تيسير وتكميل شرح ابن عقيل على ألفيّة ابن مالك

الدكتور محمّد علي سلطاني

تيسير وتكميل شرح ابن عقيل على ألفيّة ابن مالك

المؤلف:

الدكتور محمّد علي سلطاني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار العصماء
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٦٧

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة الجزء الثاني

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسّلام على المعلم الأمين ، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين. وبعد :

فهذا هو الجزء الثاني من شرح ابن عقيل ألفية ابن مالك النحوية ، نقدمه إلى طلاب العربية بثوبه الجديد الذي يتيح للطالب اقتناص أقصى ما في هذا الشرح من قواعد وفوائد.

فالكتاب قد احتفظ بأصله كما قدمه مؤلفه قاضي القضاة عبد الله بهاء الدين ، من نسل عقيل ابن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ، متوفى بمصر سنة ٧٦٩ ه‍. وقد استفاض في الناس ما وصفه به شيخه أبو حيان بقوله : ((ما تحت أديم السماء أنحى من ابن عقيل)).

والتماس تحقيق الفائدة القصوى من هذا الشرح كان بتقديم هذه الطبعة له بما امتازت به من خصائص يدركها الناظر المتعجل والمدقق على السواء ، في المتن والحاشية على السواء أيضا.

١

فقد تم فيها الفصل بين مقاطع النص بشكل بصير يحقق أتم الفائدة من قواعده وأفكاره. وتوّجت الفقرات بعناوين خاصة في أثناء البحث إسهاما في تمييز فقراته وبيان مضمونها غير متداخلة أو متزاحمة.

وأعربت بعض أبيات الألفية لإزالة ما قد يعتور النظم من غموض أو تعقيد مما يساعد القارئ في إنارة المراد واتضاحه.

وخرّجت الشواهد على اختلافها بشكل معتدل واف ، ليأخذ المثال فيها موضعه اللغوي الصحيح. ونوقش موضع الشاهد بوضوح وإيجاز يحقق ربطه بالقاعدة.

وتم إعراب الشواهد بعد ذلك مفردات وجملا ، مع عناية خاصة بإعراب الأدوات.

وأنيرت في الحاشية بعض مواقف المتن النحوية باعتدال ، من خلال أكثر الآراء قوة وإجماعا ، ليقوم علم الطالب على أساس متين يصونه من غموض الإيجاز ، أو تشتت الإطناب والإسهاب.

وختم كل بحث بعدد واف من الأسئلة الجزئية ، تحيط

٢

بالبحث ، وتلفت النظر إلى مختلف جوانبه وجزئياته. تبعها على الأثر مختارات كافية من النصوص القرآنية والشعرية ، لتكون ميدانا رحبا للتدريب والتطبيق والممارسة العملية ، الأمر الذي يصقل المعلومات ، ويثبت القواعد ، ويشجع على النشاط اللغوي السليم.

وبعد ، فإن الكمال لله وحده ، وحسب المرء أن يسعى في معارج الأفضل والأكمل ، والله سبحانه ولي العون والتوفيق.

أ. د / محمد علي سلطاني

٣

أفعال المقاربة

ككان : «كاد وعسى» ، لكن ندر

غير مضارع لهذين خبر (١)

هذا هو القسم الثاني من الأفعال الناسخة للابتداء ، وهو «كاد» وأخواتها ، وذكر المصنف منها أحد عشر فعلا ، ولا خلاف في أنها أفعال إلا «عسى» (٢) فنقل الزاهد عن ثعلب أنها حرف ، ونسب أيضا إلى ابن السرّاج. والصحيح أنها فعل بدليل اتّصال تاء الفاعل وأخواتها بها نحو : «عسيت ، وعسيت ، وعسيتما ، وعسيتنّ».

وهذه الأفعال تسمى أفعال المقاربة ، وليست كلها للمقاربة ، بل هي ثلاثة أقسام :

__________________

(١) ككان : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم ، كاد : مبتدأ مؤخر ، عسى : معطوفة على كاد ، وكل ما سبق أريد لفظه ، لكن : حرف استدراك ، ندر : فعل ماض ، غير : فاعل : لهذين : اللام : حرف جر متعلق بندر ، هذين : الهاء : للتنبيه ، ذين : اسم إشارة مجرور باللام وعلامة جره الياء لأنه مثنى (أو مبنى على الياء في محل جر) ، خبر : حال منصوب بالفتحة المقدرة منع من ظهورها سكون الوقف.

(٢) قال الكوفيون بحرفيتها مطلقا لكونها بمعنى الترجي ، ولجمودها فأشبهت لعلّ التي هي حرف بالإجماع فحملت عليها ، وقال جمهور البصريين : إنها فعل مطلقا لدخول تاء التأنيث والتاء المتحركة عليها وهما من علامات الأفعال ، وجمودها لا يغير من طبيعتها فقد وردت خلا وعدا وحاشا حروفا وأفعالا وهي هي بألفاظها وجمودها ، وذهب سيبويه إلى أنها فعل يرفع المبتدأ وينصب الخبر إلا إذا اتصلت بضمائر نصب فهي حرف ترج بمعنى لعلّ ، أي تنصب الاسم وترفع الخبر ، وهو الرأي الأفضل.

