تيسير وتكميل شرح ابن عقيل على ألفيّة ابن مالك - ج ٣

الدكتور محمّد علي سلطاني

تيسير وتكميل شرح ابن عقيل على ألفيّة ابن مالك - ج ٣

المؤلف:

الدكتور محمّد علي سلطاني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار العصماء
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٠٤

تمرينات

١ ـ مثل للصفة المشبهة مقترنة (بأل) عاملة فيما بعدها الرفع والنصب والجر.

٢ ـ مثل للصفة المشبهة مجردة من (أل) عاملة فيما بعدها الرفع والنصب والجر.

٣ ـ بيّن نوع كل مشتق مما يأتي ثم ضعه في عباره مفيدة بحيث يكون عاملا : ـ

طيّب ، مستعان به ، جميل ، يقظان ، مستقيم ، سمح الخلق ، صعب ، مهيب ، خفيف الحمل.

٤ ـ يستشهد بما يأتي في هذا الباب ، بيّن موضع الاستشهاد ثم أعرب ما تحته خط :

قال تعالى : «لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ ، حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ (١) رَحِيمٌ».

وقال الشاعر :

حسن الوجه طلقه أنت في السّلم وفي الحرب كالح مكفهرّ

٥ ـ اشرح البيت الآتي ثم أعربه : ـ

تعيّرنا أنا قليل عديدنا

فقلت لها : إن الكرام قليل

__________________

(١) آية ١٢٨ من سورة التوبة.

٢٢١

التعجب

صيغتا التعجب ـ إعرابهما :

بأفعل انطق بعد «ما» تعجّبا

أو جيء ب «أفعل» قبل مجرور ببا (١)

وتلو أفعل انصبنّه : ك «ما

أوفى خليلينا ، وأصدق بهما» (٢)

للتعجب صيغتان : إحداهما «ما أفعله» والثانية «أفعل به» وإليهما أشار المصنف بالبيت الأول أي : انطق بأفعل بعد «ما» للتعجّب ، نحو «ما أحسن زيدا» ، «وما أوفى خليلينا» أو جيء بأفعل قبل مجرور ببا ، نحو «أحسن بالزيدين ، وأصدق بهما».

__________________

(١) تعجبا : مفعول لأجله منصوب بالفتحة ، أو حال من فاعل انطق أي : متعجبا.

(٢) تلو : منصوب على الاشتغال بفعل محذوف وجوبا يفسره ما بعده تقديره «انصبن» أفعل : مضاف إليه قصد لفظه. انصبنه : فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة. والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والنون للتوكيد ، والهاء في محل نصب مفعول به ، والجملة ، مفسرة لا محل لها من الإعراب. ما : نكرة تامة بمعنى شيء مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. أوفى : فعل ماض لإنشاء التعجب مبني على فتح مقدر على الألف ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا عائد على ما تقديره هو خليلينا : مفعول به لأوفى منصوب بالياء لأنه مثنى ، وحذفت نونه للإضافة. ونا ضمير متصل في محل جر بالإضافة ، وجملة «أوفى» في محل رفع خبر ما. وأصدق : فعل ماض لإنشاء التعجب جاء على صورة الأمر مبني على فتح مقدر على آخره منع من ظهوره مجيئه على هذه الصورة. بهما : الباء حرف جر زائد. والضمير مجرور لفظا بحرف الجر الزائد في محل رفع فاعل أصدق. والميم حرف عماد ، والألف حرف دال على التثنية.

٢٢٢

فما : مبتدأ ، وهي نكرة تامة عند سيبويه ، و «أحسن» فعل ماض ، فاعله ضمير مستتر عائد على «ما» و «زيدا» مفعول أحسن ، والجملة خبر عن «ما» والتقدير : «شيء أحسن زيدا» أي جعله حسنا ، وكذلك «ما أوفى خليلينا» وأما «أفعل» ففعل. أمر (١) ومعناه التعجب لا الأمر وفاعله المجرور بالباء ، والباء زائدة ، واستدل على فعلية «أفعل» بلزوم نون الوقاية له إذا اتصلت به ياء المتكلم ، نحو «ما أفقرني إلى عفو الله» وعلى فعلية «أفعل» بدخول نون التوكيد عليه في قوله :

١ ـ ومستبدل من بعد غضبى صريمة

فأحر به من طول فقر وأحريا (٢)

__________________

(١) أي صورة وهو ماض حقيقة والمجرور بعده فاعله وأصل «أحسن بالزيدين» أحسن الزيدان أي صارا ذوي حسن ، فهو في الأصل خبر ثم نقل إلى إنشاء التعجب فغيروا لفظه من الماضي إلى الأمر ليكون الأمر بصورة الإنشاء.

(٢) قائله : غير معروف. غضبى : بفتح الغين وسكون الضاد وفتح الباء ـ اسم للمائة من الإبل وهي معرفة ولا تدخلها أل والتنوين كما في الصّحاح ويرى صاحب القاموس أنه تصحيف وصوابه «غضيا» بدل الباء. صريمة : تصغير صرمة هي القطعة من الإبل ما بين العشرين إلى الثلاثين. وقيل غير ذلك.

