تيسير وتكميل شرح ابن عقيل على ألفيّة ابن مالك - ج ٣

الدكتور محمّد علي سلطاني

تيسير وتكميل شرح ابن عقيل على ألفيّة ابن مالك - ج ٣

المؤلف:

الدكتور محمّد علي سلطاني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار العصماء
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٠٤

فمن استعمالها مجرورة قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «دعوت ربي ألّا يسلّط على أمّتي عدوّا من سوى أنفسها» وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما أنتم في سواكم من الأمم إلا كالشّعرة البيضاء في الثور الأسود ، أو كالشعرة السوداء في الثور الأبيض» وقول الشاعر :

٣٠ ـ ولا ينطق الفحشاء من كان منهم

إذا جلسوا منّا ولا من سوائنا (١)

ومن استعمالها مرفوعة قوله :

__________________

(١) قائله : المرار بن سلامة العقيلي. الفحشاء : القول القبيح السيء.

المعنى : أنّ هؤلاء الناس يلتزمون العفة في القول فلا ينطقون بفاحش قبيح سواء جلسوا معنا أو مع غيرنا.

الإعراب : لا : نافية. ينطق. مضارع مرفوع بالضمة. الفحشاء : مفعول به لينطق أو منصوب بنزع الخافض ـ أي لا ينطق بالفحشاء ـ من : اسم موصول مبني على السكون في محل رفع فاعل ينطق. كان : فعل ماض ناقص مبني على الفتح واسمها ضمير مستتر فيه جوزا تقديره هو يعود إلى الموصول. منهم : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر كان والجملة صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. إذا : ظرف يتضمن معنى الشرط مبني على السكون في محل نصب متعلق بالجواب المحذوف تقديره فلا ينطقون الفحشاء. جلسوا : جلس فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة والواو فاعل ، والجملة في محل جر بإضافة إذا إليها. منا : جار ومجرور متعلق بجلسوا. ولا : الواو عاطفة. لا زائدة لتوكيد النفي السابق. من سوائنا : جار ومجرور متعلق بجلسوا ونا في محل جر مضاف إليه. وجواب إذا محذوف تقديره «لا ينطق الفحشاء».

الشاهد : في قوله : «ولا من سوائنا» حيث خرجت فيه سوى عن الظرفية واستعملت مجرورة.

٢١

٣١ ـ وإذا تباع كريمة أو تشترى

فسواك بائعها وأنت المشتري (١)

وقوله :

٣٢ ـ ولم يبق سوى العدوا

ن دنّاهم كما دانوا (٢)

ف «سواك» مرفوع بالابتداء ، و «سوى العدوان» مرفوع بالفاعلية.

__________________

(١) قائله : محمد بن عبد الله المدني يخاطب يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب. كريمة : خصلة كريمة. والمراد بالبيع : الترك والزهد. وبالشراء : الرغبة في الكريمة والجد في تحصيلها.

المعنى : «إذا تركت الفضائل والخلال الحميدة من بعض الناس ، وإذا رغب فيها وسعى إليها آخرون ، فغيرك يترك وأنت الساعي لكسب المناقب والخلال الطيبة الجليلة».

الإعراب : إذا : ظرف يتضمن معنى الشرط مبني على السكون في محل نصب على الظرفية متعلق ب «بائعها». تباع : مضارع مبني للمجهول مرفوع بالضمة. كريمة : نائب فاعل مرفوع بتباع بالضمة الظاهرة. أو : عاطفة. تشترى : مضارع مبني للمجهول مرفوع بضمة مقدرة ونائب الفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هي يعود إلى كريمة. وجملة تباع في محل جر مضاف إليه ، وجملة تشتري في محل جر عطفا على جملة تباع. فسواك : الفاء واقعة في جواب إذا. سوى : مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على الألف للتعذر والكاف مضاف إليه. بائعها : خبر سوى مرفوع بالضمة. وها مضاف إليه. والجملة لا محل لها من الإعراب لأنها جواب شرط غير جازم. وأنت : الواو عاطفة. أنت : مبتدأ في محل رفع. المشترى : خبره مرفوع بضمة مقدرة. والجملة معطوفة على الجملة السابقة فهي مثلها لا محل لها من الإعراب.

الشاهد : في قوله : «فسواك» حيث خرجت سوى عن الظرفية واستعملت مرفوعة بالابتداء.

(٢) قائله الفند الزماني ـ واسمه شهل بن شيبان بن ربيعه ـ من شعراء الجاهلية.

وقبله قوله :

فلمّا صرّح الشرّ

فأمسى وهو عريان

دناهم كما دانوا : جزيناهم كجزائهم.

المعنى : «فلما انكشف الشر ولم يبق بيننا وبينهم غير الظلم انتقمنا منهم وفعلنا بهم مثل فعلهم بنا».

