تبصرة المتعلّمين في أحكام الدين

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تبصرة المتعلّمين في أحكام الدين

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي
الموضوع : الفقه
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٠٧

ويستحب أن يقتصد في المسير ، ويدعو عند الكثيب الأحمر ، ويؤخر العشاءين حتى يصليهما فيه ولو صار ربع الليل ، ويجمع بينهما بأذان وإقامتين.

وتجب فيه النية ، والكون فيه بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس ، ولو فاته لضرورة فإلى الزوال ، ولو أفاض قبل الفجر عالما عامدا كفّر بشاة وصح حجه ان وقف بعرفة. ويجوز للمرأة والخائف الإفاضة قبله.

وحد المشعر : بين المأزمين إلى الحياض إلى وادي محسر.

وهذا الوقوف ركن ، من تركه ليلا ونهارا عمدا بطل حجه ، ولو كان ناسيا وأدرك عرفات صح حجه.

مسائل

(الأولى) وقت الوقوف الاختياري بعرفة من زوال الشمس يوم عرفة الى غروبها ، والاضطراري الى الفجر.

ووقت الوقوف الاختياري بالمشعر من طلوع الفجر يوم النحر الى طلوع الشمس ، والاضطراري إلى الزوال.

فإن أدرك أحد الموقفين اختيارا وفاته الآخر لضرورة صح حجه ، وان أدرك الاضطراريين معا فاته الحج على قول ، أما لو أدرك أحدهما فإنه يبطل حجه إجماعا (١).

(الثانية) من فاته الحج سقطت عنه أفعاله ، ويحل بعمرة مفردة ، ويقضى الحج في القابل مع الوجوب.

__________________

(١) صور ادراك الموقفين أو أحدهما ثمانية ، أربعة منها مفردة ، وهي : اختياري عرفة فقط ، أو اضطرار بها كذلك ، ومثلهما في المشعر ، فهذه أربعة. وأربعة مركبة : الاختياريان ، والاضطراريان ، واختياري عرفة مع اضطراري المشعر ، والعكس. وبضم صورتين من إدراك ليلة النحر في المشعر مفردة أو بضميمة واحد من اختياري عرفة أو اضطراريها تكون الصور احدى عشر : خمس منها مفردة ، وست مركبة ، يصح منها : الاختياريان بالضرورة ، واختياري أحدهما مع اضطراري الآخر بالإجماع والسنة ، واضطراريهما معا على الأقوى ـ عند جماعة ، وليلة النحر في المشعر مع اختياري عرفة ـ ، ومع اضطراري عرفة ايضا على الأصح ـ عند جماعة. ومن المفردة : اختياري عرفة خاصة ، أو المشعر كذلك ، دون اضطراري عرفة وحده أو ليلة النحر في المشعر فقط. وتبقى صورة واحدة معروفة بالإشكال وهي : ادراك اضطراري المشعر فقط اى الوقوف به بعد طلوع الشمس يوم النحر ، فقد اختلفت فيها الاخبار وتوافرت عدة منها على البطلان : كصحيحة الحلبي ، وصحيحة حريز ، وغيرهما. هذا كله في غير الترك العمدي ، واما معه فالأكثر على البطلان إلا في مدرك اختياري عرفة وليلة النحر في المشعر قبل الفجر.

٨١

(الثالثة) يستحب الوقوف بعد الصلاة والدعاء ، ووطأ المشعر بالرجل للضرورة ، والصعود على قزح ، وذكر الله عليه.

(الرابعة) يستحب التقاط حصى الرمي منه ، ويجوز من أي جهات الحرم كان ، عدي المساجد.

الفصل الرابع ـ في نزول منى

ويجب يوم النحر بمنى ثلاثة :

أحدها : رمي جمرة العقبة بسبع حصيات ملتقطة من الحرم أبكارا ، مع النية ، واصابة الجمرة بفعله بما يسمى رميا.

ويستحب أن تكون رخوة برشا (١) قدر الأنملة ، ملتقطة ، لا مكسرة ولا صلبة ، والدعاء عند كل حصاة ، والطهارة ، والتباعد بمقدار عشرة أذرع إلى خمسة عشر ذراعا ، والرمي خذفا (٢) وأن يستقبل هذه الجمرة ويستدبر القبلة ، وفي غيرها يستقبلها. ويجوز الرمي عن العليل.

الثاني : الذبح ، ويجب بعد الرمي الذبح مرتبا ، وهو الهدي ، على المتمتع خاصة ، في الفرض والنفل ، وللمولى إلزام المملوك بالصوم أو أن يهدي عنه ، فان عتق قبل أحد الموقفين لزمه الهدي مع القدرة ، والاصام.

وتجب فيه النية ، وذبحه بمنى يوم النحر ، وعدم المشاركة في الواجب ، وأن يكون من النعم ثنيا (٣) قد دخل في السادسة ان كان من البدن ، وفي الثانية ان كان من البقر والغنم ، ويجزي من الضأن الجزع لسنة ، تاما (٤) غير مهزول بحيث لا يكون على كليتيهما شحم.

ويستحب أن تكون سمينة قد عرّف بها (٥) ، اناثا من الإبل والبقر ، وذكرانا من الضأن والمعز ، والدعاء عند الذبح ، وأن يأكل ثلثه ويهدي ثلثه ويطعم القانع والمعتر ثلثه.

__________________

(١) اى منقطة بسواد.

(٢) الخذف بالخاء : رمى الحصى بأن توضع على الإبهام وتدفع بظفر السبابة.

