كتاب المكاسب - ج ١

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ١

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٧
ISBN: 964-5662-11-7
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٤٠٩

١
٢

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‌

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على محمّد خاتم النبيّين وأهل بيته الطيّبين الطاهرين.

وأمّا بعد : فقد حظي كتابا المكاسب وفرائد الأُصول تحقيق وطبع مجمع الفكر الإسلامي باستقبال وافر من قبل الأساتذة وطلاّب الحوزة العلميّة في قم المقدّسة وسائر الحوزات في المدن الأُخرى ؛ لما امتازا به من الدقّة في التحقيق ، والإناقة في الترتيب ، والحسن في الطباعة ؛ ولذلك حاز الكتابان الرتبة الاولى في مسابقة الكتاب السنويّة التي تقيمها الحوزة العلميّة في قم.

كلّ ذلك جعل الطلاّب والأساتذة يقبلون على هذه الطبعة من الكتابين إقبالاً كثيراً ، ولذلك جُدّدت طباعتهما في كلّ سنة تقريباً منذ انتهاء الطبعة الاولى.

ولمّا كانت كثرة عدد الأجزاء توجب كلفة زائدة على الطلبة ، فلذلك قامت أُسره المجمع بتقليل عدد الأجزاء تسهيلاً عليهم. وذلك بحذف ما لا يهمّ الطلبة كثيراً في دراساتهم ، مثل مقدّمة التحقيق والفهارس الفنّيّة ونحوها ، ودمجت كلّ مجلّدين في مجلّد واحد ، فصارت‌

٣

الأجزاء الستّة للمكاسب ثلاثة أجزاء ، والأجزاء الأربعة للفرائد ثلاثة أيضاً بدمج الثالث والرابع وصيرورتهما مجلّداً واحداً ، وصار مجموع مجلّدات المكاسب والفرائد ستّة مجلّدات بعد أن كانت عشرة ، كلّ ذلك كما قلنا تسهيلاً على الطلبة الأعزّاء.

ولا بدّ من التنبيه على أنّ من أراد الاطّلاع على النسخ المعتمدة في تحقيق الكتاب ومعرفة رموزها وكيفيّة تحقيق الكتاب فليراجع الطبعات المتقدّمة بما فيها الطبعة الاولى الموجودة في ضمن مجموعة تراث الشيخ الأنصاري قدس‌سره.

وختاماً نرجو من الله تعالى أن يوفّق الجميع لخدمة مذهب أهل البيت عليهم‌السلام ، إنّه وليّ التوفيق.

مجمع الفكر الإسلامي‌

٤

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.

في المكاسب

بعض الأخبار الواردة على سبيل الضابطة

وينبغي أوّلاً التيمّن بذكر بعض الأخبار الواردة على سبيل الضابطة للمكاسب ، من حيث الحلّ والحرمة ، فنقول مستعيناً بالله تعالى ـ:

روي في الوسائل (١) والحدائق (٢) عن الحسن بن عليّ بن شعبة في

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٥٤ ، الباب ٢ من أبواب ما يكتسب به ، وأورد قسماً منه في الحديث الأوّل من الباب الأوّل من أبواب الإجارة ، وقسماً آخر في الحديث الأوّل من الباب ٤ من أبواب النفقات ، وقسماً ثالثاً في الحديث الأوّل من الباب ٦٦ من أبواب الأطعمة المحرّمة.

(٢) الحدائق ١٨ : ٦٧.

٥

كتاب تحف العقول (١) عن مولانا الصادق صلوات الله وسلامه عليه حيث سُئل عن‌ معايش العباد ، فقال : «جميع المعايش كلّها من وجوه المعاملات فيما بينهم ممّا يكون لهم فيه المكاسب أربع جهات ، ويكون فيها حلال من جهة وحرام من جهة :

رواية تحف العقول

فأوّل هذه الجهات الأربع (٢) الولاية ، ثمّ التجارة ، ثمّ الصناعات ، ثمّ الإجارات.

