مراح الأرواح

المؤلف:

أحمد بن علي بن مسعود حسام الدين


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٩٤

واو : «ليضربوا» اكتفاء بالضمة ، وياء (١) : «اضربي» اكتفاء بالكسرة ، ولم تحذف (٢) ألف التثنية حتى لا يلتبس بالواحد (٣).

وكسرت النون (٤) الثقيلة بعد ألف التثنية لمشابهتها بنون التثنية ، وحذفت النون التي هي تدلّ على الرفع في مثل : هل يضربانّ (٥)؟ لأن ما قبل النون الثقيلة يصير مبنيّا (٦).

______________________________________________________

(١) قوله : (وياء ... إلخ) ولا يرد أن يقال : إن الواو والياء علامتان للفاعل والعلامة لا تحذف ؛ لأنّ الحركتين اللتين قبلهما تدلان عليهما فكانا كأنّهما لم تحذفا. اه فلاح شرح مراح الأرواح.

(٢) لما توجه أن يقال : إن مقتضى القياس أن تحذف النون من التثنية اكتفاء بالفتحة كما حذفت الواو من الجمع اكتفاء بالضمة ، فلم لم تحذف؟ أجاب بقوله : ولم تحذف ... إلخ. اه فلاح.

(٣) فيهما فإن قيل : الالتباس بين التثنية والواحد لكسر النون في التثنية وفتحها في الواحد؟.

قلنا : النون لوقوعها في الطرف لا اعتبار بحركتها ، فإنه قد يقع الوقف عليها فيحصل الالتباس فافهم. اه إيضاح.

(٤) قوله : (وكسرت ... إلخ) فكأنه لدفع ما يتجه ينبغي أن تفتح النون الثقيلة في التثنية لخفة الفتحة ، وأن التثنية فرع المفرد والنون فيه مفتوح فيوافق الفرع بالأصل مع عدم الالتباس بينهما ، فإن الالتباس مدفوع بإيراد الألف في التثنية دون المفرد ، كما ترى بأن ما قلت مسلم ، إلّا أن الكسرة لمشابهتها بنون التثنية المكسورة ، وإنما كسرت نون التثنية ؛ لأن الألف في غاية الخفة فلو ضم لزم الخروج من الأخف إلى الأثقل ، ولو فتح لزم المخالفة عن استعمال الفصحاء ، فلا جرم كسر للتعادل. اه عبد الأحد.

(٥) قوله : (هل يضربان) وإنما قال : في مثل هل يضربان ، ولم يقل : في التثنية ؛ لأن حذف نون الإعراب للعلّة التي ذكرها المصنف إنما هو إذا لم يحذف قبل دخول النون بالجوازم مثلا إذا قلت : لم يضربا فقد حذفت نون الإعراب بالجوازم قبل دخول نون التأكيد بخلاف هل يضربان ، لأن هل لا يجزم الفعل ، لكن إذا دخلت عليه نون التأكيد حذفت نون الإعراب لما ذكره المصنف. اه فلاح.

قوله : (هل يضربان) إنما تعرض إلى هذا لئلا يرد أن قول المصنف : وحذفت النون ... إلخ ، غير جيد إذ النون في التثنية للغائب والمخاطب والواحدة المخاطبة قد سقط بدخول لام الأمر الغائب والمعلوم نحو ليضربا لتضربا فمن أين تحقق حذفها عند اتصال النون الثقيلة؟ وتقرير الدفع أن الأمر المذكور فيما أدخل عليه كلمة الاستفهام من هل والهمزة لا فيما حذفت بلام الأمر الغائب. اه سمع.

(٦) قوله : (يصير مبنيا) فهي علامة البناء فوجب حذف علامة الإعراب إذ لا يجتمع في كلمة ـ

١٢١

فإن قيل : لم أدخل الألف الفاصلة في مثل : «ليضربنانّ»؟.

قلنا : فرارا (١) عن اجتماع النونات (٢).

وحكم الخفيفة مثل حكم (٣) الثقيلة ، إلا أنّه (٤) لا تدخل بعد الألفين (٥)

______________________________________________________

واحدة إعراب وبناء ، ولا يجتمع علامتاهما ، وإنما كان الفعل مبنيا عند اتصال نون التأكيد لتركّبه مع النون والإعراب في الوسط فبني على الحركة ، والنون حرف لا حظّ له من الإعراب فيبقى الجزآن مبنيين كبعلبك ، وقيل : إنما بني ؛ لأن ما قبل النون مشتغل بالحركة المجتلبة للفرق بين المفرد المذكر والجمع المذكر والواحد المؤنث ففتحوا في الأول ، وضموا في الثّاني ، وكسروا في الثّالث لأجل الفرق ، فلم يمكن الإعراب فرجحوا موجب البناء لذلك مع ضعفه. اه شمس الدين.

(١) قوله : (فرارا عن اجتماع) يعني إنما أدخل الألف الفاصلة ... إلخ فرارا ... إلخ واختص الألف لخفتها بالنسبة إلى الواو والياء ، وفي توصيف الألف بالفاصلة إشعار بأن الغرض من زيادتها الفصل بين النونات لا غير ، فقوله : فرارا عن اجتماع النونات لا يخرج عن الاستدراك.

اه إيضاح.

(٢) أحدها نون جماعة المؤنث ، وثانيها وثالثها نون التأكيد الثقيلة فإنهما نونان ساكنة ومتحركة ولا يمكن حذف نون جماعة النساء كما حذف الواو من الجمع المذكر ؛ لأنه علامة التأنيث ، ولا يدل حركة ما قبله عليه ، كما يدل الضمة على الواو في المذكر حتى يجوز حذفه. اه ف.

(٣) قوله : (مثل حكم ... إلخ) بأن يدخل الخفيفة في كل موضع يدخل فيه الثقيلة. اه إيضاح.

(٤) قوله : (إلا أنه) أي : النون الخفيفة تذكير الضمير بتأويل ما ذكر أو بأن النون حرف ، والحرف يذكر ويؤنث ، ثم هذا استثناء مفرغ أي : حكم الخفيفة كحكم الثقيلة في جميع الأوقات إلّا وقت الدخول بعد الألفين فحينئذ ليس حكمه كحكم الثقيلة ، فإن النون الثقيلة يدخل فيهما دون الخفيفة ، فلا يقال : اذهبان اذهبنان بالنون الخفيفة لاجتماع ... إلخ. اه حنفية.

(٥) قوله : (بعد الألفين) أي : بعد ألف التثنية والألف التي تزاد في صيغة جماعة النساء للفصل بين النونات فخرج التثنية والجمع المؤنث فبقي المفرد والجمع المذكر نحو ليضربن ليضربن ليضربن بفتح الباء في الأول ، وضمها في الثّاني ، وكسرها في الثّالث ، وقس عليه أمر المخاطب. اه أحمد رحمه‌الله.

قوله : (والجمع المؤنث) واعترض عليه بأنه يمكن أن يدخل الخفيفة في جمع المؤنث بدون الألف بأن يقال : اضربن ، ولا يلزم اجتماع النونات ولا اجتماع الساكنين ، وأجيب عنه بأن الثقيلة هو الأصل والخفيفة فرعها ، وإذا دخلت الألف مع الثقيلة فيلزم مع الخفيفة ، وإن لم يجتمع النونات لئلا يلزم مزية الفرع على الأصل ، ألا ترى أن يونس حين أدخلها في فعل الاثنين وجماعة النساء ، أدخل الألف وقال : اضربان اضربنان دون اضربن ، وفيه قلق ؛ ـ

١٢٢

لاجتماع الساكنين (١) في غير حدّه (٢) ، وعند يونس تدخل قياسا (٣) على الثقيلة (٤).

وكلاهما تدخلان (٥) في سبعة مواضع لوجود معنى الطلب (٦) فيها (٧):

______________________________________________________

لأن أصالة الثقيلة إنما هي عند الكوفيين مع أن الفرع لا يجب أن يجري على الأصل في جميع الأحكام ، ثم المناسبة المعلومة من قوانينهم يقتضي أصالة الثقيلة لكثرة التأكيد عنها ، فالمناسبة أن يعدل من الخفيفة إليها. اه إيضاح.

