تيسير وتكميل شرح ابن عقيل على ألفيّة ابن مالك - ج ٣

الدكتور محمّد علي سلطاني

تيسير وتكميل شرح ابن عقيل على ألفيّة ابن مالك - ج ٣

المؤلف:

الدكتور محمّد علي سلطاني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار العصماء
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٠٤

وقول الآخر :

٧ ـ تقول عرسي وهي لي في عومره

بئس امرأ ، وإنّني بئس المره (١)

__________________

موئلا المولى : لا محل لها من الإعراب لأنها جواب القسم». إذا : ظرف زمان يتضمن معنى الشرط مبني على السكون في محل نصب متعلق بالجواب المحذوف. حذرت : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح والتاء للتأنيث. بأساء : نائب فاعل مرفوع وهو مضاف. ذي : مضاف إليه مجرور بالياء لأنه من الأسماء الستة وهو مضاف. البغي : مضاف إليه مجرور بالكسرة ، جملة «حذرت بأساء» في محل جر بإضافة إذا إليها. واستيلاء : الواو عاطفة استيلاء معطوف على بأساء ومرفوع مثله بالضمة وهو مضاف. ذي : مضاف إليه مجرور بالياء لأنه من الأسماء الستة وهو مضاف. الإحن : مضاف إليه مجرور بالكسرة.

الشاهد : في قوله : «لنعم موئلا» حيث رفعت نعم ضميرا مستترا فسّره التمييز المذكور بعده.

(١) قائله : غير معروف. عرسي : امرأتي. عومرة ؛ صياح. مره في قوله «المره» أصله مرأة بوزن تمره نقلت حركة الهمزة إلى الراء وحذفت الهمزة فصار «مره» بوزن سنه.

المعنى : تقول امرأتي وهي تصيح بي وترفع صوتها : إنك بئس الرجل وإنني بئس المرأة».

الإعراب : تقول : «مضارع مرفوع بالضمة. عرسي : فاعل مرفوع بضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم وهو مضاف وياء المتكلم مضاف إليه في محل جر. وهي : الواو حالية ، هي : ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. لي : جار ومجرور متعلق بمتعلق الخبر في قوله «في عومرة» في عومرة : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر «هي» وجملة «هي في عومرة» في محل نصب حال من عرسي. بئس : فعل ماض جامد لإنشاء الذم مبني على الفتح وفاعله ضمير مستتر وجوبا تقديره هو يفسره التمييز المذكور بعدها امرأ : تمييز يفسر ضمير بئس منصوب. وإنني : الواو عاطفة. إن : حرف مشبه بالفعل ينصب الاسم ويرفع الخبر والنون للوقاية والياء اسم إن. بئس : فعل ماض جامد لإنشاء الذم. المره :

٢٤١

اختلاف النحاة في اجتماع التمييز والفاعل الظاهر :

وجمع تمييز وفاعل ظهر

فيه خلاف عنهم قد اشتهر (١)

اختلف النحويون في جواز الجمع بين التمييز والفاعل الظاهر في «نعم» وأخواتها ؛

(أ) فقال قوم : لا يجوز ذلك ، وهو المنقول عن سيبويه ، فلا تقول :

«نعم الرجل رجلا زيد».

(ب) وذهب قوم إلى الجواز ، واستدلوا بقوله :

٨ ـ والتغلبيّون بئس الفحل فحلهم

فحلا وأمّهم زلّاء منطيق (٢)

__________________

فاعل بئس مرفوع بضمة على آخره وسكنت تاؤه للوقف فأصبحت هاء ساكنة. وجملة «بئس المره» في محل رفع خبر إن. والجملتان : «بئس امرأ وإنني بئس المره» في محل نصب مقول القول «تقول».

الشاهد : في قوله : «بئس امرأ» حيث رفعت بئس ضميرا فسّره التمييز المذكور بعده.

(١) ظهر : فعل ماض مبني على الفتح وسكن للروي وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا يعود على فاعل تقديره هو والجملة في محل جر صفة لفاعل.

(٢) قائله : جرير يهجو الأخطل. الزّلاء : بفتح الزاي وشد اللام. المرأة القليلة لحم الأليتين. المنطيق : المرأة التي تعظم عجيزتها بإزارها. والمنطيق : في الأصل صيغة مبالغة من النطق يستوى فيه المذكر والمؤنث ومعناه «البليغ».

المعنى : «إن قبيلة تغلب يذمّ فيها الأب لأنه غير عريق لا ينجب الكرام وتذم فيها الأم لامتهانها في العمل والخدمة فهي قليلة لحم الأليتين وتتظاهر بالترف فتعظّم عجيزتها بإزارها».

الإعراب : التغلبيون : مبتدأ مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم. والنون عوض عن التنوين في المفرد : بئس : فعل ماض جامد لإنشاء الذم. الفحل : فاعل بئس مرفوع بالضمة وجملة «بئس الفحل» في محل رفع خبر مقدم للمخصوص بالذم. فحلهم : فحل هو المخصوص بالذم مبتدأ مرفوع بالضمة وهو مضاف والهاء

٢٤٢

وقوله :

٩ ـ تزوّد مثل زاد أبيك فينا

فنعم الزاد زاد أبيك زادا (١)

__________________

مضاف إليه والميم علامة جمع الذكور. وجملة «فحلهم بئس الفحل» في محل رفع خبر المبتدأ «التغلبيون» فحلا : تمييز منصوب. وأمهم : الواو عاطفة أم مبتدأ مرفوع بالضمة والهاء مضاف إليه والميم علامة جمع الذكور. زلاء : خبر أم مرفوع بالضمة. منطيق : خبر ثان مرفوع بالضمة والجملة «أمهم زلاء» في محل رفع معطوفة على جملة «فحلهم بئس الفحل».