(٣) «فلا يجزى من الإبل إلا الثني ، وهو الذي له خمس ودخل في السادسة ، ومن البقر والمعز ما له سنة ودخل في الثانية ، ويجزئ من الضأن الجذع اى لستة أشهر» (شرائع الإسلام).

(٤) أي صحيحا ، فلا تجزى العوراء والعرجاء والكبيرة التي لا مخ لها ، ولا مكسورة القرن من الداخل ، ولا الخصى. ولا المريضة.

(٥) «هي التي أحضرت عرفة عشية عرفة» (تذكرة الفقهاء).

٨٢

ولو فقد الهدي ووجد ثمنه خلفه عند من يشتريه ويذبحه طول ذي الحجة ، ولو فقده صام ثلاثة أيام متتابعة في الحج وسبعة إذا رجع ، ويجوز تقديم الثلاثة من أول ذي الحجة ولا يجوز تقديمها عليه ، فان خرج ولم يصمها تعين الهدي في القابل بمنى.

وأما هدي القران : فيجب ذبحه أو نحره بمنى ان قرن بالحج ، وبمكة ان قرن بالعمرة.

ويجوز ركوب الهدي وشرب لبنه ما لم يضر به وبولده ، وإذا هلك هدى القران لم يلزمه بدله الا أن يكون مضمونا ، ولا يتعين للصدقة إلا بالنذر ، ولا يعطى الجزار من الهدي الواجب.

وأما الأضحية : فمستحبة يوم النحر ، وثلاثة بعده بمنى ، ويومان في غيرها ، ويجزي هدي التمتع عنها ، فلو فقدها تصدق بثمنها. ويكره التضحية بما يربيه ، وإعطاء الجزار الجلود (١).

الثالث : الحلق ، ويجب يوم النحر بعد الذبح الحلق أو التقصير بمنى ، والحلق أفضل ، ويتأكد للصرورة والملبد. ويتعين في المرأة التقصير.

ولو رحل قبل الحلق أو التقصير رجع وفعل أحدهما ، فإن تعذر حلق أو قصر اين كان ـ وجوبا ـ وبعث شعره إلى منى ليدفن بها استحبابا. ومن ليس على رأسه شعر يمر الموسى عليه.

ولا يزور البيت قبل التقصير ، فان طاف قبله عمدا كفر بشاة ، ولا شي‌ء على الناسي ، ويعيد طوافه.

فإذا حلق أو قصر أحل مما عدا الطيب والنساء ، فإذا طاف طواف الزيارة حل الطيب ، ويحل النساء بطوافهن.

الفصل الخامس ـ في بقية المناسك

فإذا تحلل بمنى مضى ـ ليومه أو غده ان كان متمتعا ، ويجوز للقارن والمفرد طول ذي الحجة ـ إلى مكة لطواف الحج ، ويصلي ركعتيه ، ثم يسعى للحج ، ثم يطوف للنساء ، كل ذلك سبعا ، ثم يصلي ركعتيه ، وصفة ذلك كما قلنا في أفعال العمرة ، وطواف النساء واجب على كل حاج.

فإذا فرغ من هذه المناسك رجع الى منى وبات بها ليلتي الحادي عشر والثاني عشر

__________________

(١) على وجه الأجرة.

٨٣

من ذي الحجة واجبا ، ويرمى في اليومين الجمار الثلاث ، كل جمرة في كل يوم ، بسبع حصيات ، يبدأ بالجمرة الاولى ويرميها عن يسارها مكبرا (١) داعيا ، ثم الثانية كذلك ، ثم الثالثة ، ولو نكس أعاد على ما يحصل معه الترتيب.

ووقت الرمي : ما بين طلوع الشمس الى غروبها.

ولا يجوز الرمي ليلا الا للمعذور كالخائف والرعاة والعبيد ، فإن أقام اليوم الثالث رماها أيضا والا دفن حصاه بمنى ، ولو بات الليلتين بغير منى وجب عليه عن كل ليلة شاة ، الا أن يبيت بمكة مشتغلا بالعبادة. ويجوز أن يخرج بعد نصف الليل.

ويجوز النفر الأول لمن اتقى [الصيد والنساء] إذا لم تغرب الشمس في الثاني عشر بمنى ، ولا يجوز لغيره ، فان نفر كان عليه شاة ، والنافر في الأول يخرج بعد الزوال ، وفي الثاني يجوز قبله.

ولو نسي رمي يوم قضاه من الغد مقدما ، ولو نسي جمرة وجهل عينها رمى الثلاث ، ولو نسي الرمي حتى دخل مكة رجع ورمى ، فان تعذر مضى ورمى في القابل أو استناب مستحبا.

ويستحب الإقامة بمنى أيام التشريق.

فإذا فرغ من هذه المناسك تم حجه ، واستحب له العود إلى مكة لطواف الوداع ودخول الكعبة خصوصا للصرورة ، والصلاة في زواياها ، وبين الأسطوانتين ، وعلى الرخامة الحمراء ، ودخول مسجد الحصبة (٢) والصلاة فيه ، والاستلقاء على قفاه ، وكذلك مسجد الخيف ، ويخرج من المسجد من باب الحناطين ، ويسجد عند باب المسجد ويدعو ، ويشتري بدرهم تمرا يتصدق به.

ويكره أن يجاور بمكة ، ويستحب بالمدينة.

والحائض تودع من باب المسجد.

__________________

(١) «صورته : الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، والله أكبر على ما هدانا ، والحمد لله على ما أولانا ورزقنا من بهيمة الأنعام» (شرائع الإسلام).