(١) قوله : (الساكنين ... إلخ) أحدهما الألف ، والثّاني نون التأكيد الساكنة ، ولم يمكن حذف الألف ، أمّا في التثنية فلئلا يلتبس المثنى بالواحد ، وأمّا في الجمع المؤنث فلئلا يلزم اجتماع النونين ، ولم يمكن أيضا تحريك الألف ، أمّا في التثنية فلأنه ضمير وهو لا يتغير ، وأمّا في الجمع المؤنث فلأنه للفصل وألف الفصل لا يقبل الحركة للزوم سكونه ، ولم يكن أيضا تحريك نون التأكيد ؛ لأنه خلاف وضعها ؛ لأنها لا تقبل الحركة بدليل حذفها في اضربن القوم والأصل اضربن دون تحريكها. اه ابن كمال.

(٧٠)

(٢) قوله : (في غير حده) واعلم أن قوله : في غير حده وهو أن لا يكون الحرف الأول مدّا ، والثّاني مدغما احتراز عن اجتماع الساكنين في حده إذ هو جائز عندهم ، وهو أن يكون الحرف الأول مدا ، والثّاني مدغما في حرف آخر نحو اضربنان ودابّة ، وإنما جاز ذلك ؛ لأن المدّ الذي في حرف المد بمنزلة الحركة ، والساكن إذا كان مدغما جرى مجرى المتحرك ؛ لأن اللسان يرتفع عنهما دفعة واحدة فكانا كأنهما متحركين. اه فلاح.

(٣) وجه القياس اشتراكهما في أصل التأكيد إلا أن التوكيد في النون الثقيلة أكثر منه في الخفيفة فلذا قاس الخفيفة على الثقيلة ولم يعكس. اه تحرير.

(٤) فأجاز التقاء الساكنين على غير حده فيما يمكن التلفظ بهما فيه ، وعليه قراءة من قرأ (مَحْيايَ) بسكون ياء الإضافة. اه ف.

(٥) قوله : (وكلاهما تدخلان ... إلخ) لعل الغرض من هذا القول تفصيل مواضع تدخلان فيها مع الإيماء إلى أن القيد المذكور فيما سبق من قول المصنف : وزيدت نون التأكيد في آخر الأمر اتفاقي لا للاحتراز تدبر. اه لمحرره.

(٦) أمّا الأمر والاستفهام والنهي فمعنى الطلب فيها ظاهر وأمّا في التمني والعرض فلأنهما بمنزلة الأمر ، وأمّا في القسم فإنه إنما يكون على ما يطلب وجوده وتحصيله ، وأمّا النهي فلما قاله المصنف. اه عصام.

(٧) قوله : (فيها) الضمير يرجع إلى السّبعة على سبيل التغليب ؛ إذ لا يوجد في النفي معنى الطلب ، أو على سبيل التحقيق ؛ لأن النفي لما شابه النهي أعطي حكمه فيكون إنشاء حكما ، وفي تعليل المصنف رحمه‌الله إشعار بأن نوني التأكيد لا يدخلان فيما ليس فيه معنى الطلب ـ

١٢٣

١ ـ الأمر ، كما مرّ.

٢ ـ والنهي ، نحو : لا تضربنّ.

٣ ـ والاستفهام ، نحو : هل تضربنّ.

٤ ـ والتمني ، نحو : ليتك تضربنّ.

٥ ـ والعرض (١) ، نحو : ألا تضربنّ.

٦ ـ والقسم ، نحو : والله (٢) لأضربنّ.

٧ ـ والنّفي قليلا مشابهة بالنهي ، نحو : لا تضربنّ.

والنهي مثل الأمر في جميع الوجوه (٣) ، إلا أنه معرب (٤) بالإجماع.

ويجيء المجهول (٥) من الأشياء المذكورة : فمن الماضي ، نحو : ضرب ... إلخ.

______________________________________________________

كالماضي والمضارع الذي خلص للحال ؛ لعدم إمكان تأكيده ، أمّا الماضي فلأنّ ما مضى فات وتأكيد الفائت ممتنع ، وأمّا المضارع فلأنّ التأكيد إنما يليق بما لم يحصل كما في : والله لأضربن ، وأمّا الحاصل في الحال فهو وإن كان محتملا للتأكيد وذلك بأن يخبر المخاطب أن الحاصل في الحال متصف بالتأكيد لكنه لما كان موجودا وأمكن للمخاطب في الأغلب أن يطلع على ضعفه أو قوته لم يؤكد ، وأمّا المستقبل الذي فيه معنى الطلب فيمكن تأكيده لقصد تحصيل المطلوب على الوجه الأبلغ. اه رضي.

(١) قوله : (والعرض) وهو قريب من التمنّي ؛ لأنك إذا عرضت على المخاطب الضرب فقد حثثته عليه ولن تحثه إلا ما تمنّاه وليس باستفهام ؛ لأنك لا تقصد بقولك : ألا تضربن السؤال عن ترك الضرب. اه فلاح.

(٢) فإن قيل : أين في القسم معنى الطلب؟.

قلت : معنى الطلب فيه أنك إذا قلت : والله لأفعلنّ كذا ، ولا ريب في اشتمال السؤال على الطلب. اه حنفية.

(٣) المذكورة في الأمر من كونه مأخوذا من المستقبل وحذف الحركة وحذف حرف العلّة والنون سوى نون جمع المؤنث ومن كون في كل منهما طلبا ، وكيفية دخول نوني التأكيد عليه وكيفية حركة ما قبل النون فيه. اه فلاح مع جلالية.

(٤) قوله : (معرب ... إلخ) لوجود علّة الإعراب وهو حرف المضارعة ، ولما فرغ من أقسام الفعل المبني للفاعل شرع في أقسام الفعل المبني للمفعول وكيفية بنائها له فقال : ويجيء ... إلخ. اه أحمد.

(٥) قوله : (المجهول) وهو فعل غيّر عن صيغته بعد حذف فاعله وأقيم المفعول مقامه ، ـ

١٢٤

ومن المستقبل ، نحو : يضرب ... إلخ.

والغرض من وضعه إما خساسة الفاعل (١) ، أو عظمته ، أو شهرته (٢) ، أو خوفا عليه (٣).

واختصّ (٤) بصيغة : «فعل» في الماضي (٥) ؛ لأن معناه غير معقول ـ وهو إسناد (٦)

______________________________________________________

ويسمى أيضا المبني للمفعول لكن كثر استعمال المجهول بين أهل الصّرف واستعمال المبني للمفعول بين أهل النحو. اه ابن كمال باشا.

(١) بالنسبة إلى المفعول يعني قد يكون الفاعل حقيرا بالنسبة إليه فيحذف لتطهير اللسان عن ذكره ، وأسند الفعل إلى مفعوله ؛ لئلا يبقى الفعل بلا مسند إليه نحو شتم الخليفة ، أي : شتم الفاسق الخليفة. اه ف.

(٢) قوله : (أو شهرته) ولا يرد أن كلمة أو للترديد فيستلزم أن ترك الفاعل لأحد الأمور المذكورة إمّا العظمة ، وإمّا الشهرة ، وإمّا الخساسة ، وإمّا الخوف على الفاعل ؛ وليس كذلك لأنه ترك ذكر الله في قوله تعالى : (وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) [النساء : ٢٨] مع كونه أعظم وأشهر ؛ لأنها لمانعة الخلو لا للانفصال الحقيقي ، والله أعلم. اه تحرير.

قوله : (أو شهرته) أي : شهرة الفاعل كما في قوله تعالى : (وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً ،) فالخالق مشهور ؛ لأن هذا الفعل لا يتصور من غيره تعالى ، ويصلح مثالا لعظمة الفاعل أيضا. اه عبد الحكيم.

(٣) ولا يخفى عليك أن الاقتصار بهذه الأربعة للشهرة لا للحصر ، فاندفع ما قيل من عدم صحة الاقتصار بها إذ ترك ذكر الفاعل قد يكون لغير هذه المعاني أيضا على ما في المطولات. اه تحرير.

