محمّد محمّد حسن شرّاب
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢٠
قافية الزاي
(١) كأن لم يكونوا حمى يتّقى |
|
إذ النّاس إذ ذاك من عزّ بزّا |
البيت من قصيدة للخنساء ، تبكي فيها إخوتها وزوجها ، واسمها : تماضر بنت عمرو ابن الشريد ، تنتهي إلى بني سليم. والخنساء : مؤنث الأخنس. والخنس : تأخر الأنف عن الوجه مع ارتفاع قليل في الأرنبة. ويقال لها : خناس أيضا ، بضم الخاء. وهي صحابية ـ رضياللهعنها ـ وفدت على رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأسلمت. وروي أن النبي عليهالسلام كان يعجبه شعرها ، ويستنشدها ويقول : «هيه يا خناس». وقولها : كأن لم يكونوا حمى ـ الحمى : نقيض المباح ، والحمى : الشيء الممنوع ـ فقد زعمت أنّ أهلها كانوا حمى يتقيه الناس ، ولا يدنون منه لعزّهم. وقولها : من عزّ بزّ ، أي : من غلب سلب.
و «إذ» الأولى : ظرف متعلق بـ «يكونوا» ، أو بـ «حمى» ، أو بـ «يتّقى» ، والثانية : متعلقة بـ «بزّ» ، و «ذاك» : مبتدأ وخبره محذوف ، تقديره : كائن ، لأنّ «إذ» لا تضاف إلا إلى جملة. و «من» ، بمعنى الذي : مبتدأ. و «بزّ» : خبره. و «الناس» : مبتدأ ، خبره جملة «من عزّ بزّ».
وقولها «من عزّ بزّ» مثل. [شرح أبيات المغني / ٢ / ١٨٥].
(٢) وأفنى رجالي فبادوا معا |
|
فأصبح قلبي بهم مستفزّا |
للخنساء من قصيدة الشاهد السابق. وقولها : مستفزّا ، أي : مستخفّا.
والشاهد : أنّ معا ، استعمل في الجماعة ، وهو بمعنى جميعا ، ويعرب حالا ، إلا أنّ «مع» قد تفيد وقوع الحدث من الاثنين في وقت واحد ، وجميعا في وقتين ، أو في وقت واحد. [شرح أبيات المغني / ٦ / ٥].
(٣) وهنّ وقوف ينتظرن قضاءه |
|
بضاحي عذاة أمره وهو ضامز |
البيت للشّمّاخ ، معقل بن ضرار الغطفاني ، أدرك الجاهلية والإسلام ، وله صحبة ،
وشهد القادسية ، وتوفي في زمن عثمان بن عفان. والضمير في «هنّ» و «ينتظرن» يعود لأتن الوحش ، جمع أتان. والضمير في «قضاءه» ، و «أمره» للحمار. و «الضامز» : الساكت عن النهيق. يشبّه راحلته بحمار وحش يطلب ماء في شدّة القيظ ، معه أتنه.
وقوله : «وقوف» ، جمع واقف. وكان يجب أن يقول : واقفات أو وقف ، وربما حمل التذكير على معنى الشخص ، أو لأنّ الجمع يذكّر ويؤنّث ، أو المعنى : وهنّ ذات وقوف ، فحذف المضاف ، فيكون الوقوف مصدرا. و «قضاءه» : مصدر مضاف إلى فاعله ، و «أمره» : مفعوله ، وهو من قضيت حاجتي ، أي : بلغتها ونلتها. والضاحي من الأرض : الظاهر البارز. والعذاة : الأرض الطيبة التربة ، الكريمة النبت.
وفي البيت فصل بالجار والمجرور بين المصدر ومنصوبه إذا جعلنا «بضاحي» ، متعلق بـ «وقوف» أو «ينتظرن» ، وعلى هذا يكون «أمره» منصوب بفعل مقدر.
