شرح الشّواهد الشعريّة في أمّات الكتب النحويّة - ج ٢

محمّد محمّد حسن شرّاب

شرح الشّواهد الشعريّة في أمّات الكتب النحويّة - ج ٢

المؤلف:

محمّد محمّد حسن شرّاب


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢٠

١
٢

٣

٤

قافية الزاي

(١) كأن لم يكونوا حمى يتّقى

إذ النّاس إذ ذاك من عزّ بزّا

البيت من قصيدة للخنساء ، تبكي فيها إخوتها وزوجها ، واسمها : تماضر بنت عمرو ابن الشريد ، تنتهي إلى بني سليم. والخنساء : مؤنث الأخنس. والخنس : تأخر الأنف عن الوجه مع ارتفاع قليل في الأرنبة. ويقال لها : خناس أيضا ، بضم الخاء. وهي صحابية ـ رضي‌الله‌عنها ـ وفدت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأسلمت. وروي أن النبي عليه‌السلام كان يعجبه شعرها ، ويستنشدها ويقول : «هيه يا خناس». وقولها : كأن لم يكونوا حمى ـ الحمى : نقيض المباح ، والحمى : الشيء الممنوع ـ فقد زعمت أنّ أهلها كانوا حمى يتقيه الناس ، ولا يدنون منه لعزّهم. وقولها : من عزّ بزّ ، أي : من غلب سلب.

و «إذ» الأولى : ظرف متعلق بـ «يكونوا» ، أو بـ «حمى» ، أو بـ «يتّقى» ، والثانية : متعلقة بـ «بزّ» ، و «ذاك» : مبتدأ وخبره محذوف ، تقديره : كائن ، لأنّ «إذ» لا تضاف إلا إلى جملة. و «من» ، بمعنى الذي : مبتدأ. و «بزّ» : خبره. و «الناس» : مبتدأ ، خبره جملة «من عزّ بزّ».

وقولها «من عزّ بزّ» مثل. [شرح أبيات المغني / ٢ / ١٨٥].

(٢) وأفنى رجالي فبادوا معا

فأصبح قلبي بهم مستفزّا

للخنساء من قصيدة الشاهد السابق. وقولها : مستفزّا ، أي : مستخفّا.

والشاهد : أنّ معا ، استعمل في الجماعة ، وهو بمعنى جميعا ، ويعرب حالا ، إلا أنّ «مع» قد تفيد وقوع الحدث من الاثنين في وقت واحد ، وجميعا في وقتين ، أو في وقت واحد. [شرح أبيات المغني / ٦ / ٥].

(٣) وهنّ وقوف ينتظرن قضاءه

بضاحي عذاة أمره وهو ضامز

البيت للشّمّاخ ، معقل بن ضرار الغطفاني ، أدرك الجاهلية والإسلام ، وله صحبة ،

٥

وشهد القادسية ، وتوفي في زمن عثمان بن عفان. والضمير في «هنّ» و «ينتظرن» يعود لأتن الوحش ، جمع أتان. والضمير في «قضاءه» ، و «أمره» للحمار. و «الضامز» : الساكت عن النهيق. يشبّه راحلته بحمار وحش يطلب ماء في شدّة القيظ ، معه أتنه.

وقوله : «وقوف» ، جمع واقف. وكان يجب أن يقول : واقفات أو وقف ، وربما حمل التذكير على معنى الشخص ، أو لأنّ الجمع يذكّر ويؤنّث ، أو المعنى : وهنّ ذات وقوف ، فحذف المضاف ، فيكون الوقوف مصدرا. و «قضاءه» : مصدر مضاف إلى فاعله ، و «أمره» : مفعوله ، وهو من قضيت حاجتي ، أي : بلغتها ونلتها. والضاحي من الأرض : الظاهر البارز. والعذاة : الأرض الطيبة التربة ، الكريمة النبت.

وفي البيت فصل بالجار والمجرور بين المصدر ومنصوبه إذا جعلنا «بضاحي» ، متعلق بـ «وقوف» أو «ينتظرن» ، وعلى هذا يكون «أمره» منصوب بفعل مقدر.

وعند ابن هشام : أنّ الباء متعلقة بقضائه ، لا بوقوف ولا ينتظرن ؛ لئلا يفصل بين «قضاءه» و «أمره» بالأجنبي ، ولا حاجة إلى تقدير فعل ينصب «أمره».

وجملة «ينتظر» : حال من الضمير في «وقوف» أو صفة له. وجملة «وهو ضامز» : حال أيضا. [شرح أبيات المغني / ٧ / ١٦٤].

(٤) وكلّ خليل غير هاضم نفسه

لوصل خليل صارم أو معارز

البيت للشماخ ، والهضم : الظلم. والصارم : القاطع ، وهو خبر «كلّ». والمعارز : المنقبض ، يقول : كل خليل لا يهضم نفسه لخليله ، فهو قاطع لوصله ، أو منقبض عنه.

والشاهد : أجرى «غير» على «كل» نعتا لها ؛ لأنها مضافة إلى نكرة ، ولو أجرى «غير» على المضاف إليه المجرور لكان حسنا ، [سيبويه / ١ / ٢٧١].

