كتاب المكاسب - ج ٢

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ٢

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٧
ISBN: 964-5662-12-5
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٢٧٢

وممّا ذكرنا يظهر : أنّ إطلاق الجماعة (١) لحِلّ ما يعطيه الجائر مع عدم العلم بحرمته عيناً : إن كان شاملاً لصورة العلم الإجمالي بوجود حرام في الجائزة مردّد بين هذا وبين غيره مع انحصار الشبهة ، فهو مستند إلى حمل تصرّفه على الصحّة أو إلى عدم الاعتناء بالعلم الإجمالي ؛ لعدم ابتلاء المكلّف بالجميع ، لا لكون هذه المسألة خارجة بالنصّ عن (٢) حكم الشبهة المحصورة.

نعم ، قد يخدش في حمل تصرّف الظالم على الصحيح من حيث إنّه مُقدم على التصرّف فيما في يده من المال المشتمل على الحرام على وجه عدم المبالاة بالتصرّف في الحرام ، فهو كمن أقدم على ما في يده من المال المشتبه المختلط عنده بالحرام ، ولم يقل أحد بحمل تصرّفه حينئذٍ على الصحيح.

لكن الظاهر أنّ هذه الخدشة غير مسموعة عند الأصحاب ؛ فإنّهم لا يعتبرون في الحمل على الصحيح احتمال تورّع المتصرّف عن التصرّف الحرام لكونه حراماً ، بل يكتفون باحتمال صدور الصحيح منه ولو لدواعٍ أُخر.

وأمّا عدم الحمل فيما إذا أقدم المتصرّف على الشبهة المحصورة الواقعة تحت يده ؛ فلفساد تصرّفه في ظاهر الشرع ، فلا يحمل على الصحيح الواقعي ، فتأمّل ، فإنّ المقام لا يخلو عن إشكال.

عدم ثبوت ما يدلّ على إلغاء قاعدة الاحتياط

وعلى أيّ تقدير ، فلم يثبت من النصّ ولا الفتوى مع اجتماع‌

__________________

(١) المتقدّم ذكرهم في الصفحة ١٧٦.

(٢) كذا في «ف» ونسخة بدل «م» ، وفي سائر النسخ : من.

١٨١

شرائط إعمال قاعدة الاحتياط في الشبهة المحصورة عدم بوجوب الاجتناب في المقام ، وإلغاء (١) تلك القاعدة.

وأوضح ما في هذا الباب من عبارات الأصحاب ما في السرائر ، حيث قال : إذا كان يعلم أنّ فيه شيئاً مغصوباً إلاّ أنّه غير متميّز العين ، بل هو مخلوط في غيره من أمواله أو غلاّته التي يأخذها على جهة الخراج ، فلا بأس بشرائه منه وقبول صلته ؛ لأنّها صارت بمنزلة المستهلك ؛ لأنّه غير قادر على ردّها بعينها (٢) ، انتهى.

وقريب منها ظاهر عبارة النهاية (٣) بدون ذكر التعليل ، ولا ريب أنّ الحلّي لم يستند في تجويز أخذ المال المردّد إلى النصّ ، بل إلى ما زعمه من القاعدة ، ولا يخفى عدم تماميتها (٤) ، إلاّ أن يريد به الشبهة الغير المحصورة بقرينة الاستهلاك ، فتأمّل (٥).

الصورة الثالثة : أن يعلم تفصيلاً بحرمة ما يأخذه ، فلا إشكال في حرمة الأخذ

الصورة الثالثة : أن (٦) يعلم تفصيلاً حرمة ما يأخذه ، ولا إشكال (٧) في حرمته حينئذٍ على الآخذ (٨) ، إلاّ أنّ الكلام في حكمه إذا وقع في يده ،

__________________

(١) كذا في «ش» ومصححة «ن» ، وفي سائر النسخ : إبقاء.

(٢) السرائر ٢ : ٢٠٣.

(٣) النهاية : ٣٥٨.

(٤) في «ف» : تمامها.

(٥) لم ترد «فتأمّل» في «ف».

(٦) وردت العبارة في «ش» هكذا : وأمّا الصورة الثالثة : فهو أن.

(٧) في «ش» : فلا إشكال.

(٨) العبارة في «ف» هكذا : ولا إشكال حينئذٍ في حرمته على الآخذ.

١٨٢

حكم الجائزة لو وقعت في اليد

فنقول : علمه بحرمته إمّا أن يكون قبل وقوعه في يده ، وإمّا أن يكون بعده.

إذا علم بحرمة الجائزة قبل وقوعها في اليد

فإن كان قبله لم يجز له أن يأخذه بغير نيّة الردّ إلى صاحبه ، سواء أخذه اختياراً أو تقيّة ؛ لأنّ أخذه بغير هذه النيّة (١) تصرّف لم يعلم رضا صاحبه به ، والتقية تتأدّى (٢) بقصد الردّ ، فإن أخذه بغير هذه النيّة كان غاصباً ترتّب عليه أحكامه. وإن أخذه بنيّة الردّ كان محسناً ، وكان في يده أمانة شرعية.

إذا علم بحرمتها بعد وقوعها في اليد

وإن كان العلم به بعد وقوعه في يده كان كذلك أيضاً ، ويحتمل قوياً الضمان هنا ؛ لأنّه أخذه بنيّة التملّك ، لا بنيّة الحفظ والرد ، ومقتضى عموم «على اليد» (٣) الضمان.

