كتاب المكاسب - ج ٢

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ٢

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٧
ISBN: 964-5662-12-5
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٢٧٢

[المسألة] الثالثة والعشرون

حرمة النجش ودليلها

النَّجش‌ بالنون المفتوحة والجيم الساكنة ، أو المفتوحة حرام ؛ لما في النبوي (١) المنجبر بالإجماع المنقول عن جامع المقاصد (٢) والمنتهى (٣) من لعن الناجش والمنجوش له (٤) ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ولا تناجشوا» (٥).

ويدلّ على قبحه : العقل ؛ لأنّه غِشٌّ وتلبيس وإضرار.

معنى النجش

وهو كما عن جماعة (٦) : أن يزيد الرجل في ثمن السلعة وهو لا يريد شراءها ؛ ليسمعه غيره فيزيد لزيادته ، بشرط المواطاة مع‌

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٣٣٧ ، الباب ٤٩ من أبواب آداب التجارة ، الحديث ٢.

(٢) جامع المقاصد ٤ : ٣٩.

(٣) منتهى المطلب ٢ : ١٠٠٤.

(٤) لم ترد «له» في «خ» ، «م» ، «ع» و «ص».

(٥) الوسائل ١٢ : ٣٣٨ ، الباب ٤٩ من أبواب آداب التجارة ، الحديث ٤.

(٦) انظر : جامع المقاصد ٤ : ٣٩ ، ومجمع الفائدة ٨ : ١٣٦ ، والجواهر ٢٢ : ٤٧٦.

٦١

البائع ، أو لا بشرطها ، كما حكي عن بعض (١).

وحكي (٢) تفسيره أيضاً بأن يمدح السلعة في البيع لينفقها ويروّجها ؛ لمواطاة بينه وبين البائع ، أو لا معها.

وحرمته بالتفسير الثاني خصوصاً لا مع المواطاة يحتاج إلى دليل ، وحكي الكراهة عن بعض (٣).

__________________

(١) جامع المقاصد ٤ : ٣٩.

(٢) حكاه كاشف الغطاء في شرح القواعد (مخطوط) : الورقة ٣١ ، وفيه : وفسّر أيضاً بأن يمدح السلعة في البيع ..

(٣) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة (٤ : ١٠٦) عن المحقق والعلاّمة وغيرهما ، انظر الشرائع ٢ : ٢١ ، والمختصر النافع ١ : ١٢٠ ، والإرشاد ١ : ٣٥٩ ، والتنقيح ٢ : ٤٠ ٤١.

٦٢

[المسألة] الرابعة والعشرون

حرمة النميمة

النميمة‌ محرّمة بالأدلّة الأربعة.

وهي نقل قول الغير إلى المقول فيه ، كأن يقول : تكلّم فلان فيك بكذا وكذا.

معنى النميمة

قيل : هي من نَمَّ الحديث ، من باب قتل وضرب ، أي سعى به لإيقاع فتنة أو وحشة (١).

النميمة من الكبائر

وهي من الكبائر ، قال الله تعالى (وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدّارِ) (٢) ، والنمّام قاطع لما أمر الله بصلته ومفسد.

قيل (٣) : وهي المرادة (٤) بقوله تعالى (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) (٥).

__________________

(١) راجع المصباح المنير ٢ : ٦٢٦ ، مادة : «نمّ» ، ومجمع البحرين ٦ : ١٨٠ ، مادة : «نمم».

(٢) الرعد : ٢٥.

(٣) قاله كاشف الغطاء في شرح القواعد (مخطوط) : الورقة ٢٠ ، وفيه : «وهي المعنيّة بقوله تعالى (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ)». وانظر الجواهر ٢٢ : ٧٣.

(٤) كذا في «ف» ، وفي سائر النسخ : المراد.

(٥) البقرة : ٢١٧.

٦٣

وقد تقدّم في باب السحر (١) قوله عليه‌السلام في ما رواه في الاحتجاج في وجوه السحر ـ : «وإنّ من أكبر السحر النميمة ، يفرّق بها بين المتحابّين» (٢).

