شرح كتاب سيبويه - ج ٥

أبي سعيد السّيرافي الحسن بن عبدالله بن المرزبان

شرح كتاب سيبويه - ج ٥

المؤلف:

أبي سعيد السّيرافي الحسن بن عبدالله بن المرزبان


المحقق: أحمد حسن مهدلي و علي سيّد علي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-5251-0

الصفحات: ٤٨٨

قال سيبويه : قد بينا العلة المانعة من إعلال فاعلت وأنا لو أعللناه وجب أن نقول قال بعد سقوط قال وجاءت حروف على الأصل غير معتلة مما أسكن ما قبله فيما ذكرت قبل هذا شبهوه بفاعلت إن كان ما قبله ساكنا.

يعني أن أفعل واستفعل وأن كانا مستوجبين للإعلال فقد تكلمت العرب بأحرف منها على الأصل غير معتلة تشبيها بفاعلت إذا كان قد اشتركا في سكون ما قبل حرف الاعتلال وذلك نحو قولهم اجودت واطولت واستحوذ واستروح واطيب واخيلت واغيلت واغيمت واستقبل.

" وقد سمع من العرب إعلال هذه الأحرف إلا استحوذ واستروح من شم الريح قد سمع من العرب أجادوا طاب وغيرهما من الحروف ولم يسمع منهم استحاذ واستراح الريح في موضع استحوذ واستروح الريح ولا ينكر أن يجعلوها معتلة في هذا الذي استثنينا لأن الإعلال هو الكثير المطرد".

يعني أن استحوذ واغيلت المرأة واستروح لا ينكر فيها أن تجيء معتلة نحو استحاذ واستراح وأغالت لأن القياس فيها الاعتلال وقد حكى أهل اللغة أغيلت المرأة وأغالت وهي مغيلة ومغيلة حكاه يعقوب بن السكيت وغيره من أهل اللغة والنحو.

قال : " وإذا كان الحرف قبل المعتل متحركا في الأصل لم يغير ولم يعتل الحرف من محول إليه كراهية أن يحول إلى ما ليس من كلامهم وذلك نحو اختاروا واعتادوا وأهاسوا" يعني : كافتعل وانفعل إذا كانت عين الفعل منه واوا أو ياء وقد ذكرنا هذا فيما مضى بعلته.

ومعنى قوله : " ولم يعتل الحرف من محول إليه" يعني : لم يكن على بناء غير هذا فحول إلى هذا كما حول قولت إلى قوّلت.

قال : " وإذا قلت افتعل وانفعل قلت اختير وانقيد".

قال أبو سعيد رحمه‌الله : اعلم أن ما لم يسم فاعله في افتعل وانفعل من الصحيح تضم الألف منه والحرف الثالث كقولك ارتبط هذا الفرس ارتجع من زيد انطلق بأخيك وعلامة ما لم يسم فاعله ضم الثالث من الحروف أما من افتعل فضمة التاء الزائدة ، وأما من انفعل فضمة تاء الفعل ثم ضمت ألف الوصل ولم تكسر لئلا يخرج من ضمة إلى كسرة وليس بينهما إلا حرف ساكن كما فعل في قولهم اقتل أخرج وإنما صارت العلامة

٢٤١

بضم الحرف الثالث من قبل أن ألف الوصل غير معتد بها ، لأنها اجتلبت للتوصل بها إلى الساكن الذي بعدها فضم أول حرف متحرك في الكلمة فلما كان الأمر على ما وصفنا ووجب ضم الحرف الثالث الذي قبل الواو والياء ، ووجب كسر الياء والواو لأن فعل من انفعل وفعل من افتعل قد صار بمنزلة الثلاثي فإذا وجب ضم أوله ، وجب كسر الحرف الثاني فيصير بمنزلة ضرب فإذا صار من الصحيح بمنزلة ضرب صار بمنزلة بيع وقيل من المعتل ، وقد ذكرنا اللغات في قيل وهي ثلاث منهم من يقول قيل بلا إشمام ومنهم من يقول قيل بإشمام ومنهم من يقول فهذه اللغات الثلاث هي موجودة في افتعل وانفعل فقال اختير وانقيد بلا إشمام ومنهم من يقول اختير وانقيد بإشمام ومنهم من يقول اختور وانقود.

وذكر أن العرب تقول : " احتشوا واهتشوا وإن لم يقولوا تفاعلوا" يعني : أن احتشوا واهتشوا إنما صحتا لأنهما في معنى تهاوشوا وتحاوشوا وإن كان لا يستعمل تهاوشوا وتحاوشوا ، ولكن هذا التقدير فيهما ألا ترى أنا تقول رجل فقير على معنى فقر ، ومثل ذلك قولهم صيد البعير لأنه في معنى أصيد ولا يستعمل أصيد وصيد في معناه لأنه من باب الخلق وهو التواء في عنق البعير.

قال : " فهما يعتوران باب افعلّ".

يعني : أن فعل وافعلّ كثيرا يشتركان في هذا الباب كقولهم سود واسودّ وثول واثولّ.

قال : " فإذا لم تعتل الواو في هذا ولا الياء نحو عورت وصيدت ، فإن الواو والياء لا يعتلان إذ ألحق الأفعال الزيادة وتصرفت ، لأن الواو بمنزلة واو شويت والياء بمنزلة ياء حييت ألا ترى أنك تقول ألا أعور الله عينه إلا أردت أفعلت من عورت وأصيد الله بعيره" يعني : أن الفعل متى صح قبل دخول الزوائد عليه ، ثم دخلت عليه الزوائد صح كقولك عوروا واعوره الله وصيد البعير واصيده الله إذا صيره كذلك ، وإنما صح مع الزوائد لأن الزوائد دخلت على شيء صحيح ولم تكن بمنزلة أقام وأخاف وأبان بالأصل في ذلك قبل الزوائد قام وباب وخاف فدخلت عليها الزوائد فبقيت معتلة وأما قول ابن أحمر :

٢٤٢

تسائل بابن أحمر من رآه

أعارت عينه أم لم تعارا (١)

في معنى اعورت عينه أم لم تعور فإنما اعتل لأنه لم يذهب به مذهب افعل فكأنه قال : " عارت عينه تعور" من قال هذا كان القياس أن يقول أعار الله عينه فتأمل وقس عليه إن شاء الله.

هذا باب ما اعتل من الأسماء من الأفعال المعتلة على اعتلالها

ومعنى الترجمة ما اعتل من الأسماء المشتقة من الأفعال وهي أسماء الفاعلين كقائل المشتق من قال وخائف المشتق من" خاف" ومقيم المشتق من" أقام" و" مقام" المشتق من" أقيم" وغير ذلك مما سنقف عليه إن شاء الله.

قال سيبويه : " اعلم أن فاعلا منها مهموز العين وذلك أنهم يكرهون أن يجيء على الأصل مجيء ما لا يعتل فعل يفعل منه ولم يصلوا إلى الإسكان مع الألف وكرهوا الإسكان والحذف فيه فيلتبس بغيره فهمزوا الواو والياء إذا كانتا معتلتين وكانتا تقعان بعد الألفات وذلك قولهم" قائم وخائف وبائع".