(٢) حكى الشيخ كاشف الغطاء عن (التحرير) للعلامة «ره» انه قال : «ولا اثر له اليوم ، وانما المستحب النزول بالمحصب والاستراحة فيه ، وحده من الأبطح : ما بين الجبلين إلى المقبرة» ثم قال (قده) : «أقول : وهو أول منزل للحاج عند خروجهم من مكة بهذه الأوقات ، ويسمى بالأبطح» كما في تعليقته على التبصرة.

٨٤

ثم يأتي المدينة لزيارة النبي عليه‌السلام استحبابا مؤكدا ، وزيارة فاطمة عليها‌السلام من الروضة ، وزيارة الأئمة عليهم‌السلام بالبقيع ، وزيارة الشهداء خصوصا حمزة بأحد ، والاعتكاف ثلاثة أيام بها.

الباب التاسع

(في العمرة)

وهي فريضة مثل الحج بشرائطه وأسبابه.

وأفعالها : النية ، والإحرام ، والطواف ، وركعتاه ، والسعي ، وطواف النساء ، وركعتاه ، والتقصير أو الحلق.

وليس في المتمتع بها طواف النساء.

ويجوز المفردة في جميع أيام السنة ، وأفضلها رجب ، والقارن والمفرد يأتي بها بعد الحج ، والمتمتع بها يجزي عنها.

ولو اعتمر في أشهر الحج جاز أن ينقلها الى التمتع ، ويجوز في كل شهر ، وأقله في كل عشرة أيام ، ولا حد لها عند السيد المرتضى [قده].

الباب العاشر

(في المحصور والمصدود)

المصدود : الممنوع بالعدو ، فان تلبس بالإحرام نحر هديه وأحل من كل شي‌ء أحرم منه. وانما يتحقق الصد بالمنع عن مكة أو عن الموقفين (١) ولا يسقط الواجب ، ويسقط المندوب. ولا يصح التحلل إلا بالهدي ونية التحلل ، ويجزي هدي السياق عنه ، والمعتمر المصدود كالحاج.

والمحصر : هو الممنوع بالمرض ، فيبعث هديه ان لم يكن قد ساق ، والا اقتصر على هدي السياق ، فإذا بلغ محله ـ وهو منى ان كان حاجا ، ومكة ان كان معتمرا ـ قصر ، وأحل الأمن النساء حتى يحج في القابل ان كان واجبا ، أو يطاف طواف النساء عنه ان كان ندبا ، ولو زال الحصر التحق ، فإن أدرك أحد الموقفين صح حجه ، والا فلا.

__________________

(١) عرفات والمشعر الحرام : المزدلفة.

٨٥
٨٦

كتاب الجهاد

وفيه فصول :

الفصل الأول ـ فيمن يجب عليه

وهو فرض على الكفاية بشروط تسعة : البلوغ ، والعقل ، والحرية ، والذكورة ، وأن لا يكون هما (١) ، ولا مقعدا ، ولا أعمى ، ولا مريضا يعجز عنه ، ودعاء الإمام أو من نصبه اليه.

ولا يجوز مع الجائر الا أن يدهم المسلمين عدو يخشى عليه منه فيدفعه ولا يقصد معونة الجائر ، والعاجز يجب أن يستنيب مع القدرة (٢) ، ويجوز لغير العاجز.

ويستحب المرابطة ثلاثة أيام إلى أربعين فإن زادت كانت جهادا ، ويجب بالنذر [وشبهه] (٣).

__________________

(١) الهم بكسر الهاء : الشيخ الفاني العاجز عن المعونة في الدفاع والجهاد بجميع أنواعها.

(٢) على الاستنابة فيستنيب حينئذ من لم يجب عليه من ذمي أو معاهد ، أو مسلم ليس من أهل البلد ، أو من لا مؤنة له منهم. وهذا مع عدم وجود من به الكفاية للدفاع.

(٣) جاء في (تذكرة الفقهاء) : «قال سلمان : سمعت رسول الله يقول رباط ليلة في سبيل الله خير من صيام شهر وقيام» وتستحب المرابطة بنفسه وغلامه وفرسه. ولو عجز عن المرابطة بنفسه ، رابط فرسه أو غلامه أو جاريته ، أو أعان المرابطين. ويستحب الحرس في سبيل الله ، قال ابن عباس : سمعت رسول الله يقول : «عينان لا تمسهما النار : عين بكت من خشية الله ، وعين باتت تحرس في سبيل الله».

٨٧

الفصل الثاني ـ فيمن يجب جهادهم

وهم ثلاثة أصناف :

الأول : اليهود والنصارى والمجوس ، وهؤلاء يقتلون الى أن يسلموا أو يلتزموا شرائط الذمة ، وهي : قبول الجزية ، وأن لا يؤذوا المسلمين ، وأن لا يتظاهروا بالمحرمات كشرب الخمر ، وأن لا يحدثوا كنيسة ولا يضربوا ناقوسا ، وأن يجرى عليهم أحكام المسلمين.

فان التزموا بهذه كف عنهم ، ولأحد للجزية بل بحسب ما يراه الامام ، ولا تؤخذ من الصبيان ، والمجانين والبله والنساء ، ويجوز وضعها على رؤوسهم وأراضيهم ، ولو أسلموا سقطت ، ولو مات الذميّ بعد الحول أخذت من تركته ويجوز أخذها من ثمن المحرمات.

ومستحقها المجاهدون. وليس لهم استيناف بيعة ولا كنيسة في دار الإسلام ، ويجوز تجديدهما ، ولا يجوز أن يعلو الذمي على بناء المسلمين ، ويقر ما ابتاعه من مسلم على حاله ، ولا يجوز أن يدخلوا المساجد.

