مراح الأرواح

المؤلف:

أحمد بن علي بن مسعود حسام الدين


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٩٤

والتّلعاب (١) ، والحثّيثى ، والدّلّيلى ، والخلّيفى (٢).

ومصدر (٣) غير الثلاثي المجرد على سنن واحد (٤) ، إلا في : كلّم كلاما ، وفي : قاتل قتالا (٥) وقيتالا ، وفي (٦):

______________________________________________________

(١) قوله : (والتّلعاب) على وزن التّفعال بفتح التاء ؛ لأن جميع ما جاء من المصادر على هذا المثال ، فهو مفتوح التاء ؛ وأمّا التبيان والتلقاء بكسر التاء فيهما فشاذان من هذا الوزن ، كما صرحوا به ، وهو من لعب يلعب معناه بسيار بازى كردن من حد سمع يسمع ، وقيل : من فتح.

اه ح مع فلاح.

(٢) قوله : (الخليفى) قال عمر رضي‌الله‌عنه زمن خلافته : لو لا الخليفا لأذنت ، أي : لو لا كثرة الاشتغال بأمر الخلافة والذهول بسببها عن تفقد أوقات الأذان لأذنت.

قيل : سئل الزمخشري : أهو قياسي أم سماعي؟ فقال : هذا الباب كثير الاستعمال فينبغي أن يكون قياسا.

قال سيبويه : أوزان المبالغة لا يجيء إلا من الثلاثي ، وأمّا جمهور الصراف فقد جوزوا ذلك مطلقا. قيل : إن ذكر المصدر للمبالغة استطرادا ؛ لأن المراد بيان مصدر يشتق منه فعل مشتمل على معناه وزيادة ، كما يدل عليه السياق والسباق ، وهو ليس كذلك ؛ لأنه ليس في فعله دلالة على هذا التكثير والمبالغة فافهم. اه فلاح شرح مراح.

(٣) قوله : (ومصدر ... إلخ) لما فرغ عن بيان أمثلة مصادر الثلاثي المجرد ، شرع في بيان ما هو غيره مطلقا سواء كان المزيد فيه من الثلاثي أو رباعيا ، أو المزيد فيه من الرباعي أو الملحقات.

اه ملا غلام رباني رحمه‌الله.

(٤) قوله : (واحد) يعني يجيء قياسا فلكل باب قياس على حدة ، فنقول مثلا : كل ما كان ماضيه على فعلل كدحرج ، فمصدره على فعللة كدحرجة ، وكل ما كان ماضيه على أفعل فإفعال ، وكل ما كان ماضيه على فعّل فتفعيل ، وكل ما كان ماضيه على فاعل فمفاعلة وفعال ، وكل ما كان ماضيه افتعل فافتعال ، وكل ما كان ماضيه إفعلّ فافعلال ، وكل ما كان ماضيه تفعّل فتفعّل ، وكل ما كان ماضيه استفعل فاستفعال ، وكل ما كان ماضيه افعوعل فافعيعال ، وكل ما كان ماضيه افعوّل فافعوّال ، وكل ما كان ماضيه افعنلل فافعنلال ، وكل ما كان ماضيه افعنلى فافعنلاء ، وكل ما كان ماضيه تفعلل فتفعلل ، وكل ما كان ماضيه افعللّ فافعلّال ، وفيه قياس واحد. لجميع الرباعي والمزيد لكن لا يليق بيانه بهذا المختصر. اه فلاح.

(٥) أي : والثّاني في باب المفاعلة نحو قاتل ... إلخ فإنه لا يجيء مصدره قياسا وهو مقاتلة بل يجيء قتالا بكسر القاف وتخفيف التاء ، وقيتالا بكسر القاف وكسر الياء ، فالأوّل على وزن فعال ، والثّاني فيعال. اه سمع.

(٦) قوله : (وفي ... إلخ) أي : والثّالث في باب التفعل نحو تحمّل ... إلخ ، فإنه لا يجيء ـ

٤١

تحمّل تحمّالا ، وفي زلزل (١) زلزالا.

والأفعال (٢) التي تشتق من المصدر خمسة وثلاثون بابا :

ستّة (٣)

______________________________________________________

مصدره قياسا وهو تحمّل بل يجيء تحمّالا بكسرتين وتشديد الميم على وزن تفعّال. اه شرح.

(١) قوله : (وفي زلزل ... إلخ) أي : والرابع في باب فعللة نحو زلزل ... إلخ ، فإن مصدره لا يجيء قياسا ، وهو زلزلة بل يجيء زلزال ، بفتح الأول والقياس بكسره ، إلا أنهم جوزوا الفتح لثقل المضاعف. اه ف.

(٢) قوله : (والأفعال ... إلخ) ولما بين أن المصدر أصل في الاشتقاق ، وأن المصدر قسمان سماعي وهو من مصادر الثلاثي المجرد حيث لا ضبط لأوزانها عند الجمهور ، وقياسي وهو من غير الثلاثي المجرد ، وبين كلا من السماع والقياسي منه شرع في المقصود فقال : والأفعال التي تشتق ... إلخ. صفة كاشفة للأفعال لا قيد احترازي عن الجوامد ؛ لأن كل الأفعال مشتق من المصدر ، كذا قيل. اه فلاح وإيضاح.

(٣) قوله : (ستة) فإن قلت : ستة نكرة محضة غير مختصة بوجه من الوجوه ، فلا يصح رفعه بالابتداء؟.

قلنا : إنها مختصة بالصفة المقدرة تقديره ستة منها ، ومرادهم بالصفة المخصصة للنكرة أعم من أن يكون ملفوظة أو مقدرة. اه ح.

فإن قيل : ما وجه الانحصار على ستة أبواب؟.

قيل : لأن الفاء له أربعة أحوال الفتح والضم والكسر والسكون ، ولا يمكن أن يكون ساكنا ؛ لامتناع الابتداء بالساكن ولا يكون مضموما ولا مكسورا للاستثقال ، فبقيت لها حالة واحدة وهي الفتحة للخفة ، ولا يشكل بالمجهول ولا بفعل مكسورا كقيل وبيع ، لعروض الضم والكسر فيهما ، ولأن الضم في المجهول للفرق.

والعين لها أربعة أحوال أيضا سقط منها السكون ؛ لأنه إذا اتصل بالفعل ضمير المتكلم والمخاطب أو جمع المؤنث وجب سكون اللام لشدة اتصال الفاعل به ، وليدل على أن الفاعل كالجزء من الكلمة فإن سكّن العين التقى ساكنان على غير حده.

فإن قيل : هلا يجوز أن يحذف أحدهما؟.

قيل : لا يجوز أن يحذف أحدهما لأنه لو حذف أحدهما لم يدل شيء على حذفه فبقيت بها ثلاثة أحوال.

واللام أيضا لها أربعة أحوال ، وقد سقط منها الضم والكسر للاستثقال لما فيه من الكلفة بخلاف الفتحة ، لأن الفتحة أخف الحركات ، والطبائع تميل إليه ، وقد سقط منها ـ

٤٢

للثلاثي المجرد (١) ، نحو (٢):

١ ـ ضرب يضرب.

٢ ـ وقتل يقتل.

______________________________________________________

السكون أيضا ؛ لأن الماضي مبني وبناؤه على الفتح ؛ لأنه أخ للسكون ، لأن الفتح جزء الألف فكان للماضي ثلاثة أبنية فعل فعل فعل.