الشاهد : في قوله : «بئس الفحل فحلهم فحلا» حيث جمع بين التمييز «فحلا» وفاعل بئس الظاهر «الفحل» وهذا دليل جوازه عند قوم.

(١) قائله : جرير بن عطية من قصيدة يمدح بها عمر بن عبد العزيز. الزاد : هنا ـ العيشة الطيبة والسيرة الحميدة وهو في الأصل الطعام المتخذ للسفر.

المعنى : «عليك أن تتأسى بسيرة أبيك الحميدة في الرعية فإن خطته حميدة مشكورة وأنت جدير بإحيائها فينا».

الإعراب : تزود : فعل أمر مبني على السكون ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. مثل : مفعول به لتزود منصوب بالفتحة وهو مضاف. زاد : مضاف إليه مجرور بالكسرة وهو مضاف. أبيك : مضاف إليه مجرور بالياء لأنه من الأسماء الستة وهو مضاف والكاف مضاف إليه. فينا : جار ومجرور متعلق بتزود فنعم : الفاء تعليلية. نعم : فعل ماض جامد لإنشاء المدح مبني على الفتح. الزاد : فاعل نعم مرفوع بالضمة. والجملة «نعم الزاد» في محل رفع خبر مقدم للمخصوص بالمدح. زاد أبيك : زاد ـ مخصوص بالمدح مرفوع مبتدأ مؤخر وهو مضاف. أبيك مضاف إليه مجرور بالياء لأنه من الأسماء الستة وهو مضاف والكاف في محل جر مضاف إليه. زادا : تمييز منصوب بالفتحة.

الشاهد : في قوله : «فنعم الزاد زاد أبيك زادا» حيث جمع بين فاعل نعم الظاهر «الزاد» والتمييز «زادا» وهو دليل على جوازه عند قوم ، وسيبويه لا يجيزه. وبعضهم يعرب «زادا» مفعول به للفعل «تزود» ويعرب «مثل» حال من «زادا» وإن كان نكرة لتقدمه عليه ، وعلى هذا الإعراب لا يبقى شاهد في البيت ، ويكون تقدير البيت : «تزود زادا مثل زاد أبيك فينا ، فنعم الزاد زاد أبيك».

٢٤٣

(ج) وفصّل بعضهم ، فقال : إن أفاد التمييز فائدة زائدة على الفاعل جاز الجمع بينهما ، نحو «نعم الرجل فارسا زيد» وإلا فلا ، نحو «نعم الرجل رجلا زيد».

فإن كان الفاعل مضمرا جاز الجمع بينه وبين التمييز اتفاقا ، نحو «نعم رجلا زيد».

إعراب «ما» الواقعة بعد «نعم» :

وما مميّز وقيل فاعل

في نحو «نعم ما يقول الفاضل» (١)

تقع «ما» بعد «نعم وبئس» فتقول : «نعم ما» أو «نعمّا» و «بئس ما» ومنه قوله تعالى : (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ)(٢) وقوله

__________________

(١) نعم : فعل ماض جامد لإنشاء المدح مبني على الفتح وفاعلها ضمير مستتر تقديره هو. ويجوز في إعرابها وجهان :

الأول : تعرب تمييزا للفاعل المستتر وتكون نكرة ناقصة بمعنى شيئا وجملة «يقول الفاضل» في محل نصب صفة لما. ويكون المخصوص بالمدح محذوفا والتقدير نعم هو شيئا يقوله الفاضل ذلك الشيء.

الثاني : تعرب «ما» فاعلا لنعم وتكون معرفة لأنها اسم موصول بمعنى الذي في محل رفع. وجملة «يقول الفاضل» صلتها لا محل لها من الإعراب والمخصوص بالمدح محذوف والتقدير : نعم الذي يقوله الفاضل ذلك القول. أو لأنها نكرة تامة أي نعم الشيء.

(٢) الآية ٢٧١ من سورة البقرة وهي : (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ ...)

وإعراب «نعما هي» كما يلي : نعم : فعل ماض جامد لإنشاء المدح. ما ـ المدغمة في ميم نعم ـ تمييز للفاعل المستتر وتكون نكرة تامة بمعنى «شيئا» أو فاعل نعم وتكون معرفة تامة بمعنى «الشيء» وهي : ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ مؤخر ـ وهو المخصوص بالمدح ـ والجملة قبله خبره.

٢٤٤

تعالى : (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ)(١) واختلف في «ما» فقال قوم : هي نكرة منصوبة على التمييز ، وفاعل نعم ضمير مستتر. وقيل : هي الفاعل ، وهي اسم معرفة ، وهذا مذهب ابن خروف ونسبه إلى سيبويه.

إعراب المخصوص بالمدح أو الذم :

ويذكر المخصوص بعد مبتدا

أو خبر اسم ليس يبدو أبدا

يذكر بعد «نعم وبئس» وفاعلهما اسم مرفوع ، هو المخصوص بالمدح أو الذمّ ، وعلامته : أن يصلح لجعله مبتدأ. وجعل الفعل والفاعل خبرا عنه ، نحو «نعم الرجل زيد ، وبئس الرجل عمرو ، ونعم غلام القوم زيد ، وبئس غلام القوم عمرو ، ونعم رجلا زيد ، وبئس رجلا عمرو» وفي إعرابه وجهان مشهوران :

(أ) أحدهما : أنه مبتدأ والجملة قبله خبر عنه.

