فضائل الشّام

فضائل الشّام

المؤلف:


المحقق: أبي عبد الرحمن عادل بن سعد
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 978-2-7451-3322-5
الصفحات: ٣٥٩

ترجمة المؤلف

هو : محمد بن أحمد بن علي بن عبد الخالق ، شمس الدين الأسيوطي ثم القاهري الشافعي المنهاجي مصري.

قال السخاوي في" الضوء اللامع" : ولد كما قاله لي في جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة وثمانمائة وقيل سنة عشر بأسيوط ، ونشأ بها فحفظ القرآن عند سعد الدين الواحبي ، وغيره والعمدة وأربعين النووي والشاطبية والمنهاج الفرعي والأصلي وسطور الأعلام في معرفة الإيمان والإسلام للحمصي فيما زعمه وأنه عرض على الجلال البلقيني والولي العراقي والبيجوري والشرف الأقفهسي ، والتفهني وقاري الهداية والبساطي وابن مغلى في آخرين منهم :

النجم بن عبد الوارث ، والحمصي ، وأنه تلا لأبي عمرو على الشمس البوصيري ، وقرأ في الفقه على الزكي الميدومي ، والشمس بن عبد الرحيم ، والبدر بن الخلال وعن الزكي أخذ النحو أيضا ، وعن الشهاب السخاوي القادم عليهم أسيوط مجموع الكلائي ، والملحة ، وقيل بل الشهاب العجيمي وهو الذي سمعته منه ، والحديث عن شيخنا والتقي بن عبد الباري الكفيف وغيرهما ، وتكسب بالشهادة وتعاني الأدب وتميز فيه وامتدح شيخنا بقصيدة دالية سمعتها منه في مكة والقاهرة وكتبها أو جلها في الجواهر وكذا كتبها عنه البقاعي منها :

يا كعبة قبل الوقوف دخلتها

من باب شيبة حمدك المتأكد

 .... ولقيني بمكة ثم بالقاهرة. ا. ه.

ومن كتبه :

١ ـ إتحاف الأخصا بفضائل المسجد الأقصى.

٢ ـ فضائل الشام وهو كتابنا هذا.

٣٠١

٣ ـ هداية السالك إلى أوضح المسالك.

٤ ـ جواهر العقود ومعين القضاة والموقعين والشهود.

٥ ـ التذكرة المنهاجية قال صاحب الأعلام الجزء الثامن منها : رأيته بخطه في الاسكوريال (الرقم ٢٩٢) وأظن أن هناك جزءا آخر منه أو أكثر.

وتوفي ـ رحمه الله ـ سنة ثمانين وثمانمائة من الهجرة (١).

__________________

(١) انظر ترجمته في : " الأعلام" للزركلي (٥ / ٣٣٤) ، " معجم المؤلفين" (٨ / ٢٩٧) ، " الضوء اللامع" (٧ / ١٣) ، " كشف الظنون" (٦١٤) ، " ديوان الإسلام" (٤ / ١٩٠) رقم (١٩٢٣).

٣٠٢

عملي في الكتاب

١ ـ قمت بنسخ المخطوط ومقابلته مقابلة دقيقة.

٢ ـ قمت بتخريج الأحاديث تخريجا تفصيليا بحسب المتوفر لنا من مراجع مع مراعاة عدم التطويل فإذا كان الحديث موجودا في عدة مصادر من نفس الطريق اكتفيت بأعلى هذه المصادر رتبة إلا إن كانت الضرورة تقتضي غير ذلك فأفعله.

٣ ـ قمت بالحكم على الأحاديث مسترشدا بأقوال أهل العلم في ذلك ولم أنفرد بحكم على الإطلاق ، وكذلك عزو الأحاديث التي سبقت في الأجزاء الأخرى إلى موضعها فيها إتماما للفائدة.

٤ ـ عزوت الآيات القرآنية.

٥ ـ رقمت الأحاديث وعملت لها بعض الفهارس العلمية المهمة.

وأسأل الله التوفيق

٣٠٣

وصف النسخة الخطية

اعتمدت هنا على نسخة دار الكتب المصرية العامرة والمحفوظة تحت رقم (٧٥٠) تاريخ وتقع في (١٩) ورقة وكانت مسطرتها (٢٣) سطر.

وكتبت بخط معتاد.