٢٢

ومن استعمالها منصوبة على غير الظرفية قوله :

٣٣ ـ لديك كفيل بالمنى لمؤمّل

وإن سواك من يؤمّله يشقى (١)

__________________

الإعراب : لم : حرف نفي وجزم وقلب. يبق مضارع مجزوم بلم علامة جزمه حذف الألف. سوى : فاعل يبقى مرفوع بضمة مقدرة. العدوان : مضاف إليه مجرور. دناهم : دان فعل ماض مبني على السكون ، ونا : فاعل. والهاء مفعول به ، والميم لجمع الذكور كما : الكاف جارة. ما : حرف مصدري. دانوا : دان فعل ماض مبني على الضم والواو فاعل ـ وما المصدرية وما بعدها في تأويل مصدر مجرور بالكاف والجار والمجرور متعلق بدناهم. التقدير «دناهم كدينهم لنا» وجملة : دناهم : لا محل لها من الإعراب جواب لما في البيت السابق ، وجملة «لم يبق» معطوفة على جملة «صرح الشرّ» في البيت السابق فهي مجرورة مثلها لأن الأولى مجرورة بالإضافة إلى «لما».

الشاهد : في قوله : «سوى العدوان» حيث خرجت سوى عن الظرفية واستعملت مرفوعة على الفاعلية.

(١) قائله : غير معروف. كفيل : ضامن. المنى : جمع منية ـ كمدى ومدية ـ : ما يتمنى ويطلب حصوله. مؤمّل : اسم فاعل من التأميل وهو رجاء الخير.

المعنى : لديك أيها الممدوح من مكارم الأخلاق ما يضمن لمؤمّلي نداك ما رجوه وتمنوه بخلاف غيرك فإن راجيه يخيب.

الإعراب : لدى : ظرف مكان منصوب بفتحة مقدرة متعلق بمحذوف خبر مقدم. والكاف مضاف إليه. كفيل : مبتدأ مؤخر مرفوع. بالمنى : جار ومجرور متعلق بكفيل. لمؤمل : جار ومجرور متعلق بكفيل. وإن : الواو عاطفة : إن حرف مشبه بالفعل ينصب الاسم ويرفع الخبر. سواك : سوى : اسم إن منصوب بفتحة مقدرة. والكاف مضاف إليه. من : اسم موصول في محل رفع مبتدأ. يؤمله : مضارع مرفوع. وفاعله ضمير مستتر يعود إلى الموصول. والهاء مفعوله. والجملة صلة الموصول. يشقى : مضارع مرفوع بضمة مقدرة. وفاعله ضمير مستتر. وجملة يشقى في محل رفع خبر المبتدأ «من» وجملة «من يؤمله يشقى» في محل رفع خبر «إن».

الشاهد في قوله : «وإن سواك» حيث خرجت سوى عن الظرفية واستعملت منصوبة اسما لإنّ.

٢٣

ف «سواك» اسم «إن» ، هذا تقرير كلام المصنف.

(ومذهب سيبويه والجمهور أنها لا تخرج عن الظرفية إلا في ضرورة الشعر ، وما استشهد به على خلاف ذلك يحتمل التأويل).

المستثنى بليس ولا يكون وبخلا وعدا :

واستثن ناصبا بليس وخلا

وبعدا وبيكون بعد «لا» (١)

أي استثن ب «ليس» وما بعدها (٢) ناصبا المستثنى ؛ فتقول : «قام القوم ليس زيدا ، وخلا زيدا وعدا زيدا ، ولا يكون زيدا» ف «زيدا» في قولك : «ليس زيدا ، ولا يكون زيدا» منصوب على أنّه خبر «ليس ولا يكون» واسمهما ضمير مستتر ، والمشهور أنه عائد على البعض المفهوم من القوم ، والتقدير : «ليس بعضهم زيدا ، ولا يكون بعضهم زيدا» وهو مستتر وجوبا (٣) وفي قولك : «خلا زيدا وعدا زيدا» منصوب

__________________

(١) استثن : فعل أمر مبني على حذف حرف العلة ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، ناصبا : حال من فاعل استثن منصوب بالفتحة ، بليس : جار ومجرور ـ بقصد اللفظ ـ تنازعه العاملان استثن ، وناصبا ، متعلق باستثن أو بناصبا ، وخلا : الواو عاطفة ـ خلا ـ بقصد لفظها ـ معطوفة على ليس ومجرورة. وبعدا : الواو عاطفة ، بعدا : جار ومجرور بقصد اللفظ متعلق بناصبا وبيكون : الواو عاطفة. بيكون : جار ومجرور بقصد اللفظ متعلق بناصبا. بعد : ظرف منصوب متعلق بمحذوف حال من يكون تقديره «واقعا بعد لا» لا : بقصد اللفظ مضاف إليه.

(٢) الاستثناء بهذه الأفعال الخمسة لا يكون إلا مع التمام والاتصال.

(٣) لأن هذه الأفعال محمولة على «إلّا» في تلوّ المستثنى لها ليكون ما بعدها في صورة المستثنى ، وظهور الفاعل يفصل بينهما فيفوّت الحمل.

(أي جامدان لوقوعهما موقع «إلا» ونصب الاسم بعدهما على أنه مفعول به لأنهما متعديان بمعنى «جاوز». أما «عدا» فهو متعدّ قبل الاستثناء مثل : عدا فلان طوره «أي جاوزه» وأما «خلا» فأصله لازم ، نحو : «خلا المنزل من أهله» وقد يتضمن معنى «جاوز» فيتعدى بنفسه ، والتزم في الاستثناء لينصب ما بعدها كالذي بعد إلا. ويؤيد هذا أنّ كل من خلا عن شيء فقد جاوزه.

