مراح الأرواح

المؤلف:

أحمد بن علي بن مسعود حسام الدين


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٩٤

 

______________________________________________________

عقيبه ، ولم يفصل بالأجنبي.

وإن كان متفرعا على قوله : واشتقاق تسعة أشياء من كل مصدر فيكون حصره على تسعة أبواب دون سبعة أبواب متحقق المخالفة بين : المتفرع والمتفرع عليه».

وتوضيح دفع الرد بأن الفاء في فكسرته ليس للتفريع ، بل في جواب الشرط المحذوف تدبر.

اه لمحرره.

وذلك أن تقول بعد تسليم الاعتراض أنه تفريع على مجموع الأمرين أمّا على الأول فظاهر ، وأمّا على الثّاني فباعتبار الإرجاع ، لأن الأشياء التسعة المذكورة راجعة إلى الأبواب السّبعة ، لأن تسمية الألفاظ بالماضي والمضارع وغير ذلك فروع بناء حروفها وبناء الألفاظ ، إما صحيح ، وإمّا مضاعف إلى غير ذلك ، فيكون الكتاب مكسورا ، ومتفرعا على الأمرين. اه غلام رباني.

٢١
٢٢

الباب الأول :

في الصحيح (١)

الصحيح هو الذي ليس (٢) في مقابلة (٣)

______________________________________________________

(١) قوله : (في الصحيح ... إلخ) قدمه على سائر الأبواب ، إمّا لسهولة حفظه عند المبتدئ والتعليم من الأسهل إلى الأصعب.

وإمّا لكونه مقيسا عليه للمعتلات.

وإمّا لكون مفهومه عدميا ، ومفهوم ما سواه وجوديا ، وكون العدم مقدما على الوجودي لأصالته ، وما بعده يكون طارئا عليه ، وبعضهم قدم المعتلات على الصحيح نظرا إلى أن مفهومه عدمي ، ومفهومها وجودي ، والوجودي لشرفه مقدم على العدمي ، ولكل وجهة هو مولّيها. اه فلاح.

(٢) قوله : (هو الذي ليس ... إلخ) وهذا التعريف يصدق على ما لم يوجد فيه حرف علّة أصلا ، نحو ضرب ، وعلى ما يوجد فيه لكن ليس في مقابلة الفاء والعين واللام ، نحو حوقل وعشير.

فإن الواو والياء فيهما ليسا في مقابلة شيء منها. اه فلاح.

(٣) قوله : (في مقابلة الفاء ... إلخ) أراد أن الصحيح هو الذي ليس في مقابلة فائه وعينه ولامه حرف علّة ، ولا تضعيف ولا همزة ، فاللام عوض عن المضاف إليه ، فلا يلزم كون الصلة بلا عائد. والمراد أنه لا يكون فيه شيء من ذلك ، لأن المجموع قد ينتفي بانتفاء جميع أجزائه ، وقد ينتفي بانتفاء بعضها ، والمراد هو الأول بقرينة المقابلة.

وفي بعض النسخ وقع كلمة أو موقع الواو ، وحينئذ لا إشكال. فإن كلمة أو في النفي تفيد العموم كما في قوله تعالى : (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) [الإنسان : ٢٤]. اه إيضاح.

قوله : (مقابلة ... إلخ) والمراد من المقابلة الموازنة. ويقال لها : المماثلة ، من تمثلت الشيء بالشيء إذا قابلته ، وجه المقابلة أن يقابل حروف الكلمة بالفاء والعين واللام ، مثلا أن تقول :

ضرب على وزن فعل ، فسمى الضّاد بأنها فاء الفعل ، والراء بأنها عين الفعل ، والباء بأنها لام الفعل ، فلما قابلته فلم تجد فيها حرفا من حروف العلّة والهمزة والتضعيف حكمت بأنه صحيح ، وإذا قابلت حروف كلمة وعد ، مثلا بكلمة فعل وجدت فيها حرف علّة ، وهي ـ

٢٣

الفاء والعين واللام حرف علة (١) وتضعيف وهمزة ، نحو : الضرب.

فإن قيل (٢) : لم اختص الفاء والعين واللام للوزن؟.

قلنا : حتى يكون فيه من حروف (٣) الشفة والوسط والحلق شيء.

______________________________________________________

الواو في فاء الفعل ، حكمت بأنه غير صحيح ، وكذلك في الرباعي ، إذا قابلت دحرج بفعلل فتقول : دال دحرج في مقابلة فاء فعلل ، وحاؤه في مقابلة عينه ، وراؤه في مقابلة لامه الأولى ، وجيمه في مقابلة لامه الثّانية ، وليس في حروفه الأصليّة منها من حروف العلّة والهمزة والتضعيف. وإذا قابلت وسوس بفعلل فاحكم عليه بأنه غير سالم ؛ لوجود حروف العلّة في أصوله. اه محمود رحمه‌الله.

(١) قوله : (حرف علّة ... إلخ) وإنما اعتبر أن لا يكون فيه تضعيف ولا همزة ، لترتب بعض أحكام حرف العلّة ، عليهما من الحذف والقلب ، كما سيأتي. ثم اعلم أن الصحيح والسالم لا فرق بينهما عند المصنف ، فلذا عرف الصحيح بقوله : الصحيح هو الذي ... إلخ.

وأمّا عند البعض فبينهما فرق ، فتعريف السالم هو المذكور ، وتعريف الصحيح ما ليس في مقابلة الفاء والعين واللام حرف علّة ، فيكون بينهما عموم وخصوص مطلقا ، فكل سالم صحيح من غير عكس.

ولما كان حرف العلّة والتضعيف مشهورا معلوما فيما بينهم لم يلتفت المصنف إلى بيانها ، فلا يكون التعريف بالمجهول ، واعترض عليه بأن التعريف حقه أن يكون بأمر وجودي لأنه معرّف ، والمعرّف لا بد أن يكون وجوديا. ؛ إذ يقال : إن المعدوم لا يصلح أن يكون مقوما للماهية ، لأن الذي لا يكون موجودا بنفسه كيف يعرف به غيره ؛ إذ وجوده سبب لوجود المعرّف من حيث المعرفة ، وأجيب : بأن المعدوم يجوز به التعريف إذا لم يكن طريق معرفة الشيء سوى هذا المعدوم نحو الأعمى عديم البصر ، والصحيح كذلك. اه حنيفة بتصرف.

(٢) قوله : (فإن قيل ... إلخ) أشار بالفاء إلى أن هذا الإشكال ناشئ مما سبق ؛ لأنه لما قال : في مقابلة الفاء ... إلخ ، علم أن الفاء والعين واللام مختص للوزن. اه جلال الدين.

(٣) قوله : (من حروف الشفة ... إلخ) واعلم أن كل لفظ يخرج من الفم يعتمد على المخرج ، وهو في الحقيقة ثلاثة المبدأ والوسط والمنتهى ، فأرادوا أن يكون في صيغة الوزن شيء من هذه الثلاثة ، فاختاروا من المبدأ العين فإنه من الحلق ، وهو مبدأ المخارج ، ومن الوسط اللام ، ومن المنتهى الفاء ، فإنه من الشفة وهو منتهى المخارج.

فإن قلت : حروف الحلق والوسط والشفة كثيرة ، فلم اختير هذه الحروف دون غيرها؟.

قلنا : لأنه يحصل من تركيب هذه الحروف كلمة تشتمل معاني جميع الأفعال. ألا ترى أنك إذا قلت : أكل كان معناه فعل فعل الأكل. فإذا قلت : قتل كان معناه فعل القتل ، ولما

٢٤

 

______________________________________________________

كان معناها مشتملا لمعاني جميع الأفعال ، اختيرت هي دون غيرها.

وبهذا اندفع ما يقال : إن دليل المصنف من قوله : حتى يكون فيه من حروف الشفة ... إلخ.

