شرح الشّواهد الشعريّة في أمّات الكتب النحويّة - ج ٣

محمّد محمّد حسن شرّاب

شرح الشّواهد الشعريّة في أمّات الكتب النحويّة - ج ٣

المؤلف:

محمّد محمّد حسن شرّاب


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦١٦

(٥٣٢) قد لفّها الليل بسوّاق حطم

ليس براعي إبل ولا غنم

في الحماسة : قال : ابن رميض العنبري.

وقوله : قد لفّها الليل : يريد الإبل ، وجعل الفعل لليل على المجاز ، والمعنى جمعها برجل متناهي القوة ، عنيف السوق. وحطم : بناء للمبالغة وهو من الحطم ، يعني الكسر : يعني أنه لا يرفق بما يسوق رفق الرعاة لأن الراعي مكترى لاستصلاح مرعيّه وحفظ ما ضمّ إليه بجهده. [سيبويه ج ٢ / ١٤ ، والمرزوقي ٣٥٥].

(٥٣٣) أقبلن من ثهلان أو وادي خيم

على قلاص مثل خيطان السّلم

هذا رجز لجرير.

وقوله : قلاص. جمع قلوص وهي الناقة الشابّة. وخيطان : جمع خوط وهو الغصن. أراد أن القلاص هزلت من شدة السفر حتى صارت كأغصان السلم في الدقة والضمر ـ والبيت شاهد على أنه يجوز أن يقال في جمع المذكر العاقل المكسّر «الرجال كلهنّ» باعتبار أنّ. نون أقبلن ، ضمير العقلاء الذكور : أي : الرجال أو الركب ، وإنما أنث لتأويله بالجماعة. والدليل على أن مرجع الضمير إلى الذكور أنه قال فيما بعد :

حتى أنخناها إلى باب الحكم

خليفة الحجاج غير المتّهم

.. ويؤيد هذا القول ، قول الفرزدق «بحوران يعصرن السليط أقاربه» هذا ، والحكم المذكور في الرجز هو الحكم بن أيوب الثقفي ، وكان ابن عمّ الحجاج وعامله على البصرة. وهذا أول شعره قاله جرير في مدح الحكم ، ثم أوصله هذا إلى الحجاج. [الخزانة ج ٥ / ١٦٣].

٢٠١
٢٠٢

قافية النون

(١) وإذا فلان مات عن أكرومة

رقعوا معاوز فقده بفلان

... البيت للمرّار الفقعسي. والمعاوز : جمع المعوز : الثوب الخلق. يقول : إذا مات منهم سيّد أقاموا موضعه سيّدا آخر.

والبيت شاهد على أنّ فلانا يجوز أن يأتي في غير الحكاية ، فإن فلانا الأول ، وقع فاعلا لفعل يفسره ما بعده. وفلانا الثاني جرّ بالباء. وهما وقعا في غير الحكاية. [الخزانة / ٧ / ٢٤٨ ، والأمالي للقالي / ١ / ٦٦].

(٢) أيها المنكح الثّريّا سهيلا

عمرك الله كيف يلتقيان

هي شاميّة إذا ما استقلّت

وسهيل إذا استقلّ يماني

... البيتان لعمر بن أبي ربيعة... والثريّا : هي بنت علي بن عبد الله بن الحارث ابن أمية الأصغر... وسهيل : هو ابن عبد الرحمن بن عوف الزّهري ، وكنيته أبو الأبيض. تزوج الثريا ، فقال عمر بن أبي ربيعة يضرب لهما المثل بالكوكبين.

والبيت الأول شاهد على أن «عمرك الله» يستعمل في القسم السؤالي ويكون جوابه ما فيه الطلب ، وهو هنا جملة (كيف يلتقيان) فإن الاستفهام طلب الفهم ، وهو هنا تعجّبيّ. [الخزانة / ٢ / ٢٨ ، والشعر والشعراء / ٤٦٢ ، وشرح المفصل / ٩ / ٩١].

قال أبو أحمد : وليس في شعر القرن الأول ، أرقّ وأعذب من شعر عمر بن أبي ربيعة. وما زال حتى يومنا رقيقا سهلا ، وكأنك تقرأ شعرا حديثا معاصرا وهو يأسرك بقصصه الغزلي ، حيث يمثّل لك القصة شاخصة أمامك ، ولم يحسن شاعر الحوار الشعري ، كما أحسنه عمر ، تقرأ قصيدته فيخيل إليك أنك أمام مشهد مسرحيّ حيّ. هذا هو الصحيح في الحكم على شعر عمر بن أبي ربيعة ولكن : هل لشعره واقع اجتماعي؟ وهل كانت

٢٠٣

قصصه حقيقة؟ الجواب : ليس لمضمون قصصه واقع اجتماعي ، فكل ما قاله خيال شاعر يتمنى ، ولا يصل إلى ما يتمناه ، ويذكر أسماء فتيات ، ولا حقيقة لهنّ ، قد يصادف وجود أسمائهن في الواقع ، ولكن لا علاقة بين الاسم الشعري ، والاسم الموجود في المجتمع. وكل ما كتبه مؤرخو الأدب من تفسيرات ، هو تأويلات أكثرها باطلة. ومما يدل على ذلك أنهم اختلفوا في تفسير اسم الثريا ، واسم سهيل :

فقالوا : الثريا هي : بنت علي بن عبد الله بن الحارث بن أمية أو هي : الثريا بنت عبد لله بن الحارث ، أو هي : الثريا بنت عبد الله بن محمد بن عبد الله. وأما سهيل : فقالوا : هو سهيل بن عبد الرحمن بن عوف الزهري. أو سهيل بن عبد العزيز بن مروان.

وإذا صحت نسبة هذا الشعر إليه ، فإن الثريا ، وسهيلا ، وهما الكوكبان ، ضربهما مثلا لأي اثنين في ذهنه رأى أنهما ليسا كفأين للزواج ، وليس فيهما تورية كما قالوا عن سهيل وثريا حقيقيين.