الثاني : من عدا هؤلاء من الكفار يجب جهاده ولا يقبل منه الا الإسلام ، ويبدأ بقتال الأقرب والأشد خطرا. وانما يحاربون بعد الدعاء من الامام أو من نصبه إلى الإسلام فإن امتنعوا أحل قتالهم ، ويجوز المهادنة مع المصلحة بإذن الامام ، ويمضي ذمام آحاد المسلمين ـ وان كان عبدا ـ لآحاد المشركين ، ويرد من دخل بشبهة الأمان إلى مأمنه ثم يقاتل ، ولا يجوز الفرار إذا كان العدو على الضعف من المسلمين الا لمتحرف لقتال أو متحيز الى فئة ، ويجوز المحاربة بسائر أنواع الحرب إلا إلقاء السم في بلادهم. ولو تترسوا بالصغار والنساء أو المسلمين ولم يمكن الفتح الا بقتلهم جاز ، ولا يقتل النساء ـ وان عاون ـ الا مع الضرورة. ومن أسلم في دار الحرب حقن دمه وولده الصغار من السبي وماله من الأخذ مما ينقل ويحول ، وأما الأرضون فمن الغنائم. ولو أسلم العبد قبل مولاه وخرج ملك نفسه.

الثالث : البغاة ، وهم كل من خرج على امام عادل (١) ، ويجب قتاله مع دعاء الإمام أو من نصبه ، على الكفاية ، الا أن يرجعوا ، وهم قسمان : من له فئة ، فيجهز على جريحهم ويتبع مدبرهم ويقتل أسيرهم. ومن لا فئة له ، فلا يجهز على جريحهم ولا يتبع مدبرهم ولا يقتل أسيرهم ، ولا يحل سبي ذراري الفريقين ولا نسائهم ولا أموالهم.

__________________

(١) أي معصوم.

٨٨

الفصل الثالث ـ في قسمة الغنائم

جميع ما يغنم من بلاد الشرك يخرج منه ما شرطه الإمام كالجعائل والرضخ (١) والأجر وما يصطفيه ، ثم يخمس الباقي ، وأربعة الأخماس الباقية ان كان مما ينقل ويحول فللمقاتلة ومن حضر القتال وان لم يقاتل خاصة ، للراجل سهم وللفارس سهمان ، ولذي الأفراس ثلاثة ، ومن ولد بعد الحيازة قبل القسمة أسهم له ، وكذا من يلحقهم للمعونة ، ولا يفضل أحد على غيره لشرفه أو شدة بلائه ، ويقسم ما يغنم في المراكب هذه القسمة ، ولا يسهم لغير الخيل ، والاعتبار بكونه فارسا عند الحيازة لا بدخول المعركة ، ولا نصيب للأعراب (٢) وان جاهدوا.

والأسارى من الإناث والأطفال يملكون بالسبي. والذكور البالغون : إن أخذوا قبل أن تضع الحرب أوزارها وجب قتلهم ما لم يسلموا ، ويتخير الامام بين ضرب أعناقهم وقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ويتركهم حتى ينزفوا ويموتوا ، وان أخذوا بعد انقضاء الحرب لم يجز قتلهم ، ويتخير الامام بين المن والفداء والاسترقاق.

وأما الأرضون : فما كان حيا فللمسلمين كافة لا يختص بها الغانمون ، والنظر فيها الى الامام ، ولا يصح بيعها ولا وقفها ولا هبتها ولا ملكها على الخصوص ، بل يصرف الامام حاصلها في المصالح. والموات وقت الفتح للإمام ، لا يتصرف فيها إلا بإذنه. هذا حكم الأرض المغنومة (٣) وأما أرض الصلح : فلا ربابها ، ولو باعها المالك انتقل ما عليها من الجزية إلى رقبته ، ولو أسلم سقط ما على أرضه أيضا (٤) ، ولو شرطت الأرض للمسلمين كانت كالمغنومة (٥).

وأما أرض من أسلم عليها أهلها طوعا فلا ربابها ، وليس عليهم سوى الزكاة مع الشرائط. وكل أرض ترك أهلها عمارتها فالإمام يقبلها ويدفع طسقها (٦) من المتقبل الى

__________________

(١) الرضخ : القليل من العطية لمن لا قسمة له من الكفار والعبيد والنساء.

(٢) فقد وردت عدة روايات معتبرة تفيد أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صالح الاعراب على أن يدعهم في ديارهم ، وإذا دهمه العدو يقاتل بهم ، وليس لهم في الغنيمة نصيب. ومرجع الأمر فيها نظر الامام المعصوم عليه‌السلام.

(٣) في سائر النسخ : المفتوحة عنوة.

(٤) في سائر النسخ اضافة : وملكها على الخصوص.

(٥) في سائر النسخ : كالمفتوحة.

(٦) الطسق : الضريبة.

٨٩

أربابها ، وكل من أحيى أرضا مواتا بإذن الإمام فهو أحق بها ، ولو كان لها مالك كان عليه طسقها له ، والا فللإمام ، ومع غيبته فهو أحق ، ومع ظهوره له رفع يده.

وشرط التملك بالإحياء : أن لا يكون في يد مسلم ، ولا حريما لعامر ، ولا مشعرا لعبادة ، ولا مقطعا (١) ، ومحجرا.

والأحياء بالعادة ، والتحجير لا يفيد التمليك بل الأولوية.

الفصل الرابع ـ في الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر

وهما يجبان عقلا على الكفاية (٢) بشروط أربعة : أن يعلم المعروف والمنكر ، وأن يجوز تأثير الإنكار (٣) ، وأن لا يظهر أمارة الإقلاع ، وانتفاء المفسدة (٤).

والمعروف قسمان : واجب وندب ، فالأمر بالواجب واجب ، والمندوب مندوب.