وظاهر المسالك عدم الضمان رأساً مع القبض جاهلاً ، قال : لأنّه يد أمانة فيستصحب (٤). وحكي موافقته عن العلاّمة الطباطبائي رحمه‌الله في مصابيحه (٥) ، لكن المعروف من المسالك (٦) وغيره (٧) في مسألة ترتّب الأيدي على مال الغير ، ضمان كلّ منهم ولو مع الجهل ، غاية الأمر‌

__________________

(١) عبارة «بغير هذه النية» مشطوب عليها في «ف» ظاهراً.

(٢) كذا في «ن» و «ص» ، وفي «ف» ، «خ» ، «م» و «ع» : تنادي ، وفي «ش» : تتنادى.

(٣) عوالي اللآلي ١ : ٢٢٤ ، الحديث ١٠٦ ، والصفحة ٣٨٩ ، الحديث ٢١.

(٤) المسالك ٣ : ١٤٢.

(٥) حكاه صاحب الجواهر في الجواهر ٢٢ : ١٧٩ ، وانظر المصابيح (مخطوط) : ٥٥.

(٦) المسالك (الطبعة الحجرية) ٢ : ٢٠٥.

(٧) راجع جامع المقاصد ٦ : ٢٢٥.

١٨٣

رجوع الجاهل على العالم إذا لم يُقدم على أخذه مضموناً ، ولا إشكال عندهم ظاهراً في أنّه لو استمرّ جهل القابض المتّهب إلى أن تلف في يده كان للمالك الرجوع عليه ، ولا رافع (١) يقينياً (٢) لهذا المعنى مع حصول العلم بكونه مال الغير ، فيستصحب الضمان لا عدمه.

وذكر في المسالك في من استودعه الغاصب مالاً مغصوباً : أنّه لا يردّه إليه مع الإمكان ، ولو أخذه منه قهراً ففي الضمان نظر ، والذي يقتضيه قواعد الغصب أنّ للمالك الرجوع على أيّهما شاء وإن كان قرار الضمان على الغاصب (٣) ، انتهى.

والظاهر أنّ مورد كلامه : ما إذا أخذ الودعي المال من الغاصب جهلاً بغصبه ثمّ تبيّن له ، وهو الذي حكم فيه هنا بعدم الضمان لو استردّه الظالم المجيز أو تلف بغير تفريط.

وجوب ردّ الجائزة بعد العلم بالغصبية

وعلى أيّ حال ، فيجب على المُجاز ردّ الجائزة بعد العلم بغصبيتها (٤) إلى مالكها أو وليّه ، والظاهر أنّه لا خلاف في كونه فوريّاً (٥).

نعم ، يسقط بإعلام صاحبه به ، وظاهر أدلّة وجوب أداء الأمانة وجوب الإقباض ، وعدم كفاية التخلية ، إلاّ أن يدّعى أنّها في مقام حرمة الحبس ووجوب التمكين ، لا تكليف الأمين بالإقباض ، ومن هنا‌

__________________

(١) في «ص» : ولا دافع.

(٢) من «ش» فقط.

(٣) المسالك ٥ : ٩٩ ١٠٠.

(٤) في «ف» : بغصبها.

(٥) كذا في «ف» و «ش» ومصححة «ن» ، وفي سائر النسخ : ضامناً.

١٨٤

ذكر غير واحد (١) كما عن التذكرة (٢) والمسالك (٣) وجامع المقاصد (٤) ـ : أنّ المراد بردّ الأمانة رفع يده عنها والتخلية بينه وبينها.

وعلى هذا فيشكل حملها إليه ؛ لأنّه تصرّف لم يؤذن فيه ، إلاّ إذا كان الحمل مساوياً لمكانة الموجود فيه أو أحفظ ؛ فإنّ الظاهر جواز نقل الأمانة الشرعية من مكان إلى ما لا يكون أدون من الأوّل في الحفظ.

هل يجب الفحص عن المغصوب منه؟

ولو جهل صاحبه وجب الفحص مع الإمكان ؛ لتوقّف الأداء الواجب بمعنى التمكين وعدم الحبس على الفحص ، مضافاً إلى الأمر به في الدين المجهول المالك (٥) ، ثمّ لو ادّعاه مدّعٍ ، ففي سماع قول من يدّعيه مطلقاً ؛ لأنّه لا معارض له ، أو مع الوصف ؛ تنزيلاً له منزلة اللقطة ، أو يعتبر الثبوت شرعاً ؛ للأصل ، وجوه.

ويحتمل غير بعيد : عدم وجوب الفحص ؛ لإطلاق غير واحد من الأخبار (٦) (٧).

__________________

(١) راجع الحدائق ٢١ : ٤٢٦ ، والرياض ١ : ٦٢٢ ، والكفاية : ١٣٣ ، وغيرها.

(٢) التذكرة ٢ : ٢٠٥.

(٣) المسالك ٥ : ٩٧.

(٤) جامع المقاصد ٦ : ٤٣.

(٥) راجع الوسائل ١٧ : ٥٨٣ ، الباب ٦ من أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ، الحديث ١ و ٢.

(٦) راجع الوسائل ١٢ : ١٤٤ ، الباب ٤٧ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث الأوّل. و ١٧ : ٣٥٧ ، الباب ٧ من أبواب اللقطة ، الحديث ٢.