٤

أحدهما : ما دلّ على المقاربة وهي : «كاد ، وكرب ، وأوشك».

والثاني : ما دلّ على الرّجاء وهي : «عسى ، وحرى ، واخلولق».

والثالث : ما دلّ على الإنشاء وهي : «جعل ، وطفق ، وأخذ ، وعلق ، وأنشأ» (١).

فتسميتها أفعال المقاربة من باب تسمية الكلّ باسم البعض.

* * *

عملها :

وكلها تدخل على المبتدأ والخبر : فترفع المبتدأ اسما لها ، ويكون خبره خبرا لها في موضع نصب ، وهذا هو المراد بقوله : «ككان : كاد وعسى».

ما يشترط في الخبر :

١ ـ لكن الخبر في هذا الباب لا يكون إلا مضارعا نحو : «كاد زيد يقوم ، وعسى زيد أن يقوم». وندر مجيئه اسما بعد «عسى وكاد» كقوله :

٨٥ ـ أكثرت في العذل ملحّا دائما

لا تكثرن إنّي عسيت صائما (٢)

__________________

(١) هذه الأفعال الخمسة هي على سبيل المثال لا الحصر ، وقد زاد عليها النحاة أفعالا أخرى مثل : هبّ ، شرع ، هلهل ، أقبل ، قرب ، قام : قام زيد ينظم الشعر «هببت ألوم القلب في طاعة الهوى» ...

(٢) البيت مجهول القائل ، وقد نسب إلى رؤية الراجز وليس في ديوانه.

المعنى : لقد بالغت في لومي وتعنيفي ، فأقصر فإني لأرجو أن أمرّ بذلك كريما صامتا كالصائم (من قوله : فليقل : إني صائم).

الإعراب : أكثرت : فعل وفاعل ، في العذل : جار ومجرور متعلق بأكثرت ، ملحا : حال من التاء في (أكثرت) منصوب بالفتحة ،. دائما : حال ثانية ، لا : ناهية جازمة ، تكثرن : فعل مضارع مبنيّ على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة

٥

وقوله :

٨٦ ـ فأبت إلى فهم وما كدت آيبا

وكم مثلها فارقتها وهى تصفر (١)

__________________

في محل جزم بلا ، والفاعل : ضمير مستتر وجوبا تقديره : أنت ، إني : إن : حرف مشبه بالفعل ينصب المبتدأ ويرفع الخبر ، والياء : ضمير متصل في محل نصب اسمها ، عسيت : عسى : فعل ماض ناقص ، والتاء : اسمه في محل رفع ، صائما : خبره منصوب وجملة عسى مع معموليها في محل رفع خبر إن ، وجملة إن مع معموليها : استئنافية لا محل لها.

الشاهد فيه : قوله : «إني عسيت صائما» فقد نصبت عسى الخبر مفردا وهو نادر بعد عسى وكاد. وخرجه بعضهم على أن : صائما خبر لأكون المحذوفة مع اسمها والتقدير عسيت أن. أكون صائما ، وأن وما بعدها في تأويل مصدر منصوب على أنه :

(أ) مفعول به لعسيت باعتبارها تامة بمعنى «رجوت».

(ب) خبر لعسى وبذلك يبقى خبرها جملة فعلية فعلها مضارع مقترن بأن على الأكثر.

(١) البيت لثابت بن جابر الملقب بتأبط شرا ، أبت : رجعت ، تصفر : تخلو وهي من بابي : تعب يتعب كرم يكرم ، وفهم : قبيلته.

المعنى : عدت إلى قبيلتي «فهم» وما كنت بالعائد في ظنهم ، وكم فارقت أمثالها من القبائل وهي خالية تتلهف عليّ وتتحسّر.

الإعراب : أبت : فعل وفاعل ، إلى فهم : جار ومجرور متعلق بأبت ، وما : الواو : حالية ، ما : نافية ، كدت : كاد : فعل ماض ناقص ، والتاء : اسمه في محل رفع : آيبا : خبره منصوب. وكم : الواو : استئنافية ، كم : خبرية في محل رفع مبتدأ ، مثلها : مثل : تمييز لكم الخبرية مجرور بالإضافة ، وها : ضمير متصل في محل جر بالإضافة ، فارقتها : فعل وفاعل ومفعول به ، والجملة خبر للمبتدأ كم في محل رفع ، وجملة المبتدأ والخبر : استئنافية لا محل لها من الإعراب وهي : الواو : للحال ، هي : ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ ، تصفر : فعل مضارع ، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هي ، والجملة : في محل رفع خبر للمبتدأ هي ، وجملة المبتدأ والخبر في محل نصب على الحال من الضمير (ها) في فارقتها.

٦

وهذا هو مراد المصنف بقوله : «لكن ندر ... إلى آخره» ، لكن في قوله «غير مضارع» إيهام ، فإنه يدخل تحته الاسم والظرف والجار والمجرور والجملة الاسمية والجملة الفعلية بغير المضارع ، ولم يندر مجيء هذه كلها خبرا عن «عسى وكاد» بل الذي ندر مجيء الخبر اسما ، وأما هذه فلم يسمع مجيئها خبرا عن هذين.

