ، ويستعمل هذا أيضا فيما زاد على ثلاثة أحرف ؛ فيقال فعل من الاستغفار ، ويفعل منه يستغفر ، ولما لم يسم فاعله فعل ويفعل ، وإن كان المثال على غير ذلك ؛ فإن قال قائل كيف جاز أن يعبر بفعل عن حلف وانطلق وما أشبه ذلك مما ليس هو على مثاله قيل له الفعل لفظ ومعنى فإذا أردت العبارة عما معناه في مضيه واستقباله جاز أن يعبر عنه بفعل ويفعل وإن لم يكن على لفظه ألا ترى أن القائل قد يقول لمخاطبه هل استعدت فيقول قد فعلت أو انطلقت يقول قد فعلت وما يريد مثال الفعل ، وإن أردت المثال عبرت عن كل فعل بلفظه فقلت في ظرف فعل ، وفي انطلق انفعل ، وفي يستغفر يستفعل ، وذكر ما يزاد في أوله ألف وهو أفعل ، ثم قال فهذا الذي على أربعة أبدا يجري مستقبله على مثال يفعل في الأفعال كلها مزيدة وغير مزيدة ، وذلك نحو أخرج ويخرج ؛ فإن قال قائل فهذا المثال لا يجيء أبدا إلا بزيادة الألف فما معنى قوله مزيدة وغير مزيدة ؛ قيل له أراد أن كل فعل كان ماضيه على أربعة أحرف ؛ فإن مستقبله مضموم الأول زائدا كان أو أصليا ؛ فالأصل نحو دحرج يدحرج وسرهف يسرهف ، والزائد نحو أكرم يكرم ، وقاتل يقاتل ، والأصل في كل ما كان ماضيه على أربعة أحرف أن يضم أول مستقبله ، وتعاد حروف ماضيه كقولك قاتل يقاتل ودحرج يدحرج ، غير أنك تكسر ما قبل آخره فيما سمي فاعله ، وتفتحه فيما لم يسم فاعله ؛ فإن قال قائل فإذا كانت حروف الماضي يجب إعادتها في المستقبل فلم قالوا أكرم يكرم وأخرج يخرج فأسقطوا الهمزة التي كانت موجودة في الماضي ؛ قيل له قد كان الأصل أن يقال يؤكرم ويدحرج ، وكذلك تؤكرم وتدحرج وتؤكرم وإكرم ، ولكن فعل المتكلم يجتمع فيها همزتان إحداهما التي كانت في الماضي والأخرى همزة المتكلم ، وكثر هذا المثال في كلامهم فاستثقلوا اجتماع الهمزتين مع الكسرة ؛ فأسقطوا الهمزة التي كانت موجودة في الماضي ، وقوي حذفها إنها زائدة ، ثم لزم الحذف في سائر المضارع مع الياء والتاء والنون والأصل الموجب للحذف فعل المتكلم ، ومثل ذلك حذفهم الواو ، وفي يعد والأصل يوعد لوقوعها بين ياء وكسرة ثم قالوا تعد

١٧٧

ونعد وأعد فأسقطوها حتى لا يختلف الفعل.

قال سيبويه : " وحذفوا الهمزة من باب فعل فاطرد الحذف فيه لأن الهمزة تثقل عليهم كما وصفت لك ، وكثر في كلامهم فحذفوه واجتمعوا على حذفه ، كما اجتمعوا على كل وخذ ويرى ، وكان هذا أجدر أن يحذف حيث حذف ذلك الذي من نفس الحرف لأنه زيادة لحقته ؛ فاجتمع فيه الزيادة ، وإنه يستثقل وإن له عوضا إذا ذهب".

يعني اجتمعوا على حذف الهمزة من يؤكرم ويدحرج ، كما اجتمعوا على حذف كل وخذ ، وكان الأصل أوكل على وزن أفعل مثل أقتل ؛ فحذفت الهمزة الثانية التي هي فاء الفعل فسقطت الهمزة لأنها ألف وصل دخلت لسكون ما بعدها ؛ وهي فاء الفعل فلما سقطت بقيت الكاف وهي مضمومة فلم يحتج إلى ألف الوصل فسقطت ، وكان الأصل في يرى يرأى لأنه من رأيت فألقوا فتحة الهمزة في الفعل المضارع على الراء لأنها ساكنة وأسقطوا الهمزة وهذا حكم تخفيف الهمزة ، وقد بينا فيما مضى من أحكام الهمزة ذلك.