وفي آخرها كتب :

تم نسخه على يد الفقير الحقير الراجي عفو ربه القدير محمد بن عمر الشافعي الدويكي نهار الخميس ثامن عشر من شهر ربيع الأول سنة ١١١٣ عفي عنه.

٣٠٤

٣٠٥

٣٠٦

بسم الله الرّحمن الرّحيم

قال الشيخ الإمام العالم الهمام أبو عبد الله محمد بن الشيخ أبي العباس أحمد الأسيوطي الشافعي في فضل الشام وما ورد في ذلك من الآيات والأخبار وسبب تسميتها بالشام ، وذكر حدودها وما ورد في حث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على سكناها وما تكفل الله به لها وأهلها ، وأنها عقر دار المؤمنين ، وعمود الإسلام بها ، وأن الشام صفوة الله من بلاده يسكنها خيرته من عباده ، ودعاء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالبركة وذكر بناء مسجد دمشق وعمارته ، ومبدأ أمره وما بها من المعاهد والمشاهد المقصودة بالزيارة المعروفة بإجابة الدعوات والتنبيه عليها وما في معناها ، أما الفضل قد تقدم في الباب الأول من الآيات الواردة في فضل الأرض المقدسة ما يغني عن الإعادة ها هنا فليراجع منه ، وفي ترغيب أهل الإسلام عقب الكلام على قوله تعالى : (وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ.)(١)

ـ وقال عبد الله بن سلّام : هي دمشق.

ـ وقال ابن عباس رضي الله عنهما : هي بيت المقدس.

وروى أبو أمامة الباهلي ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال : «أتدرون أين هي؟ يعني (إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ ،) قالوا الله ورسوله أعلم قال : «هي الشام بأرض يقال لها : الغوطة ، مدينة يقال لها دمشق هي خير مدائن الشام» (٢).

__________________

(١) سورة المؤمنون آية : (٥٠).

(٢) منكر أو موضوع ذكره السيوطي في الدر (٥ / ٨) وعزاه لابن عساكر وفي سنده مسلمة ابن علي يروي عن الأوزاعي والزبيدي المناكير والموضوعات انظر ترجمته في الميزان (٤ / ١٠٩) والمجروحين (٢ / ٣٣). وسبق بإسناده في جزء الربعي (٢٨).

٣٠٧

وكذا قال ابن عباس وعبد الله بن سلام وسعيد بن المسيب والحسن البصري.

وفيه عن معمر عن قتادة في تفسير قوله تعالى : (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها)(١) قال : هي مشارق الشام ومغاربها.

وفيه عن معمر عن قتادة أيضا في قوله تعالى : (وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ)(٢) الصدق يعبر عنه الحسن استعارة ويجوز في قوله تعالى : (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ) أي في مقعد حسن وقد يكون المبوأ حسنا لما فيه من البركات الدينية والخيرات وذلك موجود وافر بالشام وبيت المقدس أو يكون حسنه لبركاته العاجلة بسعة الرزق والثمار والأشجار.

قال صاحب مثير الغرام أن معنى قوله تعالى : (مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا) تأويله جهات شرقها أرض الشام ، وجهات غربها أرض مصر.

واختلف المفسرون في الأرض المقدسة ، فقال مجاهد : الطور وما حوله.

وقال الضحاك : إيلياء والبيت المقدس.

وقال ابن عباس وعكرمة والسدي : أريحا.

وقال الكلبي : دمشق وفلسطين وبعض الأردن.

وقال قتادة : الشام كلها ، ومجموع هذه الأقوال لا يخرج الأرض المقدسة من الشام.

وأما تسميتها بالشام قال اللغويون : اسم بلاد تذكّر وتؤنث يقال لها :

شام وشامة وسميت شاما ، لأنها عن شمالي الكعبة كما سمي كل ما عن

__________________

(١) سورة الأعراف آية : (١٣٧).

(٢) سورة يونس آية : (٩٣).

٣٠٨

يمين الكعبة من بلاد الغور يمينا.

وقيل : سميت بذلك لأن أصحاب نوح عليه السلام لما خرجوا من السفينة فمنهم من أخذ نحو يمين الكعبة ومنهم من أخذ نحو يسارها ، فسمي الموضع بالجهة المأخوذ منها فقيل يمين وشام.

وقيل : سمي بذلك لجبال بيض هناك وسود وكأنها شامات.