٢٤

على المفعولية ، و «خلا وعدا» فعلان فاعلهما ـ في المشهور ـ ضمير عائد على البعض المفهوم من القوم كما تقدّم ، وهو مستتر وجوبا ، والتقدير : خلا بعضهم زيدا ، وعدا بعضهم زيدا.

ونبّه بقوله : «وبيكون بعد لا» ـ وهو قيد في «يكون» فقط ـ على أنه لا يستعمل في الاستثناء من لفظ الكون غير «يكون» وأنها لا تستعمل فيه إلا بعد «لا» فلا تستعمل فيه بعد غيرها من أدوات النفي نحو : لم ، وإن ، ولن ، ولمّا ، وما.

واجرر بسابقي يكون إن ترد

وبعد «ما» انصب وانجرار قد يرد (١)

أي ؛ إذا لم تتقدّم «ما» على «خلا وعدا» فاجرر بهما إن شئت ؛ فتقول : «قام القوم خلا زيد ، وعدا زيد» فخلا ، وعدا : حرفا جرّ.

(ولم يحفظ سيبويه الجرّ بهما ، وإنما حكاه الأخفش) فمن الجر ب «خلا» قوله :

__________________

(١) اجرر : فعل أمر مبني على السكون. وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت بسابقي : الباء جارة. سابقي مجرور بالباء وعلامة جره الياء لأنه مثنى وحذفت نونه للإضافة ، سابقي مضاف و «يكون» مضاف إليه بقصد اللفظ. إن : حرف شرط جازم. ترد : مضارع مجزوم فعل الشرط وفاعله ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت. وجواب الشرط محذوف دل عليه الكلام السابق أي «فاجرر بسابقي يكون». وبعد : الواو استثنائية. بعد : ظرف منصوب متعلق بانصب. ما : مضاف إليه بقصد اللفظ انصب : فعل أمر وفاعله مستتر وجوبا تقديره أنت. وانجرار : الواو استثنافية. انجرار : مبتدأ مرفوع. قد يرد : قد حرف تقليل. يرد : مضارع مرفوع بالضمة وسكن للروي. وفاعله ضمير مستتر جوازا تقديره هو. وجملة «قد يرد» في محل رفع خبر المبتدأ «انجرار».

٢٥

٣٤ ـ خلا الله لا أرجو سواك ، وإنّما

أعدّ عيالي شعبة من عيالكا (١)

ومن الجر ب «عدا» قوله :

٣٥ ـ تركنا في الحضيض بنات عوج

عواكف قد خضعن إلى النّسور

__________________

(١) قائله : غير معروف. أعدّ : أحسب. العيال : أهل البيت مفرده «عيل» الشعبة : الطائفة والجزء.

المعنى : لا أرجو بعد الله غيرك ، وأثق ببرّك ورعايتك لي كما ترعى أهلك وذويك فأنا أعتبر أهلي بعض عيالك.

الإعراب : خلا : حرف جر. الله : لفظ الجلالة مجرور بخلا. والجار والمجرور متعلق بأرجو. لا : نافية. أرجو مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الواو للثقل. والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره «أنا» سواك : سوى مفعول به منصوب بالفتحة المقدرة وهو مضاف والكاف مضاف إليه. وإنما : الواو استثنافية. إنما : كافة ومكفوفة لا عمل لها إلّا الحصر. أعد : مضارع مرفوع بضمة ظاهرة وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا. عيالي : مفعول به أول لأعد منصوب بفتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بالكسرة وهي الحركة المناسبة لياء المتكلم. وياء المتكلم في محل جر مضاف إليه. شعبة : مفعول ثان لأعد منصوب من عيالكا : جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لشعبة ، وعيال مضاف وكاف المخاطب في محل جر مضاف إليه والألف للإطلاق.

الشاهد في قوله «خلا الله» حيث جاءت خلا حرف جر. وفي البيت شاهد ثان من باب الاستثناء هو خروج سوى عن الظرفية ومجيئها منصوبة مفعولا به لأرجو.

٢٦

أبحنا حيّهم قتلا وأسرا

عدا الشّمطاء والطفل الصغير (١)

فإن تقدمت عليهما «ما» وجب النصب بهما ، فتقول : «قام القوم

__________________

(١) قائل البيتين غير معروف. الحضيض : القرار : من الأرض عند منقطع الجبل. بنات عوج : أي بنات خيل عوج جمع عوجاء أو أعوج سميت بذلك لأنها من نسل فرس شهير عند العرب يقال له «أعوج» كان لكندة أحد أحياء اليمن ، ولم يكن عند العرب فحل أشهر ولا أكثر نسلا منه وينسب إليه ما كان من نسله فيقال : خيل أعوجيات وبنات أعوج. عواكف : جمع عاكفة من العكوف وهو الملازمة والمواظبة. الحيّ : القبيلة من العرب. الشمطاء : العجوز اختلط في شعر رأسها السواد بالبياض.

