مراح الأرواح

المؤلف:

أحمد بن علي بن مسعود حسام الدين


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٩٤

الياء لثقل الكسرة على الياء الضعيف (١).

وعيّنت (٢) جوف المضارعة للدلالة على كسرة العين في الماضي لأنها زائدة (٣) ، وقيل : لأنه يلزم بكسرة الفاء (٤) توالي أربع حركات (٥) ، وبكسرة العين يلزم الالتباس (٦) بين : يفعل ، ويفعل ، وبكسر اللام إبطال الإعراب (٧).

وتحذف التاء (٨)

______________________________________________________

(١) قوله : (الضعيف) فإنها من حروف العلّة وهي ضعيفة والكسرة حركة قوية إلا أن في الياء لما اجتمعت الكسرات بتقدير الكسرة دون في غيرها فلذلك لا تكسر الياء ، دون غيرها من حروف المضارعة فإنها تكسر حتى يدل على كسرة الماضي. اه تحرير.

(٢) جواب سؤال يرد على قول من يقول : وتكسر حروف المضارعة إذا كان ماضيه مكسور العين أو مكسور الهمزة ؛ لتدل على كسرة الماضي ، بأنه لم عينت كسرة حروف المضارعة دون غيرها من الحروف ؛ بأنها زائدة والتصرف في الزائدة أولى من غيرها. اه شرح مراح الأرواح.

(٣) ويمكن أن يقال : تعيين حروف المضارعة للكسر دلالة على كسرة عين الماضي في أول الأمر.

اه تبيان.

(٤) محصل المقال لزوم المحذور على تقدير كسرة غير حرف المضارعة يلزم بكسرة ... إلخ. اه

(٥) في كلمة واحدة وهو غير جائز ، وبتقدير كسر الفاء لا يمكن إسكان غيرها لما سيأتي حتى لا يلزم المحذور. اه ف.

(٦) بفتح العين إذ لم يعلم حينئذ أنه مكسور العين في الأصل أو مفتوح العين ، لكنه كسرت للدلالة المذكورة. اه ف.

(٧) قوله : (إبطال الإعراب) أي : إعراب المضارع إذ هو قد يكون مجزوما ، وقد يكون مرفوعا ، وقد يكون منصوبا ، فإذا تعين كسرها لم يمكن هذه الوجوه ولما لم يمكن كسر غير حروف المضارعة للدلالة المذكورة تعين كسرها. اه فلاح.

(٨) قوله : (وتحذف التاء ... إلخ) لعلّه دفع دخل مقدر على قوله إلا في الرباعي بأنكم قلتم فعّل وفاعل رباعي وحروف المضارعة فيه مضموم ، والحال أنه قد جاء تقلد وتباعد بفتح التاء مع أن ماضيهما قلّد وباعد ، يعني من الرباعي ، فالاستثناء أحق بالاستثناء بما محصله أن تقلد وتباعد ليسا من باب فعّل وفاعل حتى تكونا مضارعين من قلد وباعد ويناقضان لما قلنا بل هما من باب التفعّل والتفاعل بطريق حذف التاء منهما فإن أصلهما تتقلد وتتباعد فتحذف التاء الثّانية على مختار المصنف لاجتماع الحرفين من جنس واحد ، وكل ما اجتمع فيه الحرفان المتجانسان يجوز فيه ثلاثة أوجه ، الحذف نحو : مست ، أصله مسست ، والقلب نحو أمليت أصله أمللت ، والإدغام نحو مدّ وفرّ ، والأخيران ممنوعان ههنا. ـ

١٠١

الثانية في مثل : تتقلّد (١) ، وتتباعد ، وتتبختر ، لاجتماع الحرفين من جنس واحد ، لعدم إمكان الإدغام (٢) ، وعيّنت الثانية ؛ لأن الأولى علامة ، والعلامة لا تحذف.

وأسكنت (٣) الضاد في مثل : «يضرب» فرارا من توالي الحركات ، وعيّنت الضاد للإسكان ؛ لأن توالي الحركات يلزم من الياء ، فإسكان الضاد التي تكون قريبا منه (٤) أولى (٥) ، ومن ثمّ عيّنت الباء في مثل : «ضربن» للإسكان ، لأنه

______________________________________________________

أمّا الثّاني فلأن التاء الأولى علامة المضارع والتاء الثّانية حرف الماضي فلو أبدلت أحدهما بحرف العلّة يلزم التغير ، أمّا في حرف العلامة فلأن العلامة كما لا تحذف فكذا لا تبدل ولا تغير على أنه لو أبدل لا يخلو من أحد الأمرين ، إمّا الإبدال بالياء أو الواو لاستلزم الابتداء بالساكن على تقدير إبداله بالألف ، والأول يوجب الالتباس بالغائب ، والثّاني يوجب اجتماع الواوين في صورة العطف وهو مستكره ، وأمّا في حرفه الماضي وهو أيضا باطل ، وأمّا الثّالث فكما أشار المصنف إليه بقوله : وعدم إمكان الإدغام ، فلما انتفى الوجهان ، تعين الوجه الأول وهو إثبات إحداهما وحذف الأخرى.

فإن قيل : بالحذف تلتبس بالماضي؟.

قلنا : لا يلتبس ؛ لأن الماضي مفتوح الآخر والمضارع مرفوع. اه غلام رباني.

(١) قوله : (في مثل تتقلد ... إلخ) يعني إذا اجتمع تاءان في فعل مضارع وكان مبنيا للفاعل حذفت الثّانية تخفيفا ، وإنما قلنا : وكان مبنيا للفاعل ؛ لأنه لو كان مبنيا للمفعول لم يحذف لقلة استعماله. اه أحمد.

(٢) لأن الإدغام عبارة عن إسكان الأول وإدراجه في الثّاني فيلزم الابتداء بالساكن ، وذا معتذر ، ولا يجوز اجتلاب همزة الوصل في المضارع ، كما لا يجوز في اسم الفاعل للمشابهة بينهما.

اه شمس الدين.

(٣) قوله : (وأسكنت ... إلخ) جملة مستأنفة فكأنها وقعت في جواب سائل بأن المضارع فرع الماضي ، والفاء في الماضي لم تكن ساكنة فينبغي أن لا تسكن في المضارع أيضا ؛ ليكون الفرع على سنن الأصل بأن إسكان الضّاد للضرورة التي هي الفرار عن توالي الحركات الأربع ، فإنه لو حرك يلزم توالي أربع حركات في كلمة واحدة وذلك مستكره. اه لمحرره عفي عنه.

(٤) أي : إليه فكلمة من بمعنى إلى كما في قوله عليه الصلاة والسّلام : «أنت مني بمنزلة هارون من موسى» ، أي : أنت إلي. اه سمع.

(٥) لما فيه من تحصيل الفرار من ارتكاب المحذور الذي هو توالي الحركات الأربع في كلمة واحدة في أول الوهلة بقدر الإمكان فافهم. اه لمحرره.

١٠٢

قريب (١) من النون الذي يلزم منه توالي أربع حركات (٢).

وسوّي (٣) بين المخاطب والغائبة في : تضرب هي ، وتضرب أنت ، لاستوائهما في الماضي ، مثل : نصرت ، ونصرت ، ولكن (٤) لا تسكّن في غائبة المستقبل ، لضرورة (٥) الابتداء بالساكن ، ولا تضم حتى لا يلتبس (٦) بالمجهول في مثل :

______________________________________________________

(١) قوله : (لأنه قريب ... إلخ) وذلك أن تقول في وجه التعيين : إن إسكان غير الباء متعذر ؛ لأن إسكان الضّاد مستلزم للابتداء بالساكن وهو كما ترى ، وإسكان الراء موجب للالتباس بين ضربن وعلمن وشرفن ، وإسكان النون يناقض لما قلنا : إن العلامة لا تتغير فإن النون علامة جمع المؤنث فتعين الباء فانظر. اه ملّا غلام رباني.

(٢) قوله : ولا يسكن النون فيه مع أن التصرف في الزائد أولى ؛ لئلا يخالف سائر الضمائر القابلة للحركات في تحركها نحو ضربت بالحركات الثلاث وفتح للخفة. اه ف.

