كتاب المكاسب - ج ٢

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ٢

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٧
ISBN: 964-5662-12-5
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٢٧٢

[المسألة] العشرون

حرمة اللّهو

اللهو حرام‌ ، على ما يظهر من المبسوط (١) والسرائر (٢) والمعتبر (٣) والقواعد (٤) والذكرى (٥) والجعفرية (٦) وغيرها ؛ حيث علّلوا لزوم الإتمام في سفر الصيد بكونه محرّماً من حيث اللهو.

كلمات الفقهاء في حرمة اللّهو

قال في المبسوط : السفر على أربعة أقسام وذكر الواجب والندب ، والمباح ـ ، ثمّ قال : الرابع سفر المعصية ، وعدّ من أمثلتها مَن طلب الصيد للهو والبطر (٧) ، ونحوه بعينه عبارة السرائر (٨) وقال في المعتبر : قال علماؤنا : اللاهي بسفره كالمتنزّه بصيده بطراً ،

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٣٦.

(٢) السرائر ١ : ٣٢٧.

(٣) المعتبر ٢ : ٤٧١.

(٤) القواعد (الطبعة الجديدة) ١ : ٣٢٥.

(٥) الذكرى : ٢٥٨.

(٦) الرسالة الجعفرية (رسائل المحقق الكركي) ١ : ١٢٣.

(٧) تقدّم التخريج عنهما.

(٨) تقدّم التخريج عنهما.

٤١

لا يترخّص ؛ لنا أنّ اللهو حرام فالسفر له معصية (١) ، انتهى.

وقال في القواعد : الخامس من شروط القصر : إباحة السفر ، فلا يرخّص العاصي بسفره كتابع الجائر والمتصيّد لهواً (٢) ، انتهى.

وقال في المختلف في كتاب المتاجر : حرّم الحلبي الرمي عن (٣) قوس الجلاهق (٤) ، قال : وهذا الإطلاق ليس بجيد ، بل ينبغي تقييده باللهو والبطر (٥).

وقد صرح الحلّي في مسألة اللعب بالحمام بغير رهان بحرمته ، وقال : إنّ اللعب بجميع الأشياء قبيح (٦). وردّه بعض : بمنع حرمة مطلق اللعب (٧).

وانتصر في الرياض للحلّي بأنّ ما دلّ على قبح اللعب ، وورد بذمّة من الآيات والروايات ، أظهر من أن يخفى ، فإذا ثبت القبح (٨) ثبت النهي ، ثم قال : ولو لا شذوذه بحيث كاد أن يكون مخالفاً للإجماع لكان المصير إلى قوله ليس بذلك البعيد (٩) ، انتهى.

ولا يبعد أن يكون القول بجواز خصوص هذا اللعب ، وشذوذ‌

__________________

(١) و (٢) تقدّم التخريج عنهما.

(٣) كذا في «ف» والمصدر ، وفي سائر النسخ : من.

(٤) راجع الكافي في الفقه : ٢٨٢.

(٥) المختلف ٥ : ١٨.

(٦) السرائر ٢ : ١٢٤.

(٧) راجع المسالك (الطبعة الحجرية) ٢ : ٣٢٣ ، والمستند ٢ : ٦٣٦.

(٨) في «ش» والمصدر : القبح والذم.

(٩) الرياض ٢ : ٤٣٠.

٤٢

القول بحرمته مع دعوى كثرة الروايات ، بل الآيات على حرمة مطلق اللهو ؛ لأجل النصّ على الجواز فيه في قوله عليه‌السلام : «لا بأس بشهادة من يلعب بالحمام» (١).

واستدلّ في الرياض أيضاً تبعاً للمهذّب (٢) على حرمة المسابقة بغير المنصوص على (٣) جوازه بغير عوض ، بما دلّ على تحريم اللهو واللعب ، قال : لكونها منه بلا تأمّل (٤) ، انتهى.

والأخبار الظاهرة في حرمة اللهو كثيرة جدّاً.