المعنى : تركنا خيول هؤلاء القوم في الأرض المنخفضة عند منقطع الجبل لا تبرح عنها ذليلة للنسور تمزقها وتأكل من لحومها وذلك لأننا أبطلنا منعتها بقتل فرسانها فقد أبحنا القتل والأسر في قبيلتهم ولم نبق منها أحدا إلا العجائز والأطفال الصغار.

الإعراب : تركنا : فعل وفاعل ، ترك فعل ماض مبني على السكون ، ونا فاعله. في الحضيض جار ومجرور متعلق بتركنا. بنات : مفعول به لتركنا منصوب بالكسرة لأنه جمع مؤنث سالم وهو مضاف. عوج : مضاف إليه مجرور. عواكف : حال من بنات عوج لتخصصه بالإضافة منصوب بالفتحة. قد : حرف تحقيق. خضعن : فعل وفاعل. خضع فعل ماض مبني على السكون ونون النسوة فاعله والجملة في محل نصب حال ثانية من بنات عوج إلى النسور : جار ومجرور متعلق بخضعن. أبحنا : فعل وفاعل ، أباح فعل ماض مبني على السكون ونا فاعله. حيهم : مفعول به منصوب بالفتحة ، والهاء مضاف إليه والميم علامة جمع الذكور. قتلا : تمييز ـ محول عن المفعول ـ منصوب. وأسرا : الواو عاطفة ، أسرا معطوف على قتلا ومنصوب مثله. عدا الشمطاء : عدا حرف جر. الشمطاء مجرور بعدا والجار والمجرور متعلق بأبحنا. والطفل : الواو عاطفة ، الطفل معطوف على الشمطاء ومجرور مثله. الصغير : صفة للطفل مجرور مثله.

الشاهد في قوله : «عدا الشمطاء» حيث جاءت عدا حرف جر.

٢٧

ما خلا زيدا ، وما عدا زيدا» ف «ما» مصدرية ، و «خلا وعدا» صلتها (١) وفاعلها ضمير مستتر يعود على البعض كما تقدم تقريره ، و «زيدا» مفعول وهذا معنى قوله : «وبعد ما انصب» هذا هو المشهور.

وأجاز الكسائي الجرّ بهما بعد «ما» على جعل «ما» زائدة وجعل «خلا وعدا» حرفي جر : فتقول : «قام القوم ما خلا زيد ، وما عدا زيد» وهذا معنى قوله : «وانجرار قد يرد» ، وقد حكى الجرميّ في الشرح الجرّ بعد «ما» عن بعض العرب.

وحيث جرّا فهما حرفان

كما هما إن نصبا فعلان (٢)

أي إن جررت ب «خلا ، وعدا» فهما حرفا جرّ ، وإن نصبت بهما فهما فعلان ، وهذا مما لا خلاف فيه.

__________________

(١) موضع ما وصلتها النصب باتفاق النحاة ولكن اختلف في إعرابه على أقوال ثلاثة :

(أ) قيل : هو منصوب على الظرفية ، وما ظرفية نابت هي وصلتها عن الوقت ، التقدير قاموا وقت مجاوزتهم زيدا ، لأنه كثيرا ما يحذف الزمان وينوب عنه المصدر.

(ب) قال ابن خروف : هو منصوب على الاستثناء ، كما ينتصب «غير» في قولك : «قاموا غير زيد».

(ج) قال السيرافي : هو منصوب على الحال وفيها معنى الاستثناء أي : قاموا مجاوزتهم زيدا ـ أي مجاوزين له.

(٢) حيث : ظرف مكان مبني على الضم في محل نصب متعلق ب «حرفان» جرا : فعل وفاعل ، جر فعل ماض مبني على الفتح والألف فاعله وجملة : جرا في محل جر بإضافة حيث إليها. فهما : الفاء زائدة. هما : ضمير منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. حرفان : خبر مرفوع بالألف لأنه مثنى ، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد.

٢٨

المستثنى بحاشا :

وكخلا حاشا ولا تصحب «ما»

وقيل : «حاش ، وحشا» فاحفظهما (١)

المشهور أن «حاشا» لا تكون إلا حرف جرّ ، فتقول : «قام القوم حاشا زيد» بجر «زيد» وذهب الأخفش والجرمي والمازنيّ والمبرد وجماعة ـ منهم المصنف ـ إلى أنها مثل «خلا» تستعمل فعلا فتنصب ما بعدها وحرفا فتجر ما بعدها ، فتقول : «قام القوم حاشا زيدا ، وحاشا زيد» وحكى جماعة ـ منهم الفراء ، وأبو زيد الأنصاري ، والشيباني ، النصب بها ، ومنه «اللهمّ اغفر لي ولمن يسمع ، حاشا الشيطان وأبا الإصبع».

وقوله :

٣٦ ـ حاشا قريشا فإن الله فضّلهم

على البريّة بالإسلام والدين (٢)

__________________

(١) كخلا : جار ومجرور ـ بقصد اللفظ ـ متعلق بمحذوف خبر مقدم. حاشا : مبتدأ مؤخر ـ قصد لفظه ـ ولا : الواو حالية. لا : نافية. تصحب : مضارع مرفوع بالضمة ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى حاشا. ما : مفعول به قصد لفظه. وجملة : لا تصحب في محل نصب حال من حاشا.