هذا ، والقصص الذي يذكرونه عن علاقة الثريا الحقيقية ، بعمر بن أبي ربيعة ، قصص موضوع ، لأنه ليس له سند يركن إليه ، وليس في متنه ما يصدقّه العقل ، لأن مثل هذه القصص لم تكن في الجاهلية ، فكيف تكون في القرن الأول الإسلامي ، وفي المدينة ومكة؟!

(٣) لو كنت من مازن لم تستبح إبلي

بنو اللّقيطة من ذهل بن شيبانا

إذن لقام بنصري معشر خشن

عند الحفيظة إن ذو لوثة لانا

البيتان للشاعر قريط بن أنيف العنبري ، وهو شاعر إسلامي. هذا ما نقله البغدادي في (خ / ٧ / ٤٤٦). ونقل عن التبريزي ، أنه تتبّع كتب الشعراء فلم يظفر له بترجمة وإذا لم تكن له ترجمة ، ولم يعرفه أحد ، فكيف حكموا بأنه شاعر إسلامي. ولم يقولوا من أي العصور الإسلامية هو. مع أنّ مؤرخي الأدب يذكرون أحد أبيات المقطوعة التي منها البيتان ، شاهدا على عقيدة «انصر أخاك ظالما أو مظلوما» الجاهلية. وهو البيت :

لا يسألون أخاهم حين يندبهم

في النائبات على ما قال برهانا

لعلّ الذي قال : إن الشاعر إسلامي ، بنى حكمه على المعاني التي تشبه المعاني الإسلامية التي وردت في قول الشاعر : من المقطوعة.

٢٠٤

يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة

ومن إساءة أهل السوء إحسانا

كأنّ ربّك لم يخلق لخشيته

سواهم من جميع الناس إنسانا

ولكن قد تكون هذه المعاني معروفة في الجاهلية. وإن لم تكن معروفة ، فإن الأبيات تكون ملفّقه ، ففيها أبيات معانيها جاهلية صرفة ، كالبيتين المذكورين للاستشهاد. والله أعلم. ويروى البيت الأول. (بنو الشقيقة) وهو الأصح. والشاعر قصد في الأبيات إلى بعث قومه على الانتقام من أعدائه ، لا إلى ذمّهم وكيف يذمهم ووبال الذم راجع إليه (١).

وفي البيتين شاهدان : الأول : أنّ «بنون» أشبه جمع المكسّر لتغير مفرده في الجمع فجاز تأنيث الفعل المسند إليه ، كما يجوز في «الأبناء» الذي هو جمع مكسر.

والثاني : أن «إذن» متضمنة لمعنى الشرط. وإذا كانت بمعنى الشرط الماضي جاز إجراؤها مجرى «لو» في إدخال اللام في جوابها كما في البيت. وفي هذا الشاهد أقوال أخرى.

قال المرزوقي : مازن بن مالك ، هم بنو أخي العنبر ، وإذا كان كذلك ، فمدح هذا الشاعر لهم ، يجري مجرى الافتخار بهم. وقصد الشاعر في هذه الأبيات إلى بعث قومه على الانتقام له من أعدائه ، وتهييجهم وهزّهم ، لا ذمّهم ، وكيف يذمهم ، ووبال الذمّ راجع إليه. [الخزانة / ٧ / ٤٤١ ، وج ٨ / ٤٤٦ ، والمرزوقي / ٢٣].

(٤) فنعم صاحب قوم لا سلاح لهم

وصاحب الرّكب عثمان بن عفّانا

البيت منسوب للشاعر كثيرّ بن عبد الله بن مالك النهشلي. شاعر مخضرم. وهو في رثاء عثمان بن عفّان رضي‌الله‌عنه.

وفيه شاهد على أنّ مجيء فاعل نعم نكرة مضافة إلى مثلها ، قليل. [الخزانة / ٩ / ٤١٥ ، وشرح المفصل / ٧ / ١٣١ ، والدرر / ٢ / ١١٣].

(٥) فما وجدت بنات بني نزار

حلائل أسودين وأحمرينا

.. هذا البيت من قصيدة لحكيم الأعور ابن عيّاش الكلبي ، من شعراء الشام هجا بها

__________________

(١) أما الأعلم الشنتمري فيذكر في شرح حماسة أبي تمام أن الأبيات لأبي الغول الطّهوي وهو شاعر إسلامي (الناشر).

٢٠٥

مضر ، ورمى فيها امرأة الكميت بن زيد بأهل الحبس ، لما فرّ منه بثياب امرأته. ونزار : والد مضر بن نزار بن معدّ بن عدنان.

والبيت شاهد على أنّ جمع «أسود ، وأحمر» جمع تصحيح شاذ. فكل صفة لا تلحقها التاء فكأنها من قبيل الأسماء ، فلذا لم يجمع هذا الجمع : (أفعل فعلاء ، وفعلان فعلى) وأجاز بعضهم أن يقال «أحمرون وسكرانون» واستدل بهذا البيت ، وهو من الشذوذ [الخزانة / ١ / ١٧٨ ، والدرر / ١ / ١٩ والأشموني / ١ / ٨١ ، والهمع / ١ / ٤٥].

(٦) وكان لنا فزارة عمّ سوء

وكنت له كشرّ بني الأخينا

منسوب إلى عقيل بن علّفة المرّيّ ، من شعراء الدولة الأموية.

والبيت شاهد على أنّ «أخا» يجمع على «أخين» جمع مذكر سالما ، كما يجمع (أب) على «أبين». [الخزانة / ٤ / ٤٧٨].

(٧) إليكم يا بني بكر إليكم

ألمّا تعرفوا منّا اليقينا

لعمرو بن كلثوم ، من معلقته يخاطب بني عمه بكر بن وائل. وإليكم : اسم فعل ، أي : ابعدوا وتنحوا عنا إلى أقصى ما يمكن من البعد. وكررها تأكيدا للأولى.