الأخبار الدالّة على حرمة اللّهو

منها : ما تقدّم من قوله (٥) في رواية تحف العقول : «وما يكون منه وفيه الفساد محضاً ، ولا يكون منه ولا فيه (٦) شي‌ء من وجوه الصلاح ، فحرام تعليمه وتعلّمه والعمل به وأخذ الأُجرة عليه» (٧).

ومنها : ما تقدم من رواية الأعمش ، حيث عدّ في الكبائر الاشتغال بالملاهي التي تصدّ عن ذكر الله كالغناء وضرب الأوتار (٨) ؛

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٣٤٩ ، الباب ٣ من أبواب السبق ، الحديث ٣.

(٢) لم يتعرض القاضي للاستدلال في المهذّب ، نعم تعرض له الحلي في المهذب البارع ٣ : ٨٢.

(٣) في «ن» بدل «على» : «وعدم».

(٤) الرياض ٢ : ٤١.

(٥) لم ترد «من قوله» في «ف».

(٦) كذا في «ش» ، وفي «م» : وفي ، وفي غيرهما : وفيه.

(٧) تحف العقول : ٣٣٥ ٣٣٦ ، وراجع المكاسب ١ : ١١.

(٨) الوسائل ١١ : ٢٦٢ ، الباب ٤٦ من أبواب جهاد النفس ، الحديث ٣٦ ، وراجع المكاسب ١ : ٢٩٠.

٤٣

فإنّ الملاهي جمع «الملهى» مصدراً ، أو «الملهي» (١) وصفاً ، لا «الملهاة» آلة ؛ لأنّه لا يناسب التمثيل بالغناء.

ونحوها في عدّ الاشتغال بالملاهي من الكبائر رواية العيون الواردة في الكبائر (٢) ، وهي حسنة كالصحيحة بل صحيحة.

ومنها : ما تقدّم في روايات القمار في قوله عليه‌السلام : «كلّ ما ألهى عن ذكر الله فهو المَيْسِر» (٣).

ومنها : قوله عليه‌السلام في جواب من خرج في السفر يطلب (٤) الصيد بالبزاة والصقور : «إنّما خرج في لهو ، لا يقصّر» (٥).

ومنها : ما تقدّم في رواية الغناء في حديث الرضا عليه‌السلام في جواب من سأله عن السماع ، فقال (٦) : «إنّ لأهل الحجاز فيه رأياً وهو في حيّز اللهو» (٧).

__________________

(١) في «خ» و «ع» : والملهى. ووردت العبارة في «ف» هكذا : جمع «الملهى» مصدراً ، أو «الملهي» و «الملهى» وصفاً.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٢٧ ، ذيل الحديث الأوّل ، والوسائل ١١ : ٢٦١ ، الباب ٤٦ من أبواب جهاد النفس ، الحديث ٣٣.

(٣) الوسائل ١٢ : ٢٣٥ ، الباب ١٠٠ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ١٥ ، وراجع المكاسب ١ : ٣٧٣.

(٤) في «ف» و «ن» : لطلب.

(٥) الوسائل ٥ : ٥١١ ، الباب ٩ من أبواب صلاة المسافر ، الحديث الأوّل.

(٦) في ما عدا «ف» زيادة : قال.

(٧) الوسائل ١٢ : ٢٢٩ ، الباب ٩٩ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ١٩ ، وراجع المكاسب ١ : ٢٨٩.

٤٤

وقوله عليه‌السلام في ردّ من زعم أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رخّص في أن يقال : جئناكم جئناكم (١) .. إلخ ـ : «كذبوا ، إنّ الله يقول (لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنّا ..) إلى آخر الآيتين» (٢).

ومنها : ما دلّ على أنّ اللهو من الباطل (٣) بضميمة ما يظهر منه حرمة الباطل ، كما تقدم في روايات الغناء (٤).

ففي بعض الروايات : «كلّ لهو المؤمن من الباطل (٥) ما خلا ثلاثة : المسابقة ، وملاعبة الرجل أهله .. إلخ» (٦).

وفي رواية علي بن جعفر عليه‌السلام ، عن أخيه ، قال : «سألته عن اللعب بالأربعة عشر وشبهها ، قال : لا نستحبّ (٧) شيئاً من اللعب غير الرهان والرمي» (٨).