والفرض من الله تعالى على العباد في هذه المعاملات الدخول في جهات الحلال ، والعمل بذلك ، واجتناب جهات الحرام منها.

فإحدى الجهتين من الولاية : ولاية ولاة العدل الذين أمر الله بولايتهم على الناس ، والجهة الأُخرى : ولاية ولاة الجور.

وجه الحلال من الولاية ووجه الحرام منها

فوجه الحلال من الولاية ، ولاية الوالي العادل ، وولاية ولاته بجهة ما أمر به الوالي العادل بلا زيادة ونقيصة ، فالولاية له ، والعمل معه ، ومعونته ، وتقويته ، حلال محلّل.

وأمّا وجه الحرام من الولاية : فولاية الوالي الجائر ، وولاية ولاته ، فالعمل (٣) لهم ، والكسب لهم بجهة الولاية معهم (٤) حرام محرّم

__________________

(١) تحف العقول : ٣٣١ ، ولمّا كان الاختلاف بين المصادر التي نقلت الرواية كثيراً ، فلذلك لم نتعرّض له إلاّ إذا كان مهمّاً ، نعم سوف نذكر الاختلاف الموجود بين نسخ الكتاب.

وسنتّبع هذه الطريقة في سائر الروايات المنقولة في الكتاب إن شاء الله تعالى.

(٢) الأربع : لم تَرِد في «ف» ، «ن» ، «م».

(٣) في «ف» ، «خ» ، «ع» ، «ص» : والعمل لهم.

(٤) في «خ» والوسائل : والكسب معهم بجهة الولاية لهم.

٦

معذّب فاعل ذلك على قليل من فعله أو كثير ؛ لأنّ كلّ شي‌ءٍ من جهة المعونة له ، معصية كبيرة من الكبائر.

وذلك أنّ في ولاية الوالي الجائر دروس الحقّ كلِّه ، وإحياء الباطل كلِّه ، وإظهار الظلم والجور والفساد ، وإبطال الكتب ، وقتل الأنبياء ، وهدم المساجد ، وتبديل سنّة الله وشرائعه ، فلذلك حرم العمل معهم ومعونتهم ، والكسب معهم إلاّ بجهة الضرورة نظير الضرورة إلى الدم والميتة.

تفسير التجاراب

وأمّا تفسير التجارات في جميع البيوع ووجوه الحلال من وجه التجارات التي يجوز للبائع أن يبيع ممّا لا يجوز له ، وكذلك المشتري الذي يجوز له شراؤه ممّا لا يجوز :

الحال من البيع

فكلّ مأمور به ممّا هو غذاء للعباد وقوامهم به في أُمورهم في وجوه الصلاح الذي لا يقيمهم غيره ممّا يأكلون ويشربون ويلبسون وينكحون ويملكون ويستعملون من جميع المنافع التي لا يقيمهم غيرها ، وكلّ شي‌ءٍ يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات ، فهذا كلّه حلال بيعه وشراؤه وإمساكه واستعماله وهبته وعاريته.

الحرام من البيع

وأمّا وجوه الحرام من البيع والشراء : فكلّ أمرٍ يكون فيه الفساد ممّا هو منهيّ عنه من جهة أكله وشربه (١) أو كسبه (٢) أو نكاحه أو مِلكه أو إمساكه أو هبته أو عاريته أو شي‌ءٍ يكون فيه وجه من وجوه

__________________

(١) في «ف» : أو شربه.

(٢) كذا في النسخ والمصادر ، ولعلّ في الأصل «لبسه» كما استظهره الشهيدي رحمه‌الله أيضاً.

٧

الفساد نظير البيع بالربا أو بيع الميتة أو الدم أو لحم الخنزير أو لحوم السباع من صنوف سباع الوحش أو الطير أو جلودها أو الخمر أو شي‌ءٍ من وجوه النجس فهذا كلّه حرام محرّم ؛ لأنّ ذلك كلّه منهيٌّ عن أكله وشربه ولبسه وملكه وإمساكه والتقلّب فيه ، فجميع تقلّبه في‌ ذلك حرام.