وقيل : سميت باسم سام بن نوح ؛ لأنه أول من نزل بها فتطيرت العرب من سكناه بها ، وكرهت أن تقول سام ، لأنه اسم الموت ، فقالت شام لكثرة قراها وتداني بعضها من بعض فسميت بالشامات.

وقيل : لأن قوما في بني كنان بن حام خرجوا عند تفرقهم فتشاموا إليها أي أخذوا ذات الشمال فسميت بذلك شاما.

وأما حدودها فإنّ حدها من الغرب البحر المالح ، وعلى ساحله عدة مدائن ، ومن الجنوب رمل مصر والعريش ، ثم تيه بني إسرائيل ، وطور سينا ، ثم تبوك ثم دومة الجندل ، ومن الشرق برية السماوه وهي كبيرة ممتدة إلى العراق ينزلها عرب الشام ، ومن الشمال مما يلي الشرق أيضا الفرات إلى بلاد الجزيرة ، ومسافة طولها من العريش إلى فوق عشرون يوما أو أكثر.

وقال في كتاب المسالك والممالك : خمسة وعشرون يوما وعدة مسافة ما بين كل بلدين ، وأما عرضه فيزيد وينقص ، أكثره ثمانية أيام وأقله ثلاثة أيام وهذا التحديد ذكره مؤرخ الشام الحافظ شمس الدين الذهبي في كتاب البلدان له وحكاه صاحب مثير الغرام.

وروى صاحب كتاب الأنس بسنده إلى حاتم بن حبان البستي أنه قال أول الشام بالسر وآخره عريش مصر ذكره في آخر باب فضل الشام وأهله.

وقال في مثير الغرام : قسّم الأوائل الشام خمسة أقسام.

٣٠٩

الأول : فلسطين سميت بذلك لأن أول من نزلها فلسطين ـ بكسر الفاء وفتح اللام ـ ابن كوسجين بن معطي بن يونان بن يافث بن نوح ، وأول حدودها من طريق مصر رفح وهي العريش ، ثم يليها غزة ، ثم الرملة رملة فلسطين وفي مدن فلسطين إيلياء وهي بيت المقدس بينها وبين الرملة ثمانية عشر ميلا وكان بيت المقدس دار ملك داود وسليمان عليهما السلام وعسقلان ومدينة الخليل ـ صلى الله عليه وسلم ـ وسبطية ولد ونابلس.

وقال في كتاب المسالك والممالك في مسافة فلسطين للراكب طولا : يومان من رفح إلى حد اللجون ، وعرضا من نافلة إلى أرض ريحا كذلك.

الثاني : حوران ومدينتها العظمى طبرية وبحيرتها.

ذكر في حديث يأجوج ومأجوج ووقع في الشفا للقاضي عياض ـ رحمه الله ـ أن قال في وقت ولادته ـ صلى الله عليه وسلم ـ : وغاصت بحيرة طبرية وإنما هي بحيرة سارة ومن مدنها الغور واليرموك وبيسان فيما بين فلسطين والأردن بضم الهمزة وسكون الراء وضم الدال وتشديد النون هو النهر المعروف بالشريعة المذكورة في قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ)(١).

الثالث : الغوطة ولها ذكر في آثار عديدة ومدينتها دمشق بكسر الدال وفتح الميم وفي رواية ضعيفة كسر الميم قيل هي ذات العماد.

وقيل : كانت دار نوح عليه السلام ومن سواحلها طرابلس.

وفي كتاب الأربعين البلدانية للحافظ أبي القاسم علي بن هبة الله بن عساكر أن دمشق أم الشام وأكبر بلدانه وهي من الأرض المقدسة.

الرابع : حمص قيل لا تدخلها حية ولا عقرب.

وقال قتادة : نزلها خمسمائة صحابي ، ومن أعمالها مدينة سليم.

__________________

(١) سورة البقرة آية : (٢٤٩).

٣١٠

الخامس : قنسرين ومدينتها العظمى حلب ، ومن أعمالها مدينة سرمين وإنطاكية ويقال : إن بها حبيب النجار ، وذكرنا لكل قسم من هذه الأقسام بلدا ومعاملات ، وفي بعض الأجزاء اتفق العلماء على أن الشام أفضل البقاع بعد مكة والمدينة.

وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام ـ رحمه الله ـ في تأليفه ترغيب أهل الإسلام في سكنى الشام : وبعد فأحمد الله تعالى على أن حبّب إلينا الإيمان وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان وجعلنا من أهل الشام ، الذي بارك فيها للعالمين ، وأسكنه الأنبياء والمرسلين والأولياء المخلصين وحفّه بملائكته المقربين ، وجعله في كفالة رب العالمين وجعل أهله على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم إلى يوم الدين ، وجعله معقل المؤمنين وملجأ اللاجئين ، سيما دمشق الموصوفة في القرآن المبين أنها ذات قرار ومعين. كذا روي عن سيد المرسلين وجماعة من المفسرين وبها ينزل عيسى ابن مريم لإعزاز الدين ونصر الموحدين وقتل الكافرين وبغوطتها عند الملاحم فسطاط المسلمين ، ثم قال : قد قوى الله سبحانه حظ دمشق مما أجرى فيها من الأنهار وسلسلة من مياهها خلال المنازل والديار ، وأنبته بظاهرها من الحبوب والثمار والأنهار ، وجعلها موطنا لعباده الأخيار ، وساق إليهما صفوته من الأبرار. وما ذكره علماء السلف في تفسير كتابه العزيز المختار ، وما ورد من حث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على سكناها وما تكفل لها ولأهلها إلى غير ذلك من الأخبار والآثار فمنه ما :

رواه الحافظ ابن عساكر بسنده إلى أبي إدريس الخولاني عن عبد الله ابن حوالة الأزدي عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال : «ستجندوا لي أجنادا» وقال : «جند بالشام وجند بالعراق وجند باليمن» ، فقال الخولاني : خر لي يا رسول الله فقال : «عليكم بالشام فمن أبى فليلحق

٣١١

بيمنه وليسق من غدره فإن الله تكفل لي بالشام وأهله» فكان أبو إدريس إذا حدّث بهذا الحديث التفت إلى ابن عامر : من تكفل الله به فلا ضيعة عليه (١).

وروى صاحب كتاب الأنس بسنده إلى عبد الله بن حوالة الصحابي قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : «رأيت ليلة أسري بي عمودا أبيض كأنه لؤلؤة تحمله الملائكة فقلت ما تحملون؟ قالوا : عمود الإسلام. أمرنا ربنا أن نضعه بالشام ، وبينما أنا نائم رأيت عمود الكتاب اختلس من تحت وسادتي فظننت أن الله قد تجلى في الأرض فأتبعته بصري ، فإذا هو نور ساطع بين يدي حتى وضع بالشام» فقال ابن حوالة : يا رسول الله خر لي فقال : «عليك بالشام» (٢).

وبسنده إلى أبي الحسن بن شجاع الربعي إلى كعب أن رجلا قال له : أريد الخروج أبتغي فضل الله عز وجل قال : عليك بالشام فإن ما نقص من بركة الأرضين يزاد بالشام (٣).

وبسنده إلى كعب أيضا قال تخرب الدنيا قال : أو الأرض قبل الشام بأربعين عاما (٤).

وبسنده إلى ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : «مكة آية الشرف ، والمدينة معدن الدين ، والكوفة فسطاط الإسلام والبصرة فخر العابدين ، والشام موطن الأبرار ومصر عش إبليس

__________________

(١) ضعيف انظر تخريجه من طرقه رقم (٣١) جزء ابن عبد الهادي وتقدم أيضا في جزء الربعي رقم (٤ ، ٥).

(٢) الحديث من هذا الطريق ضعيف لا يصح ؛ فيه أكثر من علة وقد صح مقطعا من غير هذا الوجه وانظر جزء الربعي رقم (٢١) بإسناده ومتنه وانظر جزء ابن عبد الهادي رقم (٣١) وكذلك (٢ ، ٣ ، ٤ ، ٥) من جزء ابن عبد الهادي أيضا.

(٣) تقدم برقم (٨) جزء الربعي.

(٤) تقدم برقم (١٠) جزء الربعي

٣١٢

وكهفه ومستقره والزنا في الزّنج والصدق في النوبة والبحرين منزل مبارك والجزيرة معدن الفتك. وأهل اليمن أفئدتهم رقيقة ولا يبدؤهم الرزق ، والأئمة من قريش وسادات الناس بنو هاشم» (١).