(٧) في هامش «ف» زيادة عبارة : «وإمكان الفرق بينه وبين الدين» ، والظاهر أنّ محلّها بعد قوله : «.. من الأخبار».

١٨٥

ثمّ إنّ المناط صدق اشتغال الرجل بالفحص نظير ما ذكروه في تعريف اللقطة (١).

هل يجب بذل المال لو احتاج الفحص إليه؟

ولو احتاج الفحص إلى بذل مالٍ ، كاجرة دلاّل صائح عليه ، فالظاهر عدم وجوبه على الآخذ (٢) ، بل يتولاّه الحاكم ولاية عن صاحبه ، ويُخرج من (٣) العين اجرة الدلاّل ثمّ يتصدّق بالباقي إن لم يوجد (٤) صاحبه ، ويحتمل وجوبه عليه ؛ لتوقّف الواجب عليه.

وذكر جماعة (٥) في اللقطة : أنّ اجرة التعريف على الواجد ، لكن حكي عن التذكرة : أنّه إن قصد الحفظ دائماً يرجع أمره إلى الحاكم ؛ ليبذل أُجرته من بيت المال ، أو يستقرض على المالك ، أو يبيع بعضها إن رآه أصلح (٦) ، واستوجه ذلك جامع المقاصد (٧).

عدم تقيّد الفحص بالسنة

ثمّ إنّ الفحص لا يتقيّد بالسنة ، على ما ذكره الأكثر هنا (٨) ، بل حدّه اليأس وهو مقتضى الأصل ، إلاّ أنّ المشهور كما في‌

__________________

(١) راجع مفتاح الكرامة ٦ : ١٦٠ ، والجواهر ٣٨ : ٣٥٩ ٣٦١.

(٢) في غير «ش» : الواجد.

(٣) كذا في «ف» و «ن» ، وفي غيرهما : عن.

(٤) في نسخة بدل «ص» : يجد.

(٥) منهم العلاّمة في القواعد ١ : ١٩٨ ، والشهيد في الدروس ٣ : ٨٩ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٣٨.

(٦) التذكرة ٢ : ٢٥٨.

(٧) جامع المقاصد ٦ : ١٦٢.

(٨) لم نعثر على مصرّح بهذا ، ولعلّه يظهر من إطلاق من أوجب الاجتهاد ، كما استظهره في المناهل : ٣٠٥ ، راجع : السرائر ٢ : ٢٠٣ ، والمنتهى ٢ : ١٠٢٧.

١٨٦

القول بوجوب الفحص سنة في المال المغصوب

تأييد ذلك برواية حفص الواردة في اللص

جامع المقاصد (١) على أنّه إذا أودع الغاصب مال الغصب لم يجز الردّ إليه ، بل يجب ردّه إلى (٢) مالكه ، فإن جُهل عرّف سنة ثمّ يتصدّق به عنه مع الضمان ، وبه رواية حفص بن غياث ، لكن موردها في من أودعه رجل من اللّصوص دراهم أو متاعاً واللّص مسلم ، فهل يردّ عليه؟ فقال : «لا يرد (٣) ، فإن أمكنه أن يردّه على صاحبه فعل ، وإلاّ كان في يده بمنزلة اللقطة يصيبها ، فيعرّفها حولاً ، فإن أصاب صاحبها ردّها عليه (٤) ، وإلاّ تصدّق بها ، فإن جاء صاحبها بعد ذلك خيّره (٥) بين الغرم والأجر ، فإن اختار الأجر فالأجر له (٦) ، وإن اختار الغرم غرم له وكان الأجر له (٧)» (٨).

وقد (٩) تعدّى الأصحاب من اللّص إلى مطلق الغاصب ، بل الظالم (١٠) ، ولم يتعدّوا من الوديعة المجهول مالكها إلى مطلق ما يعطيه الغاصب ولو بعنوان غير الوديعة ، كما فيما نحن فيه.

__________________

(١) جامع المقاصد ٦ : ٤٦.

(٢) في «ف» : على.

(٣) في «ص» : يردّها.

(٤) عبارة «ردّها عليه» من «ص» والمصدر.

(٥) كذا في «ص» والمصدر ، وفي سائر النسخ : خيّر.

(٦) في «ص» والمصدر : فله الأجر.

(٧) في غير «ص» و «ش» زيادة : الخبر.

(٨) الوسائل ١٧ : ٣٦٨ ، الباب ١٨ من أبواب اللقطة.

(٩) في «ش» : وقد تقدّم.

(١٠) عبارة «بل الظالم» من «ش» ومصححة «ن».

١٨٧

نعم ، ذكر في السرائر في ما نحن فيه ـ : أنّه روي : أنّه بمنزلة اللقطة (١) ، ففهم التعدّي من الرواية.

العمل بالرواية في الوديعة أو ما اُخذ حسبة للمالك

وذكر في التحرير : أنّ إجراء حكم اللقطة في ما نحن فيه ليس ببعيد (٢) ، كما أنّه عكس في النهاية والسرائر (٣) ، فألحقا الوديعة بمطلق مجهول المالك (٤).

الأقوى تحديد التعريف ـ فيما اُخذ لمصلحة الآخذ ـ بحدّ اليأس

والإنصاف : أنّ الرواية يعمل بها في الوديعة أو مطلق ما أُخذ من الغاصب بعنوان الحسبة للمالك ، لا مطلق ما أُخذ منه حتّى لمصلحة الآخذ ، فإنّ الأقوى فيه تحديد التعريف فيه باليأس ؛ للأصل بعد اختصاص المخرج عنه بما عدا ما نحن فيه.