(٥) لا درّ درّي إن أطعمت نازلكم

قرف الحتيّ وعندي البرّ مكنوز

 ... البيت للشاعر المتنخّل الهذلي ، وقوله : لا درّ دري ، أي : لا كثر خيره ولا زكا عمله. والنازل : الضيف. والحتي : سويق الدوم. وقرفه : قشره ، يريد اللحمة التي على عجمه. والقرف والقرفة : القشرة ، يقول : لا اتّسع عيشي إن آثرت نفسي على ضيفي بالبرّ وأطعمته قرف الحتي. والشاهد : رفع «مكنوز» على الخبرية للبر ، مع إلغاء الظرف «عندي» ،

٦

ولو نصبه على الحال مع اعتماد الجار والمجرور خبرا ، لجاز أيضا. [سيبويه / ١ / ٢٦١ ، واللسان «درر ، حتا»].

(٦) إمّا تريني اليوم أمّ حمز

قاربت بين عنقي وجمزي

رجز لرؤبة بن العجاج ، يصف كبره وعلوّ سنّه وأنه يقارب الخطو في عنقه وجمزه ، وهما ضربان من السير ، والجمز : أشدهما ، وهو كالوثب والقفز.

والشاهد : ترخيم «حمزة» في غير النداء للضرورة. [سيبويه / ١ / ٣٣٣ ، والإنصاف / ٣٤٩].

(٧) يا أيّها الجاهل ذو التنزّي

رجز لرؤبة بن العجاج. والتنزّي : خفة الجهل ، وأصله : التوثب.

والشاهد : نعت الجاهل بـ «ذو التنزّي» مرفوعة مع أنها مضافة ، لأن «الجاهل» غير منادى ، فليس في موضع نصب حتى تنصب صفته على المحلّ. [سيبويه / ١ / ٣٠٨ ، وشرح المفصل / ٦ / ١٣٨].

(٨) برأس دمّاغ رؤوس العزّ

رجز لرؤبة من أرجوزة يمدح بها أبان بن الوليد البجلي. والدّماغ : مبالغة دامغ ، وهو الذي يبلغ بالشجّة إلى الدماغ. رؤوس العز : أي : رؤوس أهل العزّ.

والشاهد : إعمال «دمّاغ» مبالغة اسم الفاعل (دامغ) عمل الفعل ، فنصب المفعول به (رؤوس). [سيبويه / ١ / ٥٨].

(٩) مثل الكلاب تهرّ عند بيوتها

ورمت لهازمها من الخزباز

البيت غير منسوب ، والخزباز : داء يصيب الكلاب في حلوقها ، وهو أيضا ذباب يقع في الرياض. ويقال : هو صوت الذباب ، وهو أيضا اسم للنبت. واللهازم : جمع لهزمة ، وهي مضغة في أصل الحنك. ويروى في الشطر الأول «عند درابها» جمع درب ، وهو باب السكة الواسع ، أو الباب الكبير.

والشاهد : في قوله «من الخزباز» فهو مبني على الكسر. [سيبويه / ٢ / ١٥ ،

٧

والإنصاف / ٣١٥].

(١٠) نسيا حاتم وأوس لدن فا

ضت عطاياك يا بن عبد العزيز

البيت بلا نسبة في الأشموني.

والشاهد : نسيا حاتم وأوس ، حيث ثني الفعل المبني للمجهول فجاء بألف الاثنين ، وبعدها نائب الفاعل الظاهر والمعطوف عليه ، وهي في اصطلاح ابن مالك (لغة يتعاقبون فيكم ملائكة) ، وفي اصطلاح غيره (أكلوني البراغيث) ، وهي لغة صحيحة جاء عليها شواهد كثيرة من القرآن والشعر. [الأشموني / ٢ / ٤٧].

٨

قافية السين

(١) خلا أنّ العتاق من المطايا

حسين به فهنّ إليه شوس

لأبي زبيد الطائي ، والعتاق : جمع عتيق ، وهو الأصيل. والمطايا : جمع مطية وهي الدابة. وحسين به : بفتح الحاء وكسر السين أو فتحها ، وآخره نون جماعة الإناث ، أصله حسن به فأبدل من ثاني المثلين ياء ، تقول : حسست به ، وحسيت به ، بكسر السين فيهما ، وحسيته بفتح السين ، وأحسيت ، وهذا كله من محوّل المضعّف ، تقول : حسيت بالخبر وأحسيت به ، والعامة اليوم تقول : حسّيت بالخبر بتشديد السين. وقوله : فهنّ شوس ، والشوس : جمع أشوس ، وهو الوصف من الشّوس ، وهو النظر بمؤخر العين.

والشاهد : خلا أنّ العتاق : حيث قدم المستثنى في أول الكلام ، وهو من شواهد الكوفيين على ذلك ، وقال الأعشى :

خلا الله لا أرجو سواك وإنّما

أعدّ عيالي شعبة من عيالكا

[الخصائص / ٢ / ٤٣٨ ، والإنصاف / ٢٧٣ ، وشرح المفصل / ١٠ / ١٥٤ ، واللسان «حسس ـ حسا»].

(٢) اضرب عنك الهموم طارقها

ضربك بالسّوط قونس الفرس

لطرفة بن العبد ، وطارقها : من طرق يطرق إذا أتى ليلا. وقونس الفرس ، بفتح القاف والنون : هو العظم الناتىء بين أذني الفرس.