وقوله : " وكان هذا أجدر أن يحذف".

يعني الهمزة في يؤكرم لأنها زائدة وهي في كل أصلية ؛ إذ كانت في موضع الفاء من الفعل.

وقوله" وإن له عوضا".

يعني في يكرم الياء وسائر حروف المضارعة عوض من حذف الهمزة ، وليس ذلك في كل لأنه ليس فيه عوض من ذهاب الهمزة ، قال ويجيء في الشعر يؤكرم على الأصل قال الشاعر :

وصاليات ككما يؤتفين

وهذا البيت له فيه حجة من وجه ، ولا حجة له فيه من وجه ؛ فأما الحجة فيه فهو أن يجعل أتفية أفعولة فتكون الهمزة زائدة ، ويكون أتفيت أفعلت ، وأما الوجه الذي لا حجة له فيه ؛ فهو أن يكون أتفية فعلية فيكون أتفيت فعليت بمنزلة سلقيت ، ويكون يؤتفين يفعلين مثل يسلقين وقال كرات غلام من كساء مؤرنب ، ومعنى مؤرنب متخذ من جلود الأرانب ، ويقال فيه صور الأرانب فهو أرنب مؤفعل ، والهمزة زائدة عند سيبويه لأن أرنب عنده أفعل ، ومن النحويين من يقول أرنب فعلل ، ويجعل الهمزة أصلية واسم الفاعل والمفعول من أفعل وفاعل وفعل على لفظ الفعل المستقبل ، غير أنك تجعل معاني حروف المضارعة فيها مضمومة كقولك مكرم ومكرم ومقاتل ومقاتل ويفصل بين الفاعل

١٧٨

والمفعول بكسر ما قبل آخره وفتحه ؛ فتكسره من الفاعل وتفتحه من المفعول به كقولك مكرم ومكرم كما كان ذلك في الفعل حين قلت يكرم ويكرم ، وكذلك هذا المعنى في كل فعل زادت حروف ماضيه على ثلاثة أحرف يكون اسم الفاعل والمفعول على حروف الفعل المستقبل غير أنه يجعل في أوله ميم مضمومة ، ويفصل بين الفاعل والمفعول به بكسر ما قبل آخره للفاعل ، وفتحه للمفعول كقولك مستغفر ومستغفر ومرتبط ومرتبط ومتناوله ومتناول ومتجهم ومتجهم فصلوا بين الفاعل والمفعول به بالكسر والفتح ، وإما تفاعل وتفعل فإن مستقبلهما على يتفعل ويتفاعل ، وما لم يسم فاعله يتفاعل ويتفعل بفتح ما قبل آخرهما ، ويفرق بين ما سمي فاعله وما لم يسم فاعله بضم أوله ؛ فإن قال قائل قد رأينا الأفعال الزائدة على ثلاثة في الماضي قد فرق بين ما سمي فاعله وما لم يسم فاعله في مستقبلهما بكسر ما قبل آخره وفتحه كقولك يستغفر ويستغفر ويشترى ويشتري فما بال هذين البناءين لم يفعل بهما ذلك قيل له أما ما كان على أربعة أحرف فإن الفرق فيه لازم بالكسر والفتح ؛ لأن أوله مضموم مما سمي فاعله ، وما لم يسم فاعله ، كقولك يكرم ويقاتل ؛ فاحتاجوا إلى الفرق بالكسر والفتح لأن ضم أوله لا يدل على الفرق إذا كان مضمومي الأول ، وأما ما جاوز أربعة أحرف فإنه مفتوح الأول مكسور ما قبل الآخر فيما سمي فاعله ، ومضموم الأول مفتوح ما قبل الآخر فيما يسم فاعله ، إلا في تفعل وتفاعل وإنما صار يتفعل ويتفاعل بفتح ما قبل آخرهما من قبل أنهما كثرت الفتحات في أولهما ، فاتبعوا ما قبل آخرها فتحات أولهما ، وليس ذلك في فعل سواهما لأن كل واحد منهما في أوله ثلاث فتحات متواليات وليس كذلك غيرهما.