وعن عقاب الأعمال ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من مشى في نميمة بين اثنين (٣) سلّط الله عليه في قبره ناراً تحرقه ، وإذا خرج من قبره سلّط الله عليه تنّيناً أسود ينهش لحمه حتى يدخل النار» (٤).

وقد استفاضت الأخبار بعدم دخول النمّام الجنّة (٥).

ويدلّ على حرمتها مع كراهة المقول عنه لإظهار القول عند المقول فيه جميع ما دلّ على حرمة الغيبة ، ويتفاوت عقوبته بتفاوت ما يترتّب عليها من المفاسد.

حدّ النميمة بالمعنى الاعمّ

وقيل : إنّ حدّ النميمة بالمعنى الأعم كشف ما يكره كشفه ، سواء كرهه المنقول عنه أم المنقول إليه ، أم كرهه ثالث ، وسواء كان الكشف بالقول أم بغيره من الكتابة والرمز والإيماء ، وسواء كان المنقول من الأعمال أم من الأقوال ، وسواء كان ذلك عيباً ونقصاناً على المنقول عنه‌

__________________

(١) راجع المكاسب ١ : ٢٦٥.

(٢) الاحتجاج ٢ : ٨٢.

(٣) في «ش» : الاثنين.

(٤) عقاب الأعمال : ٣٣٥ ، (باب مجمع عقوبات الأعمال) ، والوسائل ٨ : ٦١٨ ، الباب ١٦٤ من أبواب أحكام العشرة ، الحديث ٦.

(٥) الوسائل ٨ : ٦١٦ ، الباب ١٦٤ من أبواب أحكام العشرة ، والمستدرك ٩ : ١٤٩ الباب ٤٤ من أبواب أحكام العشرة.

٦٤

أم لا ، بل حقيقة النميمة إفشاء السرّ ، وهتك الستر عمّا يكره كشفه (١) ، انتهى موضع الحاجة.

متى تباح النميمة ومتى تجب؟

ثم إنّه قد يباح ذلك (٢) لبعض المصالح التي هي آكد من مفسدة إفشاء السرّ ، كما تقدم في الغيبة (٣) ، بل قيل : إنها قد تجب لإيقاع الفتنة بين المشركين (٤) ، لكن الكلام في النميمة على المؤمنين.

__________________

(١) راجع المحجّة البيضاء ٥ : ٢٧٧.

(٢) في «ف» : بعض ذلك.

(٣) راجع المكاسب ١ : ٣٥١ (الصور التي رخّص فيها الغيبة لمصلحة أقوى).

(٤) قاله صاحب الجواهر في الجواهر ٢٢ : ٧٣ ، والسيد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٦٨.

٦٥
٦٦

[المسألة] الخامسة والعشرون

حرمة النوح بالباطل

النوح بالباطل ، ذكره في المكاسب المحرّمة الشيخان (١) وسلاّر (٢) والحلّي (٣) والمحقّق (٤) ومن تأخر عنه (٥).

وجه حرمة النوح بالباطل

والظاهر حرمته من حيث الباطل ، يعني الكذب ، وإلاّ فهو في نفسه ليس بمحرّم ، وعلى هذا التفصيل دلّ غير واحد من الأخبار (٦).

__________________

(١) المقنعة : ٥٨٨ ، والنهاية : ٣٦٥.

(٢) المراسم : ١٧٠.

(٣) السرائر ٢ : ٢٢٢.

(٤) الشرائع ٢ : ١٠.

(٥) كالعلاّمة في الإرشاد ١ : ٣٥٧ ، والقواعد : ١٢١ وغيرهما ، والشهيد في الدروس ٣ : ١٦٢ ١٦٣.

(٦) راجع الوسائل ١٢ : ٩٠ ، الباب ١٧ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٦ و ٩ ، والمستدرك ١٣ : ٩٣ ، الباب ١٥ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث الأوّل.