والشاهد : اضرب عنك ، يروى الفعل بفتح الباء ، وأصله : اضربن عنك ، بنون توكيد خفيفة ساكنة ، ثم حذف الشاعر نون التوكيد وهو ينويها ، ولذلك أبقى الفعل على ما كان عليه وهو مقرون بها ؛ لتكون هذه الفتحة مشيرة إلى النون المحذوفة ، وهذا شاذ ؛ لأن نون التوكيد الخفيفة إنما تحذف إذا وليها ساكن كقول الشاعر :

٩

لا تهين الفقير علّك أن تركع

يوما والدهر قد رفعه

أصله (لا تهينن الفقير) ومثل بيت الشاهد قول الشاعر :

خلافا لقولي من فيالة رأيه

كما قيل قبل اليوم خالف تذكرا

فقال «خالف» بفتح آخره ، وهو فعل أمر ، وأصله «خالفن» بنون التوكيد الخفيفة. [الخصائص / ١ / ١٢٦ ، والإنصاف / ٥٦٨ ، وشرح المفصل / ٩ / ٤٤ ، وشرح أبيات المغني / ٧ / ٣٥٨ ، والهمع / ٢ / ٧٩ ، والأشموني / ٣ / ٢٢٨].

(٣) وبدّلت قرحا داميا بعد صحة

لعلّ منايانا تحوّلن أبؤسا

البيت لامرىء القيس من قصيدة يذكر فيها ما أصابه من مرض بعد عودته من عند قيصر الروم وقد استعداه على بني قومه بني أسد ـ قبّحه الله ـ وأظن أن قصته مع بنت القيصر موضوعة.

والقرح ، بالضم والفتح : الجرح. وأبؤس : جمع بؤس ، وهو الشدة. والفعل «تحول» من أخوات «صار».

والشاهد : أنه يجوز أن يكون خبر «لعل» فعلا ماضيا. ويرى الحريري في «درة الغواص» أنّ «لعلّ» لتوقّع الرجاء ، ولا يكون خبرها ماضيا ؛ لأن فيه مناقضة. والبيت ينقض كلام الحريري ، وجاء في الحديث «وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر ، فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم». والحديث في البخاري ،. فيه أنّ «لعلّ» بمعنى «ظنّ». [شرح أبيات المغني / ٥ / ١٧٧].

(٤) فلم أر مثل الحيّ حيّا مصبّحا

ولا مثلنا يوم التقينا فوارسا

أكرّ وأحمى للحقيقة منهم

وأضرب منّا بالسيوف القوانسا

من قصيدة للعباس بن مرداس الصحابي ، قالها في الجاهلية ، وهي في الحماسة ، وتعدّ قصيدته إحدى «المنصفات» ؛ لأنه اعترف لأعدائه بالصبر على المكاره في الحرب ، يقول : فلم أر مغارا عليه كالذين صبّحناهم ، ولا مغيرا مثلنا يوم لقيناهم ، و. نتصب «حيّا مصبّحا» على التمييز ، وكذلك «فوارسا» ويجوز أن يكونا في موضع الحال.

وقوله : أكرّ : من الكرّ ، وهو الصولة على الأعداء. والحقيقة : ما يحقّ عليه حفظه من

١٠

الأهل والأولاد والجار ، والمصراع الأول : ينصرف إلى أعدائه ، والثاني إلى عشيرته. والقوانس : أعلى البيضة. وانتصب «القوانس» من فعل دلّ عليه قوله : «وأضرب منا» ، ولا يجوز أن يكون انتصابه عن «أضرب» ؛ لأن أفعل الذي يتمّ بـ (من) لا يعمل إلا في النكرات ، كقولك «هو أحسن منك وجها» ، وأفعل هذا يجري مجرى فعل التعجب ، ولذلك يعدى إلى المفعول الثاني باللام ، فنقول : ما أضرب زيدا لعمرو. [شرح أبيات المغني / ٧ / ٢٩٢].

(٥) هذي برزت لنا فهجت رسيسا

ثمّ انصرفت وما شفيت نسيسا

مطلع قصيدة للمتنبي ، مدح بها محمد بن زريق الطوسي. والرسيسا : ما رسّ في القلب من الهوى ، أي : ثبت. والنسيس : بقية النفس بعد المرض والهزال ، يقول : برزت لنا ، فحركت ما كان في قلبنا من هواك ثم انصرفت ولم تشف بقايا نفوسنا التي أبقيت لنا بالوصال.

والشاهد : «هذي». قال ابن جني : يا هذه ، ناداها ، وحذف حرف النداء ضرورة. وقال المعري : «هذي» موضوعة موضع المصدر ، إشارة إلى البرزة الواحدة ، كأنه يقول : هذه البرزة برزت لنا ، كأنه يستحسن تلك البرزة الواحدة.

(٦) قد أصبحت بقرقرى كوانسا

فلا تلمه أن ينام البائسا

هذا رجز. رواه سيبويه ، ولم ينسبه. وقرقرى : موضع. وقوله : كوانسا : جمع كانس ، وكنس الظبي : أوى إلى كناسه ، أي : بيته ، وقد استعاره للإبل ، وصف إبلا بركت بعد الشبع فنام راعيها ؛ لأنه غير محتاج إلى رعيها.

والشاهد : البائسا. قال الكسائي : يجوز أن يوصف الضمير للترحم عليه ، والتوجع له. فالبائس : صفة لضمير المفعول به وهو الهاء في «لا تلمه». وعند سيبويه يجوز أن يكون بدلا من الهاء ، وأن يكون منصوبا بعامل محذوف على الترحم. [شرح أبيات المغني / ٦ / ٣٥١ ، وسيبويه / ١ / ٢٥٥ ، والهمع / ١ / ٦٦].