وكونه بدون «أن» بعد «عسى»

نزر ، و «كاد» الأمر فيه عكسا (١)

٢ ـ أي : اقتران خبر «عسى» ب «أن» كثير ، وتجريده من «أن» قليل ، وهذا مذهب سيبويه. ومذهب جمهور البصريين أنه لا يتجرد خبرها من «أن» إلا في الشعر ، ولم يرد في القرآن إلا مقترنا ب «أن» ، قال الله تعالى : (فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ)(٢) ، وقال عزوجل :

__________________

الشاهد فيه : قوله : «وما كدت آيبا» فقد جاء خبر «كاد» العاملة عمل ليس مفردا منصوبا والأصل فيه أن يأتي جملة فعلية فعلها مضارع ، ومجيئه مفردا نادر بعد (عسى وكاد) ولذا قال جماعة الرواية (وما كنت آيبا أو : ولم أك آيبا) والمعنى على رواية : كدت : عدت وما كدت أعود لمشارفتي على الهلاك ، وعلى الروايتين الأخريين كما شرحناه.

(١) كونه : كون : مبتدأ ، والهاء في محل جر بالإضافة من إضافة مصدر الفعل الناقص إلى اسمه ، بدون : جار ومجرور متعلق بخبر كون والتقدير : وكونه مرادا بدون ..

نزر : خبر للمبتدأ كون مرفوع ، كاد (قصد لفظه) : مبتدأ أول ، الأمر :

مبتدأثان ، جملة (عكسا) مع نائب الفاعل المستتر خبر للمبتدأ الثاني في محل رفع ، وجملة المبتدأ الثاني وخبره (الأمر فيه معكوس) خبر للمبتدأ الأول (كاد) في محل رفع.

(٢) قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ ، بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ، وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ، إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ، فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ ، يَقُولُونَ : نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ ، فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ) (المائدة ٥١ و ٥٢).

٧

(عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ)(١) ومن وروده بدون «أن» قوله :

٨٧ ـ عسى الكرب الذي أمسيت فيه

يكون وراءه فرج قريب (٢)

وقوله :

__________________

(١) قال تعالى : (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا ، وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً) (الإسراء ٨).

والشاهد في الآيتين الكريمتين وقوع خبر عسى جملة فعلية فعلها مضارع مقترن بأن ، والاقتران بأن هو الغالب.

(٢) البيت للشاعر العذري هدبة بن خشرم من قصيدة يقولها وهو في الحبس. الكرب : الغم.

المعنى : إني لأرجو أن يكشف الله قريبا ما أحاط بي من بلاء.

الإعراب : عسى : فعل ماض دال على الرجاء مبني على الفتح المقدر للتعذر ، الكرب : اسمه مرفوع ، الذي : اسم موصول في محل رفع صفة للكرب ، أمسيت : أمسى : فعل ماض ناقص والتاء في محل رفع اسمها ، فيه : جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر لأمسى ، والجملة : صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. يكون : فعل مضارع ناقص واسمه ضمير مستتر تقديره هو يعود إلى الكرب. وراء : ظرف مكان منصوب بالفتحة ، متعلق بمحذوف خبر مقدم لفرج ، والهاء : ضمير في محل جر بالإضافة ، فرج : مبتدأ مؤخر ، قريب : نعت مرفوع ، وجملة المبتدأ والخبر في محل نصب خبر ليكون ، وجملة يكون مع معموليها في محل نصب خبر لعسى.

الشاهد فيه : قوله : «عسى .. يكون وراءه ...» فقد وقع خبر عسى جملة فعلية فعلها مضارع مجرد من «أن» المصدرية وهو قليل. وقد أعربنا اسم يكون ضميرا مستترا لأنه يشترط في فعل جملة الخبر أن يرفع ضمير الاسم. ويجوز في عسى خاصة أن يرفع اسما ظاهرا مضافا إلى ضمير الاسم.

٨

٨٨ ـ عسى فرج يأتي به الله إنّه

له كلّ يوم في خليقته أمر (١)

وأما «كاد» فذكر المصنّف أنّها عكس «عسى» ، فيكون الكثير في خبرها أن يتجرّد من «أن» ، ويقلّ اقترانه بها ، وهذا بخلاف ما نصّ عليه الأندلسيون من أنّ اقتران خبرها ب «أن» مخصوص بالشعر.

فمن تجريده من «أن» قوله تعالى : (فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ)(٢).

__________________

(١) البيت لا يعرف قائله ، وقد ذكر له الخضري في حاشيته سابقين ولا حقا.

المعنى : اصطبر للضيق فلعل الله يأتي بالفرج ، فإن له سبحانه في خلقه قضاء وتدبيرا في كل حين.

الإعراب : عسى : فعل ماض ناقص للرجاء ، فرج : اسمه مرفوع ، يأتي : فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة للثقل ، به : الباء : حرف جر متعلق بيأتي ، والهاء : ضمير متصل في محل جر بالباء ، الله : فاعل يأتي مرفوع ، والجملة في محل نصب خبر لعسى ، إنه : إن حرف مشبه بالفعل ، ينصب المبتدأ ويرفع الخبر ، والهاء : اسم إن ضمير متصل في محل نصب له : اللام حرف جر متعلق بمحذوف خبر مقدم لأمر ، والهاء : ضمير متصل في محل جر باللام ، كلّ : ظرف زمان متعلق بما تعلق به سابقه. يوم : مضاف إليه في : حرف جر متعلق بمحذوف حال من أمر ، خليقته : خليقة : مجرور بفي ، والهاء في محل جر بالإضافة ، أمر : مبتدأ مؤخر مرفوع ، وجملة المبتدأ والخبر : له كل يوم في خليقته أمر : في محل رفع خبر لإن.