(٣) قوله : (وسوّي ... إلخ) جواب إيراد بأن يقال : الأصل أن يكون لكل معنى لفظ على حدة حتى لا يقع الاشتراك ، فلم سوّي بين صيغتي المذكر المخاطب المفرد والمؤنث الغائبة في المضارع مثل تضرب ، وتقدير الجواب أن التسوية بينهما في المضارع لاستوائهما في الماضي الذي هو أصل المضارع فسوّي فيه أيضا بينهما ليكون الفرع موافقا للأصل.

ولما ورد بأنه لا استواء بينهما في الماضي من حيث الحركات وإن استويا في التركيب ؛ لأن التاء في الغائبة ساكنة والباء مفتوحة مثل ضربت ، وفي المخاطب عكسه نحو ضربت ، وفي المضارع استواءهما من حيث الحركات والتركيب جميعا ، إذ يقال فيهما تضرب كما ترى ، فإذا دريت هذا دريت عدم كون الفرع موافقا للأصل فينبغي أن تسكن التاء في الغائبة منه كما أسكنت في الماضي ، أجاب المصنف عنه بقوله : ولكن لا تسكن ... إلخ. اه عن الإيضاح بتصرف.

(٤) خلاصة المقال بأن الفرق في المضارع يشكل ؛ لأنه إمّا أن يكون بالإسكان أو بالضم أو بالكسر ، ولا سبيل إلى كل منهما ، أما الأول فما أشار إليه بقوله : ولكن لا تسكن ... إلخ ، وإلى الثّاني بقوله : ولا تضم ... إلخ ، وإلى الثّالث بقوله : ولا تكسر ... إلخ. اه ح.

(٥) يعني لو أسكنت التاء في المضارع قياسا على المقيس عليه وهو ضربت للغائبة يلزم الابتداء بالساكن وهو متعذر نحو تضرب فتركوا القياس على المقيس عليه لأجل هذا. اه ح.

(٦) قوله : (حتى لا يلتبس ... إلخ) يعني لو ضمت التاء يلتبس المعلوم بالمجهول في الأفعال التي عينها مفتوح ، فلو قيل : تمدح أو تعلم بضم التاء لم يعلم أنه مجهول أو معلوم غائبة ، ضمت تاؤه فرقا بينها وبين المخاطب. اه أحمد.

١٠٣

تمدح ، ولا تكسر أيضا حتى لا يلتبس بلغة : تعلم (١).

فإن قيل : يلزم الالتباس أيضا بالفتحة بين المخاطب والغائبة؟.

قلنا : في الفتحة موافقة بينها وبين أخواتها مع (٢) خفّة (٣) الفتحة.

فإن قيل (٤) : لم أدخل في آخر المستقبل نون؟.

قلنا : علامة للرفع (٥) ؛ لأن آخر الفعل صار باتصال ضمير الفاعل بمنزلة وسط

______________________________________________________

(١) أي : بلغة من يكسر حرف المضارعة إذا كان الماضي مكسور العين كما مر ، والحاصل أنه لو كسرت التاء في إحدى الصيغتين لتوهم المتوهم أن ماضيه مكسور العين فيلزم الالتباس بباب آخر وهو فاسد ؛ لأن معاني الأبواب مختلفة فعلم أنه لا سبيل إلى شيء مما ذكره من وجوه الفرق فتعين الفتح. اه حنفية.

(٢) هذا دليل آخر يوجب ترجيح الفتحة على أخويها ، وهو أن الفتح أخف من الكسرة والضمة وهما ثقيلان ، والمطلوب هو الخفة فبالضرورة اختير هذا الالتباس. اه

(٣) ولما لم يكن الفرق بينهما لفظا أبقيا على حالهما واكتفي بالفرق التقديري ، وذلك أن تاء الغائبة تاء التأنيث التي في الماضي ، لكنها قدمت للالتباس فلم تكن مبدلة من شيء ، بخلاف التاء في المخاطب فإنها مبدلة من الواو كما مر ، وأيضا يفرق بينهما بما تحتهما فإن الغائبة يستتر تحتها هي ، والمخاطب يستتر تحته أنت ، وقس على مفرديهما تثنيتهما في الوجهين. اه ابن كمال باشا.

(٤) قوله : (فإن ... إلخ) توضيحه أن فعل المستقبل وقت كونه مفردا كان مرفوعا فلما اتصل ألف التثنية أو واو الجمع أو ياء المخاطبة المفردة علم كون فاعله تثنية أو جمعا ، أو مفردة مخاطبة فما فائدة زيادة النون في آخر المستقبل. اه عبد الأحد.

(٥) قوله : (علامة للرفع) يعني لما كان المضارع معربا ومرفوعا بعامل معنوي ، وأصل الإعراب الإعراب بالحركات ولم يمكن ذلك في آخر التثنية والجمع والمخاطبة المفردة حقيقة بسبب اتصال الضمائر لها ؛ لأنه صار آخر الفعل حينئذ بمنزلة وسط الكلمة وهو لا يكون متعقبا للإعراب ، ولأن الضمائر أوجبت كون ما قبلها على وجه واحد فما قبل الألف مفتوح أبدا ، وما قبل الواو مضموم أبدا ، وما قبل الياء مكسور أبدا ، ولم يمكن أيضا أن يجعل الضمائر حروف الإعراب ؛ لأنها في الحقيقة ليست من نفس الكلمة ؛ ولأنها يلزم حينئذ سقوطها بالجوازم وسقوط العلامة غير جائز ، ولم يكن أيضا الحركة على الضمائر أنفسها ؛ لأنها أسماء فلا يعرب بإعراب الفعل ، إذ لا يجوز جعل كلمة محلا لإعراب كلمة أخرى ولأنها مبنية ، فلم تكن متعقب الإعراب ، ولأن فيها ما لا يقبل الحركة البتة وهو الألف وفيها ما يستثقل وهو الواو والياء فلا بد في تثنيته وجمعه من زيادة حرف ينوب مناب الحركة لما قلنا من امتناع الحركة بالألف والواو والياء ، وأولى الحروف بذلك حروف المد واللين ؛ لكثرة دورانها في الكلام حتى لا تخلو كلمة عنها ، أو عن أبعاضها وهي الحركات ؛ لقبولها التغير ـ

١٠٤

الكلمة ، إلا نون (١) : «يضربن» وهي علامة التأنيث كما في : فعلن (٢) ، ومن ثمّ لا يقال بالتاء حتى لا يجتمع علامتا التأنيث (٣).

والياء في : «تضربين» ضمير الفاعل كما مرّ.

وإذا دخل على المستقبل : «لم» ينقل معناه إلى الماضي ؛ لأنها مشابه (٤) بكلمة الشرط.

* * *

______________________________________________________

والإعلال كالإعراب ، ولا يمكن زيادتها ههنا لمكان الضمائر عنه فزادوا حرفا شبيها بها وهو النون ؛ لخروجها عن هواء الخيشوم كما مر ، فهي عوض عن الضمة فحيث ثبت الضمة ثبت النون ، كما في حال الرفع وحيث سقط الضمة سقطت النون أيضا ، كما في حال الجزم والنصب ، واختصت بحال الرفع ؛ لأنه أول أحوال الإعراب فاستؤثر به. اه عبد الحكيم رحمه‌الله تعالى مع فلاح شرح مراح الأرواح.

(١) استثناء من قوله : نون علامة للرفع ، فإنها ليست بعلامة للرفع ؛ لأنها لم تسقط حالة الجزم والنصب ، كما لا يحذف الألف والواو والياء في يضربان ويضربون وتضربين حالة الجزم والنصب ؛ لأنها ضمائر بخلاف النون فيهن فإنها حرف الإعراب ولهذا تسقط في النصب والجر. اه مهديه.

(٢) قوله : (كما في فعلن ... إلخ) أي : كما لا يكون النون في فعلن علامة للرفع بل للتأنيث ؛ لأن الماضي مبني فلم يكن فيه حرف الإعراب البتة ، وإذا لم يكن نون يضربن علامة للرفع بني الفعل معها على السكون ، إمّا لمشابهته بفعلن من حيث إن كل واحد منهما فعل في آخره ضمير جماعة النساء وإن لم يجتمع فيه أربع حركات متواليات ، كما هو مذهب سيبويه ، وإمّا لأن إعراب المضارع بالمشابهة لاسم الفعل ، وحين دخل عليه نون جماعة النساء لم يبق بينهما مشابهة وزنا فرجع إلى أصل بنائه الذي هو السكون ، وهذا ما اختاره الزمخشري.