والبيت شاهد على أن الهمزة الداخلة على «لمّا» للاستفهام التقريري أي : ألم تعرفوا منا إلى الآن الجدّ في الحرب عرفانا يقينا. أي : قد علمتم ذلك ، فلم تتعرضوا لنا. [الخزانة / ٩ / ١٠].

(٨) وما إن طبّنا جبن ولكن

منايانا ودولة آخرينا

البيت من أبيات لفروة بن مسيك المراديّ. وهو صحابيّ أسلم عام الفتح. والطب ـ بالكسر هنا ، بمعنى : العلة والسبب ، أي : لم يكن سبب قتلنا ، الجبن. وإنما كان ما جرى به القدر من حضور المنيّة ، وانتقال الحال عنا والدولة.

والبيت شاهد على أنّ (ما الحجازية) إذا زيد بعدها (إن) لا تعمل عمل ليس ، كما في هذا البيت. [الخزانة / ٤ / ١١٢ والدرر / ١ / ٩٤ وشرح المفصل / ٨ / ١٢٩].

(٩) فإن أدع اللواتي من أناس

أضاعوهنّ لا أدع الذينا

٢٠٦

البيت للكميت من قصيدة طويلة هجا بها قبائل اليمن ، تعصبا لمضر. والمعنى : إن أدع ذكر النساء ، فلا أدع الذين ، يريد الرجال ، أي : إني تركت شتم النساء فلا أترك شتم الرجال...

وهو شاهد على حذف صلة الموصول (الذين) وهذا لا يكون إلا عند ما تفهم صلة الموصول من السياق ، كما في هذا البيت ، أي : لا أدع الذين أضاعوا النساء. ولا يصحّ القول : جاء الذين. إذا لم يسبقه كلام لأنه كلام غير مفيد ، هذا ، وتقول العامة «يا ابن الذين.» ولا يذكرون الصلة. [الخزانة / ٦ / ١٥٧].

(١٠) وقائلة أسيت فقلت جير

أسيّ إنني من ذاك إنّه

لم أعرف قائل البيت.

وقوله : وقائلة : أي : وربّ امرأة قائلة. وأسيت : حزنت. وأسيّ : حزين ، وزنا ومعنى. والتقدير : أنا أسيّ. وخبر إنني ، محذوف. أي : إنني أسيّ من ذاك ، أي : بسبب ذاك. وإنّه : بمعنى ، نعم ، والهاء للسكت ، و «جير» بمعنى «نعم» أو بمعنى «حقا».

والشاهد قوله : «جير» فقال بعضهم : إن التنوين يدل على أن «جير» اسم وقال آخرون : «جير» حرف ، والتنوين ، لضرورة الشعر. [الخزانة / ١٠ / ١١١ والدرر / ٢ / ٥٢ ، والهمع / ٢ / ٤٤ ، واللسان «أسا»].

(١١) إنّ المنايا يطّلعن

على الأناس الآمنينا

البيت من قطعة منسوبة إلى (ذو جدن) من ملوك اليمن قبل الإسلام.

عاش ثلاثمائة سنة. ولا أدري من الذي سمعها ونقلها ، فملوك اليمن موغلون في القدم ولا يعرف لهم تاريخ. ويذكر علماء اللغة ، أن لغة اليمن في صدر الإسلام ، لم تكن من اللهجة القرشية ، فكيف بها في الزمن الغابر.

وأعجب من علماء النحو الذين يرفضون الاستشهاد بلغة الحديث الشريف التي رواها الثقات الضابطون ، ويستشهدون بلغة الشعر الذي لا تعرف له نسبة صحيحة.

والشاهد في البيت أن اجتماع (أل) والهمزة في «الأناس» لا يكون إلا في الشعر ، والقياس «الناس» فإنّ أصله «أناس» فحذفت الهمزة وعوض عنها (أل) إلا أنها ليست

٢٠٧

لازمة ، إذ يقال في السعة «ناس». وفي الموضوع آراء أخرى. [الخزانة / ٢ / ٢٨٠].

(١٢) تنفكّ تسمع ما حيي

ت بهالك حتى تكونه

والمرء قد يرجو الحيا

ة مؤمّلا والموت دونه

البيتان منسوبان لخليفة بن براز ، وهو جاهلي.

والمعنى : ما تزال تسمع : مات فلان ، حتى تكون الهالك ، والخطاب لغير معيّن. وقد أخذ بعضهم البيت الأول فقال :

يقال فلان مات في كلّ ساعة

ويوشك يوما أن تكون فلانا

وقوله : تنفك : أي : لا تنفكّ. وجملة تسمع خبر (لا تنفكّ) و «ما» مصدرية ظرفية. والهاء في (تكونه) ضمير الهالك ، والأكثر في خبر كان إذا كان ضميرا أن يكون منفصلا ، وهذا من القليل.

والشاهد : أن حرف النفي من (تنفكّ) محذوف ، والتقدير (لا تنفكّ) والأكثر أن يكون الحذف في جواب قسم ، وأن يكون حرف النفي المحذوف (لا). [الخزانة / ٩ / ٢٤٢] والهمع / ١ / ١١١ ، والدرر / ١ / ٨١ وشرح المفصل / ٧ / ١٠٩].

(١٣) أخذت بعين المال حتى نهكته

وبالدّين حتى ما أكاد أدان

وحتى سألت القرض عند ذوي الغنى

وردّ فلان حاجتي وفلان

البيتان لمعن بن أوس المزني ، وللبيتين قصة مع عبيد الله بن عباس.

وقوله : نهكته : أي : أتلفته ، يعني : تصرفت بالمال النّقد وأسرفت فيه إلى أن فني. ويقول في الشطر الثاني : أخذت الدّين من هنا ومن هنا حتى ما بقي من يقرضني.

والبيت الثاني شاهد على أن «فلان» يجوز أن يأتي في غير الحكاية لأن «فلان» فاعل «ردّ». ويرى آخرون أن «فلان» لا تأتي إلا حكاية. ويرون أنه لا يقال : جاءني فلان ، ولكن يقال : قال زيد : جاءني فلان. قال الله تعالى : (يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً.) [الفرقان : ٢٧ ـ ٢٨]. [الخزانة / ٧ / ٢٥٣].