٦٧

وظاهر المبسوط (١) وابن حمزة (٢) التحريم مطلقاً كبعض الأخبار (٣) ، وكلاهما محمولان على المقيّد ؛ جمعاً.

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٨٩.

(٢) الوسيلة : ٦٩.

(٣) راجع الوسائل ١٢ : ٩١ ، الباب ١٧ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ١٢.

٦٨

المسألة السادسة والعشرون

حرمة الولاية من قبل الجائر

الولاية من قبل الجائر‌ وهي صيرورته والياً على قوم منصوباً من قبله محرّمة ؛ لأنّ الوالي من أعظم الأعوان.

وجه حرمة الولاية من قبل الجائر

ولما تقدّم (١) في رواية تحف العقول ، من قوله : «وأما وجه الحرام من الولاية : فولاية الوالي الجائر ، وولاية ولاته ، فالعمل (٢) لهم والكسب لهم بجهة الولاية معهم حرام محرّم ، معذّب فاعل ذلك على قليل من فعله أو كثير ؛ لأنّ كلّ شي‌ء من جهة المعونة له (٣) معصية كبيرة من الكبائر ، وذلك أنّ في ولاية الوالي الجائر دروس الحقّ كلّه ، وإحياء الباطل كلّه ، وإظهار الظلم والجور والفساد ، وإبطال الكتب ، وقتل الأنبياء ، وهدم المساجد ، وتبديل سنّة الله وشرائعه ؛ فلذلك حرم العمل معهم ومعونتهم ، والكسب معهم إلاّ بجهة الضرورة ، نظير الضرورة إلى الدم‌

__________________

(١) راجع المكاسب ١ : ٦ و ٧.

(٢) كذا في «ش» ومصححة «ن» ، وفي غيرهما : والعمل.

(٣) في هامش «م» : لهم.

٦٩

والميتة .. الخبر» (١).

وفي رواية زياد بن أبي سلمة : «أهون ما يصنع الله عزّ وجلّ بمن تولّى لهم عملاً ، أن يضرب عليه (٢) سرادق (٣) من نار إلى أن يفرغ الله من حساب الخلائق (٤)» (٥).

هل الولاية عن الجائر محرّمة بنفسها؟

ثمّ إنّ ظاهر الروايات كون الولاية محرّمة بنفسها مع قطع النظر عن ترتّب معصية عليها (٦) من ظلم الغير ، مع أنّ الولاية عن الجائر لا تنفكّ عن المعصية.

وربما كان في بعض الأخبار إشارة إلى كونه من جهة الحرام الخارجي ، ففي صحيحة داود بن زربيّ ، قال : «أخبرني (٧) مولى لعلي ابن الحسين عليه‌السلام ، قال : كنت بالكوفة فقدم أبو عبد الله عليه‌السلام الحيرة ، فأتيته ، فقلت له : جعلت فداك لو كلّمت داود بن علي أو بعض هؤلاء ، فأدخل (٨) في بعض هذه الولايات ، فقال : ما كنت لأفعل ، فانصرفت إلى منزلي فتفكرت (٩) : ما أحسبه أنّه منعني إلاّ مخافة أن‌

__________________

(١) تحف العقول : ٣٣١ ، والوسائل ١٢ : ٥٥ الباب ٢ من أبواب ما يكتسب به.

(٢) في غير «ش» : أن يضرب الله عليه.

(٣) ما أثبتناه من المصادر الحديثية ، وفي النسخ : سرادقاً.

(٤) في نسخة بدل «ش» : الخلق.

(٥) الوسائل ١٢ : ١٤٠ ، الباب ٤٦ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٩.

(٦) في النسخ : عليه.

(٧) في «ف» : خبّرني.

(٨) في غير «ن» و «ش» : فأُدخلت.

(٩) في «ص» والمصدر زيادة : فقلت.

٧٠

أظلم أو أجور ، والله لآتينّه وأعطينَّه (١) الطلاق والعتاق والايمان المغلّظة (٢) أن لا أجورنّ على أحد ، ولا أظلمنَّ ، ولأعدلنَّ.