وأما المنكر فكله قبيح فالنهي عنه واجب.

وينكر أولا بالقلب ، ثم باللسان ، ثم باليد. ولو افتقر الى الجراح لم يفعله إلا بإذن الامام.

والحدود لا يقيمها إلا بأمره.

ويجوز للرجل اقامة الحد على عبده وولده وزوجته (٥) إذا أمن الضرر.

وللفقهاء إقامتها حال الغيبة مع الا من ، ويجب على الناس مساعدتهم. ولهم الفتوى والحكم بين الناس مع الشرائط المبيحة للفتيا ، ولا يجوز الحكم بمذهب أهل الخلاف ، فإن

__________________

(١) أي بشرط ان لا تكون الأرض مما أقطعه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو الإمام عليه‌السلام لأحد المسلمين أو غيرهم ، وان لم يحيه بعد ، فإن الأحياء بالعادة ، الا ان يهمل ، فيلزمه الحاكم بالإحياء أو يرفع يده عن الأرض.

(٢) في حفظ كلية الشرائع وصون النواميس ، ولولاهما لما قامت شريعة ولا استقامت ملة.

(٣) لم يلتزم بعضهم بهذا الشرط وقال : الحق ان نفس الإنكار مطلوب لصاحب الشريعة ، وهو عبادة في ذاته سواء أثر في المنكر عليه أم لا. فهو على التحقيق من الثمرات لا الشروط كما في تعليقة كاشف الغطاء على التبصرة.

(٤) ان كانت المفسدة في الدين أو الدنيا نوعا أو شخصا ضررا معتدا به لا مطلقا ـ كما في تعليقة كاشف الغطاء على التبصرة.

(٥) اشترط الفقهاء في هذا ان يكون الرجل فقيها جامعا للشرائط ، والا فلا يجوز له الا تعزيرهم بما لا ـ يبلغ الحد والجرح تأديبا ـ كما يجوز ذلك للمعلم ايضا.

٩٠

اضطر عمل بالتقية ما لم يكن قتلا.

ويجوز الولاية من قبل العادل ، ولو ألزمه وجبت ، ويحرم من الجائر ما لم يعلم تمكنه من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، ولو اكره بدونه جاز ، ويجتهد في إنفاذ الحكم بالحق.

٩١
٩٢

كتاب المتاجر

وفيه فصول :

[الفصل] الأول ـ التجارة

قد تجب إذا لم يكن للإنسان معيشة سواها وكانت مباحة ، وقد تستحب إذا أراد التوسعة على عياله ، وقد تكره كالمحتكر ، وقد تباح بأن لا يحتاج إليها ولا ضرر في فعلها ، وقد تحرم إذا كانت في محرم. وهي أصناف :

الأول : يحرم التكسب ببيع الأعيان النجسة ، كالخمر وكل مسكر ، والفقاع ، والميتة ، والدم ، والكلب الا كلب الصيد والماشية والحائط والزرع ، والدهن النجس للاستصباح به تحت السماء.

الثاني : يحرم التكسب بالآلات المحرمة ، كالعود ، والمزمار ، والأصنام ، والصلبان ، وآلات القمار كالشطرنج والنرد والأربعة عشر.

الثالث : يحرم التكسب بما يقصد به المساعدة على الحرام كبيع السلاح لأعداء الدين (١) والمساكن للمحرمات ، والحمولة لها ، وبيع العنب ليعمل خمرا ، والخشب ليعمل صنما ، ويكره بيعهما على من يعمل ذلك من غير شرط.

الرابع : ما لا ينتفع به يحرم التكسب به ، كالمسوخ البرية كالقردة والدب ، والبحرية كالجري والسلاحف والطافي ، ولا بأس بالسباع.

الخامس : يحرم التكسب بما يحرم عمله ، كعمل الصور المجسمة ، والغناء في غير

__________________

(١) أو اللصوص وقطاع الطرق والمفسدين في الأرض.

٩٣

العرس بالحق ـ (١) وهجاء المؤمنين ، وحفظ كتب الضلال ونسخها لغير النقض ، وتعلم السحر والقيافة والكهانة والشعبدة ، والقمار ، والغش ، وتزيين الرجل بالمحرم (٢) ، وزخرفة المساجد والمصاحف ، ومعونة الظالمين في ظلمهم ، وأجر الزانية.

السادس : ما يجب فعله يحرم التكسب به كأجرة تغسيل الموتى وتكفينهم ودفنهم ، والأجرة على الحكم ، والرشا فيه. ويجوز أخذ الرزق من بيت المال ، وكذا الأذان.

وأما المكروه : فالصرف ، وبيع الأكفان ، والطعام ، والرقيق ، والذباحة ، والصياغة ، والحجامة مع الشرط ، والحياكة ، وأجرة الضراب ، وأجرة تعليم القرآن ونسخه ، وكسب القابلة مع الشرط.

وما يأخذه السلطان باسم المقاسمة أو الزكاة حلال وان لم يكن مستحقا له.

وجوائز الظالم حرام ان علمت بعينها والا حلت.

ومن أمر بصرف مال الى قبيل وعين له لم يجز التعدي ، والا جاز أن يتناول منه مثل غيره إذا كان منهم ، على قول.

الفصل الثاني ـ في آداب التجارة

يستحب التفقه فيها ليعرف صحيح البيع وفاسده ويسلم من الربا ، وأن يسوي بين المبتاعين (٣) ، ويقيل المستقيل ، ويشهد الشهادتين عند العقد ويكبر الله تعالى ، ويأخذ الناقص ويعطى الراجح.

