كتاب المكاسب - ج ٢

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ٢

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٧
ISBN: 964-5662-12-5
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٢٧٢

للعمل به في الجملة ، وأمّا العمل تبرّعاً فلا ، وحينئذٍ فيجوز طلب الأُجرة من المعمول له إذا كان أهلاً للطلب منه ، وقصدها إذا لم يكن ممّن يطلب منه ، كالغائب الذي يُعْمَل في ماله عمل لدفع الهلاك عنه ، وكالمريض المغمى عليه.

وفيه : أنّه إذا فرض وجوب إحياء النفس ووجوب (١) العلاج ؛ لكونه (٢) مقدمة له ، فأخذ الأُجرة عليه غير جائز.

التحقيق : عدم الجواز في العيني التعيّني وإن كان من الصناعات ومنه بيان الدواء

استثناء بعض الموارد ، ممّا تقدّم لدليلٍ خاصّ

فالتحقيق على ما ذكرنا سابقاً (٣) : أنّ الواجب إذا كان عينياً تعيّنياً (٤) لم يجز أخذ الأُجرة عليه ولو كان من الصناعات ، فلا يجوز للطبيب أخذ الأُجرة على بيان الدواء أو تشخيص الداء (٥) ، وأمّا أخذ الوصي الأُجرة على تولّي أموال الطفل الموصى عليه ، الشامل بإطلاقه لصورة تعيّن العمل عليه ، فهو من جهة الإجماع والنصوص المستفيضة على أنّ له أن يأخذ شيئاً (٦) ، وإنّما وقع الخلاف في تعيينه ، فذهب جماعة‌

__________________

(١) في «ش» ومصححة «ن» : ووجب.

(٢) كذا في «ش» ومصححة «ن» ، وفي «ف» ، «خ» ، «م» ، «ع» و «ص» : كونه ، ولكن شطب عليها في «ص».

(٣) في الصفحة ١٣٥.

(٤) في نسخة بدل «ص» : تعيينياً.

(٥) في «خ» ، «م» ، «ع» و «ص» : أو بعد تشخيص الداء ، لكن شطب في «ص» على «أو» ، وفي «خ» كتب فوق «أو بعد تشخيص الداء» : خ ل.

(٦) راجع الوسائل ١٢ : ١٨٤ ، الباب ٧٢ من أبواب ما يكتسب به وغيره من الأبواب.

١٤١

إلى أنّ له اجرة المثل (١) ؛ حملاً للأخبار على ذلك ؛ ولأنه إذا فرض احترام عمله بالنصّ والإجماع فلا بدّ من كون العوض اجرة المثل.

وبالجملة ، فملاحظة النصوص والفتاوى في تلك المسألة ترشد إلى خروجها عمّا نحن فيه.

وأمّا باذل المال للمضطر‌ فهو إنّما يرجع بعوض المبذول ، لا بأُجرة البذل ، فلا يرد نقضاً في المسألة.

وأمّا رجوع الامّ المرضعة بعوض إرضاع اللّبإ مع وجوبه عليها‌ بناء على توقّف حياة الولد عليه فهو إمّا من قبيل بذل المال للمضطر ، وإمّا من قبيل رجوع الوصي بأُجرة المثل من جهة عموم آية (٢) (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) (٣) ، فافهم.

جواز أخذ الاُجرة في الواجب الكفائي ، ومنه حضور الطبيب عند المريض

وإن كان كفائياً جاز الاستئجار عليه ، فيسقط الواجب بفعل المستأجر عليه ، عنه وعن غيره وإن لم يحصل الامتثال.

ومن هذا الباب أخذ الطبيب الأُجرة على حضوره عند المريض إذا تعيّن عليه علاجه ؛ فإنّ العلاج وإن كان معيّناً عليه ، إلاّ أنّ الجمع بينه وبين المريض مقدّمة للعلاج واجب كفائي بينه وبين أولياء المريض ، فحضوره أداء للواجب الكفائي كإحضار الأولياء ، إلاّ أنّه لا بأس بأخذ الأُجرة عليه.

__________________

(١) كالشيخ في النهاية : ٣٦٢ ، والمحقق في الشرائع ٢ : ٢٥٨ ، والعلاّمة في القواعد ١ : ٣٥٥ ، والشهيد في الدروس ٢ : ٣٢٧ ، واللمعة : ١٨١.

(٢) في غير «ش» : الآية.

(٣) الطلاق : ٦.

١٤٢

عدم جواز الأخذ في الكفائي لو علم كونه حقا للغير

نعم ، يستثني من الواجب الكفائي ما علم من دليله صيرورة ذلك العمل حقّا للغير يستحقّه من المكلّف ، كما قد يدّعى (١) أنّ الظاهر من أدلّة وجوب تجهيز الميّت أنّ للميّت حقاً على الأحياء في التجهيز ، فكلّ من فعل شيئاً منه في الخارج فقد أدّى حقّ الميّت ، فلا يجوز أخذ الأُجرة عليه ، وكذا تعليم الجاهل أحكام عباداته الواجبة عليه وما يحتاج إليه ، كصيغة النكاح ونحوها ، لكن تعيين هذا يحتاج إلى لطف قريحة.