قال : فأتيته ، فقلت : جعلت فداك إنّي فكّرت في إبائك عليّ ، وظننت أنّك إنّما منعتني (٣) مخافة أن أظلم أو أجور ، وإنّ كلّ امرأة لي طالق ، وكلّ مملوك لي حُرٌّ (٤) إن ظلمت أحداً ، أو جُرت على أحد (٥) ، وإن (٦) لم أعدل. قال : فكيف (٧) قلت؟ فأعدت عليه الأيمان ، فنظر (٨) إلى السماء ، وقال : تنال هذه (٩) السماء أيسر عليك من ذلك (١٠)» (١١) ؛ بناء على أنّ المشار إليه هو العدل ، وترك الظلم ، ويحتمل أن يكون هو الترخّص في الدخول.

__________________

(١) في «ص» والمصدر : ولأعطينّه.

(٢) في «ف» : الغليظة.

(٣) في هامش «ص» والمصدر زيادة : وكرهت ذلك.

(٤) في «ش» زيادة : وعلي ، وفي الوسائل : وعليّ وعليّ ، وفي الكافي : عليَّ وعليَّ.

(٥) في المصدر ونسخة بدل «ش» : عليه.

(٦) كذا في «ف» والمصدر ، وفي سائر النسخ : بل إن.

(٧) في المصدر : كيف.

(٨) في المصدر ونسخة بدل «ش» : فرفع رأسه.

(٩) في المصدر ونسخة بدل «ش» : تناول ، ولم ترد «هذه» في المصدر.

(١٠) في غير «ش» زيادة : الخبر.

(١١) الكافي ٥ : ١٠٧ ، الحديث ٩ ، وعنه الوسائل ١٢ : ١٣٦ ، الباب ٤٥ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٤ ، مع حذف بعض فقرأته.

٧١

ما يسوّغ الولاية من قبل الجائر أمران :

ثم إنّه يسوّغ الولاية المذكورة أمران :

الأوّل : القيام بمصالح العباد

أحدهما القيام بمصالح العباد ، بلا خلاف ، على الظاهر المصرّح به في المحكي (١) عن بعض ، حيث قال : إنّ تقلّد الأمر من قبل الجائر جائز إذا تمكّن معه من إيصال الحقّ لمستحقه ، بالإجماع والسنّة الصحيحة ، وقوله تعالى (اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ) (٢).

ما يدلّ على جواز هذه الولاية

ويدلّ عليه قبل الإجماع ـ : أنّ الولاية إن كانت محرّمة لذاتها ، كان (٣) ارتكابها لأجل المصالح ودفع المفاسد التي هي أهم من مفسدة انسلاك الشخص في أعوان الظلمة بحسب الظاهر ، وإن كانت لاستلزامها الظلم على الغير ، فالمفروض عدم تحقّقه هنا.

ويدلّ عليه : النبويّ الذي رواه الصدوق في حديث المناهي ، قال : «من تولّى عرافة قومٍ اتي به يوم القيامة ويداه مغلولتان إلى عنقه ، فإن قام فيهم بأمر الله تعالى أطلقه الله ، وإن كان ظالماً يهوى به في نار جهنم ، وبئس المصير» (٤).

وعن عقاب الأعمال : «ومن تولّى عرافة قوم ولم يحسن فيهم‌

__________________

(١) في «م» : والمحكي.

(٢) فقه القرآن ؛ للراوندي ٢ : ٢٤ ، (باب المكاسب المحظورة والمكروهة) ، والآية من سورة يوسف : ٥٥.

(٣) كذا في النسخ ، وفي هامش «ش» : جاز ظ.

(٤) الفقيه ٤ : ١٨ ، ذيل الحديث ٤٩٦٨ ، والوسائل ١٢ : ١٣٦ الباب ٤٥ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٦ ، وفيهما : هُوي به.