ومن العرب من يقول : إنه معرب لضعف علّة البناء ، وإعرابه تقديري للزوم السكون فعل الإعراب ولم يعوض النون من الإعراب خوفا من اجتماع النونين. اه أحمد بن سليمان.

(٣) إذ التاء للتأنيث أيضا واجتماع علامتي التأنيث في الفعل وإن كان من غير جنس واحد لا يجوز ، كما مرّ ولا يرد عليه جمع المؤنث المخاطبة نحو تضربن بالتاء إذ التاء فيه علامة للخطاب فقط وعلامة التأنيث نون جماعة النساء وحده. اه ف.

(٤) قوله : (مشابه ... إلخ) أي : في الاختصاص بالفعل يعني : كما أن كلمة الشرط يختص بالفعل وتنقل معناه إن كان ماضيا إلى المستقبل ، وإن كان مستقبلا تنقل من احتماله للحال إلى محض الاستقبال ، كذلك لم تختص بالفعل وينقل معناه ، لكنها مختصة بالمستقبل وينقل معناه إلى الماضي المنفي. اه فلاح شرح مراح الأرواح.

١٠٥
١٠٦

فصل :

في الأمر (١) والنهي

الأمر صيغة (٢) يطلب بها الفعل عن الفاعل (٣) ، مثل : ليضرب ... إلخ ، وهو مشتق من المضارع (٤)

______________________________________________________

(١) قوله : (في الأمر ... إلخ) أخّر الأمر من المستقبل ؛ لكونه مأخوذا منه ، وقدم الغائبة منه لبقاء صيغة المضارع فيه ، وقيل : أخر الأمر عن المستقبل ؛ لأن المستقبل مشترك بين الحال والاستقبال والأمر مختص بالمستقبل ؛ لأن الإنسان إنما يؤمر بما لم يفعله ليفعله ، فالترتيب بينهما بحسب ترتيب الزمان ، والأمر في اللغة يطلق على الفعل والحال يقال : أمر فلان مستقيم أي : فعله وحاله ، ومنه قوله تعالى : (وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ) [هود : ٩٧] ، أي : فعله ، وهو بهذا المعنى جامد لا مصدر ، وجمعه أمور وعلى مصدر أمره بكذا ، أي : قال له : افعل كذا ، وجمعه أوامر وعلى مصدر أمرته بمعنى كثرته ، وفي الاصطلاح ما ذكره المصنف رحمه‌الله بقوله : الأمر صيغة ... إلخ. اه ابن كمال باشا.

(٢) فقوله : (صيغة) بمنزلة الجنس يشمل الأفعال كلها ، وباقي قيوده كالفصل يخرج ما عدا الأمر من الماضي والمضارع ؛ لأنه لا يطلب بهما الفعل من الفاعل. اه فلاح شرح مراح.

(٣) قوله : (عن الفاعل) ولم يقل من المخاطب ليتناول أمر الغائب ، والمراد من الفاعل ههنا الاصطلاحي وهو ما أسند إليه عامله مقدما عليه ، لا ما أحدث الفعل بدلالة إطلاق الأمر على الصيغة المأخوذة من قولهم : مات زيد ، وطلب الخير ، نحو مت واطلب ، فيتناول مرفوع الفعل المبني للفاعل والمبني للمفعول أيضا ، كذا حقق فظهر بطلان ما قيل : إن التعريف ليس بجامع ؛ لأن الأمر قد يكون ببناء المجهول فلا يطلب به حينئذ الفعل من الفاعل. وبطلان جوابه أيضا بأن بناء الأمر للمجهول نادر الوجود وهذا الحد بالنظر إلى الأكثر.

فإن قلت : إن الحد منقوض بمثل اترك ؛ لأنه أمر مع أنه لا يطلب به الفعل من الفاعل بل يطلب به تركه.

قلت : معنى ترك الضرب مثلا كف النفس عن الضرب ، وكف النفس فعل من أفعالها وهو المطلوب بلفظ اترك ، كذا قيل. اه فلاح شرح مراح الأرواح.

(٤) فإن قيل : أخذ الأمر من المضارع على قول من جعله حقيقة للحال مشكل للزوم المحال ـ

١٠٧

لمناسبة بينهما في الاستقبالية (١).

وزيدت اللام (٢) في الأمر الغائب لأنها من وسط المخارج ، والغائب أيضا وسط بين المتكلم والمخاطب ، وأيضا (٣) من الحروف الزوائد ، والحروف الزوائد هي التي يشملها قول الشاعر (٤):

هويت (٥) السّمانا فشيّبنني

وقد كنت قدما هويت السّمانا (٦)

______________________________________________________

فيه ؛ وذلك لأن المضارع للحال والملحوظ في الأمر هو المطالبة في المآل ففي اتخاذ الأمر منه يلزم المحال؟.

قلنا : إن من جعله حقيقة للحال لا ينكر استعماله في الاستقبال فأخذ الأمر منه على هذا القول إنما يكون فيما إذا استعمل للاستقبال. اه حنفية.

وهذا ينافي ما قاله في صدر الكتاب : واشتقاق تسعة أشياء من كل مصدر ، فيحمل أن المراد به المصدر مرجع الكل ولو بواسطة فلا منافاة فافهم. اه مهديه.

(١) قوله : (في الاستقبالية) يعني أن كل واحد منهما يدل على الاستقبالية أما المضارع فظاهر ، وأمّا الأمر فلأنّ الإنسان إنما يؤمر بما لم يفعله ليفعله ، وقيل : لا يجوز أن يشتق الأمر من الماضي ؛ لأنه يؤدي إلى تحصيل الحاصل وهو محال فتعين المضارع إذ الأمر لا يؤخذ من الأمر. اه فلاح.

(٢) قوله : (وزيدت ... إلخ) هذا شروع في بيان كيفية أخذ أمر الغائب من المضارع ، يعني إذا أريد أخذ أمر الغائب من المضارع زيدت في أوله اللام ليحصل الفرق بينه وبين المضارع ويجزم آخره بها ، وخصت اللام بالزيادة من بين حروف الزوائد ؛ لأنها من وسط ... إلخ. اه أحمد رحمه‌الله تعالى.

(٣) قوله : (وأيضا ... إلخ) والحق أن يقدم قوله : وأيضا من الحروف الزوائد ، على قوله : لأنها من وسط المخارج ... إلخ ؛ لأن هذا القول وجه التخصيص ، وقوله : وأيضا من الحروف ...

إلخ وجه مطلق الزيادة. اه مولوي غلام رباني صاحب.

(٤) قوله : (هويت ... إلخ) قال ابن جني : حكي أن أبا العباس سأل أبا عثمان المازني عن حروف الزيادة فأنشد : هويت السمانا ... البيت ، فقال : أنا أسألك عن حروف الزوائد وأنت تنشد لي الشعر ، فقال : قد أجبتك دفعتين ، يريد هويت السمانا. اه شمس الدين رحمه‌الله.

(٥) هويت بمعنى أحببت ، والسمان بالسين جمع سمين بوزن فعيل وهو ضد المهزول ، وموصوفه محذوف تقديره أحببت النساء السمان ، فشيبنني وإسناد الشيب إليهن كناية من كثرة مصاحبته لهن ، فكأنه قال : إني مصاحبهن في أول شبابي إلى زمان شيبي. ويحتمل أن يكون كناية عن عدم مساعدتهن له ، وقدما بكسر القاف وسكون الدال اسم من القدم بوزن العنب جعل اسما من أسماء الزمان ، يقال : قدما كذا وكذا أي : زمانا طويلا. اه مولينا أحمد رحمه‌الله تعالى.

(٦) البيت من البحر السريع ، وهو بلا لامرئ القيس في ديوانه ص ٤٥ ، وخزانة الأدب للبغدادي ٨ / ٣٥٧.

١٠٨

أي : حروف (١) : «هويت السّمان» (٢).

ولم يزد (٣) من حروف العلة حتى لا يجتمع حرفا علّة ، وكسرت اللام ، لأنها مشبّهة باللام الجارة (٤) ؛ لأن الجزم في الأفعال كالجرّ في الأسماء ، وأسكنت

______________________________________________________

(١) تفسير للحروف الزوائد ؛ لأن البيت يشتمل عليها وعلى غيرها فيحتاج إلى تفسير المراد ، فاندفع ما نشأ من قوله : الحروف الزوائد هي التي يشملها قول الشاعر بأنها أكثر من العشرة والمعروف المعمول على العشرة فقط فافهم. اه لمولانا عبد الأحد صاحب رحمه‌الله تعالى.