مضافاً إلى ما ورد من الأمر بالتصدّق بمجهول المالك مع عدم معرفة المالك ، كما في الرواية الواردة في بعض عمّال بني أُميّة لعنهم الله من الأمر بالصدقة بما لا يعرف صاحبه ممّا وقع في يده من أموال الناس بغير حقّ (٥).

اشتهار الحكم بالصدقة في جوائز الظالم

ثمّ الحكم بالصدقة هو المشهور في ما نحن فيه ، أعني جوائز الظالم ، ونسبه في السرائر (٦) إلى رواية أصحابنا ، فهي مرسلة مجبورة‌

__________________

(١) السرائر ٢ : ٢٠٤.

(٢) التحرير ١ : ١٦٣.

(٣) في «ش» ، «ع» و «م» ورد الرمز هكذا : «ير».

(٤) النهاية : ٤٣٦ ، والسرائر ٢ : ٢٠٤ ٢٠٥ و ٤٣٥.

(٥) الوسائل ١٢ : ١٤٤ ، الباب ٤٧ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث الأوّل.

(٦) السرائر ٢ : ٢٠٤.

١٨٨

بالشهرة المحقّقة ، مؤيّدة بأنّ التصدّق أقرب طرق الإيصال.

وما ذكره الحلّي (١) : من إبقائها أمانة في يده والوصية (٢) ، معرّض المال (٣) للتلف ، مع أنّه لا يبعد دعوى شهادة حال المالك ؛ للقطع برضاه بانتفاعه بماله في الآخرة على تقدير عدم انتفاعه به في الدنيا.

ما يؤيّد الحكم بالصدقة

هذا ، والعمدة : ما أرسله في السرائر (٤) ، مؤيّداً بأخبار اللقطة (٥) وما في حكمها (٦) ، وببعض الأخبار الواردة في حكم ما في يد بعض عمّال بني أُمية ، الشامل بإطلاقها (٧) لما نحن فيه من جوائز بني أُمية ، حيث قال عليه‌السلام له (٨) : «أُخرج من جميع ما اكتسبت في ديوانهم ، فمن عرفت منهم رددت عليه ماله ، ومن لم تعرف تصدّقت» (٩).

ويؤيّده أيضاً : الأمر بالتصدّق بما يجتمع عند الصيّاغين من أجزاء النقدين (١٠) ، وما ورد من الأمر بالتصدّق بغلّة الوقف المجهول أربابه (١١) ،

__________________

(١) في السرائر ٢ : ٢٠٤.

(٢) كذا ، والمناسب : والوصية بها.

(٣) في «ش» : للمال.

(٤) السرائر ٢ : ٢٠٤.

(٥) الوسائل ١٧ : ٣٤٩ و ٣٨٩ ، الباب ٢ و ١٨ من أبواب اللقطة.

(٦) في «ش» ومصححة «ن» : وما في منزلتها.

(٧) في نسخة بدل «ص» : بإطلاقه.

(٨) في «ع» و «ش» : قال له عليه‌السلام.

(٩) الوسائل ١٢ : ١٤٤ ، الباب ٤٧ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث الأوّل.

(١٠) الوسائل ١٢ : ٤٨٤ ، الباب ١٦ من أبواب الصرف ، الحديث ١ و ٢.

(١١) الوسائل ١٣ : ٣٠٣ ، الباب ٦ من أبواب أحكام الوقوف والصدقات ، الحديث الأوّل.

١٨٩

وما ورد من الأمر بالتصدّق بما يبقى في ذمّة الشخص لأجير استأجره (١). ومثل (٢) مصحّحة يونس : «فقلت : جعلت فداك (٣) كنّا مرافقين لقومٍ بمكّة ، فارتحلنا عنهم وحملنا بعض متاعهم بغير علم ، وقد ذهب القوم ولا نعرفهم ولا نعرف أوطانهم وقد بقي المتاع عندنا ، فما نصنع به؟ قال : تحملونه حتّى تلحقوهم بالكوفة. قال يونس : قلت له : لست أعرفهم ، ولا ندري كيف نسأل عنهم؟ قال : فقال عليه‌السلام (٤) : بعه وأعطِ ثمنه أصحابك. قال : فقلت (٥) : جعلت فداك ، أهل الولاية؟ قال : فقال : نعم (٦)» (٧).

ظهور بعض الروايات في أنّ مجهول المالك مال الإمام (ع)

نعم ، يظهر من بعض الروايات : أنّ مجهول المالك مال الإمام عليه‌السلام ، كرواية داود بن أبي يزيد (٨) عن أبي عبد الله : «قال : قال له رجل (٩) إنّي قد أصبت مالاً ، وإنّي قد خفت فيه (١٠) على نفسي ،

__________________

(١) الوسائل ١٧ : ٥٨٥ ، الباب ٦ من أبواب ميراث الخنثى ، الحديث ١١.

(٢) كذا في «ف» ، وفي غيرها : ومثله.

(٣) عبارة «فقلت : جعلت فداك» من «ش» والمصدر.

(٤) لم ترد «فقال عليه‌السلام» في غير «ش».

(٥) في غير «ش» بدل «قال فقلت» : قلت.

(٦) في غير «ش» : «قال : نعم».