أخذ الاُجرة على الحرام

هذا تمام الكلام في أخذ الأُجرة على الواجب ، وأمّا الحرام فقد عرفت عدم جواز أخذ الأُجرة عليه (٢).

أخذ الاُجرة على المكروه والمباح

وأمّا المكروه والمباح‌ فلا إشكال في جواز أخذ الأُجرة عليهما.

الاُجرة على المستحب بوصف كونه مستحبّاً

وأمّا المستحبّ‌ والمراد منه ما كان له نفع قابل لأن يرجع إلى المستأجر ؛ لتصحّ الإجارة من هذه الجهة فهو بوصف كونه مستحبّاً على المكلّف لا يجوز أخذ الأُجرة عليه ؛ لأنّ الموجود من هذا الفعل في الخارج لا يتّصف بالاستحباب إلاّ مع الإخلاص الذي ينافيه إتيان الفعل ؛ لاستحقاق المستأجر إيّاه ، كما تقدّم في الواجب (٣).

التفصيل بين ما يتوقّف حصول النفع منه على قصد القربة فلا يجوز ، وبين غيره فيجوز

وحينئذٍ ، فإن كان حصول النفع المذكور منه متوقِّفاً على نيّة القربة لم يجز أخذ الأُجرة عليه ، كما إذا استأجر من يعيد صلاته ندباً ليقتدي به ؛ لأنّ المفروض بعد الإجارة عدم تحقق الإخلاص ، والمفروض مع‌

__________________

(١) لم نقف عليه.

(٢) في «ف» : عدم جواز الأخذ عليه.

(٣) تقدم في الصفحة ١٢٧ ١٢٨.

١٤٣

عدم تحقق الإخلاص عدم حصول نفع منه عائد إلى المستأجر ، وما يخرج بالإجارة عن قابلية انتفاع المستأجر به لم يجز الاستئجار عليه ، ومن هذا القبيل الاستئجار على العبادة لله تعالى أصالة ، لا نيابة ، وإهداء ثوابها إلى المستأجر ؛ فإنّ ثبوت الثواب للعامل موقوف على قصد الإخلاص المنفيّ مع الإجارة.

وإن كان حصول النفع غير متوقّف على الإخلاص جاز الاستئجار عليه كبناء المساجد وإعانة المحاويج ؛ فإنّ من بنى لغيره مسجداً عاد إلى الغير نفع بناء المسجد وهو ثوابه وإن لم يقصد البنّاء من عمله إلاّ أخذ الأُجرة.

وكذا من استأجر غيره لإعانة المحاويج والمشي في حوائجهم ؛ فإنّ الماشي لا يقصد إلاّ الأُجرة ، إلاّ أنّ نفع المشي عائد إلى المستأجر.

الاستئجار للنيابة في العبادات القابلة للنيابة

ومن هذا القبيل استئجار الشخص للنيابة عنه في العبادات التي تقبل النيابة ، كالحجّ والزيارة ونحوهما ؛ فإنّ نيابة الشخص عن غيره في ما ذكر وإن كانت مستحبة (١) إلاّ أنّ ترتّب الثواب للمنوب عنه وحصول هذا النفع له لا يتوقف على قصد النائب الإخلاص في نيابته ، بل متى جعل نفسه بمنزلة الغير وعمل العمل بقصد التقرّب الذي هو تقرّب المنوب عنه بعد فرض النيابة انتفع المنوب عنه ، سواء فعل النائب هذه النيابة بقصد الإخلاص في امتثال أوامر النيابة عن المؤمن أم لم يلتفت إليها أصلاً ولم يعلم بوجودها ، فضلاً عن أن يقصد امتثالها.

ألا ترى أنّ أكثر العوام الذين يعملون الخيرات لأمواتهم‌

__________________

(١) كذا في مصححة «ص» ، وفي غيرها : وإن كان مستحباً.

١٤٤

لا يعلمون ثبوت (١) الثواب لأنفسهم في هذه النيابة ، بل يتخيّل (٢) النيابة مجرّد إحسان إلى الميّت لا يعود نفع منه إلى نفسه (٣) ، والتقرّب الذي يقصده النائب بعد جعل نفسه نائباً ، هو تقرّب المنوب عنه ، لا تقرّب النائب ، فيجوز أن ينوب لأجل مجرّد استحقاق الأُجرة عن فلان ، بأن ينزّل نفسه منزلته في إتيان الفعل قربة إلى الله ، ثمّ إذا عرض هذه النيابة الوجوب بسبب الإجارة فالأجير غير متقرّب في نيابته ؛ لأنّ الفرض عدم علمه أحياناً بكون النيابة راجحة شرعاً يحصل بها التقرّب ، لكنّه متقرّب بعد جعل نفسه نائباً عن غيره ، فهو متقرّب بوصف كونه بدلاً ونائباً عن الغير ، فالتقرّب يحصل للغير.