وعند ابن هشام : أنّ الباء متعلقة بقضائه ، لا بوقوف ولا ينتظرن ؛ لئلا يفصل بين «قضاءه» و «أمره» بالأجنبي ، ولا حاجة إلى تقدير فعل ينصب «أمره».
وجملة «ينتظر» : حال من الضمير في «وقوف» أو صفة له. وجملة «وهو ضامز» : حال أيضا. [شرح أبيات المغني / ٧ / ١٦٤].
(٤) وكلّ خليل غير هاضم نفسه |
|
لوصل خليل صارم أو معارز |
البيت للشماخ ، والهضم : الظلم. والصارم : القاطع ، وهو خبر «كلّ». والمعارز : المنقبض ، يقول : كل خليل لا يهضم نفسه لخليله ، فهو قاطع لوصله ، أو منقبض عنه.
والشاهد : أجرى «غير» على «كل» نعتا لها ؛ لأنها مضافة إلى نكرة ، ولو أجرى «غير» على المضاف إليه المجرور لكان حسنا ، [سيبويه / ١ / ٢٧١].
(٥) لا درّ درّي إن أطعمت نازلكم |
|
قرف الحتيّ وعندي البرّ مكنوز |
... البيت للشاعر المتنخّل الهذلي ، وقوله : لا درّ دري ، أي : لا كثر خيره ولا زكا عمله. والنازل : الضيف. والحتي : سويق الدوم. وقرفه : قشره ، يريد اللحمة التي على عجمه. والقرف والقرفة : القشرة ، يقول : لا اتّسع عيشي إن آثرت نفسي على ضيفي بالبرّ وأطعمته قرف الحتي. والشاهد : رفع «مكنوز» على الخبرية للبر ، مع إلغاء الظرف «عندي» ،
ولو نصبه على الحال مع اعتماد الجار والمجرور خبرا ، لجاز أيضا. [سيبويه / ١ / ٢٦١ ، واللسان «درر ، حتا»].
(٦) إمّا تريني اليوم أمّ حمز |
|
قاربت بين عنقي وجمزي |
رجز لرؤبة بن العجاج ، يصف كبره وعلوّ سنّه وأنه يقارب الخطو في عنقه وجمزه ، وهما ضربان من السير ، والجمز : أشدهما ، وهو كالوثب والقفز.
والشاهد : ترخيم «حمزة» في غير النداء للضرورة. [سيبويه / ١ / ٣٣٣ ، والإنصاف / ٣٤٩].
(٧) يا أيّها الجاهل ذو التنزّي
رجز لرؤبة بن العجاج. والتنزّي : خفة الجهل ، وأصله : التوثب.
والشاهد : نعت الجاهل بـ «ذو التنزّي» مرفوعة مع أنها مضافة ، لأن «الجاهل» غير منادى ، فليس في موضع نصب حتى تنصب صفته على المحلّ. [سيبويه / ١ / ٣٠٨ ، وشرح المفصل / ٦ / ١٣٨].
(٨) برأس دمّاغ رؤوس العزّ
رجز لرؤبة من أرجوزة يمدح بها أبان بن الوليد البجلي. والدّماغ : مبالغة دامغ ، وهو الذي يبلغ بالشجّة إلى الدماغ. رؤوس العز : أي : رؤوس أهل العزّ.
والشاهد : إعمال «دمّاغ» مبالغة اسم الفاعل (دامغ) عمل الفعل ، فنصب المفعول به (رؤوس). [سيبويه / ١ / ٥٨].
(٩) مثل الكلاب تهرّ عند بيوتها |
|
ورمت لهازمها من الخزباز |
البيت غير منسوب ، والخزباز : داء يصيب الكلاب في حلوقها ، وهو أيضا ذباب يقع في الرياض. ويقال : هو صوت الذباب ، وهو أيضا اسم للنبت. واللهازم : جمع لهزمة ، وهي مضغة في أصل الحنك. ويروى في الشطر الأول «عند درابها» جمع درب ، وهو باب السكة الواسع ، أو الباب الكبير.