(١٤) وكان لنا أبو حسن عليّ

أبا برّا ونحن له بنين

٢٠٨

البيت منسوب لسعيد بن قيس الهمداني ، قاله في أحد أيام صفّين. من قصيدة ترافقها قصّة. وأظنّ القصة والشعر مكذوبين ، لأن أخبار حرب الجمل وصفين دخلها كثير من الوضع والكذب.

وقوله : لنا : كان في الأصل نعتا لقوله «أبا برا» فلما قدم عليه صار حالا منه. ونحن : مبتدأ. وبنين : خبره.

والبيت شاهد على رفع «بنين» بالضمة على النون ، مع لزوم الياء. وقيل إنّه لا يكون إلا في الشعر ، للضرورة. [الخزانة / ٨ / ٧٥].

(١٥) فليت لنا من ماء زمزم شربة

مبرّدة باتت على طهيان

هذا البيت من قصيدة ليعلى الأحول الأزديّ. شاعر إسلامي لصّ قال هذه القصيدة وهو محبوس بمكة عند نافع بن علقمة الكناني والي مكة في خلافة عبد الملك بن مروان. وهو يتشوق في الأبيات إلى دياره ، ويفضل العيش فيها على العيش بمكة ، شوقا لا بغضا حيث يقول :

وما بي بغض للبلاد ولا قلى

ولكنّ شوقا في سواه دعاني

ويقول :

وليت لنا بالجوز واللوز غيلة

جناها لنا من بطن حلية جاني

وليت لنا بالديك مكّاء روضة

على فنن من بطن حلية داني

وليت لنا من ماء زمزم. البيت.

وهو صادق في شوقه ، لأن الوطن موطنه القلب ، والحنين إليه غريزة في النفس.

وطهيان : في البيت الشاهد : جبل. والغيلة : بكسر الغين ، ثمرة الأراك الرطبة ، يفضلها على الجوز واللوز في مكة. وحلية : روضة في اليمن ، وهي اليوم في جنوب السعودية.

والبيت شاهد على أنّ «من» قد تأتي للبدل ، أي : فليت لنا شربة بدل ماء زمزم. [الخزانة / ٩ / ٤٥٣].

(١٦) علا زيدنا يوم النّقا رأس زيدكم

بأبيض ماضي الشّفرتين يمان

٢٠٩

فبتّ لدى البيت العتيق أريغه

ومطواي مشتاقان له أرقان

هذا البيت من قصيدة ليعلى الأحول الأزدي ، قالها وهو محبوس في مكة أيام عبد الملك بن مروان. وأريغه : أطلبه. وفي رواية : أشيمه : أي : أنظر إليه. ومطواي : مثنى : مطو ، بكسر الميم وضمها : الصاحب.

والبيت شاهد على أن بني عقيل وبني كلاب يجوّزون تسكين الهاء ، كما في قوله «له» بسكون الهاء. وهي لغة لأزد السراة أيضا ويروى البيت : (ومطواي من شوق له أرقان) وعليه ، لا شاهد له. [الخزانة / ٢ / ٢٢٤].

(١٧) غير مأسوف على زمن

ينقضي بالهمّ والحزن

البيت لأبي نواس ، الحسن بن هانئ ، وبعده :

إنّما يرجو الحياة فتى

عاش في أمن من المحن

وأبو نواس ، ليس ممن يستشهد بكلامه ، وإنما تأتي أبياته في كتب النحو للتمثيل. وكذلك يكثر التمثيل بأبيات المتنبي مع أنه متأخر. والرأي عندي أن الاستشهاد بشعر المتنبي وأبي نواس خير من الاستشهاد بكثير من الشعر الذي يقال إنه جاهلي وهو غير معروف النسبة ، أو معروف النسبة ولكنه غير موثوق بروايته ، كالشعر الذي ينسب إلى ملوك اليمن وتبابعتهم وأمثالهم. والذي ينسب إلى الزبّاء.

والبيت ، مثال لإجراء غير قائم الزيدان ، مجرى (ما قائم الزيدان) لكونه بمعناه. [الخزانة / ١ / ٣٤٥].

(١٨) لأصبح الحيّ أوبادا ولم يجدوا

عند التفرّق في الهيجا جمالين

وقبله :

سعى عقالا فلم يترك لنا سبدا

فكيف لو سعى عمرو عقالين

البيتان قالهما عمرو بن العدّاء الكلبيّ. وعمرو : في البيت الثاني ، هو عمرو بن عتبة ابن أبي سفيان ، استعمله معاوية بن أبي سفيان على صدقات كلب ، فاعتدى عليهم.

وقوله : سعى : في الموضعين ، من : سعى الرجل على الصدقة ، أي : الزكاة ، عمل في

٢١٠

أخذها من أربابها. وعقالا : وعقالين : منصوبان على الظرف : أراد : مدة عقال ، ومدة عقالين. والعقال : صدقة عام. والسّبد : الشعر والوبر. وقولهم : ماله سبد ولا لبد : فمعناه : ماله ذو سبد ، وهي الإبل والمعز ولا ذو لبد : وهي الغنم. ثم كثر حتى صار مثلا مضروبا للفقر. وكيف : خبر لمبتدأ محذوف أي : كيف حالنا. يقول : تولى علينا هذا الرجل سنة في أخذ الزكاة ، فلم يترك لنا شيئا لظلمه ، فلو تولى سنتين علينا على أي حال. كنا نكون؟

وقوله : لأصبح : جواب قسم مقدر. والحيّ : القبيلة. والأوباد جمع وبد ، بفتحتين : شدة العيش وسوء الحال. وجمالين : تثنية «الجمال» جعل صنفا لترحّلهم ، وصنفا لحربهم.