(٧) إنّ سلمى من بعد يأسي همّت

بوصال لو صحّ لم تبق لي بوسا

عيّنت ليلة فما زلت حتى

نصفها راجيا فعدت يؤوسا

لم يعرف للبيتين قائل.

والشاهد : في البيت الثاني قوله : حتى نصفها ، حيث اشترطوا في مجرور «حتى» أن يكون آخر جزء فيما قبلها ، كقولهم : (أكلت السمكة حتى رأسها) ، أو ملاقي آخر جزء ، كقوله

١١

تعالى : (سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) [القدر : ٥]. والبيت الثاني في قوله «حتى نصفها» ينقض هذا الشرط ، ويرون أنه إذا لم يكن ما بعد حتى جزءا ـ كما في المثال ـ نستخدم مكانها «إلى» ؛ لأنها تدخل على كل ما جعلته انتهاء الغاية. [شرح أبيات المغني / ٣ / ٩٤ ، والهمع / ٢ / ٣٢].

(٨) أقمنا بها يوما ويوما وثالثا

ويوما له يوم التّرحّل خامس

البيت لأبي نواس الحسن بن هانىء ، وبعده قوله :

تدار علينا الراح في عسجديّة

حبتها بأنواع التصاوير فارس

قرارتها كسرى وفي جنباتها

مها تدرّيها بالقسيّ الفوارس

والعسجدية : الكأس المصنوعة من العسجد ، وهو الذهب. يصف الكأس التي شرب فيها ما ذكره ، وأنها مزينة بالصور.

والشاهد في البيت : أن الواو قد عطف ما حقه الجمع ، فيقال : أقمنا أياما. [شرح أبيات المغني / ٦ / ٨٣].

(٩) آليت حبّ العراق الدهر أطعمه

والحبّ يأكله في القرية السوس

البيت للشاعر المتلمس (جرير بن عبد المسيح) ، يخاطب عمرو بن هند ملك الحيرة ، وكان الشاعر قد هجاه ، مع ابن أخته طرفة في القصة المشهورة التي قتل فيها طرفة ، ونجا المتلمس ، وهرب إلى الشام ، ثم كلموا عمرو بن هند في رجوع المتلمس فحلف ألا يذوق حبّ العراق ما عاش عمرو بن هند ، فقال يذكره ، ويقول له : إن بالشام في الحبّ ما يغني عن حبّ العراق بدليل ما بعده.

وقوله : أطعمه : آكله ، و «لا» النافية مقدرة كقوله تعالى : (تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ) [يوسف : ٨٥] ، أي : لا تفتأ وأراد بالقرية : الشام.

والشاهد : أن سيبويه جعل انتصاب «حبّ» في الشطر الأول على نزع الخافض وهو «على» ، وخولف سيبويه في ذلك ، وقالوا : إنما معناه : آليت أطعم حبّ العراق ، أي : لا أطعم ، فهو من باب الاشتغال ، فلفظ «حبّ» منصوب بإضمار فعل. [سيبويه / ١ / ١٧ ، والأشموني / ٢ / ٩٠ ، وشرح أبيات المغني / ٢ / ٢٥٩].

١٢

(١٠) وأسلمني الزّمان كذا

فلا طرب ولا أنس

لم يعرف قائله. وذكره ابن هشام في «المغني» على أن «كذا» مركبة من الكاف و «ذا» وبهذا لا تكون هنا كناية عن شيء. وقال غيره : هي هنا كناية عن حال نكرة ، والمعنى : خذلني الزمان حال كوني منفردا ، وهو الأقرب ؛ لأنه ليس في الكلام مشبه ، ولا يعرف البيت الذي قبله حتى يعرف المشبه. [شرح أبيات المغني / ٤ / ١٦٧].

(١١) وابن اللّبون إذا ما لزّ في قرن

لم يستطع صولة البزل القناعيس

البيت لجرير. وابن اللبون : ولد الناقة إذا استكمل السنة الثانية ، سمّي بذلك ، لأن أمه ولدت غيره ، فصار لها لبن. واللبون : الناقة والشاة ذات اللبن. وقوله : لزّ ، مبني للمجهول ، أي : شدّ. ولزّ الشيء بالشيء إذا قرن به لزّا. والقرن ، بفتحتين : الحبل الذي يشدّ به البعيران ، فيقرنان معا. والصولة : الحملة. والبزل : جمع بازل ، وهو البعير الذي دخل في السنة التاسعة. والقناعيس : جمع قنعاس بالكسر ، وهو الجمل العظيم الجسم ، الشديد القوة. وهذا البيت ضربه الشاعر مثلا لمن يعارضه ويهاجيه ، يقول : من رام إدراكي كان بمنزلة ابن اللبون إذا قرن في قرن مع البازل القنعاس ، إن صال عليه لم يقدر على دفع صولته ومقاومته.

والشاهد : أن ابن لبون نكرة ، فعرّف باللام. [ديوان جرير / ١٢٨ ، وسيبويه / ١ / ٢٦٥ ، وشرح المفصل / ١ / ٣٥ ، واللسان «لزز»].