المعنى : «وربّ شخص ترك مائة من الإبل وأخذ بدلها قطعة قليلة لا تجاوز الثلاثين ، فما أجدره بالفقر الطويل وما أحقه».

الإعراب : ومستبدل : الواو واو ربّ. مستبدل : مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتعال المحل بحركة حرف الجر الشبيه بالزائد وهو ربّ المحذوفة. من بعد : جار ومجرور متعلق بمستبدل. غضبى : مضاف إليه مجرور بفتحة مقدرة على الألف لأنه ممنوع من الصرف بسبب ألف التأنيث. صريمة : مفعول به لمستبدل منصوب بالفتحة. فأحر : الفاء فصيحة. أحر : فعل ماض لإنشاء التعجب جاء على صورة الأمر مبني على فتح مقدر على آخره منع من ظهوره مجيئه على صورة الأمر المبني على حذف حرف العلة. به : الباء حرف جر زائد والضمير مجرور لفظا مرفوع محلا فاعل أحر. من طول : جار ومجرور متعلق بأحر. ومن هنا بمعنى الباء ـ وطول مضاف ـ فقر : مضاف إليه. وأحريا :

٢٢٣

أراد «وأحرين» بنون التوكيد الخفيفة ، فأبدلها ألفا في الوقف.

وأشار بقوله : «وتلو أفعل» إلى أن تالي «أفعل» ينصب لكونه مفعولا (١) نحو «ما أوفى خليلينا» ثم مثل بقوله : «وأصدق بهما» للصيغة الثانية.

(أ) وما قدمناه من أن «ما» نكرة تامة هو الصحيح (٢) ، والجملة التي بعدها خبر عنها ، والتقدير «شيء أحسن زيدا» أي جعله حسنا.

(ب) وذهب الأخفش إلى أنها موصولة ، والجملة التي بعدها صلتها ، والخبر محذوف ، والتقدير : «الذي أحسن زيدا شيء عظيم».

(ج) وذهب بعضهم إلى أنّها استفهامية ، والجملة التي بعدها خبر عنها ، والتقدير : «أيّ شيء أحسن زيدا»؟.

(د) وذهب بعضهم إلى أنّها نكرة موصوفة (٣) والجملة التي بعدها صفة لها ، والخبر محذوف والتقدير : «شيء أحسن زيدا عظيم».

__________________

الواو عاطفة. أحري : فعل ماض جاء على صورة الأمر ـ المبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد ـ والألف : منقلبة عن نون التوكيد الخفيفة في الوقف الأصل «وأحرين». وفاعله محذوف لدلالة ما سبق عليه والتقدير «وأحرين به».

وتكرار التعجب للتوكيد والتقوية.

الشاهد : في قوله : «وأحريا» حيث دخلت نون التوكيد الخفيفة المبدلة ألفا عليه ، وهذا دليل على فعلية صيغة «أفعل» في التعجب.

(١) لكنه خالف المفاعيل في أمور :

١ ـ عدم حذفه إلا لدليل.

٢ ـ لا يتقدم على عامله.

٣ ـ لا يفصل بينهما إلا بالظرف.

٤ ـ يجب كونه معرفة أو نكرة مختصة ليكون للتعجب منه فائدة. ومثله في هذه الأمور فاعل «أفعل».

(٢) هو رأي سيبويه.

(٣) هو قول ثان للأخفش أيضا. وله قول ثالث كقول سيبويه الأول وهو الصحيح.

٢٢٤

حذف المتعجب منه :

وحذف ما منه تعجّبت استبح

إن كان عند الحذف معناه يضح (١)

يجوز حذف المتعجّب منه ، وهو المنصوب بعد أفعل ، والمجرور بالباء بعد أفعل إذا دلّ عليه دليل فمثال الأول قوله :

٢ ـ أرى أمّ عمرو دمعها قد تحدرا

بكاء على عمرو وما كان أصبرا (٢)

__________________

(١) حذف : مفعول به مقدم لاستبح منصوب. تقدير البيت. استبح حذف ما تعجبت منه إن كان المعنى يتضح عند الحذف.

(٢) قائله : امرؤ القيس بن حجر الكندي. عمرو : هو ابن قميئة اليشكري صاحبه في سفره إلى قيصر الروم. تحدر : انصب ونزل.

المعنى : «أبصر أمّ عمرو حزينة يتحدر الدمع على خديها بكاء على فراق ولدها عمرو ، وعهدي بها صابرة متجلدة فما أعجب هذا التغير منها».

الإعراب : أرى : مضارع رأى البصرية ـ مرفوع بضمة مقدرة على الألف ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا. أمّ : مفعول به منصوب بالفتحة وهو مضاف عمرو : مضاف إليه مجرور بالكسرة. دمعها : مبتدأ مرفوع بالضمة وهو مضاف. وها في محل جر بالإضافة. قد تحدرا : قد حرف تحقيق. تحدر فعل ماض مبني على الفتح وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وجملة «تحدر» في محل رفع خبر المبتدأ «دمعها» وجملة «دمعها قد تحدرا» في محل نصب حال من أم عمرو. بكاء : مفعول لأجله منصوب بالفتحة. على عمرو : جار ومجرور متعلق ببكاء. وما : الواو استئنافية. ما تعجبية نكرة تامة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. كان : زائدة بين التعجبية وفعل التعجب. أصبرا : فعل ماض لإنشاء التعجب مبني على الفتح ، والألف للإطلاق وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا عائد على «ما» والمفعول به المتعجب منه محذوف تقديره «ما أصبرها» وجملة «أصبرا» في محل رفع خبر ما التعجبية ، وجملة «ما أصبرا» لا محل لها من الإعراب استئنافية.