__________________

(١) في «خ» ، «م» ، «ع» و «ص» : حيّاكم حيّاكم.

(٢) الوسائل ١٢ : ٢٢٨ ، الباب ٩٩ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ١٥ ، وتقدّم في المكاسب ١ : ٢٨٨ ، والآيتان من سورة الأنبياء : ١٧ ١٨.

(٣) كرواية عبد الأعلى وغيرها المؤمى إليها في أوّل البحث عن الغناء ، راجع المكاسب ١ : ٢٨٨ ٢٩٠.

(٤) راجع المكاسب ١ : ٢٨٨ ٢٨٩.

(٥) في «ف» و «خ» ونسخة بدل «ع» و «ش» : باطل.

(٦) الوسائل ١٣ : ٣٤٧ ، الباب الأوّل من أبواب السبق ، الحديث ٥ ، وفيه : كل لهو المؤمن باطل إلاّ في ثلاث : في تأديبه الفرس ، ورميه عن قوسه ، وملاعبته امرأته.

(٧) في «ف» و «ص» : لا تستحب.

(٨) مسائل علي بن جعفر : ١٦٢ ، الحديث ٢٥٢ ، والوسائل ١٢ : ٢٣٥ ، الباب ١٠٠ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ١٤ ، وتقدّم في المكاسب ١ : ٣٨٣.

٤٥

إلى غير ذلك ممّا يقف عليه المتتبّع.

ويؤيّده أنّ حرمة اللعب بآلات اللهو الظاهر أنّه من حيث اللهو ، لا من حيث خصوص الآلة.

ففي رواية سماعة : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : لما مات آدم شمت به إبليس وقابيل ، فاجتمعا في الأرض فجعل إبليس وقابيل المعازف والملاهي شماتة بآدم على نبينا وآله و ٧ ، فكلّ ما كان في الأرض من هذا الضرب الذي يتلذّذ به الناس فإنّما هو من ذلك (١)» (٢) فإنّ فيه إشارة إلى أنّ المناط هو مطلق التلهّي والتلذّذ.

ويؤيّده ما تقدّم (٣) من أنّ المشهور حرمة المسابقة على ما عدا المنصوص بغير عوض ؛ فإنّ الظاهر أنّه لا وجه له عدا كونه لهواً وإن لم يصرّحوا بذلك عدا القليل منهم ، كما تقدّم (٤).

نعم ، صرّح العلاّمة في التذكرة بحرمة المسابقة على جميع الملاعب كما تقدّم نقل كلامه في مسألة القمار (٥).

__________________

(١) في «خ» ، «م» ، «ع» و «ص» بدل «فإنّما هو من ذلك» ما يلي : «من الزفن والمزمار والكوبات والكبرات» ، وفي هامش «ن» بعد كلمة «الكبرات» : فإنّما هو من ذلك صح ، والظاهر أنّ ما ورد في هذه النسخ مأخوذ من رواية أُخرى وردت ذيل هذا الحديث في الوسائل.

(٢) الوسائل ١٢ : ٢٣٣ ، الباب ١٠٠ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٥.

(٣) راجع المكاسب ١ : ٣٨٠.

(٤) راجع المكاسب ١ : ٣٨٣.

(٥) التذكرة ٢ : ٣٥٤ ، وراجع المكاسب ١ : ٣٨١.

٤٦

معاني اللّهو وتعيين المحرّم منها

هذا ، ولكن الإشكال في معنى اللهو ، فإنّه إن أُريد به مطلق اللعب كما يظهر من الصحاح (١) والقاموس (٢) ؛ فالظاهر أنّ القول بحرمته شاذّ مخالف للمشهور والسيرة ؛ فإنّ اللعب هي (٣) الحركة لا لغرض عقلائي (٤) ، و (٥) لا خلاف ظاهراً في عدم حرمته على الإطلاق.