لاختيار الفاء والعين واللام للوزن لا يناسب المقام ؛ لأن المدعى اختيار كون الفاء ... إلخ للوزن خاص ، والدليل المسوق لذلك عام حتى يشمل عمل وعلم وسمع ومنع وفعل ولمع وغير ذلك من الكلمات التي اجتمعت فيها الحروف الثلاثة من المخارج الثلاثة كميع بالفتح روان شدن وگداخته شدن ونحوه. لما أن المخارج الثلاثة موجودة فيها فلم لم يختر من هذه الألفاظ؟

وحاصل الدفع : العمل يختص بالأفعال الظاهرة ، وكذا الفعل لما في المنتخب : وكذا المنع لأنه بالفتح معناه بشتا كذشتن. والعلم يختص بالأفعال الباطنة ، وكذا السمع والمنع إن كان مشتركا بينهما ، لأنه بمعنى. إلا أنه ليس فيه معنى العموم ، كما في الفعل بخلاف الفعل ، فإنه يعمهما فاختير فعل للوزن دون غيره.

فإن قلت : إن أخذ ترتيب هذه الحروف من جانب الحلق ، يصير اللفظ علف ؛ لأن العين من الحلق واللام من الوسط ، والفاء من الشفة ، وإن أخذ من جانب الشفة يصير فلع ففي الأول لا يحصل فعل عام لما ذكر في المنتخب أن العلف بالفتح بسيآ آشاميدن وكأن دلفه دارن جار بايه لا ولبسر بسيار خورد وبالضم وبضمتين جمع علوفة يعني آنسجه جآيايه خورد وبفتحتين خورش شؤ وجز آن وبالضم وتشديد لام مضوم ميوه درخت طلم كه آنزا شتر خورد وكذا بالثّاني لأن الفلع بالفتح شكافتن وبريدن وجز آن بكسر نيز آمده كما في المنتخب. وإن أخذ تركيب ذلك الحروف من الوسط ، فيصير لفع أو لعف وكلاهما مهملان ، فعلى كل من التقادير لا يثبت ما قلتم من أن الفعل يعم الأفعال الباطنة والظاهرة.

قلت : إنا نختار جهة أخرى غير ما ذكرتم وهو فعل الذي معناه حدثي موجود في جميع الألفاظ. يعني أنّ نقدم الفاء ثم العين على اللام ، والنكتة فيه أن الفاء أخف من الشفة ، وهي مقدمة على أخويها ، ثم لو أخر العين عن اللام ، لزم أن يكون الخفيف في طرف ، والثقيل في طرف ، فلم يكن معتدلا ، فتعين أن يكون العين في الوسط ، والخفيف في طرفها ، فحصل الاعتدال في الوزن.

فإن قلت : لم اختار الثلاثي للوزن دون الرباعي والخماسي؟.

قلت : إنه لو كان رباعيا أو خماسيا ، يكون وزن الثلاثي بحذف حرف أو حرفين ، ولو كان ثلاثيا يكون وزن الرباعي والخماسي بزيادة اللام مرة أو مرتين ، والزيادة عندهم أسهل ـ

٢٥

فقلنا : «الضرب» مصدر (١) ، يتولد منه الأشياء التسعة ، وهو (٢) أصل في الاشتقاق عند البصريين (٣) ؛ لأن مفهومه واحد ، ومفهوم الفعل متعدد لدلالته على الحدث (٤)

______________________________________________________

من الحذف ، ولهذا قيل : ادعاء زيادة الهاء في أمهات أحسن ، من ادعاء حذفها في أمات ، ثم كيفية معرفة المخارج أن يسكن الحرف ، وأدخل عليه همزة الوصل ، وتلفظ به فمن أيّ موضع خرج إليه. اه من الحواشي بتصرف.

(١) قوله : (مصدر) وعرفوا المصدر : بقولهم المصدر اسم للحدث الجاري على الفعل.

فإن قلت : يلزم من قوله : الضرب مصدر ، حمل الشيء على نفسه ؛ لأن الضرب مصدر ، فيكون التقدير المصدر مصدر؟.

أجيب : بأن المراد الضرب لفظه لا معناه الاصطلاحي حتى يرد ما ذكرتم. اه حنفية.

قوله : (مصدر ... إلخ) لا فائدة في هذا الحكم ، لكونه معلوما لكل أحد إلّا باعتبار المصدر بما بعده ، أي : الضرب مصدر يتولد ويشتق منه الأشياء التسعة المذكورة ، فيفيد الخبر باعتبار الوصف ، وفي بعض النسخ : ويتولد منه بالواو ، فحينئذ الخبر وهو المجموع ، والفائدة باعتبار الجزء الأخير منه. اه إيضاح.

(٢) قوله : (وهو أصل ... إلخ) لما نشأ من قوله : الضرب مصدر ... إلخ ، أصالة للأفعال اشتقاقا وإعلالا ، اتفاقا لما أن الأفعال مشتقة منه والمشتق منه متبوع للمشتق في الأحوال كلّها ، فدفع بقوله : وهو أصل ... إلخ ، هذا ما سمعت. اه

قوله : (وهو أصل) أراد به بيان الاختلاف بين البصرية والكوفية ، في كون الأصل في الاشتقاق المصدر ، أو الفعل وبيان معنى الاشتقاق ، وبيان أقسامه ، والأولى تقديم بيان معنى الاشتقاق وبيان أقسامه ، ثم بيان ما هو المراد منها ، ثم بيان الاختلاف المذكور ، إذ لا معنى لتوسيط تعريف الاشتقاق وتقسيمه بيان قول البصرية والكوفية ، إلا أن يقال : إن معنى التوسيط أنه قصد بيانه وبيان أقسامه بعد ما احتاج إليه. فتأمل.

ثم قوله : وهو أصل في الاشتقاق ، أي : اشتقاق الأشياء التسعة منه عند البصرية ، ولا شك أن قوله : الضرب مصدر يتولد منه ... إلخ كاف في إفادة هذا المعنى ، لا حاجة فيها إلى قوله : وهو الأصل ، فالأولى أن يقال :

قلنا : إن المصدر هو الأصل في الاشتقاق عند البصرية. اه إيضاح.

(٣) قوله : (عند ... إلخ) قدم مذهب البصريين على مذهب الكوفيين ؛ لكونه مختارا عند المصنف.

اه ح.

(٤) قوله : (على الحدث ... إلخ) فإن قيل : مفهوم الفعل ثلاثة حدث وزمان ونسبة إلى فاعل ما ، فلم لم يذكر النسبة إلى الفاعل؟. ـ

٢٦

والزمان ، والواحد قبل (١) المتعدد ، وإذا كان أصلا للأفعال يكون أصلا (٢) لمتعلقاتها ، أو لأنه (٣) اسم ، والاسم (٤) مستغن عن الفعل ، وأيضا إنما يقال له :

______________________________________________________

قلنا : اختلف في النسبة إلى الفاعل ، فقيل : النسبة إلى فاعل ما غير معتبرة في مدلول الفعل ، وقيل النسبة إلى فاعل ما معتبرة في مدلول الفعل ، بخلاف الحدث والزمان فإنه لا اختلاف فيهما ، فلما كانت النسبة مختلفة فيها لم يتعرض إلى ذكر النسبة ، وترك من البين رعاية للمذهبين ، فلذا قال : متعدد ، ولم يقل : اثنان. اه حنفية.

(١) قوله : (قبل ... إلخ) فإن قيل : لا نسلم تقدم المفرد على المركب المتعدد كلية إلا أن يكون المفرد داخلا في المتعدد؟.

قلنا : ههنا كذلك ؛ لأن مدلول المصدر جزء من مدلول الفعل فيلزم تقدم المصدر على الفعل.

اه ملا غلام رباني.

(٢) قوله : (أصلا لمتعلقاتها) أي : من غير نظر إلى جريان الدليل المذكور فيها ، بل بمجرد كونها متعلقات الأفعال ، فحاصل معنى كلامه أنه إذا كانت الأفعال أصلا لمتعلقاتها عندهم ودل الدليل على أن المصدر أصل للأفعال ثبت أن المصدر أصل لمتعلقاتها بالواسطة هذا هو الحق ، ومن الشارحين من اعترض بأنه لا يلزم من كون المصدر أصلا للأفعال من حيث التعدد المذكور كون المصدر أصلا لمتعلقات الأفعال ؛ لأن التعدد المذكور ليس بموجود في بعضها كاسم الفاعل فإنه لا يدل على الزمان.