(٤) قوله : (واختص ... إلخ) لعله دفع ما توهم أن وزن المجهول في الماضي فعل بضم الفاء وكسر العين ، وفي المستقبل يفعل بضم الياء وسكون الفاء مع فتح العين خلاف القياس ، إذ في الأول الخروج من الضمة إلى الكسرة ، وفي الثّاني من الضمة إلى الفتحة ، إذ الساكن حاجز غير حصين ، فلم اختير هذا الوزن بأن اختصاص المجهول بصيغة ... إلخ. اه تحرير.

(٥) قوله : (في الماضي) من الثلاثي المجرد يعني لما وجب تغيير صيغة الفعل بعد حذف الفاعل لئلا يلتبس المفعول الذي أقيم مقام الفاعل بالفاعل ، اختير هذا الوزن الثقيل في المجهول دون المعلوم ؛ لكون المجهول أقل استعمالا منه للفرق بينهما ، واختير ذلك الوزن الذي هو فعل دون سائر الأوزان ؛ لأن معناه ... إلخ. اه فلاح.

(٦) قوله : (وهو إسناد ... إلخ) وإنما أسند الفعل إلى المفعول ؛ لئلا يبقى بدون المسند إليه. ـ

١٢٥

الفعل إلى المفعول ـ فجعل صيغته أيضا غير معقولة (١) ، وهي : فعل (٢) ، ومن ثمّ لا يجيء على هذه الصيغة كلمة إلّا وعل (٣) ودئل.

وفي المستقبل (٤) على : «يفعل» لأن هذه الصيغة (٥) مثل : «فعلل» في الحركات

______________________________________________________

فإن قيل : المفعول ضد الفاعل في المعنى فكيف يجوز أن يقوم مقامه ويرتفع بارتفاعه؟.

قيل : جواز ذلك لأجل أن للفعل طرفين طرف الصدور وهو الفاعل ، وطرف الوقوع وهو المفعول ، فكان بينهما مشابهة من حيث الطرفية فيصح أن يقوم مقامه ، وجاز أن يقبل ارتفاعه ؛ لأن فاعلية الفاعل بإسناد الفعل إليه ، لا لإحداثه شيئا فإنّ زيدا في مات زيد فاعل مع أنه لم يحدث شيئا بل هو مفعول في المعنى ؛ لأن الله تعالى أماته ، وقد أسند الفعل إليه وقد تحقق الإسناد في نحو ضرب زيد ، فلا بد أن يرتفع بارتفاع الفاعل. اه شمس الدين.

(١) قوله : (غير معقولة) حاصله أن معنى المجهول لما كان معنى بعيدا في قسم الأفعال وهو الإسناد إلى المفعول ، خيف أن يلحق المجهول بقسم الأسماء فجعل صيغته على صيغة لا يوجد في الأسماء لئلا يتوهم أنه من قسم الأسماء ، بسبب بعد معناه عن معنى الفعل ، وإذا كان صيغته مما لا يوجد في الأسماء علم أنه من الأفعال لا من الأسماء. اه شمس الدين.

(٢) بضم الفاء وكسر العين.

فإن قلت : لو كسر الفاء وضم العين يحصل هذا المقصود ، إذ لا يوجد في الأسماء والأفعال المعلومة هذا الوزن؟.

قلت : نعم إلا أن الخروج من الكسرة إلى الضمة أثقل من العكس ؛ لأن الأول طلب ثقل بعد الخفة بخلاف الثّاني. اه أحمد رحمه‌الله.

(٣) فلما لم توجد كلمة في كلام العرب إلا هاتين الكلمتين بهذا الوزن صار هذا الوزن غير معقول ، إذ لو كان معقولا فيجيء بهذا الوزن كثير من الكلمات في كلامهم. اه حنفية.

(٤) قوله : (وفي المستقبل) أي : وجاء المجهول في المستقبل من الثلاثي المجرد على وزن يفعل بضم حرف المضارعة ... إلخ ، فتكون هذه الجملة داخلة تحت الجملة السابقة ، أعني واختص.

اه إيضاح.

بضم حرف المضارعة وفتح العين ، أي : يجيء صيغة المجهول في المستقبل على يفعل لأن ... إلخ. اه ف.

(٥) قوله : (لأن هذه الصيغة ... إلخ) حاصله أن المستقبل لما حذف فاعله وأسند إلى مفعوله كان معناه بعيدا في الأفعال فخيف أن يلحق بقسم الأسماء فجعل صيغته على صيغة لا توجد في قسم الأسماء ؛ لئلا يتوهم أنه من الأسماء كما جعل كذلك في الماضي ، لذلك قيل : إنما ضم أول المضارع حملا على الماضي ، وفتح ما قبل آخره ليعدل ضمة الأول بالفتحة في المضارع الذي هو أثقل من الماضي. اه ابن كمال باشا.

١٢٦

والسّكنات ، ولا يجيء عليه (١) كلمة أيضا إلا جندب وبرقع.

ويجيء (٢) في الزوائد (٣) من الثلاثي المجرد بضمّ الأول وكسر ما قبل الآخر في الماضي ، نحو : «أكرم» وبضمّ الأول وفتح ما قبل الآخر في المستقبل مثل : «يكرم» تبعا للثلاثي المجرد ، إلّا في (٤) سبعة (٥) أبواب ، فإنه يجيء بضم أول (٦) متحرك منه مع ضمّ الأول وكسر ما قبل الآخر ، وهي :

١ ـ تفعّل.

______________________________________________________

(١) قوله : (ولا يجيء ... إلخ) منقوض بعليب وحجذب بضم الأول ، وفتح الثّالث فيهما إلا أن يحمل النفي على اللغة الفصيحة فإن اللغة الفصيحة فيهما ضم الأول مع الثّالث والله أعلم. اه مولانا رحمه‌الله.

(٢) ولما فرغ من بيان علامة بناء المجهول في الماضي والمستقبل من الثلاثي المجرد شرع في علامته فيما عدا الثلاثي المجرد ، فقال : ويجيء ... إلخ. اه ف.

(٣) أراد بالزوائد ما كان ماضيه أكثر من ثلاثة أحرف فيتناول الرباعي المجرد ، والملحق بالرباعي ، والمزيد على الرباعي أيضا ، وحاصله ما عدا الثلاثي المجرد. اه ف.

(٤) استثناء من قوله الماضي فقط يعني يجيء المجهول من الزوائد على الثلاثي بضم الأول وكسر ما قبل الآخر في جميع الماضي إلا في سبعة أبواب فإنه لا يكفي فيها هذا القدر من البيان لا بد فيها من قيد زائد وبيان أنه يجيء. اه أحمد.

(٥) قوله : (إلا في سبعة أبواب) واعلم أن في تخصيص الأبواب السّبعة بهذا الحكم نظرا إذ كل فعل في أوله همزة وصل فعلامة بناء المجهول منه أن يضم الأول المتحرك منه مع ضم الأول وكسر ما قبل الآخر ، وذلك أحد عشر بابا لا ما فعله المصنف مثل انطلق واكتتب واحمر واحمار واستخرج واعشوشب واجلوذ واقعنسس واسلنقى واحرنجم واقشعر فإذا ضم إليها تفعّل وتفاعل نحو تقطع وتباعد صار عدة الأبنية ثلاث عشرة فالقصر على السّبعة تقصير فلا تكن من القاصرين. اه أحمد.

(٦) قوله : (بضم أول متحرك منه) واعلم أن المراد بأول المتحرك منه الحرف المتحرك أولا من الفعل بعد ضم الأول كالتاء في افتعل ؛ لأن الهمزة وإن كانت في أول الكلمة لكنها ليست من الفعل للوصل كما سبق ، فعلم أن قوله : إلا في سبعة أبواب بضم أول متحرك منه تغليب إذ لا يمكن أن يقال : إن الفاء في تفعل وتفوعل أول متحرك منه ؛ لأن التاء فيهما من الفعل ولهذا قال عند تفصيل حكمها وضم الفاء في الأولين وضم أول متحرّك منه أيضا كما قال ذلك في الخمسة الباقية. اه فلاح.