والتزموا سكون الفاء في المضارع فرارا عن توالي الحركات الأربع كما سيأتي في فصله ، واعتبروا في عينه أيضا ثلاث حركات ؛ لأنه لو كان ساكنا يلزم التقاء الساكنين عند دخول الجوازم عليه ، مثل لم يضرب فضربوا الثلاثة في الثلاثة فيحصل تسعة ، ثلاثة منها بفتح الأول مع الحركات الثلاث في الثّاني ، وثلاثة بكسر الأول مع الحركات الثلاث في الثّاني ، لكن لم يعينه ولأن الكسر مع الضم ثقيل فبقي ثلثان وثلاثة بضم الأول مع الحركات الثلاث في الثّاني لكنها لم يعتبر الضم مع الكسر ، وكذا مع الفتح ؛ لأن الضم معهما تقديري فبقي واحد ، وهو الضم مع الضم فبقي من التسعة الستة.

فإن قلت : الكسر مع الكسر ، وكذا الضم مع الضم ثقيل أيضا؟.

قلت : لما كان الكسر مع الكسر من جنس واحد ، وكذا الضم مع الضم لم يكن ثقيلا ؛ إذ الثقل في اختلافهما فتدبر ، ثم الستة هي الأمثلة المذكورة في المتن. اه عيني.

(١) قوله : (للثلاثي المجرد) إنما قدم الثلاثي على الرباعي ؛ لأن مدلول الثلاثي شيء ذو ثلاثة أجزاء ، ومدلول الرباعي شيء ذو أربعة أجزاء ، ولا شك أن الثلاثة مقدم على الأربعة ، وإنما قدم الثلاثي المجرد على المزيد فيه ؛ لأن المجرد أصل والمزيد فيه فرع. والفرع لا يتحقق إلا بعد الأصل. اه غلام.

(٢) وهو الباب الثّاني لكن قدمه في الذكر لزيادة الاختلاف بين الفتح والكسر ، لأن الأول علوي ، والثّاني سفلي ، والضم إنما استحق التقديم بزيادة اختلاف حركتها ؛ لأنها تدل على زيادة اختلاف معناهما فيصير عريقا في كونه من الدعائم. اه ف.

وفيه نظر بأن الفتح أخت النصب ، والكسر أخت الجر ، وهما لا يكونان إلا في الفضلة ، فبينهما موافقة لا مخالفة ، وإنما المخالفة بين الفتحة والضمة أخت الرفع وهو إنما يكون في العمدة التي ضد الفضلة جزما. اه ح.

والجواب أن المعارضة إنما تثبت إذا تساوى الدليلان في القوة وههنا ليس كذلك لأن المخالفة بين الفتح والكسر. والموافقة بينهما عارضة ، نظرا إلى محل أخواتهما والأمر الذاتي أولى بالاعتبار من العرضي. اه

٤٣

٣ ـ وعلم يعلم.

٤ ـ وفتح يفتح.

٥ ـ وكرم يكرم.

٦ ـ وحسب يحسب.

ويسمّى الثلاثة الأول (١) : دعائم الأبواب ، لاختلاف حركاتهنّ في الماضي والمستقبل وكثرتهنّ.

و «فتح يفتح» لا يدخل في الدّعائم ، لانعدام اختلاف (٢) الحركات وانعدام مجيئه بغير حرف الحلق (٣).

______________________________________________________

(١) قوله : (الأول) توصيف كل من الثلاثة بالأول بالنسبة إلى الثلاثة الأخيرة لا باعتبار الحقيقة. اه س.

(٢) فإن قلت : لم اشترط اختلاف حركة الماضي حركة المضارع في دعائم الأبواب؟.

قلت : لأن معنى الماضي لما كان مخالفا لمعنى المستقبل اقتضى ذلك أن يكون لفظ الماضي مخالفا للفظ المستقبل ليطابق اللفظ المعنى على ما هو الأصل في كلامهم ، وحينئذ يندفع ما قيل : إنّ الدليل المسوق لتسمية كون الثلاثة الأول بدعائم الأبواب لاختلاف ... إلخ. لا يلائم لأن اختلاف حركاتهن لا يستلزم الأصالة ؛ لأن الأصل في الكلام الاتفاق ، كما هو الظاهر بأن عند اختلاف حركاتهن أيضا مطابقة اللفظ بالمعنى كما لا يخفى. اه فلاح بزيادة.

(٣) قوله : (حرف الحلق) لأن فعل يفعل بالفتح فيهما لا يجيء إلّا بشرط أن يكون فيه حرف من حروف الحلق ، وهي الهمزة والهاء والعين والغين والحاء والخاء ، وإنما فتحوا عين المضارع إذا كان عينه أو لامه حرفا من هذه الحروف ؛ لأنها ثقيلة فأعطوها وما قبلها الفتحة للخفة لامتناع السكون في عين المضارع ، كما مر.

وإنما قلنا : إذا كان عينه ولامه ... إلخ. لأنه إذا وقع حرف منها فاءه نحو أمر يأمر لم يلزم الفتح في مضارعه ، لسكون حرف الحلق فيه ، والساكن لا يجب فتح ما بعده لضعفه بالسكون ، ولا يشكل بمثل يدخل ؛ لأن المراد أن شرط الفتح أن يوجد في العين واللام حرف منها ، لا أن كل ما فيه حرف منها يكون مفتوحا.

فإن قلت : إن الألف من حروف الحلق أيضا ، باتفاق منهم فلم لم يعدوه ههنا؟.

قلت : الألف لا يخلو إمّا أن يقع عينا ، أو لاما وأيّا كان لا يمكن فتح العين لأجله ، أمّا إن وقع عينا فللزوم سكونه ، وأمّا إن وقع لاما فلأنه إمّا واو أو ياء في الأصل ، إذ ـ

٤٤

وأما : «ركن يركن» (١) و «أبى يأبى» فمن اللغات المتداخلة والشواذّ ، وأما : «بقى يبقى» و «وفنى يفنى» و «قلى يقلى» فلغات (٢) بني طيئ ، قد فرّوا من الكسرة إلى الفتحة.

______________________________________________________

الألف الأصلي لا يقع في لام الفعل بالاستقراء ، وإذا كان واوا أو ياء فقلبهما ألفا يتوقف على فتح ما قبلها وهو العين فثبت أن فتح العين موجود قبل وجود الألف فلم يكن الفتح لأجل الألف وإلا يلزم الدور. اه فلاح.

(١) قوله : (وأمّا ركن ... إلخ) ولما توجه أن يقال : إن عدم مجيء الباب الثّالث بغير حرف الحلق مشكل بركن يركن وأبى يأبى ، لأنهما من هذا الباب وليس فيهما حرف الحلق. أجاب عنهما بقوله : وأما ... إلخ يعني أن المثال الأول من التداخل ، والمثال الثّاني من الشواذ ، ففي الكلام لف ونشر مرتب ، ومعنى كون شذوذ لانعدام الشرط وهو وجود حرف الحلق ، ومعنى تداخل اللغتين فيه أن ركن يركن ، أي : مال يميل كنصر ينصر لغة ركن يركن كعلم يعلم لغة فيه أيضا ، فأخذ الماضي من الأول ، والمضارع من الثّاني ، والمراد بالشاذ في استعمالهم ما يكون بخلاف القياس من غير نظر إلى قلة وجوده ، وكثرته كالقعود.