وكذلك كلّ مبيعٍ ملهوٍّ به ، وكلّ منهيٍّ عنه ممّا يتقرّب به لغير الله عزّ وجلّ ، أو يقوى به الكفر والشرك في جميع وجوه المعاصي ، أو باب يوهن به الحقّ فهو حرام محرَّم بيعه وشراؤه وإمساكه وملكه وهبته وعاريته وجميع التقلّب فيه ، إلاّ في حالٍ تدعو الضرورة فيه إلى ذلك.

تفسير الإجارات والحلال منها

وأمّا تفسير الإجارات :

فإجارة الإنسان نفسه أو ما يملك أو يلي أمره من قرابته أو دابّته أو ثوبه بوجه (١) الحلال من جهات الإجارات أو (٢) يؤجر نفسه أو داره أو أرضه أو شيئاً يملكه فيما ينتفع به من وجوه المنافع أو العمل بنفسه وولده ومملوكه وأجيره من غير أن يكون وكيلاً للوالي أو والياً للوالي ، فلا بأس أن يكون أجيراً يؤجر نفسه أو ولده أو قرابته أو ملكه أو وكيله في إجارته ، لأنّهم وكلاء الأجير من عنده ، ليس هم بولاة الوالي ، نظير الحمّال الذي يحمل شيئاً معلوماً بشي‌ءٍ‌

__________________

(١) في مصحّحة «م» : فوجه.

(٢) في «م» ، «ع» ، «ص» ، «ش» ونسخة بدل «خ» : أن.

٨

معلوم ، فيحمل (١) ذلك الشي‌ء الذي يجوز له حمله بنفسه أو بملكه أو دابّته ، أو يؤجر نفسه في عمل ، يعمل ذلك العمل [بنفسه أو بمملوكه أو قرابته أو بأجير من قِبَله ، فهذه وجوه من وجوه الإجارات] (٢) حلال (٣) لمن كان من الناس مَلِكاً أو سُوقَة أو كافراً أو مؤمناً فحلال إجارته ، وحلال كسبه من هذه الوجوه.

فأمّا وجوه الحرام من وجوه الإجارة : نظير أن يؤاجر نفسه على حمل ما يحرم أكله أو شربه ، أو يؤاجر نفسه في صنعة ذلك الشي‌ء أو حفظه ، أو يؤاجر نفسه في هدم المساجد ضراراً ، أو قتل النفس بغير حقٍّ (٤) ، أو عمل (٥) التصاوير والأصنام والمزامير والبَرابِط والخمر والخنازير والميتة والدم ، أو شي‌ء من وجوه الفساد الذي كان محرّماً عليه من غير جهة الإجارة فيه.

وكلّ أمرٍ منهيّ عنه من جهة من الجهات ، فمحرّم على الإنسان إجارة نفسه فيه أو له أو شي‌ء منه أو له ، إلاّ لمنفعة من استأجره (٦) كالذي يستأجر له الأجير ليحمل الميتة ينحّيها (٧) عن أذاه أو أذى غيره

__________________

(١) كذا في «خ» وتحف العقول ، وفي سائر النسخ والحدائق والوسائل : فيجعل.

(٢) أثبتناه من «ش» وهامش «خ» والمصدر.

(٣) في جميع النسخ الفاقدة للعبارة : «حلالاً» ، إلاّ في «ف».

(٤) في المصادر : بغير حلٍّ.

(٥) في تحف العقول : أو حمل.

(٦) كذا في «ن» والحدائق ، وفي سائر النسخ والمصادر : استأجرته.

(٧) في «خ» وتحف العقول : ينجيها.

٩

وما أشبه ذلك إلى أن قال ـ:

وكلّ من آجر نفسه أو ما يملك ، أو يلي أمره من كافر أو مؤمن أو مَلِكٍ أو سُوقَةٍ على ما فسّرنا ممّا تجوز الإجارة فيه فحلال محلّل فعله وكسبه.