١٢٧

٢ ـ وتفوعل.

٣ ـ وافتعل.

٤ ـ وانفعل.

٥ ـ وافعنلل.

٦ ـ واستفعل.

٧ ـ وافعوعل.

وضمّ الفاء في الأولين حتى لا يلتبسا (١) بمضارعي : فعّل وفاعل ، وضمّ أول المتحرك منه في الخمسة الباقية حتى لا يلتبس بالأمر في الوقف (٢) ، يعني : إذا قلت : «وافتعل» مثلا في المجهول في الوقف بوصل الهمزة ، و «وافتعل» (٣) في

______________________________________________________

(١) قوله : (حتى لا يلتبسا ... إلخ) يعني لو اكتفي في تقطع مثلا بضم الأول وهو التاء وكسر ما قبل الآخر وهو الطاء وأبقي القاف مفتوحا لم يعلم أنه مجهول الماضي من باب التفعل ، أو مضارع معلوم من باب التفعيل ، وكذا لو اكتفي في تباعد مثلا بضم الأول وهو التاء وكسر ما قبل الآخر وهو العين وأبقي الباء مفتوحا لم يعلم أنه مجهول الماضي من باب التفاعل ، أو مضارع من باب المفاعلة. اه شمس الدين رحمه‌الله تعالى.

وكذا لم يكسر الفاء فيهما وإن لم يلتبسا بمضارعي فعّل وتفاعل ؛ لئلا يلزم الخروج من الضمة للحرف الأول من الكلمة إلى الكسرة على الأول المتحرك. اه تحرير.

(٢) قوله : (في الوقف) قيد للالتباس بالأمر ، وإنما قيد بحالة الوقف احترازا عن غير حالة الوقف فإنه لا التباس حينئذ ثمة لإمكان التمييز بالحركات ، ولما ورد على هذا الجواب بأن التمييز بين الماضي المجهول والأمر يعلم بضم الهمزة وكسرها ، فإن الهمزة في الماضي مضموم وفي الأمر مكسور فلا التباس عند الوقف كما ترى دفعه بقوله : يعني ... إلخ ، حاصل الدفع أن مرادنا بالالتباس في حالة الوقف عند وصل الهمزة لا بدونه حتى يرد ما قيل.

فإن قيل : حينئذ لا التباس أيضا لتحقق الفرق بينهما بحركة الحرف الثّالث ففي الماضي مضموم ، ومفتوح في الأمر ، اللهم هذا بقطع النظر من حركة الحرف الثّالث على ما صرح به صاحب الإيضاح. والله أعلم. اه لمحرره عفي عنه.

(٣) قوله : (وافتعل في الأمر) يعني إذا اكتفي في اقتصر مثلا بضم الأول وهو الهمزة وكسر ما قبل الآخر وهو الصاد وأبقى التاء مفتوحا ، وقيل : واقتصر بوصل الهمزة وإسكان الراء للوقف لم يعلم أنه ماض مجهول وصل همزته ووقف آخره أو أمر مخاطب جزم آخره ، وإنما بين ـ

١٢٨

الأمر ، يلزم اللبس ، فضمّ التاء لإزالته ، فقس (١) الباقي (٢) عليه (٣).

* * *

______________________________________________________

الالتباس بقيدين أحدهما الوقف والآخر وصل الهمزة إذ لو لم يقف لم يلتبس أحدهما بالآخر ؛ لأن آخر الماضي مفتوح وآخر الأمر مجزوم وأيضا لو قطع الهمزة لم يلتبس إذ هي في المجهول مضمومة وفي الأمر مكسورة. اه ابن كمال باشا رحمه‌الله تعالى.

(١) يعني : إذا دريت ما ذكرنا من ضمّ أول المتحرّك منه في ... إلخ ، قس الباقي من الأبواب الأربعة على الفعل لتدركها. ففيه إيماء إلى دفع ما يقال : لم لم يتعرض المصنف إلى أبواب ما عدا افتعل بأن عدم التعرض إليها لكونه مقيسا عليه لها تدبر. اه لمحرره رحمه‌الله تعالى.

(٢) يعني كما ضم التاء في افتعل لإزالة اللبس فكذلك يضم الفاء في انفعل والتاء في استفعل والعين في افعوعل وافعنلل لإزالة اللبس من فعل المضارع. اه مولوي.

(٣) قوله : (فقس ... إلخ) واعلم أن ما ذكر من البيان في مجهول الماضي والمضارع إذا لم يكن الفعل معتل العين ، أمّا إذا كان معتل العين فليس صيغة المجهول على ما ذكره ظاهرا إذ يقال في مجهول قال مثلا قيل ، وسيأتي حكمه في موضعه إن شاء الله تعالى. اه مولانا أحمد رحمه‌الله.

١٢٩
١٣٠

فصل :

في اسم الفاعل

وهو اسم (١) مشتقّ من المضارع لمن قام به الفعل بمعنى الحدوث ، واشتقّ (٢)

______________________________________________________

(١) قوله : (اسم) جنس يشمل جميع الأسماء مشتقة أو غير مشتقة ، وقوله : مشتق من المضارع يخرج الأسماء الغير المشتقة كالفاعل الذي أسند إليه الفعل نحو قام زيد ، وكالمصدر وغيرهما وقوله : لمن قام به الفعل يخرج اسم المفعول والآلة واسمي الزمان والمكان ، وقيل : يخرج أيضا اسم التفضيل ، ولا يخرج الصفة المشبهة.

لكن هذا القيد لا يشمل بعض أسماء الفاعلين نحو زيد مقابل عمرو ، وأنا مقرب من فلان أو مبتعد منه ومجتمع به ، فإن هذه الأحداث نسب بين الفاعل والمفعول لا يقوم بأحدهما معينا دون الآخر كذا قيل ، وقوله : بمعنى الحدوث يخرج الصفة المشبهة ؛ لأن وضعها على الثبوت والدوام لا على الحدوث ولهذا لو قصد بها الحدوث ردت إلى صيغة اسم الفاعل فيقال في حسن : حاسن الآن أو غدا ، ومنه قوله تعالى : (فِي ضَيْقٍ) [النحل : ١٢٧] ، (وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ) [هود : ١٢] ، وهذا مطرد في كل صفة مشبهة.

ولا ينتقض التعريف بمثل دائم وباق بناء على أنهما ليس بمعنى الحدوث بل بمعنى الاستمرار ؛ لأن الاستمرار مدلول جوهر الكلمة لا مدلول الصيغة فيدلان بصيغتهما على الحدوث أيضا ، كما يدل يدوم ويبقى بحسب الصيغة على الحدوث.

اعلم أن قوله : بمعنى الحدوث يخرج ما هو على وزن اسم الفاعل إذا لم يكن بمعنى الحدوث بل بمعنى الاستمرار نحو فرس ضامر أي : مهزول خفيف اللحم ، وشازب بالشين والزاي المعجمتين بمعنى الضامر ، وعذره أن يقال : إن قصد الاستمرار فيها عارض ووضعها على الحدوث كما في قولك : الله عالم ، أو كائن أبدا ، كذا قرره الفاضل الرضي رحمه‌الله تعالى. اه ابن كمال باشا رحمه‌الله.

(٢) جواب سؤال وهو أن يقال : لم اشتق اسم الفاعل من المضارع دون الماضي مع كونه أصلا له ودالا على الثبوت بأنه إنما اشتق اسم الفاعل من المضارع لمناسبة ... إلخ. اه حنفية شرح مراح الأرواح.

١٣١

منه لمناسبتهما (١) في الوقوع صفة للنكرة وغيره (٢).

وصيغته من الثلاثي المجرد على وزن : فاعل ، وحذف علامة (٣) الاستقبال من : «يضرب» (٤) فأدخل الألف لخفّتها (٥) بين الفاء والعين ؛ لأن (٦) في الأول يصير

______________________________________________________

(١) قيد لمناسبتهما وإنما قيد بذلك لئلا يرد أن اسم الفاعل وقت الاشتقاق لم يكن ثابتا فضلا عن المناسبة بينهما فإن المناسبة يقتضي الطرفين ، والحال أن اسم الفاعل لم يثبت.