وبسنده إلى ابن حوالة أيضا عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال : «ستكون أجنادا مجندة شام ويمن وعراق والله أعلم بأيها بدأ ألا وعليكم بالشام ألا وعليكم بالشام ألا وعليكم بالشام فمن كره فعليه بيمنه وليسق من غدره فإن الله قد تكفل لي بالشام وأهله» (٢).

وبسنده إلى واثلة بن الأسقع قال : سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول لحذيفة بن اليمان ومعاذ بن جبل وهما يستشيرانه في المنزل فأومأ إلى الشام ثم سألاه فأومأ إلى الشام قال : «عليكم بالشام فإنها صفوة بلاد الله يسكنها خيرته من عباده فمن أبى فليلحق بيمنه وليسق من غدره فإن الله قد تكفل لي بالشام وأهله» (٣).

وبسنده إلى جبير بن نفير عن عبد الله بن حوالة قال : كنا عند رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فشكونا إليه الفقر والعري وقلة الشيء فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : «أبشر فو الله لا أنا من كثرة الشي أخوف عليكم من قلته». الحديث ، وفيه : فقال ابن حوالة قلت : فاختر لي إن أدركني ذلك قال : «أختار لك الشام فإنها صفوة الله من بلاده وإليه يجبى صفوته من عباده ، يا أهل الشام عليكم بالشام فإن صفوة الله من الأرض الشام ، فمن أبى

__________________

(١) إسناده ضعيف جدا ومتنه منكر وتقدم تخريجه والحكم عليه رقم (٢٤) جزء الربعي.

(٢) تقدم في جزء الربعي برقم (٤ ، ٥). وليس فيه الشك بأيهما بدأ. أما بلفظ الشك فهو عند السمعاني برقم (٢).

(٣) ضعيف جدا أو موضوع ، قال الهيثمي في المجمع (١٠ / ٥٩) : رواه الطبراني بأسانيد كلها ضعيفة ، وقد سبق برقم (٣٣) جزء ابن عبد الهادي.

٣١٣

فليلحق بيمنه وليسق من غدره فإن الله قد تكفل لي بالشام وأهله» (١). ورواه صاحب ترغيب أهل الإسلام بلفظ آخر عن ابن حوالة قال : يا رسول الله اختر لي بلدا أكون فيها فلو أعلم أنك تبقى لي لم أختر على قربك شيئا قال : «عليك بالشام فلما رأى كراهتي للشام قال : أتدري ما يقول الله في الشام؟ إن الله يقول للشام أنت صفوتي من أرضي أدخل فيك خيرتي من عبادي ، إن الله قد تكفل لي بالشام وأهله» (٢).

وهذه شهادة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ باختيار الشام وتفضيلها وباصطفائه ساكنيها واختياره لقاطنيها وقد رأينا ذلك بالمشاهدة وأن من رأى صالحي أهل الشام ونسبتهم إلى غيرهم رأى بينهم من التفاوت ما يدل على اصطفائهم واجتبائهم.

وقال عطاء الخراساني لما هممت بالنقلة شاورت من بمكة والمدينة والكوفة والبصرة وخراسان من أهل الكتاب فقلت : أين ترون لي أن أنزل بعيالي؟ فكلهم يقولون عليك بالشام.

قال صاحب كتاب الأنس بسنده إلى ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رجل لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : إني أريد الغزو فقال له رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : «عليكم بالشام وأهله ثم الزم عسقلان فإنه إذا دارت الرحى في أمتي كان أهل عسقلان في راحة وعافية» (٣).

__________________

(١) أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق المخطوط (١ / ٣٢ ـ ٣٣) من طرق عن يحيى بن حمزة نا نصر بن علقمة عن جبير بن نفير عن عبد الله بن حوالة ـ به. وفيه اختلاف وزيادة ونقص في كل طريق عن الآخر وهي زيادات غير محفوظة في حديث ابن حوالة وانظر ما بعده وكذلك ما جاء قبل هذا بحديثين.

(٢) إسناده ضعيف وقد ضعفه الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ تقدم بإسناده ومتنه عند الربعي برقم (٢١) ، وانظر جزء ابن عبد الهادي رقم (١٣ ، ١١).