الشاهد : في قوله : «وما كان أصبرا» حيث حذف المتعجّب منه وهو الضمير المنصوب بأصبر لدلالة الكلام عليه. والتقدير : ما أصبرها.

٢٢٥

التقدير : «وما كان أصبرها» فحذف الضمير وهو مفعول أفعل للدلالة عليه بما تقدم ، ومثال الثاني قوله تعالى : (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ)(١) التقدير ـ والله أعلم ـ «وأبصر بهم» فحذف بهم لدلالة ما قبله عليه.

وقول الشاعر :

٣ ـ فذلك إن يلق المنية يلقها

حميدا وإن يستغن يوما فأجدر (٢)

__________________

(١) الآية ٣٨ من سورة مريم وهي «أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ».

(٢) قائله : عروة بن الورد من قصيدة يذكر بها أحوال الصعاليك ، وقبله قوله :

ولكن صعلوكا صفيحة وجهه

كضوء شهاب القابس المتنوّر

ذلك : إشارة إلى الصعلوك المذكور في البيت السابق. المنية : الموت. حميدا : محمودا.

المعنى : «ذلك الفقير الموصوف بما ذكر إن صادف المنيّة صادفها وهو محمود وإن يستغن فما أحقّه بالغنى».

الإعراب : فذلك : ذا اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ ، واللام للبعد ، والكاف حرف خطاب. إن : حرف شرط جازم. يلق : مضارع مجزوم بإن ـ فعل الشرط ـ بحذف حرف العلة ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. المنية : مفعول به ليلق منصوب بالفتحة. يلقها : مضارع مجزوم بإن لأنه جواب الشرط وجزاؤه وعلامة جزمه حذف حرف العلة ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وها : مفعول به. حميدا : حال من فاعل يلقها منصوب وجملتا الشرط «إن يلق المنية يلقها» في محل رفع خبر المبتدأ «ذا». وإن : الواو عاطفة. إن : حرف شرط جازم. يستغن : مضارع مجزوم بإن ـ فعل الشرط ـ بحذف حرف العلة ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره «هو» يوما : ظرف زمان منصوب متعلق بيستغن. فأجدر : الفاء واقعة في جواب الشرط أجدر : فعل ماض لإنشاء التعجب جاء على صورة الأمر مبني على فتح مقدر ، وفاعله محذوف تقديره «به» وجملة «أجدر ...» في محل جزم جواب الشرط وجملتا الشرط «إن يستغن .. فأجدر» معطوفة على الشرط السابق ، فمحلهما الرفع ..

٢٢٦

أي فأجدر به ، فحذف المتعجب منه بعد أفعل ، وإن لم يكن معطوفا على أفعل مثله وهو شاذ.

جمود صيغتي التعجب :

وفي كلا الفعلين قدما لزما

منع تصرف بحكم حتما (١)

لا يتصرف فعلا التعجب ، بل يلزم كل منهما طريقة واحدة ، فلا يستعمل من أفعل غير الماضي ، ولا من أفعل غير الأمر قال المصنف ، وهذا مما لا خلاف فيه.

شروط ما يصاغ منه فعلا التعجب :

وصغهما من ذي ثلاث صرّفا

قابل فضل ، تمّ ، غير ذي انتفا (٢)

__________________

الشاهد : في قوله : «فأجدر» حيث حذف المتعجب منه وهو «به» لدلالة الكلام عليه وحذفه شاذ لأن شرط حذف المتعجب منه مع «أفعل به» أن يكون «أفعل» معطوفا على آخر مذكور معه مثل ذلك المحذوف كقوله تعالى : (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ) أي بهم.

(١) في كلا : جار ومجرور متعلق بلزم ، كلا مجرور بكسرة مقدرة على الألف للتعذر وهو مضاف. الفعلين : مضاف إليه مجرور بالياء لأنه مثنى. قدما : ظرف زمان منصوب بالفتحة متعلق بلزم. لزما : فعل ماض مبني على الفتح ، والألف للإطلاق. منع : فاعل لزم مرفوع وهو مضاف. تصرف : مضاف إليه مجرور. بحكم : جار ومجرور متعلق بلزم. حتما : فعل ماض مبني للمجهول على الفتح ، ونائب فاعله ضمير مستتر جوازا تقديره هو والجملة في محل جر صفة ل «حكم».

(٢) من ذي ثلاث : من حرف جر. ذي مجرور بمن بالياء لأنه من الأسماء الستة بمعنى صاحب والجار والمجرور متعلق بصغهما وهو مضاف. ثلاث : مضاف إليه مجرور. غير ذي انتفا : غير صفة رابعة ل «ذي ثلاث» مجرورة بالكسرة وهو مضاف. ذي : مضاف إليه مجرور بالياء لأنه من الأسماء الستة وهو مضاف. انتفا : مضاف إليه مجرور بالكسرة وقصر للضرورة الأصل «انتفاء».