نعم ، لو خُصَّ اللهو بما يكون عن (٦) بَطَرٍ وفسّر بشدّة الفرح كان الأقوى تحريمه ، ويدخل في ذلك الرقص والتصفيق ، والضرب بالطشت بدل الدفّ ، وكلّ ما يفيد فائدة آلات اللهو.

ولو جعل مطلق الحركات التي لا يتعلق بها غرض عقلائي (٧) مع انبعاثها عن القوى الشهوية ، ففي حرمته تردد.

واعلم أنّ هنا عنوانين آخرين : «اللعب» و «اللّغو».

معنى اللّعب وبيان حكمه

أمّا اللعب ، فقد عرفت أنّ ظاهر بعضٍ ترادفهما (٨) ، ولكن مقتضى (٩)

__________________

(١) صحاح اللغة ٦ : ٢٤٨٧ ، مادة : «لها».

(٢) القاموس المحيط ٤ : ٣٨٨ ، مادة : «لها».

(٣) في غير «ش» : وهي.

(٤) في «خ» ، «م» ، «ع» و «ص» : عقلاني ، وفي «ف» ، «ن» ، «خ» ، «م» و «ع» زيادة : لعب.

(٥) الواو» مشطوب عليها في «ص».

(٦) في غير «ف» : من.

(٧) في «خ» ، «م» ، «ع» ، و «ص» : عقلاني.

(٨) كما تقدّم عن الصحاح والقاموس.

(٩) في «خ» : يقتضي ، وفي «ن» ، «م» ، «ع» و «ص» : يقضي.

٤٧

تعاطفهما في غير موضع من الكتاب العزيز (١) تغايرهما. ولعلهما من قبيل الفقير والمسكين (٢) إذا اجتمعا افترقا ، وإذا افترقا اجتمعا. ولعل اللعب يشمل مثل حركات الأطفال الغير المنبعثة عن القوى الشهوية. واللهو ما تلتذّ به النفس ، وينبعث عن القوى الشهوية.

وقد ذكر غير واحد أنّ قوله تعالى (أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ) (٣) الآية ، بيان ملاذّ الدنيا على ترتيب تدرّجه في العمر ، وقد جعلوا لكلّ واحد منها ثمان سنين (٤).

وكيف كان ، فلم أجد من أفتى بحرمة اللعب عدا الحلّي على ما عرفت من كلامه (٥) ، ولعلّه يريد اللهو ، وإلاّ فالأقوى الكراهة.

معنى اللغو وبيان حكمه

وأمّا اللغو ، فإن جعل مرادف اللهو كما يظهر من بعض الأخبار كان في حكمه.

ففي رواية محمد بن أبي عبّاد المتقدّمة (٦) عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام : «أنّ السماع في حيّز اللهو والباطل ، أما سمعت قول الله‌

__________________

(١) كما في سورة الأنعام : ٣٢ ، والعنكبوت : ٦٤ ، ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ٣٦ ، والحديد : ٢٠ وغيرها.

(٢) من هنا إلى أوّل بحث النميمة ساقط من «ف».

(٣) الحديد : ٢٠.

(٤) لم نعثر عليه بعينه ، انظر تفسير الصافي ٥ : ١٣٧ ، والتفسير الكبير ٣٠ : ٢٣٣ ، ذيل الآية المذكورة.

(٥) في الصفحة ٤٢.

(٦) تقدّمت في المكاسب ١ : ٢٨٩.

٤٨

تعالى (وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً) (١)» (٢).

ونحوها رواية أبي أيوب (٣) ، حيث أراد باللّغو الغناء مستشهداً بالآية.

وإن أُريد به مطلق الحركات اللاّغية ، فالأقوى فيها الكراهة.

وفي رواية أبي خالد الكابلي ، عن سيّد الساجدين ، تفسير الذنوب التي تهتك العِصَم ب : شرب الخمر ، واللعب بالقمار ، وتعاطي ما يُضحك الناس من اللّغو والمزاح ، وذكر عيوب الناس (٤).

وفي وصيّة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأبي ذر رضي‌الله‌عنه : «إنّ الرجل ليتكلّم بالكلمة فيُضحك الناس فيهوي ما بين السماء والأرض» (٥).