(ب) الثاني : أنه خبر مبتدأ محذوف وجوبا والتقدير «هو زيد ، وهو عمرو» أي الممدوح زيد ، والمذموم عمرو ، ومنع بعضهم الوجه الثاني ، وأوجب الأول.

(ج) وقيل : هو مبتدأ خبره محذوف ، والتقدير : زيد الممدوح.

وإن يقدّم مشعر به كفى

ك «العلم نعم المقتنى والمقتفى»

إذا تقدم ما يدل على المخصوص بالمدح أو الذم أغنى عن ذكره آخرا ، كقوله تعالى في أيوب : (إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ)(٢) أي : نعم العبد أيوب ، فحذف المخصوص بالمدح ـ وهو أيوب ـ لدلالة ما قبله عليه.

__________________

(١) الآية ٩٠ من سورة البقرة وهي (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ ..).

(٢) الآية ٤٤ من سورة ص. وقد ذكر أيوب في الآية ٤١ قبلها وهما «وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ ... وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ».

٢٤٥

«ساء» مثل «بئس». صيغة «فعل» للمدح أو الذم :

واجعل كبئس «ساء» ، واجعل «فعلا»

من ذي ثلاثة كنعم مسجلا (١)

تستعمل «ساء» في الذم استعمال «بئس» فلا يكون فاعلها إلا ما يكون فاعلا لبئس ، وهو المحلّى بالألف واللام ، نحو : «ساء الرجل زيد» والمضاف إلى ما فيه الألف واللام ، نحو «ساء غلام القوم زيد» والمضمر المفسّر بنكرة بعده ، نحو : «ساء رجلا زيد» ومنه قوله تعالى : (ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا)(٢) ـ ويذكر بعدها المخصوص بالذم ، كما يذكر بعد «بئس» وإعرابه كما تقدّم.

وأشار بقوله : «واجعل فعلا إلى أن كل فعل ثلاثي (٣) يجوز أن يبنى منه على «فعل» لقصد المدح والذم ، يعامل معاملة «نعم (٤) ،

__________________

(١) مسجلا : أي مطلقا عن التقييد بحكم دون الآخر.

(٢) من الآية ١٧٧ من سورة الأعراف وهي («ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ».)

وإعراب الآية كما يلي : ساء : فعل ماض جامد لإنشاء الذم مبني على الفتح ، وفاعله ضمير مستتر يفسره التمييز بعده. مثلا : تمييز منصوب وهو مفسر لفاعل بئس وجملة «ساء مثلا» في محل رفع خبر مقدم للمخصوص بالذم القوم : مبتدأ مؤخر مرفوع وهو المخصوص بالذم ..

(٣) يشترط فيه أن يكون صالحا لبناء التعجب منه بأن يكون متصرفا ، تاما ، قابلا للمفاضلة ، غير منفي ، وليس الوصف منه على أفعل ولا مبنيا للمجهول.

(٤) «فعل» يخالف «نعم وبئس» في ستة أمور : الأول : كونه للمدح الخاص. الثاني : إشرابه التعجب. الثالث : جواز خلو فاعله الظاهر من أل ، نحو «وحسن أولئك رفيقا» الرابع : كثرة جر فاعله الظاهر بالباء الزائدة تشبيها بأسمع بهم. الخامس والسادس : جواز عود فاعله المضمر إلى التمييز بعده كما في نعم ، وجواز مطابقته لما قبله. فقولك «زيد كرم رجلا» يحتمل أن يعود الضمير إلى زيد المتقدم كما في فعل التعجب لتضمنه معناه ، وتقول على الوجه الأول : الزيدون كرم رجالا. وتقول على الوجه الثاني : الزيدون كرموا رجالا. وبهذا يتضح أن قول المصنف «كنعم مسجلا» ليس على سبيل الوجوب في كل الأحكام.

٢٤٦

وبئس» في جميع ما تقدم لهما من الأحكام ، فتقول : «شرف الرجل زيد ، ولؤم الرجل بكر وشرف غلام الرجل زيد ، وشرف رجلا زيد».

ومقتضى هذا الإطلاق أنه يجوز في علم أن يقال «علم الرجل زيد» بضم عين الكلمة ، وقد مثّل هو وابنه به ، وصرّح غيره أنه لا يجوز تحويل «علم وجهل وسمع» إلى «فعل» بضم العين ، لأن العرب حين استعملتها هذا الاستعمال أبقتها على كسرة عينها ، ولم تحولها إلى الضم ، فلا يجوز لنا تحويلها. بل نبقيها على حالها ، كما أبقوها ؛ فتقول :

«علم الرجل زيد ، وجهل الرجل عمر ، وسمع الرجل بكر».