(٣) ذكره صاحب كنز العمال رقم (٣٥٠٧٨) وعزاه للدارقطني والديلمي وأخرجه ابن

٣١٤

وبسنده إلى أبي أمامة قال : " لا تقوم الساعة حتى يتحول خيار أهل العراق إلى الشام ويتحول شرار أهل الشام إلى أهل العراق وقال : رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : «عليكم بالشام قالها ثلاثا» (١).

وبسنده إلى عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر ، ثم انفتل فأقبل على القوم فقال : «اللهم بارك لنا في مدينتنا وبارك لنا في مدّنا أو صاعنا ، اللهم بارك لنا في حرمنا وبارك لنا في شامنا ويمننا» فقال رجل : والعراق يا رسول الله فقال : «من ثم يطلع قرن الشيطان وتهيج الفتن».

وذكره في مثير الغرام بأخصر منه ، ثم قال : أخرجه البخاري في صحيحه (٢).

روى صاحب كتاب الأنس بزيادة لفظ بعد قوله شامنا" اللهم اجعل مع البركة بركة" (٣).

وبسنده إلى أبي مسلم في قوله عز وجل (ادْخُلُوا الْأَرْضَ

__________________

عساكر في تاريخ دمشق (١ / ٤٤) المخطوط من طرق مدارها على : ابن سليمان عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس ـ به وأبو سليمان هو محمد بن أبي السري في بعض الطرق وهو كثير الغلط وقال الذهبي في الميزان : لمحمد هذا أحاديث تستنكر وقال مسلمة بن قاسم : كثير الوهم وكذلك ابن حجر قال : له أوهام كثيرة. وفيه تدليس ابن أبي نجيح.

(١) إسناده ضعيف أخرجه أحمد (٥ / ٢٤٩) وفيه لقيط بن المثنى ولم يوثقه أحد وقال ابن حبان في الثقات (٥ / ٣٤٤) : يخطئ ويخالف.

(٢) أخرجه البخاري (١٠٣٧ ، ٧٠٩٤) ، وقد تقدم في جزء الربعي رقم (٢٠) وجزء ابن عبد الهادي برقم (١).

(٣) تقدم عند الحديث رقم (٢٠) جزء الربعي أن هذه الزيادة غير ثابتة في حديث ابن عمر ، وإنما هي من حديث أبي سعيد عند مسلم (١٣٧٤ / ٤٧٥) بلفظ : " بركتين".

٣١٥

الْمُقَدَّسَةَ)(١). قال : كان ستة رجال يحملون عنقود وأربعة رجال يحملون رمانة ورجلان تينة.

وبسنده إلى أبي الحسن بن شجاع الربعي عن كعب قال : إن الله تعالى بارك في الشام من العريش إلى الفرات (٢).

وروى صاحب كتاب الأنس بسنده إلى حكيم بن حزام عن معاوية عن أبيه قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : «تحشرون ها هنا وأومأ بيده إلى الشام مشاة وركبانا وعلى وجوهكم وتعرضون على الله وعلى أفواهكم الختام فأول ما يعرب عن أحدكم فخذه» ، وتلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ)(٣)(٤).

وبسنده إلى أبي الحسن قال : " الشام أرض المحشر والمنشر" (٥).

عن الوليد بن صالح الأزدي قال : في الكتاب الأول إن الله عز وجل يقول للشام : أنت الأندر ومنك المنشر ، وإليك المحشر (٦).

وعن يحيى بن أيوب عن زيد بن ثابت بينا نحن عند رسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ نؤلف القرآن من الرقاع ، إذ قال : «طوبى للشام» قيل : ولم يا

__________________

(١) سورة المائدة آية : (٢١).

(٢) تقدم في جزء الربعي برقم (١٩).

(٣) تقدم عند الربعي برقم (٢٥ ـ ٢٧) ، ورقم (٥) جزء السمعاني ، ورقم (٣٢) جزء ابن عبد الهادي ولكن من طريق بهز بن حكيم عن أبيه عن جده ، فلعل المقصود هنا (حكيم ابن معاوية عن أبيه) فهذا المحفوظ ويكون ما وقع هنا سبق قلم من الناسخ وإلا فهذه نكارة في السند.

(٤) سورة فصلت آية : (٢٢).

(٥) ورد عند الربعي رقم (١٣) من مسند أبي ذر وسنده ضعيف جدا.

(٦) تقدم عند الربعي برقم (٧).

٣١٦

رسول الله قال : «ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليها» (١).