خلاصة الجواب : أنهم اعتبروا اشتقاق اسم الفاعل من المضارع لمناسبة بينهما في ... إلخ ، تأمل فإنه من سوانح الوقت. اه مولوي غلام رباني رحمه‌الله تعالى.

(٢) من المناسبات المذكورة في صدر فصل المضارع وإذا كان مشتقا من المضارع وهو من الماضي وهو من المصدر كان مشتقا من المصدر بواسطة. اه ف.

(٣) للفرق بينه وبين المضارع ، وعين الفرق بالحذف ؛ لأن بالزيادة ألزم كثرة الزيادة ، وعين بحذف علامة المضارع ؛ لأنها زائدة والزائد أولى بالحذف. اه عبد الباقي.

(٤) قوله : (من يضرب) زاده لدفع توهم نشأ من قوله : علامة الاستقبال بأنها أعم من الغائب والمخاطب والمتكلم بأن المراد من العلامة علامة الغائب لا غير ، فإن اسم الفاعل اسم ظاهر ، والأسماء الظاهرة كلها غيب ، ألا ترى إلى قولهم زيد ضارب والغائب ناسب الغائب وأيضا ، قد ينسب اسم الفاعل إلى الفاعل الجلي هذه قرينة قوية على اشتقاقه من الغائب ، ثم لا يخفى عليك بأن المراد من يضرب المضارع المعلوم للغائب لا المجهول على ما صرح به في الميزان ، ولعل المناسبة بين اسم الفاعل والمضارع المعلوم في إسناد كل منهما إلى الفاعل بخلاف المجهول فإنه يسند إلى المفعول كما مرّ آنفا ، فلا مناسبة بينهما هذا ما أفيد. اه لمحرره.

(٥) قوله : (لخفتها) وذلك ؛ لأن وضع الأسماء على الخفة ووضع الأفعال على الثقل ولهذا جاء الاسم خماسيا بخلاف الفعل ، فإنه لو جاء خماسيا يلزم الثقل لفظا ومعنى ، أمّا لفظا فظاهر ، وأمّا معنى فلأن الفعل يدل على ثلاثة معان الحدث والزمان ونسبة الفاعل ، بخلاف الاسم فإنه وإن كان بحسب اللفظ ثقيلا لكنه بحسب المعنى ليس بثقيل ، إذ معناه واحد لا كثرة فيه فكانت الخفة مطلوبة في الاسم فاختير الألف. اه حنفية.

(٦) قوله : (لأن في ... إلخ) دليل لإدخال الألف بين الفاء والعين مع إفادة دفع توهم بأنه ما السّرّ في إدخال الألف بينهما دون أول الفاء أو الآخر كما ترى ، وأيضا لم يدخل الألف بين العين واللام فإن وزنه حينئذ يصير فعال فيلبس وزنا بين الاسم المشتق وغيره ، أمّا في صورة كسر الفاد فنحو رياح ورماح وجهاد ، وفي فتحها كثواب وصواب وجمال ، وفي ضمها كجناح وجهال ونحاس ، تدبر. اه لمحرره.

١٣٢

مشابها (١) بالمتكلم وبالتفضيل ، وفي الآخر يصير مشابها بتثنية الماضي.

وكسر عينه ؛ لأنه بتقدير الفتحة يصير مشابها بماضي المفاعلة ، وبتقدير الضمة يثقل ، وبتقدير الكسرة أيضا يلزم الالتباس بأمر باب المفاعلة ، ولكن أبقي مع ذلك للضرورة (٢) ، وقيل : اختيار الالتباس بالأمر أولى ؛ لأن الأمر مشتقّ من المستقبل ، والفاعل أيضا مشتق (٣) من المستقبل.

ويجيء (٤) الصفة المشبهة على وزن : فعل ، وفعل ، وفعل ، وفعل ، وفعل ،

______________________________________________________

(١) قوله : (مشابها ... إلخ) يعني لو زيدت في الأول لا يمكن زيادتها حال كونها ساكنة لتعذر الابتداء بالساكن ، ولو حركت لا يمكن تحريكها بالضم والكسر لأنه يفوت الخفة المطلوبة من زيادتها فلا يمكن تحريكها إلا بالفتحة ، وحينئذ يلزم الالتباس بالمتكلم في مضموم العين ومكسوره مثل اضرب ، وأيضا لو كسر الألف يلتبس بالأمر من مضموم العين نحو انصر ، ولو زيد في الآخر يلتبس بتثنية الماضي في مثل فتحا ، ولو زيد بين العين واللام يلتبس بصيغة المبالغة نحو فتاح وصبار ؛ إذ لا اعتبار بالإعجام ، وإذا بطل الأقسام بأسرها تعين أن يزاد بين الفاء والعين. اه مولوي وفلاح.

(٢) قوله : (للضرورة) أي : لعدم إمكان الفتح والضم كما بينا ، ولعدم إمكان السكون لالتقاء الساكنين ، واعترض عليه بعض الشارحين بأن هذا الجواب ضعيف ؛ لأن التزام الثقل أولى من التزام الالتباس ، فنقول : التزام الالتباس قليل الوقوع سيما في ما يمكن دفعه ؛ إذ يمكن ههنا دفعه بالتنوين وتركه أولى من التزام الثقل بالضمة سيما بعد ألف المد إذ بذلك يكون أثقل ويدل على ما ذكرنا أنهم قلبوا الياء ألفا في مثل مختار في الفاعل والمفعول دفعا للثقل مع أنه يلتبس أحدهما بالآخر بعد القلب لا قبله ، واكتفوا بالفرق التقديري. اه ابن كمال.

(٣) قوله : (مشتق ... إلخ) فيكون بين الأمر واسم الفاعل مؤاخاة (في أن كل منهما فرع للفرع) ومناسبته بخلاف الأمر وماضي باب المفاعلة فاختيار الالتباس بين الأمرين المتناسبين أولى من اختياره بين الأمرين المتبانيين إذا تعين اختيار أحدهما. اه فلاح.

(٤) قوله : (ويجيء الصفة ... إلخ) ولم يجعل لها فصلا على حدة بل ذكرها في ذيل اسم الفاعل من الثلاثي للمشابهة التامة بينهما كما سنذكره فكأنها منه ، وقدمها على اسم الفاعل من غير الثلاثي لعدم المناسبة بينهما إذ الصفة المشبهة لا تجيء من غير الثلاثي ، وعرفوها بأنها اسم مشتق من فعل لازم لمن قام به على معنى الثبوت ، فقوله : اسم جنس يشمل جميع الأسماء مشتقة أو غير مشتقة ، وقولنا : اشتق من فعل لازم يخرج غير المشتقات ومشتقات الفعل المتعدي ، وقولنا : لمن قام به يخرج اسم المفعول اللازم المتعدي بحرف الجر كمعدول عنه وممرور به ، واسم الزمان والمكان والآلة ، وقولنا : على معنى الثبوت ، أي : الاستمرار ـ

١٣٣

وفعل ، وفعال ، وفعال ، وفعلان (١) ، وأفعل ، نحو : فرق ، وشكس ، وصلب ، وملح ، وجنب (٢) ، وحسن ، وجبان (٣) ، وشجاع ، وعطشان (٤) ، وأحول ، وهو مختصّ بباب : فعل ، إلا ستّة يجيء من باب : فعل ، نحو : أحمق ، وأخرق ،

______________________________________________________

يخرج اسم الفاعل اللازم كقائم وقاعد فإنه مشتق من فعل لازم لمن قام به ، لكن على معنى الحدوث ، ويخرج أيضا مثل ضامر وشارب وطالق وإن كان بمعنى الثبوت ؛ لأنه في أصل وضعه للحدوث ؛ وذلك لأن صيغة الفاعل موضوعة للحدوث.