ولا شك في ثبوت أبى يأبى من الواضع كذلك ، والنادر ما قل وجوده وإن لم يكن بخلاف القياس ، ويرد عليه بأنه لو كان شاذا لما وقع في الكلام المجيد نحو (أَبى وَاسْتَكْبَرَ) [البقرة : ٣٤]. فأجيب بأن الشاذ ثلاثة أقسام :

أحدها : مخالف للقياس كمسجد بكسر الجيم دون الاستعمال.

والثّاني : عكس هذا كمسجد بضم الجيم.

والثّالث : مخالف منهما كمسجد بفتح الجيم وهو مردود ولا يجيء في كلام البليغ ، وأمّا الأولان فقد يستعملان في الكلام الفصيح وأبى يأبى شاذ من قبيل الأول.

فإن قلت : لا يصح أن يكون أبى يأبى شاذا بل هو موافق للقياس ؛ إذ الضابطة المذكورة سابقا وهي كون حرف الحلق عينا أو لاما تقتضي أن يكون موافقا للقياس ؛ إذ الألف التي هي من حروف الحلق موجودة في لامه فتكون الفتحة في عينه لأجل الألف ، فكيف يكون شاذا؟.

قيل : إنّ الألف الأصلي لا يقع لام الفعل بالاستقراء فأصل أبى يأبى بفتح الباء فيهما ، فقلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها. اه حنفية.

(٢) قوله : (فلغات ... إلخ) يعني أن بقى يبقى ، وفنى يفنى من باب علم يعلم فعين ماضيهما مكسورة ، وقلى يقلى من باب ضرب يضرب فعين مضارعه مكسورة لكن ذلك لغات بني طيّىء ، وتقرير الجواب أن الأصل في هذه الكلمة اختلاف العين كسرا وفتحا ، إلا أنّ بني طيّىء استثقلوا الكسرة بعين الماضي في الأول والثّاني ، وعين المضارع في الثّالث قبل الياء ؛ لاجتماع الكسرات فرّوا عنها إلى الفتحة طلبا للتخفيف وكذا فرّوا من كل كسرة قبل ياء ـ

٤٥

و «كرم يكرم» لا يدخل في الدّعائم ؛ لأنه لا يجيء إلا من الطّبائع والنّعوت (١) ، وكذا : «حسب يحسب» لا يدخل في الدعائم لقلّته.

وقد جاء (٢) : «فعل يفعل» على لغة من قال : كدت تكاد ، وهي شاذّة (٣) ك : فضل (٤)

______________________________________________________

مفتوحة فتحة بناء إلى الفتحة ثم قلبوا الياء ألفا فقالوا في بني بصيغة المجهول : بنى اه ف.

(١) قوله : (والنعوت) جمع نعت وهي الصفة ، أي : لا يجيء فعل يفعل بضم العين فيهما إلا من الأفعال الصادرة عن الطباع من غير شعور والنعوت ، فلا يكثر استعمالها لكونها مقيدة ، ولا يختلف حركاتها في الماضي والمضارع أيضا ، لأن هذا البناء لما خالف بقية الأبنية لكونه خلقة وطبيعة صادرة على نهج واحد من غير اختيار خولف في الحركة أيضا ، بأن يكونا مضمومين إيذانا بعدم اختلاف معناه في نفسه كما جعلوا الضم علامة لبناء المجهول ، ولما كان وضع هذا البناء لمثل هذه الأفعال لا يقتضي متعلقا ولا مفعولا فيكون لازما أبدا ، فقوله : لا يجيىء إلا من الطبائع دليل على انتفاء كثرة الاستعمال أصالة ، وعلى عدم اختلاف الحركة إشارة تدبر. اه فلاح.

(٢) قوله : (وقد جاء ... إلخ) يعني إذا كان العين مضموما في الماضي يجب أن يكون مضموما في المضارع أيضا قياسا لكن قد جاء ... الخ. اه ف.

(٣) قوله : (وهي) جواب سؤال وهو أن يقال : إن المصنف حصر أبواب الثلاثي المجرد في ستة أبواب وذا غير صحيح ، إذ قد وجد غيرها وهو فعل مضموم العين يفعل مفتوح العين ، وذلك لأن كدت صيغة مخاطب من كاد يكاد ، وأصل كاد كود بضم الواو وأصل يكاد يكود بفتح الواو وفأعلّ الماضي بقلب الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، فإذا صار صيغة مخاطب اجتمع الساكنان الألف والدال الساكن باتصال ضمير المخاطب ، وهو التاء ، فحذف الألف ثم ضم الكاف لتدل الضمة على الواو المحذوفة فالضمة على الكاف تدل على الواو المحذوفة المضمومة التي هي عين الكلمة ، وأعلّ المضارع أعني يكود بنقل حركة الواو إلى الكاف الساكنة ، ثم قلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فصار يكاد فالفتحة على الكاف تدل على أن الأصل في عين الكلمة هي الفتحة. فأجاب بقوله : وهي شاذة ، أي : خارجة عن القياس لا يعتد بها ، والأصل فيه كدتّ بكسر الكاف لا بضمها ، تكاد بالفتح فيكون داخلا في باب علم يعلم ، ومعنى كاد قرب. اه حنفية.

(٤) قوله : (كفضل ... إلخ) قال بعض الشارحين : الحكم بشذوذه مخالف عما قاله ابن الحاجب من أنه من تداخل اللغتين ؛ وذلك لأن العرب تقول : فضل بالفتح والكسر ، ومضارع الفتح بالضم ، ومضارع الكسر بالفتح ، فإذا سمع بعد ذلك فضل يفضل على أنه من التداخل. أقول :

لا مخالفة بينهما ؛ لأن تداخل اللغتين ليس بقياس ؛ إذ القياس عدم التداخل فيكون شاذا لا محالة. ـ

٤٦

يفضل ، ودمت تدوم (١).

واثنا عشر بابا لمنشعبة (٢) الثلاثي ، نحو :

١ ـ أكرم (٣).

٢ ـ وقطّع (٤).

٣ ـ وقاتل.

______________________________________________________

قال في مختار الصحاح : الفضلة والفضالة ما فضل من الشيء ، وفضل منه شيء من باب نصر وفيه لغة ثانية من باب فهم ، وفيه لغة ثالثة مركبة منهما ، فضل بالكسر ، يفضل بالضم وهو شاذ لا نظير له. انتهى.

فعلى هذا لا يتوجه أن يقال : إن الفضل من أفعال الطبيعة كالكرم ، فلم جاز فيه غير الضم في الماضي والمضارع ؛ لأنه من الفضلة لا من الفضل. اه فلاح.

(١) قوله : (ودمت تدوم) أي : وكما يكون هذا شاذا ؛ لأن أصله : دومت تدوم بكسر الواو في الأول ، وضمها في الثّاني ، فأعلّ الأول بنقل حركة الواو إلى ما قبلها بعد سلب حركته ، فقلبت الواو ألفا لتحركها في الأصل وانفتاح ما قبلها ثم حذفها لالتقاء الساكنين الألف والميم ، فصار دمت فالكسرة على الدال تدل على أن عينه مكسورة ، والثّاني بنقل حركة الواو إلى ما قبلها ، فصار تدوم. اه حنفية بتغيير.