(٢) قائله : الفرزدق. البريّة : الخلق ـ وهي فعيلة بمعنى مفعوله ، أي مخلوقة ، لأنها من البرء وهو الخلق.

المعنى : استثنى قريشا لأن الله تعالى فضل هذه القبيلة على سائر المخلوقات بدين الإسلام.

الإعراب : حاشا : فعل ماض دال على الاستثناء ، وفاعله ضمير مستتر وجوبا يعود على البعض المفهوم من الكل الذي هو المستثنى منه. قريشا : مفعول به لحاشا منصوب بالفتحة. فإن : الفاء تفيد التعليل. إن : حرف مشبه بالفعل ينصب الاسم ويرفع الخبر. الله : اسم إن منصوب فضلهم : فضل فعل ماض مبني على الفتح ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى لفظ الجلالة. والهاء مفعوله والميم علامة جمع الذكور. وجملة «فضلهم» في محل رفع خبر إنّ. على البرية ، بالإسلام : جاران ومجروران متعلقان بفضلهم. والدين : الواو عاطفة. الدين معطوف على الإسلام ومجرور مثله.

الشاهد : في قوله : «حاشا قريشا» حيث استعملت حاشا فعلا مثل خلا وعدا ونصبت ما بعدها.

٢٩

وقول المصنف : «ولا تصحب ما» معناه أن «حاشا» مثل «خلا» في أنها تنصب ما بعدها أو تجرّه ، ولكن لا تقدم عليها «ما» كما تتقدم على «خلا» فلا تقول : «قام القوم ما حاشا زيدا» ، وهذا الذي ذكره هو الكثير ، وقد صحبتها «ما» قليلا ، ففي مسند أبي أميه الطرسوسي عن ابن عمر أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أسامة أحبّ الناس إليّ ما حاشا فاطمة» (١).

وقوله :

٣٧ ـ رأيت الناس ما حاشا قريشا

فإنّا نحن أفضلهم فعالا (٢)

__________________

(١) هذا الاستدلال بالحديث على أن «ما» مصدرية ، وحاشا : استثنائية جامدة غير معيّن ، لاحتمال أن تكون ما نافية ، وحاشا فعل ماض متصرف متعد من قولك : حاشيته أحاشيه إذا استثنيته ، على حد قول الشاعر الجاهلى :

ولا أرى فاعلا في الناس يشبهه

ولا أحاشي من الأقوام من أحد

ويحتمل أن تكون «ما حاشا فاطمة» من كلام الراوي ، أي أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أسامة أحب الناس إلي» ولم يستثن فاطمة بدليل ما في معجم الطبراني : «ما حاشا فاطمة ولا غيرها».

(٢) قائله : الأخطل. الفعال : بفتح الفاء ـ الكرم والفعل الحسن.

المعنى : رأيت الناس إلا قريشا دوننا في المنزلة لأننا أفضل منهم من حيث السخاء والكرم.

الإعراب : رأيت : فعل وفاعل. رأى فعل ماض مبنى على السكون. والتاء فاعل. الناس : مفعول أول لرأى القلبية بمعنى «علمت» والمفعول الثاني محذوف يفهم من المقام أي : دوننا ، أو أنقص منا. ما حاشا : ما زائدة أو مصدرية. حاشا : فعل ماض من أفعال الاستثناء ، وفاعله ضمير مستتر وجوبا يعود على البعض المفهوم من الكل الذي هو المستثنى منه. قريشا : مفعول به لحاشا منصوب ، فإنا : الفاء تعليلية إنا : إن : حرف مشبه بالفعل ينصب الاسم ويرفع الخبر نا : اسمها : نحن : ضمير منفصل توكيد لفظي للضمير المتصل «نا» أفضلهم : خبر إن مرفوع بالضمة. والهاء مضاف إليه ، والميم علامة جمع الذكور. فعالا : تمييز منصوب. وعلى اعتبار «ما» مصدرية في «ما حاشا» تكون ما وما بعدها في تأويل مصدر منصوب

٣٠

ويقال في «حاشا» : «حاش ، وحشا».

__________________

على الحال وفيها معنى الاستثناء ، أي رأيت الناس مجاوزين قريشا ، أو مستثنين قريشا. وعلى اعتبار «ما» زائدة تكون جملة «حاشا قريشا» مستأنفة لا محل لها ، أو في محل نصب على الحال مؤولة باسم الفاعل. أي حال كونهم مجاوزين قريشا.

الشاهد : في قوله : «ما حاشا قريشا» حيث دخلت ما على حاشا وهو قليل.

٣١

أسئلة ومناقشات

١ ـ اذكر بالتفصيل حكم المستثنى (بغير) ـ ثم بين مواقعها الإعرابية المختلفة ممثلا لكل ما تقول.

٢ ـ كيف تعرب كلمة «سوى» الاستثنائية؟ وما حكم المستثنى بها؟ اذكر أمثلة وشواهد على ما تقول.

٣ ـ يقع الاستثناء «بليس ولا يكون» ما إعراب المستثنى بهما؟ وإلام يعود الضمير المستتر فيهما؟ وضح ذلك في مثال تذكره.