الاشكال بكون الاخلاص منافياً للاجارة ، والجواب عنه

فإن قلت : الموجود في الخارج من الأجير ليس إلاّ الصلاة عن الميّت مثلاً ، وهذا هو (٤) متعلّق الإجارة والنيابة ، فإن لم يمكن الإخلاص في متعلّق الإجارة لم يترتّب على تلك الصلاة نفع للميّت ، وإن أمكن لم يناف الإخلاص لأخذ الأُجرة (٥) كما ادّعيت ، وليست النيابة عن الميّت في الصلاة المتقرّب بها إلى الله تعالى شيئاً ونفس الصلاة شيئاً آخر حتى يكون الأوّل متعلّقاً للإجارة والثاني مورداً للإخلاص.

قلت : القربة المانع اعتبارها عن (٦) تعلّق الإجارة ، هي المعتبرة في‌

__________________

(١) في «ف» : بثبوت.

(٢) في نسخة بدل «ش» : «يتخيّلون» ، وهو الأنسب.

(٣) كذا في النسخ ، والأنسب : «إلى أنفسهم».

(٤) لم ترد «هو» في غير «ف».

(٥) في «ش» ومصححة «ن» : «وإن أمكن الإخلاص لم يناف لأخذ الأُجرة».

(٦) كذا في «ف» ، وفي سائر النسخ : من.

١٤٥

نفس متعلّق الإجارة وإن اتّحد خارجاً مع ما لا يعتبر (١) فيه القربة ممّا لا (٢) يكون متعلّقاً للإجارة ، فالصلاة الموجودة في الخارج على جهة النيابة فعل للنائب من حيث إنّها نيابة عن الغير ، وبهذا الاعتبار ينقسم في حقّه إلى المباح والراجح والمرجوح ، وفعل للمنوب عنه بعد نيابة النائب يعني تنزيل نفسه منزلة المنوب عنه في هذه الأفعال وبهذا الاعتبار يترتّب عليه الآثار الدنيوية والأُخروية لفعل المنوب عنه الذي لم يشترط فيه المباشرة ، والإجارة تتعلّق به بالاعتبار الأوّل ، والتقرّب بالاعتبار الثاني ، فالموجود في ضمن الصلاة الخارجية فعلان ؛ نيابة صادرة عن الأجير النائب ، فيقال : ناب عن فلان ، وفعل كأنه صادر عن المنوب عنه ، فيمكن أن يقال على سبيل المجاز : صلّى فلان ، ولا يمكن أن يقال : ناب فلان ، فكما جاز اختلاف هذين الفعلين في الآثار فلا ينافي اعتبار القربة في الثاني جواز الاستئجار على الأوّل الذي لا يعتبر فيه القربة.

جواز الاستئجار للميّت

وقد ظهر ممّا قرّرناه وجه ما اشتهر بين المتأخّرين فتوى (٣) وعملاً من جواز الاستئجار على العبادات للميّت ، وأنّ الاستشكال في ذلك بمنافاة ذلك لاعتبار التقرّب فيها ممكن الدفع ، خصوصاً بملاحظة ما ورد من الاستئجار للحج (٤).

__________________

(١) كذا في «ص» و «ش» ، وفي غيرهما : ما يعتبر.

(٢) كلمة «لا» مشطوب عليها في «ص».

(٣) راجع القواعد ١ : ٢٢٨ ، والذكرى : ٧٥ ، وجامع المقاصد ٧ : ١٥٢ و ١٥٣ ، ومفتاح الكرامة ٧ : ١٦٤.

(٤) الوسائل ٨ : ١١٥ ، الباب الأوّل من أبواب النيابة في الحجّ.

١٤٦

ودعوى خروجه بالنصّ فاسدة ؛ لأنّ مرجعها إلى عدم اعتبار القربة في الحجّ.

وأضعف منها : دعوى أنّ الاستئجار على المقدّمات ، كما لا يخفى ، مع أنّ ظاهر ما ورد في استئجار مولانا الصادق عليه‌السلام للحجّ عن ولده إسماعيل (١) كون الإجارة على نفس الأفعال.

عدم جواز إتيان ما وجب بالإجارة عن نفسه

ثم اعلم أنّه كما لا يستحقّ الغير بالإجارة ما وجب على المكلّف على وجه العبادة ، كذلك لا يؤتي على وجه العبادة لنفسه ما استحقّه الغير منه بالإجارة ، فلو استؤجر لإطافة صبيٍّ أو مغمى عليه فلا يجوز الاحتساب في طواف نفسه ، كما صرّح به في المختلف (٢) ، بل وكذلك لو استؤجر (٣) لحمل غيره في الطواف ، كما صرّح به جماعة (٤) تبعاً للإسكافي (٥) ؛ لأنّ المستأجر يستحقّ الحركة المخصوصة عليه ، لكن ظاهر جماعة جواز الاحتساب في هذه الصورة ؛ لأنّ استحقاق الحمل غير استحقاق الإطافة به كما لو استؤجر لحمل متاع.