(٧) الكافي ٥ : ٣٠٩ ، الحديث ٢٢ ، وأُنظر الوسائل ١٧ : ٣٥٧ ، الباب ٧ من أبواب اللقطة ، الحديث ٢.

(٨) كذا في «ص» و «ش» والمصدر ، وفي سائر النسخ : أبي زيد.

(٩) عبارة «عن أبي عبد الله قال : قال له رجل» من «ش» والمصدر.

(١٠) كذا في «ف» والمصدر ونسخة بدل «ص» ، وفي سائر النسخ : منه.

١٩٠

فلو أصبت صاحبه دفعته إليه وتخلّصت منه (١). قال : فقال له (٢) أبو عبد الله عليه‌السلام : لو أصبته كنت تدفعه إليه؟ فقال : إي والله. فقال عليه‌السلام : والله (٣) ما له صاحب غيري. قال : فاستحلفه أن يدفعه إلى من يأمره. قال (٤) : فحلف. قال : فاذهب وقسّمه (٥) بين (٦) إخوانك ولك الأمن ممّا خفت (٧). قال : فقسّمه بين إخوانه (٨)» (٩).

المناقشة فيما ذكر توجيهاً للحكم بالتصدّق

هذا ، وأمّا باقي (١٠) ما ذكرناه في وجه التصدّق من أنّه إحسان ، وأنّه أقرب طرق الإيصال ، وأنّ الإذن فيه حاصل بشهادة الحال ، فلا يصلح شي‌ء منها للتأييد ، فضلاً عن الاستدلال ؛ لمنع جواز كلّ إحسان في مال الغائب ، ومنع كونه أقرب طرق الإيصال ، بل الأقرب دفعه إلى الحاكم الذي هو وليّ الغائب.

__________________

(١) في غير «ش» : عنه.

(٢) في غير «ش» بدل «قال فقال له» : فقال.

(٣) في الفقيه ومصحّحة «ص» : «فلا والله» ، وفي الكافي والوسائل : «فأنا والله».

(٤) لم ترد «قال» في غير «ص» و «ش».

(٥) في «ص» والمصادر : فاقسمه.

(٦) في المصادر ونسخة بدل «ص» : في.

(٧) في «ص» : خفت منه ، وفي «ش» : خفته.

(٨) كذا في «ش» والفقيه ، وفي الكافي والوسائل ومصححة «ن» : فقسّمته بين إخواني ، وفي سائر النسخ : فقسّمه بين أصحابه.

(٩) الوسائل ١٧ : ٣٥٧ ، الباب ٧ من أبواب اللقطة ، الحديث الأوّل.

(١٠) لم ترد «باقي» في «خ» ، «م» ، «ع» و «ص».

١٩١

وأمّا شهادة الحال ، فغير مطّردة ؛ إذ بعض الناس لا يرضى بالتصدّق ؛ لعدم يأسه عن وصوله إليه ، خصوصاً إذا كان المالك مخالفاً أو ذمّيا يرضى بالتلف ولا يرضى بالتصدّق على الشيعة.

مقتضى القاعدة لزوم الدفع إلى الحاكم

فمقتضى القاعدة لولا ما تقدّم من النصّ (١) ـ : هو لزوم الدفع إلى الحاكم ، ثمّ الحاكم يتبع شهادة حال المالك ، فإن شهدت برضاه بالصدقة أو بالإمساك ، عمل عليها (٢) ، وإلاّ تخيّر (٣) بينهما ؛ لأنّ كلاّ منهما تصرّف لم يؤذن فيه من المالك ولا بدّ من أحدهما ، ولا ضمان فيهما (٤).

ويحتمل قوياً تعيّن (٥) الإمساك ؛ لأنّ الشكّ في جواز التصدّق يوجب بطلانه ؛ لأصالة الفساد.

القول بالتخيير بين الصدقة والدفع إلى الحاكم والمناقشة فيه

وأمّا بملاحظة ورود النصّ بالتصدّق ، فالظاهر عدم جواز الإمساك أمانة ؛ لأنّه تصرّف لم يؤذن فيه من المالك ولا الشارع ، ويبقى الدفع إلى الحاكم والتصدّق (٦).

وقد يقال : إنّ مقتضى الجمع بينه ، وبين دليل ولاية الحاكم هو‌

__________________

(١) تقدّم في الصفحة ١٩١ وما بعدها.

(٢) في «ش» : عليهما.

(٣) في «م» ، «ع» و «ش» : يخيّر.

(٤) في غير «ن» و «ش» : فيها ، وفي هامش «ص» : فيهما.

(٥) في «ف» ، «خ» و «ع» : تعيين.

(٦) شطب على عبارة «ويبقى الدفع إلى الحاكم والتصدّق» في «ف» هنا وكتبت في الهامش مشيراً إلى محلّها بعد قوله : «لم يؤذن فيه من المالك» ، قبل خمسة أسطر.

١٩٢

التخيير بين الصدقة والدفع إلى الحاكم ، فلكلّ منهما الولاية.

ويشكل بظهور النصّ في تعيين التصدّق. نعم ، يجوز الدفع إليه من حيث ولايته على مستحقّي الصدقة وكونه أعرف بمواقعها.