٤ ـ ما حكم المستثنى «بخلا وعدا» عند تقدم «ما» عليهما وعدمه؟ وما إعراب جملتيهما؟ مثل لكل ما تقول.

٥ ـ متى تستعمل «خلا وعدا» حرفين؟ ومتى تستعملان فعلين؟ وما حكم الاسم الواقع بعدهما على كل حال؟ مثل لما تقول.

٦ ـ كيف تعرب «حاشا» وما حكم المستثنى بها؟ عزّز كلامك بالشواهد.

٣٢

تمرينات

١ ـ استعمل كلمة (غير) الاستثنائية في تراكيب من عندك ، بحيث تستوفى مواقعها الإعرابية.

٢ ـ علام يستشهد بما يأتي مع إعراب ما تحته خط.

(أ) أسامة أحب الناس إليّ ما حاشا فاطمة.

(ب) دعوت ربي ألا يسلط على أمتي عدوا من سوى أنفسها.

(ج) فلم يبق سوى العد

وان دنّاهم كما دانوا

(د) أبحنا حيّهم قتلا وأسرا

عدا الشمطاء والطفل الصغير

٣ ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

(يطبع المؤمن على كل خلق ليس الخيانة والكذب).

أجب عما يأتي :

(أ) ما المغزى الخلقي لهذا الحديث؟

(ب) عيّن المستثنى والمستثنى منه وأداة الاستثناء في الحديث.

(ج) اضبط الكلمتين (الخيانة والكذب) في الحديث مبينا السبب

(د) أين اسم «ليس» في الحديث؟ وإلام يعود؟ وضح ذلك.

٤ ـ اجعل كل كلمة من الكلمات الآتية مستثناة ب (ليس ـ خلا ـ حاشا ـ غير) في جمل من عندك مع ضبطها بالشكل.

«الكتاب ـ القلم ـ العلم ـ الخلق» :

٣٣

٥ ـ عين حكم ما بعد (إلا) في الجمل الآتية واضبطه بالشكل ثم أعربه.

(أ) لا يعرف الفضل إلا ذووه.

(ب) قرأت فصول الكتاب إلا فصلين.

(ج) ما أعجبني منك إلا خلق رفيع.

(د) ما أكلنا الطعام إلا السمك.

(ه) ما أعجبني الطلاب إلا المهذب.

٦ ـ اشرح البيت الآتي ثم أعربه :

كل العداوات قد ترجى مودّتها

إلا عداوة من يلقاك بالحسد

٧ ـ قال الشاعر : ـ

ولن تصادف مرعى ممرعا أبدا

إلا وجدت به آثار منتجع

اشرح البيت السابق .. ووضح ما فيه من استثناء في المعنى ثم أعرب ما تحته خط منه.

٣٤

الحال

تعريف الحال :

الحال وصف (١) فضلة منتصب

مفهم في حال (٢) كفردا أذهب

عرف الحال بأنه : الوصف ، الفضلة (٣) ، المنتصب ، للدلالة على هيئة ، نحو «فردا أذهب» ف «فردا» حال لوجود القيود المذكورة ، وخرج بقوله : «فضلة» الوصف الواقع عمدة ، نحو «زيد قائم» وبقوله : «للدلالة على الهيئة» التمييز المشتقّ ، نحو «لله درّه فارسا» فإنه تمييز لا حال على الصحيح ، إذ لم يقصد به الدلالة على الهيئة ، بل التعجّب من فروسيّته ؛ فهو لبيان المتعجّب منه ، لا لبيان هيئته ، وكذلك «رأيت رجلا راكبا» فإن «راكبا» لم يسق للدلالة على الهيئة ، بل لتخصيص الرجل ، وقول المصنف «مفهم في حال» هو معنى قولنا «للدلالة على الهيئة».

__________________

(١) الأفصح في ضميره ووصفه التأنيث ، وفي التذكير بأن يجرد من التاء فيقال : حال حسنة ومنه قوله :

إذا أعجبتك الدهر حال من امرىء

فدعه وواكل أمره واللياليا

(٢) في حال : بلا تنوين لأن المضاف إليه منوي الثبوت. فقولك : «جاء زيد راكبا» يفيد المعنى الذي في قولك : «جاء زيد في حال الركوب» فقوله : في حال مع المضاف إليه هو بيان هيئة صاحب الحال كما سيذكره الشارح.

(٣) المراد بالفضلة ما ليس ركنا في الإسناد وإن توقف عليه صحة المعنى كقوله تعالى «وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين».

٣٥

الغالب في الحال أن يكون منتقلا ومشتقا :

وكونه منتقلا مشتقّا

يغلب لكن ليس مستحقا (١)

الأكثر في الحال أن تكون :

(أ) منتقلة.

(ب) مشتقّة.

ومعنى الانتقال ألا تكون ملازمة للمتصف بها ، نحو «جاء زيد راكبا» ف «راكبا» وصف منتقل لجواز انفكاكه عن زيد بأن يجيء ماشيا. وقد تجيء الحال غير منتقلة ، أي وصفا لازما نحو «دعوت الله سميعا» و «خلق الله الزرافة يديها أطول من رجليها» (٢).