والشاهد : أنه يجوز تثنية الجمع المكسر ، فإن «جمالين» مثنى «جمال» أي : قطيعين من الجمال. ومنه الحديث «مثل المنافق كالشاة العائرة بين غنمين». [الخزانة / ٧ / ٥٨١ ، وشرح المفصل / ٤ / ١٥٣ ، والهمع / ١ / ٤٢].

(١٩) الله أعطاك فضلا من عطيّته

على هن وهن فيما مضى وهن

البيت لإبراهيم بن هرمة. أدرك الدولتين ومات في مدة هارون الرشيد. و «فضلا : الفضل : الزيادة ، هنا ، يقول : إن الله أعطاك فضلا على أبناء عمّك ، أي : فضلّك عليهم.

وقوله : فيما مضى : أي : من الأزل. وعبّر عن كلّ واحد منهم ـ بهن ، الموضوع لما يستقبح ذكره من أسماء الجنس وليس «هن» هنا ، كناية عن علم كلّ من المفضولين ، ولو كان كناية عنهم لما غضبوا على الشاعر ، كما تقول القصة. والمخاطب في البيت حسن ابن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، ولو كان الغضب لمجرد التفضيل ، ما بلغ غضبهم مبلغا كبيرا.

والبيت شاهد على أنه قد يكنى بهن عن العلم الذي لا يراد التصريح به لغرض. [الخزانة / ٧ / ٢٦٥].

(٢٠) عرفنا جعفرا وبني أبيه

وأنكرنا زعانف آخرين

البيت لجرير ، يخاطب فضالة العرنيّ. وأنكرنا : (نا) فاعل. وزعانف مفعوله. والزعانف : جمع زعنفه. والزعانف : الأتباع.

٢١١

والبيت شاهد على أن نون الجمع قد تكسر في ضرورة الشعر كما في (آخرين). [الخزانة / ٨ / ٦ ، وشرح التصريح / ١ / ٧٩ ، والهمع / ١ / ٧٩ ، والأشموني / ١ / ٨٩].

(٢١) وما ذا يدّري الشّعراء منّي

وقد جاوزت حدّ الأربعين

البيت للشاعر سحيم بن وثيل.

وقوله «يدّري» يقال : ادّراه ، يدّريه ، إذا ختله ، وخدعه يقول : كيف يطمع الشعراء في خديعتي وقد جاوزت أربعين سنة ، وقد جربت وعرفت الخديعة والمكر ، فلا يتمّ عليّ شيء.

والبيت شاهد على أنّ نون الجمع قد تعرب بالحركة على النون كما في (الأربعين). فقد جاءت «الأربعين» مكسورة النون ، لأن البيت من قصيدة مكسورة القافية للشاعر : سحيم بن وثيل الرياحي ، مطلعها البيت المشهور :

أنا ابن جلا وطلّاع الثنايا

متى أضع العمامة تعرفوني

وسحيم ، شاعر مخضرم ، عاش في الجاهلية أربعين سنة ، وفي الاسلام ستين. [شرح المفصل / ٥ / ١١ ، ١٣ ، وشرح التصريح / ١ / ٧٧ ، ٩٩ ، والهمع / ١ / ٤٩ ، والأشموني / ١ / ٨٩ والأصمعيات / ١٩ ، والخزانة / ٨ / ٦٥].

(٢٢) كلا يومي طوالة وصل أروى

ظنون ، آن مطّرح الظّنون

للشماخ بن ضرار. وطوالة : موضع. وأروى : من أسماء النساء.

والشاهد : «كلا يومي طوالة وصل أروى ، ظنون» فإن قوله : «وصل أروى» مبتدأ.

وقوله : «ظنون» : خبر المبتدأ وقد تقدم المبتدأ وتأخر الخبر على الأصل ، ولكن قوله : «كلا يومي طوالة» ظرف متعلق بظنون الذي هو الخبر وقد تقدم هذا الظرف على المبتدأ. وتقديم المعمول يدل على أن العامل فيه يجوز أن يتقدم ، فيكون في موضع هذا المعمول. فلما تقدم الظرف وهو معمول للخبر دلّ على أن الخبر العامل في هذا الظرف يجوز : أن يقع في الموضع الذي وقع فيه الظرف. [الإنصاف / ٦٧ ، وشرح المفصل / ٣ / ١٠١].

٢١٢

(٢٣) أصاب الملوك فأفناهم

وأخرج من بيته ذا جدن

للأعشى ، صناجة العرب. وذو يزن : من ملوك حمير. وذا جدن : صاحب جدن وجدن : اسم قصر.

والشاهد : في «بيته» فالهاء من (بيته) يعود إلى «ذا جدن» ويروى (ذا يزن) وهو متأخر عن الضمير. وذلك يدل على أن العرب كانوا يعيدون الضمير على متأخر. [الإنصاف / ٦٩].

(٢٤) ألا يا اسلمي قبل الفراق ظعينا

تحيّة من أمسى إليك حزينا

.. وقوله : يا اسلمي. المنادى محذوف تقديره : يا ظعينة اسلمي ، لأن الفعل لا ينادى. وظعينا : منادى مرخم. يا ظعينة. على لغة من لا ينتظر. وتحية : يجوز نصبه على المفعول المطلق. أحييك تحية. ويجوز رفعه ، خبرا لمبتدأ محذوف. [الإنصاف / ١٠١].

(٢٥) امتلأ الحوض وقال قطني

مهلا ، رويدا ، قد ملأت بطني

قطني : اسم بمعنى : حسب : أو اسم فعل بمعنى : يكفي. ومهلا : مصدر نائب عن الفعل تقول : مهلا يا رجل ، ومهلا يا رجلان. ويا رجال. وفي التأنيث كذلك بلفظ واحد ، والمراد : أمهل وتريث. ورويدا : يأتي على واحد من أربعة أوجه : اسم فعل بمعنى «أرود» أي : أمهل. والثاني : مصدرا نائبا عن فعله. والثالث : أن يقع صفه كما تقول : سارسيرا رويدا. والرابع : أن يقع حالا كما تقول : ساروا رويدا. بحذف المصدر الذي نصبته على المفعول المطلق في الاستعمال الثالث.