(٢) قوله : (أي حروف هويت ... إلخ) وهي العشرة عددا ، وإنما اختصت الحروف العشرة بالزيادة دون غيرها ؛ لأن أولى الحروف بالزيادة حروف المد واللين ؛ لأنها أخف الحروف وأقلها كلفة ؛ لكثرة دورها في الكلام ولاعتياد الألسنة لها ، وأما قول النحاة : الواو والياء ثقيلتان فبالنسبة إلى الألف.

وأما السّبعة الباقية فمشبهة بها أو مشبهة بالمشبهة بها. فالهمزة تشبه الألف في المخرج وتنقلب إلى حرف اللين عند التخفيف ، والهاء أيضا تشبه الألف في المخرج ، وأبو الحسن يدعي أن مخرجهما واحد ، والميم من مخرج الواو وهو الشفة.

والنون تشبه الألف أيضا ؛ لأن فيها غنة وترنما ويمتد في الخيشوم امتداد الألف في الحلق.

والتاء حرف مهموس تشبه الألف من جهة مقاربة مخرجهما ، وأيضا أبدلت من الواو كما في تجاه وتراث أصلهما وجاه ووراث.

والسين تشبه التاء في الهمس وقرب المخرج فتشبه الواو بالواسطة ، ولهذا لم يكثر زيادتها بل زيدت في مثل استفعل فقط.

واللام وإن كان مجهورا لكنه يشبه النون في المخرج ولذلك يدغم فيه النون نحو من لدنه فيشبه الألف بالواسطة.

ومما يجب أن يعلم أنه ليس المراد من كون تلك الحروف حروف الزيادة أنها تكون زائدة أبدا ، لأنها قد تركب الكلمة منها وكلها أصول مثل سأل ونام ، بل المراد أنه إذا زيد حرف لغير الإلحاق والتضعيف فلا يكون إلا منها. اه ابن كمال.

(٣) هذا جواب ما يقال : لم لم يزد حرف من حروف العلّة في أول أمر الغائب مع أنها أولى بالزيادة لكثرة دورانها في الكلام كما لا يخفى. اه لمحرره.

(٤) قوله : (باللام الجارة) واللام الجارة مكسورة إذا دخلت على الاسم الظاهر فرقا بينه وبين لام التأكيد التي تدخل على المضارع ، نحو إن زيدا ليضرب ، ولم يعكس رعاية لمناسبة عملها.

وأما اللام الجارة الداخلة على المضمر فهي مفتوحة كما هو الأصل في الكلمات التي بناؤها على حرف واحد. اه مولوي.

١٠٩

بالواو (١) والفاء وثمّ ، مثل : وليضرب ، فليضرب ثمّ ليضرب ، كما أسكنت الخاء في : فخذ ، ونظيره (٢) : وهي ، فهي بالواو والفاء بسكون الهاء.

وحذفت حروف الاستقبال في الأمر المخاطب ، للفرق بينه وبين المستقبل ، وعيّن الحذف في المخاطب لكثرته (٣) ، ومن ثمّ لا تحذف اللام (٤) في مجهوله : أعني : لتضرب ، لقلّة استعماله.

واجتلبت (٥)

______________________________________________________

(١) قوله : (بالواو) لشدة اتصالهما بما بعدهما لكونهما على حرف واحد فصار الفاء والواو مع اللام بعدهما وحرف المضارعة ككلمة واحدة ، فأسكنت اللام تخفيفا ، وكذا أسكنت بثم نحو : (ثُمَّ لْيَقْضُوا) [الحج : ٢٩] حملا عليهما. اه ف.

(٢) قوله : (ونظيره وهي فهي ... إلخ) فيه إيماء إلى دفع دخل مقدر يرد على قوله : كما أسكنت الخاء في فخذ ، تقديره أن المشبه به ليس من جنس المشبه فإن اللام في وليضرب إنما صار في الوسط لدخول الواو عليه وهو ليس بلازم ، وأمّا الخاء في فخذ فمما ليس أن يكون واقعا في الوسط بطريق عروض شيء له فالقياس قياس مع الفارق ، وتقرير الدفع أن قوله : كما أسكنت الخاء ، إنما هو للتشبيه في إسكان حرف يكون في الأصل مكسورا وليس نظيرا في كون حرف مكسور في الأصل ثم أسكن لعروض حرف آخر عليه ، بل النظير في هذا الأمر وهي فهي.

ثم اعلم أن الضمير في قوله : ونظيره ، يرجع إلى سكون لام الأمر بواسطة دخول حرف آخر عليه ، فما وقع في بعض الشروح تحت قوله : ونظيره ، أي : نظير الأمر لست أحصله فتدبر.

اه غلام رباني.

(٣) قوله : (لكثرته) توضيح المرام أنه لو لم يحذف حروف الاستقبال في الأمر للمخاطب كما لا يحذف في الأمر الغائب ، وجب زيادة اللام أيضا في أوله ؛ لئلا يلتبس بالمستقبل ، وإذا زيدت اللام التبس أحد الأمرين بالآخر في بعض الصور ، كما إذا قلت : لتضرب ، لم يعلم أن المأمور مخاطب أو غائب فوجب الحذف من أحدهما لدفع هذا الالتباس فوجدوا المخاطب هو الواقع كثيرا ، وأمّا الغائب فقلّ أن يقع له ولكون الحذف نوعا من الاختصار والتخفيف. اه ابن كمال باشا رحمه‌الله تعالى.

(٤) قوله : (اللام ... إلخ) الظاهر أن يقال : لا تحذف التاء ، أو يقال : لا تحذف اللام والتاء ، ولكن لما كان عدم حذف اللام مستلزما لعدم حذف التاء اكتفى بذكره ، وإنما قلنا كذلك ؛ لأن اللام إنما زيدت على تقدير عدم الحذف لدفع التباس الأمر بالمضارع كما مر. اه أحمد.

١١٠

الهمزة بعد حذف حرف المضارعة إذا كان ما بعده ساكنا (١) للافتتاح (٢) ، وكسرت (٣) الهمزة في «اضرب» ؛ لأن الكسرة أصل (٤) في همزة الوصل (٥) ، ولم

______________________________________________________

اه مولوي أنور علي.

(١) قوله : (ساكنا) قيد به ؛ لأن ما بعد حرف المضارعة إذا كان متحركا لم يلزم اجتلاب الهمزة بعد حذفه لإمكان الابتداء بما بعده نحو هب وخف ودحرج من تهب وتخاف وتدحرج. اه ف.

(٢) قوله : (للافتتاح) أي : ليمكن الافتتاح والابتداء نحو اعلم وانصر وانطلق واستخرج من تعلم وتنصر وتنطلق وتستخرج ، وإنما تعينت الهمزة من بين الحروف الزوائد ؛ لكونها أقوى الحروف والابتداء بالأقوى أولى ، وقيل : إنما تعينت الهمزة لاختصاصها بالمبدأ في المخارج. اه فلاح.

(٣) لأنه لو فتحت يلزم الالتباس بالمتكلم الواحد من المضارع المعلوم ، ولو ضمت يلزم الالتباس بالمجهول منه في المضارع المفتوح العين نحو اعلم وامنع عند الوقف. اه مهديه.

(٤) قوله : (أصل ... إلخ) ؛ لأن همزة الوصل زيدت ساكنة ثم حركت والأصل في تحريك الساكن الكسر كما ذهب إليه الرضي وابن الحاجب نقلا من ابن جني ، متمسكا بأن قاعدتهم إذا زادوا حرفا زادوها ساكنة ثم حركوها إن احتيج ، بخلاف ما إذا أبدلوها ، وقد غفل صاحب النجاح عن هذه القاعدة ، فاعترض عليه بأن ما ذكره ابن جني باطل ؛ لأنه يلزم العود إلى المهروب عنه وهو الهرب عن حرف ساكن إلى حرف آخر ساكن مثل الأول ، والحق زيادتها فتحركت لئلا يلزم المحذور.