تفسير الصناعات والحلال منها

وأمّا تفسير الصناعات :

فكلُّ ما يتعلّم العباد أو يعلِّمون غيرهم من أصناف الصناعات مثل الكتابة والحساب والنجارة (١) والصياغة والبناء والحياكة والسراجة والقصارة والخياطة وصنعة صنوف التصاوير ما لم يكن مثل الروحاني ، وأنواع صنوف الآلات التي يحتاج إليها العباد ، منها منافعهم ، وبها قوامهم ، وفيها بلغة جميع (٢) حوائجهم فحلال فعله (٣) وتعليمه والعمل به وفيه (٤) لنفسه أو لغيره.

وإن كانت تلك الصناعة وتلك الآلة قد يستعان بها على وجوه الفساد ووجوه المعاصي ، وتكون معونة على الحقّ والباطل ، فلا بأس بصناعته وتعليمه (٥) نظير الكتابة التي هي (٦) على وجه من وجوه الفساد تقوية ومعونة لولاة الجور. وكذلك السكّين والسيف والرمح والقوس

__________________

(١) كذا في «ف» و «ش» ، وفي سائر النسخ وتحف العقول والحدائق : التجارة.

(٢) جميع : ساقطة من «ف» ، «م» ، «ع» ، «ص».

(٣) في «ش» : تعلّمه.

(٤) وفيه : ساقطة من «ف».

(٥) كذا في «ن» ومصححة «خ» وتحف العقول والحدائق ، وفي سائر النسخ : تقلّبه.

(٦) هي : ساقطة من «ف» ، «م» ، «ع».

١٠

وغير ذلك من وجوه الآلات التي تصرف (١) إلى وجوه (٢) الصلاح‌ وجهات الفساد ، وتكون آلة ومعونة عليهما (٣) فلا بأس بتعليمه وتعلّمه وأخذ الأجر عليه والعمل به وفيه لمن كان له فيه جهات الصلاح من جميع الخلائق ، ومحرّم عليهم تصريفه إلى جهات الفساد والمضارّ ، فليس على العالم ولا المتعلّم إثم ولا وزر ؛ لما فيه من الرجحان في منافع جهات صلاحهم وقوامهم وبقائهم ، وإنّما الإثم والوزر على المتصرّف فيه (٤) في جهات الفساد والحرام ؛ وذلك إنّما حرّم الله الصناعة التي هي حرام كلّها التي يجي‌ء منها الفساد محضاً ، نظير البَرابِط والمزامير والشطرنج وكلّ ملهوٍّ به والصلبان والأصنام وما أشبه ذلك من صناعات الأشربة الحرام (٥).

الصناعات المحرّمة

وما يكون منه وفيه الفساد محضاً ولا يكون منه ولا فيه شي‌ء من وجوه الصلاح ، فحرام تعليمه وتعلّمه والعمل به وأخذ الأُجرة عليه وجميع التقلّب فيه من جميع وجوه الحركات (٦) إلاّ أن تكون صناعة

__________________

(١) كذا في «خ» و «ش» و «ف» : ينصرف ، وفي «ن» ، «ع» ، «ص» : تتصرف ، وفي «م» : تنصرف.

(٢) في مصححة «خ» وتحف العقول : جهات.

(٣) كذا في «ش» والمصادر ، وفي سائر النسخ : عليها.

(٤) في «ن» و «خ» : بها (خ ل).

(٥) كذا في النسخ والمصادر ، إلاّ أنّ في «ن» ، «خ» ، «م» ، «ع» و «ش» زيادة : المحرّمة (ظ) ، وفي «ص» : المحرّمة (خ ل).

(٦) كذا في مصححة «خ» ، وفي «ش» والوسائل وتحف العقول : الحركات كلّها.