قد بينا أن عين الألف إذا كانت واوا أو ياء فإنها تعتل في الفعل الماضي والمستقبل كقولنا قام وخاف وباع وهاب ويقوم ويسير ويبيع ويخاف لما كان هذا الاعتلال لازما للفعل على ما بينا وكان اسم الفاعل جاريا على الفعل أرادوا أن يعلوا منه ما اعتل في الفعل وهو عين الفعل فكما وقعت عين الفعل من الاسم بعد ألف في فاعل ووجب تسكينها بالإعلال لزم بعد التسكين أحد أمرين إما أن تحذفها لاجتماع الساكنين وإما أن تحركها فلو حذفناها لاجتماع الساكنين التبس الفعل بالاسم ونمثل ذلك ليقرب من الفهم فنقول إن الأصل في" قال وباع وخاف"" قول وبيع وخوف" كقولنا" علم وضرب" واسم الفاعل من" ضرب وعلم"" ضارب وعال" م فكان قياسه من" قول وبيع" إذا صح ولم يعل" قاول وبايع" غير أنا قد أعللنا" قال وباع" فسكنا موضع العين من الفعل فوجب تسكين ذلك من" قاول وبايع" كما سكناه من" قال وباع" فلما وجب تسكين الواو والياء وجب قلبهما ألفا في" قال" و" باع" لأن الألف في قاول وبايع كفتحة القاف والباء في" قال" و" باع" وإنما يقلب على ما قبله كما قلبنا الواو في يقيم ومقيم ياء لانكسار ما قبلها فلما

__________________

(١) انظر خزانة الادب ٥ / ١٩٦ ، المخصص ٤ / ٢٣٨.

٢٤٣

قلبت الواو والياء في" قاول وبايع" ألفا لما ذكرنا واجتمعت ألفان وهما ساكنان فلم يمكنا الجمع بينهما في اللفظ فوجب أحد أمرين إما أن تحذف إحدى الألفين لاجتماع الساكنين فيصير قاول وبايع على لفظ" قال وباع" فيصير اسم الفاعل على لفظ الفعل الماضي وهذا غير جائز للبس الذي فيه وأما إن تحرك إحدى الألفين لاجتماع الساكنين والتحريك في الألف محال ، لأنها لا تكون إلا ساكنة فلما استحال تحريك الألف جعلوا أقرب الحروف من الألف مكان عين الفعل وهو الهمزة وحركوه فقالوا قائل وبائع وكانت أولى بالتحريك من الألف الأولى ، لأن ألف فاعل لا أصل لها في الحركة ولم تتحرك قط لتحريك عين الفعل وإنما كانت أقرب إلى الألف ، لأن الهمزة والألف متجاوران في الحلق ولذلك كتبت الهمزة ألفا إذا كانت ولمثل هذه العلة قلبوا الواو والياء متى وقعت واحدة منهما طرفا وقبلهما ألف كقولهم عطاء وسقاء والأصل سقاي وعطاي وقد لزم أن الياء والواو متى وقعتا متحركتين وقبلهما فتحة إنهما تقلبان ألفا في اسم كانتا أو فعل فالاسم نحو" دار وعار" والأصل" دور وعي" ر والفعل نحو" غزا ورمى" و" قال وباع" والأصل" غزو ورمي" و" قول وبيع" فلما اعتلت الواو والياء إذا كانتا متحركتين وقبلهما فتحة لزم اعتلالهما إذا كان قبلهما ألف وهما طرفان ؛ لأن الاعتلال في الطرف أقوى وأكثر ولأن الألف تشبه الفتحة وتضارعها فلما وجب اعتلالها في عطاو وسقاي وجب قلبهما ألفا ذكرنا في قايل وبايع فإذا قلبناها ألفا اجتمعت ألفان ولا يمكن اللفظ بهما فوجب إسقاط إحداهما أو التحريك فلو سقطت إحداهما التبس المقصور بالممدود ، لأن الواو في عطاو والياء في سقاي متى قلبناهما ألفا ثم أسقطنا إحدى الألفين لاختراع الساكنين صار عطا وسقا مثل قفا ومعا فوجب قلب إحدى الألفين حرفا يمكن تحريكه فكانت الهمزة أولى بذلك لما ذكرناه.

ومعنى قوله : " وذلك أنهم يكرهون أن يجيء على الأصل مجيء ما لا يعتل فعل منه" يعني : أنهم لو قالوا" قاول وقاوم وبايع وهايب" بغير همز صار بمنزلة" مقاوم ومقاول ومبايع" الذي قد فتح فعله في" قاول وقاوم وبايع" فكرهوا أن يساوى ما اعتل فعله من أسماء الفاعلين ما صح فعله.

وقوله : " ولم يصلوا إلى الإسكان مع الألف" يعني : لو أسكنوا الواو في قاول والياء في بايع لاجتمع ساكنان ولا يمكن الجمع بينهما.

٢٤٤

وقوله : " وكرهوا الإسكان والحذف فيه فيلتبس بغيره" يعني : كرهوا الحذف لاجتماع الساكنين فيلتبس قاول بقال وبايع يباع إذا أعللنا الواو والياء ثم حذفناهما لاجتماع الساكنين.

قال : " ويعتل مفعول منهما كما اعتل فعل لأن الاسم على فعل مفعول منهما كما اعتل أن الاسم على فعل فاعل فتقول" مزور" و" مصوغ" وإنما كان الأصل مزوور فاسكنوا الأولى كما أسكنوها في يفعل وفعل وحذفت واو مفعول لأنه لا يلتقي ساكنان".

يعني : تعتل العين من الفعل الذي لم يسم فاعله وذلك أن المأخوذ من قيل وخيف وما أشبههما من المعتل" مقول ومخوف" وذلك أن الأصل فيه مخووف ومقوول كما تقول مضروب ومقتول غير أن عين الفعل من قيل وخيف قد اعتلت وسكنت فأعلت من مفعول ومخووف وهي الواو الأولى منهما ، فإذا أعللناها سكناها وألقينا ضمتها على ما قبلها فاجتمعت واوان ساكنتان ، فإن أسقطنا إحداهما لاجتماع الساكنين وكان الساقط من الواوين عند سيبويه والخليل الواو الثانية ، لأنها زائدة والواو الأولى هي أصلية لأنها عين الفعل فإذا اجتمعتا إحداهما زائدة واحتجنا إلى حذف إحداهما كان الزائد أولى بالحذف لأنه مجتلب لم يكن أصليا واحتجنا إلى حذف أحدهما موجودا من قبل فنرد الشيء إلى أصله.

وقال الأخفش : الواو الأولى هي المحذوفة وإن كانت عين الفعل لأن الساكنين إذا اجتمعا فالأول أولى بالتغيير والحذف ألا ترى أنا نكسر الحرف الأول لاجتماع الساكنين كقولك قامت المرأة ولم يقم الرجل.

قال : " وتقول في الياء مبيع ومهيب أسكنت العين وأذهبت واو مفعول ، لأنه لا يلتقي ساكنان وجعلت الفاء تابعة للياء حين أسكنتها ، كما جعلتها تابعة في بيض وكان ذلك أخف عليهم من الواو والضمة فلم يجعلوها تابعة للضمة ، فصار هذا الوجه عندهم إذ كان من كلامهم أن يقلبوا الواو ياء ولا يتبعوها الضمة فرارا من الضمة والواو إلى الياء لشبهها بالألف ، وذلك قولهم مشوب ومشيب ومنول ومنيل".

قال أبو سعيد رحمه‌الله تعالى : اعلم أن المفعول إذا كان مما عينه ياء كمفعول بيع وهيب وخيط فالأصل فيه مبيوع ومهيوب ومخيوط ويجب أن تعل عينه كما أعلت في الفعل فتسكن وتلقى ضمتها على ما قبلها فتسكن الياء التي هي عين الفعل وواو مفعول

٢٤٥

ساكنة فيجتمع ساكنان الواو والياء فتسقط على قول الخليل وسيبويه الواو ، لأنها زائدة فإذا سقطت الواو من مخيوط وقد ألقينا ضمة الياء على الخاء صار بسكون الياء وضمة الخاء ، فكسرت الخاء لتسلم الياء لأنها لو تركت على ضمتها لوجب قلب الياء واوا ، فكان يصير مخوط على لفظ مقول فتلتبس ذوات الياء بذوات الواو فتصير الخاء مكسورة لتسلم الياء كما قالوا في جمع أبيض وأميل بيض وميل كقولك أحمر وحمر وأشهب وشهب وأبلق وبلق وأصل بيض وميل بضمة أوائلهما فكسرت أوائلهما لتسلم الياء ، وزعم الأخفش أن المحذوف في مبيع ومخيط الياء التي كانت في مبيوع ومخيوط وهي عين الفعل كما نقول أنهم لما ألقوا ضمة الياء على ما قبلها ، فسكنت اجتمع ساكنان الياء والواو والأول منهما أولى بالحذف على ما مضى من قوله فقيل له فإذا كان المحذوف هو الياء والمبقى هو واو مفعول وقبلها الضمة التي كانت في الياء فألقيناها على باء مبيوع وخاء مخيوط فما هذه الياء التي في مخيط ومبيع فجوابه في ذلك أنه لما ألقى ضمة الياء على ما قبلها كسر ما قبل الياء قبل حذفها لتسلم الياء ، ثم حذف الياء لاجتماع الساكنين فقلب واو مفعول ياء للكسرة التي قبلها.