وتحقيق الكلام في هذا المقام على ما ذكره المصنف أن هذه الهمزة وإن كانت ساكنة لكنه جيء بها قبل الساكن في الابتداء ؛ لأنه قد علم أنه إذا اجتمعت معه فلا بد من حذف أحدهما ، ولم يجز حذف الثّاني ولا حركته لئلا يلزم تغيير البناء ، ولا حذف الهمزة يفضي إلى المهروب عنه وهو الابتداء بالساكن ، فلم يبق إلا حركة الهمزة فحركت وكسرت على ما هو الأصل في التقاء الساكنين. اه شمس الدين رحمه‌الله تعالى.

(٥) قوله : (في همزة الوصل) سميت الهمزة المجتلبة بعد الحذف بذلك ، إمّا لتوصل النطق إلى الساكن بها ، وإمّا لأنها تسقط في الدرج فيصل ما قبلها إلى ما بعدها ، بخلاف همزة القطع فإنها تثبت في الدرج فينقطع في اللفظ بها ما قبلها عما بعدها فلذا سميت بالقطع.

فإن قيل : ينبغي أن تسميا واصلة وقاطعة.

قلنا : يجوز أن يكون الوصل والقطع بمعنى الفاعل والإضافة من باب الموصوف إلى الصفة ، أي : الهمزة الواصلة والقاطعة.

ثم اعلم أن الهمزة على قسمين قطعية ووصلية ، فالوصلية : تزاد فيما إذا كان الأول ـ

١١١

تكسر (١) في مثل : «اكتب» لأن بتقدير الكسر يلزم الخروج من الكسرة إلى الضمة ، ولا اعتبار (٢) للكاف الساكن ؛ لأن الحرف الساكن لا يكون حاجزا حصينا عندهم ، ومن ثمّ جعل واو : «قنوة» ياء ، ويقال : قنية (٣).

وقيل : تضمّ للإتباع ، وتكسر ، بخلاف : افعل ، بكسر الهمزة وفتح العين ؛ لأنه

______________________________________________________

من الكلمة ساكنا وهي على قسمين قياسية وسماعية فالسماعية تكون في اثنتي عشرة كلمة بالاستقراء وهي ابن وابنة وابنم بمعنى ابن والميم زائدة واسم واست بمعنى مخرج الغائط ، واثنان واثنتان وامرأة وامرؤ وامرأتان وامرآن وايمن الله بمعنى يمين الله بضم الميم والنون وقد يحذف النون ، والقياسية تكون في كل مصدر بعد فاء فعله الماضي أربعة أحرف كالانصراف ونحوه فصاعدا مطلقا أصولا أو غيرها ، ثلاثيا أو غيره كالاستخراج ونحوه كالاحرنجام ، وفي أفعال تلك المصادر من ماض أو أمر وفي صيغة أمر الثلاثي المجرد إذا لم يتحرك ما بعد حرف المضارعة كانصر واضرب ونحوهما ، وفي لام التعريف عند سيبويه ، وفيه ميمه كما في الحديث : «ليس من امبر امصيام في امسفر» (١) ، والقطعية في غير هذه المواضع المذكورة. اه من الشافية وشروحها.

(١) قوله : (ولم تكسر ... إلخ) ولما توجه أن يقال : إن قولكم : وكسرت الهمزة ... إلخ ، منقوض بمثل اكتب ؛ لأن همزته مضمومة أجاب بقوله : ولم تكسر ... إلخ. اه فلاح.

(٢) قوله : (ولا اعتبار ... إلخ) جواب سؤال مقدر وهو أن يقال : لا نسلم الخروج من الكسرة إلى الضمة لتخلل الكاف الساكن بينهما بما ترى. اه حنفية.

(٣) قوله : (قنية) بكسر القاف فيهما وقد يضم فيهما ويبقى الياء على حالها يقال : قنوت الغنم وغيرها قنوة وقنيتها قنية أي : أمسكتها لنفسك لا للتجارة.

فإن قلت : إن ارموا أمر وعينه مضموم مع أن همزته مكسورة ، وإن أغزي أمر وعينه مكسور مع أن همزته مضمومة.

قلت : حركة العين فيهما عارضة ؛ لأن أصل ارموا ارميوا فأعلّ بالنقل والحذف ، وأصل أغزي اغزوي فأعلّ أيضا بنقل حركة الواو إلى ما قبلها ثم حذفها لالتقاء الساكنين. اه ابن كمال باشا.

قوله : (ويقال : قنية) يعني يجعل واو قنوة ياء ؛ لانكسار القاف مع أن النون حاجزة بين القاف والواو ، فلما كان ساكنا فيكون كالمعدوم ، ولو كان حاجزا قويا لما انقلبت ياء ، فعلم أنه ليس بقوي. اه عبد الأحد.

__________________

(١) أخرجه أحمد في مسنده (٢٣١٦٧) ، والشافعي في مسنده ص ١٥٧ ، والحميدي في مسنده ٢ / ٣٨١ (٨٦٤) ، عن كعب بن عاصم الأشعري رضي‌الله‌عنه.

١١٢

يلتبس (١) بقول (٢) الشاعر :

اليوم (٣) أشرب (٤) غير مستحقب

إثما من الله ولا واغل (٥)

______________________________________________________

(١) قوله : (لأنه ... إلخ) أفاد بهذا الاستدلال دفع ما يرد من السؤال أن همزة اعلم ينبغي أن تكون مفتوحة اتباعا لفتحة العين في مضارعه ، بأنه لو فتحت يلزم الالتباس بهمزة المتكلم كما أشار إليه بقوله : لأنه يلتبس بقول الشاعر ... إلخ ، فإن قيل لا التباس حينئذ فإن آخر المتكلم مرفوع ، وآخر الأمر مجزوم كما ترى ، قلنا : نعم إلا أن المراد بالالتباس إمّا بتقدير الوقف في آخره ، كما في الشعر المذكور ، وإمّا بتقدير كونه جزاء الشرط ، كما قال المصنف بقوله : وبجزاء الشرط. اه عبد الباقي.

(٢) أي : بالمضارع منه على تقدير الوقف في آخره ، فإذا قلت مثلا : اعلم بفتح الهمزة وسكون الميم لم يعلم أنه أمر أو مضارع أسكن آخره للوقف ، أو على تقدير كونه جزاء الشرط كما في قول الشاعر. اه مولوي.

(٣) قوله : (اليوم ... إلخ) أول الشعر :

حلّت لي الخمر وقد كنت مرارا

من شربها في شغل شاغل

حلت فعل ماض من الحلال ، ولي متعلق به ، والخمر فاعله ، والواو في وقد كنت حالية ، والجملة حال عن الضمير المجرور في لي ، ومرارا ظرف لقوله : كنت ، والشرب بفتح الشين مصدر بمعنى آشاميدن وبالضم والكسر اسم مصدر كذا في المنتخب ، والشغل بالضم ضد الفراغ وبالفتح بازداشتن ومشغول كردن كار كه را كذا في الرشيدي ، ولما ذكر الشاعر أن حاله كذا في الزمان الماضي فكأن لقائل أن يقول : ما حالك اليوم فإن الماضي قد مضى فاترك بيانه ، واذكر حالك الآن ، فأشار إلى جوابه بقوله : اليوم ... إلخ ، فاليوم ظرف لقوله : أشرب ، ومن غير مستحقب حال من فاعل أشرب ، وكلمة من زائدة ، في الصحاح استحقبه وحقبه بمعنى احتمله انتهى. والإثم بزه مند شدن ومن الله متعلق به ، ولا واغل عطف على قوله : مستحقب ، الوغل آنكه ناخواندة در ميان شراب خواران رؤبرائي شراب خوردن كذا في الكشف فالمعنى ظاهر.

قال بعض الأساتذة رحمهم‌الله : الشعر لامرئ القيس ، قيل : له حبيبة قتلها أحد فاطلع بذلك وحلف بالله وقال : أكل الخمر التي هي حلال الآن حرام عليّ ما لم أقتصّ من قاتلها فبعد ذلك كما دخل على شاربي الخمر قبل القصاص لم يشرب وإن يعطونه لعدم البر عن اليمين ، فلمّا اقتصّ منه ورجع إلى شاربيها من جلسائه حتى دخل عليهم حال كونهم يشربون الخمر ، فقال مسرورا مفتخرا للوفاء بما حلفه : حلت لي ... إلخ ، فلما أنشد هذا البيت فقال قائل منهم : ما حالك اليوم فإن الماضي قد مضى ... إلخ ، قال في جوابه : اليوم أشرب إلخ والله تعالى أعلم. اه تحرير ملا غلام رباني رحمه‌الله.