٢٢٧

وغير ذي وصف يضاهي أشهلا

وغير سالك سبيل فعلا (١)

يشترط في الفعل الذي يصاغ منه فعلا التعجب شروط سبعة :

١ ـ احدها : أن يكون ثلاثيا ، فلا يبنيان مما زاد عليه ، نحو : دحرج وانطلق واستخرج.

٢ ـ الثاني : أن يكون متصرفا ، فلا يبنيان من فعل غير متصرف ، كنعم ، وبئس ، وعسى ، وليس.

٣ ـ الثالث : أن يكون معناه قابلا للمفاضلة ، فلا يبنيان من «مات» و «فني» ونحوهما ، إذ لا مزية فيهما لشيء على شيء.

٤ ـ الرابع : أن يكون تاما ، واحترز بذلك من الأفعال الناقصة ، نحو «كان» وأخواتها ، فلا تقول : «ما أكون زيدا قائما» وأجازه الكوفيون.

٥ ـ الخامس : أن لا يكون منفيا ، واحترز بذلك من المنفي لزوما ، نحو «ما عاج فلان بالدواء» أي : ما انتفع به ، أو جوازا نحو «ما ضربت زيدا».

٦ ـ السادس : أن لا يكون الوصف منه على أفعل (٢) ، واحترز بذلك من الأفعال الدالة على الألوان : كسود فهو أسود ، وحمر فهو أحمر والعيوب كحول فهو أحول ، وعور فهو أعور ؛

__________________

(١) وغير : معطوف بالواو على «غير ذي انتفا» ومجرور. وجملة «يضاهي أشهلا» في محل جر صفة ل «وصف» وغير سالك : غير معطوف بالواو على «غير في البيت السابق. سبيل ، معفول به لاسم الفاعل «سالك».

(٢) لالتباس «أفعل» التفضيل بالوصف منه ، فإن كلا منهما بوزن «أفعل» ولذلك منعوا التعجب والتفضيل في الأفعال الدالة على لون أو عيب بسبب هذا الاشتراك واللبس.

٢٢٨

فلا تقول : «ما أسوده» ولا «ما أحمره» ولا «ما أحوله» ولا «ما أعوره» ولا «أعور به» ولا «أحول به».

٧ ـ السابع : أن لا يكون مبنيا للمفعول نحو «ضرب زيد» فلا تقول «ما أضرب زيد» تريد التعجب من ضرب أوقع به ، لئلا يلتبس (١) بالتعجّب من ضرب أوقعه.

ما يتوصل به إلى التعجب من فاقد شرط :

وأشدد او أشدّ ، أو شبههما

يخلف ما بعض الشروط عدما (٢)

ومصدر العادم ـ بعد ـ ينتصب

وبعد أفعل جرّه بالبا يجب (٣)

يعني أنه يتوصّل إلى التعجب من الأفعال التي لم تستكمل الشروط بأشدد ونحوه ، وبأشدّ ونحوه ، وينصب مصدر ذلك الفعل العادم الشروط بعد «أفعل» مفعولا ، ويجر بعد «أفعل» بالباء ، فتقول : «ما أشدّ

__________________

(١) ذكر ابن مالك في التسهيل : أنه إذا أمن اللبس جاز إن كان الفعل ملازما للبناء للمجهول فتقول : ما أعناه بحاجتك وما أزهاه علينا. لأن كلا من الفعلين «عني» و «زهي» ملازم للبناء للمجهول.

(٢) أشدد : قصد لفظه مبتدأ أو أشد : قصد لفظه معطوف على المبتدأ. يخلف : مضارع مرفوع ، فاعله ضمير مستتر جوازا. ما اسم موصول في محل نصب مفعول به. بعض : مفعول به مقدم للفعل «عدم» وهو مضاف. الشروط : مضاف إليه. عدم : فعل ماض مبني على الفتح والألف للإطلاق وجملة «يخلف» في محل رفع خبر المبتدأ «أشدد» وجملة «عدما» لا محل لها صلة الموصول.

(٣) مصدر : مبتدأ مرفوع وهو مضاف. العادم : مضاف إليه مجرور ، بعد : ظرف مكان مبني على الضم في محل نصب متعلق بينتصب. ينتصب : مضارع مرفوع بالضمة وسكن للروي ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره «هو» وجملة «ينتصب» في محل رفع خبر المبتدأ «مصدر».

٢٢٩

دحرجته ، واستخراجه و «أشدد بدحرجته ، واستخراجه» و «ما أقبح عوره ، وأقبح بعوره» و «ما أشد حمرته ، وأشدد بحمرته».

وبالنّدور احكم لغير ما ذكر

ولا تقس على الذي منه أثر (١)

يعني أنه إذا ورد بناء فعل التعجب من شيء من الأفعال التي سبق أنه لا يبنى منها حكم بندوره ، ولا يقاس على ما سمع منه ، كقولهم : «ما أخصره» من «اختصر» فبنوا أفعل من فعل زائد على ثلاثة أحرف وهو مبني للمفعول وكقولهم : «ما أحمقه» فبنوا أفعل من فعل الوصف منه على أفعل ، نحو حمق فهو أحمق. وقولهم «ما أعساه» و «أعس به» فبنوا أفعل وأفعل به من «عسى» وهو فعل غير متصرف.