ويكره مدح البائع وذم المشتري (٤) ، وكتمان العيب (٥) والحلف على البيع ، والبيع في المظلم ، والربح على المؤمن ، وعلى الموعود بالإحسان ، والسوم بين طلوع الفجر وطلوع

__________________

(١) كذا في نسخة «ن» وفيما عداها هكذا : «والغناء ـ لغير العرس ـ والنوح بالباطل ولا بأس بالحق». واشترط فيه الفقهاء عدم سماع الأجنبي أصواتهن.

(٢) مثل الذهب والحرير وكلما يختص بالنساء.

(٣) فلا يفرق بين المماكس وغيره بزيادة السعر للأول أو بنقصه للثاني ، ولا بأس بالفرق للمرجحات الشرعية كالعلم والتقوى ونحوهما ـ كما في المنهاج.

(٤) اى مدح البائع سلعته وذم المشترى لها.

(٥) ما لم يؤد الى غش ، والا فحرام.

٩٤

الشمس ، وأن يدخل السوق قبل غيره ، ومعاملة الأدنين ، وذوي العاهات والأكراد (١) ، والاستحطاط (٢) بعد الصفقة ، والزيادة وقت النداء (٣) ، والتعرض للكيل والوزن مع عدم المعرفة ، والدخول على سوم أخيه (٤) ، وأن يتوكل حاضر لباد (٥) ، وتلقى الركبان ، وحده أربعة فراسخ فما دون (٦).

ويثبت الخيار مع الغبن الفاحش والنجش ، وهو زيادة لزيادة من واطاه البائع (٧) ، والاحتكار وهو حبس الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن والملح للزيادة في الثمن مع عدم غيره ، ويجبر على البيع ، ولا يسعر عليه (٨).

الفصل الثالث ـ في عقد البيع

وهو الإيجاب ، كقوله «بعتك» والقبول وهو «اشتريت».

__________________

(١) ورد كراهة معاملة هؤلاء ومناكحتهم في رواية مرسلة عن أبي الأحمر الشامي وهو كما في كتب الرجال مجهول ، وقد صرح أهل اللغة بأن (الأكراد) جيل من الناس ، فليس معنى كراهة معاملتهم كراهة معاملة كل من سكن مع الأكراد وتكلم بلغة الأكراد ، بل الظاهر أن المراد منهم ـ كما في الخوزي ـ هو الجيل المعهود منهم في صدر الإسلام ، ولعله لعلة. وإذا كانت تسميتهم بالأكراد عربية فمعناه : القوم المطاردون الراحلون من مكان الى مكان ، وعلى هذا فلعل علة الكراهة فيهم ما في الاعراب مما نطق به الذكر الحكيم فقال «وأجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله» ، وإذا كان علة الكراهة التعرب والبعد عن الفقه والمسائل والأحكام ـ كما صرح بكراهة المعاملة معه ـ فإذا زالت العلة هذه كما في أكراد هذا العهد زال حكم الكراهة أيضا ، ولا تكون الكراهة ـ على هذا ـ حكما خاصا بهم بغير علة.

(٢) اى أن يطلب الحط والتنقيص من الثمن بعد انتهاء المعاملة.

(٣) اى ان يزيد في الثمن بعد أن نادى للمشتري الآخر بثمن أقل.

(٤) وهو المعاملة بعد ان انتهت ، والا فهو من الزيادة بعد النداء ، وقد حرمه بعضهم.

(٥) لان العباد يرزق بعضهم من بعض ـ كما في الروايات. وقطعا للوسائط دفعا للغلاء.

(٦) لأنه ان كان الى الأكثر كان سفرا للتجارة وهو غير مكروه بل مستحب.

(٧) اى أن يزيد البائع لان من اتفق معه البائع قد زاد في الثمن زيادة صورية غير واقعية يراد بها رفع سعر المتاع ، بل افتى بعضهم بحرمة الزيادة مع عدم قصد الشراء مطلقا سواء كان بالتوافق مع البائع أم لا ـ كما في تعليقة السيد اليزدي (قده) على التبصرة.

(٨) نعم إذا أجحف في الثمن يجبر على التنقيص ، وهكذا إذا أجحف في ثمن غير هذه المواد أو احتكر مما أجحف بالعامة حتى أخل بالنظام فللفقيه ـ بولايته ـ ان يجبره على البيع ، أو على الأقل مما يجحف.

٩٥

وانما يصح إذا صدر عن مكلف مالك ، أو بحكمه كالأب والجد والحاكم وأمينه والوصي والوكيل ، ويقف عقد غيرهم على الإجازة.

ولو جمع بين ملكه وغيره مضى في ملكه وتخير المالك في الأخر ، وللمشتري مع فسخ المالك الخيار.

ويشترط في المكيل والموزون والمعدود معرفة المقدار بأحدها ، ويجوز ابتياع بعض الجملة مشاعا إذا علمت نسبته ، ويجوز الإندار (١) للظروف بما يقاربها.

ويشترط في كل مبيع ان يكون مشاهدا أو موصوفا بما يرفع الجهالة ، فإن وجد على الوصف والا كان له الخيار (٢).

ولو افتقرت معرفته الى الاختبار جاز بيعه بالوصف أيضا ، ويتخير مع خلافه (٣) ولو أدى اختباره إلى الإفساد جاز شراؤه ، فإن خرج معيبا أخذ أرشه ، وان لم يكن له قيمة بعد الكسر أخذ الثمن (٤).

ولا يجوز بيع السمك في الأجمة ، ولا اللبن في الضرع ، ولا ما في بطون الانعام ، ويجوز لو ضم معها غيرها. ولا ما يلقح الفحل ، ويجوز بيع المسك في فأره‌و ان لم يفتق ، وبيع الصوف على ظهور الغنم.