(٤) بسكون الباء وإن كان متكلما لضرورة الشعر أو الوقف فأشرب في البيت متكلم ولو جعلت همزة أمره مفتوحا أيضا ، يلزم الالتباس به كما لا يخفى. اه حنفية.

(٥) البيت من البحر السريع ، وهو لامرئ القيس في كتاب سيبويه ٤ / ٢٠٤ ، والشعر والشعراء لابن قتيبة ص ١٠.

١١٣

بسكون الباء ، وبجزاء الشرط في مثل : إن تمنع أمنع.

وفتح ألف : «ايمن» مع كونه للوصل ؛ لأنه جمع (١) : «يمين» (٢) وألفه للقطع ، ثمّ جعل للوصل في اللفظ لا في الخط لكثرته.

وفتح ألف التعريف (٣) في مثل : الرجل ، لكثرته أيضا ، وفتح ألف (٤) : «أكرم» لأنه ليس من ألف الأمر ، بل ألف قطع ؛ لأنه محذوف من : «تكرم» ، وحذفت (٥)

______________________________________________________

(١) قوله : (جمع ... إلخ) هذا مذهب الكوفيين وذهب البصريون إلى أنه مفرد على وزن أفعل إذ قد يجيء في كلام العرب على وزنه مفرد مثل آجر وآنك وهو الأسرب وهما ليسا بأعجميين ، والمفرد هو الأصل وهمزته للوصل وإلا لما سقط في الدرج ، وقال سيبويه : إنه من اليمن بمعنى البركة ، يقال : يمن فلان علينا فهو ميمون. اه شمس الدين.

(٢) وهو بمعنى القسم سميت بذلك ؛ لأنهم كانوا إذا تحالفوا ضرب كل امرئ منهم يمينه على يمين صاحبه ، وإن جعلت اليمين ظرفا فلا تجمع ؛ لأن الظرف لا تكاد تجمع. اه ف.

(٣) قوله : (ألف ... إلخ) سماها ألفا ؛ لأن الهمزة إذا وقعت أولا تكتب على صورة الألف ، ولأنهما متقاربان في المخرج ، ولذلك إذا احتاجوا إلى تحريك الألف قلبوها همزة ، وقال في الصحاح : الألف على ضربين لينة ومتحركة ، فاللينة : تسمى ألفا ، والمتحركة : تسمى همزة ، ولهذا المعنى حكم الفقهاء ، زاد له الله تعالى رفعة أعلامهم بأن الحروف ثمانية وعشرون. اه فلاح.

قوله : (ألف ... إلخ) اعلم أنهم اختلفوا في آلة التعريف فذكر المبرد في كتابه الثّاني : أن حرف التعريف الهمزة المفتوحة وحدها ، وإنما ضم اللام إليها لئلا يشبه ألف التعريف بألف الاستفهام فيكون للقطع ، وقال سيبويه : حرف التعريف اللام وحدها والهمزة زائدة للوصل ، لكنها فتحت مع أن أصل همزة الوصل الكسر لكثرته استعمالا. وقال الخليل : أل بكماها آلة التعريف ثنائي نحو هل فيكون همزته للقطع ، وإنما حذفت في الدرج لكثرة الاستعمال وإذ قد علمت ما قررناه ، فاعلم أن قوله : وفتح ألف التعريف لكثرته إنما يستقيم على مذهب سيبويه إذ هو جواب بعد تسليم كونه للوصل وهو ظاهر وإضافة الألف إلى التعريف لأدنى ملابسة فتدبر. اه رضي بتصرف وزيادة.

(٤) قوله : (وفتح ... إلخ) هذا جواب عن سؤال مقدر وهو أن قولكم : واجتلبت الهمزة بعد حذف حرف المضارعة إن كان ما بعدها ساكنا للافتتاح ، وكسرت الهمزة منقوض بمثل أكرم ؛ لأن ما بعد حرف المضارعة وهو الكاف ساكن وهمزته مجتلبة مع أنها مفتوحة ، وحاصل الجواب منع كون الهمزة مجتلبة ؛ وذلك لأنه ليس من ألف الأمر إلخ. اه أحمد.

(٥) قوله : (وحذفت ... إلخ) استئناف فيقع جوابا لسؤال مقدر فكأن قائلا يقول : لم حذفت ـ

١١٤

لاجتماع الهمزتين في : أكرم ؛ لأن أصله : أأكرم.

ولا تحذف همزة «اعلم» في الوصل في الخط حتى لا يلتبس الأمر من باب : «علم» بأمر : «علّم».

فإن قيل : يعلم بالإعجام (١)؟.

قلنا : الإعجام يترك (٢) كثيرا ، ومن ثمّ فرقوا بين : «عمر» و «عمرو» بالواو (٣).

______________________________________________________

الهمزة من تؤكرم ، فأجاب : وحذفت ... إلخ يعني زيدت همزة مفتوحة في أول كرم لنقله إلى باب آخر فيكون أكرم ومضارعه يؤكرم كيدحرج بالهمزة إذ المضارع هو الماضي مع زيادة حرف المضارعة فيه فاجتمع في الحكاية همزتان فتشبه نباح الكلب أو صوت السكران فحذفت إحداهما وحذفت عن البواقي طردا للباب ، وقد ترد في الضرورة كما في قول الشاعر :

شيخ على كرسيّه معمّما

فإنّه أهل لأن يؤكرما (١)

ثم لما حذف حرف المضارعة لقصد بناء صيغة الأمر أعيدت الهمزة لزوال علّة حذفها وهي حرف المضارعة إذ بحذفها زال المضارعة فزال حكم الاطراد.

فإن قلت : لم لم تعد الواو في تعد بعد حذف حرف المضارعة للأمر مع أن حذفها للاطراد أيضا فقد زال بزوال علته؟.

قلت : لو أعيد لأعلّ بالحذف إعلال فعله تبعا له فيكون سعي الإعادة ضائعا كذا قالوا. اه ابن كمال باشا.

(١) قوله : (بالإعجام) بكسر الهمزة مصدر ومعناه وضع النقط على الحروف ومنه حروف المعجم ، أي : حروف الخط المعجم ثم استعمل فيما هو الحاصل بالمصدر وعموه فأراد ما به الحركات والنقط والتشديد ، وحاصل ما ذكره السائل منع الالتباس على تقدير حذف الهمزة في الكتابة لحصول الفرق بالإعجام ؛ لأن العين في الأمر من علم بالتخفيف عند الدرج ساكنة ، واللام يوضع لها فتحة ، والعين في الأمر من علم بالتشديد يوضع عليها الفتحة واللام يوضع عليها الكسرة والتشديد فلا يلتبس أحدهما بالآخر في الخط كما لا يلتبس في اللفظ. اه أحمد.

(٢) قوله : (يترك كثيرا) أي : لا يكتب في كثير من الأحوال لأنه ليس بلازم بل من الأمور الجائزة ، بل البلغاء والفضلاء يعيبون النقط والتشديد والإعراب. اه حنفية.

(٣) قوله : (بالواو) أي : في الخط حيث كتبوا حالة الرفع والجر في الثّاني وتركوا في الأول لئلا يلتبس أحدهما بالآخر عند ترك الإعجام ، وخصوا الزيادة بالثّاني لخفته وثقل الزيادة ، ـ

__________________

(١) الشعر من الرجز ، وهو بلا نسبة في الجمل في النحو للفراهيدي ص ٢٥٦ ، وأصول النحو لابن السراج ٢ / ٢٠٠.

١١٥

وحذفت (١) في : «بِسْمِ اللهِ» لكثرة استعماله (٢) ، ولا يحذف في (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) [العلق : ١] لقلة الاستعمال (٣).

وجزم آخر الغائب باللام إجماعا ؛ لأن اللام مشابهة بكلمة الشرط في النّقل (٤) ، وكذلك المخاطب عند الكوفيين ؛ لأن أصل : «اضرب» : لتضرب عندهم ،

______________________________________________________

ولم يكتبوا في حالة النصب للفرق بألف التنوين في الثّاني دون الأول إذ هو غير منصرف فلا يدخله ألف التنوين. اه شمس الدين.