«حبذا» و «لا حبذا» للمدح والذم :

ومثل نعم «حبّذا» الفاعل «ذا»

وإن ترد ذمّا فقل : «لا حبّذا» (١)

يقال في المدح : «حبذا زيد» ، وفي الذمّ : «لا حبذا زيد» كقوله :

__________________

(١) أي إن (حبّ» من «حبذا» مثل «نعم» في كونها نقلت لإنشاء المدح العام ، ومثلها في الفعلية على الأصح. ومثلها في المضيّ ، وفي الجمود. وتزيد «حبّ» بإشعارها بأن المحمود محبوب للنفس ولهذا جعل فاعله اسم الإشارة «ذا» ليدلّ على الحضور في القلب. وتفارق «حبّ» «نعم» في جواز دخول «لا» عليها ، وفي لزومها هيئة واحدة .. ومن أوجه المماثلة بين حب ونعم أنّ. فاعل حبّ مثل فاعل نعم لا يجوز إتباعه فإذا وقع بعده اسم مثل قولك «حبذا الرجل» يكون «الرجل» مخصوصا بالمدح لا تابعا لاسم الإشارة.

٢٤٧

١٠ ـ ألا حبّذا أهل الملا غير أنّه

إذا ذكرت ميّ فلا حبّذا هيا (١)

واختلف في إعرابها :

(أ) فذهب أبو علي الفارسي ـ في البغداديات ـ وابن برهان ، وابن خروف ـ وزعم أنه مذهب سيبويه ، وأن من نقل غيره فقد أخطأ عليه ـ واختاره المصنف ، إلى أن «حبّ» فعل ماض ، و «ذا»

__________________

(١) قائله : ذو الرمة. الملا : الصحراء.

المعنى : «إن الناس كلهم يستحقون المدح والثناء الجميل إلا ميا فإنها إذا ذكرت تستحق الذم».

الإعراب : ألا : حرف استفتاح وتنبيه. حبذا : حب. فعل ماض جامد لإنشاء المدح مبني على الفتح. ذا : اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع فاعل حب وجملة «حبذا» في محل رفع خبر مقدم للمخصوص بالمدح. أهل : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة وهو المخصوص بالمدح ، وهو مضاف. الملا : مضاف إليه مجرور بكسرة مقدرة على الألف. غير : منصوب على الاستثناء بفتحة ظاهرة. أنه : أن حرف مشبه بالفعل ينصب الاسم ويرفع الخبر والهاء ضمير الشأن اسمها إذا : ظرف زمان يتضمن معنى الشرط مبني على السكون في محل نصب متعلق بالجواب «لا حبذا» ذكرت : فعل ماض مبني للمجهول على الفتح والتاء للتأنيث. مي : نائب فاعل مرفوع بالضمة. وجملة «ذكرت مي» في محل جر بإضافة إذا إليها. فلا : الفاء واقعة في جواب إذا. لا : نافية. حبذا : فعل ماض وفاعل ـ كما مرّ ـ والجملة في محل رفع خبر مقدم للمخصوص بالذم. هيا : ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ مؤخر وهو المخصوص بالذم والألف للإطلاق. وجملة «لا حبذا هي» جواب إذا لا محل لها من الإعراب. وجملتا الشرط «ذكرت مي ـ لا حبذا هي» في محل رفع خبر أنّ. وأن وما بعدها. في تأويل مصدر مجرور بإضافة غير إليه. التقدير «غير ذكر ميّ بالجميل».

الشاهد : في قوله : «حبذا أهل الملا فلا حبذا هيا» حيث استعمل للمدح «حبذا» وللذم «لا حبذا».

٢٤٨

فاعله ، وأما المخصوص فجوّز أن يكون مبتدأ والجملة قبله خبره ، وجوز أن يكون خبرا لمبتدأ محذوف ، وتقديره : هو زيد ، أي : الممدوح أو المذموم زيد ، واختاره المصنف.

(ب) وذهب المبرد ـ في المقتضب ـ وابن السراج ـ في الأصول ـ وابن هشام اللخميّ ـ واختاره ابن عصفور ـ إلى أن «حبذا» اسم (١) ، وهو مبتدأ ، والمخصوص خبره ، أو خبر مقدّم ، والمخصوص مبتدأ مؤخر ، فركّبت «حبّ» مع «ذا» وجعلتا اسما واحدا.

(ج) وذهب قوم ـ منهم ابن درستويه ـ إلى أن «حبذا» فعل ماض ، و «زيد» فاعله ؛ فركّبت «حبّ» مع «ذا» وجعلتا فعلا ، وهذا أضعف المذاهب.

وأول ذا المخصوص أيّا كان لا

تعدل ب «ذا» فهو يضاهي المثلا (٢)

أي : أوقع المخصوص بالمدح والذمّ بعد «ذا» على أيّ حال كان ـ من الإفراد والتذكير ، والتأنيث ، والتثنية ، والجمع ـ ولا تغيّر «ذا»

__________________

(١) أي «حبذا» بمنزلة قولك «المحبوب» فإذا قلت : «حبذا زيد» فالتقدير «المحبوب زيد».

(٢) أول : فعل أمر مبني على حذف حرف العلة ـ من : أولى الشيء بالشيء : إذا أتبعه به ـ وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ذا : اسم إشارة ـ بقصد لفظه ـ مفعول به ثان لأول. المخصوص : مفعول به أول منصوب ، التقدير : اجعل المخصوص واليا اسم الإشارة «ذا» أي تابعا له. أيّا : اسم شرط جازم يجزم فعلين منصوب لأنه خبر مقدم لكان. كان : فعل ماض ناقص مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط ، واسمها ضمير مستتر جوازا يعود على المخصوص. لا تعدل : لا ناهية. تعدل فعل مضارع مجزوم بلا بالسكون وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت و «لا تعدل» في محل جزم جواب الشرط ، وقد حذفت منه الفاء الرابطة للضرورة والأصل «فلا تعدل» بذا : جار ومجرور متعلق بتعدل.