(٢) قوله : (لمنشعبة ... إلخ) أي : لمزيد الثلاثي المجرد ، والمنشعبة الأبنية المتفرعة من أصل بزيادة حرف أو أكثر ليس من جنس الحروف الأصليّة ، أو بتكرر حرف منها ، أو بهن معا لقصد زيادة معنى من التعدية والتكثير وغيرها ، مثل أخرج وفرّح ، زيد في الأول همزة للتعدية ، وتكرر العين في الثّاني للتكثير ، وهو ثلاثة أقسام : الأول : ما يزيد فيه حرف واحد وهو ثلاثة أبواب الأول باب الإفعال نحو ... إلخ. اه ف.

(٣) قوله : (أكرم) من إكرام الهمزة زائدة ، وكسرت في مصدره فرقا بينه وبين الجمع ، على أفعال نحو أعمال وإعمال ، ولم ينعكس لثقل الجمع. اه ف.

قوله : (أكرم ... إلخ). اعلم أن الأبواب الثلاثة الأول ممّا زاد فيه حرف واحد ، بخلاف الأبواب الباقية ، فإن الزائد فيها حرفان أو ثلاثة أحرف فلهذا قدمها عليها ؛ إذ الواحد قبل المتعدد. اه ملا غلام رباني رحمه‌الله.

(٤) قوله : (قطع) كررت العين الثّاني ، وهو الزائد عند الجمهور ، والأول عند الخليل ؛ لأن الساكن كالمعدوم فالتصرف فيه أولى ، وكلاهما سائغ عند سيبويه. اه ف.

٤٧

٤ ـ وتفضّل (١).

٥ ـ وتضارب (٢).

٦ ـ وانصرف (٣).

٧ ـ واحتقر (٤).

٨ ـ واستخرج (٥).

٩ ـ واخشوشن (٦).

١٠ ـ واجلوّز (٧).

١١ ـ واحمارّ.

١٢ ـ واحمرّ.

أصلهما : احمارر ، واحمرر ، فأدغما للجنسية (٨) ، ويدل عليه : ارعوى ، وهو

______________________________________________________

(١) قوله : (وتفضل) أي : والقسم الثّاني ما زيد فيه حرفان ، وهو خمسة أبواب الأول : باب التفعّل ، نحو تفضّل أصله فضل فزيدت التاء في أوله وكررت العين. اه ف.

(٢) قوله : (تضارب) أصله ضرب ، فزيد في أوله تاء وبين العين والفاء ألف. اه ف.

(٣) قوله : (انصرف) أصله صرف ، فزيد في أوله ألف ونون. اه ف.

(٤) قوله : (احتقر) أصله حقر ، فزيدت في أوله همزة ، وبين الفاء والعين تاء. اه ف. من الاحتقار خوار شدن وخوار شمردن اه. مب.

(٥) قوله : (واستخرج) أي : والقسم الثّالث ما زيد فيه ثلاثة أحرف ، ولا يزيد على ذلك ، لئلا يلزم مزية الفرع على الأصل ، وهو أربعة أبواب : الباب الأول : الاستفعال نحو استخرج أصله خرج فزيدت في أوله همزة وسين وتاء. اه ف وسعديه.

(٦) قوله : (اخشوشن) أصله خشن من الخشونة ، وهي ضد اللين ، فزيدت في أوله ألف ، وبين العين واللام واو وشين. اه ف.

(٧) قوله : (واجلوّز) أي : والثّالث باب الافعوّال ، نحو اجلوّز يقال : اجلوّز بهم السير اجلوّازا ، أي : دام مع السرعة وهو من سير الإبل ، أصله جلز فزيدت في أوله همزة وبين العين واللام واوان. اه فلاح.

(٨) قوله : (للجنسية) لأن الجنسية تقتضي الإدغام والتقاء الساكنين على حده في الأول وهو جائز.

اه ف. ـ

٤٨

لفيف من باب : افعلّ ، ولا يدغم لانعدام (١) الجنسية.

وواحد (٢)

______________________________________________________

قوله : (للجنسية) أي : لا لأجل كونهما من باب الافعلال والافعيلال ؛ إذ لو كان ذلك علّة الإدغام للزم الإدغام في ارعوى ؛ لأنه من باب الافعلال ، فلما لم يقع الإدغام فيه علم أن الإدغام فيه لأجل الجنسية لا باعتبار الباب. اه شرح.

(١) قوله : (لانعدام ... إلخ) تحقيقه أن أصل ارعوى ارعوو بواوين ، فاجتمع فيه سبب الإدغام كما في احمرر وهو ظاهر ، وسبب الإعلال بقلب الواو الثّانية ياء وهو وقوعها خامسة ، في الطرف ، وبعد إعلال الثّاني لم يجز إعلال الأول لئلا يلزم الإعلال في الإعلال ، فأعلّ بموجب الإعلال ؛ لأن الإعلال مقدم على الإدغام. فلما انقلبت الواو المتطرفة ياء لم يبق سبب الإدغام لانعدام الجنسية بين الواو والياء فلم يدغم.

وإنما قلنا : الإعلال مقدم ؛ لأن سبب الإعلال موجب ، وسبب الإدغام ليس بموجب ، بل مجوّز يدل عليه امتناع التصحيح في باب رمى ، وجواز الفك في باب حيي ، كما سيجيء ، كما حققه الجاربردي ، ولأن المقصود من كليهما التخفيف وذا في الإعلال أكثر منه في الإدغام. كيف وفي الإعلال تبديل الذات ، وفي الإدغام تغير الصفة ، وتبديل الذات أشد خفة من تغيّر الصفة فتدبّر.

ثم اعلم أن في هذا المقام إشكالا ، وهو المدعى شيئان إدغام احمارّ وإدغام احمرّ ، للجنسية ، ويدل على ذلك قوله : فأدغما بصيغة التثنية وبما ذكرنا ، إنما يثبت واحد من المدعيين وهو إدغام احمر ، دون الأخرى. ويمكن أن يقال إنهما واد واحد فيعلم حال أحدهما من الآخر.

وقوله : فأدغما بصيغة التثنية الضمير فيه يرجع إلى الحرفين أعني الرائين فيهما أو في أحدهما فافهم. اه من الشروح.

(٢) قوله : (وواحد للرباعي) لما فرغ من بيان أبواب الثلاثي المجرد والمنشعب شرع في بيان الرباعي المجرد عن الزوائد وله بناء واحد ، فقال : وواحد ... إلخ.

فإن قيل : ما الوجه في أن صاحب الزنجابي ذكر الثلاثي والرباعي المجرّدين متعاقبا ثم المزيد فيهما ، والمصنف أورد الثلاثي المجرد أولا ثم المزيد فيه منه ، ثم الرباعي المجرد وبعده الرباعي المزيد فيه؟.

قيل له : إن صاحب الزنجاني منظوره كون المجرد أصلا مطلقا من الثلاثي كان أو الرباعي والمزيد فيه فرعا ، والأصل هو الأولى بالتقديم ، وأمّا المصنف فنظر إلى أن الثلاثي المجرد أصل والمزيد فيه من ذلك فرعه ، والأحرى في الفرع الاتصال بأصله ، وكذا الرباعي المجرد والمزيد فيه منه ، ولذا اختار ذلك الترتيب هذا ما عندي ، والله أعلم. اه لمحرره.

٤٩

للرباعي (١) ، نحو : دحرج.

وثلاثة لمنشعبة الرباعي ، نحو :

١ ـ تدحرج.

٢ ـ واحرنجم.

٣ ـ واقشعرّ (٢).