(١٢) أزمعت يأسا مبينا من نوالكم

ولن ترى طاردا للحرّ كالياس

البيت للحطيئة من قصيدة يهجو بها الزبرقان بن بدر الصحابي ، ومنها البيت المشهور :

دع المكارم لا ترحل لبغيتها

واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي

وهي القصيدة التي سجن من أجلها الحطيئة زمن عمر بن الخطاب.

وقوله : أزمعت ، نقول : أزمعت الأمر ، وأزمعت عليه : أجمعت.

والشاهد : أن «من نوالكم» متعلقان بفعل محذوف تقديره «يئست من نوالكم» لا بالمصدر «يأسا» ؛ لأنه لا يعمل بعد الوصف ، ولكن هذا المانع مانع صناعي نحوي وليس

١٣

معنويا ، فالمعنى لا يأبى تعلقه بـ «يأسا». [الخصائص / ٣ / ٢٥٨ ، والهمع / ٢ / ٩٣ ، وشرح أبيات المغني / ٧ / ٢٣٦].

(١٣) أعلاقة أمّ الوليّد بعد ما

أفنان رأسك كالثّغام المخلس

البيت للمرار الفقعسي. والعلاقة : مصدر علق الرجل المرأة من باب فرح ، إذا أحبها. والعلاقة : الحب ، وتكون أيضا في الأمور المعنوية وهي بالفتح. والعلاقة بالكسر : علاقة السيف ونحوه من الأمور الحسّية. والوليّد : بالتصغير. والأفنان : أراد بها ذوائب شعره على سبيل الاستعارة. والثغام : نبات ترعاه الإبل ، إذا جفّ ابيضّ ، ويشبه به الشيب.

والبيت شاهد أنّ «ما» كافة لـ «بعد» عن الإضافة. وقيل : (ما) مصدرية ، والجملة بعدها في تأويل مصدر ، وما بعدها مضاف إلى (بعد). والمخلس : الذي خالطه السواد.

وفيه شاهد آخر : وهو إعمال المصدر «علاقة» عمل الفعل ونصب أم الوليد بـ (علاقة). [شرح أبيات المغني / ٥ / ٢٦٩ ، وسيبويه / ١ / ٦٠ ، وشرح المفصل / ٨ / ١٣١].

(١٤) عددت قومي كعديد الطّيس

إذ ذهب القوم الكرام ليسي

البيت منسوب إلى رؤبة بن العجاج. ويروى الشطر الأول : «عهدي بقومي كعديد الطيس» ، وهو الأقوم. والعديد : كالعدد. والطيس : كل خلق كثير النسل نحو النمل والذباب. وقيل : الكثير من الرمل.

وقوله : كعديد ، التقدير : عددتهم عدا كعديد ، جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لموصوف محذوف. وفي البيت شاهدان في «ليسي» :

الأول : أتى بخبر ليس ضميرا متصلا ، ولا يجوز عند جمهرة النحاة أن يكون إلا منفصلا ، فكان عليه القول : ليس إياي.

والثاني : حذف نون الوقاية من «ليس» مع اتصالها بياء المتكلم ، وذلك شاذ عند الجمهور الذين ذهبوا إلى أن «ليس» فعل. [شرح المفصل / ٣ / ١٠٨ ، وشرح أبيات المغني / ٤ / ٨٥ ، والهمع / ١ / ٦٤].

(١٥) فأين إلى أين النجاة ببغلتي

أتاك أتاك اللّاحقون احبس احبس

١٤

ليس له قائل معروف ، وهو شاهد على التوكيد اللفظي بتكرار أين ، وأتاك ، واحبس. [الخزانة / ٥ / ١٥٨ ، والهمع / ٢ / ١١١ ، والأشموني / ٢ / ٩٨].

(١٦) أطريفة بن العبد إنك جاهل

أبساحة الملك الهمام تمرّس

ألق الصحيفة لا أبالك إنه

يخشى عليك من الحباء النّقرس

الشعر للمتلمس يخاطب طرفة بن العبد ، ويطلب منه أن يمزق الصحيفة التي أوهمه ملك الحيرة أنه كتب له فيها عطاء يأخذه من والي البحرين ، فكان فيها الموت. وتمرس : تحكك. والحباء : العطاء. والنقرس هنا : المكر والداهية.

وقوله : النقرس بالرفع : معناه العالم ، ورفع النقرس ، أراد : أنا العالم. يقال : رجل نقريس نطّيس. وقوله : لا أبالك : كلام جرى مجرى المثل ، فإنك لا تنفي أباه في الحقيقة وإنما تخرجه مخرج الدعاء ، أي : أنت عندي ممن يستحق أن يدعى عليه بفقد أبيه ، فهو خبر في اللفظ دعاء في المعنى ، وهو كلام جرى مجرى المثل. [شرح أبيات المغني ج ٢ / ٢٦٦].

(١٧) أبا حسن ما زرتكم مذ سنيّة

من الدّهر إلا والزّجاجة تقلس

كريم إلى جنب الخوان وزوره

يحيّا بأهلا مرحبا ثم يجلس

رواها ابن منظور عن أبي الجراح يقولها في أبي الحسن الكسائي. وقلس الإناء يقلس : إذا فاض ، وقلست الكأس : إذا قذفت بالشراب لشدة الامتلاء.