وفي المسألة أقوال :

قال في الشرائع : ولو حمله حامل في الطواف أمكن أن يحتسب‌

__________________

(١) الوسائل ٨ : ١١٥ ، الباب الأوّل من أبواب النيابة في الحجّ ، الحديث الأوّل.

(٢) المختلف ٤ : ١٨٦.

(٣) كذا في «ن» ، وفي «ش» : بل كذلك لو استؤجر ، وفي سائر النسخ : بل لو استؤجر.

(٤) لم نعثر على المصرّح بعدم الاحتساب مطلقاً.

(٥) انظر المختلف ٤ : ١٨٥.

١٤٧

كلّ منهما طوافه عن نفسه (١) ، انتهى.

وقال في المسالك : هذا إذا كان الحامل متبرّعاً أو حاملاً بجعالة أو كان مستأجراً للحمل في طوافه ، أمّا لو استؤجر للحمل مطلقاً لم يحتسب للحامل ؛ لأنّ الحركة المخصوصة قد صارت مستحقّة عليه لغيره ، فلا يجوز صرفها إلى نفسه ، وفي المسألة أقوال هذا أجودها (٢) ، انتهى.

وأشار بالأقوال إلى القول بجواز الاحتساب مطلقاً ، كما هو ظاهر الشرائع وظاهر القواعد (٣) على إشكال.

والقول الآخر : ما في الدروس ، من أنّه يحتسب لكلٍّ من الحامل والمحمول ما لم يستأجره للحمل لا في طوافه (٤) ، انتهى.

والثالث ما ذكره في المسالك من التفصيل (٥).

والرابع ما ذكره بعض محشّي الشرائع (٦) من استثناء صورة الاستئجار على الحمل.

__________________

(١) الشرائع ١ : ٢٣٣.

(٢) المسالك ٢ : ١٧٧.

(٣) انظر القواعد ١ : ٤١١.

(٤) الدروس ١ : ٣٢٢.

(٥) المتقدّم في الصفحة السابقة.

(٦) لم نقف عليه ، ولعلّه يشير إلى ما ذكره الشهيد الثاني في حاشيته على الشرائع (مخطوط) : ١٨٢ ، أو المحقق الكركي في حاشيته على الشرائع (مخطوط) : ٧٠.

١٤٨

والخامس الفرق بين الاستئجار للطواف به ، وبين الاستئجار لحملة في الطواف ، وهو ما اختاره في المختلف (١).

وبنى فخر الدين في الإيضاح جواز الاحتساب في صورة الاستئجار للحمل التي استشكل والده رحمه‌الله فيها (٢) على أنّ ضمّ نيّة التبرّد إلى الوضوء قادح أم لا (٣)؟ والمسألة مورد نظر وإن كان ما تقدّم من المسالك (٤) لا يخلو عن وجه.

أخذ الأجرة على الأذان

ثمّ إنّه قد ظهر ممّا ذكرناه (٥) من عدم جواز الاستئجار على المستحب إذا كان من العبادات ، أنّه لا يجوز أخذ الأُجرة على أذان المكلّف لصلاة نفسه إذا كان ممّا يرجع نفع منه إلى الغير يصحّ لأجله الاستئجار كالإعلام بدخول الوقت ، أو الاجتزاء به في الصلاة ، وكذا أذان المكلّف للإعلام عند الأكثر كما عن الذكرى (٦) ، وعلى الأشهر (٧) كما في الروضة (٨) ، وهو المشهور كما في المختلف (٩) ، ومذهب الأصحاب‌

__________________

(١) المختلف ٤ : ١٨٦.

(٢) تقدّم آنفاً.

(٣) إيضاح الفوائد ١ : ٢٧٨.

(٤) في الصفحة السابقة.

(٥) في الصفحة ١٤٣.

(٦) الذكرى : ١٧٣.

(٧) كذا في «ف» ، وفي سائر النسخ : الأشبه.

(٨) الروضة البهية ٣ : ٢١٧.

(٩) المختلف ٢ : ١٣٤.

١٤٩

إلاّ من شذّ ، كما عنه (١) وعن جامع المقاصد (٢) ، وبالإجماع كما عن محكيّ الخلاف (٣) ؛ بناء على أنّها عبادة يعتبر فيها وقوعها لله فلا يجوز أن يستحقّها الغير.

ما يدلّ على عدم جواز الاُجرة على الأذان

وفي رواية زيد بن علي (٤) عن آبائه عن علي عليه‌السلام : «أنّه أتاه رجل ، فقال له : والله إنّي أُحبّك لله ، فقال له : لكنّي أُبغضك لله ، قال : وَلِمَ؟ قال : لأنّك تبغي في الأذان أجراً ، وتأخذ على تعليم القرآن أجراً» (٥).

وفي رواية حمران الواردة في فساد الدنيا واضمحلال الدين ، وفيها قوله عليه‌السلام : «ورأيت الأذان بالأجر (٦) والصلاة بالأجر» (٧).

ويمكن أن يقال : إنّ مقتضى كونها عبادة عدم حصول الثواب إذا لم يتقرّب بها ، لا فساد الإجارة مع فرض كون العمل مما ينتفع به وإن لم يتقرب به.