ومعنى قول سيبويه : " وجعلت الفاء تابعة للياء حين أسكنها" يعني : كسرة فاء الفعل التي ألقيت عليها ضمة الياء فتكون الكسرة تابعة للياء إذا كانت منها ومشاكلة لها.

ومعنى قوله : " ولم يجعلوها تابعة للضمة" يعني : ولم يجعلوا الياء تابعة للضمة فيقلبوها واوا فيقال مبوع ومخوط قال إذ كان من كلامهم أن يقلبوا الواو ياء فرارا من الضمة والواو إلى الياء كشبهها.

بالألف الأصل أن الياء والكسرة أخف من الواو والضمة ، والياء أقرب شبها بالألف من الواو لأن الياء مبسوطة في مخرجها وخفتها بين الألف والواو ، وقد رأيناهم الواو ياء من غير كسرة قبلها ، ولا سبب يوجب قلبها أكثر من ثقل الواو وخفة الياء ، فقالوا" مشيب" في" مشوب" و" منيل"" ومنول" وهو من قولك نلته أي أعطيته ، فلما قيل" مشيب"" و" مسيب" ولم يكن ياء ولا كسرة لزم أن يقال مبيع ومخيط إذا كانت الياء موجودة فيه.

وبعض النحويين يقول أن مشيب ومنيل إنما قلبت الواو فيهما ياء لانقلابها في الفعل ، وذلك أنك تقول شيب الشراب ونيل زيد معروفا ويجري مجرى هذا قولهم رجل مهوب حملا على لغة من يقول بوع وهوب وإن كان من الياء ، لأنه من الهيبة والبيع وقياس هذا عندي أن تقول مبوع ومزود في لغة من قال بوع وهوب.

٢٤٦

وقال عقيب قلب الواو ياء" وقالوا في" حور"" حير" وأنشد أبو العباس :

عيناء حوراء من العين الحير (١)

* وذكر بعض النحويين : أن الحير ليست بمنزلة مشيب وأنه لا يقال حير إلا في الإتباع وإنما قال الشاعر" الحير" لتقدم العين وذكرها معها ، ولو لا العين ما جاز الحير كما قالوا الغدايا والعشايا ولو لا العشايا ما جاز الغدايا ، ومثله فأخذ ما قدم وما حدث ولا يقال حدث إلا مع قدم ، وبعض العرب يخرجه على الأصل فيقول مخيوط ومبيوع فشبهوها بصيود وغيور حيث كان بعدها حرف ساكن ولم تكن بعد الألف فتهمز" يعني : أنهم شبهوا مخيوط بصيود في ضم الياء وترك الإعلال ولو كانت هذه الياء بعد ألف لهمزت كما همزت في بائع وهائب وزائد ، فليس كونها بعد الألف فهذا معنى قوله : " ولم تكن بعد الألف فتهمز.

قال : " ولا نعلمهم أتموا في الواوات ؛ لأن الواوات أثقل عليهم من الياءات ومنها يفرون إلى الياء فكرهوا اجتماعهما مع الضمة" يعني : كرهوا اجتماع الواو مع الضمة في ذوات الواو لو جاءت على الأصل فقالوا" مقوول" و" مصووغ" و" مخووف" كما قالوا" مخيوط" و" مجيء"" مخيوط" وبابه على الأصل أخف من الضمة على الواو في" اسودّ"" اسودد" فألقينا حركة الواو على السين ، فتحركت السين وسقطت ألف الوصل فهذا تغيير وانقلبت الواو ألفا ، فهذا تغيير ثان وسكنت الدال الأولى وكانت متحركة ، فأدغمت في الدال الثانية فهذه تغييرات كثيرة مجحفة ، وليس ذلك في راد وضال ، لأن الأصل في" راد"" رادد" فأدغمت الدال الأولى في الثانية فلم يكن من التغيير سواه وأيضا لو قلنا ساد وباض ، ثم صير الفعل للمتكلم لقال ساددت وباضضت فيشبه فاعلت ، فلما وجب أن يكون أفعل لا يعتل إذا كان عين الفعل معه واوا أو ياء ذكرنا في أسود وأبيض وجب أن يصح أعور وأحول وأصيد ، فإذا صح أعور كان عور في معناه لم يعل حتى يعلم أنه في معنى لا يعتل ومن حيزه ، وإنما يجيء فعل في أفعلّ نحو احمرّ واصفرّ واشهبّ ومثل ذلك أن تفاعل لا يعتل وافتعل يعتل فأمّا افتعل فنحو اختار واقتاد في اقتاد والأصل فيه اختير واقتود واعتلت الياء والواو في هذا البناء من قبل أن تاء افتعل مفتوحة والياء والواو بعدها

__________________

(١) المخصص ١ / ٤١٦ ، إصلاح المنطق ١ / ١٢٧ ، أدب الكاتب ١ / ٤٨٦.

٢٤٧

متحركة وبعد ذلك لام الفعل فصارت هذه الثلاثة بمنزلة قول وبيع ، فانقلبت الواو والياء ألفا لأنها بمنزلة قال وباع قد تحركت الياء والواو وقبلها فتحة وأما تفاعل فلا يعتل من قبل أنا لو أعللناها لسكنّاها وإذا سكناها سقطت هي أو الألف التي قبلها لاجتماع الساكنين فكان يبقى تمات وإذا بقي تمات ، ثم صير الفعل للمتكلم بها سكنت التاء لاتصال ضمير المتكلم بها ، فإذا سكنت اجتمع ساكنان التاء والألف التي قبلها فتسقط الألف لاجتماع الساكنين فيبقى تمت وتملت في تمايل ، وهذا إجحاف فإن قال قائل : إذا أعللت تمايل وتمادد فسكنت الياء والواو وقلبتهما همزة لوقوعهما بعد الألف الساكنة قبل تصحيح الياء والواو أولى من إلحاقها تغييرا أبعد تغيير إذا كانت تصحان إذا سكن ما قبلهما في غزو وظبي ؛ وقد يجيء غير معتل ما حكمه أن يعتل كقوله استحوذ عليهم الشيطان وقولهم اغيلت المرأة والقود وما أشبه ذلك مما سنراه في موضعه إن شاء الله ، فلما وجب بما ذكرناه أن لا يعل تفاعل وجب بما ذكرناه أن لا يعل تفاعل وجب ترك إعلال افتعل في معنى تفاعل ، إذ كان في معناه حتى يعلم أنه من بابه وفي حيزه وذلك اجتور القوم في معنى تجاوروا واعتونوا في معنى تعاونوا.

قال الخليل : لو بنيت افتعل على غير معنى تفاعل لقلت اجتازوا واعتانوا.

قال : " وأما طاح يطيح وتاه يتيه فزعم الخليل أنها فعل يفعل بمنزلة حسب يحسب وهي من الواو ويدلك على ذلك طوحت وتوهت وهو أطوح منه وأتوه منه فإنما هي فعل يفعل من الواو".