٧٢

حبس على شفير جهنم بكلّ (١) يوم ألف سنة ، وحشر ويداه مغلولتان (٢) إلى عنقه ، فإن كان (٣) قام فيهم بأمر الله أطلقه الله ، وإن كان ظالماً هوي به في نار جهنم سبعين خريفاً» (٤).

ولا يخفى أنّ العرّيف سيّما في ذلك الزمان لا يكون إلاّ من قِبل الجائر.

وصحيحة زيد الشحام ، المحكية عن الأمالي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «من تولّى أمراً من أُمور الناس فعدل فيهم ، وفتح بابه ورفع ستره ، ونظر في أُمور الناس ، كان حقّا على الله أن يؤمن روعته يوم القيامة ويدخله الجنّة» (٥).

ورواية زياد بن أبي سلمة عن موسى بن جعفر (٦) عليه‌السلام : «يا زياد لئن أسقط من شاهق (٧) فأتقطّع (٨) قطعة قطعة أحبّ إليّ من‌

__________________

(١) كذا في «ش» والمصدر ، وفي سائر النسخ : لكلّ.

(٢) كذا في النسخ ، وفي المصدر : ويده مغلولة.

(٣) لم ترد «كان» في «م» و «ش».

(٤) عقاب الأعمال : ٢٨٨ (باب مجمع عقوبات الأعمال) ، والوسائل ١٢ : ١٣٧ ، الباب ٤٥ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٧.

(٥) أمالي الصدوق : ٢٠٣ ، المجلس ٤٣ ، وعنه الوسائل ١٢ : ١٤٠ ، الباب ٤٦ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٧.

(٦) كذا في «ش» ، وفي غيره : عن الصادق.

(٧) كذا في النسخ ، وفي الوسائل ونسخة بدل «ش» : حالق ، وفي الكافي : جالق.

(٨) كذا في «ن» ، «ش» والمصدر ، وفي سائر النسخ : فانقطع.

٧٣

أن أتولّى لأحد منهم (١) عملاً أو أطأ بساط رجلٍ منهم ، إلاّ لماذا؟ قلت : لا أدري ، جعلت فداك. قال : إلاّ لتفريج كربة عن مؤمن (٢) ، أو فكّ أسره ، أو قضاء دينه» (٣).

ورواية عليّ بن يقطين : «إنّ لله تبارك وتعالى مع السلطان أولياء يدفع (٤) بهم عن أوليائه» (٥).

قال الصدوق (٦) : وفي خبر آخر : «أُولئك عتقاء الله من النار» (٧). قال : وقال الصادق عليه‌السلام : «كفارة عمل السلطان قضاء حوائج الإخوان» (٨).

وعن المقنع (٩) : «سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن رجلٍ يحبّ آل محمد وهو في ديوان هؤلاء ، فيقتل (١٠) تحت رايتهم ، قال : يحشره الله على‌

__________________

(١) كذا في «ف» والمصدر ونسخة بدل «ص» ، وفي سائر النسخ : أتولّى لهم.

(٢) كذا في مصححة «ص» والمصدر ، وفي سائر النسخ : كربة مؤمن.

(٣) الوسائل ١٢ : ١٤٠ ، الباب ٤٦ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٩.

(٤) كذا في «ف» ونسخة بدل «م» والمصدر ، وفي سائر النسخ : من يدفع.

(٥) الوسائل ١٢ : ١٣٩ ، الباب ٤٦ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث الأوّل ، وأُنظر الفقيه ٣ : ١٧٦ ، الحديث ٣٦٦٤.

(٦) لم ترد «الصدوق» في غير «ن» و «ش».

(٧) الفقيه ٣ : ١٧٦ ، الحديث ٣٦٦٥ ، والوسائل ١٢ : ١٣٩ ، الباب ٤٦ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٢.

(٨) المصدران السابقان ، الفقيه : الحديث ٣٦٦٦ ، والوسائل : الحديث ٣.

(٩) في «ف» زيادة : قال.

(١٠) كذا في «ن» والمصدر ، وفي سائر النسخ : يقتل.

٧٤

نيّته» (١) .. إلى غير ذلك.