وروى صاحب كتاب الأنس بسنده إلى واثلة بن الأسقع قال : " إن الملائكة تغشى مدينتكم هذه يعني دمشق ليلة الجمعة فإذا كانت بكرة النهار فافترقوا على أبوابها براياتهم وبنورهم ثم ارتفعوا وهم يدعون الله اللهم اشف مريضهم ورد غائبهم" (٢).

وعن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : «الخير عشرة أعشار تسعة في الشام وواحدة في سائر البلدان ، وإذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم» (٣).

وروى الطبراني في معجمه الكبير عن عبد الله بن مسعود موقوفا عليه قال : قسّم الله الخير عشرا عشرا فجعل تسعة أعشار بالشام وبقيته في سائر الأرض وقسم الشّر عشرة أعشار فجعل جزءا منه بالشام وبقيته في سائر الأرض (٤).

وروى صاحب كتاب الأنس بسنده إلى عبد الله بن عمر أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : «دخل إبليس العراق فقضى حاجته منها ثم دخل الشام

__________________

(١) تقدم برقم (٣ ، ١٢ ، ١٧) جزء الربعي ، (٢٩) جزء ابن عبد الهادي من طرق فراجعه.

(٢) أخرجه ابن عساكر من طريق أحمد بن عمير بن جوصاء يرويه عن يزيد بن محمد بن عبد الصمد عن سليمان بن عبد الرحمن عن معروف عن واثلة به موقوفا عليه. وأحمد ابن عمير قال الدارقطني : لم يكن بالقوي انظر الميزان (١ / ١٢٥).

ومعروف هو ابن عبد الله قال أبو حاتم : ليس بالقوي وقال ابن عدي : له أحاديث منكرة جدا.

(٣) سبق برقم (٧) جزء السمعاني من حديث عبد الله بن عمرو بإسناد ضعيف ، وعند الربعي برقم (٦) ، وابن عبد الهادي برقم (٢٨) من حديث ابن مسعود بسند ضعيف أيضا.

(٤) تقدم في جزء الربعي رقم (٦ ، ١٤) وكذلك جزء ابن عبد الهادي (٢٨).

٣١٧

فطردوه حتى بلغ ميسان ثم دخل مصر فباض وفرخ وبسط عبقريه» (١). قال ابن وهب : أحد رواته كان ذلك في فتنة عثمان ـ رضي الله عنه ـ لأنهم افتتنوا فيه وسلم أهل الشام.

وروى صاحب كتاب الأنس بسنده إلى أبي الدرداء ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : «أهل الشام وأزواجهم وذراريهم وعبيدهم وإماؤهم إلى منتهى الجزيرة مرابطون في سبيل الله تعالى فمن اختار منها مدينة من المدائن فهو في رباط ومن اختار فيها ثغرا من الثغور فهو في جهاد» (٢).

وبسنده إلى معاوية بن قرة عن أبيه عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال : «إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم ولا تزال طائفة من أمتي منصورين على الناس لا يضرهم من خذلهم إلى يوم القيامة» (٣).

وبسنده إلى خريم بن فاتك الأسدي الضحاك أنه سمع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : يقول : «أهل الشام سوط الله في أرضه ينتقم بهم ممن يشاء من عباده» (٤).

وفي لفظ من رواية كعب أنه قال : «أهل الشام سيف من سيوف الله ينتقم بهم ممن عصاه في أرضه» (٥).

وعن [عوف](٦) بن عبد الله بن عتبة قال : قرأت فيما نزل على بعض

__________________

(١) تقدم برقم (١٠) جزء السمعاني ، (١٦) جزء ابن عبد الهادي وبينا أنه موضوع.

(٢) تقدم في جزء الربعي رقم (١٨) وإسناده فيه راو لم يسم.

(٣) تقدم تخريجه في جزء ابن عبد الهادي رقم (٩).

(٤) أخرجه أحمد والطبراني وغيرهما ، ورجح المنذري الوقوف ، وتقدم برقم (١٦) جزء السمعاني ورقم (٨) جزء ابن عبد الهادي وهو صحيح موقوفا ولا يصح مرفوعا.

(٥) تقدم في جزء الربعي رقم (٢٦).

(٦) كذا بالأصل وهو تصحيف صوابه (عون) وانظر التخريج.

٣١٨

الأنبياء : الشام كنانتي فإذا غضبت على قوم رميتهم منها بسهم (١).