ولا بد أن يكون الثمن معلوما قدرا ووصفا بالمشاهدة أو الصفة ، ولا يجوز أن يبيع بدينار غير درهم نسيئة ولا نقدا مع جهل نسبته اليه (٥).

ويشترط أن يكون مقدورا على تسليمه ، فلا يصح بيع الآبق (٦) منفردا ولو ضم اليه غيره صح ، ولا الطير في الهواء.

وكل بيع فاسد فإنه مضمون على قابضه. ولو علمه صنعة ، أو صبغة فزادت قيمته رجع بالزيادة ، ولو نقص ضمن النقصان كالأصل.

__________________

(١) أي التقدير الحدسى والتخمينى.

(٢) خيار تخلف الوصف.

(٣) خيار تخلف الوصف.

(٤) ان لم يشترط البائع البراءة منه.

(٥) هذا انما هو في الدينار والدرهم القديمين ، حيث كان الدينار من ذهب والدرهم من فضة ، فقد يجهل نسبة الفضة إلى الذهب وبالعكس. فقد يجهل نسبة الفضة إلى الذهب وبالعكس.

(٦) اى العبد الفار من مولاه.

٩٦

وإذا اختلف المتبايعان (١) في قدر الثمن فالقول قول البائع ان كان باقيا ، وقيل ان كان في يده ، وقول المشتري ان كان تالفا ، وقيل ان كان في يده.

الفصل الرابع ـ في الخيار

وأقسامه سبعة :

الأول : خيار المجلس ، فمن باع شيئا ثبت له وللمشتري الخيار ما لم يتفرقا ، أو يشترطا سقوطه قبل العقد أو بعده ، ولا يثبت في غير البيع.

الثاني : خيار الحيوان ، وكل من اشترى حيوانا ثبت له الخيار خاصة ثلاثة أيام من حين العقد ، ان شاء الفسخ فيها فسخ ، ما لم يشترطا سقوطه أو يتصرف المشترى فيه ، فان تلف في هذه المدة قبل القبض أو بعده فمن البائع ما لم يحدث المشتري فيه حدثا ، والعيب الحادث من غير تفريطه لا يمنع الرد بالسابق.

الثالث : خيار الشرط ، وهو يثبت في كل مبيع اشترط الخيار فيه ، ولا يتقدر بمدة معينة ، بل لهما أن يشترطا مهما شاءا بشرط أن تكون المدة مضبوطة ، ويجوز اشتراطه لأحدهما أو لهما أو لثالث واشتراط مدة يرد فيها البائع الثمن ويرتجع المبيع ، فان خرجت ولم يأت بالثمن كاملا لزم البيع ، والتلف من المشتري في المدة والنماء له.

الرابع : خيار الغبن. وهو أن يبيع بدون ثمن المثل أو يشتري بأكثر منه ولا يعرف القيمة ، مما لا يتغابن الناس فيه ، فيختار المغبون الفسخ.

الخامس : من باع شيئا ولم يقبض الثمن ولا سلّم السلعة ولم يشترط التأخير ، لزم البيع ثلاثة أيام ، فإن جاء المشتري فهو أحق بالسلعة ، وان مضت كان للبائع الفسخ ، ولو تلفت السلعة كانت من مال البائع على كل حال (٢) ، وما لا بقاء له يثبت الخيار فيه يوما.

__________________

(١) اختلاف المتبايعين من باب التداعي الموجب للتحالف وفق القواعد العامة في باب القضاء ، وعليه فيكون الرجوع الى ثمن المثل ، أو التنصيف ، أو الحكم بالتفاسخ. ولكنهم أخرجوا هذا المورد عن القواعد بمرسلة عن أبى بصير ، وهي لا تنهض ـ في نظر بعضهم ـ لإثبات حكم مخالف للقواعد ـ كما في تعليقة كاشف الغطاء «قده» على التبصرة.

(٢) ولو تلف الثمن كان من المشترى ، بقاعدة : كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه ، والقاعدة تجري فيهما.

٩٧

السادس : خيار الرؤية ، فمن اشترى موصوفا غير مشاهد كان للمشتري خيار الفسخ إذا وجده دون الوصف ، ولو لم يشاهده البائع وباعه بالوصف فظهر أجود كان الخيار للبائع.

السابع : خيار العيب ، وسيأتي.

والخيار موروث. والمبيع إذا تلف قبل القبض كان من مال البائع ، وان تعيب تخير المشتري بين الرد والإمساك بالأرش.

الفصل الخامس ـ في العيوب

وهو كل ما زاد أو نقص عن المجرى الطبيعي. فإن أطلق المتبايعان البيع أو اشترطا الصحة اقتضى الصحة ، وان تبرأ للمشتري من العيوب فلا ضمان. وبدونه إذا ظهر عيب تخير المشتري بين الرد والإمساك بالأرش ما لم يتصرف ، فان كان قد تصرف أو حدث فيه عيب عنده ثبت الأرش خاصة ، ولو علم بالعيب ثم اشتراه فلا أرش أيضا.

ولو باع شيئين صفقة وظهر العيب في أحدهما كان للمشتري الأرش أورد الجميع لا المعيب وحده ، ولو اشترى اثنان صفقة لم يكن لأحدهما رد حصته بالعيب إلا إذا وافقه الأخر ، والتصرف يبطل رد المعيب إلا في الوطي في الحامل فيردها مع نصف عشر القيمة ، والحلب في الشاة المصراة فيردها مع قيمة اللبن ان تعذر المثل.