وظاهرها إباحة الولاية من حيث هي مع المواساة والإحسان بالإخوان ، فيكون نظير الكذب في الإصلاح.

وربما يظهر من بعضها (٢) الاستحباب ، وربما يظهر من بعضها أن الدخول أولاً غير جائز إلاّ أنّ الإحسان إلى الإخوان كفّارة له ، كمرسلة الصدوق المتقدمة.

وفي ذيل رواية زياد بن أبي سلمة المتقدمة : «فإن (٣) وُلّيت شيئاً من أعمالهم فأحسن إلى إخوانك يكون (٤) واحدة (٥) بواحدة» (٦).

والأولى أن يقال : إنّ الولاية الغير المحرّمة :

الولاية المرجوحة

منها : ما يكون (٧) مرجوحة ، وهي ولاية من (٨) تولّى لهم لنظام معاشه قاصداً الإحسان في خلال ذلك إلى المؤمنين ودفع الضرّ عنهم ، ففي رواية أبي بصير : «ما من جبّار إلاّ ومعه مؤمن يدفع الله به عن‌

__________________

(١) المقنع (الجوامع الفقهية) : ٣١ ، والوسائل ١٢ : ١٣٩ ، الباب ٤٦ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٦.

(٢) كصحيحة زيد الشحام ، ورواية علي بن يقطين المتقدمتين.

(٣) في «ش» : وإن.

(٤) كلمة «يكون» مشطوب عليها في «ص» ، ولم ترد في المصدر.

(٥) في «ص» والمصدر : فواحدة.

(٦) الوسائل ١٢ : ١٤٠ ، الباب ٤٦ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٩.

(٧) كذا في النسخ ، وهكذا في ما يليه.

(٨) كذا في «ش» ، وفي سائر النسخ : وهو من.

٧٥

المؤمنين ، وهو أقلّهم حظّا في الآخرة ؛ لصحبة الجبّار» (١).

ومنها : ما يكون مستحبة ، وهي ولاية من (٢) لم يقصد بدخوله إلاّ الإحسان إلى المؤمنين ، فعن رجال الكشّي في ترجمة محمد بن إسماعيل بن بزيع عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام : «قال : إنّ لله تعالى في أبواب الظلمة مَن نَوّر الله به البرهان ، ومكّن له في البلاد ؛ ليدفع (٣) بهم عن أوليائه ، ويصلح الله (٤) بهم أُمور المسلمين ، إليهم (٥) ملجأ المؤمنين من الضرّ (٦) ، وإليهم مرجع ذوي الحاجة (٧) من شيعتنا ، بهم يؤمن الله روعة المؤمنين في دار الظلمة (٨) ، أُولئك المؤمنون حقّا ، أُولئك أُمناء (٩) الله في أرضه ، أُولئك نور الله في رعيّته يوم القيامة ، ويزهر (١٠) نورهم لأهل‌

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ١٣٤ ، الباب ٤٤ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٤.

(٢) كذا في «ش» ، وفي سائر النسخ : وهو من.

(٣) كذا في «ش» والمصدر ، وفي سائر النسخ : فيدفع.

(٤) من «ش» والمصدر.

(٥) كذا في «ش» والمصدر ، وفي سائر النسخ : لأنّهم.

(٦) كذا في «ش» والمصدر ، وفي سائر النسخ : الضرر.

(٧) في «ف» : يرجع ذو الحاجة ، وفي نسخة بدل «ش» والمصدر : يفزع ذو الحاجة.

(٨) كذا في «ش» والمصدر ، وفي سائر النسخ : الظلم.

(٩) كذا في «ف» و «ش» والمصدر ، وفي سائر النسخ : منار.

(١٠) كذا في «ش» والمصدر ، وفي سائر النسخ : أُولئك نور الله في رعيّتهم ويزهر.