واعلم أن المشابهة بينها وبين اسم الفاعل من حيث اللفظ والمعنى ، أما الأول فلأن الصفة المشبهة يثنى ويجمع ويذكر ويؤنث كما كان اسم الفاعل كذلك ، فلما كانت مشابهة له سميت مشبهة وعمل عمله ، وأما الثاني فلأن الصفة المشبهة ما قام به الحدث المشتق هي منه ، فمعنى زيد حسن زيد ذو حسن ، والحسن حدث أي : مصدر قائم بزيد.

كما أن اسم الفاعل محل للحدث المشتق هو منه ، فمعنى زيد ضارب زيد ذو ضرب فلا فرق بينهما معنى ، إلا من حيث الحدوث في أحدهما وضعا ، والثبوت في الآخر كما عرفت ، ولما كان صيغة الصفة المشبهة سماعية ومختلفة لا يضبطها قياس بل أمرها يتوقف على السماع ، أشار إلى الأمثلة المسموعة بقوله : ويجيء الصفة المشبهة ... إلخ اه ابن كمال باشا.

(١) واعلم أن أبنية الصفة المشبهة ليست منحصرة فيما ذكره المصنف من الأبنية العشرة بل يجيء أيضا ، على وزن فعيل مثل كريم ، وفعول بفتح الفاء وتشديد العين نحو غيّور ، وفيعل بفتح الفاء وكسر العين نحو ضيّق ، وفعول بفتح الفاء نحو وقور ، وفعال بضم الفاء وتخفيف العين نحو ملاح وغير ذلك كما في المطولات. اه أحمد.

ولعل النكتة في عدم التعرض إلى الأبنية الباقية خوفا من التطويل تدبر. اه لمحرره.

(٢) قوله : (جنب) من الباب الخامس من الجنابة سواء فرده وجمعه ومؤنثه ومذكره ، وربما قالوا في جمعه : أجناب وجنوب. اه ف.

(٣) من الباب الخامس من الجبن وهو ضد الشجاعة ، يقال : رجل جبين وامرأة جبان فهو مؤنث وإن جعلته من الباب الأول يكون وزن الصفة فعال بكسر الفاء نحو جبان فيكون مذكرا ، وعبارة المصنف تحتملهما. اه ف.

(٤) من الباب الرابع معناها ظاهر ، وجمعه عطشى بفتح العين وسكون الطاء وعطاش بفتح العين ، وعطاش بالكسر ومؤنثه عطشى أيضا ، وجمعه عطاش بالكسر فقط. قال ابن الحاجب : يجيء الصفة المشبهة من جميع الأبواب الثلاثية إذا كان بمعنى الجوع والعطش وضدهما على فعلان كجوعان وضبعان وعطشان وريان. اه ف.

١٣٤

وآدم (١) ، وأرعن ، وأعجف ، وأسمر.

وزاد الأصمعي : الأعجم ، وقال الفرّاء : يجيء «أحمق» من : حمق ، وهو لغة في : حمق (٢) ، وكذلك يجيء خرق ، وسمر ، وعجف (٣) ، أعني : فعل لغة فيهنّ.

ويجيء (٤) : «أفعل» لتفضيل الفاعل من الثلاثي (٥) غير المزيد (٦) فيه ممّا ليس بلون ولا عيب.

______________________________________________________

(١) قوله : (آدم) في مختار الصحاح بضم الأول ، وسكون الثّاني. اه ف.

والآدم من الناس الأسمر والجمع أدمان ، والآدم من الإبل الشديد البياض وقيل هو الأبيض الأسود المقلتين يقال : بعير آدم وناقة أدماء. اه ف.

(٢) بالضم فكان أحمق قياسا وفيه بحث ؛ لأن حمق إذا كان بالضم يجيء الصفة منه أحمق ، وأما إذا كان بالكسر يجيء الصفة منه حمق بفتح الحاء وكسر الميم لا أحمق ، كذا في مختار الصحاح فلا يغني في الجواب كون الكسر لغة في الضم. اه فلاح.

(٣) بالكسر في الكل كما يجيء بالضم فيه ، فالكسر لغة في الضم أيضا ، ثم لما أراد تعميم الحكم للكلمات السّبعة بعد ذكر أربعة منها قال : أعني فعل ... إلخ. اه ف.

(٤) قوله : (ويجيء أفعل ... إلخ) الأشبه أن يقال لما ذكر أن أفعل يجيء للصفة المشبهة كان مظنة أن يتوهم أن أفعل لا يجيء لغير الصفة فلدفع هذا الوهم قال : ويجيء أفعل لتفضيل الفاعل ، أي : كما يجيء للصفة المشبهة ، وعرفوه بأنه : اسم اشتق من فعل لموصوف بزيادة على غيره ، فقولنا : اسم اشتق من فعل يتناول جميع المشتقات من الأفعال ، وقوله : الموصوف بزيادة على غيره يخرج ما عدا اسم التفضيل ، قال الفاضل الرضي : وهو ينتقض بنحو فاضل وغالب وزائد.

ولو احترز عن مثله بأن قال : المراد ما اشتق من فعل لموصوف بزيادة على غيره فيه أي : في الفعل المشتق منه ، لانتقض بنحو طائل ، أي : زائد في الطول على غيره.

والأولى أن يقال : هو المبني على أفعل لزيادة صاحبه على غيره في الفعل أي في الفعل المشتق هو منه ، ويدخل خير وشر لكونهما في الأصل أخير وأشرّ فخففا بالحذف لكثرة الاستعمال ، وقد يستعملان على القياس انتهى كلامه. اه ابن كمال باشا.

(٥) قوله : (الفاعل) أي : لتفضيل الفاعل على الغير لا لتفضيل المفعول على الغير ؛ وذلك لأن التفضيل إنما يكون لمن له تأثير في الفعل بالزيادة والنقصان ، والمؤثر في الفعل هو الفاعل لا المفعول ؛ لأن الفاعل هو الذي صدر عنه الفعل غالبا كما في ضرب زيد لا المفعول ، فإذا لم يكن للمفعول تأثير في الفعل لا يوصف بالزيادة والنقصان فلا يقال : زيد أضرب من عمرو ، على أن معناه أن الضرب الذي وقع على زيد أكثر مما وقع على عمرو ، بل معناه أن الضرب الذي صدر من زيد أكثر مما صدر من عمرو. اه حنفية.

(٦) واعلم أن شرط اسم التفضيل أن يبنى من الثلاثي المجرد الذي جاء منه فعل تام غير لازم ـ

١٣٥

ولا يجيء (١) من المزيد (٢) فيه لعدم إمكان محافظة جميع حروفه في : أفعل (٣) ، ولا من لون (٤) ولا عيب ؛ لأن فيها يجيء : «أفعل» للصفة المشبهة ، فيلزم

______________________________________________________

للنفي متصرف قابل معناه للكثرة ، فقولنا : جاء منه فعل ، احتراز عن أيدى وأرجل من اليد والرجل ، فإنه لم يثبت ، وقولهم : احنك الشاتين ، أي : كلهما من الحنك شاذ ، وقولنا : تام احتراز عن الأفعال النّاقصة ككان وصار فإنه لا يقال : أكون وأصبر وقولنا : غير لازم للنفي احتراز عن مثل ما ليس بكلمة ، أي : ما تكلم فإنه لا يقال : هو أليس منك ؛ لئلا يصير مستعملا في الإثبات ، وقولنا : متصرف احتراز عن نعم وبئس وليس ، وقولنا : قابل معناه للكثرة احتراز عن نحو غربت الشمس وطلعت ، فلا يقال : الشمس اليوم أغرب منها أمس ، وهذه الشروط غير ما ذكره المصنف وقد ذكرها الفاضل الرضي. اه ابن سليمان الرومي.

(١) قوله : (ولا يجيء ... إلخ) ولما خص أفعل التفضيل بالفاعل وبالثلاثي المجرد وبما ليس بلون ولا عيب وجب عليه أن يبين عدم مجيئه للمفعول ، وعدم مجيئه من غير الثلاثي المجرد ، وعدم مجيئه من الألوان والعيوب ، فبين الثّاني بقوله : ولا يجيء ... إلخ ، والثّالث بقوله : ولا يجيء من لون ولا عيب ... إلخ ، والأول في الآتي بقوله : ولا يجيء لتفضيل المفعول ... إلخ. اه أحمد رحمه‌الله تعالى.