قال أبو سعيد رحمه‌الله تعالى : اعلم أن طاح يطيح وتاه يتيه قد يكون من الياء والواو فإذا كانت من الياء فهو فعل يفعل بمنزلة باع يبيع وزاد يزيد ، وإذا كان من الواو فلا يجوز أن يكون فعل ، لأن ما كانت عينه واوا كان ماضيه على فعل فمستقبله يفعل مثل قال يقول وجاز يجوز ، فلما رأينا مستقبله على يفعل علمنا أن ماضيه على فعل ويدلك على ذلك قولهم لهت وطحت ، فلو كان ماضيه فعل كان ينقل إلى فعلت كما يقال قلت وجزت ، فلما كان كذلك صح أنها فعل مثل خاف وخفت ومستقبله يفعل مثل حسب يحسب وكان أصله يتوه ويطوح فألقيت كسرة الواو على ما قبلها فسكنت الواو وانكسر ما قبلها فانقلبت الواو ياء.

قال وإنما دعاهم إلى هذا الإعلال ما ذكرت لك من كثرة الحرفين فلو لم يفعلوا

٢٤٨

ذلك على الأصل دخلت الميم على الياء والواو والكسرة عليهما وإنما دعاهم إلى هذا الاعتلال ما ذكرت لك من كثرة والواو عليهما ولا سيما إذا اجتمعت واوان ولم يحملوا مقوول ومخووف على قولهم غؤور مصدر غار يغور وقؤول ؛ لأن غؤور وقؤول وبابهما لا يعتل لتحرك ما قبل الواو المضمومة ، وقد زعم الكسائي أنه سمع ذوات الواو على الأصل كقولهم خاتم مصووغ وأجاز فيه كله أن يأتي على الأصل ولعل الذي حكاه الكسائي إنما سمعه من قوم لا يحتج سيبويه بمثلهم ومجيء ذوات الياء على الأصل مشهور في كلام العرب قال الشاعر عباس بن مرداس :

وقد كان قومك يحسبونك سيّدا

وكفاك أنّك سيّد معيون (١)

" ويجري مفعل مجرى يفعل فيهما فيعتل كما اعتل فعلهما ؛ لأنه على مثالهما وزيادته في موضع زيادتهما فيجري مجرى يفعل في الاعتلال كما قالوا مخافة فأجروها مجرى يخاف ويهاب فكذلك اعتل هذا ؛ لأنهم لم يجيئوا ذلك المثال من المعتل إلا أنهم وضعوا ميما مكان ياء وذلك قولهم مقام ومقال ومشابه فصار دخول الميم كدخول الألف في أفعل".

قال أبو سعيد رحمه‌الله : اعلم أن دخول الميم في أول المصادر يوجب لها من الإعلال ما أوجبه المفعل ؛ لأنه ليس بينهما فرق في عدد الحروف ونظم الحركات وذلك قولك مقام ومقال والأصل مقوم ومقول ألقوا حركة الواو على القاف وقلبوها ألفا كما فعلوا ب يخاف ويمال ، والأصل يخوف ويمول وكذلك المغاث والمعاش وأصله مغيث ومعيش ، فأعلوا الياء فيهما كما فعلوا ذلك في يهاب وينال وأصله يهيب وينيل وإنما أعلوا هذه المصادر من جهتين إحداهما أنها مصادر أفعال معتلة والجهة الأخرى أنهم قد أعلوا ما كان من الأسماء على وزن الفعل كقولهم دار وجار وناب وعار ، والأصل دور ونيب فأعلّوه كما أعلّوا قول وبيع وقالوا" قفا ورحا" والأصل" قفو ورحى" فأعلوهما كما أعلوا" غزا ورمى" ، فقد حملوا الأسماء على الأفعال في الأفعال إذا اتفقت في الأوزان ، فلما كان هذا المصدر أعني مفعل وما جري مجراه يوافق الفعل في عدد الحروف ونظم الحركات حمل عليه في الإعلال. فإن قال قائل : إنما يحمل الاسم على الفعل في الإعلال إذا اتفقا في الوزن والمصدر إذا كان على مفعل فلا نظير له في الأفعال وزنا ، إذ ليس في الأفعال مفعل

__________________

(١) الأغاني ٦ / ٣٥٨ ، تاج العروس ٣٥ / ٤٦٣ ، تاريخ دمشق ٢٦ / ٤٢٨ ، جمهرة اللغة ٢ / ٩٥٦.

٢٤٩

قيل له المصدر وإن كان على مفعل ؛ فإنه موافق لأفعل إلا في زيادة الميم والهمزة وهما نظيران وذلك أن الهمزة الباب فيها أن تكون من زيادات الأفعال وما وجد منها في الأسماء فهو محمول على الفعل وموضعها أول الكلام والميم تكون من زيادة الأسماء وموضعها أول الكلام ويجري مفعل مجرى مفعل في الإعلال فيصير بمنزلة يفعل في الفعل ، وذلك قولك المصير تقول يصير ويسير وكذلك مفعلة تجري مجرى يفعل في الإعلال وذلك المثوبة والمشورة والمعونة هي بمنزلة يقوم ويجود ، فإن قال قائل ما أنكرتم أن تكون المثوبة والمشورة والمعونة على وزن مفعولة ، فيصير بمنزلة مقول ومخوف وهما مفعولان فيكون مشورة مفعولة ، وقد سقط منه إحدى الواوين قيل له الأولى أن تكون مفعلة ؛ لأن مفعولة في المصادر أقل من مفعلة ألا ترى أنهم يقولون ما أكدوا مقدرة وميسرة على أن سيبويه يذكره في صوم صيم ولم يقولوا في صوام صيام وكذلك في الباب أجمع لبعده من الطرف بدخول الألف وإذا وقع فعل فعلا ولام الفعل ياء انقلبت واوا واتبعت ما قبلها فقلت في فعل من رمي رمو ، ومن قضى قضوا والأصل رمى وقضى فإن قال قائل فهلا جعلوا مكان الضمة كسرة لتسلم الياء كما فعلوا ذلك ببيض ومعيشة على مذهب الخليل وسيبويه ، قيل له أن فعل يدخل في ذوات الياء في معنى التعجب كقولهم لسرو الرجل ولفضل في معنى ما أفضله فلو جعلوا مكان الضمة كسرة فقالوا رمى بطل معنى التعجب وأيضا فإن العرب قد فرقت بين الاسم والفعل من هذا الباب فقالوا سرو الرجل ويغزو ولو جعلت ذلك اسما لجعلت مكان الواو ياء ومكان الضمة كسرة فقلت سري ويغزي ألا تراهم قالوا في جمع دلو أدلى والأصل أدلو فنقول في ذوات الواو على مفعل من القول مقول ، ومن القيام مقوم ومن الزيادة مزور وتقول في ذوات الياء على مفعلة من البيع مبيعة ومن زاد مزيدة والأصل مبيعة ومزيدة ألقيت الضمة على ما قبل الياء وانضم ما قبل الياء وسكنت الياء فكسرت ما قبل الياء لتسلم الياء كما فعلت ذلك في مفعلة من معيشة وأما الأخفش فقوله في مفعل من ذوات الياء مثل مسعط مبوع فتقلب الياء لانضمام ما قبلها لما ألقيت ضمتها على ما قبلها كما قالوا في مفعلة من العيش معوشة.

قال : " وقد قال قوم في مفعلة فجاءوا بها على الأصل وذلك قول بعضهم أن الفكاهة مقودة إلى الأذى وهذا ليس بمطرد" يعني : أن هذه المصادر التي ذكرنا وجوب إعلالها قد تجيء على الأصل كا يجيء الفعل على الأصل وليس ذلك بقياس مطرد في هذه المصادر ولا في الفعل ، وإنما يجيء نادرا فالذي جاء في المصادر مقودة ومطيبة وكأن القياس أن يقال مقادة ومطابة ، والذي جاء في الفعل نحو قولهم أجود وأغيلت المرأة

٢٥٠

واستحوذ عليهم الشيطان.