توجيه أخبار التصدّق

ويمكن أن يقال : إنّ أخبار التصدّق واردة في مقام إذن الإمام عليه‌السلام بالصدقة ، أو محمولة على بيان المصرف ، فإنّك إذا تأمّلت كثيراً من التصرّفات الموقوفة على إذن الحاكم وجدتها واردة في النصوص على طريق الحكم العام ، كإقامة البيّنة والإحلاف والمقاصّة.

مقتضى قاعدة الاحتياط

وكيف كان ، فالأحوط خصوصاً بملاحظة ما دلّ (١) على أنّ مجهول المالك مال الإمام عليه‌السلام مراجعة الحاكم في الدفع إليه أو استئذانه ، ويتأكّد ذلك في الدين المجهول المالك ؛ إذ الكلّي لا يتشخّص للغريم إلاّ بقبض الحاكم الذي هو وليّه وإن كان ظاهر الأخبار الواردة فيه (٢) ثبوت الولاية للمديون.

إذا تعذر الايصال إلى المالك المعلوم

ثمّ إنّ حكمَ تعذّر الإيصال إلى المالك المعلوم تفصيلاً حكمُ جهالة المالك وتردّده بين غير محصورين في التصدّق استقلالاً أو بإذن الحاكم ، كما صرّح به جماعة ، منهم المحقّق في الشرائع (٣) وغيره (٤).

المستحقّ لهذه الصدقة

ثمّ إنّ مستحقّ هذه الصدقة هو الفقير ؛ لأنّه المتبادر من إطلاق‌

__________________

(١) الوسائل ١٧ : ٣٥٧ ، الباب ٧ من أبواب اللقطة ، الحديث الأوّل.

(٢) انظر الصفحة ١٩٢ وما بعدها.

(٣) الشرائع ٢ : ١٣.

(٤) مثل العلاّمة في التحرير ١ : ١٦٣ ، والسبزواري في الكفاية : ٨٨ ، والطباطبائي في الرياض ١ : ٥٠٩ ، وولده المجاهد في المناهل : ٣٠٤.

١٩٣

هل يتصدّق على الهاشمي؟

الأمر بالتصدّق. وفي جواز إعطائها للهاشميّ قولان : من أنّها صدقة مندوبة على (١) المالك وإن وجب على من هي بيده إلاّ أنّه نائب كالوكيل والوصي ، ومن أنّها (٢) مال تعيّن صرفه بحكم الشارع ، لا بأمر المالك حتّى تكون مندوبة ، مع أنّ كونها من المالك غير معلوم فلعلّها ممّن تجب عليه.

هل يضمن لو ظهر المالك ولم يرضَ؟

ثمّ إنّ في الضمان لو ظهر المالك ولم يرضَ بالتصدّق وعدمه مطلقاً أو بشرط عدم ترتّب يد الضمان كما إذا أخذه من الغاصب حسبة لا بقصد التملّك وجوهاً (٣) ؛ من أصالة براءة ذمّة المتصدّق ، وأصالة لزوم الصدقة بمعنى عدم انقلابها عن الوجه الذي وقعت عليه ، ومن عموم «ضمان مَن أتلف».

ولا ينافيه إذن الشارع ؛ لاحتمال أنّه أذِنَ في التصدّق على هذا الوجه كإذنه في التصدّق باللقطة المضمونة بلا خلاف وبما استودع من الغاصب ، وليس هنا أمر مطلق بالتصدّق ساكت عن ذكر الضمان حتّى يستظهر منه عدم الضمان مع السكوت عنه.

ولكن يضعِّف هذا الوجه : أنّ ظاهر دليل الإتلاف (٤) كونها علّة تامّة للضمان ، وليس كذلك ما نحن فيه وإيجابه للضمان مراعىً بعدم إجازة المالك يحتاج إلى دليلٍ آخر ، إلاّ أن يقال : إنّه ضامن بمجرّد‌

__________________

(١) في مصححة «خ» ونسخة بدل «ع» : عن.

(٢) في غير «ش» : أنّه.

(٣) في غير «ش» : وجوه.

(٤) مثل ما في الوسائل ١٨ : ٢٣٩ ، الباب ١١ من أبواب الشهادات ، الحديث ٢ و ٣.

١٩٤

عدم الضمان فيما لو كان الاتلاف إحساناً إلى المالك

التصدّق ، ويرتفع بإجازته ، فتأمّل.

هذا ، مع أنّ الظاهر من دليل الإتلاف اختصاصه بالإتلاف على المالك ، لا الإتلاف له والإحسان إليه ، والمفروض أنّ الصدقة إنّما قلنا بها (١) ؛ لكونها إحساناً وأقرب طرق (٢) الإيصال بعد اليأس من وصوله إليه.

وأمّا احتمال كون التصدّق مراعى كالفضولي فمفروض الانتفاء ؛ إذ لم يقل أحد برجوع المالك على الفقير مع بقاء العين ، وانتقال الثواب من شخص إلى غيره حكم شرعيّ.

وكيف كان ، فلا مقتضي للضمان وإن كان مجرّد الإذن في الصدقة غير مقتضٍ لعدمه ، فلا بدّ من الرجوع إلى الأصل ، لكنّ الرجوع إلى أصالة البراءة إنّما يصحّ فيما لم يسبق يد الضمان ، وهو ما إذا أخذ المال من الغاصب حسبة. وأمّا إذا تملّكه منه ثمّ علم بكونه مغصوباً فالأجود استصحاب الضمان في هذه الصورة ؛ لأنّ المتيقّن هو ارتفاع الضمان بالتصرّف الذي يرضى به المالك بعد الاطّلاع ، لا مطلقاً.