١١

قد تصرف إلى جهة المنافع (١) ، وإن كان قد يتصرّف فيها ويتناول بها وجه من وجوه المعاصي ؛ فلعلّة ما فيه (٢) من الصلاح حلّ تعلّمه وتعليمه والعمل به ، ويحرم على من صرفه إلى غير وجه الحقّ والصلاح.

فهذا تفسير بيان وجوه اكتساب معايش العباد ، وتعليمهم (٣) في وجوه اكتسابهم .. الحديث».

وحكاه غير واحد (٤) عن رسالة المحكم والمتشابه (٥) للسيّد قدس‌سره.

رواية الفقه الرضوي

وفي الفقه المنسوب إلى مولانا الرضا صلوات الله وسلامه عليه : «اعلم رحمك (٦) الله أنّ كلّ (٧) مأمور به على العباد (٨) وقوام لهم في أُمورهم من وجوه الصلاح الذي لا يقيمهم غيره ممّا يأكلون ويشربون ويلبسون وينكحون ويملكون ويستعملون فهذا كلّه حلال بيعه وشراؤه وهبته وعاريته.

وكلّ أمر يكون فيه الفساد ممّا قد نهي عنه من جهة أكله

__________________

(١) في مصححتي «خ» و «ف» : جهة المباح.

(٢) في «ف» ، «خ» ، «م» و «ع» وتحف العقول : فلعلّه لما فيه.

(٣) كذا في «ش» والمصادر ، وفي سائر النسخ : تعلّمهم.

(٤) منهم صاحب الوسائل في الوسائل ١٢ : ٥٧ ، وصاحب الحدائق في الحدائق ١٨ : ٧٠.

(٥) رسالة المحكم والمتشابه : ٤٦.

(٦) في «ف» ، والمصدر : يرحمك.

(٧) في «ش» : كلّ ما هو.

(٨) كذا في النسخ ، وفي المصدر : «أنّ كلّ مأمور به ممّا هو صلاح للعباد» ، وفي المستدرك (١٣ : ٦٥) : «أنّ كلّ مأمور به ممّا هو منّ على العباد».

١٢

وشربه ولبسه ونكاحه وإمساكه بوجه الفساد ، مثل الميتة والدم ولحم الخنزير والربا وجميع الفواحش ولحوم السباع والخمر ، وما أشبه ذلك فحرام ضارٍّ للجسم (١)» (٢) ، انتهى.

رواية دعائم الإسلام

وعن دعائم الإسلام للقاضي نعمان المصري عن مولانا‌ الصادق عليه‌السلام : «إنّ الحلال من البيوع كلّ ما كان حلالاً من المأكول والمشروب وغير ذلك ممّا هو قوام للناس ويباح لهم الانتفاع ، وما كان محرّماً أصله منهيّاً عنه لم يجز بيعه ولا شراؤه» (٣) ، انتهى.

النبويّ المشهور

وفي النبويّ المشهور : «إنّ الله إذا حرّم شيئاً حرّم ثمنه» (٤).

تقسيم المكاسب بحسب الأحكام الخمسة

إذا عرفت ما تلوناه وجعلته في بالك متدبّراً لمدلولاته ، فنقول : قد جرت عادة غير واحد على تقسيم المكاسب إلى محرّم ومكروه ومباح ، مُهمِلين للمستحبّ والواجب ؛ بناءً على عدم وجودهما في المكاسب ، مع إمكان التمثيل للمستحبّ بمثل الزراعة والرعي ممّا ندب إليه الشرع ، وللواجب بالصناعة الواجبة كفاية ، خصوصاً إذا تعذّر قيام الغير به ، فتأمّل.

معنى حرمة الاكتساب

ومعنى حرمة الاكتساب حرمة النقل والانتقال بقصد ترتّب الأثر (٥).

__________________

(١) في «ش» : «للجسم ، وفساد للنفس» ، وفي المصدر : «للجسم ، وفاسد للنفس».

(٢) الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه‌السلام : ٢٥٠.

(٣) دعائم الإسلام ٢ : ١٨ ، الحديث ٢٣ ، مع اختلافٍ يسير.