__________________

(١) حكاه عنهما السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٢٧٤ ٢٧٥ ، ولم نقف عليه فيهما.

(٢) حكاه عنهما السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٢٧٤ ٢٧٥ ، ولم نقف عليه فيهما.

(٣) الخلاف ١ : ٢٩١ ، كتاب الصلاة ، المسألة ٣٦.

(٤) كذا في «ش» ، وفي سائر النسخ والمصادر الحديثية زيادة : «عن أبيه».

(٥) الوسائل ٤ : ٦٦٦ ، الباب ٣٨ من أبواب الأذان ، الحديث ٢ ، مع اختلاف في بعض الألفاظ.

(٦) كذا في «ف» و «ص» والمصادر الحديثية ، وفي سائر النسخ : بالأُجرة.

(٧) الوسائل ١١ : ٥١٨ ، الباب ٤١ من أبواب الأمر والنهي ، الحديث ٦.

١٥٠

نعم ، لو قلنا بأنّ الإعلام بدخول الوقت المستحبّ كفاية لا يتأتّى بالأذان الذي لا يتقرّب به ، صحّ ما ذكر ، لكن ليس كذلك.

وأمّا الرواية فضعيفة ، ومن هنا استوجه الحكم بالكراهة في الذكرى (١) والمدارك (٢) ومجمع البرهان (٣) والبحار (٤) بعد أن حكى عن علم الهدى رحمه‌الله.

ولو اتّضحت دلالة الروايات أمكن جبر سند الأُولى بالشهرة ، مع أنّ رواية حمران حسنة على الظاهر بابن هاشم.

أخذ الأجرة على الإمامة

ومن هنا (٥) يظهر وجه (٦) ما ذكروه في هذا المقام من حرمة أخذ الأُجرة على الإمامة (٧) ، مضافاً إلى موافقتها للقاعدة المتقدمة (٨) من أنّ ما كان انتفاع الغير به موقوفاً على تحقّقه على وجه الإخلاص لا يجوز (٩) الاستئجار عليه ؛ لأنّ شرط العمل المستأجر عليه قابلية إيقاعه لأجل استحقاق المستأجر له حتى يكون وفاءً بالعقد ، وما كان من قبيل العبادة غير قابل لذلك.

__________________

(١) الذكرى : ١٧٣.

(٢) المدارك ٣ : ٢٧٦.

(٣) مجمع الفائدة ٨ : ٩٢.

(٤) بحار الأنوار ٨٤ : ١٦١.

(٥) في مصححة «ن» : ومنها.

(٦) لم ترد «وجه» في «ف» ، «ن» ، «ح» ، «م» و «ع».

(٧) راجع النهاية : ٣٦٥ ، والسرائر ٢ : ٢١٧ ، والشرائع ٢ : ١١ ، ونهاية الإحكام ٢ : ٤٧٤ ، وغيرها.

(٨) راجع الصفحة ١٤٤.

(٩) كذا في «ص» ، وفي سائر النسخ : فلا يجوز.

١٥١

لاُجرة على تحمّل الشهادة

ثمّ إنّ من الواجبات التي يحرم أخذ الأُجرة عليها (١) عند المشهور تحمّل الشهادة ، بناء على وجوبه كما هو أحد الأقوال في المسألة ؛ لقوله تعالى (وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا) (٢) المفسَّر في الصحيح بالدعاء للتحمّل (٣) ، وكذلك أداء الشهادة ؛ لوجوبه عيناً أو كفاية.

وهو مع الوجوب العيني واضح ، وأمّا مع الوجوب الكفائي ؛ فلأنّ المستفاد من أدلّة الشهادة كون التحمّل والأداء حقّا للمشهود له على الشاهد ، فالموجود في الخارج من الشاهد حقّ للمشهود له (٤) لا يقابل بعوض ؛ للزوم مقابلة حقّ الشخص بشي‌ء من ماله ، فيرجع إلى أكل المال بالباطل.

ومنه يظهر أنّه كما لا يجوز أخذ الأُجرة من المشهود له ، كذلك (٥) لا يجوز من بعض من وجبت عليه كفاية إذا استأجره لفائدة إسقاطها عن نفسه.

ثمّ إنّه لا فرق في حرمة الأُجرة بين توقّف التحمّل أو الأداء على قطع مسافة طويلة ، وعدمه. نعم ، لو احتاج إلى بذل مال فالظاهر عدم وجوبه ، ولو أمكن إحضار الواقعة عند من يراد تحمّله للشهادة ، فله أن يمتنع من الحضور ويطلب الإحضار.

__________________

(١) في «ف» ، «خ» ، «م» و «ع» : عليه.

(٢) البقرة : ٢٨٢.

(٣) الوسائل ١٨ : ٢٢٥ ، الباب الأوّل من أبواب الشهادات.

(٤) لم ترد «له» في «ف».

(٥) لم ترد «كذلك» في «ف».