الشاهد فيه : قوله : «عسى فرج يأتي به الله» فقد جاء خبر عسى جملة فعلية فعلها مضارع مجرد من «أن» المصدرية ، والتجرد قليل.

(٢) قال تعالى : (قالُوا : ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ ، قالَ : إِنَّهُ يَقُولُ : إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ ، مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها ، قالُوا : الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ ، فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) البقرة (٧٠ و ٧١) كادوا : فعل ماض ناقص مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة ، والواو : في محل رفع اسم كاد ، يفعلون ، فعل مضارع مرفوع بثبوت النون ، والواو : فاعل ، والجملة : خبر كاد في محل نصب ، والشاهد : تجرد الفعل من «أن» وهو الأكثر في خبر كاد.

٩

وقال : (مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ)(١).

ومن اقترانه ب «أن» قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما كدت أن أصلّى العصر حتى كادت الشمس أن تغرب» ، وقوله :

٨٩ ـ كادت النّفس أن تفيض عليه

إذ غدا حشو ريطة وبرود (٢)

* * *

وكعسى : «حرى» ، ولكن جعلا

خبرها حتما ب «أن» متّصلا (٣)

__________________

(١) قال تعالى : (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ...) التوبة (١١٨) والشاهد تجرد الفعل المضارع في خبر «كاد» وهو «يزيغ» من «أن» وهو الغالب فيه.

(٢) البيت لمحمد بن مناذر في الرثاء ، تفيض : تخرج من الجسد ، غدا : صار ، الريطة : (بفتح الراء وسكون الياء) : الملاءة إذا كانت شقة واحدة ، برود : جمع برد وهو نوع من الثياب والمقصود بهما الكفن.

المعنى : كاد الموت يعتريني حين أدرج هذا الميت في أكفانه.

الإعراب : كادت : كاد : فعل ماض ناقص ، والتاء : للتأنيث ، النفس : اسم كاد مرفوع ، أن : حرف مصدري ونصب ، تفيض : فعل مضارع منصوب بأن ، والفاعل هي يعود إلى النفس ، عليه : على : حرف جر متعلق بتفيض ، والهاء في محل جر بعلى. إذ : ظرف لاستغراق الزمن متعلق بتفيض ، غدا : فعل ماض ناقص (بمعنى صار) مبني على الفتح المقدر للتعذر ، واسمه ضمير مستتر جوازا تقديره هو ، حشو : خبر غدا منصوب ، ريطة : مضاف إليه ، برود : معطوف على ريطة بالواو ، أن تفيض عليه : في محل نصب خبر لكاد ، جملة : غدا حشو ريطة : في محل جر بالإضافة.

الشاهد فيه : قوله : «أن تفيض» فقد اقترن خبر كاد بأن المصدرية وهو قليل.

(٣) كعسى : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم للمبتدأ (حرى) ، جعل : فعل ماض مبني للمجهول ، خبرها : خبر : نائب فاعل وهو المفعول الأول ، ومتصلا المفعول الثاني ، حتما : مفعول مطلق منصوب (الأصل : متصلا اتصالا حتما بأن ثم حذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه).

١٠

وألزموا اخلولق «أن» مثل «حرى»

وبعد «أوشك» انتفا «أن» نزرا (١)

يعني أن «حرى» مثل «عسى» في الدلالة على رجاء الفعل ، لكن يجب اقتران خبرها ب «أن» نحو : «حرى زيد أن يقوم» ، ولم يجرّد خبرها من «أن» لا في الشعر ولا في غيره. وكذلك «اخلولق» تلزم «أن» خبرها نحو : «اخلولقت السّماء أن تمطر» وهو من أمثلة سيبويه.

وأمّا «أوشك» فالكثير اقتران خبرها ب «أن» ، ويقلّ حذفها منه ، فمن اقترانه بها قوله :

٩٠ ـ ولو سئل النّاس التراب لأوشكوا

 ـ إذا قيل هاتوا ـ أن يملّوا ويمنعوا (٢)

__________________

(١) ألزموا : فعل ماض مبنيّ على الضم لاتصاله بواو الجماعة ، والواو : في محل رفع فاعل ، اخلولق ، أن (قصد لفظهما) : مفعولان لألزم ، مثل : حال من لفظ اخلولق ، بعد : ظرف متعلق بنزرا ، انتفا : مبتدأ ، أن : قصد لفظه مضاف إليه ، نزرا : مع الفاعل المستتر في محل رفع خبر للمبتدأ : انتفا.

(٢) لم ينسب إلى قائل معين.

المعنى : إن النفس مولعة بالشح فلو سئل الناس بذل التراب لأوشكوا أن يملوا السؤال فيمنعوا التراب.