(٢) واعلم أنك إذا قصدت التفضيل من الأفعال التي تعذر بناء أفعل منها كالرباعيات والمزيدات ، وكالألوان والعيوب فطريقه أن تبني أفعل من فعل يصح بناء أفعل منه على حسب غرضك الذي تقصده ، ثم جئت بمصادر تلك الأفعال التي امتنع بناء أفعل منها فتنصبها على التمييز مثلا إذا قصدت كثرة الفعل ، قلت : أكثر دحرجة ، وإذا قصدت حسنه قلت : أحسن انتقاشا ، وإذا قصدت قبحه قلت : أقبح عورا ، وإذا قصدت شدته قلت : أشد بياضا ، وقس عليه ما عداه. اه من الرضي.

(٣) قوله : (في أفعل) ؛ لأن أفعل ثلاثي زيد في أوله همزة للتفضيل فاستحال محافظة جميع حروف كلمات الرباعية والخماسية والسداسية في وزن أفعل على تقدير عدم حذف حرف أو حروف منها ، وإن حذفت التبس المعنى ، إذ لو قلت من دحرج مثلا : أوحر بحذف الجيم من آخره لم يعلم أنه من تركيب دحرج ، وكذا لو حذفت الهمزة من أخرج وزيدت في أوله همزة التفضيل وقلت : أخرج لم يعلم أن معناه كثير الخروج أو كثير الإخراج ، وقس عليه ما عداه ، وكل ما ذكر مبني على أنه لا صيغة للتفضيل إلا أفعل ، وإنما اقتصروا عليه اختصارا.

واعلم أن بناء أفعل من الزوائد مطلقا غير قياس عند الجمهور ، وأمّا عند سيبويه فغير قياس ما عدا باب الإفعال ، وأمّا في باب الإفعال فمع كونه ذا زيادة قياس عنده ، واختار المصنف مذهب الجمهور. اه شمس الدين رحمه‌الله تعالى.

(٤) قوله : (من لون) واعلم أنه أجاز الكوفيون بناء أفعل للتفضيل من لفظي السواد والبياض خاصة قياسا ، وقالوا : لأنهما أصل الألوان ، ويحتجون أيضا في البياض بقول الراجز : ـ

١٣٦

الالتباس (١).

ولا يجيء لتفضيل المفعول حتى لا يلتبس بتفضيل الفاعل (٢).

فإن قيل : لم لم يجعل على العكس حتى لا يلزم الالتباس؟.

قلنا : جعله للفاعل أولى (٣) ؛ لأن الفاعل مقصود في الكلام ، والمفعول فضلة (٤) ،

______________________________________________________

جارية في درعها الفضفاض

أبيض من أخت بني إياض (١)

وقال المبرد : ليس البيت الشاذ بحجة على الأصل المجمع عليه ، وفي السواد بقول الآخر :

لأنت أسود في عيني من الظّلم (٢)

والبيتان شاذان عند البصريين. اه أحمد رحمه‌الله تعالى.

(١) قوله : (الالتباس) بين الصفة والتفضيل على تقدير بناء أفعل منهما للتفضيل أيضا ، فإنك إذا قلت : زيد الأسود لم يعلم أنه بمعنى ذو سواد أو بمعنى الزائد في السواد.

وهذا التعليل إنما يتم إذا بين أن أفعل للصفة يقدم بناؤه على أفعل للتفضيل ، وهو كذلك ؛ لأن ما يدل على ثبوت مطلق الصفة مقدم بالطبع على ما يدل على زيادة على الآخر في الصفة ، والأولى موافقة الوضع لما هو الطبع. اه فلاح.

(٢) قوله : (بتفضيل الفاعل) يعني لو جاء أفعل لتفضيل المفعول يلتبس بتفضيل الفاعل ، فإنه لا يعلم أن معنى زيد أضرب زائد في الضاربية أو زائد في المضروبية ، والالتباس خلاف الأصل. اه جلال الدين.

(٣) من جعله للمفعول يعني أنهم لو جعلوه مشتركا لالتبس أحدهما بالآخر لاطراده فأرادوا جعله لأحدهما دون الآخر ؛ لدفع الاشتباه ، فوجدوا جعله للفاعل أقيس وأولى من المفعول ؛ لأن الفاعل ... إلخ. اه ف.

(٤) في الكلام لإفادته بدونه.

فإن قلت : المراد من الفاعل الذي بني أفعل لتفضيله صيغة الفاعل مثل ضارب والفاعل الذي هو مقصود في الكلام هو الفاعل في الإعراب وهو ما أسند إليه الفعل مقدما عليه مثل زيد في قولنا : ضرب زيد ، فلم يلزم من كون الثّاني مقصودا في الكلام كون الأول كذلك ـ

__________________

(١) الشعر من الرجز ، وهو بلا نسبة في الإنصاف في مسائل الخلاف للأنباري ١ / ١٤٩ ، وخزانة الأدب للبغدادي ٨ / ٢٣٢.

(٢) الشعر من البحر البسيط ، وهو بلا نسبة في يتيمة الدهر للثعالبي ١ / ١٩٤ ، وخزانة الأدب للبغدادي ٣ / ١٨٨.

١٣٧

وأيضا يمكن التّعميم في الفاعل دون المفعول (١).

ونحو : أشغل (٢)

______________________________________________________

إذ يجوز أن يقال : قتلت الضارب ، يجعل ضارب مفعولا ، وفضلة في الكلام ، وكذا المفعول الذي هو فضلة في الكلام هو المفعول في الإعراب لا المفعول في الصيغة ، إذ يجوز أن يقال : جاءني المضروب فاعلا؟.

قلت : المراد أن الفاعل في الإعراب لما كان مقصودا ، والفاعل في الصيغة هو الدال عليه كان مقصودا أيضا ، وكذا المفعول في الإعراب لما كان فضلة والمفعول في الصيغة هو الدال عليه كان فضلة أيضا ، والضارب في قولنا : قتلت الضارب ، مفعول بالنسبة إلى قتلت فهو مقتول المتكلم ، وإن كان بالنسبة إلى الضرب فاعلا ، والمضروب في قولنا : جاءني المضروب ، فاعل بالنسبة إلى جاءني فهو جاء وإن كان مفعولا بالنسبة إلى الضرب. اه ابن كمال باشا رحمه‌الله تعالى.

(١) لأنه لا مفعول إلا وله فاعل في الأغلب ، وإنما قلنا : في الأغلب احترازا من نحو مجنون ومبهوت. اه ف.

إذ لا يقال : لا فاعل إلّا وله مفعول لعدم مجيء المفعول من الفعل اللازم ، فلو جعل التفضيل للمفعول لبقي الفاعل مع كونه مقصودا في الكلام وأكثر وأعمّ من المفعول خاليا عن معنى التفضيل ، وهو خلاف القياس ، وترك الأولى لاستلزامه أن يبقى كثير من الأفعال بلا تفضيل كذا نقل عن سيبويه. اه فلاح.

(٢) قوله : (ونحو أشغل) مع ما عطف عليه من وأعطاهم وأولاهم وأحمق مبتدأ خبره قوله : شاذ ، وقوله : ولا يجيء لتفضيل المفعول ، ولا من المزيد فيه ، ولا من العيوب ، وكان يرد على كل واحد من هذه المذكورات النقض ، أمّا على الأول فلأن دعوى عدم مجيء أفعل التفضيل من المفعول غير صحيح إذ قد جاء في كلامهم : لذلك يقال : هذا أشغل من ذات النحيين ، فأشغل أفعل التفضيل بمعنى المفعول ، فالمعنى هذا أكثر مشغولا

من ... إلخ ، وأما على الثّاني والثّالث فقد تحقق مجيء أفعل التفضيل من المزيد فيه نحو قولهم أعطاهم الدنيا وأولاهم فإن كلا من أعطى وأولى أفعل التفضيل من باب الإفعال ، ومن العيوب كقولهم : هذا أحمق من هبنقة فلا مجال لما قال المصنف : ولا يجيء من المزيد فيه ، ولا من عيوب ، أشار إلى الجواب عن هذا الإيراد بقوله : و «نحو أشغل» إلى قوله : «شاذ» ، على نهج ترتيب الاعتراض كما لا يخفى فافهم. اه من الشروح.