١٥٢

الارتزاق من بيت المال لمن يحرم عليه أخذ الاُجرة

بقي الكلام في شي‌ء ، وهو أنّ كثيراً من الأصحاب (١) صرّحوا في كثير من الواجبات والمستحبّات (٢) التي يحرم أخذ الأُجرة عليها (٣) بجواز ارتزاق مؤدّيها من بيت المال المعدّ لمصالح المسلمين.

وليس المراد أخذ الأُجرة أو الجعل من بيت المال ؛ لأنّ ما دلّ على تحريم العوض لا فرق فيه بين كونه من بيت المال أو من غيره (٤) ، بل حيث استفدنا من دليل الوجوب كونه حقّا للغير يجب أداؤه إليه عيناً أو كفاية ، فيكون أكل المال بإزائه أكلاً له بالباطل ، كان (٥) إعطاؤه العوض من بيت المال أولى بالحرمة ؛ لأنّه تضييع له وإعطاء مال المسلمين بإزاء ما يستحقه المسلمون على العامل.

بل المراد أنّه إذا قام المكلّف بما يجب عليه كفاية أو عيناً ، مما يرجع إلى مصالح المؤمنين (٦) وحقوقهم كالقضاء والإفتاء والأذان والإقامة ونحوها ورأى وليّ المسلمين المصلحة في تعيين شي‌ء من بيت‌

__________________

(١) كالشيخ في المبسوط ٨ : ١٦٠ ، والحلي في السرائر ١ : ٢١٥ ، و ٢ : ٢١٧ ، والمحقق في الشرائع ٢ : ١١ ، و ٤ : ٦٩ و ٧٠ ، والعلاّمة في القواعد ١ : ١٢١ ، و ٢ : ٢٠٢ ، والشهيد في الدروس ٣ : ١٧٢ ، وراجع تفصيل ذلك في مفتاح الكرامة ٤ : ٩٥ ٩٩.

(٢) في «ف» ، «ن» ، «خ» ، «م» و «ع» : أو المستحبات.

(٣) في «ن» ، «خ» ، «م» و «ع» : عليهما.

(٤) في «ص» : «ومن غيره».

(٥) في «م» ، «ع» و «ص» : كأنه ، وفي «خ» : وكأنّ ، وفي هامش «ص» : «كان».

(٦) في نسخة بدل «ن» ، «خ» ، «م» ، «ع» ، «ص» و «ش» : المسلمين.

١٥٣

المال له في اليوم أو الشهر أو السنة ، من جهة قيامه بذلك الأمر ؛ لكونه (١) فقيراً يمنعه القيام بالواجب المذكور عن تحصيل ضرورياته ، فيعيّن (٢) له ما يرفع حاجته وإن كان أزيد من اجرة المثل أو أقلّ منها (٣).

ولا فرق بين أن يكون تعيين الرزق له بعد القيام أو قبله ، حتى أنّه لو قيل له : «اقضِ في البلد وأنا أكفيك مئونتك من بيت المال» جاز ، ولم يكن جعالة.

مقتضى القاعدة عدم جواز الارتزاق إلّا مع الحاجة

وكيف كان ، فمقتضى القاعدة عدم جواز الارتزاق إلاّ مع الحاجة على وجه يمنعه القيام بتلك المصلحة عن اكتساب المئونة ، فالارتزاق مع الاستغناء ولو بكسب لا يمنعه القيام بتلك المصلحة ، غير جائز.

ويظهر من إطلاق جماعة (٤) في باب القضاء خلاف ذلك ، بل صرّح غير واحد (٥) بالجواز مع وجدان الكفاية.

__________________

(١) في «ف» ، «خ» ، «م» ، «ع» و «ص» : إمّا لكونه.

(٢) في «ف» : فيتعيّن ، وفي «خ» ، «م» و «ع» : فتعيّن.

(٣) في غير «ش» : منه.

(٤) منهم الشيخ في المبسوط ٨ : ١٦٠ ، والحلّي في السرائر ٢ : ٢١٧ ، والمحقق في الشرائع ٤ : ٦٩.

(٥) منهم المحقّق السبزواري في الكفاية : ٢٦٢ ، والشهيد الثاني في المسالك (الطبعة الحجرية) ٢ : ٢٨٥ ، لكن مع تقييدهما بصورة عدم التعين عليه ، وأمّا مع عدم التعيّن فقالا : بأنّ الأشهر المنع.

١٥٤

خاتمة تشتمل على مسائل‌

الأُولى

حرمة بيع المصحف

صرّح جماعة كما عن النهاية (١) والسرائر (٢) والتذكرة (٣) والدروس (٤) وجامع المقاصد (٥) بحرمة بيع المصحف. والمراد به كما صرّح به (٦) في الدروس (٧) خطه. وظاهر المحكي عن نهاية الإحكام اشتهارها بين الصحابة ، حيث تمسّك على الحرمة بمنع الصحابة (٨) ، وعليه تدلّ ظواهر الأخبار المستفيضة :

روايات المنع عن بيع المصحف

ففي موثّقة سماعة : «لا تبيعوا المصاحف ؛ فإنّ بيعها حرام ، قلت‌

__________________

(١) النهاية : ٣٦٨.