وستة لملحق (٣) : «دحرج» نحو :

______________________________________________________

(١) قوله : (للرباعي) اعلم أنهم جوزوا في الاسم رباعيا وخماسيا أصليين للتوسع ، ولم يجوزوا سداسيا لئلا يتوهم أنه كلمتان ؛ إذ الأصل أن تكون على ثلاثة أحرف ، ولم يجوزوا في الفعل خماسيا لكثرة تصرفه ولأنه يتصل به الضمير المرفوع المتصل ويصير كالجزء منه ، بدليل إسكان ما قبله مثل دحرجت فالخماسي فيه كالسداسي في الاسم ، وقد علمت أنه مرفوض.

ولم يتصرفوا فيه كما يتصرفون في الثلاثي المجرد من فتح عينه وكسرها وضمها ، بل التزموا فيه الفتحات لخفتها وثقل الرباعي ، لكن لما لم يكن في كلامهم أربع حركات متوالية في كلمة واحدة سكنوا الثّاني ، لئلا يلزم أربع حركات متواليات موجبة زيادة الثقل ، ولم يسكن الأول ؛ لئلا يلزم الابتداء بالساكن لتعذره ، ولا الثّالث لئلا يلزم اجتماع الساكنين اللذين لا يجوز حذف أحدهما لعدم الترجيح ؛ لأن الرابع قد يسكن لاتصال الضمير البارز المرفوع المتحرك حملا على الثلاثي ، ولا الرابع لأنه مفتوح أو مضموم ما لم يتصل بهذا الضمير كما سيجيء. اه فلاح.

(٢) قوله : (واقشعرّ) أي : وثانيهما باب الافعلال نحو اقشعر اقشعرارا أصله قشعر فزيدت في أوله همزة وكررت اللام والزائد هو الثّاني ، وهذه الأبواب الثلاثة كلها لوازم. اه ف. الاقشعرار. اه مب.

(٣) قوله : (لملحق ... إلخ) اعلم أن المراد بالإلحاق جعل مثال مساويا لمثال أزيد منه بزيادة حرف أو أكثر ؛ ليعامل معاملته في جميع تصرفاته ، وذلك قد يكون في الفعل كما هو المراد هنا مثلا يجعل شمل مساويا بدحرج بزيادة حرف وهو اللام فيصير شملل ، فيعامل معاملة دحرج في جميع تصرفاته من الماضي والمضارع وغيرهما فيقال : شملل يشملل شمللة ، كما يقال : دحرج يدحرج دحرجة ، فالمثال الأول الملحق والثّاني الملحق به ، وقد يكون في الاسم مثلا يجعل قرد مساويا بجعفر بزيادة حرف وهو الدال ، فيصير قردد وهو المكان الغليظ فيعامل معاملة جعفر في التصغير والتكسير وغيرهما ، فيقال : قردد وقرادد وقريدد ، كما يقال : جعفر وجعافر وجعيفر هذا هو حقيقة المعاني. ـ

٥٠

١ ـ شملل.

٢ ـ وحوقل.

٣ ـ وبيطر.

٤ ـ وجهور.

٥ ـ وقلنس.

٦ ـ وقلسى (١).

وخمسة لملحق : «تدحرج» نحو :

١ ـ تجلبب.

٢ ـ وتجورب.

٣ ـ وتشيطن.

٤ ـ وترهوك.

٥ ـ وتمسكن (٢).

______________________________________________________

فإن قلت : ما الفرق بين منشعبة الثلاثي وبين الملحق بالرباعي مع أن أصلهما ثلاثي مزيد فيه حرف أو أكثر ، فإن فاعل مثلا ثلاثي زيد فيه الألف ، وشملل ثلاثي زيد فيه اللام؟.

قلت : الفرق أن زيادة الحرف في المنشعبة لقصد زيادة المعنى ، وفي الملحق لقصد موافقة لفظ للفظ آخر ؛ ليعامل معاملته ، لا لزيادة معنى ، وعلى هذا سائر الملحقات ، وهذه الستة التي هي ملحق دحرج نوع واحد وهو ما زيد فيه حرف واحد. اه فلاح.

(١) قوله : (قلسى) قلساة ، أي : لبس القلنسوة زيدت الياء بعد اللام ثم قلبت ألفا ، ولم يبطل الإلحاق به ؛ لأنه في محل التغيير وأصل المصدر قلسية قلبت الياء ألفا لوجود المقتضى. اه فلاح.

(٢) قوله : (تمسكن) ينبغي أن يعلم أن تحقق الإلحاق في تجلبب إنما هو بتكرير الباء ، والتاء إنما دخلت لمعنى المطاوعة كما كانت كذلك في تدحرج ؛ لأن الإلحاق لا يكون في أول الكلمة ، وفي نحو تجورب وتشيطن بالواو والياء لا بالتاء ، كما مر.

وأمّا تحقق الإلحاق في تمسكن ففيه إشكال ، ولذلك قال في شرح الهادي : إنّه شاذ. اه فلاح.

٥١

واثنان لملحق (١) : «احرنجم» نحو :

١ ـ اقعنسس (٢).

٢ ـ واسلنقى (٣).

ومصداق (٤) الإلحاق اتحاد (٥) المصدرين.

* * *

______________________________________________________

(١) قوله : (واثنان ... إلخ) ولما فرغ من ملحق تدحرج شرع في ملحق احرنجم فقال : واثنان منها لملحق احرنجم وهو نوع واحد وهو ما زيد فيه ثلاثة أحرف نحو ... إلخ. اه ف.

(٢) قوله : (اقعنسس) وإنما لم يدغم لئلا يفوت الغرض من الإلحاق وهو رعاية الوزن. اه ح.

قوله : (اقعنسس) أي : تأخر ورجع إلى الخلف من القعس وهو خروج الصدر ودخول الظهر عند الحدب زيدت في أوله همزة ، وبين العين واللام نون ، وكررت اللام والزائد هو الثّاني.

اه ف.

(٣) قوله : (واسلنقى) اسلنقاء ، أي : وقع على القفاء زيدت في أوله همزة وبين العين واللام نون ، وبعد اللام ياء فقلبت ألفا ، ولا يبطل الإلحاق به لما مر ، وقلبت الياء في مصدره همزة لوقوعها في الطرف بعد ألف زائدة ، وإنما حكمنا على اقعنسس بأنه ملحق باحرنجم ، وعلى استخرج بأن غير ملحق به ، مع أنه يوافقه في جميع تصرفاته ؛ لأنا لم نعن بالإلحاق مجرد صورة حركات وسكنات بل عنينا به وقوع الفاء والعين واللام في الفرع موقعها في الأصل الملحق به ، وإذا كان ثمة زيادة فلا بد من مماثلته في الملحق واستخرج بالنسبة إلى احرنجم على خلاف ما ذكره في الأصليّة فلأن الخاء هو فاء وقعت موقع النون الزائدة في الأصل ، وأما في الزيادة فلأن النون واقعة في الأصل بعد الفاء والعين وليس في الفرع نون في موقعها تدبر. اه ف.

(٤) قوله : (ومصداق ... إلخ) جملة مستأنفة فكأن السائل يسأل : أيّ شيء دال على إلحاق ما ذكرتم بهذه الأبواب الثلاثة؟ فأجاب له : بأن الأمر الدال على الإلحاق اتحاد ... إلخ. اه لمحرره.