وأجاب عنه بعض آخر بقوله : نعم إن التعدد المذكور ليس بثابت إلّا أن التعدد ثابت فيه باعتبار آخر ؛ لأنه يدل على الحدث والذات وكل ذلك ظلمات بعضها فوق بعض. اه فلاح شرح مراح.

(٣) قوله : (أو ... إلخ) ذكر هذا الدليل بكلمة أو إيذانا بأن كل واحد من الدليلين مستغن ، ولا يفتقر إلى الغير في إثبات المدعى ، فإن كلمة أو لأحد الأمرين. اه حنفية شرح مراح.

(٤) قوله : (والاسم ... إلخ) ينتج أن المصدر ، مستغن عن الفعل.

فإن قلت : المصدر حدث ، والحدث لا بد له من المحدث ، فكان المصدر مفتقرا إليه. فلا يترجح عليه؟.

قلنا : نحن ندعي استغناءه في الإفادة ، لا في الوجود وهو ثابت في المصدر ، فإن المصدر يفيد بدون انضمام شيء آخر معه ، كما تقول : ضربي زيدا قائما ، على تقدير ضربي زيدا حاصل إذا كان قائما ، فإنه يفيد لكونه كلاما تاما ؛ لوجود المسند والمسند إليه فافهم. اه حنفية.

ولقائل أن يقول : إن أصالة المصدر في الإفادة لا تدل على أصالته في الاشتقاق ؛ لأن الاشتقاق ليس هو الإفادة ولا لازما لها فتأمل. اه فلاح.

كما في زيد ضرب مثلا ، فإن ضرب محتاج إلى زيد مع أنه غير مشتق عنه. اه إيضاح.

٢٧

«مصدر» لأن هذه الأشياء التسعة تصدر (١) عنه.

والاشتقاق (٢):

______________________________________________________

(١) قوله : (تصدر عنه) لأن معنى المصدر لغة : موضع يصدر عنه الإبل.

فإن قلت : هذا القول بيان تسمية المصدر مصدرا ؛ لصدور الأشياء التسعة عنه ، وذا لا يمكن إلّا بعد ثبوت كون المصدر أصلا ، فيلزم المصادرة على المطلوب ؛ لأن الدليل حينئذ يصير عين المدعى؟.

قلت : معنى الاستدلال به أنهم جعلوا سبب تسمية المصدر مصدرا ؛ لصدور الأشياء التسعة عنه ، فلو لم يكن المصدر أصلا عندهم لما جعلوا سبب التسمية ذلك.

هذا وكلّ ما ذكره المصنف من الاستدلالات كلام ظاهري ، والتحقيق ما ذكره الفاضل الرضي حيث قال : قال البصريون : كل فرع يصاغ عن أصل ينبغي أن يكون فيه ما في الأصل ، وزيادة هي الغرض من الصوغ ، كالباب من السّاج ، والخاتم من الفضة ، وهذا حال الفعل فيه معنى المصدر مع زيادة أحد الأزمنة التي هي الغرض من وضع الفعل ؛ لأنه كان يحصل من قولك : زيد ضرب مقصوده نسبة الضرب إلى زيد ، لكنهم طلبوا بيان زمان الفعل على وجه آخر فوضعوا الفعل الدال بجوهر حروفه على المصدر ، وبوزنه على الزمان. اه فلاح شرح مراح.

(٢) قوله : (والاشتقاق ... إلخ) نعم لما فرغ من الاستدلال بادر إلى بيان ماهية الاشتقاق ، قبل ذكر متمسكات الكوفيين ، ليتضح المقصود ، لكنه قدم تعريف مطلق الاشتقاق ، على تعريف الاشتقاق المتنازع فيه ، لفائدة نذكرها إن شاء الله تعالى ، فقال : والاشتقاق ... إلخ. اه فلاح.

قوله : (والاشتقاق ... إلخ) اعلم أن الحاجة في معرفة الكلمات المشتقة ماسة إلى معرفة الأمرين شبه الاشتقاق ، وعين الاشتقاق ، فالأول عبارة عن وجدان التناسب بين اللفظين في الحروف الأصليّة ، ولا يشترط بينهما المناسبة المعنوية ، ولو وجد فلا قدح فيه ، نحو هجرع موضوع للشيء الطويل من جرع الموضوع لمكان سهل.

وقول الفقهاء : الوجه من المواجهة ؛ لاشتراكهما في الحروف الأصليّة ، وإلا فلا اشتقاق بينهما ، لأن الوجه مجرد ، والمواجهة مزيد فيه ، ولا يشتق الأول من الثّاني ، بل الثّاني من الأول. وقول النحاة : اللغو مشتق من الإلغاء. وكذا قولهم : العارية من التعاور وغير ذلك.

وأمّا الثّاني ، فهو لغة : من الشق بمعنى ياره كردن وشكافتن ، والمراد استخراج لفظ من لفظ آخر ، واصطلاحا : ما أشار المصنف إليه بقوله : أن تجد بين اللفظين ... إلخ. فقوله : أن تجد بين اللفظين تناسبا بمنزلة الجنس شامل للتناسب في اللفظ والمعنى معا ، والتناسب في اللفظ فقط ، والتناسب في المعنى فقط ، وقوله : في اللفظ بمنزلة الفصل يخرج اللفظين اللذين بينهما مناسبة في المعنى دون اللفظ ، كالقعود والجلوس.

٢٨

 

______________________________________________________

فإن فعل أحدهما لا يكون مشتقا من الآخر لفقدان المناسبة في اللفظ. وقوله : والمعنى فصل آخر يخرج اللفظين اللذين بينهما مناسبة في اللفظ دون المعنى ، كما في ضرب بمعنى الدق ، وضرب بمعنى الذهاب ، فإن فعل أحدهما لا يكون مشتقا من الآخر لفقدان المناسبة معنى.

فإن قيل : تعريف الاشتقاق لا يتناول الأكبر مع أنه من أفراده كنعق من النهق ؛ لأن بينهما ليست بمناسبة في اللفظ بل في المخرج؟.

قلنا : المراد من المناسبة في اللفظ أعم من أن يكون في جوهر الحروف ، أو في مخرجها كما هو مقتضى لفظ تناسب فيتناول الأكبر ، واعترض على هذا التعريف بوجوه :

الأول : بأنه يتناول كلّا من الضارب والمضروب مثلا بالنسبة إلى الآخر ، مع أنه ليس أحدهما مشتقا من الأخر.

والثّاني : أن هذا التعريف يقتضي أن يكون الاشتقاق هو وجدان المناسبة بين اللفظين ، لا إخراج أحد اللفظين من الآخر ، فيلزم حينئذ أحد الأمرين : إما عدم صحة التفسير المذكور ، أو عدم صحة القول بكون أحد اللفظين مشتقا عن الآخر ؛ لأن وجدان المناسبة صفة المتكلم ، لا صفة اللفظ.

أجيب عن الأول : بأن المراد من المناسبة هو الذي به يكون أحدهما مردودا إلى الآخر بعد حذف الزوائد ، ومأخوذا منه ، ولا شك أن بين الضارب والمضروب ليس مثل ذلك التناسب ، بل بين الضارب والضرب والمضروب والضرب ، ولا يخفى عدم انضباط هذا ؛ لأن هذا التناسب ، لا يوجد بين ضرب ، أي : الماضي وبين ضرب ، أي : المصدر ؛ لعدم تحقق الزائد في الماضي ، حتى تحذف ويرد إلى المصدر. ولك أن تقول : إن المراد بالزائد أعم من الحرف والحركة ، ولا شك أن في الماضي زيادة الحركة متحققة فصح الجواب. وتحقق الضبط.

وأجيب عن الثّاني : بأن في العبارة مسامحة ، والمراد كون أحد اللفظين مناسبا ، للفظ آخر في اللفظ والمعنى مع اشتقاق أحدهما من الآخر ، ودفع بأن فهم ذلك المعنى من ذلك التفسير بعيد كل البعد. والجواب : بأن فهم ذلك المعنى وإن كان بعيدا من هذا التفسير لكنه غير بعيد نظرا إلى المقام والمقصود وهذا القدر يكفينا في هذا الفن لصحة التعريف.