٢٤٩

لتغير المخصوص ، بل يلزم الإفراد والتذكير ، وذلك لأنها أشبهت المثل ، والمثل لا يغيّر ، فكما تقول : «الصيف ضيّعت اللبن» (١) للمذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والجمع بهذا اللفظ فلا تغيّره ، تقول : «حبذا زيد ، وحبذا هند ، والزيدان والهندان ، والزيدون والهندات» فلا تخرج «ذا» عن الإفراد والتذكير ، ولو خرجت لقيل : «حبذي هند ، وحبذان الزيدان ، وحبّتان الهندان ، وحبّ أولئك الزيدون ، أو الهندات».

وما سوى «ذا» ارفع بحبّ أو فجر

بالبا ودون «ذا» انضمام الحاكثر (٢)

__________________

(١) هذا مثل لمن يطلب الشيء بعد تفريطه فيه. والصيف : بالنصب ظرف زمان لضيّعت ـ بكسر التاء ـ خطابا لمؤنث. وأصله أن امرأة طلّقت زوجا غنيا لكبره وأخذت شابا فقيرا فلما جاء الشتاء أرسلت للأول تطلب منه لبنا فقال : «الصيف ضيعت اللبن» أي : ضيعت اللبن في زمن الصيف فكيف تطلبينه الآن : فقالت : «هذا ومذقه خير» أي : هذا الشابّ ولبنه المخلوط بالماء خير من ذلك الشيخ الغنيّ.

(٢) ما : اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به مقدم لا رفع. سوى : خبر لمبتدأ محذوف ـ هو عائد الموصول ـ مرفوع بضمة مقدرة على الألف وهو مضاف. ذا : مضاف إليه وجملة «هو سوى ذا» لا محل لها من الإعراب صلة الموصول. ارفع : فعل أمر مبني على السكون وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. بحب : الباء حرف جر. حب ـ قصد لفظه ـ مجرور بالباء والجار والمجرور متعلق بارفع. أو : حرف عطف. فجرّ : الفاء زائدة ـ وليست عاطفة لأنها مسبوقة بحرف عطف والعاطف لا يدخل على مثله ـ جر : فعل أمر مبني على السكون وحرك بالفتح تخفيفا ـ بسبب التضعيف وتعذر اجتماع الساكنين ـ وقد سكن للروي. بالبا : جار ومجرور متعلق بجر. ودون : الواو عاطفة. دون : ظرف منصوب بالفتحة متعلق بمحذوف حال من «حبّ» المحذوف للعلم به. وهو مضاف. ذا : مضاف إليه ـ قصد لفظه ـ انضمام : مبتدأ مرفوع بالضمة وهو مضاف. الحا : مضاف إليه مجرور بالكسرة وقصر للضرورة ـ الأصل الحاء ـ كثر : فعل ماض مبني على الفتح وسكن للروي وفاعله ضمير مستتر جوازا تقديره هو وجملة كثر في محل رفع خبر انضمام تقدير الشطر الأخير : وانضمام الحاء من حبّ حال كونه دون ذا كثير.

٢٥٠

يعنى أنه إذا وقع بعد «حبّ» غير «ذا» من الأسماء جاز فيها وجهان : الرفع بحبّ ، نحو «حبّ زيد» والجرّ بباء زائدة نحو «حبّ بزيد» وأصل «حبّ» حبب ، ثم أدغمت الباء في الباء فصار حبّ.

ثم إن وقع بعد «حبّ» ذا وجب فتح الحاء ، فتقول : «حبّ ذا» وإن وقع بعدها غير «ذا» جاز ضمّ الحاء وفتحها فتقول : «حبّ زيد» و «حبّ زيد» وروى بالوجهين قوله :

١١ ـ فقلت اقتلوها عنكم بمزاجها

وحبّ بها مقتولة حين تقتل (١)

__________________

(١) قائله : الأخطل التغلبي. اقتلوها : الضمير «ها» عائد على الخمر ، وقتل الشراب : مزجه بالماء ، أي : ادفعوا سورة الخمرة بمزجها بالماء.

المعنى : «قلت لمن يبغي شراب الخمرة : امزجوا الخمرة وادفعوا سورتها عنكم بما تمزج به فإنها تمدح إذا كانت ممزوجة».

الإعراب : قلت : قال فعل ماض مبني على السكون والتاء فاعل. اقتلوها : فعل أمر مبني على حذف النون لاتصاله بالواو. والواو فاعل وها : مفعول به. وجملة «اقتلوها» في محل نصب مقول القول. عنكم ، بمزاجها : جاران ومجروران متعلقان باقتلوها. وحب : الواو عاطفة. حب : فعل ماض لإنشاء المدح مبني على الفتح. بها : الباء حرف جر زائد. ها : مجرور لفظا وهو مرفوع تقديرا فاعل حب. مقتولة تمييز منصوب بالفتحة. حين : ظرف مكان منصوب متعلق بحب. تقتل : مضارع مبني للمجهول مرفوع ونائب الفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره «هي» وجملة «تقتل» في محل جر بإضافة حين إليها. وجملة «حب بها مقتولة» مستأنفة فيها معنى التعليل لما قبلها.