(٥) قوله : (اتحاد ... إلخ) أي : اتحاد مصدر الملحق بمصدر الملحق به وزنا مثل دحرجة وشمللة ، ووجه دلالته عليه أن اتحاد المصدرين يستلزم الاتحاد في جميع التصرفات لأصالته وفرع التصاريف ، وليس المراد من الإلحاق إلا كما مر.

فإن قيل : اتحاد المصدرين لا يقتضي إلحاق هذه الأفعال بدحرج وتدحرج واحرنجم بل يجوز العكس ؛ لأن ذلك الاتحاد موجود من جانب دحرج أيضا؟. ـ

٥٢

 

______________________________________________________

قلنا : هذا دليل آخر بإلحاق هذه الأفعال بالأبواب المذكورة ، وهو أنه لو حذف الزائد منها لا يختل بالمعنى ؛ لأن معنى جورب وجرب ، وبيطر وبطر ... إلخ واحد فعلم من ذلك أن الزائد للإلحاق ، بخلاف دحرج ... إلخ ؛ لأنه لو حذف حرف من حروفه لاختل ، كما هو ظاهر فعلم منه أنه ليس للإلحاق.

فإن قلت : إن أخرج قد يتحد مصدره لمصدر دحرج ، فيقال : أخرج إخراجا ، كما يقال :

دحرج دحراجا ، فلم لم يقولوا بإلحاقه؟.

قلت : إن الاعتبار إنما هو بالفعللة لاطرادها وعمومها في جميع صور فعلل ، وأمّا الفعلال فلا اعتبار به ، وأيضا إن زيادة الهمزة لقصد معنى التعدية لا لمساواته له في تصرفاته ، وأيضا حرف الإلحاق لا يزيد في الأول كما مر. اه مفتاح السعدية وفلاح.

٥٣
٥٤

فصل (١) :

في الماضي

وهو يجيء على أربعة (٢) عشر وجها ، نحو : ضرب إلى ضربنا.

وإنما بني (٣) الماضي لفوات موجب (٤) الإعراب فيه ،

______________________________________________________

(١) قوله : (الفصل) مصدر فصل بمعنى قطع ، يقال : فصلت الثوب ، أي : قطعته. وههنا بمعنى الفاعل وقع خبرا لمبتدأ محذوف تقديره هذا فصل ، أي : فاصل. وعرفوا الماضي بأنه ما دلّ على زمان قبل زمانك ، فقولنا : دلّ على زمان ، أي : بمجرد صيغته ليتناول الماضي والمضارع.

وبقولنا : قبل زمانك ـ أي : قبل زمان تلفظك به ـ خرج منه المضارع ، وإنما قلنا بمجرد صيغته ليخرج منه مثل أمس فإنه يدل على زمان قبل زمانك لكن لا بصيغته بل بجوهر حروفه.

وإنما قدم الفعل على الاسم ؛ لكثرة تصرفات الفعل بالنسبة إلى الاسم ، وقدّم الماضي منه ؛ لأنه مجرد عن الزوائد ، ولأنه يدل على الزمان الماضي ولهذا سمي بالماضي. اه فلاح.

وضعا فلا يرد نحو نعم وبئس وعسى ، من الأفعال المنسلخة عن الزمان في الاستعمال. اه نور محمد مدقق.

(٢) قوله : (على أربعة ... إلخ) إمّا لأنه سماعي ، وإمّا لأنه إمّا للغائب أو للمخاطب أو للمتكلم ... وكل واحد منهما مذكر أو مؤنث ، وكل واحد مثنى أو مجموع ، فكانت ستة في ثلاثة فحصلت ثمانية عشر نوعا ، إلّا أن المتكلم لوضوحه سوى فيه بين المذكر والمؤنث فسقط واحد. والوحدان المتكلم وواحد من المتكلم مع الغير ، ثم سوى بين المثنى والمجموع هنا وسقط آخران فبقي أربعة عشر قسما. اه نظامي.

(٣) قوله : (إنما بني الماضي ... إلخ) اعلم أن الفعل على نوعين مبني ومعرب ، فالمبني من الفعل ما لا يتغير وصف آخره بعامل من الناصب والرافع والجازم كالماضي والأمر بغير اللام ، فإنه لا يتغير وصف آخره بعامل كالمضارع والأمر باللام ، ولا شك أن الفعل هو الأصل في البناء وإنما أعرب بعارض الشبه. اه إيضاح.

(٤) قوله : (موجب الإعراب) وهو توارد المعاني المختلفة عليه من الفاعلية والمفعولية ـ

٥٥

وعلى الحركة (١) لمشابهته (٢) الاسم في وقوعه صفة للنكرة (٣) ، نحو : مررت برجل ضرب ، وضارب ، وعلى الفتح (٤) ؛ لأنه أخف الحركات ، أو لأنه أخ السكون (٥) ؛ لأن الفتحة جزء الألف.

ولم يعرب (٦) ؛

______________________________________________________

والإضافة فإنها معان تقتضي الإعراب ، وفي الفعل لا يكون واحدا منها فبالحريّ أن يبنى.

وفيه بحث لأنه لا يلزم أن يكون المضارع مبنيا لفوات موجب الإعراب الذي عرفت مع أنه معرب. والجواب أن القياس يقتضي أن يكون المضارع مبنيا لفوات موجب الإعراب كما قلتم ، لكن إنما أعرب لعلّة سيجيء ذكرها وهى المشابهة التامة للمعرب كما بينه المصنف.

اه ح وف.

(١) قوله : (وعلى ... إلخ) لقائل إن يقول : إن المبني من الفعل لا يحتاج له إلى علّة البناء على مطلق الحركة ، وعلّة البناء على الحركة المعينة صرح بذلك الشيخ الرضي. فعلى هذا لا حاجة إلى قوله : إنما بني الماضي ... إلخ ، لأن الأصل لا يحتاج إلى نكتة ، إلا أن يقال : إنه بيان لأصالته في البناء ، هذا مأخوذ من بعض الشروح. اه غلام رباني.

(٢) قوله : (لمشابهته ... إلخ) وحاصل الجواب : أنّ للماضي أدنى مشابهة بالاسم وهو وقوعه موقع الاسم في كونه صفة للنكرة ، وهو موصوف فإن ضرب في المثال المذكور موقع ضارب في كونه صفة للرجل. اه ح.

وإنما كان هذا موقع ضارب لا ضرب ؛ لأن هذا موضع النعت ، وأصل النعت أن يكون تابعا لمنعوته في الإعراب وهذه التبعية حقيقة إنما يتحقق في المفرد المعرب وضرب مع ضميره جملة وغيره معرب فلا يكون هذا موقعه ، وإنما صح وقوعه في هذا الموقع لتأدية أصل معنى ضارب ، ولتحقق التبعية تقديرا ، أي : محلا. اه غلام رباني.

(٣) قوله : (للنكرة) إنما قيد بالنكرة احترازا عن المعرفة ، فإن الفعل لا يقع صفة للمعرفة نحو مررت بزيد ضرب فإنه نكرة شائع ، والمطابقة واجبة بين الصفة والموصوف. اه ح.

(٤) قوله : (وعلى الفتح ... إلخ) جواب سؤال مقدر وهو أن يقال : لم يبنى الماضي على الفتح دون الضم والكسر؟ فأجاب بقوله : وعلى ... إلخ. اه ح.

(٥) قوله : (أخ) فإن قلت : جزء الشيء لا يسمى مشابها وأخا له. قلنا : المراد من الأخوة المناسبة ولا يخفى أن جزء الشيء بالنسبة إلى الآخر بينهما مناسبة. اه ح.