والثّالث : أن الاشتقاق صفة اللفظ ، ووجدان المناسبة صفة المتكلم ، فلا يحمل أحدهما على الآخر ، فالأولى أن يقول خروج لفظ من لفظ آخر بشرط أن يكون بينهما مناسبة في اللفظ والمعنى ، ونحن نقول : إنّ الاشتقاق أيضا صفة المتكلم ، وصفة اللفظ كونه مشتقا ، لأن الاشتقاق : هو الاستخراج ، أو نقول : معنى كلامه الاشتقاق التناسب الموجود بين اللفظين في اللفظ والمعنى ، لكنه تسامح فقدم الوجدان عليه تنبيها على أن ذلك التناسب من الموجودات في نفس الأمر لا من الاعتبارات المحضة ، نظيره ما قيل في تعريف ـ

٢٩

أن تجد بين اللفظين (١) تناسبا في اللفظ والمعنى ، وهو (٢) على ثلاثة (٣) أنواع :

١ ـ صغير : وهو أن يكون بينهما تناسب في الحروف والترتيب (٤) ، نحو : ضرب ، من : «الضّرب».

٢ ـ وكبير : وهو أن يكون بينهما تناسب في اللفظ دون الترتيب ، نحو : جبذ : من : «الجذب».

______________________________________________________

الوحدة : أنها تعقّل عدم الانقسام ، تنبيها على أنها من المعاني العقلية ، لا من الأمور العينية.

والرابع : أنه لا بد بين المشتق والمشتق منه من التغيير ولو كان تقديرا ، ولا يدل التعريف عليه. وأجيب : بأن قوله : تناسبا يدل على التغيير ، لأن التناسب يستعمل فيما لم يكن الاتحاد بين الشيئين بل بينهما تغاير في الجملة.

ثم اعترض عليه بأن دلالة التناسب على التغاير التزامية وهي مهجورة في التعريفات ، لما أن الغرض منها التوضيح فلزم أن تكون بألفاظ أشهر لتتضح بالوجه الأتم. أجيب : بأن الدلالة الالتزامية إذا بلغت بحد الوضوح فلا تكون متروكة ومهجورة في التعريفات وهنا كذلك ، وأيضا بأن هذا اصطلاح المنطقيين ، ولا نسلم أنها مهجورة عند الأدباء ، كما يظهر لمن تتبع كتب القوم ، أن تعريفاتهم مشحونة بالدلالة الالتزامية فتبصر. اه حنيفة وفلاح مع زيادة.

(١) قوله : (اللفظين) أي : المتغايرين. وذلك التغاير قد يكون بزيادة حرف ، كزيادة حرف الألف في مثل الضارب ، فإنه مشتق من الضرب ، وقد يكون بزيادة الحركة كزيادة فتح الراء في ضرب ، فإنه مشتق من الضرب ، وقد يكون بنقص حرف كنقص الواو من قل ، فإنه مشتق من القول ، كذا قيل. اه فلاح.

(٢) قوله : (وهو ... إلخ) هرگاه مصنف فارغ شد ؛ إذ تعريف اشتقاق شروع كرد وز بيان اقسام او كه تقسيم نيز از متممات او است كه تعريف ماهيت معرف معلوم ميشود وبتقسيم أقسام أو. شرح فارسى.

(٣) قوله : (ثلاثة ... إلخ) عند أصحاب هذا الفن إمّا بالاستقراء ، أو بالحصر العقلي ، لأنه لا يخلو إمّا أن يكون حروف المشتق من جنس حروف المشتق منه ذاتا أو مخرجا. فالثّاني هو الأكبر ، والأول لا يخلو إمّا أن يكون على ترتيب حروف المشتق منه أو على خلافه ، فالأول : هو الصغير ، والثّاني : هو الكبير ، ولما كان الصغير أقرب تناولا للمبتدئ قدمه على أخويه ، أو لأنه هو المقصود عند الصوفيّين فلذا قدمه فقال : صغير. اه حنفية.

(٤) قوله : (الترتيب) أي : في ترتيب تلك الحروف.

فإن قلت : المطلق إنما يتحصّل نوعا بانضمام قيد زائد ، وههنا ليس كذلك ؛ لأن معنى مطلق الاشتقاق كما حققه تناسب اللفظين في اللفظ والمعنى جميعا ، ومعنى هذا النوع منه على ـ

٣٠

 

______________________________________________________

ما ذكرته تناسب اللفظين في اللفظ فقط ؛ لأن التناسب في الحروف والترتيب تناسب لفظي ، فلا يكون تحصل النوع بانضمام قيد ، بل بانتقاص قيد. وهو في المعنى وهو غير جائز بالاتفاق؟.

قلت : قيد في المعنى محذوف مقدر في هذا التعريف ، وفي تعريف النوعين الأخيرين أيضا بناء على فهم المبتدئ مع أنه لا يتعلق به غرض تحصيل نوع.

فإن قلت : فعلى هذا لم يبق بين المطلق وبين النوع منه فرق ، وهو غير جائز أيضا؟.

قلت : معنى المطلق تناسب اللفظين مطلقا أعم من أن يكون التناسب في الحروف والترتيب جميعا ، وأن يكون في الحروف فقط ، أو يكون في مخرج الحروف وكل من هذا التناسب الثلاثة خاص ، فافترقا ثم إن تحقق ذلك المطلق في ضمن الخاص الأول صار نوعا من الاشتقاق المطلق يسمى صغيرا. اه فلاح.

قوله : (والترتيب) فإن قيل : ما الفرق بين الحروف واللفظ ، وأيّ نكتة في اختيار اللفظ في التعريف ، واختيار الحروف هنا؟.

قلنا : اتحاد اللفظ عام ، يشمل الاتحاد في الحروف ، والاتحاد في المخرج ، بخلاف الحروف ، فإنها تختص بالحروف المنطوقة دون المخارج. وأمّا النكتة في اختيار الحروف هنا ، فإن المعتبر في الصغير هو التوافق في نفس الحروف والترتيب دون مخارجها التي يشتملها اللفظ ، بخلاف اللفظ فإنه بمنزلة الجنس يتناول الأقسام كلها ، فالأليق في التعريف اختيار اللفظ دون الحروف. اه حنفية.

ثم قوله : تناسب كالجنس لتناوله الكبير والأكبر وقوله : في الحروف فصل خرج به الأكبر ؛ لعدم تناسب الحروف فيه ذاتا ، وقوله : والترتيب فصل آخر خرج به الكبير لعدم ترتيب الحروف فيه. اه لمحرره.

قوله : (والترتيب) واعلم أن الاشتقاق يعتبر فيه الموافقة في الحروف الأصليّة مع الترتيب في الوضع ، فلا يرد المقلوب كالحادي من الوحدة ، فإنه اشتقاق أصغر مع فقد الترتيب ، وذلك لأن الترتيب موجود وقت الوضع ، كالضرب والضارب ويسمى الأصغر ، أو بدونه نحو كني وفاك ، ويسمى الصغير ، أو المناسبة فيها نحو ثلم وثلب ويسمى الكبير.

ويعتبر في الأصغر موافقة في المعنى وفي الآخرين مناسبة ، والموافقة في المعنى بأن يكون في الفرع معنى الأصل إمّا مع زيادة ، كالضرب والضارب ، وإمّا دونها كالمقتل مصدرا من القتل. فالمصنف سمى الأصغر : صغيرا. والصغير : كبيرا.

ولا يخفى أن المعتبر في القسم الأول التوافق في الأصول لا التناسب فيها ، فإنه إنما يتصور إذا وجد مخالفة في بعضها ، وليس في القسم الأول فليس ، فالواجب على المصنف أن يقول في تعريف الصغير : وهو أن يكون بينهما توافق فيها دون الترتيب إلّا أن يقال : إنّ

٣١

٣ ـ وأكبر : وهو أن يكون بينهما تناسب في المخرج دون الحروف والترتيب ، نحو : نعق (١) ، من : «النّهق».

والمراد من الاشتقاق المذكور (٢) اشتقاق صغير (٣).

وقال الكوفيون : ينبغي (٤)

______________________________________________________

المراد بالتناسب عند المصنف التوافق. ولا شك أن التناسب في اللفظ معتبر في الأقسام الثلاثه. ولذلك أخره في تعريف مطلق الاشتقاق. اه إيضاح.