وقوله :

٣٨ ـ فجاءت به سبط العظام كأنّما

عمامته بين الرجال لواء (٣)

ف «سميعا» و «أطول» و «سبط» أحوال وهي أوصاف لازمة.

__________________

(١) كون : مبتدأ وهو مصدر كان الناقصة وهو مضاف إلى الهاء من إضافة المصدر لمرفوعه ـ الذي هو اسمه ـ. منتقلا : خبر الكون منصوب. مشتقا خبر ثان. يغلب : مضارع مرفوع وفاعله ضمير مستتر تقديره هو والجملة خبر المبتدأ كون. لكن : حرف استدراك. ليس : فعل ماض ناقص واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى كونه. مستحقا : خبر ليس منصوب.

(٢) يديها : بدل بعض من الزرافة منصوب بالياء لأنه مثنى وهو مضاف وها مضاف إليه. أطول : حال من الزرافة منصوب ، وقيل : حال من يديها.

(٣) قائله : رجل من العرب في ابن له ـ كما في ديوان الحماسة ـ جاءت به : ولدته. سبط العظام : حسن القدّ والاستواء ممتد القامة. العمامة : بكسر العين : ما يلف على الرأس. اللواء : العلم وهو دون الراية.

المعنى : إن هذه المرأة ولدته على هذه الحالة من استواء القد وامتداد القامة حتى إن عمامته بين الرجال كاللواء في الارتفاع والعلو على الرؤوس.

٣٦

مجيء الحال جامدة :

وقد تأتي الحال جامدة ، ويكثر ذلك في مواضع ذكر المنصف بعضها بقوله :

ويكثر الجمود في سعر. وفي

مبدى تأوّل بلا تكلّف

ك «بعه مدا بكذا ، يدا بيد

وكرّ زيد أسدا» أي كأسد (١)

يكثر مجيء الحال جامدة :

(أ) إن دلت على سعر ، نحو «بعه مدا بدرهم» ف «مدا» حال جامدة وهي في معنى المشتق ، إذ المعنى «بعه مسعّرا كلّ مد بدرهم».

__________________

الإعراب : جاءت : فعل ماض مبني على الفتح ، والتاء للتأنيث. وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي. به : جار ومجرور متعلق بجاءت. سبط : حال من الضمير المجرور منصوب بالفتحة وهو مضاف. العظام : مضاف إليه مجرور. كأنما : كافة ومكفوفة لا عمل لها. كأن حرف تشبيه ونصب من أخوات إن وما زائد كفته عن العمل. عمامته : مبتدأ مرفوع بالضمة وهو مضاف. والهاء في محل جر مضاف إليه. بين : ظرف مكان منصوب بالفتحة متعلق بمحذوف حال من «لواء» وهو مضاف. الرجال : مضاف إليه مجرور. لواء : خبر المبتدأ «عمامته» مرفوع.

الشاهد : في قوله : «سبط العظام» حيث إنه حال لازمة غير منتقلة وهو خلاف الأكثر.

(١) بعه : بع فعل أمر مبني على السكون وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والهاء ضمير متصل في محل نصب مفعول به تعود على المبيع «برا ، أو تمرا ..» مدا : حال من الضمير المنصوب منصوب بالفتحة ، بكذا : الباء جارة. كذا : كناية عدد في محل جر والجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لمدا أي كائنا بكذا. يدا : حال من الضمير المنصوب. بيد : جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة ليدا. وكرّ : الواو عاطفة ، كرّ فعل ماض. زيد : فاعله مرفوع.

أسدا : حال من زيد منصوب.

٣٧

(ب) ويكثر جمودها ـ أيضا ـ فيما دلّ على تفاعل ، نحو «بعته يدا بيد» أي مناجزة (١).

(ج) أو على تشبيه ، نحو «كرّ زيد أسدا» أي مشبها الأسد ، ف «زيدا ، وأسدا» جامدان وصحّ وقوعهما حالا لظهور تأولهما بمشتق ، كما تقدّم ، وإلى هذا أشار بقوله : «وفي مبدي تأول» أي يكثر مجيء الحال جامدة حين ظهر تأوّلها بمشتق (٢).

وعلم بهذا وما قبله أن قول النحويين : «إن الحال يجب أن تكون منتقلة مشتقة» معناه أن ذلك هو الغالب ، لا أنه لازم ، وهذا معنى قوله فيما تقدم : «لكن ليس مستحقا».

__________________

(١) مناجزة : بفتح الجيم مع تاء التأنيث ـ مصدر مؤول باسم الفاعل أي : مناجزه. وتقرأ : بكسر الجيم ـ اسم فاعل مضاف لضمير المشتري المعلوم من السياق أي : مقابضة.

(٢) بقي موضع رابع تجيء فيه الحال جامدة مؤولة بالمشتق وهو. ما دل على ترتيب مثل : ادخلوا رجلا رجلا ، أو رجلين رجلين أي مرتبين ، وضابطه أن يذكر المجموع أولا ثم يفصل ببعضه مكررا.