قوله : (أخ ... إلخ) وقيل : إنما خص بالفتح لثقل الفعل لفظا ؛ إذ لا نجد فعلا ثلاثيا ساكن الأوسط بالأصالة ، ومعنى لدلالته على المصدر والزمان ، ولطلبه المرفوع دائما والمنصوب كثيرا. اه فلاح.

(٦) قوله : (ولم يعرب) ولما توجه أن يقال : إن الفعل إذا شابه الاسم المعرب يكون معربا ، ـ

٥٦

لأن اسم الفاعل لم يأخذ منه العمل (١) بخلاف المضارع ؛ لأن اسم الفاعل أخذ منه العمل ، فأعطي الإعراب له عوضا عنه ، أو لكثرة مشابهته له ، يعني : يعرب (٢) المضارع لكثرة مشابهته (٣) له ، وبني الماضي على الحركة (٤) لقلّة مشابهته له ، ويبنى الأمر على السكون لعدم مشابهته الاسم (٥).

______________________________________________________

كما في المضارع. وأنتم قلتم : إنّ الماضي يشبه اسم الفاعل وهو معرب فلم لم يعرب؟ اه ف.

قوله : (ولم يعرب ... إلخ) اعترض على هذا الكلام بأن المصنف لما قال : إنما بني الماضي لفوات موجب الإعراب فقد علم منه أن الماضي ليس بمعرب ، فلا فائدة في ذكره. أجيب ذكره إشارة إلى دليل آخر على بناء الماضي لكون عدم معلومية إعرابه مما سبق تدبر. اه ح.

(١) قوله : (لم يأخذ منه ... إلخ) يعني أن مجرد المشابهة لا يكفي في كون الفعل معربا ، بل لا بد فيه من شرط آخر وذلك الشرط إمّا أن يأخذ الاسم المعرب الذي شابه الفعل العمل منه ، وإمّا أن يكون تلك المشابهة تامة ، فإن كان الشرط الأمر الأول لم يعرب الماضي لانتفائه فيه بخلاف المستقبل ، لأن اسم الفاعل أخذ منه العمل فوجد هذا الشرط فيه فأعطي ... إلخ. اه ف.

(٢) قوله : (يعرب ... إلخ) اعلم أن إعراب المضارع للمشابهة إنما هو عند البصريين ، وأما عند الكوفيين فبالأصالة لا بالمشابهة ، فاختار المصنف مذهب البصريين. كما اختاره في الاشتقاق.

قال الفاضل الرضي : المضارع معرب للمشابهة عند البصريين لا لأجل توارد المعاني المختلفة عليه ، كما في الاسم.

فقال الكوفيون : إعراب المضارع بالأصالة لا للمشابهة ؛ وذلك لأنه قد يتوارد أيضا المعاني المختلفة عليه بسبب اشتراك الحروف الداخلة عليه فيحتاج إلى إعرابه ليتبين ذلك الحروف المشتركة فيعين المضارع تبعا لتعينه ، وذلك كقولك : لا يضرب ، فإن رفعه دليل على كون لا للنفي ، وجزمه دليل على كونها للنهي. اه فلاح.

(٣) قوله : (مشابهته ... إلخ) وجوه المشابهة ما ذكره الشارحون ، منها أنه موازن لاسم الفاعل في حركاته وسكناته نحو ضارب ويضرب ، ومنها أنه شائع بين الحال والاستقبال ، ثم يختص بأحدهما بدخول اللام والسين وسوف ، كما أن اسم الجنس شائع في أمثلته ثم يختص بواحد بعينه بدخول لام العهد. اه حنفية.

(٤) قوله : (على الحركة) ولا يخفى عليك أنه لا طائل تحت هذه العبارة لأنه تكرار محض علم من قبل من قوله : وبني على الحركة. اه ج.

(٥) قوله : (لعدم مشابهته الاسم) فإن قيل : الأمر مشابه لاسم الفاعل في الحركات والسّكنات نحو اضرب وضارب وقفا؟.

٥٧

وزيدت (١) الألف والواو والنون في آخره حتى يدللن على : هما (٢) ، وهمو ، وهنّ ، وضمّ الباء في : «ضربوا» لأجل الواو (٣) ،

______________________________________________________

قلنا : المشابهة لفظا فقط لا تؤثر ، فيه نظر لأنه ينقض بالماضي من حيث إن له مشابهة واحدة فقط بالاسم كما عرفت ، والجواب عنه أن مدار هذا الجواب ليس على وحدة المشابهة وكثرتها بل على كون المشابهة لفظية فقط. والنقض لا يرد حتى يتحقق في مادة تأثير المشابهة اللفظية فقط ، ومشابهة الماضي باسم الفاعل ، وإن كانت واحدة لكنها ليست لفظية فقط فلا نقض. اه حنفية وغلام رباني.

(١) قوله : (وزيدت الألف ... إلخ) جملة مستأنفة فكأنّها وقعت في جواب سائل ، يقوله : ما السر في زيادة الألف في تثنية الفعل المبني للمذكر والمؤنث ، والواو في جمع المذكر ، وكذا في الأمر ، والنون في جمع المؤنث من الفعل الماضي والمضارع والأمر بأنه زيدت ... إلخ. اه لمحرره.

(٢) قوله : (هما ... إلخ) يعني كانت الألف في هما الذي هو ضمير التثنية موجودة فزيدت في ضربا الذي هو صيغة التثنية لأجل المناسبة ، وهكذا قياس في ضربوا ؛ لأن الواو لما كانت موجودة في همو الذي هو ضمير الجمع زيدت في ضربوا أيضا ؛ لمناسبة ، وكذلك في ضربن ؛ لأن النون في هن موجودة. اه حنفية.

قوله : (على هما ... إلخ) فإن قلت : إن كل واحد من الحروف المذكورة ضمير بارز وفاعل للفعل كما سيجيء ، فإذا كان هما وهمو وهن فاعلا لذلك الفعل أيضا ، كما يدل عليه ظاهر العبارة يلزم أن يكون لفعل واحد فاعلان وهو غير جائز؟.

قلت : معنى قوله : حتى يدلان على هما وهمو ... إلخ ، ما يدل عليه هما وهمو وهن من التثنية والجمع فلا محذور لكنه تسامح بناء على ظهور المراد ، قال صاحب النجاح : وإنما اختصت هذه الحروف بالزيادة لأن الأصل أن يزاد في الفعل حروف اللين ؛ لأن في الزيادة ثقلا وهي أخف الحروف ، لاعتياد الألسنة لها واستثناس السامع بها ؛ لكثرة دورانها في الكلام ، فخصت الألف للتثنية والواو للجمع ؛ لأن الألف من أول المخارج والواو من آخرها ، والاثنان قبل الجماعة ، فاختص المقدم بالمقدم والمؤخر بالمؤخر ، واحترزوا عن زيادة جميعها في جمع النساء ، أمّا الألف فزيادته توجب الالتباس بالتثنية نحو ضربا ، وأمّا الواو فبالجمع نحو ضربوا ، وأمّا الياء وإن لم تستلزم زيادته الالتباس بشيء من الألفاظ المذكورة نحو ضربي لكنها تلزم دخول الكسرة التي هي أخت الجر على الفعل ؛ لأن الياء الساكنة تستدعي كسرة ما قبلها ، فزادوا فيه حرفا شبيها بحروف المد واللين وهي النون ، وحركوها لما فيها من قوة الاسمية. اه فلاح.