__________________

(١) الفرقان : ٧٢.

(٢) الوسائل ١٢ : ٢٢٩ ، الباب ٩٩ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ١٩.

(٣) الوسائل ١٢ : ٢٣٦ ، الباب ١٠١ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٢.

(٤) الوسائل ١١ : ٥٢٠ ، الباب ٤١ من أبواب الأمر والنهي ، الحديث ٨.

(٥) الوسائل ٨ : ٥٧٧ ، الباب ١٤٠ من أبواب أحكام العشرة ، الحديث ٤ ، وفيه : «إنّ الرجل ليتكلّم بالكلمة في المجلس ليضحكهم بها فيهوى في جهنم ما بين السماء والأرض».

٤٩
٥٠

[المسألة] الحادية والعشرون

مدح من لا يستحق المدح ، أو يستحق الذم.

حرمة مدح من لا يستحق المدح

ذكره العلاّمة في المكاسب المحرّمة (١) ، والوجه فيه واضح من جهة قبحه عقلاً.

ما يدلّ على الحرمة

ويدلّ عليه من الشرع قوله تعالى (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ) (٢).

وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما رواه الصدوق ـ : «من عظّم صاحب دنيا (٣) وأحبّه طمعاً في دنياه ، سخط الله عليه ، وكان في درجته مع قارون في التابوت الأسفل من النار» (٤).

وفي النبوي الآخر الوارد في حديث المناهي : «من مدح سلطاناً‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٨٢ ، والقواعد ١ : ١٢١ ، والتحرير ١ : ١٦١.

(٢) هود : ١١٣.

(٣) في «ش» : الدنيا.

(٤) عقاب الأعمال : ٣٣١ ، والوسائل ١٢ : ١٣١ ، الباب ٤٢ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ١٤ مع اختلاف.

٥١

جائراً ، أو تخفّف و (١) تضعضع له طمعاً فيه ، كان قرينه في النار» (٢).

وجوب مدح من لا يستحقّ المدح لدفع شرّه

ومقتضى هذه الأدلّة حرمة المدح طمعاً في الممدوح ، وأمّا لدفع شرّه فهو واجب ، وقد ورد في عدة أخبار : «أنّ شرار الناس الذين يُكرَمون اتقاء شرّهم» (٣).

__________________

(١) كذا في «ن» والمصدر ، وفي سائر النسخ : أو.

(٢) الوسائل ١٢ : ١٣٣ ، الباب ٤٣ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث الأوّل ، وأُنظر الفقيه ٤ : ١١ «حديث المناهي».

(٣) راجع الوسائل ١١ : ٣٢٦ ، الباب ٧٠ من أبواب جهاد النفس ، الحديث ٧ و ٨ ، والخصال ١ : ١٤ ، الحديث ٤٩ ، والمستدرك ١٢ : ٧٧ ، الباب ٧٠ من أبواب جهاد النفس ، الحديث ١ ، ٢ ، ٤ و ٦.

٥٢

[المسألة] الثانية والعشرون

حرمة معونة الظالمين في ظلمهم بالأدلّة الأربعة

معونة الظالمين في ظلمهم‌ حرام بالأدلّة الأربعة ، وهو (١) من الكبائر ، فعن كتاب الشيخ ورّام بن أبي فراس ، قال : «قال عليه‌السلام : من مشى إلى ظالم ليعينه وهو يعلم أنّه ظالم فقد خرج عن الإسلام».

قال : «وقال عليه‌السلام : إذا كان يوم القيامة ينادي منادٍ : أين الظلمة ، أين أعوان الظلمة ، أين أشباه الظلمة حتى من برى لهم قلماً أو لاق لهم دواة ، فيجتمعون في تابوت من حديد ، ثمّ يرمى بهم في جهنم» (٢).

وفي النبوي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من علّق سوطاً بين يدي سلطان جائر جعلها (٣) الله حيّةً طولها سبعون (٤) ألف ذراع ، فيسلّطها (٥) الله عليه‌

__________________

(١) في «ن» : وهي.