الإعراب : لو : حرف امتناع لامتناع (أداة شرط غير جازمة) ، سئل : فعل ماض مبني للمجهول ، الناس : نائب فاعل ، التراب : مفعول به ثان منصوب ، لأوشكوا : اللام : واقعة في جواب لو ، أوشك : فعل ماض ناقص مبنى على الضم لاتصاله بواو الجماعة ، والواو : في محل رفع اسم أوشك ، إذا : ظرف يتضمن معنى الشرط متعلق بجواب الشرط المحذوف دلّ عليه ما قبله ، قيل : فعل ماض مبنيّ للمجهول ، هاتوا : فعل أمر مبني على حذف النون لاتصاله بواو الجماعة ، والواو ، في محل رفع فاعل والجملة في محل رفع نائب فاعل لقيل ، وجملة : قيل هاتوا : في محل جر بالإضافة ، وجملتا الشرط والجواب المحذوف معترضتان بين أوشك وخبرها لا محل لهما من الإعراب ، أن : حرف ناصب ،

١١

ومن تجرده منها قوله :

٩١ ـ يوشك من فرّ من منيّته

في بعض غرّاته يوافقها (١)

ومثل «كاد» في الأصحّ «كربا»

وترك «أن» مع ذي الشروع وجبا (٢)

__________________

يملوا : فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة ، والواو : فاعل في محل رفع ، ويمنعوا : الواو : حرف عطف ، يمنعوا : معطوف على يملوا يعرب مثله ، أن يملوا : في محل نصب خبر أوشك ، وجملة أوشك مع معموليها : لا محل لها من الإعراب لأنها جواب شرط غير جازم.

الشاهد فيه : قوله : (لأوشكوا أن يملوا) فقد اقترن خبر أوشك بأن وهو كثير.

(١) البيت لأمية بن أبي الصلت. المنية : الموت ، غراته جمع غرة وهي الغفلة ، يوافقها يصادفها.

المعنى : من فرّ بنفسه طلبا للنجاة من الموت يوشك أن يلقى منيته من حيث لا يدري.

الإعراب : يوشك : فعل مضارع ناقص ، من : اسم موصول في محل رفع اسم يوشك ، فرّ : فعل ماض والفاعل : هو يعود إلى «من» ، والجملة : صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. من : حرف جر متعلق بفر ، منيته : منية : مجرور بمن وهو مضاف ، والهاء : مضاف إليه مبني على الكسر في محل جر ، في بعض : جار ومجرور متعلق بيوافقها ، غراته : غرات : مضاف إليه ، والهاء في محل جر بالإضافة ، يوافقها : يوافق : فعل مضارع ، والفاعل : ضمير مستتر جوازا تقديره هو يعود إلى (من) وها : في محل نصب مفعول به ، والجملة في محل نصب خبر ليوشك.

الشاهد فيه : قوله (يوافقها) فقد جاء خبر يوشك مجردا من «أن» وهو قليل.

(٢) مثل : خبر مقدم ، كرب (قصد لفظه) : مبتدأ مؤخر ، ترك : مبتدأ ، مع : ظرف مكان متعلق بوجبا ، ذي : مضاف إليه مجرور بالياء لأنه من الأسماء الستة ، الشروع : مضاف إليه ، وجبا : فعل ماض ، والألف للإطلاق ، والفاعل : هو : والجملة في محل رفع خبر للمبتدأ : ترك.

١٢

ك : «أنشأ السائق يحدو» و «طفق»

كذا «جعلت ، وأخذت ، وعلق» (١)

لم يذكر سيبويه في «كرب» إلا تجرّد خبرها من «أن» ، وزعم المصنّف أن الأصحّ خلافه ، وهو أنها مثل «كاد» فيكون الكثير فيها تجريد خبرها من «أن» ويقلّ اقترانه بها ، فمن تجريده قوله :

٩٢ ـ كرب القلب من جواه يذوب

حين قال الوشاة : هند غضوب (٢)

وسمع من اقترانه بها قوله :

__________________

(١) أنشأ : فعل ماض ناقص ، السائق : اسمه مرفوع ، جملة يحدو مع الفاعل المستتر : في محل نصب خبر لأنشأ. كذا : الكاف : حرف جر متعلق بمحذوف خبر مقدم. ذا : اسم إشارة في محل جر بالكاف ، جعلت (قصد لفظه) مبتدأ مرفوع بالضمة المقدرة على الآخر منع من ظهورها حركة البناء الأصليّ.

(٢) البيت لكلحبة اليربوعي ، وقيل : لرجل من طيء. الجوى : شدة الوجد.

المعنى : كاد قلبي يذوب حزنا ولوعة حين حمل إليّ الواشون المفسدون غضبة هند عليّ.

الإعراب : كرب : فعل ماض ناقص ، القلب : اسمه مرفوع ، من : حرف جر متعلق بيذوب ، جوى : مجرور بمن بالكسرة المقدرة للتعذر وهو مضاف ، والهاء : مضاف إليه في محل جر ، يذوب : فعل مضارع ، والفاعل : ضمير مستتر تقديره : هو يعود إلى القلب ، والجملة في محل نصب خبر لكرب. حين : ظرف زمان منصوب متعلق بيذوب ، قال : فعل ماض ، الوشاة : فاعل : هند : مبتدأ. غضوب : خبر ، والجملة في محل نصب مقول للقول ، وجملة قال الوشاة : في محل جر بإضافة الظرف إليها.