قال : " وقد جاء في الأسماء الإعلام على الأصل نحو مكوزة اسم رجل ومزيد والقياس مكازة ومزادة".

قال : وإنما جاء هذا كما جاء تهلل اسم وكان القياس أن يقال تهلّ بالإدغام ؛ لأن تفعل من المضاعف الذي عينه ولامه من جنس واحد يدغم كقولك تعضّ وتشمّ وما أشبه ذلك وفي الأسماء أظلّ وأقلّ والأصل يعضض ويشمم وأظلل وأقلل ألا ترى أن الشاعر لما اضطر في أظل رده إلى أصله فقال :

تشكو الوجا من أظلل وأظلل

ومن الشاذ الذي ذكره سيبويه قولهم حيوة وكان القياس أن يقال حية ، لأن الياء والواو إذا اجتمعتا والأولى منهما ساكنة قلبت الواو ياء وتدغم.

قال : " وليس مزيد ومكوزة بأشد من لزومهم استحوذ وأغيلت يعني أن مجيء استحوذ وأغيلت على غير الأصل والفتحة أولى من مجيء مزيد ومكوزة ؛ لأن الفعل أولى بالإعلال من الاسم ومن الشاذ أيضا قولهم محبب وكان ينبغي في القياس أن يكون محب قال : " ويتم أفعل اسما وذلك قولك هو أقول الناس وأبيع الناس وهو أقول منك وأبيع منك وإنما أتموا ليفعلوا بينه وبين الفعل المنصرف نحو أقال وأقام ويتم في قولك ما أقوله وأبيعه كان معناه نحو من معنى أفعل منك وأفعل الناس ، لأنك تفضله على من لم يجاوزا لزمه قائل وبائع كما فضلت الأول على غيره وعلى الناس وهو بعد نحو الاسم لا يتصرف تصرفه ولا يقوى قوته فأرادوا أن يفرقوا بين هذا وبين الفعل المنصرف نحو أقال وأقام وكذلك أفعل به ؛ لأن معناه معنى ما أفعله وذلك قولك أقول به وأبيع به".

قال أبو سعيد رحمه‌الله : اعلم أن كل شيء في أوله إحدى زوائد الفعل الهمزة والياء والتاء والنون وكان على وزن الفعل الذي فيه الزوائد فإنه لا يعتل كاعتلال الفعل إذا كانت عينه واوا أو ياء كقولك هذا أقوم من هذا وأبيع منه وإنما صح هذا فرقا بين الاسم والفعل ، لأن الفعل يعتل على هذا الوزن كقولك أقام وأبان فإن قال قائل فقد رأينا الاسم والفعل يستويان في الإعلال في هذا البناء وغيره أما في هذا البناء ، فإن ما كان لام الفعل منه واوا يعتل في الاسم والفعل كقولك في الفعل أعطى وأمضى وفي الاسم رجل أعشى وأعمى ، وأما في غير هذا البناء فقد رأينا الثلاثي إذا كان عين الفعل أو لامه واوا فإنه يعتل

٢٥١

في الاسم والفعل فأما عين الفعل فقولك في الفعل" قال وباع" وفي الاسم حدّ وباب وأما لام الفعل فقولك" غزا وقضى" وفي الاسم" قفا ورحى" فالجواب وبالله التوفيق أما فعل الذي لامه معتلة وإن كان قد استوى الاسم والفعل فيه فقد رأينا أفعل الذي لامه معتلة يخالف فيه الاسم الفعل وذلك أن الاسم تنقلب الواو منه ياء كقولك في جمع دلو أدل والأصل أدلو وإذا كان في الفعل صحت الواو ولم تنقلب كقولك أغزو وأدلو ، فلما كان الاسم فلا يخالف الفعل فيما كان الإعلال منه طرفا وكان الاسم أخف من الفعل وأولى بالتصحيح والوسط أقوى من الطرف وأشد تمكنا جاز أن يصح الاسم في الموضع الذي يعتل فيه الفعل إن كان أخف من الفعل ومما يوجب تصحيح الاسم الذي في أوله زوائد الفعل إذا كانت عينه واوا أو ياء أنّا قد رأيناهم خالفوا بين الاسم والفعل في أفعل إذا كانت لامه معتلة واللام أضعف من العين ، فلما فرقوا بينهما في لام الفعل فرقوا في عين الفعل إذا كانت عين الفعل أقوى ومن الفرق بين أفعل إذا كانت عين الفعل منه معتلة في الاسم وإذا كانت لام الفعل منه معتلة أن عين الفعل إذا كانت معتلة فيما قبلها ساكن والياء والواو إذا سكن ما قبلهما بعدتا من الإعلال ألا ترى أن الأفعال التي لا تعتل عيناتها وهي واوات وياءات ما قبل عيناتها ساكن نحو فاعل كجاور وبايع ونحو أفعل كقولك أسود وأبيض وفعل كقولك" جوز" و" روع" و" مير" فإذا كانت لام الفعل معتلة فما قبلها متحرك ؛ لأن عين الفعل متحركة فكان الإعلال أقوى ألا ترى أنك تقول ظبي وغزو فلا تعتل الواو والياء لسكون ما قبلهما فإذا قلت قفا ورحى اعتلت الواو والياء لتحرك ما قبلهما فأما الثلاثي فإنما استوى الاسم والفعل فيه ، لأن بناء الثلاثي من فعل وفعل ليس الفعل أولى به من الاسم والاسم أولى به من الفعل وإذا كان بناء الثلاثي في الاسم غير داخل على الفعل ولم يكن البناء للفعل صار بمنزلة مفعال الذي لم يعله وليس في الفعل نظير له فإذا جئنا إلى بناء هو للفعل ودخل عليه الاسم لم نعله للفرق بينهما وذلك ما كان في أوله الزوائد التي هي بالفعل أولى ولهذا قال سيبويه ومن تقدم من نحوي أهل البصرة أنا متى بنينا تفعل أو تفعل أو غير ذلك مما يخرج عن بناء الفعل وفي أوله زائد أعللناها كما فعل مفعل فعلى هذا لو بنينا تفعل من القوم والسوم لقلنا" تقوم وتسوم" والأصل تقوم وتسوم فألقينا ضمة الواو على ما قبلها كما فعلت ذلك بتقوم وتسوم في الفعل وإذا بنينا تفعل من البيع ومن ذوات الياء قلنا على مذهب سيبويه والخليل تبيع وتعيش كما ذكر ذلك في تفعل.

وأما قول الأخفش : فإنه يقول في هذا تبوع وتعوش وإذا بنينا تفعل من ذوات الياء والواو فعلى القولين جميعا يعل فنقول في من تفعل من القول تقيل والأصل تقول ألقينا

٢٥٢

كسرة الواو على القاف فسكنت الواو وقبلها كسرة فانقلبت وتفعل من البيع تبيع.