(٢) تنبيه الخواطر (مجموعة ورّام) ١ : ٦٢ ، والوسائل ١٢ : ١٣١ ، الباب ٤٢ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ١٥ و ١٦.

(٣) في عقاب الأعمال : جعله الله.

(٤) في عقاب الأعمال : ستّون.

(٥) في «ن» ، «خ» ، «م» ، «ع» و «ص» : فيسلّط. وفي الوسائل ونسخة بدل «ش» : فيسلطه.

٥٣

في نار جهنم خالداً فيها مخلّداً» (١).

هل تحرم معونة الظالمين في غير المحرّمات؟

وأمّا معونتهم في غير المحرّمات ، فظاهر كثير من الأخبار حرمتها أيضاً كبعض ما تقدم ، وقول الصادق عليه‌السلام في رواية يونس بن يعقوب ـ : «لا تُعنهم على بناء مسجد» (٢) ، وقوله عليه‌السلام : «ما أُحبّ أنّي عقدت لهم عقدة ، أو وكيت لهم وكاءً وأنّ لي ما بين لابتيها ، لا (٣) ولا مدّة بقلم ، إنّ أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار حتى يفرغ الله من الحساب (٤)» (٥).

لكن المشهور عدم الحرمة ؛ حيث قيّدوا المعونة المحرّمة بكونها في الظلم.

والأقوى التحريم مع عدّ الشخص من الأعوان ؛ فإنّ مجرّد إعانتهم على بناء المسجد ليست محرّمة ، إلاّ أنّه إذا عدّ الشخص معماراً للظالم أو بنّاءً له ولو في خصوص المساجد بحيث صار هذا العمل منصباً له في باب السلطان كان محرّماً.

ويدلّ على ذلك : جميع ما ورد في ذمّ أعوان الظلمة (٦) ، وقول‌

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ١٣١ ، الباب ٤٢ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ١٤ ، وراجع عقاب الأعمال : ٢٨٤.

(٢) الوسائل ١٢ : ١٢٩ ، الباب ٤٢ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٨.

(٣) لم ترد «لا» في «ن» ، «خ» و «ع».

(٤) في المصدر ونسخة بدل «ش» : حتى يحكم الله بين العباد.

(٥) الوسائل ١٢ : ١٢٩ ، الباب ٤٢ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٦.

(٦) راجع الوسائل ١٢ : ١٢٧ ، الباب ٤٢ من أبواب ما يكتسب به.

٥٤

أبي عبد الله عليه‌السلام في رواية الكاهلي ـ : «من سوّد اسمه في ديوان ولد سابع (١) حشره الله يوم القيامة خنزيراً» (٢).

وقوله عليه‌السلام : «ما اقترب عبد من سلطان جائر (٣) إلاّ تباعد من الله» (٤).

حكم العمل للظالم في المباحات إذا لم يعدّ من أعوانه

وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إيّاكم وأبواب السلطان وحواشيها فإنّ أقربكم من أبواب السلطان وحواشيها أبعدكم عن الله تعالى» (٥).

ظهور بعض الأخبار في التحريم

وأمّا العمل له في المباحات لأُجرة أو تبرّعاً ، من غير أن يُعدّ معيناً له في ذلك ، فضلاً من أن يُعدّ من أعوانه ، فالأولى عدم الحرمة ؛ للأصل وعدم الدليل عدا ظاهر بعض الأخبار ، مثل رواية ابن أبي يعفور ، قال : «كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام إذ دخل عليه رجل من أصحابنا (٦) فقال له : جُعلت فداك (٧) ، ربما أصاب الرجل منّا الضيق والشدّة فيدعى إلى البناء يبنيه ، أو النهر يكريه ، أو المسنّاة يصلحها ، فما تقول في ذلك؟ فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : ما أُحبّ أنّي عقدت‌

__________________

(١) مقلوب «عبّاس».

(٢) الوسائل ١٢ : ١٣٠ ، الباب ٤٢ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٩.

(٣) لم ترد «جائر» في «ن» ، «خ» ، «م» و «ع» ، ووردت في «ص» في الهامش.