(١) قوله : (وحذفت ... إلخ) ولما توجه أن يقال : إن قولكم : لا تحذف ألف الوصل في الخط منقوض ببسم الله الرحمن الرحيم ؛ لأن همزته للوصل مع أنها حذفت في الخط أجاب بقوله :

وحذفت ... إلخ. اه فلاح شرح مراح الأرواح.

(٢) قوله : (لكثرة استعماله) إذا ما من كتاب إلا ويكتب في أوله (بسم الله الرحمن الرحيم) تبركا واقتداء بالتنزيل وعملا بالحديث النبوي ، وكثرة الاستعمال في حق التلفظ لا ينافيها. اه جلال الدين.

(٣) قوله : (لقلة الاستعمال) لأنه إنما يستعمل إذا قرئ القرآن أو كتب ، ولا شك في قلتهما بالنسبة إلى (بسم الله الرحمن الرحيم) فعلم أن حذف الهمزة في بسم الله ... إلخ لكثرة الاستعمال.

فإن قيل : كثرة الاستعمال لا يستلزم الحذف ألا ترى إلى قوله تعالى : (أَنَّهُ) بدرستيكه آن كتاب (مِنْ سُلَيْمانَ) از حضرت سليمان عليه‌السلام است (وَإِنَّهُ) بدرستيكه آن كتاب بزرگ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) [النمل : ٣٠] مفتح است بنام معبود برهق كه خشأفده مهربان إست وأين مقولة بلقيس است بحذف الهمزة مع عدم كثرة الاستعمال أيضا؟.

قلنا : حذف الهمزة فيه لموافقة التسمية التي كتبت في المصحف.

فإن قيل : فلتحذف الهمزة في قوله تعالى : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) [العلق : ١] لذلك؟.

قلنا : الموافقة إنما تقصد إذا كانت التسمية تامة وباسم ربك غير تامة.

فإن قلت : فعلى هذا ينبغي أن لا تحذف الهمزة في قوله تعالى : (بِسْمِ اللهِ) بنام خدا أست (مَجْراها) جريان آن كشتي (وَمُرْساها) [هود : ١] وتوقف لأن التسمية ثمة غير تامة؟.

قلت : حذفت الهمزة فيه لكثرة الاستعمال فإنهم يكتبونها في كل متاع. اه حنفية بتغير وزيادة ما.

(٤) قوله : (في النقل ... إلخ) أي : في نقل معنى الفعل فكما أنّ إن تنقل الفعل من كونه مجزوما به إلى كونه مشكوكا فيه كذلك لام الأمر ينقل معنى المضارع من كونه إخبارا إلى كونه إنشاء فلما شابه كلمة الشرط في النقل يعمل عملها وهو الجزم فلا فرق بين آخر المضارع المجزوم وبين آخر الأمر باللام في صحيحه ومعتله ومذكره ومؤنثه ومفرده ومثناه ومجموعه. فتقول : ليضرب ليضربا ... إلخ ، كما تقول : لم يضرب لم يضربا ... إلخ ، وكذا حال ليخش مع لم يخش ـ

١١٦

ومن ثمّ قرأ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (فَبِذلِكَ) (١)

______________________________________________________

إلى آخرهما ، وليرم مع لم يرم إلى آخرهما ، وليغز مع لم يغز إلى آخرهما. اه ابن كمال باشا رحمه‌الله تعالى.

(١) قوله : (فبذلك فلتفرحوا) بإثبات اللام وحرف المضارعة على الأصل مكان فافرحوا ، وأيضا قد جاء في الحديث باللام كقوله عليه الصلاة والسّلام : «لتنهر ولو بشوكة» (٢) ، وقد جاء في الشعر أيضا كقوله :

لتقم أنت يا ابن خير قريش

فتقض حاجة المسلمين (٣)

وكل ذلك دلّ على أن أصل أمر المخاطب المعلوم باللام (فلاح).

وجه التمسك أنهم يقولون : إن اللام ملفوظ في أمر المخاطب تقديرا وإن لم يكن ملفوظا بها لفظا ؛ وذلك لأن النبي عليه الصلاة والسّلام فصيح العرب والعجم فلما قرأ بإظهار اللام في أمر المخاطب علم أن اللام يجوز أن يكون ملفوظا بها لفظا ، وإن لم يكن كذلك لم يقرأ النبي عليه الصلاة والسّلام بإظهار اللام ، وإذا ثبت هذا لزم أن تكون اللام مقدرة في أمر المخاطب فيكون معربا به واللام مقدرة أيضا فيكون مجزوما به ، فهم لا يفرقون بين المقدر والملفوظ.

وقد أجاب الزمخشري عنه فقال : قال الكوفيون : هو مجزوم بلام مقدرة وهذا خلف من القول ؛ لأن حرف المضارعة هو علّة الإعراب فانتفى بانتفائه كانتفائه بالاسم بانتفاء سببه ، فإن زعموا أن حرف المضارعة مقدر فليس بمستقيم ؛ لأن حرف المضارعة من صيغة الكلمة كالميم في اسم الفاعل فكما لا يستقيم تقدير الميم فكذا تقدير حرف المضارعة ، وهذا حاصل ما ذكره المصنف في ما بعد بقوله : وعند البصريين إلى آخر الدليل ، والجواب عن قراءة النبي صلّى الله تعالى عليه وسلم فلتفرحوا أنه شاذ ، وأيضا يمكن أن يقال من طرف البصريين في جواب الكوفيين : إنا لا نسلم أن أصل اضرب لتضرب بل كل منهما بناء على حدة ولا ضرورة دعت إليه ؛ لأن طلب الفعل لا يختص باللام بل قد يكون بنفس الصيغة مثل اضرب ، وقد يكون بلام الأمر مثل لتضرب.

وأما قراءة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فبذلك ... إلخ. فيحتمل أن يكون مبنيا على أن بناء ـ

__________________

(١) أخرجه البخاري تعليقا ، كتاب الصلاة ، باب وجوب الصلاة في الثياب ، وأبو داود ، كتاب الصلاة ، باب في الرجل يصلي في ثوب واحد (٦٣٢) ، وللحديث قصة كما عند أبي داود ، وهي سلمة بن الأكوع قال : قلت : يا رسول الله ، إنّي رجل أصيد أفأصلّي في القميص الواحد؟ قال : ((نعم ، وازرره ولو بشوكة)).

(٢) ذكره هكذا ابن عادل في اللباب في علوم الكتاب ١٧ / ٢٣٦.

١١٧

فلتفرحوا [يونس : ٥٨] (١) ، فحذفت اللام تخفيفا لكثرة الاستعمال ، ثم حذفت علامة الاستقبال للفرق بينه وبين المضارع ، فبقي الضاد ساكنا ، فاجتلبت همزة الوصل ووضعت موضع علامة الاستقبال ، وأعطي لها أثر علامة الاستقبال كما أعطي لفاء : «ربّ» عمل : «ربّ» في قول الشاعر :

فمثلك (٢) حبلى (٣) قد طرقت (٤) ومرضع (٥)

فألهيتها عن ذي تمائم (٦) محول (٧)

وعند البصريين مبنيّ ؛ لأن الأصل في الأفعال (٨)

______________________________________________________

أمر المخاطب يجوز أن يكون بطريق الأمر الغائب ؛ لأن أصله ذلك تدبر. اه مولوي عبد الحكيم.

(١) أخرجه الحاكم في المستدرك ٢ / ٢٦٣ (٢٩٤٦) ، من حديث أبيّ بن كعب ، وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

(٢) قوله : (فمثلك) البيت للهجاء على ما في الفلاح. قال البعض : كان الهجاء رجلا يتبع النسوة جدا فرأى امرأة غير عارفة له وكانت أحسن الوجه فطلب منها الأمر الفاحش فاستولى القهر عليها حتى رمته بالقذف وقالت : يا أرذل والله لا أطعتك أبدا ، فلما سمع هذه الكلمات منها فقال غضبان : لا تشتمني سأجامعك وإن تجتنبني بمراحل ، وأنشد البيت : فمثلك حبلى ...

إلخ. ومعناه ظاهر. اه لمحرره عفا الله عنه.

بكسر الكاف وجر اللام ؛ لأن الفاء عمل عمل رب فتقديره فرب مثلك ، أي : ربّ امرأة مثلك. اه ف.

(٣) وهي امرأة ذات حمل وهو مجرور تقديرا على أنه صفة مثلك ؛ لأن المثل لا يتعرف بالإضافة لتوغله في الإبهام كما بين في النحو. اه ف.