قوله : (أشغل ... إلخ) قصته عن أبي عبيدة في المثل أشغل ... إلخ ، وهي امرأة اسمها ربيعة من بني تيم بن عدي بن ثعلب حضرت في أيام الجاهلية سوق عكاظ وهو قريب من مكة ومعها نحيان من السمن لتبيعهما فذهب بها خوات بن خبير الأنصاري في جهالة إلى مكان خال ليبتاعهما منها ففتح أحدهما وذاقه ودفعه إليها فأمسكته بإحدى يديها ، ثم فتح الآخر ففعل به ما فعل بالأول ، ثم غلبها وجامعها فوطئ بها ، وهي لا تقدر على دفعه من ـ

١٣٨

من ذات النّحيين ، لتفضيل المفعول ، وهو أعطاهم (١) وأولاهم ، من الزوائد ، وأحمق (٢) من هبنّقة (٣) ، من العيوب شاذ.

ويجيء الفاعل (٤) على : «فعيل» نحو : نصير ، وقد يستوي (٥) فيه المذكر والمؤنث لكن لا مطلقا ، بل إذا (٦) كان بمعنى المفعول ، نحو : قتيل ، وجريح ،

______________________________________________________

نفسها لحفظها في النحيين وشغلها على سمن ، فلما قام وفرغ عنها قالت : لا هناك ، فهرب خوات فضرب بها المثل فيمن شغل ببلاء يصعب دفعه ، أي : وقع فيه. اه

(١) أصله أعطى فزيدت همزة التفضيل فاجتمعت الهمزتان فحذفت إحداهما وهذا على خلاف القياس ولكنه جائز عند سيبويه في جميع الأفعال التي ماضيها على وزن أفعل ؛ لأنه ليس فيه إلا حذف إحدى الهمزتين وهو جائز كما تقول في مضارع متكلم : أفعل نحو أكرم أصله أأكرم للمتكلم ، والثّانية هي المزيدة فحذفت الثّانية ، وقال الأخفش : هذا سماعي لا يجوز إلا ما جاء من العرب. اه عبد الحكيم.

(٢) قوله : (وأحمق ... إلخ) فإن قلت : لم حكمت أن أحمق ههنا لتفضيل الفاعل فلم لا يجوز أن يكون صفة مشبهة؟. قلت : استعماله بمن يدل على أنه للتفضيل. اه فلاح.

(٣) قوله : (هبنقة) قصته أن ذلك لقب رجل يقال له : ذو الودعات ، واسمه يزيد بن شروان جد بني قيس بن ثعلبة وكان يضرب به المثل في الحمق ، ومن جملة حمقه أنه علق بعنقه قلادة من ودعات أي : خرزات مختلفة الألوان فقيل له : لم علقت هذه بعنقك ، قال : لأعرف نفسي من بين الناس ، فسرقها أخوه منه وعلقها بعنقه ، فلما أصبح ورأى أخاه قد علق تلك القلادة بعنقه فضحك وقال : يا أخي أنت أنا ، فمن أنا. اه مولوي عبد الحكيم.

(٤) ولما فرغ من بيان صيغة الفاعل القياسي مع ما يتعلق به من الصفة المشبهة وأفعل التفضيل شرع في الفاعل الغير القياسي فقال : ويجيء ... إلخ. اه ف.

(٥) قوله : (قد يستوي ... إلخ) ما دام جاريا على الموصوف بوقوعه صفة أو حالا أو خبرا أو مفعولا ثانيا ، وأما إذا قطع عن موصوفه فإنه يفرق بين المذكر والمؤنث بالتاء يقال : مررت بقتيل بني فلان وبقتيلة فلان. اه مولوي رحمه ربه.

(٦) وإذا كان بمعنى فاعل يفرق بالتاء نحو كريم وكريمة ؛ وذلك لأن فعيلا بمعنى فاعل أقرب إلى الفعل من فعيل بمعنى مفعول في الرتبة ؛ لأن الفاعل كالجزء من الفعل ، فكذا في الاستعمال ، والفعل يذكر إذا كان الفاعل مذكرا ويؤنث إذا كان مؤنثا بخلاف المفعول فإنه فضلة لا يوافق الفعل.

فإن قلت : كلمة إذا للشرط فأين جزاؤه؟.

قلت : جزاؤه محذوف والدليل عليه قوله : ويستوي ... إلخ أو يقال : كلمة الشرط إذا ـ

١٣٩

فرقا (١) بين الفعيل بمعنى الفاعل (٢) والمفعول ، إلا إذا جعلت الكلمة من أعداد (٣) الأسماء ، نحو : ذبيح وذبيحة (٤) ، ولقيط ولقيطة (٥).

وقد يشبّه (٦) به ما هو بمعنى فاعل ، نحو قوله تعالى : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف : ٥٦].

______________________________________________________

كانت بحيث يدل ما قبله على الجزاء يجرد عن معنى الشرط ويكون للوقت. اه حنفية.

(١) قوله : (فرقا ... إلخ) يعني لو لم يستو بين المذكر والمؤنث بل فرق بينهما بالتاء فقيل : مررت بامرأة قتيلة لم يعلم أنها بمعنى قاتلة ، أو بمعنى مقتولة ، وأمّا إذا ترك التاء في فعيل بمعنى مفعول في المؤنث علم أنها بمعنى الفاعل ، وإذا قيل : بامرأة قتيلة علم أنه بمعنى المفعول فلم يلتبس أحدهما بالآخر.

فإن قيل : لم لم يعكس الأمر؟.

أجيب : بأن الفاعل أصل بالنسبة إلى المفعول والفرق بالتاء أيضا أصل فأعطي الأصل للأصل. اه أحمد رحمه‌الله.

(٢) قوله : (بمعنى ... إلخ) ضابطته إن أردت أن تعرف أن الفعيل بمعنى الفاعل أو المفعول فانظر إلى فعل الماضي فإن كان متعديا فالفعيل بمعنى المفعول كالقتيل بمعنى المقتول ، وإن كان لازما كان بمعنى الفاعل نحو كريم وظريف ، وهذا أصل مطرد في جميع المواد حتى لا يتخلف عنه أصلا إلا نادرا. اه منه رحمه‌الله.

(٣) قوله : (من أعداد ... إلخ) والمراد من كون الكلمة من أعداد الأسماء أن لا يعتبر وصفيته بل جعل كأنه اسم لشيء كالأسماء الجامدة. اه ف.

(٤) قوله : (ذبيحة ... إلخ) فالذبيح يستعمل كثيرا اسما لما يذبح من الشاة والإبل فغلبت الاسمية على الوصفية فصار كأنه اسم لا وصف ، فلذلك لا يستوي فيه المذكر والمؤنث بل يفرق بالتاء ، كما لا يستوي في سائر الأسماء الجامدة. اه ف.

(٥) قوله : (لقيطة) واللقيطة اسم أيضا لما يلتقط ، في الصحاح : اللقيط منبوذ يلتقط ، والمنبوذ الصبي تلقيه أمه في الطريق ، فلما غلبت الاسمية وجب الفرق بالتاء كسائر الأسماء. اه شمس الدين.

(٦) قوله : (وقد يشبه ... إلخ) أفاد بهذا القول دفع ما توهم من قول المصنف : فرقا بين الفاعل والمفعول ، أن الفعيل بمعنى الفاعل يفرق فيه بين المذكر والمؤنث كما هو الظاهر فهذا لا يساعد قوله تعالى : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف : ٥٦] ، فإن قريبا بمعنى فاعل محمول على رحمة الله التي هي مؤنث ؛ لكونه مصدرا ذا التاء والغالب فيه التأنيث كما عرف في النحو بما حاصله : إن هذا قليل لا اعتداد له ، ويومئ إليه بكلمة قد التي تفيد التقليل مع التحقيق. اه تحرير.

١٤٠