والشاهد : مذ سنيّة. رواها صاحب «الجمل» في النحو ، «سنيّة» بالرفع ؛ لأنّ الاسم بعد «مذ» يرفع إذا دلّ على الزمن الماضي. وفي «اللسان» جاءت مجرورة.

قلت : لم أعرف من أبو الجرّاح قائل البيتين ، ويكثر ذكر «أبو الجراح العقيلي» و «أبو الجرّاح الأنفي» بين رواة الشعر. ويظهر من البيت الأول أنه يرمي الكسائي بشرب الخمر ، فإن صحّ ما ظننته في تفسير البيت ، فإن الشاعر كاذب ؛ لأن الكسائي أبا الحسن النحوي المقرىء رجل موثوق ، ولا يتهم بشرب الخمر ، وإنما وصمه بذلك حاسدوه ؛ لمكانته من الرشيد ، كما شوّه صورته البصريون بسبب قصته المزعومة مع سيبويه في المسألة الزنبوريّة ، ولو كان قد ابتلي بشيء مما ذكروا ما أظهره لجلّاسه وضيوفه ، وكيف يظهر للناس شاربا الخمر وهو يجلس في المسجد يقرىء الناس القرآن. اه.

١٥

(١٨) لقد رأيت عجبا مذ أمسا

عجائزا مثل السعالي خمسا

يأكلن ما في رحلهن همسا

لا ترك الله لهنّ ضرسا

ولا لقين الدّهر إلا تعسا

يقول : إنه رأى عجبا في اليوم الذي قبل يومه ، وقد بيّن هذا العجب بأنه خمس نساء عجائز يشبهن الغيلان ، ويأكلن ما في رحالهن من الطعام أكلا خفيّا ، ثم دعا عليهن بأن يقلع الله جميع أضراسهن. لقد : اللام واقعة في جواب قسم محذوف ، والتقدير : والله لقد رأيت. وعجبا : أصله رأيت شيئا عجبا ، حذف الموصوف وأقيم الوصف مكانه ، وأخذ إعرابه. و «مذ» حرف جر ، (أمس) مجرور علامة جره الفتحة ؛ لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والعدل عن الأمس ، عجائزا : بدل من «عجبا» وصرفه للضرورة ، و «خمسا» بدل من «عجائزا» أو صفة له ، وهمسا : مفعول مطلق ، وأصله صفة لمصدر محذوف (أكلا همسا).

والشاهد : «مذ» فإنها جاءت مفتوحة بدليل قوافي بقية الأبيات ، مع أنها مسبوقة بحرف الجر «مذ» ، فدل ذلك أن هذه الكلمة تعرب بالفتحة نيابة عن الكسرة عند جماعة من العرب ، وقد جاءت مرفوعة أيضا في شاهد آخر وهو :

اعتصم بالرجاء إن عنّ بأس

وتناس الذي تضمن أمس

أمس : فاعل مرفوع بالضمة. [سيبويه / ٢ / ٤٤ ، والشذور / ٩٩ ، والهمع / ١ / ٢٠٩].

(١٩) منع البقاء تقلّب الشمس

وطلوعها من حيث لا تمسي

وطلوعها حمراء صافية

وغروبها صفراء كالورس

اليوم أعلم ما يجيء به

ومضى بفصل قضائه أمس

هذه الأبيات ، لتبّع بن الأقرن ، أو لأسقف نجران ، وقوله : بفصل قضائه ، أراد بقضائه الفاصل ، أي : القاطع ، فالمصدر بمعنى اسم الفاعل ، وإضافته لما بعده من إضافة الصفة إلى الموصوف ، يقول : إن الخلود في هذه الدنيا ممتنع والدليل ، ما نشاهده من تقلبات الأحوال التي نراها في الشمس ، ومنه أن ما حدث بالأمس منّي ومن غيري لا يمكن لي أن أرده ؛ لأنه قد ذهب وانقطع ، ومن لا حيلة له كيف يأمل الخلود.

والشاهد : قوله «أمس» فإن هذه الكلمة قد وردت مكسورة الآخر بدليل قوافي الأبيات ، وهو فاعل لـ (مضى) ، ومن هنا نعلم أن الكلمة مبنية على الكسر في محل رفع ، وبناء

١٦

«أمس» على الكسر ، هو لغة أهل الحجاز. وهم يبنون «أمس» على الكسر إذا أريد به معينا ، ولم يضف ولم يعرف بأل ولم يصغر فإن فقد شرطا أعربوه ، ومعنى قولهم «معيّنا» أي : اليوم الذي قبل يومك. [الشذور / ٩٨ ، والهمع / ١ / ٢٠٩ ، والعيني / ٤ / ٣٧٣].

(٢٠) يا صاح يا ذا الضامر العنس

والرّحل ذي الأنساع والحلس

هذا الشاهد من كلام ابن لوذان السدوسي ، هكذا نسبه سيبويه. وفي الأغاني (١٥ / ١٢ / بولاق) أنه من كلام خالد بن المهاجر بن خالد بن الوليد. والعنس : أصله الناقة الشديدة. والأنساع : جمع نسع ، وهو سير يربط به الرحل. والحلس : كساء يوضع على ظهر البعير تحت الرحل. يا صاح : منادى مرخم ، وأصله : يا صاحبي. والضامر : نعت لـ (ذا) المنادى ، إما مرفوع تبعا للفظه المقدر. أو منصوب تبعا لمحله. والعنس : مضاف إليه.