ولو ادعى البائع التبري من العيوب ولا بينة فالقول قول المشتري مع يمينه ، ولو ادعى المشتري تقدم العيب على العقد فالقول قول البائع مع يمينه.

الفصل السادس ـ في النقد والنسيئة والمرابحة

إطلاق العقد يقتضي حلول الثمن ، فان شرطا تأجيله مدة معينة صح ، ويبطل في المجهولة ، وكذا لو باعه بثمن حالا وبأزيد مؤجلا.

وإذا باع نسيئة ثم اشتراه قبل الأجل بزيادة أو نقصان من جنس الثمن وغيره حالا ومؤجلا صح مع عدم الشرط ، ولو اشتراه بعد حلوله جاز بغير الجنس مطلقا ، وبه

٩٨

قيل (١) : لا يجوز مع التفاوت ، والأقرب خلافه.

ولا يجب دفع الثمن قبل الأجل ولا قبضه قبله ، ولو حل ودفع وجب القبض ، فان امتنع كان هلاكه من صاحب الحق.

ولو اشترى نسيئة وجب أن يخبر بالأجل إذا باعه مرابحة ، فإن أخفى تخير المشتري بين الرد والإمساك بالثمن (٢) حالا. وإذا باع مرابحة نسب الربح إلى السلعة (٣) لا الى الثمن. ولو اشترى أمتعة صفقة بثمن لم يجز بيع أفرادها مرابحة بالتقويم الا بعد الاعلام.

الفصل السابع ـ فيما يدخل في المبيع

من باع أرضا دخل فيها النخل والشجر مع الشرط ، والا فلا ، ويدخل لو قال :

«بعتكها وما أغلق عليه بابها» ، ويدخل في الدار الأعلى والأسفل الا أن يستقل بالسكنى عادة.

ولو باع نخلا مؤبرا فالثمرة للبائع ، ولو لم يؤبر فالثمرة للمشتري. ولا يدخل الحمل في الابتياع من غير شرط ، فلو استثنى نخلة كان له المدخل إليها والمخرج منها ومدى جرائدها في الأرض.

الفصل الثامن ـ في التسليم

وهو التخلية فيما لا ينقل ويحول ، والكيل والوزن فيما يكال أو يوزن ، والقبض باليد في الأمتعة ، والنقل في الحيوان.

وهو واجب على البائع في البيع وعلى المشترى في الثمن ، ويجبران معا لو امتنعا.

ويجب التسليم مفرغا.

__________________

(١) القائل هو الشيخ «قده» ـ كما قال السيد «قده».

(٢) للأجل في النسيئة بيع المرابحة مدخلية في مقدار الثمن ، فإذا أخفاه البائع أفتى الفقهاء بالخيار للمشتري بين الرد والإمساك بالثمن. وقد ورد في جملة من الاخبار أن له ان يستعلم ما للبائع من الأجل فيكون له ما للبائع منه ، ولا منافاة بين خياره ومفاد هذه الروايات كما في تعليقة السيد اليزدي «قده» على التبصرة.

(٣) بأن يقول : رأس مالي مائة ، وبعتك بربح درهم في كل عشرة (المسالك).

٩٩

ويجوز بيع ما لم يقبض قبله الا ان يكون طعاما فلا يبيعه إلا تولية.

والقول قول البائع في عدم النقصان مع حضور المشتري الكيل والوزن مع يمينه وعدم البينة ، وقول المشتري مع عدم حضوره.

ويصح في حال العقد اشتراط ما يسوغ ويدخل تحت القدرة ، ولا يجوز اشتراط ما ليس بمقدور كصيرورة الزرع سنبلا ، ويصح اشتراط العتق.

ولو اشترط ما لا يسوغ أو عدم العتق أو عدم وطأ الأمة بطل الشرط ، وفي إبطال البيع وجه قوي.

ولو شرط مقدارا فنقص تخير المشتري بين الرد والإمساك بالقسط من الثمن ، سواء كانت أجزاؤه متساوية أو مختلفة ، فإن أخذ بالقسط تخير البائع ، ولو أخذه بالجميع فلا خيار ، ولو زاد متساوي الأجزاء أخذ البائع الزائد فيتخير المشتري حينئذ ، ولو زاد المختلف فالوجه البطلان ، ويجوز أن يجمع بين سلف وبيع مختلفين صفقة.

الفصل التاسع ـ في الربا

وهو معلوم التحريم بالضرورة من الشرع ، وهو : بيع أحد المثلين بآخر مع زيادة عينية كبيع قفيز بقفيزين ، أو حكمية كبيع قفيز بقفيز نسيئة.

وشرطه أمران : الاتحاد في الجنس ، والكيل أو الوزن.

ويجوز بيع المثلين متساويا نقدا ، ولا يجوز نسيئة ، وكل ربوي يجوز بيعه بمخالفه نقدا متفاضلا ، ونسيئة على كراهية. وكذا غير الربوي ، الا أن يكون أحد العوضين من الأثمان.

والشعير والحنطة جنس واحد هنا ، وكذا كل شي‌ء مع أصله كالسمسم والشيرج ، وكل فرعين من أصل واحد كالسمن والزبد ، والجيد والردي‌ء. واللحوم تختلف باختلاف الحيوان ، وكذا الادهان.

ولو كان الشي‌ء جزافا في بلدة وموزونا في أخرى فلكل بلد حكم نفسه ، ولا يباع الرطب بالتمر وان تساويا ، ويكره اللحم بالحيوان.

ولو باع درهما ومد تمر بدرهمين أو مدين صح.

ومن ارتكب الربا بجهالة فلا اثم عليه ، ويعيد ما أخذ منه على مالكه ان وجده أو ورثته ، ولو جهل تصدق به عنه.

١٠٠