الشاهد فيه : قوله : (كرب القلب يذوب) فقد جاء خبر كرب الناقصة جملة فعلية فعلها مضارع مجرد من «أن» وهو الكثير فيه على رأي أكثر النحاة.

١٣

٩٣ ـ سقاها ذوو الأحلام سجلا على الظّما

وقد كربت أعناقها أن تقطّعا (١)

والمشهور في «كرب» فتح الراء ، ونقل كسرها أيضا.

ومعنى قوله : «وترك أن مع ذي الشروع وجبا» أن ما دلّ على الشروع في الفعل لا يجوز اقتران خبره ب «أن» لما بينه وبين «أن» من المنافاة ، لأن المقصود به الحال و «أن» للاستقبال ، وذلك نحو : «أنشأ السائق يحدو ، وطفق زيد يدعو ، وجعل يتكلّم ، وأخذ

__________________

(١) البيت لأبي زيد الأسلمي يهجو إبراهيم بن هشام وقومه. سقاها : الضمير عائد على العروق في بيت سابق وهي عروق القوم ، الأحلام : العقول ، سجلا : دلوا عظيمة.

المعنى : لقد أسعف أصحاب العقول من بني مروان هؤلاء الناس بالعطاء الوفير بعد أن كادت أعناقهم تدق لشدة ما مسّهم من الفاقة والضيق.

الإعراب : سقاها : سقى : فعل ماض مبني على الفتح المقدر على آخره للتعذر ، وها : ضمير متصل في محل نصب مفعول أول ، ذوو : فاعل مرفوع بالواو لأنه ملحق بجمع المذكر السالم. الأحلام : مضاف إليه مجرور ، سجلا : مفعول به ثان ، على الظما : على : حرف جر متعلق بسقى ، الظما : اسم مجرور بعلى بكسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها السكون العارض لأجل الشعر ، وقد : الواو : حالية ، قد : حرف تحقيق ، كربت : كرب : فعل ماض ناقص ، والتاء للتأنيث ، أعناقها : أعناق : اسم كرب مرفوع ، وها : في محل جر بالإضافة ، أن : حرف مصدري ونصب ، تقطعا : فعل مضارع منصوب بالفتحة والألف للإطلاق ، والفاعل مستتر جوازا تقديره : هي ، يعود إلى الأعناق ، وأن تقطعا : في محل نصب خبر كرب ، وجملة كرب مع معموليها في محل نصب على الحال.

الشاهد فيه قوله : «كربت أعناقها أن تقطعا» فقد ورد خبر كرب الناقصة مقترنا بأن المصدرية ، وهو قليل.

١٤

ينظم ، وعلق يفعل كذا» (١).

* * *

ما يتصرف من هذه الأفعال :

واستعملوا مضارعا ل «أوشكا

وكاد» لا غير ، وزادوا «موشكا».

أفعال هذا الباب لا تتصرف إلا : «كاد ، وأوشك» فإنه قد استعمل منها المضارع نحو قوله تعالى : (يَكادُونَ يَسْطُونَ)(٢) ، وقول الشاعر :

يوشك من فرّ من منيّته (٣)

وزعم الأصمعيّ أنه لم يستعمل «يوشك» إلا بلفظ المضارع ، ولم تستعمل «أوشك» بلفظ الماضي ، وليس بجيّد ، بل قد حكى الخليل استعمال الماضي ، وقد ورد في الشعر كقوله :

ولو سئل الناس التّراب لأوشكوا

 ـ إذا قيل هاتوا. أن يملّوا ويمنعوا (٤)

__________________

(١) مجمل ما مرّ أن هذه الأفعال بالنسبة لاقتران خبرها بأن المصدرية أربعة أقسام :

١ ـ ما يجب اقترانه وهو : حرى ، واخلولق.

٢ ـ ما يجب تجرده وهو أفعال الشروع ، لأن (أن) المصدرية تصرف معنى الفعل للاستقبال وهو يناقض الشروع.

٣ ـ ما يغلب اقترانه بأن وهو : عسى وأوشك.

٤ ـ ما يغلب تجرده منها وهو : كاد وكرب.

(٢) قال تعالى : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ ، يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا ، قُلْ : أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ ، النَّارُ وَعَدَهَا اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) الحج (٧٢).

(٣) سبق الشاهد برقم (٩١) ص : (٢٩٤).

(٤) سبق برقم (٩٠) ص (٢٩٣).

١٥

نعم الكثير فيها استعمال المضارع ، وقلّ استعمال الماضي.

وقول المصنف : «وزادوا موشكا» معناه أنه قد ورد أيضا استعمال اسم الفاعل من «أوشك» كقوله :

٩٤ ـ فموشكة أرضنا أن تعود

خلاف الأنيس وحوشا يبابا (١)

وقد يشعر تخصيصه «أوشك» بالذكر أنه لا يستعمل اسم الفاعل من «كاد» وليس كذلك ، بل قد ورد استعماله في الشعر كقوله :

٩٥ ـ أموت أسى يوم الرّجام وإنّني

يقينا لرهن بالذي أنا كائد (٢)

__________________

(١) البيت لأبي سهم الهذلي ، خلاف : أي بعد الأنس بسكانها ، وحوشا : ضبطت بفتح الواو ومعناها متوحشة. وبضم الواو فهي جمع وحش ، يقال : أرض وحش إن كانت خالية أو ترتع فيها الوحوش. يبابا : خرابا.