والشاهد : في قوله «من الخزباز» فهو مبني على الكسر. [سيبويه / ٢ / ١٥ ،
والإنصاف / ٣١٥].
(١٠) نسيا حاتم وأوس لدن فا |
|
ضت عطاياك يا بن عبد العزيز |
البيت بلا نسبة في الأشموني.
والشاهد : نسيا حاتم وأوس ، حيث ثني الفعل المبني للمجهول فجاء بألف الاثنين ، وبعدها نائب الفاعل الظاهر والمعطوف عليه ، وهي في اصطلاح ابن مالك (لغة يتعاقبون فيكم ملائكة) ، وفي اصطلاح غيره (أكلوني البراغيث) ، وهي لغة صحيحة جاء عليها شواهد كثيرة من القرآن والشعر. [الأشموني / ٢ / ٤٧].
قافية السين
(١) خلا أنّ العتاق من المطايا |
|
حسين به فهنّ إليه شوس |
لأبي زبيد الطائي ، والعتاق : جمع عتيق ، وهو الأصيل. والمطايا : جمع مطية وهي الدابة. وحسين به : بفتح الحاء وكسر السين أو فتحها ، وآخره نون جماعة الإناث ، أصله حسن به فأبدل من ثاني المثلين ياء ، تقول : حسست به ، وحسيت به ، بكسر السين فيهما ، وحسيته بفتح السين ، وأحسيت ، وهذا كله من محوّل المضعّف ، تقول : حسيت بالخبر وأحسيت به ، والعامة اليوم تقول : حسّيت بالخبر بتشديد السين. وقوله : فهنّ شوس ، والشوس : جمع أشوس ، وهو الوصف من الشّوس ، وهو النظر بمؤخر العين.
والشاهد : خلا أنّ العتاق : حيث قدم المستثنى في أول الكلام ، وهو من شواهد الكوفيين على ذلك ، وقال الأعشى :
خلا الله لا أرجو سواك وإنّما |
|
أعدّ عيالي شعبة من عيالكا |
[الخصائص / ٢ / ٤٣٨ ، والإنصاف / ٢٧٣ ، وشرح المفصل / ١٠ / ١٥٤ ، واللسان «حسس ـ حسا»].
(٢) اضرب عنك الهموم طارقها |
|
ضربك بالسّوط قونس الفرس |
لطرفة بن العبد ، وطارقها : من طرق يطرق إذا أتى ليلا. وقونس الفرس ، بفتح القاف والنون : هو العظم الناتىء بين أذني الفرس.
والشاهد : اضرب عنك ، يروى الفعل بفتح الباء ، وأصله : اضربن عنك ، بنون توكيد خفيفة ساكنة ، ثم حذف الشاعر نون التوكيد وهو ينويها ، ولذلك أبقى الفعل على ما كان عليه وهو مقرون بها ؛ لتكون هذه الفتحة مشيرة إلى النون المحذوفة ، وهذا شاذ ؛ لأن نون التوكيد الخفيفة إنما تحذف إذا وليها ساكن كقول الشاعر :
لا تهين الفقير علّك أن تركع |
|
يوما والدهر قد رفعه |
أصله (لا تهينن الفقير) ومثل بيت الشاهد قول الشاعر :
خلافا لقولي من فيالة رأيه |
|
كما قيل قبل اليوم خالف تذكرا |
فقال «خالف» بفتح آخره ، وهو فعل أمر ، وأصله «خالفن» بنون التوكيد الخفيفة. [الخصائص / ١ / ١٢٦ ، والإنصاف / ٥٦٨ ، وشرح المفصل / ٩ / ٤٤ ، وشرح أبيات المغني / ٧ / ٣٥٨ ، والهمع / ٢ / ٧٩ ، والأشموني / ٣ / ٢٢٨].