الأوجه : الضمان مطلقاً

فتبيّن : أنّ التفصيل بين يد الضمان وغيرها أوفق بالقاعدة ، لكنّ الأوجه الضمان مطلقاً ؛ إمّا تحكيماً للاستصحاب ، حيث يعارض البراءة ولو بضميمة عدم القول بالفصل ، وإمّا للمرسلة المتقدّمة (٣) عن السرائر ،

__________________

(١) لم ترد «بها» في «ف».

(٢) في «ن» ، «ع» و «ص» : طريق.

(٣) في الصفحة ١٩٠.

١٩٥

وإمّا لاستفادة ذلك من خبر الوديعة (١) إن لم نتعدّ (٢) عن (٣) مورده إلى ما نحن فيه من جعله بحكم اللقطة ، لكن يستفاد منه أنّ الصدقة بهذا الوجه حكم اليأس عن المالك.

متى يثبت الضمان؟

ثمّ الضمان ، هل يثبت بمجرّد التصدّق وإجازته رافعة ، أو يثبت بالردّ من حينه ، أو من حين التصدّق؟ وجوه : من دليل الإتلاف ، والاستصحاب ، ومن أصالة عدم الضمان قبل الردّ ، ومن ظاهر الرواية المتقدّمة (٤) في أنّه بمنزلة (٥) اللقطة.

هل إجازة التصدّق حقّ موروث يرثه الوارث؟

ولو مات المالك ، ففي قيام وارثه مقامه في إجازة التصدّق وردّه وجه قوي ؛ لأنّ ذلك من قبيل الحقوق المتعلّقة بالأموال (٦) ، فيورّث كغيره من الحقوق ، ويحتمل العدم ؛ لفرض لزوم التصدّق بالنسبة إلى العين ، فلا حقّ لأحدٍ فيه ، والمتيقّن من الرجوع إلى القيمة هو المالك.

ردّ المالك بعد موت المتصدّق

ولو مات المتصدّق فرد المالك ، فالظاهر خروج الغرامة من تركته ؛ لأنّه من الحقوق المالية اللازمة عليه بسبب فعله.

__________________

(١) المتقدّم في الصفحة ١٨٩.

(٢) في «ف» : وإن لم نتعدّ.

(٣) في «ف» و «خ» : من.

(٤) وهي رواية حفص بن غياث المتقدّمة في الصفحة ١٨٩.

(٥) عبارة «أنّه بمنزلة» من «ش».

(٦) كذا في «ش» ومصححة «ن» ، وفي «ص» : بتلك الأموال ، وفي «خ» ، «م» و «ع» : بذلك الأموال ، وفي «ف» : المتعلّقة بذلك ، وشطب على «بذلك» وكتب فوقه : بالأموال.

١٩٦

هل يضمن لو دفعه إلى الحاكم وتصدّق بعد اليأس؟

هذا كلّه على تقدير مباشرة المتصدّق له. ولو دفعه إلى الحاكم فتصدّق به بعد اليأس ، فالظاهر عدم الضمان ؛ لبراءة ذمّة الشخص بالدفع إلى وليّ الغائب ، وتصرّف الوليّ كتصرّف المولّى عليه.

ويحتمل الضمان ؛ لأنّ الغرامة هنا ليست (١) لأجل ضمان المال وعدم نفوذ التصرّف الصادر من المتصدّق حتّى يفرّق بين تصرّف الوليّ وغيره ؛ لثبوت الولاية للمتصدّق في هذا التصرّف (٢) كالحاكم ، ولذا لا يستردّ العين من الفقير إذا ردّ المالك ، فالتصرّف لازم ، والغرامة حكم شرعي تعلّق بالمتصدّق كائناً من كان ، فإذا كان المكلّف بالتصدّق هو مَن وقع في يده لكونه هو المأيوس والحاكم وكيلاً ، كان الغرم على الموكل ، وإن كان المكلّف هو الحاكم لوقوع المال في يده قبل اليأس عن مالكه ، فهو المكلّف بالفحص ثمّ التصدّق كان الضمان عليه.

الصورة الرابعة : العلم الاجمالي باشتمال الجائزة على الحرام وصور المسألة

وأمّا الصورة الرابعة : وهو (٣) ما علم إجمالاً اشتمال الجائزة على الحرام ، فإمّا أن يكون الاشتباه موجباً لحصول الإشاعة والاشتراك (٤) ، وإمّا أن لا يكون.

وعلى الأوّل : فالقدر والمالك إمّا معلومان أو مجهولان أو مختلفان. وعلى الأوّل : فلا إشكال. وعلى الثاني : فالمعروف إخراج الخمس على‌

__________________

(١) كذا في «ص» ، وفي سائر النسخ : ليس.

(٢) في النسخ زيادة : «لأنّ المفروض ثبوت الولاية له» ، ولكن شطب عليها في «ف».

(٣) العبارة في «ف» هكذا : القسم الرابع فحكمه حكم الحلال المختلط بالحرام ، وهو .. وكتب فوق القسم الرابع : الصورة الرابعة.

(٤) لم ترد «والاشتراك» في «ش».

١٩٧

تفصيل مذكور في باب الخمس (١). ولو علم القدر فقد تقدّم في القسم الثالث. ولو علم المالك وجب التخلّص معه بالمصالحة.