الشاهد : في قوله : «حب» فقد روي بوجهين : فتح الحاء ، وضمها. وعند الضم ـ نقلت حركة العين إلى الفاء. لأن الأصل : حبب ـ كشرف ـ نقلت حركة الباء إلى الحاء ثم أدغمت الباء في الباء. وكلا الوجهين في حب جائز مادام فاعلها غير اسم الإشارة «ذا».

٢٥١

أسئلة ومناقشات

١ ـ بم استدل جمهور النحاة على أنّ (نعم وبئس) فعلان؟ وضح ذلك مع التمثيل.

٢ ـ ما الشروط اللازمة في فاعل (نعم وبئس)؟ اذكر أنواع ذلك الفاعل مع التمثيل لكل واحد بمثال.

٣ ـ يقع فاعل (نعم وبئس) ضميرا مستترا فما شرط ذلك الضمير؟ وما مفسره؟ وهل يجوز أن يتقدم المفسر على الفاعل؟ ولماذا؟ مثل.

٤ ـ ما المقصود بالمخصوص بالمدح أو الذم؟ وأين يذكر؟ وكيف تعربه؟ وما ذا ترى في الجمع بين التمييز والفاعل الظاهر؟ وضح ومثل

٥ ـ كيف تعرب (ما) الواقعة بعد (نعم وبئس) وضح ما قيل في ذلك مع التمثيل والاستشهاد.

٦ ـ هناك صيغ للمدح والذم غير (نعم وبئس وحبذا) فما هي؟ وما شرط صوغها؟ مثل لها بأمثلة متنوعة موضحا أحكامها.

٧ ـ يستعمل النحاة (حبذا) للمدح (ولا حبذا) للذم.

ما إعراب هاتين الصيغتين؟ وإذا وقع بعدهما اسم غير (ذا) فهل يتغير وضعهما؟ وضح كيف يكون المخصوص بهما؟ مع ذكر أمثلة متنوعة.

٢٥٢

تمرينات

١ ـ قال تعالى : («ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا)(١).

(أ) ما معنى «ساء» في الآية؟ وأين فاعلها؟ وما شرطه؟

(ب) كيف تعرب كلمة (القوم) وبماذا تسميّها؟.

(ج) ما إعراب (مثلا» وما حكمة وجودها؟

(د) ما الفعل الذي يستعمله النحاة مقابلا ل (ساء) ، مثل له في جملة تامة.

(ه) ابسط القول فيما يلزم الفعل «ساء» من أمور ... ثم اذكر وزنها الصرفي.

٢ ـ قال جرير :

يا حبذا جبل الريان من جبل

وحبذا ساكن الريان من كانا

وحبذا نفحات من يمانية

تأتيك من قبل الريان أحيانا

(أ) بم تسمّى أسلوب (حبذا) في البيتين؟ وما معناهما على هذا؟

(ب) فصّل القول في إعراب «حبذا» من خلال البيت موضحا الآراء مستدلا على الأرجح منها.

(ج) بم يسمّي النحاة كلمتي (جبل الريّان) و (نفحات) في البيتين وما إعرابهما؟

__________________

(١) آية ١٧٧ سورة الأعراف.

٢٥٣

(د) هل هناك اتفاق على إعراب كلمة (ذا) من (حبذا)؟ وما أصح الآراء؟

٣ ـ مثل لما يأتي في جمل تامة من عندك :

(أ) فاعل (نعم) مضاف إلى ما فيه (أل) وآخر ضمير مستتر مفسر بالتمييز.

(ب) فاعل (نعم) ضمير جماعة الإناث ومفسر بتمييز بعده.

(ج) تمييز لإحدى الصيغتين مجتمع مع الفاعل الظاهر.

(د) مخصوص بالمدح حذف من التركيب مع ذكر السبب.

٤ ـ قال تعالى : (إِنَّ اللهَ (١) نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ).

ما أصل (نعمّا) في الآية؟ وكيف تعرب (ما) وضح الآراء.

٥ ـ قال تعالى : (بِئْسَ الشَّرابُ (٢) وَساءَتْ مُرْتَفَقاً).

(أ) في الآية أسلوبا ذم عينهما.

(ب) اذكر الفاعل لكلا الصيغتين.

(ج) ما أصل الفعل (ساء)؟ وما شرط فاعله؟

(د) قدّر المخصوص بالذم في كلتا الآيتين؟ وكيف صح حذفه؟

(ه) لماذا تكرر الذم في الآية؟ وهل هو وارد على شيء واحد؟

٦ ـ بين موضع الاستشهاد فيما يأتي من هذا الباب ثم أعرب ما تحته خط :

قال تعالى : «فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٣)» ـ «كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ» (٤) ـ ـ «نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٥)».

__________________

(١) آية ٥٨ سورة النساء.

(٢) آية ٢٩ سورة الكهف.

(٣) آية ٢٩ سورة النحل.

(٤) آية ٥ سورة الكهف.

(٥) آية ٣٠ سورة ص.