الشاهد : يا ذا الضامر العنس ، فإن «ذا» منادى مبني ، والضامر العنس : نعت مقترن بأل ومضاف ، وقد روي برفع هذا النعت ونصبه ، فدلّ مجموع الروايتين على أن نعت المنادى إذا كان كذلك جاز فيه وجهان. [سيبويه / ١ / ٣٠٦ ، وشرح المفصل / ٢ / ٨ ، والخصائص / ٣ / ٣٠٢].

(٢١) يا مرو إنّ مطيّتي محبوسة

ترجو الحباء وربّها لم ييأس

البيت للفرزدق ، ومرو : مروان.

والشاهد : يا مرو : أصله يا مروان حيث رخّمه بحذف آخره وهو النون ، ثم أعقب هذا الحذف حذفا آخر ، فحذف الحرف الذي قبل النون ، وهو الألف لكونه حرفا ساكنا زائدا معتلا وقبله ثلاثة أحرف ، ومروان : هو مروان بن الحكم. [سيبويه / ١ / ٣٣٧ ، وشرح التصريح / ٢ / ١٨٦ ، والأشموني / ٣ / ١٧٨ ، والخزانة / ٦ / ٣٤٦].

(٢٢) مرّت بنا أوّل من أموس

تميس فينا ميسة العروس

البيت غير منسوب ، وقوله : أول : ظرف منصوب وأصل الكلام : مرّت بنا وقتا أول.

والشاهد : «أموس» فإنه جمع أمس ، وهو معرب ، لأنه مجرور بالكسرة ، والجمع من خصائص الأسماء ، وخصائص الأسماء علة قادحة في البناء إذا وجدت منعت منه.

والخلاصة : أن أمس : إذا أريد به يوم من الأيام الماضية ، أعرب نحو «فعلت ذلك

١٧

أمسا» ، أي في يوم ما من الأيام الماضية ، وكذلك في الجمع كما في الشاهد ، وكذلك إذا أضيف نحو «ما كان أطيب أمسنا». [شرح شذور الذهب / ١٠٠ ، والدرر / ١ / ١٧٦ ، والهمع / ١ / ٢٠٩ ، واللسان «أمس»].

(٢٣) وبلدة ليس بها أنيس

إلّا اليعافير وإلّا العيس

هذا الرجز لعامر بن الحارث (جران العود) ورواية الجزء الأول في ديوانه «بسابسا ليس به أنيس» ، والضمير يعود إلى المنزل ، وبلدة : الواو : واو ربّ ، بلدة : مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة. وجملة (ليس بها أنيس) صفة لبلدة ، والخبر محذوف تقديره «سكنتها». إلا : أداة استثناء. واليعافير : بدل من أنيس.

والشاهد : إلا اليعافير ، وإلا العيس ، حيث رفع اليعافير والعيس على أنهما بدلان من قوله «أنيس» ، مع أنهما ليسا من جنس الأنيس ، أي : الذي يؤنس به ، وجاز ذلك على التوسع في معنى «أنيس» ، فكأنه قال : ليس بها شيء إلا اليعافير. واليعافير : جمع يعفور : وهو الظبي الأعفر ، أي : الذي لونه لون التراب. والعيس : الإبل. [الشذور / ٢٦٥ ، وشرح التصريح / ١ / ٣٥٣ ، والدرر / ١ / ١٩٢ ، وسيبويه / ١ / ١٣٣].

(٢٤) ومرّة يحميهم إذا ما تبدّدوا

ويطعنهم شزرا فأبرحت فارسا

يمدح مرّة ، بأنه إذا تبددت الخيل ، ردّها وحماها ، والطعن الشزر هو ما كان في جانب ، وكان أشدّ لأن مقاتل الإنسان في جانبيه. وأبرحت : تبيّن فضلك ، كما يتبين البراح من الأرض ، والبيت لعباس بن مرداس.

والشاهد : نصب «فارسا» على التمييز للنوع الذي أوجب له فيه المدح ، وهو مثل ويحه رجلا ، ولله درّه فارسا ، وحسبك به رجلا. [سيبويه / ١ / ٢٩٩ ، والدرر / ٢ / ١١٩ ، والهمع / ٢ / ٩٠ ، والأصمعيات / ٢٠٦].

(٢٥) أقاتل حتى لا أرى لي مقاتلا

وأنجو إذا لم ينج إلا المكيّس

البيت لزيد الخير (الخيل) ، وقوله «مقاتلا» أي : قتالا ، والمعنى : أقاتل حتى لا أرى موضعا للقتال لغلبة العدو وظهوره ، أو لتزاحم الأقران وضيق المعترك عند القتال. والمكيّس : المعروف بالكيس ، وهو العقل والتوقد.

١٨

والشاهد : في «مقاتلا» أنها مصدر ميمي ، أو اسم مكان للقتال ، وكلاهما يجيء في وزن واحد. [سيبويه / ٢ / ٢٥٠ ، وشرح المفصل / ٦ / ٥٠ ، والخصائص / ١ / ٣٦٧].

(٢٦) هنيئا لأرباب البيوت بيوتهم

وللعزب المسكين ما يتلمّس

لأبي الغطريف الهدادي ، ويعني بأرباب البيوت ، ذوي الزوجات. والعزب : الذي لا زوج له ، والأنثى عزبة وعزب أيضا.