وعلى الثاني : فيتعيّن القرعة أو البيع والاشتراك في الثمن ، وتفصيل ذلك كلّه في كتاب الخمس (٢).

انقسام الأخذ من الظالم بحسب الاحكام الخمسة

واعلم ، أنّ أخذ ما في يد الظالم ينقسم باعتبار نفس الأخذ إلى الأحكام الخمسة ، وباعتبار نفس المال إلى المحرّم والمكروه والواجب.

انقسام المأخوذ إلى المحرّم والواجب والمكروه

فالمحرّم ما علم كونه مال الغير مع عدم رضاه بالأخذ. والمكروه المال المشتبه. والواجب ما يجب استنقاذه من يده من

حقوق الناس ، حتّى أنّه يجب على الحاكم الشرعي استنقاذ ما في ذمّته من حقوق السادة والفقراء ولو بعنوان المقاصّة ، بل يجوز ذلك لآحاد الناس ، خصوصاً نفس المستحقّين مع تعذّر استئذان الحاكم.

ما يتلفه الظالم غصباً يحتسب من ديونه

وكيف كان ، فالظاهر أنّه لا إشكال في كون ما في ذمّته من قيم المتلفات غصباً من جملة ديونه ، نظير ما استقرّ في ذمّته بقرض أو ثمن مبيع أو صداق أو غيرها.

هل يحتسب من ديونه بعد موته أيضاً؟

ومقتضى القاعدة كونها كذلك بعد موته ، فيقدّم جميع ذلك على الإرث والوصية ، إلاّ أنّه ذكر بعض الأساطين : أنّ ما في يده من المظالم تالفاً لا يلحقه حكم الديون في التقديم على الوصايا والمواريث ؛ لعدم انصراف الدين إليه وإن كان منه وبقاء عموم الوصية والميراث على حاله ، وللسيرة المأخوذة يداً بيد من مبدإ الإسلام إلى يومنا هذا ،

__________________

(١) راجع كتاب الخمس (للمؤلّف قدس‌سره) : ٢٥٦.

(٢) راجع كتاب الخمس (للمؤلّف قدس‌سره) : ٢٤٣ ، المسألة ١٦.

١٩٨

فعلى هذا لو أوصى بها بعد التلف أُخرجت من الثلث (١).

وفيه : منع الانصراف (٢) ؛ فإنّا لا نجد بعد مراجعة العرف فرقاً بين ما أتلفه هذا الظالم عدواناً وبين ما أتلفه نسياناً ، ولا بين ما أتلفه عدواناً هذا الظالم (٣) وبين ما أتلفه شخص آخر من غير الظلمة ، مع أنّه لا إشكال في جريان أحكام الدين عليه في حال حياته من جواز المقاصّة من ماله كما هو المنصوص (٤) ، وتعلّق (٥) الخمس والاستطاعة وغير ذلك ، فلو تمّ الانصراف لزم إهمال الأحكام المنوطة بالدين وجوداً وعدماً (٦) من غير فرق بين حياته وموته.

وما ادّعاه من السيرة ، فهو ناشٍ من قلّة مبالاة الناس كما هو دَيْدَنهم في أكثر السير التي استمرّوا عليها ؛ ولذا لا يفرّقون في ذلك بين الظلَمة وغيرهم ممّن علموا باشتغال ذمّته بحقوق الناس من جهة حقّ السادة والفقراء ، أو من جهة العلم بفساد أكثر معاملاته ، ولا في إنفاذ وصايا الظلَمة وتوريث ورثتهم بين اشتغال ذممهم بعوض المتلَفات وأرش (٧) الجنايات ، وبين اشتغالها بديونهم المستقرّة عليهم من معاملاتهم‌

__________________

(١) شرح القواعد (مخطوط) ، الورقة : ٣٧.

(٢) كذا في النسخ ، ولعلّ الأولى : عدم الانصراف ، كما في هامش «ش».

(٣) كذا في «ف» ، وفي غيرها : ما أتلفه هذا الظالم عدواناً.

(٤) انظر الوسائل ١٢ : ٢٠٢ ، الباب ٨٣ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث الأوّل.

(٥) في «ش» : ولعدم تعلّق ، وفي نسخة بدل «ن» : وعدم تعلّق.

(٦) في «ف» : أو عدماً.

(٧) في «ف» : وأُروش.

١٩٩

وصدقاتهم الواجبة (١) عليهم ، ولا بين ما علم المظلوم فيه تفصيلاً ، وبين ما لم يعلم ؛ فإنّك إذا تتبّعت أحوال الظلَمة وجدت ما استقرّ في ذممهم من جهة المعاوضات والمداينات مطلقاً ، أو من جهة (٢) خصوص (٣) أشخاص معلومين تفصيلاً ، أو مشتبَهين في محصور كافياً (٤) في استغراق تركتهم المانع من التصرّف فيها بالوصية أو الإرث.

وبالجملة ، فالتمسّك بالسيرة المذكورة أوهن من دعوى الانصراف السابقة ، فالخروج بها عن القواعد المنصوصة المجمع عليها غير متوجّه.

__________________

(١) كذا في مصححة «ص» ، وفي غيرها : الواجب.

(٢) لم ترد «جهة» في «ف».

(٣) في «ش» : وجود.

(٤) كذا في نسخة بدل «ص» ، وفي النسخ : كافية.

٢٠٠