ومحل الشاهد في البيت «قطني» حيث وصل نون الوقاية بقط عند إضافته لياء المتكلم ، وليس «قط» فعلا. فدل ذلك على أن نون الوقاية قد تلحق بعض الأسماء ، لغرض من الأغراض. والغرض هنا المحافظة على سكون «قط» حتى لا يذهب ما بني عليه اللفظ وهو السكون ـ وعلى ذلك ، فلحاق نون الوقاية لكلمة من الكلمات لا يدل على أنه فعل. [شرح المفصل / ٢ / ١٣١ ، والأشموني / ١ / ١٢٥ والخصائص / ١ / ٣٢].

(٢٦) نعمت جزاء المتقين الجنة

دار الأماني والمنى والمنّه

٢١٣

جزاء : فاعل نعمت ـ والجنة : مبتدأ مؤخر ، وجملة (نعم) خبر مقدم. دار : بدل من الجنة.

والشاهد : نعمت : فإن دخول تاء التأنيث الساكنة يدل على أن «نعم» فعل ماض. [الشذور : ٢١].

(٢٧) قالوا كلامك هندا وهي مصغية

يشفيك؟ قلت : صحيح ذاك لو كانا

مجهول.

وقوله : كلامك : مبتدأ ـ والكاف : مضاف إليه. هندا : مفعول به ، لاسم المصدر «كلام». وهي مصغية ـ جملة حالية. يشفيك : الجملة خبر المبتدأ.

صحيح : خبر مقدم. ذاك : اسم الإشارة مبتدأ مؤخر. كان ـ فعل ماض تام بمعنى حصل.

والشاهد : كلامك هندا. حيث عمل (الكلام) عمل المصدر ، التكليم ، فنصب مفعولا به. [الشذور ، والأشموني / ٢ / ٢٨٨].

(٢٨) إنّ الثمانين ـ وبلّغتها ـ

قد أحوجت سمعي إلى ترجمان

من قصيدة لأبي المنهال عوف بن محلم الخزاعي ـ يقولها في مدح عبد الله بن طاهر ـ وكان قد دخل عليه فسلّم ، وأجابه عبد الله ، فلم يسمع ، فلما أعلم بذلك ، دنا منه ، وارتجل هذه القصيدة.

وهو يعتذر عن عدم سماعه تحية الممدوح بأنه قد طعن في السن ، ويدعو للممدوح أن يطيل الله في أجله.

والشاهد : وبلغتها : فإن هذه الجملة معترضة بين جزئي جملة ، وهما اسم إن وخبرها. والجملة المعترضة هنا دعائية لا محل لها من الإعراب. [الشذور ، والهمع / ١ / ٢٤٨ ، وشرح أبيات المغني / ٦ / ١٩٩].

(٢٩) نحمي حقيقتنا وبعض القوم يسقط بين بينا

لعبيد بن الأبرص الأسدي من كلمة يقولها لامرئ القيس. وكان بنو أسد قد قتلوا

٢١٤

حجرا أبا امرئ القيس فأنذرهم امرؤ القيس وهددهم وفي ذلك يقول عبيد من قصيدة الشاهد.

يا ذا المخوّفنا بقتل أبيه إذلالا وجبنا....

والحقيقة : ما يجب على الرجل أن يحفظه ويحميه ، كالنفس والعرض والمال.

والشاهد : (بين ، بينا) حيث ركب الظرفين معا وجعلهما بمنزلة اسم واحد. فبناهما على فتح الجزئين لكونه أراد بهما معا الظرفية والظرف هنا ، المركب متعلق بمحذوف حال من الضمير المستتر في «يسقط» والتقدير : وبعض القوم يسقط (هو) متوسطا : أي : واقعا في وسط المعركة. [شرح المفصل / ٤ / ١١٧ ، والشذور / ٧٤ ، والهمع / ٢ / ٢٢٩].

(٣٠) تذكّر ما تذكر من سليمى

على حين التواصل غير دان

لم يعرف له قائل.

والشاهد : «على حين التواصل غير دان» حيث روي لفظ «حين» على وجهين : الأول : الجرّ على أنه معرب ، تأثر بالعامل الذي قبله وهو حرف الجر. والثاني : الفتح : على أنه مبني على الفتح في محل جرّ. وبعده جملة اسمية من مبتدأ وخبره ، وهي في محل جرّ بإضافة حين إليها. فدل ذلك على أنّ لفظ «حين» وشبهه إذا أضيف إلى جملة اسمية. جاز فيه وجهان البناء والإعراب ولكن الإعراب في هذه الحال أرجح من البناء. وتجويز الأمرين هو مذهب الكوفيين ، ويرى البصريون أنّ الظرف يعرب إذا جاور معربا ، ويبنى إذا جاور مبنيا. [الشذور / ٨٠ ، والهمع / ١ / ٢١٨ ، والأشموني / ٢ / ٢٥٧].

(٣١) ألم تريا أني حميت حقيقتي

وباشرت حدّ الموت والموت دونها

والشاهد : والموت دونها : الواو : للحال. الموت : مبتدأ. دون : بالرفع خبر المبتدأ مرفوع بالضمة.

والشاهد : رفع (دون) على أنه معرب متأثر بالعامل الذي هو المبتدأ ـ ويجوز فيه البناء على الفتح» إذا كانت القوافي منصوبة. [الشذور / ٨١ ، والهمع / ١ / ٢١٣ ، والحماسة / ٣٧١ ، والبيت لموسى بن جابر.

٢١٥

(٣٢) يحشر الناس لا بنين ولا آباء

إلّا وقد عنتهم شؤون

لم يعرف قائله.

قوله : لا بنين : لا : نافية للجنس ، بنين : اسمها مبني على الياء ، وخبرها محذوف. لا آباء : لا ، واسمها مبني على الفتح والخبر محذوف. إلّا : استثناء. (وقد عنتهم شؤون) جملة حالية. وهذا الحال في المعنى مستثنى من عموم الأحوال.