المعنى : إن أرضنا لتوشك أن تصبح موحشة خرابا بعد أن تصدع شمل أهلها وتفرق عنها سكانها.

الإعراب : موشكة : خبر مقدم لأرضنا. وفيه ضمير مستتر تقديره هي اسم الموشكة عائد إلى أرض المتأخرة لفظا المتقدمة رتبة. أرضنا : أرض : مبتدأ مؤخر ، نا : في محل جر بالإضافة ، أن : حرف ناصب ، تعود : فعل مضارع ناقص (بمعنى تصير) ، منصوب بأن ، واسمه ضمير مستتر تقديره هي ، والجملة في محل نصب خبر موشكة ، خلاف : ظرف زمان منصوب متعلق بوحوشا ، الأنيس : مضاف إليه ، وحوشا : خبر تعود منصوب ، يبابا : خبر ثان منصوب (أو تعود : فعل تام وخلاف متعلق به ، وحوشا : حال ، يبابا : حال ثانية أو صفة).

الشاهد فيه : قوله «موشكة ... أن تعود» فقد جاء اسم الفاعل من أوشك عاملا عمل فعله.

(٢) البيت لكثير بن عبد الرحمن ، أسى : حزنا ، الرجام : اسم موضع جرت فيه معركة.

المعنى : كدت أهلك لوعة حزنا في يوم الرجام ، وإنني رهين حتما لقاء ما كدت ألقاه في ذلك اليوم.

١٦

وقد ذكر المصنف هذا في غير هذا الكتاب.

وأفهم كلام المصنف أن غير «كاد وأوشك» من أفعال هذا الباب لم يرد منه المضارع ولا اسم الفاعل ، وحكى غيره خلاف ذلك ، فحكى صاحب الإنصاف استعمال المضارع واسم الفاعل من «عسى» قالوا : «عسى يعسى فهو عاس» ، وحكى الجوهري مضارع «طفق» ، وحكى الكسائي مضارع «جعل».

ما تختص به عسى واخلولق وأوشك :

بعد «عسى ، اخلولق ، أوشك» قد يرد

غنى ب «أن يفعل» عن ثان فقد (١)

اختصّت «عسى واخلولق وأوشك» بأنها تستعمل ناقصة وتامة.

فأما الناقصة فقد سبق ذكرها.

__________________

الإعراب : أموت : فعل مضارع ، والفاعل : ضمير مستتر وجوبا تقديره أنا ، أسى : مفعول لأجله منصوب بالفتحة المقدرة للتعذر. يوم ظرف زمان متعلق بأموت ، الرجام : مضاف إليه ، وإنني : الواو : حالية : حرف مشبه بالفعل ينصب الاسم ويرفع الخبر ، والنون : للوقاية ، والياء : في محل نصب اسم إنّ ، لرهن : اللام : ابتدائية (مزحلقة) ، رهن : خبر إن مرفوع ، بالذي : الباء حرف جر متعلق برهن ، الذي : اسم موصول في محل جر بالباء ، أنا : ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ ، كائد : خبر المبتدأ (أنا) مرفوع ، وهو اسم فاعل من كاد يعمل عمل فعله ، واسمه ضمير مستتر فيه تقديره : أنا ، وخبره محذوف تقديره : كائد أنا ألقاه ، وجملة أنا كائد ... صلة الموصول لا محل لها من الإعراب ، وجملة إنّ مع معموليها : في محل نصب على الحال من فاعل : أموت.

الشاهد فيه : قوله : (كائد) فقد استعمل اسم الفاعل من كاد ، وقال بعضهم الرواية «كابد» فلا شاهد فيها.

(١) غنى : فاعل يرد ، الباء : حرف جر متعلق بغنى ، أن يفعل (قصد اللفظ) مجرور بالباء ، عن حرف جر متعلق بغنى ، ثان : مجرور بعن بكسرة مقدرة على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين ، جملة فقد مع نائب الفاعل المستتر في محل جر صفة لثان.

١٧

وأما التامة فهي المسندة إلى «أن» والفعل نحو «عسى أن يقوم ، واخلولق أن يأتي ، وأوشك أن يفعل» ، ف «أن» والفعل في موضع رفع فاعل «عسى ، واخلولق ، وأوشك» ، واستغنت به عن المنصوب الذي هو خبرها.

وهذا إذا لم يل الفعل الذي بعد «أن» اسم ظاهر يصحّ رفعه به ، فإن وليه نحو «عسى أن يقوم زيد» فذهب الأستاذ أبو علي الشلوبين إلى أنّه يجب أن يكون الظاهر مرفوعا بالفعل الذي بعد «أن» ، ف «أن» وما بعدها فاعل لعسى ، وهي تامة ، ولا خبر لها. وذهب المبرّد والسيرافي والفارسي إلى تجويز ما ذكره الشلوبين ، وتجويز وجه آخر وهو أن يكون ما بعد الفعل الذي بعد «أن» (١) مرفوعا ب «عسى» اسما لها ، و «أن» والفعل في موضع نصب بعسى وتقدّم على الاسم ، والفعل الذي بعد «أن» فاعله ضمير يعود على فاعل «عسى» ، وجاز عوده عليه ـ وإن تأخّر ـ لأنّه مقدّم في النيّة.