تأخير معمول فعل التعجب ووجوب وصله بعامله :

وفعل هذا الباب لن يقدّما

معموله ، ووصله به الزما

وفصله بظرف او بحرف جرّ

مستعمل والخلف في ذاك استقرّ

لا يجوز تقديم معمول فعل التعجب عليه ، فلا تقول «زيدا ما أحسن» ولا «ما زيدا أحسن» ولا «بزيد أحسن» ويجب وصله» بعامله ،

__________________

(١) لا تقس : لا ناهية. تقس : مضارع مجزوم بلا بالسكون وفاعله ضمير المخاطب مستتر وجوبا تقديره أنت. على الذي : جار ومجرور متعلق بتقس. منه : جار ومجرور متعلق بأثر. أثر : فعل ماض مبني للمجهول على الفتح وسكن للروي ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو وجملة أثر صلة الموصول لا محل لها.

٢٣٠

فلا «يفصل بينهما بأجنبي» (١) ، فلا تقول في «ما أحسن معطيك الدرهم» «ما أحسن الدرهم معطيك» (٢) ولا فرق في ذلك بين المجرور وغيره (٣) ، فلا تقول «ما أحسن بزيد مارا» تريد «ما أحسن مارا بزيد» ولا «ما أحسن عندك جالسا» تريد «ما أحسن جالسا عندك».

فإن كان الظرف أو المجرور معمولا لفعل التعجب ، ففي جواز الفصل بكل منهما بين فعل التعجب ومعموله خلاف ، والمشهور جوازه (خلافا للأخفش والمبرد ومن وافقهما ، ونسب الصيمريّ المنع إلى سيبويه) ، ومما ورد فيه الفصل في النثر قول عمرو بن معد يكرب (٤) : «لله درّ بني سليم ، ما أحسن في الهيجاء لقاءها ، وأكرم في اللزبات عطاءها ، وأثبت في المكرمات بقاءها» (٥) وقول علي كرّم الله وجهه ، وقد مرّ بعمّار فمسح التراب عن وجهه «أعزز علي أبا اليقظان أن أراك صريعا

__________________

(١) المراد الأجنبي غير المفعول في «ما أحسن زيدا» وغير الفاعل في صيغة «أفعل به» فيشمل الحال فلا يفصل به على المختار فلا تقول : ما أحسن جالسا زيدا ، ولا «أحسن جالسا بزيد».

(٢) لأن الدرهم أجنبي عن أحسن ، فهو مفعول به لمعطيك ، ومفعول أحسن هو «معطيك».

(٣) المقصود بالمجرور والظرف الممنوع الفصل به هو ما كان معمولا لغير فعل التعجب كما مثل الشارح ، فإن الجار والمجرور «بزيد» معمول ل «مارا» والظرف «عندك» معمول ل «جالسا» ولذلك امتنع الفصل به. أما إذا كان المجرور معمولا لفعل التعجب ففيه الخلاف الآتي.

(٤) صحابي من فرسان الجاهلية والإسلام قتل سنة إحدى وعشرين من الهجرة.

(٥) في الهيجاء : معمول لأحسن ومتعلق بها. وفي اللزبات معمول لأكرم ومتعلق بها ، اللّزبات : بفتح اللام وسكون اللام جمع لزبة وهي الشدة والقحط ، وفي المكرمات معمول لأثبت ومتعلق بها.

٢٣١

مجدّلا» (١) ومما ورد منه من النظم قول بعض الصحابة رضي‌الله‌عنهم :

٤ ـ وقال نبيّ المسلمين : تقدّموا

وأحبب إلينا أن تكون المقدّما (٢)

وقوله :

__________________

(١) الفاعل «أن أراك للفعل أعزز ، وتأويل المصدر : رؤيتك» وقد حذف الجار قبله ، وقد فصل بين الفعل «أعزز» والفاعل بالجار والمجرور «عليّ» وبالنداء أيضا.

(٢) قائله : العباس بن مرداس أحد المؤلفة قلوبهم الذين أعطاهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من سبي حنين مائة من الإبل.

المعنى : «أمرنا رسول الله بالتقدم فامتثلنا أمره لأن أحب الأمور إلينا أن نكون تابعين له منصاعين لأوامره».

الإعراب : قال : فعل ماض مبني على الفتح. نبيّ : فاعل مرفوع بالضمة وهو مضاف. المسلمين : مضاف إليه مجرور بالياء لأنه جمع مذكر سالم ، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد. تقدموا : فعل أمر مبني على حذف النون لاتصاله بواو الجماعة ، والواو ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. وجملة «تقدموا» في محل نصب مقول القول. وأحبب : الواو عاطفة : أحبب : فعل ماض لإنشاء التعجب جاء على صورة الأمر مبني على فتح مقدر. إلينا : جار ومجرور متعلق بأحبب. أن : حرف مصدري ونصب. تكون : مضارع ناقص منصوب بأن بفتحة ظاهرة ، واسمه ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره «أنت». المقدما : خبر تكون منصوب بالفتحة والألف للإطلاق وأن وما بعدها في تأويل مصدر مجرور بالباء الزائدة محذوفة ـ مجرور لفظا مرفوع تقديرا لأنه فاعل أحبب. وتقدير المصدر «واحبب إلينا بكونك المقدّم».