(١) قوله : (نعق من النهق) قيل : النعق : صوت الغراب ، والنهق : صوت الحمار ، وفيه نظر ؛ لأنه لا بد في الاشتقاق من اتحاد اللفظ والمعنى ، كلاهما معا على ما يشعر عطف المعنى بواو الجمع. اه ح.

والجواب : بأن المعنى المأخوذ في التعريف أعم من المطابقي والتضمني والالتزامي ، ولا شك أن نعق إذا كان بمعنى صوت الغراب يكون له تناسب بالنهق في المدلول التضمني أعني الصوت فتدبر. اه ملّا غلام رباني.

(٢) قوله : (المذكور) فإن قيل : المراد بالمذكور لا يخلو إمّا الاشتقاق في قوله : واشتقاق تسعة أشياء من كل مصدر ، وإما في قوله : وهو أصل في الاشتقاق عند البصريين ، فعلى الأول كان المعنى : الصرّاف كما يحتاج إلى الصغير ، فكذا إلى أخويه ؛ لأن الاحتياج إلى الأدنى مستلزم له إلى الأعلى أولى ، فلا يصح الاقتصار بقوله : اشتقاق صغير ، وعلى الثّاني : كما أن المصدر أصل عندهم في الصغير ، فكذا في أخويه لا يخفى. اه لمحرره.

قلنا : المراد بالمذكور الاشتقاق في قوله : واشتقاق تسعة ... إلخ اشتقاق صغير ؛ وذلك لأن الصغير أصل بالنسبة إلى أخويه ، لأنه قياسي ، بخلاف الكبير والأكبر فإنهما يتوقفان على السماع فالتقييد ليس للاحتراز عن أخويه حتى لا يحتاج إليهما ، أو يقال : للمبتدئ فائدة في الصغير ليست في أخويه ، أو يقال : إنّ الكبير والأكبر استعمالهما في الاسم دون الفعل كثير ، بخلاف الصغير فإنه يجري في الأفعال والأسماء وهذا ظاهر. اه حنفية شرح مراح.

(٣) قوله : (اشتقاق صغير) فإن قلت : فما الفائدة حينئذ في تعريف مطلق الاشتقاق ثم تقسيمه إلى ثلاثة أنواع؟.

قلت : الفائدة زيادة اتضاح المراد عند المبتدئ وتمييزه فضل تمييز ؛ إذ معرفة حقيقة النوع إنما هي بمعرفة جنسه وفصله. ويمكن أن يقال : المراد من الاشتقاق المطلق المذكور المعرف اشتقاق صغير على معنى أن الغرض من تعريف الاشتقاق المطلق معرفة الاشتقاق الصغير على حذف المضاف في الموضعين ، لكن الأول أوفق. اه فلاح.

(٤) قوله : (ينبغي) قيل : إنما ذكر بلفظ ينبغي إيذانا بأن مذهبهم غير ثابت يقينا ، بل تكلفوا ـ

٣٢

أن يكون الفعل أصلا في الاشتقاق ؛ لأن إعلاله (١) مدار (٢) لإعلال (٣) المصدر وجودا (٤) وعدما (٥) ، أما وجودا ففي : يعد (٦) عدة ، وقام قياما (٧) ،

______________________________________________________

في إثبات مذهبهم. وهي كلمة تستعمل في الحكم الذي دون الواجب ، فوق المستحب ، واستعمالها في الأولوية أغلب. اه حنفية مختصرا.

(١) قوله : (إعلاله) وهو تغيير حرف العلّة للتخفيف. وهو قد يكون بالقلب كما في قال ، وقد يكون بالحذف كما في قلت ، وقد يكون بالإسكان كما في يقول. اه فلاح.

(٢) قوله : (مدار) أي : سبب يثبت الأثر بثبوته ، وينتفي بانتفائه ، وهو مصدر ميمي من دار يدور ، أصله مدور بفتح الواو فأعلّ بالنقل والقلب. اه ف.

قوله : (مدار) قيل : المدار ظرف مكان ، بمعنى المرجع إليه ، والمراد : هو الشيء الذي يثبت ... إلخ. اه إيضاح.

(٣) قوله : (لإعلال ... إلخ) وما يكون إعلاله مدارا لإعلال شيء ، كذلك يكون أصلا له ينتج أن الفعل أصل ، أما الكبرى فظاهرة ، وأمّا الصغرى فقد أثبتها المصنف بتمثيل مثالي ، مثال وأجوف بقوله : أما وجودا ... إلخ. اه فلاح.

(٤) قوله : (وجودا) يعني : يعل المصدر إذا أعلّ فعله ، والسرّ في ذلك أن الإعلال تغيير حرف العلّة للتخفيف ، وأن الفعل ثقيل بالنسبة إلى الاسم والحرف ، فيكون الأصل في الإعلال هو الفعل لا غيره ، وأمّا غيره فلا يعلّ إلّا بمتابعته ومشابهته له ، ولذا لا يعل غيره إلّا ما هو جار مجرى الفعل ، ومن ثم صحح عين أفعل التفضيل ، في نحو أبيع وأقول ؛ لعدم جريه مجرى الفعل لدلالته على الزيادة ، وإمّا لأنه لكونه محلا للتغيير فلا يصحح. اه جلال الدين.

(٥) قوله : (وعدما) يعني : لا يعل المصدر إذا لم يعل الفعل. اه حنفية.

(٦) قوله : (يعد) أصله يوعد بوزن يضرب ، فحذفت الواو لوقوعها بين ياء وكسرة أصلية فأعلّ مصدره أيضا ، وهو عدة بوزن هبة أصله وعدة فأعلّ بشرطين ، أحدهما أن يعل فعله ، والثّاني أن يكون على وزن فعلة بكسر الفاء وسكون العين ، وإذا كان إعلال فعله شرطا لإعلاله كان مدارا له ، وكيفية إعلاله أنه نقلت حركة الواو إلى ما بعدها ، ثم حذفت ساكنة إتباعا للفعل ، واشتمالا للكسرة على الواو وحذفت متحركة ، وحرك ما بعدها بجنس حركتها ، ولزوم تاء التأنيث كالعوض منها ، فلو انتفى أحد الشرطين لا يجوز حذفها فلا تحذف من نحو الولدة ، لأنه اسم فانتفى الشرط الأول ، ولا من نحو الوعدة والوعد بفتح الواو فيهما لانتفاء الشرط الثّاني. اه فلاح شرح مراح الأرواح.

(٧) قوله : (قياما) أصله قواما ، فقصد بقلب الواو إتباعا لفعله ، لا لوجود موجب الإعلال ، لكن لما كان ما قبلها مكسورة قلبت ياء لا ألفا ، فيكون المصدر تابعا لفعله في مطلق الإعلال. اه فلاح.

٣٣

وأما عدما (١) ففي : يوجل وجلا ، وقاوم (٢) قواما ، ومداريّته تدل على أصالته (٣).

وأيضا يؤكّد الفعل (٤)

______________________________________________________

(١) قوله : (عدما) يعني أمّا عدم إعلال المصدر بسبب عدم إعلال الفعل فثابت في مثل يوجل معناه ، وبابه يخاف يعني لم يعل الواو فيه لعدم موجب الإعلال ، أمّا بالحذف فلعدم وقوعها بين ياء وكسرة ، وأمّا بالقلب ألفا أو بنقل الحركة فلسكونها. وأمّا بالقلب ياء فلعدم انكسار ما قبلها. وجلا مصدر بوزن وعدا لم يعل إتباعا لفعله كما يعل عدة لذلك. اه فلاح.

(٢) يعني : لم يعلّ قاوم إما لوجود مانع الإعلال لأنه لو حذفت الواو إمّا ابتداء أو بعد قلبها ألفا ، التبس بقام وإما لعدم موجبه ؛ لأنها لا يمكن قلبها ياء لعدم انكسار ما قبلها. اه ف.

(٣) قوله : (على أصالته) أي : كون الفعل أصلا والمصدر فرعا ، حاصل هذا الدليل : أن المصدر لو كان أصلا عن الفعل لما كان تابعا للفعل في الإعلال ؛ لأن الأصل لا يتبع الفرع ، وإذا كان تابعا علمنا أنه ليس بأصل ؛ لأن الشيء إذا تبع غيره في الصحة والإعلال صار فرعا عليه ، فصار المتبوع أصلا ، والتابع فرعا.