٢٥٤

وقال الشاعر :

ألا حبذا عاذري في الهوى

ولا حبذا العاذل الجاهل

تخيّره فلم يعدل سواه

فنعم المرء من رجل تهامي

لعمري وما عمرى عليّ بهيّن

لبئس الفتى المدعو بالليل حاتم

٦ ـ اشرح البيت الآتي ثم أعربه تفصيلا وهو لزهير بن أبي سلمى :

نعم امرأ هرم لم تعر نائبة

إلا وكان لمرتاع بها وزرا

٢٥٥

أفعل التفضيل (١)

ما يصاغ منه أفعل التفضيل :

صغ من مصوغ منه للتعجّب

«أفعل» للتفضيل وأب اللذ أبي (٢)

يصاغ من الأفعال التي يجوز التعجب منها ـ للدلالة على التفضيل ـ وصف على وزن «أفعل» (٣) فتقول : «زيد أفضل من عمرو ، وأكرم من خالد» كما تقول : «ما أفضل زيدا وما أكرم خالدا». وما امتنع بناء فعل التعجب منه امتنع بناء أفعل التفضيل منه ، فلا يبنى من فعل زائد

__________________

(١) أفعل التفضيل في اصطلاح النحاة : اسم لكل ما دل على الزيادة ـ مطلق الزيادة ـ فقد تكون زيادة في تفضيل : مثل : أحسن وأكرم ، وقد تكون زيادة في تنقيص مثل : أقبح ، وأبخل.

(٢) أفعل : مفعول به لصغ منصوب ، وأب : الواو عاطفة. وأب : فعل أمر مبني على حذف حرف العلة وهو الألف وفاعله مستتر وجوبا تقديره أنت. اللذ : اسم موصول ـ لغة في الذي ـ مبني على السكون في محل نصب مفعول به للفعل «ائب» أبي : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح وسكن للروي ، ونائب الفاعل ضمير. مستتر فيه جوازا يعود إلى الموصول تقديره هو والجملة «أبي» لا محل لها صلة الموصول.

(٣) يؤخذ منه تعريف أفعل التفضيل بأنه : الوصف الموازن لأفعل ـ ولو تقديرا ـ الدالّ على زيادة صاحبه في أصل الفعل. وقولهم «ولو تقديرا» لإدخال : خير وشرّ ـ فهما اسما تفضيل وأصلهما «أخير وأشرّ» وإنما حذفت همزتهما لكثرة الاستعمال فحذف الهمزة شاذ قياسا لا استعمالا ، وفيهما شذوذ آخر هو كونهما لا فعل لهما. وأفعل التفضيل اسم لقبوله علامات الأسماء وهو غير مصروف للزومه الوصفية ووزن الفعل.

٢٥٦

على ثلاثة أحرف ، كدحرج واستخرج ، ولا من فعل غير متصرف ، كنعم وبئس ، ولا من فعل لا يقبل المفاضلة ، كمات وفني ، ولا من فعل ناقص ككان وأخواتها ، ولا من فعل منفي نحو ، «ما عاج وما ضرب» ولا من فعل يأتي الوصف منه على أفعل ، نحو «حمر وعور» ولا من فعل مبني للمفعول نحو «ضرب وجنّ» وشذ منه قولهم : «هو أخصر من كذا» فبنوا أفعل التفضيل من «اختصر» وهو زائد على ثلاثة أحرف ، ومبني للمفعول ، وقالوا : «أسود من حلك الغراب» و «أبيض من اللبن» فبنوا أفعل التفضيل ـ شذوذا ـ من فعل الوصف منه على أفعل.

وما به إلى تعجب وصل

لمانع به إلى التفضيل صل (١)

تقدم ـ في باب التعجب ـ أنه يتوصّل إلى التعجب من الأفعال التي لم تستكمل الشروط ب «أشدّ» ونحوها ، وأشار هنا إلى أنه يتوصل إلى التفضيل من الأفعال التي لم تستكمل الشروط بما يتوصل به في التعجب ؛ فكما تقول «ما أشدّ استخراجه» تقول «هو أشدّ استخراجا من زيد» وكما تقول «ما أشدّ حمرته» تقول : «هو أشدّ حمرة من زيد» لكن المصدر ينتصب في باب التعجب بعد «أشدّ» مفعولا ، وههنا ينتصب تمييزا.

أحوال أفعل التفضيل : (مجرد ، مضاف ، مقترن بأل):

وأفعل التفضيل صله أبدا

تقديرا ، أو لفظا بمن إن جرّدا (٢)

__________________

(١) ما : اسم موصول مبتدأ. به : جار ومجرور وهو نائب فاعل لوصل ، وقد تقدم على فعله للضرورة. إلى تعجب : جار ومجرور متعلق بوصل وصل : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح وجملة «وصل» لا محل لها صلة الموصول. لمانع : جار ومجرور متعلق بوصل. وجملة «صل به إلى التفضيل» في محل رفع خبر المبتدأ «ما».

(٢) تقدير البيت : إن جرد أفعل التفضيل عن الألف واللام وعن الإضافة فصله دوما ب «من» ملفوظة أو مقدرة.

٢٥٧

لا يخلو أفعل التفضيل من أحد ثلاثة أحوال :

(أ) الأول : أن يكون مجردا.

(ب) الثاني : أن يكون مضافا.

(ج) الثالث : أن يكون بالألف واللام.

فإن كان مجردا فلا بد أن يتصل به «من» (١) لفظا وتقديرا ، جارّة للمفضّل عليه ، نحو «زيد أفضل من عمرو ، ومررت برجل أفضل من عمرو» وقد تحذف «من» ومجرورها للدلالة عليهما ، كقوله تعالى : (أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً)(٢) أي : وأعز منك.

ـ وفهم من كلامه أن أفعل التفضيل إذا كان ب «أل» أو مضافا لا تصحبه «من» (٣) فلا تقول : «زيد الأفضل من عمرو» ولا «زيد أفضل الناس من عمرو».