(٤) عوالي اللآلي ٢ : ١١٠ ، الحديث ٣٠١. سنن الدارقطني ٣ : ٧ ، الحديث ٢٠.

(٥) في «ش» : الأثر المحرّم.

١٣

وأمّا حرمة أكل المال في مقابلها ، فهو متفرّع على فساد البيع ؛ لأنّه مال الغير وقع في يده بلا سبب شرعيّ وإن قلنا بعدم التحريم ؛ لأنّ ظاهر أدلّة تحريم بيع مثل الخمر منصرف إلى ما لو أراد ترتيب الآثار المحرّمة ، أمّا لو قصد الأثر المحلّل فلا دليل على تحريم المعاملة‌ إلاّ من حيث التشريع (١).

وكيف كان ، فالاكتساب المحرّم أنواع ، نذكر كلاّ منها في طيّ مسائل‌ :

__________________

(١) في «ف» : إلاّ من حيث التشريع ، فيتفرّع على إرادة الشرعيّة.

١٤

النوع الأوّل

الاكتساب بالأعيان النجسة عدا ما استثني‌

وفيه مسائل ثمان :

١٥
١٦

المسألة الأُولى

حرمة المعاوضة على الأبوال النجسة

يحرم المعاوضة على بول غير مأكول اللحم‌ (١) بلا خلافٍ ظاهر ؛ لحرمته ، ونجاسته ، وعدم الانتفاع به منفعة محلّلة مقصودة فيما عدا بعض أفراده ، ك‍ «بول الإبل الجلاّلة أو الموطوءَة».

«فرعان»

الأوّل :

حكم ما عدا بول الإبل من أبوال ما يؤكل لحمه

ما عدا بول الإبل من أبوال ما يؤكل لحمه المحكوم بطهارتها‌ عند المشهور ، إن قلنا بجواز شربها اختياراً كما عليه جماعة من القدماء‌

__________________

(١) في «ف» : غير المأكول اللحم.

١٧

والمتأخّرين (١) ، بل عن المرتضى دعوى الإجماع عليه (٢) فالظاهر جواز بيعها. وإن قلنا بحرمة شربها كما هو مذهب جماعة أُخرى (٣) لاستخباثها ففي جواز بيعها قولان :

قولان في المسألة بناءً على حرمة شربها اختياراً

من عدم المنفعة المحلّلة المقصودة فيها ، والمنفعة النادرة لو جوّزت المعاوضة لزم منه جواز معاوضة كلّ شي‌ء ، والتداوي بها لبعض الأوجاع لا يوجب قياسها (٤) على الأدوية والعقاقير ؛ لأنّه يوجب قياس كلّ شي‌ء عليها ، للانتفاع به في بعض الأوقات.

ومن أنّ المنفعة الظاهرة ولو عند الضرورة المسوّغة للشرب كافية في جواز البيع.

والفرق بينها وبين ذي المنفعة الغير المقصودة حكم العرف بأنّه لا منفعة فيه.

وسيجي‌ء الكلام في ضابطة المنفعة المسوّغة للبيع.

__________________

(١) من القدماء : ابن الجنيد على ما في الدروس ٣ : ١٧ ، والسيّد المرتضى في الانتصار : ٢٠١ ، ومن المتأخّرين : ابن إدريس في السرائر ٣ : ١٢٥ ، والمحقّق في النافع (٢٥٤) ، حيث قال : والتحليل أشبه ، والفاضل الآبي في كشف الرموز ١ : ٤٣٦ ، والمحقّق السبزواري في كفاية الأحكام : ٢٥٢.

(٢) الانتصار : ٢٠١.

(٣) كالمحقّق في الشرائع ٣ : ٢٢٧ ، والعلاّمة في المختلف : ٦٨٦ ، والشهيد في الدروس ٣ : ١٧.

(٤) في أكثر النسخ : قياسه.