(٤) الوسائل ١٢ : ١٣٠ ، الباب ٤٢ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ١٢.

(٥) الوسائل ١٢ : ١٣٠ ، الباب ٤٢ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ١٣.

(٦) لم ترد «من أصحابنا» في «خ» ، «م» ، «ن» ، «ع» و «ص».

(٧) لم ترد «جعلت فداك» في «خ» ، «م» ، «ن» ، «ع» و «ص».

٥٥

لهم عقدة أو وكيت لهم وكاءً وأنّ لي ما بين لابتيها .. إلى آخر ما تقدّم (١)».

ورواية محمد بن عذافر عن أبيه ، قال : «قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : يا عذافر بلغني أنّك تعامل أبا أيوب وأبا الربيع ، فما حالك إذا نودي بك في أعوان الظلمة؟ قال : فَوَجَمَ (٢) أبي ، فقال له (٣) أبو عبد الله عليه‌السلام لمّا رأى ما أصابه ـ : أي عذافر إنّما خوّفتك بما خوّفني الله عزّ وجلّ به. قال محمد : فقدم أبي فما زال مغموماً مكروباً حتى مات» (٤).

ورواية صفوان بن مهران الجمّال ، قال : «دخلت على أبي الحسن الأوّل (٥) عليه‌السلام ، فقال لي : يا صفوان كلّ شي‌ء منك حسن جميل ما خلا شيئاً واحداً ، فقلت : جعلت فداك ، أيّ شي‌ء؟ قال عليه‌السلام : إكراؤك جِمالَك من هذا الرجل يعني هارون (٦) ـ ، قلت : والله ما أكريته أشِراً ولا بَطَراً ولا لصيدٍ (٧) ولا للهو (٨) ، ولكن أكريته لهذا الطريق يعني طريق مكّة ولا أتولاّه بنفسي ولكن أبعث معه غلماني.

__________________

(١) في الصفحة ٥٤.

(٢) في «خ» ، «م» ، «ع» و «ص» : ففزع.

(٣) لم ترد «له» في «ن» ، «خ» ، «م» و «ع».

(٤) الوسائل ١٢ : ١٢٨ ، الباب ٤٢ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٣.

(٥) لم ترد «الأوّل» في «خ» ، «م» و «ع».

(٦) في «ش» زيادة : الرشيد.

(٧) في الوسائل : للصيد.

(٨) في «ع» و «ص» : ولا لهو.

٥٦

فقال لي : يا صفوان ، أيقع كراؤك عليهم؟ قلت : نعم ، جعلت فداك. قال : أتحبّ بقاءهم حتى يخرج كراؤك؟ قلت : نعم. قال : من (١) أحب بقاءهم فهو منهم ، ومن كان منهم كان وروده إلى النار.

قال صفوان : فذهبت وبعت (٢) جمالي عن آخرها ، فبلغ ذلك إلى (٣) هارون ، فدعاني فقال لي : يا صفوان ، بلغني أنّك بعت جِمالك؟ قلت : نعم. قال : ولم؟ قلت : أنا شيخ كبير ، وأنّ الغلمان لا يقومون (٤) بالأعمال. فقال : هيهات هيهات ، إنّي لأعلم من أشار عليك بهذا (٥) ، إنما أشار عليك (٦) بهذا موسى بن جعفر. قلت : ما لي (٧) ولموسى بن جعفر. قال : دع هذا عنك ، والله لولا (٨) حسن صحبتك لقتلتك» (٩).

وما ورد في تفسير الركون إلى الظالم : من أنّ الرجل يأتي السلطان فيحبّ بقاءه إلى أن يدخل يده في كيسه فيعطيه (١٠) ، وغير ذلك ممّا ظاهره وجوب التجنّب عنهم.

__________________

(١) في «ص» : فمن.

(٢) في «ش» والوسائل : فبعت.

(٣) لم ترد «إلى» في «ن» ، «خ» ، «م» و «ع».

(٤) في الوسائل ونسخة بدل «ص» و «ش» : لا يفون.

(٥) عبارة : «إنّي لأعلم من أشار إليك بهذا» من «ش» والمصدر.