(٢) السرائر ٢ : ٢١٨.

(٣) التذكرة ١ : ٥٨٢.

(٤) الدروس ٣ : ١٦٥.

(٥) جامع المقاصد ٤ : ٣٣.

(٦) لم ترد «به» في غير «ش».

(٧) الدروس ٣ : ١٦٥.

(٨) نهاية الإحكام ٢ : ٤٧٢ ، وحكاه عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٨٢.

١٥٥

فما تقول في شرائها؟ قال : اشتر منه الدفّتين والحديد والغلاف ، وإيّاك أن تشتري منه الورق وفيه القرآن مكتوب ، فيكون عليك حراماً ، وعلى من باعه حراماً» (١).

ومضمرة عثمان بن عيسى ، قال : «سألته عن بيع المصاحف وشرائها (٢)؟ قال (٣) : لا تشترِ كلام الله ، ولكن اشترِ الجلد والحديد والدفّة ، وقل : أشتري منك هذا بكذا وكذا» (٤).

ورواه في الكافي عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٥).

ورواية جرّاح المدائني في بيع المصاحف : «قال : لا تبع الكتاب ولا تشتره ، وبع الورق والأديم والحديد» (٦).

ورواية عبد الرحمن بن سيابة (٧) ، قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ١١٦ ، الباب ٣١ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ١١.

(٢) لم ترد «شراءها» في «ف» ، «ن» ، «خ» ، «م» و «ع».

(٣) في «ص» وهامش «ش» : فقال.

(٤) الوسائل ١٢ : ١١٤ ، الباب ٣١ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٣. مع اختلاف في بعض الألفاظ.

(٥) رواه في الكافي ٥ : ١٢١ ، الحديث ٢ ، وعنه في الوسائل ١٢ : ١١٤ ، الباب ٣١ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٢.

(٦) الوسائل ١٢ : ١١٥ ، الباب ٣١ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٧.

(٧) كذا في «خ» و «ص» ، وفي «ف» ، «ن» ، «م» و «ع» : عبد الله بن سبابة ، وفي «ش» : عبد الله بن سيابة ، وفي نسخة بدل «ص» والكافي : عبد الرحمن بن سليمان.

١٥٦

يقول : إنّ المصاحف لن تُشترى ، فإذا اشتريت فقل : إنّما أشتري منك الورق وما فيه من الأديم (١) ، وحليته وما فيه من عمل يدك ، بكذا وكذا» (٢).

وظاهر قوله عليه‌السلام : «إنّ المصاحف لن تُشترى» أنّها لا (٣) تدخل في ملك أحد على وجه العوضية عمّا بذله من الثمن (٤) ، وأنّها أجلّ من ذلك ، ويشير إليه تعبير الإمام في بعض الأخبار ب «كتاب الله» و «كلام الله» (٥) ، الدالّ على التعظيم.

وكيف كان ، فالحكم في المسألة واضح بعد الأخبار وعمل من عرفت ، حتّى مثل الحلّي الذي لا يعمل بأخبار الآحاد.

توهّم استفادة الجواز من بعض الروايات

وربّما يتوهّم هنا ما يصرف هذه الأخبار عن ظواهرها ، مثل رواية أبي بصير ، قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن بيع المصاحف وشرائها. قال : إنّما كان يوضع (٦) عند القامة والمنبر. قال : وكان بين الحائط والمنبر قدر (٧) ممرّ شاة أو رجل وهو (٨) منحرف ، فكان الرجل‌

__________________

(١) في «ص» ونسخة بدل الوسائل : من الأدم.

(٢) الوسائل ١٢ : ١١٤ ، الباب ٣١ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث الأوّل.

(٣) كذا في «ش» ومصححة «ن» ، «م» و «ع» ، وفي سائر النسخ : لن.

(٤) لم ترد عبارة «على وجه إلى الثمن» في «ف».

(٥) مثل مضمرة عثمان بن عيسى ، ورواية الكافي المتقدّمتين آنفاً.

(٦) في «ش» : يوضع الورق.

(٧) في «ص» والمصادر الحديثية : قيد.

(٨) وهو» من «ش» والمصدر.

١٥٧

يأتي فيكتب السورة (١) ، ويجي‌ء آخر فيكتب السورة (٢) كذلك كانوا ، ثمّ إنّهم (٣) اشتروا بعد ذلك. قلت : فما ترى في ذلك؟ قال : أشتريه أحبّ إليّ من أن أبيعه» (٤).

ومثله رواية روح بن عبد الرحيم (٥) ، وزاد فيه : «قلت : فما ترى أن اعطي على كتابته أجراً؟ قال : لا بأس ، ولكن هكذا كانوا يصنعون» (٦) ، فإنّها تدلّ على جواز الشراء من جهة حكايته عن المسلمين بقوله : «ثمّ إنّهم اشتروا بعد ذلك» ، وقوله : «أشتريه أحبّ إليّ من أن أبيعه» ، ونفي البأس عن الاستئجار لكتابته ، كما في أخبار أُخر غيرها (٧) ، فيجوز تملّك الكتابة بالأُجرة ، فيجوز وقوع جزء من الثمن بإزائها عند بيع المجموع المركب منها ومن القرطاس ، وغيرهما.