فإن قلت : اللازم من الدليل المذكور هو أصالة الفعل وفرعية المصدر في الإعلال لا في الاشتقاق ، والمدعى أصالته فيه لا الإعلال فلا يوافق الدليل بالمدعى؟.

أجيب عنه : بأنه لما ثبت الأصالة في الفعل من وجه لا في المصدر ، ثبت الأصالة في الاشتقاق أيضا حملا لما هو مشكوك على ما هو متيقن.

فإن قيل : لم لم يعل قول مع أنه أعل فعله وهو قال؟.

قلنا : سكون حرف العلّة مع انفتاح ما قلبها في غاية الخفة ، وإنما المدارية لتحصيل الخفة وهو منتف ههنا. اه حنفية.

قوله : (على أصالته) لكون المدار متبوعا ، وأنت تعلم أن قوله : ففي يعد عدة ويوجل وجلا ، يدل على أن المضارع أصل والمصدر مشتق منه بالذات وقوله في قام قياما وقاوم يدل على أن الماضي أصل والمصدر مشتق منه بالذات فاضطربت مقالتهم.

وأيضا إنّ هذا الاستدلال من قبيل إثبات القاعدة بالأمثلة وهو غير جائز ، نعم تثبت القاعدة بها إذا كان بالاستقراء التام وههنا ممنوع.

وأيضا إن مثل عدة لا يكون إعلاله بمجرد إتباع الفعل ، بل بشرطين حتى لا يعل الوعدة والوعد بفتح الواو فيهما مع أن فعلهما وهو يعد يعل كما حققته.

وأيضا إن اعشوشب فعل لا يعل واعشيشابا مصدر يعل بقلب الواو ياء فانتفت دلالة مدارية إعلال الفعل لإعلال المصدر وجودا وعدما. اه فلاح.

(٤) قوله : (يؤكد الفعل) في العبارة مسامحة ؛ لأن ضربا في ضربت ضربا يؤكد ما هو المسند حقيقة ، وهو الضرب المدلول عليه لضربت لا الإسناد والزمان كما لا يخفى. وفائدته دفع ـ

٣٤

به نحو : ضربت ضربا ، وهو بمنزلة (١) : ضربت ضربت ، والمؤكّد أصل من المؤكّد.

ويقال له (٢) : «مصدر» لكونه مصدورا عن الفعل ، كما قال : مشرب (٣) عذب ، ومركب فاره ، أي : مشروب ومركوب.

______________________________________________________

توهم التجويز وعليه حمل قوله تعالى : (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) [النساء : ١٦٤] ، أي : كلمه بذاته لا بترجمان بأن يأمره بالتكلم لموسى عليه‌السلام. اه عبد الغفور بنبذ تغيير.

(١) قوله : (بمنزلة ضربت ضربت) إشارة إلى جواب سؤال مقدر وهو أن يقال : كون المصدر ـ أعني : ضربا ـ تأكيدا للفعل لا يكاد يصح ؛ لأن التأكيد على نوعين لفظي ومعنوي ، أمّا اللفظي فهو تكرير اللفظ الأول بعينه ، وأمّا المعنوي فهو بألفاظ محصورة وهي نفسه وعينه وغير ذلك ، وكلاهما مفقودان في ضربا. فأجاب بأنه بمنزلة ضربت ضربت وإنما كان بمنزلة ضربت ... إلخ ؛ لأن ضربا تأكيد لما هو منسوب إلى المتكلم فيكون ضربا أيضا منسوبا إلى المتكلم. فالحاصل أن ضربا وإن كان باعتبار اللفظ غير ضربت لكن في الحقيقة والتأويل عينه. اه حنفية مع إيضاح.

قوله : (بمنزلة ضربت ضربت) ولا يخفى أنه تأكيد لغوي يؤكد بعض مدلول الفعل وما ذكروا من التقسيم ، فهو للتأكيد الاصطلاحي فلا حاجة إلى القول : بأنه بمنزلة ضربت لتصحيح كونه تأكيدا. اه إيضاح.

اللهم لما لم يكن ضربا في ضربته ضربا من التواكيد الصناعية ، كان في تأكيد الفعل نوع خفاء بالنسبة إلى بعض الأذهان فشبهوا بالتأكيد اللفظي الصناعي ، فقالوا : وهو بمنزلة ... إلخ. اه ف.

(٢) قوله : (ويقال له ... إلخ) هذا وجه تسمية المصدر مصدرا عند الكوفيين. ونفي لما ذكره البصريون من وجه التسمية بطريق المعارضة ، لا دليل ثالث على مطلبهم كما زعمه بعض الشارحين ، وإلّا لزم المصادرة من أنه دليل ثالث وتقريره : أن البصريين لما قالوا في وجه تسمية المصدر مصدرا من أن هذه الأشياء تصدر عنه ؛ لأن المصدر مفعل بمعنى محل الصدور ، إذ هي ظرف فيكون المصدر محلا لصدور الأشياء.

فأجاب الكوفيون عن ذلك : بأن تسمية المصدر مصدرا ليست باعتبار ما زعمتم ، بل باعتبار أنه مفعل وهو مصدر ميمي بمعنى المفعول ، فيكون المصدر بمعنى المصدور عن الفعل ، فثبت أن المصدر فرع للفعل ، ولما استبعد كون المصدر بمعنى المصدور استدلّ عليه بقول العرب : مشرب. اه حنفية وإيضاح.

(٣) قوله : (مشرب ... إلخ) بيانه أن المصدر مفعل ، ويذكر مفعل ويراد به المفعول ، كما في قول العرب : مشرب عذب ، أي : مشروب ... إلخ. فكذا المصدر بمعنى المصدور عن الفعل فيكون فرعا له لا محالة. ولا يصح أن يكون المشرب في قولهم بمعنى محل الشرب ، لأن محله القصعة مثلا. وهي ليست بعذب بل العذب إنما هو الماء ، وكذا المركب ؛ لأن محل الركوب هو السرج ، وهو ليس بفاره بل الفاره هو الفرس وهو مركوب. اه ح.

٣٥

قلنا في جوابهم : إعلال المصدر للمشاكلة (١) لا للمداريّة ، كحذف الواو في : «تعد» (٢) والهمزة في : «تكرم».

والمؤكّديّة (٣) لا تدل على أصالته في الاشتقاق ، كما في : جاءني زيد زيد (٤).

______________________________________________________

(١) قوله : (للمشاكلة ... إلخ) يعني لما قال الكوفيون : إن إعلال الفعل مدار لإعلال ... إلخ ، أشار المصنف آنفا من طرف البصريين إلى رد قولهم بمنع المدارية وبيان ذلك أن مدار الشيء لا يختلف عنه في شيء من الأوقات ، فإذا عرفت هذا فاعلم : أن إعلال الفعل لو كان مدارا لإعلال المصدر لأعل كثير من المصادر التي أعل فعلها ، واللازم وهو إعلال كون كثير من ...

إلخ ، باطل فكذا الملزوم من كون إعلال الفعل مدارا لإعلال المصدر باطل.

أما بطلان اللازم فقد حررنا لك في شرح قوله : ومداريته تدل على أصالته ، وكذا بطلان الملزوم فيه فافهم.

فإذا بطل المدارية ثبت المدارية بين المصدر والفعل ؛ لأن بينهما مناسبة في الحروف والمعنى ، أمّا الأول فظاهر ، وأمّا الثّاني فلأن كل واحد منهما يدل على الحدث ، وما من فعل إلا ومعه حدث. فإذا ثبت المناسبة بينهما في الحروف والمعنى جعل كل واحد منهما بمنزلة لفظ واحد ؛ ليكون الألفاظ على قضية المعاني فلذلك يعل المصدر حيث يعل الفعل رعاية لما بينهما من التناسب ، لا لكونه فرعا له في الاشتقاق. اه ح بتغير.

(٢) قوله (والهمزة في يكرم) بنقطتين من تحت وباقي صيغ المضارع سوى أكرم ، وسائر متصرفاتها من الفاعل والمفعول وغيرهما. وإن لم يوجد فيها علّة الحذف وهي اجتماع الهمزتين موافقة لأكرم ، أي : ليطرد الباب.