والشاهد : لا بنين : حيث جاء اسم «لا» جمعا ، فبني على الياء. خلافا للمبرد الذي يرى أن المثنى وجمع المذكر السالم ، يعربان إذا جاءا اسم «لا» النافية للجنس. [الشذور / ٨٤ ، والهمع / ١ / ١٤٦ ، والأشموني / ٢ / ٧].

(٣٣) يا طلحة بن عبيد الله قد وجبت

لك الجنان وبوّئت المها العينا

منسوب إلى أبي بكر رضي‌الله‌عنه يقوله في طلحة بن عبيد الله ـ طلحة الفياض وكان قد قام في يوم أحد مقاما محمودا إذ دفع عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقوله : بوّئت : أراد هنا معنى أفردت بها. والمها : البقرة الوحشية ، والعرب تستعيرها للمرأة. والعين : جمع عيناء وهي واسعة العينين. يا : أداة نداء. طلحة : منادى. يجوز ضمه وفتحه ، فإن ضممته فهو مبني على الضمّ في محل نصب لأنه مفرد علم. وإن فتحته : فقيل : هو مبني على الضم المقدر على آخره منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة الاتباع وقيل : هو منصوب بالفتحة لأنه مضاف إلى ما بعد ابن ، ولفظ (ابن) مقحم وقيل : هو مع ابن مركبان تركيب (خمسة عشر) فهو مبني على فتح الجزئين. والأول أقوى.

وقوله «ابن» هو بالفتح : فإن ضممت طلحة فهو نعت له بالنظر إلى محله. وإن فتحت «طلحة» فهو نعت له بالنظر إلى محله أيضا ، لأن فتحة طلحة ، فتحة إتباع.

وقوله : المها : إما منصوب على نزع الخافض وإما مفعول ثاني لـ «بوّئت».

والشاهد : يا طلحة بن عبيد الله. فإن المنادى هنا وهو طلحة ، علم مفرد وقد وصف بابن وهذا الوصف مضاف إلى علم ، وهو عبيد الله ، وهذا العلم الثاني أبو العلم الأول ، والمنادى إذا كان بهذه الصفة جاز فيه الضم على الأصل والفتح على أحد وجوه ثلاثة :

٢١٦

للاتباع ، أو للبناء على فتح الجزئين ـ والإعراب ، على أنّ «ابن» مقحمة بين المضاف والمضاف إليه. الشذور / ١١٤].

(٣٤) أقاطن قوم سلمى أم نووا ظعنا

إن يظعنوا فعجيب عيش من قطنا

والشاهد : أقاطن قوم : حيث اكتفى بالفاعل «قوم» عن خبر المبتدأ لكون ذلك المبتدأ وصفا معتمدا على أداة الاستفهام وهي الهمزة.

وقوله : فعجيب : الفاء : واقعة في جواب الشرط. عجيب : خبر مقدم. عيش : مبتدأ مؤخر. والجملة جواب الشرط. [شذور الذهب / ١٨١ ، وشرح التصريح / ١ / ١٥٧].

(٣٥) أنكرتها بعد أعوام مضين لها

لا الدار دارا ولا الجيران جيرانا

قوله : أنكرتها : أي : لم أعرفها لدثور علاماتها الدالة عليها. يصف دارا كان يلقى أحبابه فيها قبل مضي أعوام بأنه لما مرّ بها لم يعرفها لتغيرها وذهاب معارفها.

والشاهد : لا الدار دارا. ولا الجيران جيرانا حيث أعمل «لا» في الموضعين عمل «ليس» مع أن اسمها في الموضعين معرفة. وحق اسمها التنكير. وقد جاء في شعر المتنبي :

«فلا الحمد مكسوبا ولا المال باقيا». [شذور الذهب].

(٣٦) صددت الكأس عنّا أمّ عمرو

وكان الكأس مجراها اليمينا

لعمرو بن كلثوم من معلقته. وكان : الواو : للحال ، كان الكأس : كان واسمها. مجراها : مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة. اليمينا : ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر المبتدأ. وجملة المبتدأ والخبر خبر كان.

ويجوز أن يكون قوله «مجراها» بدلا من الكأس.

وقوله اليمينا : ظرف متعلق بمحذوف خبر كان.

والشاهد : «اليمينا» حيث نصبه على الظرف ، وكونه خبر المبتدأ.

(٣٧) إذا ما الغانيات برزن يوما

وزجّجن الحواجب والعيونا

٢١٧

للراعي النميري من قصيدة مطلعها :

أبت آيات حبّي أن تبينا

لنا خبرا ، وأبكين الحزينا

والشاهد : والعيونا : فإن هذه الكلمة لا تصلح أن تكون معطوفة على ما قبلها عطف مفرد على مفرد ، لانتفاء اشتراك المعطوف ـ وهو العيون ـ مع المعطوف عليه وهو الحواجب ـ في العامل ، وهو «زججت ، لأن التزجيح هو ترقيق الحواجب. ولا يصلح أن يكون قوله «العيون» مفعولا معه لأن الإخبار بالمعية هاهنا لا يفيد شيئا. ولذلك وجب واحد من أمرين : الأول : أن يتضمن العامل. زجج ـ معنى فعل آخر يصلح تسليطه عليهما مثل «جملن وحسّنّ. وحينئذ يكون الثاني معطوفا على الأول. والثاني : أن تجعل العيون مفعولا به لفعل محذوف ، تقديره وكحلن. [الإنصاف / ٦١٠ ، والشذور ، والهمع / ١ / ٢٢ ، والأشموني / ٢ / ١٤٠ ، وشرح المفصل / ٦ / ٩٢].

(٣٨) إن يقل هنّ من بني عبد شمس

فحرى أن يكون ، ذاك ، وكانا

منسوب للأعشى ميمون. فحرى : الفاء واقعة في جواب الشرط حرى : فعل ماض ناقص. أن يكون : المصدر المؤول خبرها. ذاك : اسم الإشارة اسم حرى. ويكون : فعل تام فاعله مستتر. وكان : فعل تام ، فاعله مستتر.