(٣) وبدّلت قرحا داميا بعد صحة |
|
لعلّ منايانا تحوّلن أبؤسا |
البيت لامرىء القيس من قصيدة يذكر فيها ما أصابه من مرض بعد عودته من عند قيصر الروم وقد استعداه على بني قومه بني أسد ـ قبّحه الله ـ وأظن أن قصته مع بنت القيصر موضوعة.
والقرح ، بالضم والفتح : الجرح. وأبؤس : جمع بؤس ، وهو الشدة. والفعل «تحول» من أخوات «صار».
والشاهد : أنه يجوز أن يكون خبر «لعل» فعلا ماضيا. ويرى الحريري في «درة الغواص» أنّ «لعلّ» لتوقّع الرجاء ، ولا يكون خبرها ماضيا ؛ لأن فيه مناقضة. والبيت ينقض كلام الحريري ، وجاء في الحديث «وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر ، فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم». والحديث في البخاري ،. فيه أنّ «لعلّ» بمعنى «ظنّ». [شرح أبيات المغني / ٥ / ١٧٧].
(٤) فلم أر مثل الحيّ حيّا مصبّحا |
|
ولا مثلنا يوم التقينا فوارسا |
أكرّ وأحمى للحقيقة منهم |
|
وأضرب منّا بالسيوف القوانسا |
من قصيدة للعباس بن مرداس الصحابي ، قالها في الجاهلية ، وهي في الحماسة ، وتعدّ قصيدته إحدى «المنصفات» ؛ لأنه اعترف لأعدائه بالصبر على المكاره في الحرب ، يقول : فلم أر مغارا عليه كالذين صبّحناهم ، ولا مغيرا مثلنا يوم لقيناهم ، و. نتصب «حيّا مصبّحا» على التمييز ، وكذلك «فوارسا» ويجوز أن يكونا في موضع الحال.
وقوله : أكرّ : من الكرّ ، وهو الصولة على الأعداء. والحقيقة : ما يحقّ عليه حفظه من
الأهل والأولاد والجار ، والمصراع الأول : ينصرف إلى أعدائه ، والثاني إلى عشيرته. والقوانس : أعلى البيضة. وانتصب «القوانس» من فعل دلّ عليه قوله : «وأضرب منا» ، ولا يجوز أن يكون انتصابه عن «أضرب» ؛ لأن أفعل الذي يتمّ بـ (من) لا يعمل إلا في النكرات ، كقولك «هو أحسن منك وجها» ، وأفعل هذا يجري مجرى فعل التعجب ، ولذلك يعدى إلى المفعول الثاني باللام ، فنقول : ما أضرب زيدا لعمرو. [شرح أبيات المغني / ٧ / ٢٩٢].
(٥) هذي برزت لنا فهجت رسيسا |
|
ثمّ انصرفت وما شفيت نسيسا |
مطلع قصيدة للمتنبي ، مدح بها محمد بن زريق الطوسي. والرسيسا : ما رسّ في القلب من الهوى ، أي : ثبت. والنسيس : بقية النفس بعد المرض والهزال ، يقول : برزت لنا ، فحركت ما كان في قلبنا من هواك ثم انصرفت ولم تشف بقايا نفوسنا التي أبقيت لنا بالوصال.
والشاهد : «هذي». قال ابن جني : يا هذه ، ناداها ، وحذف حرف النداء ضرورة. وقال المعري : «هذي» موضوعة موضع المصدر ، إشارة إلى البرزة الواحدة ، كأنه يقول : هذه البرزة برزت لنا ، كأنه يستحسن تلك البرزة الواحدة.
(٦) قد أصبحت بقرقرى كوانسا |
|
فلا تلمه أن ينام البائسا |
هذا رجز. رواه سيبويه ، ولم ينسبه. وقرقرى : موضع. وقوله : كوانسا : جمع كانس ، وكنس الظبي : أوى إلى كناسه ، أي : بيته ، وقد استعاره للإبل ، وصف إبلا بركت بعد الشبع فنام راعيها ؛ لأنه غير محتاج إلى رعيها.