٧٦

السماوات كما يزهر نور الكواكب الدرّية (١) لأهل الأرض ، أُولئك من (٢) نورهم يوم القيامة (٣) تضي‌ء القيامة (٤) ، خلقوا والله للجنة ، وخلقت (٥) الجنة لهم فهنيئاً لهم (٦) ، ما على أحدكم أن لو شاء لنال هذا كلّه. قلت : بماذا ، جعلت فداك؟ قال : يكون معهم فيسرّنا بإدخال السرور على المؤمنين من شيعتنا (٧) ، فكن منهم (٨) يا محمد» (٩).

الولاية الواجبة

ومنها : ما يكون واجبة ، وهي ما توقّف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الواجبان عليه ؛ فإنّ ما لا يتمّ الواجب إلاّ به واجب مع القدرة.

ظهور كلمات جماعة في عدم الوجوب

وربما يظهر من كلمات جماعة عدم الوجوب في هذه الصورة أيضاً :

قال في النهاية : تولّي الأمر من قبل السلطان العادل جائز‌

__________________

(١) لم ترد «الدرّية» في غير «ش» والمصدر ، وفي «ف» : يزهر الكواكب الزهر.

(٢) لم ترد «من» في «ش».

(٣) كذا في النسخ ، وفي المصدر : نور القيامة.

(٤) في «ش» : منه القيامة ، وفي المصدر : يضي‌ء منهم يوم القيامة.

(٥) كذا في «ش» والمصدر ، وفي سائر النسخ : وخلق.

(٦) عبارة «فهنيئاً لهم» من «ش» والمصدر.

(٧) كذا في «ش» والمصدر ، وفي سائر النسخ : بإدخال السرور على شيعتنا.

(٨) كذا في «ش» والمصدر ، وفي سائر النسخ : معهم.

(٩) لم نقف عليه في رجال الكشّي ، ونسبه إليه في الجواهر (٢٢ : ١٦١) أيضاً ، نعم ورد الحديث في رجال النجاشي : ٣٣١ ، ذيل ترجمة محمد بن إسماعيل ابن بزيع (رقم ٨٩٣) ، مع اختلاف في بعض الألفاظ.

٧٧

كلام الشيخ قدّس سرّه في النهاية

مُرغَّب فيه ، وربما بلغ حدّ الوجوب ؛ لما في ذلك من التمكّن من الأمر (١) بالمعروف والنهي عن المنكر ، ووضع الأشياء مواقعها ، وأمّا سلطان الجور ، فمتى علم الإنسان أو غلب على ظنه أنّه متى تولّى الأمر من قبله ، أمكنه (٢) التوصّل إلى إقامة الحدود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقسمة الأخماس والصدقات في أربابها وصلة الإخوان ، ولا يكون [في (٣)] جميع ذلك (٤) مخلًّا بواجب ، ولا فاعلاً لقبيح ، فإنّه يستحب (٥) له أن يتعرّض لتولّي الأمر من قِبَله (٦) ، انتهى.

كلام إبن إدريس قدّس سرّه

وقال في السرائر : وأمّا السلطان الجائر ، فلا يجوز لأحدٍ أن يتولّى شيئاً من الأُمور مختاراً من قِبَله إلاّ أن يعلم أو يغلب على ظنه .. إلى آخر عبارة النهاية بعينها (٧).

كلام المحقّق

وفي الشرائع : ولو أمن من ذلك أي اعتماد ما يحرم وقدر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (٨) استحبت (٩).

__________________

(١) كذا في «ف» و «ش» والمصدر ، وفي سائر النسخ : من التمكن بالأمر.

(٢) كذا في «ف» والمصدر ومصححة «م» ، وفي سائر النسخ : أمكن.

(٣) من المصدر.

(٤) في «ش» : مع ذلك. وكتب في «ص» فوق «جميع» : «مع».

(٥) كذا في المصدر ، وفي «ف» : المستحب ، وفي «ن» ، «خ» ، «م» ، «ع» و «ص» : استحب ، وفي «ش» : ليستحب.

(٦) النهاية : ٣٥٦.

(٧) السرائر ٢ : ٢٠٢.

(٨) عبارة «والنهي عن المنكر» من «ش» والمصدر.