والشاهد : هنيئا ، ويعرب حالا ، والتقدير : ثبت لك الخير هنيئا ، ويحذف عامل الحال هنا سماعا. وبيوتهم : فاعل هنيئا ؛ لأنه صفة مشتقة ، ومثله «مريئا» تقول : هذا شيء هنيء مريء ، فهما ليسا بمصدرين ، ولكنهما أجريا مجرى المصادر التي يحذف فعلها للدعاء. [سيبويه / ١ / ١٦٠ ، والدرر / ١ / ٧ ، والهمع / ١ / ١١٢ ، ورواية الشطر الثاني «وللآكلين التمر مخمس مخمسا»].

(٢٧) إذا شقّ برد شق بالبرد مثله

دواليك حتى ليس للبرد لابس

البيت للشاعر سحيم عبد بني الحسحاس ، وكان العرب يزعمون أن المتحابين إذا شق كل واحد منهما ثوب صاحبه دامت المودة بينهما ، وفي البيت إقواء لأنه من أبيات مكسورة الروي ، وروي (حتى كلنا غير لابس) وعلى هذه فلا إقواء.

والشاهد : دواليك ، مصدر مثنى منتصب على إضمار الفعل المتروك إظهاره. ويعرب مفعولا مطلقا. إلا أن سيبويه يرى إمكان وقوع «دواليك» في هذا البيت حالا ، والكاف للخطاب ، لا يتعرف بها ما قبلها ، فلذا صح وقوعه حالا ، وثني لأن المداولة من اثنين. [سيبويه / ١ / ١٧٥ ، وشرح المفصل / ١ / ١١٩ / والخزانة / ٢ / ٩٩].

(٢٨) لله يبقى على الأيام ذو حيد

بمشخرّ به الظيّان والآس

البيت للشاعر أمية بن أبي عائذ ، شاعر إسلامي مخضرم.

قوله : لله : اللام ، للقسم والتعجب ، ويبقى : لا يبقى ، حذف حرف النفي بعد القسم.

وقوله : حيد : يروى بفتح الأول والثاني ، مصدر بمنزلة العوج والأود ، وهو اعوجاج يكون في قرن الوعل. ويروى بكسر الأول : جمع حيدة على وزن حيضة ، وهي العقدة في قرن الوعل. والمشمخرّ : الجبل العالي. والباء : بمعنى في. والظيّان ، ياسمين البرّ.

١٩

والآس : الريحان ، وإنما ذكرهما إشارة إلى أن الوعل في خصب ، فلا يحتاج إلى أن ينزل إلى السهل فيصاد.

والشاهد : (لله) دخول اللام على لفظ الجلالة في القسم بمعنى التعجب ، ولا تكون اللام للقسم إلا إذا كانت دالة على معنى التعجب.

ويروى البيت (يا ميّ لا يعجز الأيام ذو حيد) ، ولا شاهد فيه. [شرح أبيات المغني ج ٤ / ٢٩٩ ، وسيبويه / ٢ / ١٤٤ ، وشرح المفصل / ٩ / ٩٨ ، والهمع / ٢ / ٣٢].

(٢٩) يا ميّ إن تفقدي قوما ولدتهم

أو تخلسيهم فإن الدّهر خلّاس

عمرو وعبد مناف والذي عهدت

ببطن عرعر آبي الضّيم عبّاس

البيتان لأميّة بن أبي عائذ ، وقيل لغيره ، والشاعر يقول هذا لامرأته وقد فقدت أولادها فبكت. وتخلسيهم : مبني للمجهول ، أي : يؤخذون منك بغتة ، فإنّ الدهر من دأبه أن يؤخذ فيه الشيء بغتة وفجأة. وعمرو : هو هاشم بن عبد مناف. وقوله : والذي عهدت : التفات من الخطاب إلى الغيبة. وعرعر : اسم مكان ، ويروى : ببطن مكة. وعباس : هو ابن عبد المطلب ، وبين هذيل وقريش قرابة في النسب والدار ؛ لأنهم كلهم من ولد مدركة ابن الياس.

والشاهد : قطع عمرو ، وما بعده مما قبله ورفعه على الابتداء ، ولو نصب على البدل من «قوما» لجاز. [سيبويه / ٢ / ٢٥ ، والخزانة / ٥ / ١٧٤] ، ويروى البيتان لمالك بن خالد الخناعي ، أو الفضل بن العباس ، أو أبي ذؤيب الهذلي.

(٣٠) تالله لا يعجز الأيام مبترك

في حومة الموت رزّام وفرّاس

يحمي الصريمة أحدان الرجال له

صيد ومجترىء بالليل همّاس

لأمية بن أبي عائذ ، أو لغيره ، والأيام هنا : الموت. والمبترك : الأسد. والرزّام : المصوّت ، وإذا برك الأسد على فريسته رزم. وفرّاس : يدقّ ما يصيبه ، أي : يدقّ عنقه.

والصريمة : رملة فيها شجر. وحماها : منع الناس دخولها من خوفه. أحدان الرجال : الذين يقول أحدهم : أنا الذي لا نظير له في الشجاعة. يقول : إن هذا الأسد يصيد هؤلاء الذين يدلّون بالشجاعة ، وهو مع ذلك لا ينجو من الموت. وأحدان : جمع أحد بمعنى واحد ، وأحدان : بالنصب ، مفعول ثان ليحمي ، أي : يحمي الصريمة من أحدان الرجال

٢٠