اعلم أن حاصل هذا الجواب منع مدارية إعلال الفعل لإعلال المصدر وجودا ، فكأنه قال : إنا لا نسلم أن إعلال الفعل لإعلال المصدر وجودا ، فكأنه قال : إنا لا نسلم أن إعلال الفعل للمدارية لا يجوز أن يكون للمشاكلة اللفظية كحذف الواو في تعد فلا يتوجه أن يقال : إن إعلال المصدر للمشاكلة لا للمدارية دعوى بلا دليل. ولما كان مدار الاستدلال على المدارية وجودا وعدما معا اكتفى بمنع الشق الأول ولم يتعرض لمنع الشق الثّاني وقد منعناه أيضا فتذكر. اه فلاح شرح مراح الأرواح.

(٣) قوله : (والمؤكدية ... إلخ) يعني أنّا لا نسلم كون المؤكد أصلا من المؤكد في الاشتقاق ؛ لأنه لو كان كذلك لزم أن يكون الشيء مشتقا من نفسه ، وهو ممتنع نحو جاءني زيد زيد فإن زيد الأولى مؤكّد والثّاني مؤكّد فلو كان الأولى أصلا في الاشتقاق لزم أن زيدا اشتق من زيد وليس كذلك كما لا يخفى. بل في الإعراب والأصالة فيه ليس بحجة علينا ؛ لعدم كلامنا فيه. اه جلال الدين.

(٤) قوله : (زيد زيد) وأنت تعلم أن هذا الجواب إنما يصح لو حمل التأكيد على اللفظي

٣٦

وقولهم : «مشرب عذب» و «مركب فاره» من باب : جرى النّهر (١) ، وسال الميزاب ، والله أعلم.

______________________________________________________

الصناعي ؛ إذ فساده حينئذ ظاهر ، وليس كذلك بل مراد الكوفيين من التأكيد اللغوي خاصة فلا يلزم من كون اللفظ الأول أصلا بالنسبة إلى الثّاني في الإعراب كونه كذلك في الاشتقاق.

وأيضا إنا لا نجد في ضربت إعرابا أصليا ، يتبعه إعراب ضربا هذا ونحن نستعين بالله ونقول باستعانته :

الجواب الصحيح أن يقال : المؤكدية بالمعنى الذي أراده لا تدل على الأصالة في الاشتقاق ، بل في غرض المتكلم في نظم الكلام ، فهو أمر قد يتبدل عن تبدل الأغراض. كما إذا قلت :

زيد قائم لا قاعد ، كان قائم مؤكدا وأصلا ولا قاعد مؤكدا. وفرعا ، فإذا عكست وقلت : زيد لا قاعد بل قائم ، صار الأصل فرعا والفرع أصلا ، وأمثال ذلك كثيرة ، والأصالة في الاشتقاق ، أمر لا يتبدل وكل ذلك ظاهر بصواب التأمل وعلى هذا الجواب يندفع ما قيل : إن مدعى الكوفية هو أصالة الفعل في الاشتقاق لا مطلقا ثم أثبت مدّعاهم ، بدليل هو كون المصدر تأكيدا للفعل ، والتأكيد يدل على الفرعية في الاشتقاق فتفتقر البصرية بقولهم : جاءني زيد زيد ليس بشيء ؛ إذ زيد مما يصح أن يشتق منه شيء لكونه من الجوامد ، وإنما المدعى اشتقاق الثّاني من الأول فيما يصح أن يشتق أحدهما من الآخر. تأمل. اه فلاح بزيادة.

قوله : (زيد زيد) وأيضا تقول : ضربا في ضربت ضربا ، لا يؤكد الفعل بل المصدر الذي في ضمن الفعل. قال الفاضل الرضي : وهو يعني ضربا في ضربت ضربا في الحقيقة تأكيد للمصدر المضمون ، لكنهم سموها تأكيدا للفعل توسعا ، وإذا لم يكن الفعل مؤكدا بالمصدر في الحقيقة لم يكن له أصالة بالنسبة إلى المصدر أصلا ، فضلا عن الأصالة في الاشتقاق.

اه فلاح بتصرف.

(١) قوله : (جرى النهر ... إلخ) أي : من باب المجاز الذي ذكر المحل وإرادة الحال ، لا من قبيل ذكر المصدر وإرادة المفعول كما ذكرتم ، يعني : أن مشربا ومركبا اسمي مكان يراد بهما ما حل في ذلك المكان ، فيراد من مشرب ماء حل فيه ، ومن مركب فرس حمل فيه ، فمعنى مشرب عذب ماء عذب ، ومعنى مركب فاره فرس فاره ، كما أن النهر موضع يراد به ما حل فيه وهو الماء فيكون معنى جرى النهر الماء فيه.

أقول : المشرب يكون مصدرا ميميا واسم مكان فكلا المعنيين سائغ ، لكن ما قاله الكوفيون شائع ، وأمّا المركب فهو لا يكون إلا مصدرا بمعنى المفعول حتى كان كأنه اسم لما يركب فلا يكون من باب جرى النهر.

والأولى في الجواب أن يقال : لا يلزم من كون المشرب والمركب بمعنى المشروب

٣٧

ومصدر الثلاثي كثير ، وعند سيبويه يرتقي (١) إلى اثنين وثلاثين بابا (٢) ،

______________________________________________________

والمركوب ، كون لفظ المصدر بمعنى المصدور بمجرد كونه موازنا لهما وهو ظاهر ، وأيضا يجوز أن يكون من باب جرى النهر. اه فلاح مختصرا.

(١) قوله : (يرتقي ... إلخ) مستثنى في المعنى من قوله : كثير ، فكأنه قال : ومصدر الثلاثي المجرد سماعي لا ضبط له ولا ترتقي أوزانه إلى عدد معين عند جميع الصرفيين إلا عند سيبويه فإن ما ذكره نوع من الضبط ، قيل : إن المصادر الثلاثية عند سيبويه أربعة وثلاثون بابا المذكورة وبغاية وكراهية لكن المصنف تركهما لقلتهما. فلاح.

(٢) قوله : (إلى اثنين وثلاثين بابا) وجه الضبط أن المصدر عينه إما ساكن أو متحرك ، والساكن إمّا أن لا يزاد فيه شيء أو يزاد تاء التأنيث ، أو ألف التأنيث ، أو الألف والنون المشبهتان بهما.

وعلى التقادير الأربعة إما مفتوح الفاء أو مكسورة أو مضمومة فما حصل من ضرب الأربعة في الثلاثة الذي هو اثنا عشر مذكور على الترتيب المذكور ، نحو قتل من باب الأول يعني نصر بفتح القاف وسكون التاء ، وفسق من باب الأول بكسر الفاء وسكون السين ، وشغل من باب الثّالث يعني من حد فتح بضم الشين وسكون الغين ، ورحمة من باب الرابع يعني سمع يسمع بفتح الراء وسكون الحاء المهملتين ، ونشدة من باب الأول وهو نصر يقال : نشد الضالة ، أي : طلبها ، وقيل : من باب الرابع بكسر النون وسكون الشين المعجمة ، وكدرة من باب الرابع بضم الكاف وسكون الدال الكدرة ضدّ الصفو ، ودعوى من باب الأول بفتح الدال وسكون العين المهملتين ، وذكرى من باب الأول بكسر الذال المعجمة وسكون الكاف وهو ضد النسيان ، وبشرى من باب الأول بضم الباء وسكون الشين المعجمة ، وليّان من باب الثّاني وهو ضرب يضرب مصدر لوى يلوي أصله : لويان اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء ، فاجتمعت الياءان فأدغمت الياء في الياء فصار ليّان يقال : لوى الحبل ، أي : فتله ، وحرمان مصدر من باب الثّاني بكسر الحاء المهملة وسكون الراء أيضا. وغفران من باب الثّاني بضم الغين المعجمة وسكون الفاء.

وأردف ذلك بقوله : ونزوان من باب الأول بفتحات مصدر نزا بمعنى وثب ؛ لأن المصدر المتحرك العين زيد في آخره ألف ونون لم يجئ إلا هذا البناء ، فذكره ههنا للمناسبة مع ليان هذا إذا كان العين ساكنا.