والشاهد : (حرى) حيث استعمل فعلا دالا على الرجاء. [الشذور / ٢٦٨ ، والهمع / ١ / ١٢٨].

(٣٩) لمّا تبيّن مين الكاشحين لكم

أنشأت أعرب عما كان مكنونا

الكاشحون : المبغضون. والمين : الكذب. وأنشأت : شرعت.

والشاهد : أنشأت أعرب : حيث أتى بخبر «أنشأ» فعلا مضارعا مجردا من أن المصدرية وذلك واجب في هذا الفعل وفي أفعال الشروع كلها. [الشذور : ٢٧٧ والهمع / ١ / ١٢٨].

(٤٠) إن هو مستوليا على أحد

إلا على أضعف المجانين

غير منسوب.

٢١٨

والشاهد : إن هو مستوليا حيث أعمل «إن» النافية عمل ليس ، فرفع بها الاسم ، وهو الضمير المنفصل ، ونصب بها الخبر وهو قوله «مستوليا» ويؤخذ من هذا الشاهد : أن «إن» النافية مثل «ما» من أنها لا تختص بالنكرات كما تختص بها «لا» فإن الاسم في البيت ضمير.

والشاعر يصف رجلا بالعجز وضعف التأثير فيقول : إنه ليس غالبا لأحد من الناس ولا مؤثرا فيه إلا أن يكون ذلك المغلوب والمؤثر فيه من ضعاف العقول. [الخزانة / ٤ / ١٦٦ ، والشذور ، والهمع / ١ / ١٢٥ ، والأشموني / ١ / ٢٥٥].

(٤١) ووجه مشرق اللون

كأن ثدياه حقّان

غير منسوب. والحقان : تثنية حقّ ، وهو قطعة من خشب أو عاج تنحت أو تسوّى ، شبه بهما الثديين في نهودهما واكتنازهما.

قوله : ووجه : يروى بالرفع على أن الواو للعطف والاسم معطوف على مذكور سابق ويروى بالجر على أن الواو واو ربّ ، ووجه : مبتدأ. مرفوع بضمة مقدرة ومشرق : صفة.

والشاهد : كأن ثدياه حقان : حيث خفف كأن وحذف اسمه وجاء بخبره جملة اسمية من المبتدأ وخبره «ثدياه حقان». ولما كانت جملة الخبر اسمية لم يحتج إلى فاصل يفصلها من «كأن». [سيبويه / ٣ / ١٢٨ ، والشذور ، والإنصاف / ١٩٧ ، وشرح المفصل / ٨ / ٧٢ ، والهمع / ١ / ١٤٣ والخزانة / ١٠ ، ٣٩٨].

(٤٢) ربّ وفّقني فلا أعدل عن

سنن الساعين في خير سنن

مجهول. والسّنن : بفتح السين والنون : الطريق.

والشاهد : فلا أعدل. حيث نصب المضارع «أعدل» بأن المضمرة وجوبا بعد فاء السببية الواقعة في جواب فعل الدعاء الذي هو «وفّق» ومنه يتبين أن الفصل بلا النافية بين الفاء والفعل لا يمنع من عمل النصب. [الشذور ، والهمع / ٢ / ١١ ، والأشموني / ٣ / ٣٠٢].

(٤٣) ألا رسول لنا منا فيخبرنا

ما بعد غايتنا من رأس مجرانا

لأمية بن أبي الصلت : يقول : إن الإنسان إذا مات لم يعرف مدة إقامته في القبر إلى أن

٢١٩

يبعث ، فيتمنّى أن يجيئه رسول من الأموات يخبره بحقيقة ذلك...

ألا : كلمة أصلها مركبة من همزة الاستفهام ولا النافية للجنس ، وصار معناها التمني. وبقي لـ «لا» عملها بعد التركيب : رسول : اسمها مبني على الفتح وخبرها الجار والمجرور «لنا» ويروى لنا (منها) أي : من القبور. ما بعد : ما استفهامية مبتدأ. بعد : خبر المبتدأ.

والشاهد : فيخبرنا : حيث نصب المضارع بأن مضمرة وجوبا بعد فاء السببية. الواقعة في جواب التمني المدلول عليه بقوله «ألا». [سيبويه / ١ / ٢٤٠ ، والشذور / ٣٠٩].

(٤٤) فقلت ادعي وأدعو إنّ أندى

لصوت أن ينادي داعيان

يروى للأعشى ، ويروى للحطيئة. ونسب إلى الفرزدق ، ونسب إلى غيرهم.

وقوله : أندى : أفعل تفضيل من قولهم : ندي صوته يندى ندى : من باب فرح ـ إذا بعد أمده وامتدّ.

وقوله : ادعي : فعل أمر ، والياء فاعله. وأدعو : مضارع منصوب بأن مضمرة بعد واو المعية. إنّ أندى : إنّ واسمها : لصوت : متعلقان بـ «أندى» وقيل : اللام زائدة ، وأندى : مضاف ، وصوت مضاف إليه. وخبر (إنّ) المصدر المؤول (أن ينادي داعيان) وداعيان : فاعل ، ينادي.

والشاهد : وأدعو : منصوب بأن مضمرة بعد واو المعية الواقعة في جواب الأمر. وقبل البيت الشاهد :

تقول حليلتي لما اشتكينا

سيدركنا بنو القرم الهجان

ويروى الشاهد : فقلت ادعي وأدع فإنّ أندى ، أي : ولأدع ، مجزوم بلام أمر محذوفة. ولكن ابن قتيبة عاب هذه الرواية ، وعدها من عيوب الإعراب في مقدمة كتاب «الشعر والشعراء». [سيبويه / ١ / ٢٢٦ ، والإنصاف / ٥٣١ ، وشرح المفصل / ٧ / ٣٣ ، وشرح المغني / ٦ / ٢٢٩ ، والشذور].

(٤٥) أبالموت الذي لا بدّ أنّي

ملاق ـ لا أباك ـ تخوّفيني

٢٢٠