الشاهد : في قوله : «أحبب إلينا أن تكون» حيث فصل بالجار والمجرور «إلينا» المتعلق بفعل التعجب بين فعل التعجب «أحبب» ومعموله «أن تكون» وهذا الفصل جائز لأن الفاصل ليس أجنبيا عن أحبب.

٢٣٢

٥ ـ خليليّ ما أحرى بذي اللّبّ أن يرى

صبورا ، ولكن لا سبيل إلى الصّبر (١)

__________________

(١) قائله : غير معروف أحرى : أولى وأحقّ. اللّبّ : العقل ، وذو اللب : العاقل.

المعنى «يا صديقيّ ، ما أحق صاحب العقل أن يراه الناس كثير الصبر على المكاره ، ولكن الصبر مرّ المذاق لا يسلك أحد سبيله».

الإعراب : خليليّ : منادى مضاف بأداة نداء محذوفة ، منصوب بالياء المدغمة في ياء المتكلم لأنه مثنى ، وحذفت النون للإضافة ، وياء المتكلم : مبنية على الفتح في محل جر بالإضافة. ما : نكرة تامة ـ تعجبية ـ مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. أحرى : فعل ماض جامد لإنشاء التعجب مبني على فتح مقدر. وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا يعود على ما تقديره : هو. بذي : الباء حرف جر. ذي مجرور بالباء علامة جره الياء لأنه من الأسماء الستة والجار والمجرور متعلق بأحرى وهو مضاف. اللب : مضاف إليه مجرور بالكسرة. أن : حرف مصدري ونصب. يرى : فعل مضارع مبني للمجهول منصوب بأن بفتحة مقدرة على الألف ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره «هو» ونائب الفاعل هو المفعول الأول ليرى القلبية. صبورا : مفعول ثان ليرى منصوب بالفتحة. ويجوز أن تعرب يرى : بصرية ، وتكون صبورا حال من نائب الفاعل. وأن المصدرية وما بعدها في تأويل مصدر منصوب به لأحرى ، تقديره «رؤيته صبورا» وجملة «أحرى .. أن يرى» في محل رفع خبر ما التعجبية. ولكن : الواو عاطفة لكن حرف استدراك. لا سبيل : لا نافية للجنس تعمل عمل إن : سبيل : اسم لا مبني على الفتح في محل نصب. إلى الصبر : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لا. تقديره «موجود».

الشاهد : في قوله : «ما أحرى بذي اللب أن يرى» حيث فصل بالجار والمجرور «بذي اللب» بين فعل التعجب «أحرى» ومعموله «أن يرى» وهذا الفاصل جائز لأن الجار والمجرور معمول لفعل التعجب ومتعلق به. بل الفصل هنا واجب لأن في المفعول به «أن يرى» ضميرا يعود على المجرور وهو «ذي اللب» فلو تأخر المجرور عن المعمول لعاد الضمير على متأخر لفظا ورتبة وهو ممنوع. ومثل هذا البيت في وجوب الفصل قول الشاعر :

أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته

ومدمن القرع للأبواب أن يلجا

فصل فيه بالجار والمجرور «بذي الصبر» بين فعل التعجب «أخلق» ومعموله «أن يحظى» وهو فاعل حذفت منه الباء ، لأن في «أن يحظى» ضميرا يعود على المجرور بالأصل «أخلق بأن يحظى ذو الصبر بحاجته».

٢٣٣

أسئلة ومناقشات

١ ـ ما صيغتا التعجب عند النحاة؟ تعجّب بهما من شدّة الحرّ ، وكثرة السيارات ، وسرعة السائقين في جمل تامة من عندك.

٢ ـ كيف تعرب صيغة (ما أفعله)؟ وما معنى (ما»؟ وما الدليل على فعلية «أفعل» بعدها؟ وما نوع جملة التعجب هذه؟ مثل لما تقول.

٣ ـ ما إعراب الصيغة الثانية للتعجب؟ «أفعل به» وما نوع هذا الفعل؟ وكيف تستدل على فعليته؟ وكيف تعرب الباء الداخلة على الاسم بعده؟ وما إعراب ذلك الاسم؟ مثل ووضّح.

٤ ـ ما المقصود بالمتعجب منه؟ مثل له في صيغ من عندك ـ ثم وضح متى يجوز حذفه؟ ومتى يمتنع؟ ولماذا؟ مثل لما تقول.

٥ ـ قال النحاة : «فعلا التعجب جامدان لا يتصرفان». اشرح ذلك ووضح ما يترتب عليه من عدم تقدم معموليهما عليهما. وعدم صحة الفصل بين فعلي التعجب وبين معموليهما .. ووضح متى يصح ذلك الفصل ثم مثل لما تذكر ..