وأكثر ما يكون ذلك إذا كان أفعل التفضيل خبرا ، كالآية الكريمة ونحوها وهو كثير في القرآن ، وقد تحذف منه وهو غير خبر كقوله :

__________________

(٢) لا يفصل بين أفعل التفضيل والمفضل عليه المجرور بمن إلا بمعمول أفعل نحو قوله تعالى : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) أو ب «لو» وما اتصل بها كقول الشاعر

ولفوك أطيب لو بذلت لنا

من ماء موهبة على خمر

والموهبة : نقرة يستنقع فيها الماء ليبرد. وكذلك يفصل بالنداء كقولك : أنت أفضل يا عبد الله من المهمل.

(٣) من الآية ٣٤ من سورة الكهف وهي «وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً».

(٤) إنما تذكر «من» مع المجرد توصلا لمعرفة المفضل عليه. أما في المضاف فيكون المفضل عليه مذكورا صريحا ، وفي المحلى بأل يكون مذكورا حكما لأن أل عهدية لتقدم ذكر مدخولها لفظا أو حكما وذلك يشعر بالمفضل عليه ، فلا موجب لذكر من معهما.

٢٥٨

١٢ ـ دنوت وقد خلناك كالبدر أجملا

فظلّ فؤادي في هواك مضلّلا (١)

ف «أجمل» أفعل تفضيل ، وهو منصوب على الحال من التاء في «دنوت» وحذفت منه «من» والتقدير : دنوت أجمل من البدر وقد خلناك كالبدر.

ويلزم أفعل التفضيل المجرّد الإفراد والتذكير ، وكذلك المضاف إلى نكرة ، وإلى هذا أشار بقوله :

__________________

(١) قائله : غير معروف. الفؤاد : القلب. الهوى : الحب. مضلّلا : ضالا فاقدا رشده.

المعنى : «قربت منا أيتها الحبيبة أجمل من البدر ليلة كماله وكنا نظنك مساوية له في البهجة والجمال فشغفني حبك وأفقدني رشدي».

الإعراب : دنوت : فعل وفاعل. وقد : الواو حالية. قد : حرف تحقيق. خلناك : خال فعل ماض ينصب مفعولين مبني على السكون. نا : فاعله. الكاف مفعوله الأول كالبدر : جار ومجرور متعلق بمحذوف مفعول به ثان لخال. أجملا : حال من التاء في دنوت منصوب ، فظل : الفاء عاطفة. ظل : فعل ماض ناقص مبني على الفتح. فؤادي : اسم ظل مرفوع بضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم. والياء مضاف إليه. في هواك : جار ومجرور متعلق بمضللا والكاف مضاف إليه. مضللا خبر ظل منصوب. وجملة «قد خلناك كالبدر» في محل نصب حال من التاء في دنوت. وجملة «ظل فؤادي مضللا» معطوفة على جملة «دنوت».

الشاهد : في قوله : «أجمل» حيث حذفت من ومجرورها بعد أفعل التفضيل «أجمل» وهو مجرد من أل والإضافة وليس خبرا. وتقدير المحذوف «دنوت ـ وقد خلناك كالبدر ـ أجمل منه».

٢٥٩

لزوم أفعل التفضيل الإفراد والتذكير إذا أضيف لنكرة أو جرد عن أل والإضافة :

وإن لمنكور يضف أو جرّدا

ألزم تذكيرا وأن يوحّدا (١)

فتقول : «زيد أفضل من عمرو ، وأفضل رجل ، وهند أفضل من عمرو ، وأفضل امرأة ، والزيدان أفضل من عمرو ، وأفضل رجلين ، والهندان أفضل من عمرو ، وأفضل امرأتين ، والزيدون أفضل من عمرو. وأفضل رجال ، والهندات أفضل من عمرو وأفضل نساء» فيكون «أفعل» في هاتين الحالتين مذكرا ومفردا ، ولا يؤنث ولا يثنى ، ولا يجمع.

المقترن بأل يطابق ما قبله :

وتلو أل طبق وما لمعرفه

أضيف ذو وجهين عن ذي معرفة (٢)

هذا إذا نويت معنى «من» (٣) وإن

لم تنو فهو طبق ما به قرن

__________________

(١) أفعل التفضيل المجرد عن الألف واللام والإضافة يشبه «أفعل» التعجب في الوزن والاشتقاق والدلالة على المزية ولذلك لزم لفظا واحدا مثل التعجب. وأفعل التفضيل المضاف لنكرة كالمجرد في التنكير فأعطى حكمه من امتناع مطابقته للموصوف ، لكن المطابقة واجبة في المضاف إليه كأمثلة الشارح «الزيدان أفضل رجلين والزيدون أفضل رجال».

(٢) ما : موصول مبتدأ. لمعرفة : جار ومجرور متعلق بأضيف. أضيف : فعل ماض مبني للمجهول. ونائب الفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو والجملة صلة الموصول لا محل لها من الإعراب ـ ذو وجهين : ذو خبر المبتدأ «ما» مرفوع بالواو لأنه من الأسماء الستة وهو مضاف وجهين مضاف إليه مجرور بالياء لأنه مثنى. عن ذي : عن حرف جر. ذي مجرور بالياء لأنه من الأسماء الستة والجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لوجهين.

(٣) أراد بقوله «معنى من» التفضيل الذي يفهم من أفعل التفضيل مقترنا بمن ، أما «من» فلا تفيد التفضيل منفردة.

٢٦٠