١٨

ما يدّل على أنّ ضابط المنع تحريم الشيء اختياراً

نعم ، يمكن أن يقال : إنّ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الله إذا حرّم شيئاً حرّم ثمنه» (١) وكذلك الخبر المتقدّم عن دعائم الإسلام يدلّ على أنّ ضابطة المنع تحريم الشي‌ء اختياراً ، وإلاّ فلا حرام إلاّ وهو محلّل عند الضرورة ، والمفروض حرمة شرب الأبوال اختياراً ، والمنافع الأُخر غير الشرب لا يعبأ بها جدّاً ، فلا ينتقض بالطين المحرّم أكله ؛ فإنّ المنافع الأُخر للطين أهمّ وأعمّ من منفعة الأكل المحرّم ، بل لا يُعدّ الأكل من منافع الطين.

فالنبويّ دالّ على أنّه إذا حرّم الله شيئاً بقولٍ مطلق بأن قال : يحرم الشي‌ء الفلاني حَرُمَ بيعه ؛ لأنّ تحريم عينه إمّا راجع إلى تحريم جميع منافعه ، أو إلى تحريم أهمّ منافعه الذي (٢) يتبادر عند الإطلاق ، بحيث يكون غيره غير مقصود منه.

وعلى التقديرين ، يدخل الشي‌ء لأجل ذلك في ما لا ينتفع به منفعةً محلّلة مقصودة ، والطين لم يحرم كذلك ، بل لم يحرم إلاّ بعض منافعه الغير المقصودة منه وهو الأكل بخلاف الأبوال فإنّها حرمت كذلك ، فيكون التحريم راجعاً إلى شربها ، وغيره من المنافع في حكم العدم.

وبالجملة ، فالانتفاع بالشي‌ء حال الضرورة منفعة محرّمة في حال الاختيار لا يوجب جواز بيعه.

ولا ينتقض أيضاً بالأدوية المحرّمة في غير حال المرض لأجل الإضرار ؛ لأنّ حلّيّة هذه في حال المرض ليست لأجل الضرورة ،

__________________

(١) عوالي اللآلي ٢ : ١١٠ ، الحديث ٣٠١.

(٢) كذا في «ش» ومصححة «خ» ، وفي غيرهما : التي.

١٩

بل لأجل تبدّل عنوان الإضرار بعنوان النفع.

وممّا ذكرنا يظهر أنّ قوله عليه‌السلام في رواية تحف العقول المتقدّمة : «وكلّ شي‌ء يكون لهم (١) فيه الصلاح من جهة من الجهات» يراد به جهة الصلاح الثابتة حال الاختيار دون الضرورة.

حرمة بيع الحوم السباع دون شحومها

وممّا ذكرنا يظهر حرمة بيع لحوم السباع دون شحومها ؛ فإنّ الأوّل من قبيل الأبوال ، والثاني من قبيل الطين في عدم حرمة جميع منافعها المقصودة منها.

ولا ينافيه النبويّ : «لعن الله اليهود ، حُرّمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا ثمنها» (٢) ؛ لأنّ الظاهر أنّ الشحوم كانت محرّمة الانتفاع على اليهود بجميع الانتفاعات ، لا كتحريم شحوم غير مأكول اللحم علينا.

هذا ، ولكن الموجود من النبويّ في باب الأطعمة من الخلاف (٣) : «إنّ الله إذا حرّم أكل شي‌ء حرّم ثمنه» (٤).

والجواب عنه مع (٥) ضعفه ، وعدم الجابر له سنداً ودلالة ؛

__________________

(١) لهم : ساقطة من «ن» ، «م» ، «ع» ، «ص».

(٢) عوالي اللآلي ١ : ١٨١ ، الحديث ٢٤٠.

(٣) كذا في «ف» و «خ» ، وفي غيرهما : عن الخلاف.

(٤) الخلاف : كتاب الأطعمة ، المسألة ١٩.

(٥) في «ف» ومصححة «خ» : «ح» [أي : حينئذ] وكلمة «مع» مشطوب عليها في «ن».

٢٠