٧ ـ ما شرط صوغ فعلى التعجب؟ وكيف تتعجب مما لم يستوف الشروط مثل لما تقول.

٨ ـ هناك (أفعال) لا يتعجب منها مطلقا .. وأخرى يتعجب منها بفعل مساعد وضح ذلك مع التمثيل ..

٢٣٤

تمرينات

١ ـ لماذا صح قولك : ما أكرم بعليّ أن يصدق وأكرم به أن يقول الحق؟ ولم يصح قولك : ما أحسن في المسجد معتكفا وأحسن عندك بجالس؟ علّل لذلك.

٢ ـ تعجّب مما يأتي في صيغ تامة بالصيغتين :

دحرجت الكرة ـ انتصر الحق على الباطل ـ استغفرت الله ـ ما قصرت في واجب ـ تنتحل الأعذار ـ اختصرت المقال ـ عورت العين ـ اخضرّ الزرع ـ كنت موفقا.

٣ ـ قال تعالى : «أَسْمِعْ بِهِمْ(١) وَأَبْصِرْ».

ويقول الشاعر :

فذلك إن يلق النية يلقها

حميدا وإن يستغن يوما فأجدر

(أ) وضح لم صح حذف المتعجب منه في الآية الكريمة وشذّ في البيت؟

(ب) أعرب ما تحته خط مما مر.

٤ ـ كثيرا ما نسمع هذه الأساليب في التعجب ما رأيك فيها؟ وهل هي جارية على القواعد؟

ما أولع الشباب بلعب الكرة ـ ما أخصر هذا المقال.

ما أهوج الأحمق في تصرفاته ـ ما أسود ظلام الليلة.

ما أشبه الليلة بالبارحة ما أتقاه لله.

__________________

(١) آية ٣٨ سورة مريم.

٢٣٥

٦ ـ اشرح ثم أعرب البيت الآتي :

إذا ورّث الجهال أبناءهم غنى

وما لا فما أشقى بني العلماء

٧ ـ قال الشاعر :

أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته

ومد من القرع للأبواب أن يلجا

(أ) أعرب الشطر الأول من البيت.

(ب) حول صيغة التعجب فيه إلى صيغة (ما أفعله).

(ج) اشرح البيت ناصحا إخوانك بالصبر في معالجة البحث والدراسة.

٢٣٦

نعم وبئس وما جرى مجراهما

نعم وبئس فعلان جامدان :

فعلان غير متصرّفين

نعم ، وبئس ، رافعان اسمين (١)

مقارني ـ أل أو مضافين لما

قارنها ، ك «نعم عقبى الكرما» (٢)

__________________

(١) فعلان : خبر مقدم ل «نعم وبئس» مرفوع بالألف لأنه مثنى «غير : صفة لفعلان مرفوع بالضمة وهو مضاف. متصرفين : مضاف إليه مجرور بالياء لأنه مثنى. نعم : مبتدأ مؤخر قصد لفظه. وبئس : معطوف بالواو على لفظ نعم : رافعان : خبر لمبتدأ محذوف تقديره «هما» مرفوع بالألف لأنه مثنى ، والنون عوض عن التنوين في المفرد اسمين : مفعول به لاسم الفاعل «رافعان» منصوب بالياء لأنه مثنى.

(٢) مقارني أل : مقارني صفة لاسمين في آخر البيت السابق منصوب بالياء لأنه مثنى وهو مضاف وأل : قصد لفظه مضاف إليه. أو : حرف عطف : مضافين : معطوف على مقارني ومنصوب مثله بالياء لأنه مثنى. لما : اللام حرف جر ، ما اسم موصول مبني على السكون في محل جر باللام ، والجار والمجرور متعلق بمضافين. قارنها : قارن : فعل ماض مبني على الفتح ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وها : مفعول به ، وجملة «قارنها» لا محل لها من الإعراب صلة الموصول. نعم : فعل ماض جامد لإنشاء المدح مبني على الفتح. عقبى : فاعل نعم مرفوع بضمة مقدرة على الألف وهو مضاف ، الكرما : مضاف إليه مجرور بالكسرة وقصر للضرورة الأصل «الكرماء». في هذا المثال فاعل نعم مضاف لما فيه أل.

٢٣٧

ويرفعان مضمرا يفسّره

مميّز ، ك «نعم قوما معشره (١)

مذهب جمهور النحويين أن «نعم ، وبئس» فعلان ؛ بدليل دخول تاء التأنيث الساكنة عليهما ، نحو «نعمت المرأة هند» و «بئست المرأة دعد».

ذهب جماعة من الكوفيين ـ ومنهم الفراء ـ إلى أنهما اسمان (١) ، واستدلّوا بدخول حرف الجر عليهما في قول بعضهم : «نعم السير على بئس العير» (٢) وقول الآخر : «والله ما هي بنعم الولد ، نصرها بكاء ، وبرّها سرقة» (٣) وخرّج على جعل «نعم وبئس» معمولين لقول محذوف واقع صفة لموصوف محذوف ، وهو المجرور بالحرف ، لا «نعم وبئس» والتقدير : «نعم السير على عير مقول فيه بئس العير ، وما هي بولد مقول فيه نعم الولد» فحذفت الصفة والموصوف ، وأقيم المعمول مقامهما مع بقاء «نعم وبئس» على فعليتهما.