وروى صاحب كتاب الأنس بسنده إلى شهر بن حوشب قال : لما فتح معاوية بن أبي سفيان مصر جعل أهل مصر يسبون أهل الشام فقال عوف : ـ ـ وأخرج وجهه من برنسه ـ يا أهل مصر أنا عوف بن مالك لا تسبوا أهل الشام فإني سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : «فيهم الأبدال وبهم ترزقون وبهم تنصرون» (٢).

وبسنده إلى الزهري عن عبد الله بن صفوان قال : قال رجل : يوم صفين اللهم العن أهل الشام فقال علي ـ رضي الله عنه ـ : لا تسبوا أهل الشام جمّا غفيرا فإن بها الأبدال (٣).

وبسنده إلى عياش بن عباس القتباني أن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ قال : الأبدال من الشام والنجباء من أهل مصر ، والأخيار من العراق.

وفي مثير الغرام عن شريح بن عبيد قال : ذكر أهل الشام عند علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ فقال : العنهم يا أمير المؤمنين فقال : لا إني سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : «الأبدال بالشام وهم أربعون كلّما مات رجل أبدل الله مكانه رجلا يستسقى بهم الغيث ، وينتصر بهم على الأعداء ، ويصرف عن الشام بهم العذاب» (٤).

__________________

(١) تقدم عند الربعي رقم (١).

(٢) ضعيف أخرجه الطبراني وغيره ، وضعفه الشيخ الألباني رحمه الله في الضعيفة (٩٣٦) ، وقد تقدم عند السمعاني رقم (٢٠).

(٣) إسناده ضعيف : فيه محمد بن كثير وقد ضعفوه ، وتقدم برقم (٢٣) جزء السمعاني و (١٤) جزء ابن عبد الهادي كذا موقوفا ويأتي بعده مرفوعا.

(٤) إسناده منقطع : شريح لم يسمع من علي ، وقد تقدم برقم (٢١) السمعاني ورقم (١٤ ، ١٥) ابن عبد الهادي.

٣١٩

رواه أحمد في مسنده.

وروى أبو الأسعد هبة الرحمن بن هوازن بسنده إلى أنس عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : «بدلاء أمتي اثنان وعشرون بالشام وثمانية عشر بالعراق ، كلما مات واحد أبدل الله مكانه آخر إذا جاء الأمر قبضوا» (١).

وأما مواطنهم فإنهم لا يبرحون في الغالب عنه.

وقال الفضيل بن فضالة : الأبدال بالشام خمسة وعشرون رجلا بحمص وثلاثة عشر بدمشق ورجلان ببيسان.

وقال الحسن بن يحيى سبعة عشر بدمشق وأربعة ببيسان ، وبالشام مواطن أكثر الأنبياء ومواضع العباد والزهاد وبها الأبدال وسكناهم بجبل اللكان ويقال اللكام ، وبجبل (٢) لبنان.

وأما كونها عقر دار المؤمنين :

فقد روى جبير بن نفير عن النواس بن سمعان فقال : فتح على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فتح فقالوا : يا رسول الله سبيت الخيل ووضع السلاح وضعت الحرب أوزارها وقالوا : لا قتال. فقال : «كذبوا الآن جاء القتال ، لا يزال أمر الله عز وجل يزيغ قلوب قوم فيرزقهم منه حتى يأتي أمر الله على ذلك» (٣).

__________________

(١) ذكره العجلوني في كشف الخفا تحت رقم ٣٥ (١ / ٢٤) وعزاه للخلال وهو عنده في كتاب كرامات الأولياء رقم (١ ، ٢) بإسناد فيه العلاء بن زيد المعروف بابن زيدل وقال علي بن المديني : كان يضع الحديث وقال ابن حبان في المجروحين (٢ / ١٨٠) : روى عن أنس نسخة موضوعة لا يحل ذكره إلا تعجبا. وقال أبو حاتم وأبو داود وابن عدي والعقيلي : متروك منكر الحديث.

(٢) تقدم في جزء الربعي رقم (٧٩).

(٣) أخرجه الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق المخطوط (١ / ٥٣ ـ ٥٤) من طريق داود بن رشيد عن الوليد بن مسلم عن محمد بن مهاجر عن الوليد بن عبد الرحمن الجرشي عن

٣٢٠