(٤) طرق بمعنى جاء ليلا من باب دخل ، وضمير المفعول محذوف راجع إلى حبلى أي : طرقتها بمعنى جئت إليها ليلا وهو عامل رب المقدر. اه ف.

(٥) قوله : (ومرضع) عطف على حبلى أي : امرأة لها ولد ترضعه فإذا وصفتها بإرضاع الولد قلت :

مرضعة. اه ف.

(٦) قوله : (عن ذي ... إلخ) أي : عن صبي ذي تمائم ، والتمائم جمع تميمة وهو التعويذ الذي يعلّق على صدر الإنسان من الصبي وغيره. اه شمس الدين.

وإنما خص حبلى ومرضعا بالذكر لأنهما في هذه الحالة أقل رغبة من غيرها. اه مولوي.

(٧) البيت من البحر الطويل ، وهو لامرئ القيس في لسان العرب ، مادة (رضع) ، وجمهرة أشعار العرب للقرشي ص ٨١ ، وطبقات فحول الشعراء لابن سلام ١ / ٤٢.

(٨) لعدم توارد الفاعلية والمفعولية والإضافة عليها وأصل البناء السكون. اه ف.

١١٨

البناء ، وإنما أعرب (١) المضارع لمشابهة بينه وبين الاسم ، ولم يبق (٢) المشابهة بين الأمر والاسم بحذف حرف المضارعة منه ، ومن ثمّ قيل : قوله تعالى : فلتفرحوا معرب بالإجماع ، لوجود علة الإعراب ، وهي حرف المضارعة (٣).

وزيدت (٤) في آخر الأمر نونا التأكيد (٥) لتأكيد الطلب ، نحو : ليضربنّ ، ليضربانّ ، ليضربنّ ، لتضربنّ ، لتضربانّ ، ليضربنانّ.

وكذلك في : اضربنّ ... إلخ.

وفتح الباء (٦)

______________________________________________________

(١) جواب سؤال وهو أن يقال : لما كان الأصل في الأفعال البناء لم أعرب المضارع مع كونه فعلا؟ بأن كونه معربا لأجل المشابهة بينه ... إلخ. اه حنفية.

(٢) قوله : (ولم يبق ... إلخ) فرجع إلى أصل بنائه الذي هو السكون ، لكنه يعامل معاملة المجزوم في إسقاط الحركات من المفرد الصحيح نحو اضرب كما يقال : لم تضرب وفي إسقاط الحروف من النّاقص والأجوف نحو ارم وقل ، كما يقال : لم ترم ، ولم تقل ، وفي إسقاط النون في التثنية والجمع والمفرد والمؤنث نحو اضربا اضربوا اضربي ، كما يقال : لم تضربا لم تضربوا لم تضربي. اه شمس الدين.

(٣) قوله : (وهي حرف ... إلخ) ولا يخفى أنه قال ههنا : إن علّة الإعراب في المضارع هي حرف المضارعة ، وقد سبق أن موجب الإعراب هو المشابهة التامة وهي الحركات والسّكنات ومشابهته باسم الجنس وغير ذلك مما تقدم فعليك التوفيق بين الموضعين تأمل. اه ع.

ويمكن أن يقال في التوفيق : إن علّة الإعراب هي المشابهة التامة بالاسم ، كما مرّ سابقا ، إلّا أن هذه المشابهة إنما تحصل بسبب تحقق حرف المضارعة ، فكان حرف المضارعة علّة المشابهة فكان علّة الإعراب أيضا ؛ لأن علّة علّة الشيء علّة لذلك الشيء فتبصر. اه ملا غلام رباني.

(٤) ولما فرغ من بيان نفس صيغة الأمر وكيفية أخذه من المضارع ، شرع فيما يتعلق به وبما يناسبه في كونه طلبا من اتصال نوني التأكيد وكيفية بناء آخره عند اتصالهما فقال : وزيدت ... إلخ. اه ف.

(٥) قوله : (نونا ... إلخ) إحداهما مثقلة متحركة ، والأخرى مخففة ساكنة ، وفي المثقلة زيادة تأكيد قال الخليل : إذا أتيت بالنون المؤكدة الخفيفة فأنت مؤكّد ، وإذا أتيت الثقيلة فأنت أشد توكيدا ، وإنما زيدتا في آخره ، لئلا يجتمع في أوله زائدتان ، ولأن الزيادة نوع من التغير ومحل التغير آخر الكلمة. اه أحمد.

(٦) قوله : (وفتح الباء ... إلخ) جواب سؤال وهو أنه يلزم التدافع في قول المصنف حيث قال ـ

١١٩

في : «ليضربنّ» فرارا (١) عن اجتماع (٢) الساكنين ، وفتح النون (٣) المشددة للخفة ، وحذفت (٤)

______________________________________________________

فيما مرّ آنفا : وجزم آخره في الغائب باللام ، يعني أن جزم الآخر ثمة بدخول اللام ، وههنا أي : في ليضربن المؤكد بدخول النون مثلا لم يجزم مع تحقق اللام كما ترى.

وتقرير الجواب : لا تناقض في قول المصنف ؛ لأن التحرك عارض لموجب آخر وهو التقاء الساكنين على غير حده فإنه لو لم يتحرك يلزم الالتقاء بين الباء والنون المدغم. اه ملا غلام رباني.

أي : حرك بالفتح مع أن الأصل السكون ، أمّا علّة نفس التّحريك فهو ما صرح به المصنف بقوله : ضربوا ... إلخ. اه.

واختير الفتحة ؛ لأنها أخت السكون في الخفة ولئلا يلتبس بالجمع والواحد المخاطب بالواحد المخاطبة. اه فلاح مولوي رحمه‌الله تعالى.

(١) قوله : (فرارا ... إلخ) الأولى وأمّا علّة تعيين الفتح فلخفته هذا هو التحقيق ، لكن المصنف تسامح وعلل الفتح بعلّة نفس التّحريك باعتبار تضمن الفتح التّحريك قصرا للمسافة. اه ابن كمال.

(٢) قوله : (فرارا عن اجتماع ... إلخ) فيه أن اجتماع الساكنين لا يقتضي فتح الياء إذ لو ضم الباء أو كسر لم يلزم التقاء الساكنين أيضا. فالدليل لم يطابق المرام الذي هو فتح الباء ، إلا أن يقال : إنّ قوله : فرارا ... إلخ ، دليل مقدمة مطوية وهو أن يقدر لفظ بعد تحركه بعد قوله : في ليضربن إلّا أن الاكتفاء بحذفه لقصر المسافة والله أعلم. اه عبد الله.

(٣) قوله : (وفتح النون ... إلخ) ولله در المصنف حيث أفاد بهذا القول الأمرين الحكم ودفع ما توهم أن النون الثقيلة حرف والأصل فيه البناء الذي أصله السكون أو الكسر ، كما قالوا : فلم حرك النون بالفتح ، بأن فتحه للخفة وأمّا نفس التّحريك فلدفع التقاء الساكنين إذ النون الثقيلة حرفان كما لا يخفى. اه عبد الباقي.

(٤) قوله : (وحذفت واو ... إلخ) جواب عما يقال : إن الواو في ليضربوا عند اتصال نون التأكيد ينبغي أن لا تحذف ؛ لأن الواو ضمير الفاعل ، وحذف الفاعل لا يجوز ، فلم حذفت؟ بأن الحذف لأجل الاكتفاء بالضمة ، وتوضيح الجواب : لا نسلم أن الواو محذوف ؛ لأن الدال عليه وهو الضمة موجود فكأنه لم يحذف ، وهذا كالإيماء في الصلاة للمريض قام مقام الأركان فلا يعد مثل هذا تركا بل كفاية بقدر الممكن ، لا يقال بأن حذف الواو ثمة لا يجوز فإن عند زيادة نون التأكيد الثقيلة هنا يلزم التقاء الساكنين على حده وهو جائز ؛ كما ستعرفه ؛ لأن ذلك إنما يجوز في كلمة واحدة ، وههنا كلمتان فالقياس لأن يحذف ألف التثنية أيضا ، إلّا أنه لم يحذف وجوز التقاء الساكنين على حده في كلمتين لمخافة الالتباس بالواحد. اه من المولوي بزيادة.

١٢٠