وتظهر فائدة هذا الخلاف في التثنية والجمع والتأنيث ، فتقول على مذهب غير الشلوبين «عسى أن يقوما الزيدان ، وعسى أن يقوموا الزيدون ، وعسى أن يقمن الهندات» (٢) فتأتي بضمير في الفعل لأن الظاهر ليس مرفوعا به ، بل هو مرفوع ب «عسى» ، وعلى رأي الشلوبين يجب أن تقول : «عسى أن يقوم الزيدان ، وعسى أن يقوم الزيدون ، وعسى أن تقوم الهندات» (٣) فلا تأتي في الفعل بضمير لأنه رفع الظاهر الذي بعده.

__________________

(١) أي : زيد.

(٢) عسى في هذه الأمثلة ناقصة ، والاسم المتأخر اسمها ، وأن وما بعدها في محل نصب خبرها.

(٣) عسى في هذه الأمثلة تامّة ، والاسم المتأخر فاعل ليقوم وجملة هذا الفعل فاعل لعسى.

١٨

أحكام خاصة ب «عسى» :

وجرّدن «عسى» ، أو ارفع مضمرا

بها إذا اسم قبلها قد ذكرا (١)

اختصت «عسى» (٢) من بين سائر أفعال هذا الباب بأنها إذا تقدّم عليها اسم :

(ا) جاز أن يضمر فيها ضمير يعود على الاسم السابق ، وهذه لغة تميم (٣).

(ب) وجاز تجريدها عن الضمير ، وهذه لغة الحجاز (٤).

وذلك نحو : «زيد عسى أن يقوم» فعلى لغة تميم يكون في «عسى» ضمير مستتر يعود على «زيد» و «أن يقوم» في موضع نصب ب «عسى».

__________________

(١) جردن : فعل أمر مبنيّ على الفتح لاتصاله بنون التوكيد ، والفاعل : مستتر وجوبا تقديره : أنت ، ونون التوكيد : حرف لا محل له من الإعراب ، عسى (قصد اللفظ) : مفعول به ، إذا : ظرف تضمن معنى الشرط في محل نصب على الظرفية الزمانية ، متعلق بجواب الشرط المحذوف دل عليه ما قبله ، اسم : نائب فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده ، قبلها : قبل ظرف مكان منصوب متعلق بالفعل المحذوف ، وها : مضاف إليه مبني على السكون في محل جر ، قد حرف تحقيق ، ذكرا : فعل ماض مبنيّ للمجهول ، والألف للإطلاق ، ونائب الفاعل : ضمير مستتر جوازا تقديره هو ، وجملة ذكر اسم قبلها : في محل جر بإضافة إذا الظرفية إليها ، وجملة قد ذكرا : تفسيرية لا محل لها من الإعراب.

(٢) بعض النحاة ومنهم الأشموني وابن هشام يرون هذا الحكم عاما في عسى واخلولق وأوشك.

(٣) أي هي على لغة تميم ناقصة نحو «زيد عسى أن يقوم» واسمها الضمير المستتر ، وأن يقوم : خبرها ، وجملتها مع معموليها في محل رفع خبر للمبتدأ زيد.

(٤) على لغة الحجاز تامة ، وأن يقوم : في محل رفع فاعل لها ، والجملة خبر لزيد في محل رفع.

١٩

وعلى لغة الحجاز لا ضمير في «عسى» و «أن يقوم» : في موضع رفع ب «عسى».

وتظهر فائدة ذلك في التثنية والجمع والتأنيث ، فتقول على لغة تميم : «هند عست أن تقوم ، والزيدان عسيا أن يقوما ، الزيدون عسوا أن يقوموا ، والهندان عسيا أن تقوما ، والهندات عسين أن يقمن» ، وتقول على لغة الحجاز : «هند عسى أن تقوم ، والزّيدان عسى أن يقوما ، والزيدون عسى أن يقوموا ، والهندان عسى أن تقوما ، والهندات عسى أن يقمن» (١).

وأما غير «عسى» من أفعال هذا الباب فيجب الإضمار فيه ، فتقول : «الزيدان جعلا ينظمان» ، ولا يجوز ترك الإضمار فلا تقول : «الزيدان جعل ينظمان» كما تقول : «الزّيدان عسى أن يقوما».

* * *

والفتح والكسر أجز في «السّين» من

نحو «عسيت» وانتقا الفتح زكن

__________________

(١) عدم الإضمار باعتبارها تامة هو الأفصح ، وقد جاء القرآن به في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ ، وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ) وملخص ما ذكر في عسى واخلولق وأوشك أن لها ثلاث حالات : الأولى : تعيّن النقصان في مثل قولنا : عسى زيد أن يقوم.

الثانية : تعين التمام حين تسند إلى «أن والفعل» مستغنية عن الخبر مثل : «وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم».

الثالثة : جواز الوجهين وذلك إذا تقدم عليها وعلى أن والفعل أو تأخر عنها وعن أن والفعل اسم يصح إسناد الفعل إليه مثل : زيد عسى أن يقوم ، أو عسى أن يقوم زيد.

٢٠