(٦) كذا في «ش» والمصدر ، وفي سائر النسخ : إليك.

(٧) في «خ» : فمالي.

(٨) في «ص» والوسائل : فوالله لولا ، وفي «خ» ، «ن» ، «م» و «ع» : فلولا.

(٩) الوسائل ١٢ : ١٣١ ، الباب ٤٢ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ١٧.

(١٠) راجع الوسائل ١٢ : ١٣٣ ، الباب ٤٤ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث الأوّل.

٥٧

ومن هنا لمّا قيل لبعضٍ : إنّي رجل أخيط للسلطان ثيابه ، فهل تراني بذلك داخلاً في أعوان الظلمة؟ قال له : المعين من يبيعك الإبر والخيوط ، وأمّا أنت فمن (١) الظلمة أنفسهم (٢).

وفي رواية سليمان الجعفري المروية عن تفسير العياشي ـ : «أنّ الدخول في أعمالهم ، والعون لهم ، والسعي في حوائجهم عديل الكفر ، والنظر إليهم على العمد من الكبائر التي يستحقّ (٣) بها النار» (٤).

مناقشة ظهور الأخبار في التحريم

لكن الإنصاف : أن شيئاً ممّا ذكر لا ينهض دليلاً لتحريم العمل لهم على غير جهة المعونة.

أمّا الرواية الأُولى (٥) ، فلأنّ التعبير فيها في الجواب بقوله : «ما أُحبّ» ظاهر في الكراهة.

وأمّا قوله عليه‌السلام : «إنّ أعوان الظلمة .. إلخ» ، فهو من باب التنبيه على أن القرب إلى الظلمة والمخالطة معهم مرجوح ، وإلاّ فليس من يعمل لهم الأعمال المذكورة في السؤال خصوصاً مرّة أو مرّتين ، خصوصاً مع الاضطرار معدوداً من أعوانهم.

__________________

(١) في «ن» ، «خ» ، «م» و «ع» : من.

(٢) حكاه الشيخ البهائي في الأربعين حديثاً : ٢٣٩.

(٣) كذا في «ن» والوسائل ، وفي سائر النسخ : تستحق.

(٤) الوسائل ١٢ : ١٣٨ ، الباب ٤٥ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ١٢. وأُنظر تفسير العياشي ١ : ٢٣٨ ، الحديث ١١٠.

(٥) لم ترد «الاولى» في «خ» ، «م» ، «ع» و «ص» ، ووردت في «ن» تصحيحاً.

٥٨

وكذلك يقال في رواية عذافر ، مع احتمال أن تكون (١) معاملة عذافر مع أبي أيّوب وأبي الربيع على وجه يكون معدوداً من أعوانهم وعمّالهم.

وأمّا رواية صفوان ، فالظاهر منها أنّ نفس المعاملة معهم ليست محرّمة ، بل من حيث محبّة بقائهم وإن لم تكن معهم معاملة ، ولا يخفى على الفَطِن العارف بأساليب الكلام أنّ قوله عليه‌السلام : «ومن أحبّ بقاءهم كان منهم» لا يراد به من أحبّهم مثل محبّة صفوان بقاءهم حتّى يخرج كراؤه ، بل هذا من باب المبالغة في الاجتناب عن مخالطتهم حتّى لا يفضي ذلك إلى صيرورتهم من أعوانهم ، وأن يشرب القلب حبّهم ؛ لأن القلوب مجبولة على حبّ من أحسن إليها.

أقسام العمل للظلمة وتعيين المحرّم منها

وقد تبيّن ممّا ذكرنا : أنّ المحرّم من العمل للظلمة قسمان :

أحدهما الإعانة لهم على الظلم.

والثاني ما يعدّ معه (٢) من أعوانهم ، والمنسوبين إليهم ، بأن يقال : هذا خيّاط السلطان ، وهذا معماره.

وأمّا ما عدا ذلك فلا دليل معتبر على تحريمه.

__________________

(١) كذا في «ص» ، وفي سائر النسخ : يكون.

(٢) في «ش» : معهم.

٥٩
٦٠