وأمّا إذا كان متحركا فهو إمّا مفتوح ولا يزاد فيه شيء فهو إمّا مفتوح الفاء ، نحو طلب من باب الأول بفتحتي الطاء المهملة واللام ، وإمّا مكسورة نحو صغر من الباب الخامس وهو كرم يكرم بكسر الصاد المهملة وفتح الغين المعجمة ، وإمّا مضمومة نحو هدى من باب الثّاني على وزن فعى بسكون اللام بالألف المكسورة أصله هدي فقلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، وحذفت الألف لاجتماع الساكنين بين الألف والتنوين ، فصار وزنه فعى ، وإمّا مكسورة ولا يزاد فيه شيء ، ولم يجئ منه غير مفتوح الفاء ، نحو خنق من باب الأول ـ

٣٨

______________________________________________________

بفتح الخاء المعجمة وكسر النون ولا يقال بالسكون وهو مصدر إذا حبس حلقه ، كذا في المغرب ، والمصنف قدمه على صغر وهدى لقلة وقوعهما.

وإمّا مضموم ولا يزاد فيه شيء ولم يجئ منه شيء هذا إذا كان العين متحركا ولم يزد فيه شيء.

وأمّا إذا كان متحركا وزيد فيه شيء فالعين فيه حينئذ إمّا مفتوح ويزاد فيه التاء ولم يجئ منه أيضا غير مفتوح الفاء نحو غلبة من باب الثّاني بفتحتي الغين المعجمة واللام ، وإمّا مكسور ويزاد فيه التاء ولم يجئ منه غير مفتوح الفاء. نحو سرقة من باب الثّاني بفتح السين وكسر الراء المهملتين.

وإمّا مفتوح ويزاد فيه الألف فهو إما مفتوح الفاء ، نحو ذهاب من باب الثّالث بفتح الذال المعجمة ، وإمّا مكسورة ، نحو صراف من باب الثّاني بكسر الصاد بمعنى النقل والرد ، وقيل : الصّرف زيادة لغة ، وإمّا مضمومة نحو سؤال من باب الثّالث بضم السين.

وإمّا مفتوح ويزاد فيه الألف والتاء وهو أيضا إمّا مفتوح الفاء. نحو زهادة من باب الرابع بفتح الزاي المعجمة والهاء المخففة ، وإما مكسورة نحو دراية من باب الثّاني ، ولم يجئ مضمومة بكسر الدال وفتح الراء المهملتين من درى يدري.

وإما مضموم ويزاد فيه الواو وهو أيضا إما مضموم الفاء نحو دخول من باب الأول بضم الدال والخاء المعجمة ، وإمّا مفتوح الفاء نحو قبول من باب الرابع وهو علم يعلم بفتح القاف أخّره لقلته ، ولم يجئ منه مكسورة.

وإمّا مكسورة. ويزاد فيه الياء ولم يجئ منه غير مفتوح الفاء نحو وجيف من باب الثّاني مصدر وجف بمعنى اضطرب بفتح الواو وفيه نظر ؛ لأنه حينئذ مضارعه وجف يجف ، كوعد يعد والفعيل اللازم لا يجيء إلا من مضموم العين في الماضي والمضارع ، اللهم إلا أن يقال : إن هذا إنما يلزم إذا كان الفعيل صفة مشبهة وهنا ليس كذلك بل هو مصدر وفي المصدر لم يوجد الاختصاص بمضموم العين في الماضي والمضارع. فاندفع النظر من الأصل.

وإمّا مضموم يزاد فيه الواو والتاء ولم يجئ منه غير مضموم الفاء. نحو صهوبة من باب الخامس هي الحمرة في شعر الرأس بضم الصاد المهملة والهاء.

وإمّا مفتوح ويزاد فيه الميم ولم يجئ منه أيضا غير مفتوح الميم نحو مدخل من باب الأول بفتح الميم والخاء المعجمة وسكون الدال.

وإمّا مكسورة ويزاد فيه الميم ولم يجئ منه أيضا غير مفتوح الميم نحو مرجع من باب الثّاني بفتح الميم وكسر الجيم.

وإمّا مكسور ويزاد فيه الميم والتاء ولم يجئ منه غير مفتوح الميم نحو مسعاة من باب الثّالث من سعى أصله مسعية ، قلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، قال في مختار الصحاح :

المسعاة واحدة المساعي في الكرم والجود وهو بكسر الميم وسكون السين وفتح العين والألف لام الكلمة والتاء زائدة.

وإمّا مكسور ويزيد فيه الميم والتاء ولم يجئ منه غير مفتوح الميم نحو محمدة من باب الرابع ـ

٣٩

نحو : قتل ، وفسق ، وشغل ، ورحمة ، ونشدة ، وكدرة ، ودعوى ، وذكرى ، وبشرى ، وليّان ، وحرمان ، وغفران ، ونزوان ، وطلب ، وخنق (١) ، وصغر ، وهدى ، وغلبة ، وسرقة ، وذهاب ، وصراف ، ومدخل ، ومرجع ، ومسعاة ، ومحمدة ، وسؤال ، وزهادة ، ودراية ، ودخول ، وقبول ، ووجيف ، وصهوبة.

وقد يجيء (٢) على وزن اسمي الفاعل والمفعول ، نحو : «قمت قائما» (٣). ونحو قوله تعالى : (بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) (٤) [القلم : ٦].

ويجيء للمبالغة (٥) نحو : التّهدار (٦) ،

______________________________________________________

بفتح الميم وسكون الحاء المهملة وكسر الميم الثّانية وفتح الدال والتاء زائدة. اه. فلاح مع نبذ من الحنفية.

(١) قوله : (خنق) مصدر من خنق إذا حبس حلقه كذا في المغرب. والصغر معناه خير وشدن والهدى معناه ره راست نمودن ، والغلبة معناها زور آوردن ، والسرقة معناها دزدي كردن ، والذهاب معناه رفتن ، والصراف معناه گشتن وگردانيدن وميل كردن. اه. ح.

(٢) قوله : (وقد يجيء ... إلخ) لأن اسم الفاعل والمفعول قد يجيء على وزن صيغة المصدر بأن يؤول المصدر بهما كقولهم : رجل عدل ، أي : عادل. وهذا الدرهم ضرب الأمير ، أي : مضروبه ، فكذلك يجيء المصدر على وزن اسم الفاعل والمفعول. اه حنفية.

(٣) قوله : (قائما) فقائما مصدر بمعنى قيام وإن كان وزنه وزن اسم الفاعل ؛ لأنه فاعل حقيقة يراد به معنى المصدر. كما يذكر المصدر ويراد به الفاعل نحو رجل عدل ، أي : عادل. اه

(٤) قوله : (بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) [القلم : ٦] فيه احتمالات :

الأول : أن يكون الباء زائدة فالمعنى أيكم الذي فتن بالجنون ، فعلى هذا يكون المفتون بمعنى المفعول ، كما هو الظاهر ، لا بمعنى المصدر ؛ لأن أيّ اسم مبهم يكون بعضا من المضاف إليه وهو ههنا ضمير المخاطبين ، فلزم حمل صرف الوصف على الذات وهو كما ترى.

والثّاني : أن لا يكون الباء زائدة لكن المفتون يكون مصدرا كالمعقول والمجلود على ما في القاموس ، فالمعنى بأيكم الجنون فعلى هذا يكون الباء للإلصاق.

والثّالث : أن يكون الباء بمعنى في ، والمفتون يكون بمعنى المفعول ، كما يقتضيه لفظه بمعنى بأيّ الفريقين منكم المجنون أبفريق المؤمنين أم بفريق الكافرين ، أي : في أيهما يوجد من يستحق هذا الاسم. اه ملا غلام رباني.

(٥) قوله : (للمبالغة) أي : في الفعل والكثرة فيه على وزن التفعال بفتح الأول وسكون الثّاني نحو إلخ. اه

(٦) قوله : (التهدار) بمعنى كثيرة الهدر بفتح الهاء وسكون الدال المهملة ، هو غليان الشراب من هدر الشراب إذا غلى. اه حنفية.

٤٠