عدم دلالة الروايات على جواز المعاوضة على الخط

لكن الإنصاف : أن لا دلالة فيها على جواز اشتراء خطّ المصحف ، وإنّما تدلّ على أنّ تحصيل المصحف في الصدر الأوّل كان بمباشرة كتابته ، ثم قصرت الهمم فلم يباشروها بأنفسهم ، وحصّلوا‌

__________________

(١) في «ص» والمصدر ونسخة بدل «ش» : البقرة.

(٢) كذا في «ف» ، «ص» والمصدر ، وفي سائر النسخ زيادة : ويجي‌ء آخر فيكتب السورة.

(٣) كلمة «إنّهم» من «ش» والمصدر ومصححة «م» و «ص».

(٤) الوسائل ١٢ : ١١٥ ، الباب ٣١ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٨.

(٥) في «ف» ، «ن» ، «خ» ، «م» و «ع» : عبد الرحمن.

(٦) الوسائل ١٢ : ١١٦ ، الباب ٣١ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٩.

(٧) الوسائل ١٢ : ١١٥ ١١٦ ، الباب ٣١ من أبواب ما يكتسب به ، الأحاديث ٤ ، ١٢ و ١٣.

١٥٨

المصاحف بأموالهم شراءً واستئجاراً ، ولا دلالة فيها على كيفية الشراء ، وأنّ الشراء والمعاوضة لا بدّ أن لا يقع إلاّ على ما عدا الخط ، من القرطاس وغيره.

وفي بعض الروايات دلالة على أنّ الأولى مع عدم مباشرة الكتابة بنفسه أن يستكتب بلا شرط ثمّ يعطيه ما يرضيه ، مثل رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، «قال : إنّ أُمّ عبد الله بنت الحسن (١) أرادت أن تكتب مصحفاً فاشترت ورقاً من عندها ، ودعت رجلاً فكتب لها على غير شرط ، فأعطته حين فرغ خمسين ديناراً ، وأنّه لم تُبَع المصاحف إلاّ حديثاً» (٢).

رواية عنبسة الورّاق وتوجيهها

وممّا يدلّ على الجواز : رواية عنبسة الورّاق ، قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّي رجل أبيع المصاحف فإن نهيتني لم أبعها. قال : ألست تشتري ورقاً وتكتب فيه؟ قلت : نعم (٣) وأُعالجها. قال : لا بأس بها» (٤).

وهي وإن كانت ظاهرة في الجواز إلاّ أنّ ظهورها من حيث السكوت عن كيفية البيع ، في مقام الحاجة إلى البيان ، فلا تعارض ما تقدّم من الأخبار المتضمّنة للبيان.

__________________

(١) في «ف» ، «ن» ، «خ» ، «م» ، «ع» ، و «ص» : عبد الله بن الحارث.

(٢) الوسائل ١٢ : ١١٦ ، الباب ٣١ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ١٠.

(٣) في «ص» والمصدر : بلى.

(٤) الوسائل ١٢ : ١١٥ ، الباب ٣١ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٥.

١٥٩

وكيف كان ، فالأظهر في الأخبار (١) ما تقدّم من الأساطين المتقدم إليهم الإشارة (٢).

المراد من حرمة بيع المصحف

بقي الكلام في المراد من حرمة البيع والشراء ، بعد فرض أنّ الكاتب للمصحف في الأوراق المملوكة مالك للأوراق وما فيها من النقوش ، فإنّ النقوش :

إن لم تعدّ من الأعيان المملوكة (٣) ، بل من صفات المنقوش الذي (٤) تتفاوت (٥) قيمته بوجودها وعدمها ، فلا حاجة إلى النهي عن بيع الخط ؛ فإنّه لا يقع بإزائه جزء من الثمن حتى يقع في حيّز البيع.

وإن عدّت من الأعيان المملوكة (٦) ، فإن فرض بقاؤها على ملك البائع بعد بيع الورق والجلد ، فيلزم شركته مع المشتري ، وهو خلاف الاتّفاق ، وإن انتقلت إلى المشتري ، فإن كان بجزء من العوض فهو البيع المنهي عنه ؛ لأنّ بيع المصحف المركب من الخط وغيره ليس إلاّ جعل جزء من الثمن بإزاء الخط. وإن انتقلت إليه قهراً تبعاً لغيرها (٧) ، لا بجزء (٨) من‌

__________________

(١) في «ص» : الاختيار.

(٢) راجع أوّل البحث عن بيع المصحف.

(٣) في «ش» زيادة : عرفاً.

(٤) في «خ» و «ع» : صفات النقش التي ، وفي «م» و «ص» : صفات المنقش التي.

(٥) في غير «ص» : يتفاوت.

(٦) في «ش» زيادة : عرفاً.

(٧) كذا في «ص» ، وفي سائر النسخ : لغيره.

(٨) كذا في «ف» ، وفي سائر النسخ : لا لجزء.

١٦٠