(٣) قوله : (لأجل ... إلخ) أي : لتكون الواو التي هي مدة محفوظة على مدتها بسبب مجانسة حركة ما قبلها لها. اه ف.

٥٨

بخلاف : رموا (١) ؛ لأن الميم ليست بما قبلها ، وضمّ (٢) في : رضوا ، وإن لم يكن الضاد بما قبلها حتى لا يلزم الخروج من الكسرة (٣) إلى الضمة.

وكتب (٤) الألف في : «ضربوا» للفرق بين واو الجمع وواو العطف في مثل : حضروا (٥) وتكلّم زيد ، وقيل : للفرق بين واو الجمع وواو الواحد في مثل : لم

______________________________________________________

(١) قوله : (بخلاف) جواب سؤال مقدر وهو أنتم قلتم : إذا اتصل بالفعل واو الجمع يضم آخره لأجل الواو ، فلم لم يضم في رموا؟ وتقرير الجواب : أن الميم فيه وإن كانت ما قبلها صورة ، لكنها ليست بما قبلها حقيقة ؛ لأن أصله رميوا بضم الياء فقلبت ألفا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها ، فالتقى الساكنان الألف والواو فحذفت الألف دون الواو ؛ لأن الألف لام الفعل ، والواو علامة للفاعل ، والعلامة لا تحذف فلما لم تكن الميم بما قبل الواو بقيت على حالها ، وهو الفتح فصار رموا كذا الحال في كل ناقص عين ماضيه مفتوح فافهم. اه حنفية وفلاح.

(٢) قوله : (وضم ... إلخ) لما توجه أن يقال : إن الضّاد في رضوا ليست بما قبل الواو حقيقة فلم ضمت؟ أجاب عنه بقوله : وضم ... إلخ. وتقرير الجواب ما أشار إليه المصنف رحمة الله.

بقوله حتى لا يلزم ... إلخ. اه فلاح.

(٣) قوله : (من الكسرة ... إلخ) وذلك أثقل على اللسان ؛ لأنه كالمشي من الأسفل إلى العلوّ ، واعترض عليه بأن الفساد يرتفع بالفتح أيضا ، بأن يقال : رضوا بفتح الضّاد كما يقال : رموا ، وأجيب : بأن الأمر كذلك لكنه لم تفتح لتناسب الواو ولتدل على الضمة المحذوفة للياء. اه فلاح بتصرف.

(٤) قوله : (وكتب ... إلخ) لعله لدفع ما يقال : لا حاجة إلى كتابة الألف في مثل ضربوا ؛ لأن الجمع مستفاد من الواو فقط والله أعلم. اه ش.

(٥) قوله : (حضروا ... إلخ) وكذلك في مثل لم يحضروا تكلم زيد يعني إذا لم يكتب الألف بعد الواو لم يعلم أن حضر ، ولم يحضر مفرد عطف عليه تكلم ، أو جمع لم يعطف عليه ، وأمّا إذا كتبت زال هنا الالتباس ؛ لأن الألف لا تزيد بعد واو العطف.

ويتوجه بأن لزوم الالتباس في مثل حضر وتكلّم زيد مسلم ، لكن لا نسلم الالتباس في مثل ضربوا ؛ لأن واو الجمع يكتب متصلا نحو ضربوا وقتلوا وواو العطف يكتب منفصلا نحو ضرب وقتل فلا حاجة إلى زيادة الألف في ضربوا. أجيب بأنّ الالتباس وإن لم يلزم في ضربوا لما قلتم ، وكذا في لم يضربوا إلا أنهم حملوها عليهما طردا للباب.

فإن قلت : لم لم يحملوا مثل ضربوه ولم يضربوه عليهما أيضا طردا للباب؟ مع أنهما من هذا الباب؟.

قلت : لأنه يلزم إدخال الفاصل بين الضمير المتصل وبين ما يتصل به من غير ضرورة وهو غير جائز هذا هو المراد. ـ

٥٩

يدع (١) ، ولم يدعوا.

______________________________________________________

لكن في عبارته نوع قصور لعدم تناوله للمضارع ، اللهم أراد المصنف ب : يضربوا مثلا كل جمع للمذكر يكون واو الجمع فيه متصلا بما قبلها ماضيا كان أو مضارعا ، لكن الاكتفاء بالماضي للأصالة لا للحصر.

فإن قيل : كتابة الألف بعد واو الجمع ليست بجارية على الإطلاق بل إذا لم يكن بعد واو الجمع ضمير ؛ لأنه إذا كان بعده ضمير لا تكتب الألف بعده كما أشرنا إليه سابقا ، فلو قال :

كتب الألف بعد واو الجمع ما لم يكن بعده ضمير لكان أولى وأحرى كذا قيل؟.

والجواب عنه : أن تمثيل المصنف بلفظ ضربوا دار على هذا الغرض ومن دأبهم الاكتفاء بالتمثيل شائع تدبر. اه فلاح وحنفية.

(١) قوله : (في مثل لم يدع ... إلخ) فإن قيل : إن كلمة لم إذا دخلت على المفرد يسقط حرف العلّة النّاقص وإذا دخلت على الجمع لم يسقط آخره بل يسقط نونه نحو لم يدعوا فقد حصل الفرق بلم؟.

قلنا : هذا على لغة من قال : إن الجازم لا يسقط الحروف من النّاقص بل يسقط الحركة فقط ، كما في الصحيح وعليه قول الشاعر :

هجوت زيان ثم جئت معتذرا

من هجو زيان لم تهجو ولم تدع (١)

بإثبات الواو في تهجو مع أنه واحد ، فلما لم تحذف الواو على هذه اللغة من المفرد مثلا إذا قيل : لم يدعو بغير ألف لم يعلم أنه جمع حذف نونه للجزم أو مفرد لم يحذف واوه بل أسقطت حركته ، فإذا كتبت الألف زال الالتباس.

فإن قلت : إن الواو في يدعو ساكن قبل دخول الجازم عليه فكيف يمكن إسقاط الحركة منه على هذه اللغة؟.

قلت : قال ابن جني : إنه قدر أن يكون في الرفع هو يدعو ويهجو بإثبات الضمة على الواو كما تقول : هو يضربك فجاء الجازم وأسقط الحركة وبقيت الواو ساكنة. أقول : إن زيادة الألف في آخر لم يدعو بصيغة الجمع وإن كان مما يدفع الالتباس الذي بينه وبين واحده كما قيل ؛ لكنه يؤدي إلى التباسه بين التثنية فصار المفرّ عين المقرّ ، ولعل هذا وجه إيراد هذا القول بصيغة المجهول.

ثم أقول : إن زيادة الألف في مثل لم يدعوا وإن كان مما يدفع الالتباس بالواحد ويوجب الالتباس بالتثنية لكن الالتباس بالتثنية ليس كالالتباس بالواحد فإن الواحد أصل بالنسبة إلى التثنية والجمع وهما فرعان له فالتباس الفرع بالأصل أشد وأفحش من التباس الفرع بالفرع فافهم وتدبر. اه مجمع الشروح.

__________________

(١) البيت من البحر البسيط ، وهو بلا نسبة في الجمل في النحو للفراهيدي ص ٢٢٣ ، وأصول النحو لابن السراج ٢ / ١٠٩.

٦٠