هذا باب ما تسكن أوائله من الأفعال المزيدة

" اعلم أن هذا الباب يشتمل على ما لحقته ألف الوصل مما أصله ثلاثة أحرف ولحقته زيادة واحدة سوى الألف أو زيادتان ، وقد ذكرنا جملته فيما مضى ، وإنما لحقته ألف الوصل بسكون أوله ، وإنما سكن أوله لأن لو تحرك لتوالي أكثر من ثلاث متحركات ، ألا ترى أن لو حركنا النون من انطلق والطاء واللام والقاف متحركات لتوالى أربع متحركات ، وذلك مفقود في كلامهم في كلمة واحدة إلا ما خفف والأصل غيره نحو علبط وهدبد والأصل علابط وهدابد ، وذكر الأمثلة فجعل افتعل على مثال انفعل وجعل أفعال على مثال استغفر ، وليس يريد المثال على ما يوزن به الفعل ، وإنما يريد عدد حروفه وقصد سواكنه ومتحركاته والأصل في أفعل وإفعال وافعلل وافعالل ؛

١٧٩

فأدغم الحرف الأول في الثاني لأنه من جنسه نحو احمر واسود والأصل فيه احمرر واسودد ؛ فأدغمت كما أدغم ردّ والأصل ردد والدليل على ذلك أنهم قد قالوا ارعوي واحووي ، والأصل في أرعوي أرعووا وأحووا مثل احمرر واسودد فقلبت الواو الأخيرة ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فلما قلبتها ألفا بطل الإدغام فيه وصح الإدغام في آخر احمرر لثبات الراء الأخيرة ، ثم ذكر سيبويه بعد تسوية بناء استفعلت فافعاللت فقال وإن أردت أفعل منه".

يعني ما لم يسم فاعله من أفعاللت قلبت الألف والضمة التي قبلها كما فعل في فوعل ، وذلك قولك استهابيت واستهوب في هذا المكان فهو على مثال استفعل ، إلا أنه قد يغيره الإسكان عن مثال استخرج كما يتغير استفعل عن المضاعف ؛ نحو استعيدد إن أدركه السكون عن استخرج يعني أن استهوب في الوزن مثل استخرج غير أن الباء الأولى من استهوب بحذاء الراء من استخرج ، غير أن الباء الأولى من استهوب استعدد مثل استخرج فأدغمت الدال الأولى في الثانية ، وألقيت حركتها على العين ؛ فتغير البناء في اللفظ والأصل ما ذكرناه.

قال سيبويه : " وأما هرقت وهرحت فأبدلوا مكان الهمزة الهاء ، كما تحذف استثقالا لها ، فلما جاء حرف أخف من الهمزة لم يحذف في شيء ولزم لزوم الألف في ضارب ، وأجري مجرى ما ينبغي لألف أفعل أن تكون عليه في الأصل ، وأما الذين قالوا اهرقت فإنما جعلوها عوضا من حذفهم العين ، وإسكانهم إياها ، كما جعلوا ياء أينق وألف يمان عوضا ، وجعلوا الهاء العوض لأن الهاء تزاد ونظير هذا قولهم استطاع يستطيع جعلوا العوض السين لأنه فعل ، فلما كانت السين تزاد في الفعل زيدت في العوض لأنها من حروف الزوائد التي تزاد في الفعل ، وجعلوا الهاء بمنزلتها تلحق الفعل في قولهم ارمه وعه ونحوهما".

قال أبو سعيد رحمه‌الله أما هرقت وهرجت فالأصل فيهما إراق وأراج ، والهاء بدل من الهمزة كما قالوا هياك في إياك ، ومستقبله يهريق ويهريج ، وكان الأصل يوريق ويوريح غير أنهم في الهمزة يحذفون على ما ذكرنا أن الأصل في يكرم يؤكرم ، وإنما يحذفون الهمزة لئلا يجتمع همزتان في فعل المتكلم ؛ فإن أبدل من الهمزة هاء لم يجتمع همزتان في فعل المتكلم فكذلك ثبتت الهاء التي هي بدل الهمزة ، ولأثبتت الهمزة وفي هراق لغة أخرى وهي إهراق ومستقبله يهريق فمن قال هذا فإنما زاد ألفا على إراق كما زادا السين في

١٨٠