وقال أبو العباس المبرد : تفعل وتفعل من ذوات الياء لا تعل وذلك أنهما ليستا بمصدرين يجريان في الاعتلال على الفعل فعلى قول أبي العباس تقول" تقول" في تفعل من القول وتبيع من البيع وفي تفعل تقول وتبيع وعنده إن ما كان من المصادر وجاء على الأصل فهو غير محمول على الفعل نحو مزيد وإن مكوزة اسم لم يجيء على الفعل فصح ، ثم ترجع إلى لفظ سيبويه في الكتاب فيفسره قول ما أقوله وأبيعه لأن معناه نحو من معنى أفعل منك وأفعل الناس يعني : إن قولك ما أقوله وأبيعه وإن كان فعلا فإنه لا يعل ؛ لأنه فعل لا ينصرف ، وقد لزم وجها واحدا فصار كأنه اسم ولذلك صغر قال الشاعر :

يا ما أميلح غزلان شدن لنا

من هاؤليائكنّ الضال والسمر

ووجه آخر وهو الذي قال سيبويه أن فعل التعجب لا يعل التعجب ، وهو ما أقوله وأبيعه ؛ لأنه في معنى ما لا يعل من الأسماء وهو قولك هذا أقول منك وأبيع منك وأبيع الناس وأقول الناس ، وقد بينا فيما مضى إن ما كان مما يعل إذا كان في معنى ما لا يعل لم يعل منه مثل عور وحول لا يعل ، لأنه في معنى أعور وأحول ولم يعل اجتوروا ، لأنه في معنى تجاوروا فكذلك لم يعل ما أقوله وأبيعه ؛ لأنه في معنى أقول منه وأبيع منه وكذلك أقول به وأبيع به في معنى ما أقوله وأبيعه لا يعل ؛ لأنه في ذلك المعنى والدليل على أن ما أقوله وأقول به وهو أقول منه وأقول الناس يجري مجرى واحدا إن كل شيء لا يقال فيه ما أفعله لا يقال أفعل به وهو أفعل منه ، وكل شيء يقال فيه ما أفعله جاز فيه الباقي ألا ترى أنك تقول ما أحسنه وأحسن به وهو أحسن منه ولما لم يجز ما أبيض زيدا لم يجز أبيض به ولا هو أبيض منه ولا أبيض الناس.

ثم قال عقيب قوله : " لأن معنى" ما أقوله" معنى" أقول به" و" أبيع به" قال ؛ لأنك تفضله على من لم يجاوز أن لزمه قائل وبائع كما فضلت الأول على غيره وعلى الناس" يعني أنك إذا قلت ما أقوله وأبيعه فأنت تفضله على غيره وإذا قلت هو أقول الناس وأبيع منك فأنت تفضله فهما في معنى واحد.

وقوله" لأنك تفضله على من يجاوز إن لزمه قائل وبايع" يعني : أن التفضيل بقوله ما أقوله وأبيعه وبقولك هو أقول منك وأبيع الناس لا يقع لكل من قال شيئا أو باعه ؛ لأنك إذا قلت ما أقوله فإنما تفضله معنى قائل آخر وإذا قلت هو أبيع منك أو أقول

٢٥٣

منك فإنما تفضله على المخاطب ، وإذا قلت هو أقول الناس فإنما تفضله على الناس القائلين فلو كان كل من قال قولا أو باع بيعا يقع عليه ما أقوله وأبيعه لبطل معنى التفضيل وإنما يقع على من قال قولا أو باع بيعا اسم قائل وبايع فقط ، فإذا تكرر قوله وبيعه وصار إلى حد يفضل جاز أن يقال ما أقوله وأبيعه فتفضله على من يستحق أن يقال قايل وبايع فقط.

وهذا معنى قوله" تفضله على من لم يجاوز إن لزمه قائل وبائع".

أي على من لا يستحق إلا اسم قائل وبائع.

ومعنى قوله" كما فضلت الأول على غيره وعلى الناس" يعني تفضل بقولك ما أقوله وأبيعه على من يستحق اسم قائل وبائع فقط كما أنك إذا قلت هو أقول منك فقد فضلته على غيره ، وإذا قلت هو أقول الناس وأبيع الناس فقد فضلته على الناس ، ثم ذكر سيبويه أسماء قد صحت في أوائلها زوائد الأفعال وهي على وزنها ، وقد ذكرنا من تفسير جملة ذلك ما أغني عن سياقه ألفاظه إلى أن قال" ولم نذكر أفعل لأنه ليس في الكلام أفعل اسما ولا صفة" يعني : أنه ذكر اسما على صفة الفعل الذي في أوله الهمزة زائدة ولم يذكر في الأسماء أفعل ؛ لأنه ليس في الأسماء أفعل وإنما أفعل يكون فعلا ماضيا لم يسم فاعله وفعل المتكلم كقولك أكرم زيدا وأنا أكرم زيدا.

ثم قال : " وكان الإتمام لازما لهذا مع ما ذكرنا إن كان يتم في أجود ونحوه".

يعني : أنه لما كان بعض الأفعال من هذا الوزن مما كان في أوله الهمزة الزائدة قد جاء على الأصل وسلم من الإعلال نحو أجود كان في الاسم أولى فلزمت السلامة في الاسم ، لأنه أحق بالسلامة من الفعل ويتم تفعل اسما وتفعل منهما ليفرق بينهما وبين تفعل وتفعل في الفعل معنى تفسير هذا في جملة ما ذكرناه وإنما عمد سيبويه في هذا فبدأ بما أوله همزة زائدة فذكر منه اسما على أبنية الفعل كأفعل نحو أقول وأبيع وكأفعلة نحو أقولة وأعينة وأفعل نحو أعين وأدور وذكر أفعل كأصبع وغير ذلك وذكر أبنية مختلفة أولها التاء زائدة نحو تنضب وترتب ليرى قياسها مما فيه ياء أو واو في موضع عينه.

ثم قال : " وإنما منعنا أن نذكر هذه الأمثلة فيما أوله ياء أنها ليست في الأسماء والصفة إلا في يفعل" يعني : أنه لم يذكر أبنية مختلفة في أولها ياء زائدة ؛ لأنه لم يجئ في الأسماء شيء أوله ياء زائدة على مثال الفعل إلا في يفعل خاصة نحو يعمل ويرمع ، فإن قال

٢٥٤

قائل فقد قال يعفر قيل له يجوز أن يكون يعفر اتباعا أما أن يكون أصله يعفر فاتبعوا الياء الفاء أو يكون يعفو فاتبعوا الفاء الياء.

قال : " ولم تجر هذه الأسماء مجرى ما جاء على مثال الفعل وأوله ميم ، لأن الأفعال لا تكون زيادتها التي في أوائلها ميما فمن ، ثم لم يحتاجوا إلى التفرقة".

يعني أن الاسم الذي في أوله الميم الزائدة فعل ؛ لأن الميم قد دلت على الفرق ، لأنها لا تكون زائدة إلا في أول الاسم فاستغنوا بدلالة الميم أن يصحح الاسم ، فيدل التصحيح على الاسم كما فعلنا ذلك في بأقول.

" وأما تفعل مثل التنقل فإنه لا يكون فعلا فهو بمنزلة ما جاء على مثال الفعل ولا يكون فعلا" قال أبو سعيد رحمه‌الله : هذا كلام قد تقدم شرحه وهو أن تفعل لما لم يكن له في الفعل نظير وجب أن نعله ؛ لأنا لا نحتاج أن نفرق بينه وبين الفعل كما أعللنا ما في الميم فتعل من القول قلنا نقول ومن البيع تبيع على قول سيبويه وعلى قول الأخفش تبوع وتفعل من القول والبيع تقول وتبيع.

فقال سيبويه عقيب هذا : " وإنما تشبه الأسماء بأفعل وإفعل ليس بينهما إلا إسكان متحرك وتحريك مسكن ويفرق بينها وبينهما إذا كانتا مسكنتين على الأصل قبل أن يدركهما الحذف لا على ما استعمل في الكلام ولا على الأصل قبل الإسكان ولكنهما إذا كانتا بمنزلة أقام وأقال ليس فيهما إلا إسكان متحرك أو تحريك ساكن" يعني : أن تفعل من القول إذا بنيناه معتلا فقلنا تقول فقد شبه بالفعل.