__________________

(١) في مذهب هؤلاء معنى «نعم» «الممدوح» ، ومعنى «بئس» «المذموم» وقد بنيا على الفتح لتضمنهما معنى الإنشاء وهو من معاني الحروف. ويعربون المثال : «نعم الرجل زيد» كما يلي : نعم : مبتدأ ـ بمعنى الممدوح مبني على الفتح في محل رفع. الرجل : بدل من نعم أو عطف بيان زيد : خبر نعم مرفوع بالضمة ومعنى المثال : «الممدوح الرجل زيد» ويمكن إعراب زيد مبتدأ مؤخر ونعم خبره مقدم.

(٢) العير : بفتح العين وسكون الياء : الحمار وجمعه أعيار كبيت وأبيات والأنثى عيرة.

(٣) أي : إنها إذا أرادت أن تنصر أباها على أعدائه تصرخ لتستغيث بالناس ، وإذا أرادت أن تبرّ أحدا سرقت له من مال زوجها.

٢٣٨

وهذان الفعلان لا يتصرفان ، فلا يستعمل منهما غير الماضي (١).

أحوال فاعل نعم وبئس :

ولا بد لهما من مرفوع هو الفاعل ، وهو على ثلاثة أقسام :

(أ) الأول : أن يكون محلّى بالألف واللام ، نحو «نعم الرجل زيد» ومنه قوله تعالى : (نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ)(٢) واختلف في هذه اللام : فقال قوم : هي للجنس حقيقة ، فمدحت الجنس كله من أجل زيد ، ثم خصصت زيدا بالذكر ، فتكون قد مدحته مرتين ، وقيل : هي للجنس مجازا ، وكأنك قد جعلت زيدا الجنس كلّه مبالغة ، وقيل ، هي للعهد.

(ب) الثاني : أن يكون مضافا إلى ما فيه «أل» كقوله : «نعم عقبي الكرما» ومنه قوله : (وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ)(٣).

__________________

(١) لا يتصرفان لخروجهما عن أصل الأفعال من إفادة الحدث والزمان ولزومهما إنشاء المدح والذم على سبيل المبالغة ، والإنشاء من معاني الحروف وهي لا تتصرف ، ومثلها ما أشبهها. وهذا الاستعمال لنعم وبئس هو أحد استعمالين لهما. أما الاستعمال الثاني فيكونان فيه متصرفين كسائر الأفعال ، تقول : نعم زيد بأحبته ينعم فهو ناعم وبئس يبأس فهو بائس.

(٢) من الآية ٤٠ من سورة الأنفال وهي «وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ».

(٣) من الآية ٣٠ من سورة النحل وهي مع الآية التالية : (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ. جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها ..).

٢٣٩

(ج) الثالث : أن يكون مضمرا (١) مفسرا بنكرة بعده منصوبة على التمييز ، نحو «نعم قوما معشره» ففي «نعم» ضمير مستتر يفسره «قوما» و «معشره مبتدأ وزعم بعضهم أن «معشره» مرفوع بنعم ، وهو الفاعل ، ولا ضمير فيها ، وقال بعض هؤلاء : إن «قوما» حال ، وبعضهم : إنّه تمييز. ومثل «نعم قوما معشره» قوله تعالى : (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً)(٢).

وقول الشاعر :

٦ ـ لنعم موئلا المولى إذا حذرت

بأساء ذي البغي واستيلاء ذي الإحن (٣)

__________________

(١) أي مستترا ملازما للإفراد فلا يبرز في تثنية ولا جمع استغناء بجمع تمييزه ، ويجب عوده لما بعده وهو التمييز فهو مما يعود على متأخر لفظا ورتبة ، ولا يتبع بتابع لأن لفظه ومعناه لا يتضحان إلا بشيء منتظر بعد. وشذ تأكيده في «نعم هم قوما أنتم».

(٢) من الآية ٥٠ من سورة الكهف وهي : «وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً».

(٣) قائله : غير معروف. موئلا : الملجأ والمرجع. المولى : هنا ـ الله تبارك وتعالى. حذرت : خيفت. البأساء : الشدة. البغي : الاعتداء والظلم. الاستيلاء : التغلب والتمكن. الإحن ، جمع إحنه ـ مثل سدرة وسدر : هي الحقد وإضمار العداوة.

المعنى : «والله لنعم الموئل والمرجع رب العالمين إذا خيفت شدة الظالمين وأضرار المعتدين وغلبة الحاقدين».

الإعراب : لنعم : اللام واقعة في جواب قسم محذوف. نعم : فعل ماض جامد لإنشاء المدح مبني على الفتح ، وفاعله : ضمير مستتر يعود على موئل «بعده» موئلا : تمييز ـ يفسر فاعل نعم المضمر ـ منصوب بالفتحة. المولى : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة المقدرة على الألف ، وجملة «نعم» خبر مقدم له ، أو نعرب : المولى خبر لمبتدأ محذوف وجوبا تقديره «الممدوح المولى وجملة نعم

٢٤٠