(٩) الشرائع ٢ : ١٢.

٧٨

ما أفاده الشهيد الثاني في عدم الوجوب

قال في المسالك بعد أن اعترف أنّ مقتضى ذلك وجوبها ـ : ولعلّ وجه عدم الوجوب كونه بصورة النائب عن الظالم (١) ، وعموم النهي عن الدخول معهم ، وتسويد الاسم في ديوانهم ، فإذا لم يبلغ حدّ المنع فلا أقلّ من عدم الوجوب (٢).

نقد ما أفاده الشهيد قدّس سرّه

ولا يخفى ما في ظاهره من الضعف كما اعترف به غير واحد (٣) ؛ لأنّ الأمر بالمعروف واجب ، فإذا لم يبلغ ما ذكره من كونه بصورة النائب .. إلى آخر ما ذكره حدّ المنع ، فلا مانع من (٤) الوجوب المقدّمي للواجب.

توجيه القول بعدم الوجوب

ويمكن توجيهه بأنّ نفس الولاية قبيح محرّم ؛ لأنّها توجب إعلاء كلمة الباطل وتقوية شوكته ، فإذا عارضها قبيح آخر وهو ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وليس أحدهما أقلّ قبحاً من الآخر ، فللمكلّف فعلها ؛ تحصيلاً لمصلحة الأمر بالمعروف ، وتركها دفعاً لمفسدة تسويد الاسم في ديوانهم الموجب لإعلاء كلمتهم وقوّة شوكتهم.

نعم ، يمكن الحكم باستحباب اختيار أحدهما لمصلحة لم تبلغ حدّ الإلزام حتّى يجعل أحدهما أقلّ قبحاً ، ليصير واجباً.

والحاصل : أنّ جواز الفعل والترك هنا ليس من باب عدم جريان‌

__________________

(١) لم ترد «عن الظالم» في «ف».

(٢) المسالك ٣ : ١٣٨ ١٣٩.

(٣) منهم صاحب المسالك نفسه ، حيث قال بعد التوجيه المذكور : «ولا يخفى ما في هذا التوجيه» ، والسيد المجاهد في المناهل : ٣١٦.

(٤) في «ف» : عن.

٧٩

دليل قبح الولاية ، وتخصيص دليله بغير هذه الصورة (١) ، بل من باب مزاحمة قبحها بقبح ترك الأمر بالمعروف ، فللمكلّف ملاحظة كلّ منهما والعمل بمقتضاه ، نظير تزاحم الحقّين في غير هذا (٢) المقام. هذا ما (٣) أشار إليه الشهيد بقوله : لعموم النهي .. إلخ (٤).

استدلال المحقّق السبزواري على عدم الوجوب ، والمناقشة فيه

وفي الكفاية : أنّ الوجوب في ما نحن فيه حسن لو ثبت كون وجوب الأمر بالمعروف مطلقاً غير مشروط بالقدرة ، فيجب عليه تحصيلها من باب المقدمة ، وليس بثابت (٥).

وهو ضعيف ؛ لأنّ عدم ثبوت اشتراط الوجوب بالقدرة الحاليّة العرفيّة كافٍ ، مع إطلاق أدلّة الأمر بالمعروف السالم عن التقييد بما عدا القدرة العقلية المفروضة في المقام.

نعم ، ربما يتوهّم انصراف الإطلاقات الواردة (٦) إلى القدرة العرفيّة الغير المحقّقة في المقام ، لكنّه تشكيك ابتدائي لا يضرّ بالإطلاقات.

وأضعف منه ما ذكره بعض (٧) بعد الاعتراض على ما في المسالك‌

__________________

(١) في «ش» زيادة : إلخ.

(٢) لم ترد «هذا» في «ف».

(٣) في «ف» : كما.

(٤) تقدم في الصفحة السابقة بلفظ : «وعموم النهي».

(٥) الكفاية : ٨٨.

(٦) لم ترد «الواردة» في «ف».

(٧) هو صاحب الجواهر.

٨٠