ومعنى قوله : " ويفرق بينها وبينهما إذا كانتا مسكنتين عن الأصل قبل أن يدركهما الحذف لا على ما استعمل في الكلام" يعني : أنا إذا قلنا قم وبع فأصل أقول وأبيع على أفعل مثل أقيل وأفعل مثل أضرب ، ثم تعلهما بعلتي حركة الواو والياء على ما قبلهما فيصير أقول وأبيع ، ثم يحذف منه ألف الوصل على ما تقدم من شرحه فإذا بنينا تفعل وهو تقول أو تفعل وهو تبيع فهو مشبه بأقول وأبيع بعد إلقاء الحركة عن الواو والياء على ما قبلهما قبل حذف ألف الوصل.

فمعنى قوله" مسكنتين على الأصل" يعني : بعد أن أسكنت الواو والياء بإلقاء حركتهما على ما قبلهما.

٢٥٥

ومعنى" قبل أن يدركهما الحذف" يعني قبل حذف ألف الوصل يقع التشبيه.

وقوله : " لا على ما استعمل في الكلام ولا على الأصل" يعني : أن المستعمل في الكلام قم وبع بغير ألف وصل والأصل ضم الواو وكسر الياء في أقول وأبيع ولم يقع التشبيه بهذا المستعمل في الكلام أن لا ألف وصل فيه ولا بالحال بالأصل ، لأن الواو في الأصل والياء متحركان ، وإنما وقع التشبيه بالحال التي كانت بين الحالين وهي إلقاء الحركة على الواو والياء على ما قبلهما قبل حذف ألف الوصل ، ولكنهما إذا كانت بمنزلة أقام وأقال ليس فيهما إلا إسكان متحرك وتحريك ساكن يعني إنما وقع التشبيه إذا كانت بمنزلة أقام ، لأن أقام أصله أقوم وألقيت حركة الواو على القاف وسكنت الواو فإذا ألقيت من أقول حركة الواو على القاف قبل أن يلقى ألف الوصل وقد صارت بمنزلة أقام ؛ لأنك لم تفعل ولم تعمل بواحد منهما أكثر من أن ألقيت حركة الواو على الساكن الذي قبلها فسكن الواو ويحرك الساكن الذي قبلها فهذا معنى قوله إسكان متحرك وتحريك ساكن.

هذا باب أتم الاسم فيه على مثال الفعل

فيمثل به ولكنه أتم لسكون ما قبله وما بعده كما يتم التضعيف إذا سكن ما بعده نحو أردد وسترى ذلك في أشياء فيما بعد إن شاء الله.

وذلك قولك " فعّل وفعّال نحو حول وعوار وكذلك فعّال نحو قوال".

قال أبو سعيد رحمه‌الله : اعلم أن سيبويه ذكر في أول هذا الباب ما لا يعتل من الأسماء فذكر ما حكيناه عنه من الأسماء وغير ذلك من الأسماء التي لا تعتل لبعد شبهها من الأفعال والأسماء المعتلة ولا يشبه هذا الباب الذي قبله اسما على نظم الأفعال المعتلة وعدة حروفها وإنما الزوائد في أوائلها مختلفة كمفعل الذي أعللناه ؛ لأنه بمنزلة يفعل إلا أن الزيادة من هذا ياء والزيادة من هذا ميم وكتفعل الذي ذكرنا اعتلاله ؛ لأنه بمنزلة أفعل إلا أن الزيادة من هذا تاء ومن هذا همزة.

قال : " ومن ذلك أهونا ، وأبينا ، واغيلاء قد قالوا أعياء" يعني : ومما صح ولم يعتل أهوناء وأبيناء وإنما صح لأن صدره على مثال الفعل وهو أهون وأبين وألف التأنيث فيهما غير معتد بها ألا ترى أنك لو صغرت شيئا فيه ألف التأنيث لصغرت الصدر وجئت بالألف من بعد قولك في تصغير حمراء وخنفساء حميراء ، وخنيفسا ، وأما قولهم أعياء فأصله

٢٥٦

اعيياء فأدغموا لاجتماع الياءين للزوم الفتحة الثانية وإن شئت أظهرت كما قلت في الفعل الماضي حيي وحي ويحى ووعى قال الله عزوجل (وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ)(١) وبعضهم يقول حيي قال ومن العرب من يقول أبيناء فيلقي كسرة الياء على الياء فيعل والقياس أن لا يعل لما ذكرناه ومن أعله فإنما استثقل الكسرة فألقاها على الساكن الذي قبلها وسهل ذلك أن بناء الفعل قد زال باتصال ألف التأنيث.

قال : " وأسكنوا الياء في أبينا كراهة الكسرة في الياء كما كرهوا الضمة في الواو في فعل فاسكنوا نحو نور وقول وليس هذا بالمطرد" يعني : أن تسكين من أسكن الياء من أبيناء كراهة الكسرة بمنزلة تسكين الضمة في فعل وذلك أن الاسم إذا كان على فعال أو فعول فالباب في جمعه فعل نحو قذال وقذل وجماد وجمد ورسول ورسل وقلوص وقلص ، وقد يجوز في فعل التخفيف فيقال فعل ورسل وقلص وقذل ، فإذا كانت العين واوا لم تجمع على فعل بضمتين واقتصروا فقال في جمع قذال قذل وفي جمع نوار وهي النافرة نور وربما جاؤوا بمثله على أصل الجمع قال عدي بن زيد :

وعن مبرقات بالبرين وتبدو

في الأكف اللامعات سور (٢)

وإنما هو جمع سوار مثل خمار وخمر وكتاب وكتب ، ومعنى قوله" وليس هذا بالمطرد" يريد ليس إعلال أبيناء بمطرد ؛ لأنه اسم قال وأما الإقامة والاستقامة فإنما اعتلتا كما اعتلت أفعالهما ، لأن الزوم الاستفعال والأفعال لاستفعل وأفعل كلزوم يستفعل ويفعل لهما ، ولو كانتا تفارقان كما تفارق بنات الثلاثة التي لا زيادة فيها مصادرها لتمت كما تتم فعول منهما ونحوه ، وقد بينا فيما مضى من الكتاب أن أفعل واستفعل يعتلان إذا كان موضع العين منهما ياء أو واوا ، فإذا اعتلا فلابد من إعلال مصادرهما فأما مصدر أفعل من المعتل العين فالإقامة نحوها وأما مصدر استفعل فالاستقامة نحوها وكان الأصل في الإقامة الأقوام ، لأنه مصدر أفعل مثل أكرم ومصدره الإكرام ، وقد كانت هذه الواو ألقيت حركتها في الفعل على ما قبلها وقلبت ألفا فقلبت في المصدر ألفا فاجتمعت ألفان إحداهما المنقلبة من الواو والأخرى ألف إفعال فأسقطت إحداهما لاجتماع الساكنين فعلى قول الخليل وسيبويه الساقطة هي الألف الثانية ، لأنها زائدة وقال الأخفش الساقطة الأولى ، لأن

__________________

(١) الأنفال الآية : ٤٢.

(٢) اللباب في علوم الكتاب ٢ / ١٦٠ ، المخصص ١ / ٣٧٠.

٢٥٧

التغيير عند اجتماع الساكنين يلحق الأول وقد مضى نحو هذا من الخلاف ، وكذلك الاستقامة أصلها الاستقوام مثل استغفار من استغفر فعمل بالواو مثل ما ذكرنا في واو أقوام وجعلت الهاء لازمة عوضا من حذف إحدى الألفين.

وقوله : " لأن لزوم الاستفعال والأفعال لأفعل كلزوم يستفعل ويفعل لهما".

يعني أعل المصدر من هذين الفعلين بلزوم لهما كما أعل المستقبل بلزومه الماضي أراد أن الأشياء الملازمة ما يجري مجرى على جميعها.