وبقي ست مسائل لا يظهر تأويلها ولا يتكلف وهي : ١ ـ كونها موصوفة نحو «قرآنا عربيّا» «فتمثل لها بشرا سويا» وتسمى هذه حالا موطئة. ٢ ـ كونها دالة على عدد نحو «فتم ميقات ربه أربعين ليلة» ٣ ـ كونها دالة على طور فيه تفضيل نحو «هذا بسرا أطيب منه تمرا» ٤ ـ كونها نوعا لصاحبها نحو : «هذا مالك ذهبا» ٥ ـ كونها فرعا لصاحبها نحو «هذا حديدك خاتما». وقوله تعالى : «وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً» ٦ ـ كونها أصلا له هو «هذا خاتمك حديدا» وقوله تعالى : «أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً».

٣٨

أحكام الحال في التنكير والتعريف :

والحال إن عرّف لفظا فاعتقد

تنكيره معنى ك «وحدك اجتهد» (١)

(أ) مذهب جمهور النحويين أن الحال لا تكون إلا نكرة ، وأن ما ورد منها معرّفا فهو منكّر معنى كقولهم : «جاءوا الجمّاء الغفير» و :

٣٩ ـ أرسلها العراك ... (٢)

__________________

(١) الحال : مبتدأ مرفوع. إن : حرف شرط جازم. عرف : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره «هو» لفظا : تمييز محول عن نائب الفاعل منصوب. فاعتقد : الفاء واقعة في جواب الشرط ، اعتقد : فعل أمر مبني على السكون وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. تنكيره : مفعول به منصوب. والهاء مضاف إليه. معنى : تمييز منصوب بفتحة مقدرة وجملة «اعتقد» في محل جزم جواب الشرط. وجملتا الشرط والجواب في محل رفع خبر المبتدأ «الحال». وحدك : وحد : حال من ضمير اجتهد منصوب. والكاف مضاف إليه. اجتهد : فعل أمر مبني على السكون وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت.

(٢) هذا أول بيت ، وتمامه :

فأرسلها العراك ولم يذدها

ولم يشفق على نغص الدّخال

قائله : لبيد بن ربيعة يصف حمارا وحشيا أورد أتنة الماء لتشرب. الضمير في أرسلها يعود للأتن. العراك : معتركة لم يذدها : لم يمنعها عن ذلك. نغص الدخال : تنغّصها من مداخلتها في بعضها وازدحامها على الماء فيتكدر وينغص عليها فلا تتم الشرب.

المعنى : أورد هذا الحمار أتنه الماء أثناء تزاحم الحمر وتداخلها في المورد دون رحمة منه لما تلاقيه من ضيق وشدة.

الإعراب : أرسلها : فعل ماض مبني على الفتح. وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الحمار. وها : مفعول به ، العراك : حال من ضمير المفعول به منصوب. ولم : الواو عاطفة لم حرف نفي وجزم وقلب يذدها : مضارع مجزوم بالسكون ، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو. وها : مفعول يذد. ولم

٣٩

و «اجتهد وحدك» و «كلمته فاه إلى فيّ» ف «الجماء» و «العراك» و «وحدك» و «فاه» أحوال وهي معرفة لفظا ، لكنها مؤولة بنكرة ، والتقدير : جاءوا جميعا ، وأرسلها معتركة ، واجتهد منفردا وكلمته مشافهة.

(ب) وزعم البغداديون ويونس أنه يجوز تعريف الحال مطلقا بلا تأويل ، فأجازوا «جاء زيد الراكب».

(ج) وفصّل الكوفيون فقالوا : إن تضمنت الحال معنى الشرط صح تعريفها ، وإلا فلا ، فمثال ما تضمّن معنى الشرط «زيد الراكب أحسن منه الماشي» ف «الراكب والماشي» : حالان ، وصح تعريفهما لتأولهما بالشرط إذ التقدير : زيد إذا ركب أحسن منه إذا مشى ، فإن لم تتقدّر بالشرط لم يصحّ تعريفها ؛ فلا تقول : «جاء زيد الراكب» إذ لا يصح «جاء زيد إن ركب».

مجيء المصدر النكرة حالا :

ومصدر منكر حالا يقع

بكثرة كبغتة زيد طلع (١)

__________________

يشفق : الواو عاطفة. لم : حرف نفي وجزم وقلب يشفق : مضارع مجزوم بلم بالسكون ، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو على نغص : جار ومجرور متعلق بيشفق. الدخال : مضاف إليه مجرور بالكسرة.

الشاهد : في قوله : «العراك» حيث وقع حالا مع كونه معرفة وساغ ذلك لأنه مؤول بالنكرة «معتركة».

(١) مصدر : مبتدأ مرفوع بالضمة. منكر : صفة لمصدر مرفوع بالضمة. حالا : حال من فاعل يقع منصوب بالفتحة يقع : مضارع مرفوع بالضمة وسكن للروي ، وجملة يقع : في محل رفع خبر المبتدأ «مصدر». بكثرة : جار ومجرور متعلق بيقع. كبغتة : الكاف جارة لقول محذوف بغتة : حال من الضمير المستتر في طلع منصوب. زيد : مبتدأ مرفوع بالضمة. طلع : فعل ماض مبني على الفتح وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو والجملة في محل رفع خبر المبتدأ زيد. وجملة المبتدأ والخبر في محل نصب مفعول القول المحذوف التقدير : كقولك : زيد طلع بغتة.

٤٠