وقوله : " لو كانتا تفارقان كما تتفارق بنات الثلاثة التي لا زيادة فيها مصادرها لتمت كما يتم فعول منها" يعني : أن الإقامة والاستقامة مصدران لازمان لأفعل واستفعل اللذين بينا إعلالهما وليسا كمصادر الأفعال الثلاثية التي لا تلزم طريقا واحدا كفعول مصدر" غار"" يغور"" غؤورا" و" قعد"" قعودا" وليس كل ثلاثي مصدره فعول لأنك تقول قدر قدرة وعلم علما وقد صح فعول لأنه ليس بمصدر لازم لفعل معتل.

قال : " وأما مفعول فإنهم حذفوه فيهما وأسكنوه ؛ لأنه الاسم من فعل وهو لازم كلزوم الأفعال والاستفعال لأفعالهما ، وقد بينا إعلال مفعول كمزور ومبيع ومقول ، فإن قال طويل لم يعتل وهو من طال يطول وطال معتل".

قال أبو سعيد : طويل لم يأت على يطول ولا على الفعل ألا ترى أنك لو أردت الاسم على يفعل لقلت طائل ولو كان جاء عليه لاعتل يعني لو كان طويل على الفعل لاعتل.

قال : " فإنما هو كفعيل" يعني به مفعول ، وقد جاء مفعول على الأصل وبذا أجدر يعني لما جاء مفعول على الأصل غير معل نحو مخيوط ومعيون كان فعيل بالأصل أولى والسلامة ألزم.

قال : " ولم يهمزوا مقاول ومعايش لأنهما ليستا بالاسم على الفعل فتعتلا عليه وإنما هو جمع مقالة ومعيشة وأصله التحريك فجمعت على الأصل كأنك جمعت معيشة ومقولة ولم تجعله بمنزلة ما اعتل على فعله ولكنه أجرى مجرى مفعال" يعني : أنه متى جمع مقال ومقام ومعيشة وما جرى مجرى ذلك فإن حروف المد تدق إلى أصولها في الجمع ولا تعل فيقال في جمع مقال مقاول وخط على معايش قال الله عزوجل (مَعايِشَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) فلم يهمز الياء في معايش.

٢٥٨

وقال الشاعر :

وإني لقوّام مقاوم لم يكن

جرير ولا مولى جرير يقومها (١)

ولم يقل مقايم ولم يعتل هذا الجمع كما اعتل واحده ، لأن واحده يجري على الفعل إن كان مصدر الفعل والمصدر لازم للفعل وليس كذلك أجمع ، فإن قال قائل فقد أعل جمع الفاعل كما أعل الفاعل فقالوا قائمة وقوائم وبائنة وبوائن قيل له ليس اسم الفاعل من المصدر في شيء وذلك أنك إذا قلت قائمة ، ثم قلت قوائم فالحرف المعتل في الجمع وقع في مثل موقعه من الواحد متحركا في الجمع بعد ألف الجمع كما كان في الواحد بعد ألف فاعل فلم يغيروه وحرف العلة في المصدر ساكن كقولك مقام ومعاش فإذا جمعنا احتجنا إلى تحريكه ، فرّد إلى الأصل ولم يعل كما أعل الواحد ؛ لأنه قد خالف منهاجه وسألته عن مفعل لأي شيء أتم ولم يجر مجرى أفعل.

فقال : " لأن مفعلا إنما هو في مفعال" يعني أن مفعلا وإن كان نظيره من الفعل أفعل فهو في معنى مفعال الذي لا نظير له في الفعل ولا يعتل قال والدليل على أن مفعول في معنى مفعال اشتراكهما في أشياء كثيرة ألا ترى أنك تقول مطعن ومطعان ومفسد ومفساد فاردت بمفعل من المبالغة في الفعل ما أردته بمفعال وتقول مخصف ومفتاح وهما اللّتان ، وقد قالوا مفتح ومفتاح ومنسج ومنساج ومقول ومقوال فاعتور هذان البناءان هذه الأشياء لأنهما كشيء واحد ومفعل مقصور من مفعال.

قال : " فأما قولهم مصائب فإنما هو غلط منهم وذلك أنهم توهموا أن مصيبة فعيلة وإنما هي مفعلة ، وقد قالوا مصاوب".

اعلم أن كل ياء ساكنة معتلة في الواحد وهي عين الفعل منه متى أجمعنا صحت في الجمع فرجع ما كان منه من ذوات الواو إلى الواو وما كان منه من ذوات الياء إلى الياء ولم يهمز شيء من ذلك ويكون ذلك فيما يكون أوله ميم زائدة نحو ما ذكرناه من مقام ومقال ومثوبة ومعيشة وما جرى مجرى ذلك وكان الأصل في مصيبة مصوبة ، فألقيت كسرة الواو على الصاد وقلبت الواو ياء فإذا جمعناهما فالوجه أن يقال مصاوب كما ذكرنا في مقام ومقاوم وإذا كان الاسم على فعال أو فعال أو فعول أو فعيل أو على أربعة أحرف

__________________

(١) البيت للأخطل انظر ديوانه ٢٧٦ ، محاضرات الأدباء ١ / ١٢١ ، المخصص ٤ / ٢٠٩.

٢٥٩

وثالثه حرف من حروف المد واللين زائد ساكن إما ألف وإما واو ساكنة مضموم ما قبلها فإنك إذا جمعت شيئا من ذلك على تمام حروفه أدخلت ألف الجمع ثالثة ، فوقع حرف اللين الذي كان في الواحد ساكنا بعد ألف الجمع ، فاجتمع ساكنان فوجب حذف أحدهما أو التحريك فلو حذف أحدهما بطل علامة الجمع فوجب التحريك فحرك بأقرب الحروف من الألف وهو الهمز وذلك قولنا في قلوص قلائص وفي سفينة سفائن وفي رسالة رسائل ، ولو لم يحركوا لقالوا رسال وسفاف في جمع رسالة وسفينة.

قال سيبويه : " فالذين قالوا مصاوب توهموا أنها فعيلة مثل سفينة فلذلك همزوا وقالوا غيره إنما جمع مصيبة مصاوب ، لأن أصله الصوب يقال صاب يصوب في نحو معنى أصاب يصيب فوقعت الواو مكسورة في نحو الكلام فشبهوها بالواو المكسورة في أول الكلام همزة نحو وسادة وإسادة ووشاح وإشاح ، ثم ذكر همز واو عجوز وألف رسالة وياء صحيفة في الجمع إذا قلت عجائز ورسائل وصحائف ، وقد ذكرناه فيما مضى".

قال : فأما جمع ما أصله الحركة فهو بمنزلة ما حركت كجدول وهذه حروف لما لم يكن أصلها التحريك وكانت ميتة لا تدخلها الحركة على حال ، وقد وقعت بعد ألف لم تكن أقوى حالا مما أصله متحرك ، وقد تدخله الحركة في مواضع كثيرة وذلك نحو قولك : قال وباع ويغزو ويرمي فهمزه بعد الألف كما يهمز سقا ، وقضاء وكما تهمز قائل وأصله التحريك يعني : أن جمع ما أصله الحركة بمنزل جدول وجداول وعثير وعثاير وهو مقام ومقاوم ومعاش ومعايش لأن أصله مقوم ومعيش.

وقوله" وهذه الحروف لما لم يكن أصلها التحريك" يعني : ألف رسالة وواو عجوز وياء صحيفة.

وقوله : " لم يكن أقوى حالا مما أصله متحرك" يعني لم يكن ألف رسالة وواو عجوز أقوى حالا من ألف قال وواو يقول ، وقد قلبت في اسم الفاعل همزة في قولك قائل فلذلك تقلب ألف رسالة وواو عجوز همزة.

قال : " فهذه الأحرف الميتة أصلها الحركة أجدر أن تتغير" يعني أن الألف في رسالة والواو في عجوز أولى بالإعلال من ألف" قال" وواو" يقول" إذ كان الأصل في ألف" قال" وواو" يقول" الحركة.

٢٦٠