والشاهد : البائسا. قال الكسائي : يجوز أن يوصف الضمير للترحم عليه ، والتوجع له. فالبائس : صفة لضمير المفعول به وهو الهاء في «لا تلمه». وعند سيبويه يجوز أن يكون بدلا من الهاء ، وأن يكون منصوبا بعامل محذوف على الترحم. [شرح أبيات المغني / ٦ / ٣٥١ ، وسيبويه / ١ / ٢٥٥ ، والهمع / ١ / ٦٦].
(٧) إنّ سلمى من بعد يأسي همّت |
|
بوصال لو صحّ لم تبق لي بوسا |
عيّنت ليلة فما زلت حتى |
|
نصفها راجيا فعدت يؤوسا |
لم يعرف للبيتين قائل.
والشاهد : في البيت الثاني قوله : حتى نصفها ، حيث اشترطوا في مجرور «حتى» أن يكون آخر جزء فيما قبلها ، كقولهم : (أكلت السمكة حتى رأسها) ، أو ملاقي آخر جزء ، كقوله
تعالى : (سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) [القدر : ٥]. والبيت الثاني في قوله «حتى نصفها» ينقض هذا الشرط ، ويرون أنه إذا لم يكن ما بعد حتى جزءا ـ كما في المثال ـ نستخدم مكانها «إلى» ؛ لأنها تدخل على كل ما جعلته انتهاء الغاية. [شرح أبيات المغني / ٣ / ٩٤ ، والهمع / ٢ / ٣٢].
(٨) أقمنا بها يوما ويوما وثالثا |
|
ويوما له يوم التّرحّل خامس |
البيت لأبي نواس الحسن بن هانىء ، وبعده قوله :
تدار علينا الراح في عسجديّة |
|
حبتها بأنواع التصاوير فارس |
قرارتها كسرى وفي جنباتها |
|
مها تدرّيها بالقسيّ الفوارس |
والعسجدية : الكأس المصنوعة من العسجد ، وهو الذهب. يصف الكأس التي شرب فيها ما ذكره ، وأنها مزينة بالصور.
والشاهد في البيت : أن الواو قد عطف ما حقه الجمع ، فيقال : أقمنا أياما. [شرح أبيات المغني / ٦ / ٨٣].
(٩) آليت حبّ العراق الدهر أطعمه |
|
والحبّ يأكله في القرية السوس |
البيت للشاعر المتلمس (جرير بن عبد المسيح) ، يخاطب عمرو بن هند ملك الحيرة ، وكان الشاعر قد هجاه ، مع ابن أخته طرفة في القصة المشهورة التي قتل فيها طرفة ، ونجا المتلمس ، وهرب إلى الشام ، ثم كلموا عمرو بن هند في رجوع المتلمس فحلف ألا يذوق حبّ العراق ما عاش عمرو بن هند ، فقال يذكره ، ويقول له : إن بالشام في الحبّ ما يغني عن حبّ العراق بدليل ما بعده.
وقوله : أطعمه : آكله ، و «لا» النافية مقدرة كقوله تعالى : (تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ) [يوسف : ٨٥] ، أي : لا تفتأ وأراد بالقرية : الشام.
والشاهد : أن سيبويه جعل انتصاب «حبّ» في الشطر الأول على نزع الخافض وهو «على» ، وخولف سيبويه في ذلك ، وقالوا : إنما معناه : آليت أطعم حبّ العراق ، أي : لا أطعم ، فهو من باب الاشتغال ، فلفظ «حبّ» منصوب بإضمار فعل. [سيبويه / ١ / ١٧ ، والأشموني / ٢ / ٩٠ ، وشرح أبيات المغني / ٢ / ٢٥٩].
(١٠) وأسلمني الزّمان كذا |
|
فلا طرب ولا أنس |
لم يعرف قائله. وذكره ابن هشام في «المغني» على أن «كذا» مركبة من الكاف و «ذا» وبهذا لا تكون هنا كناية عن شيء. وقال غيره : هي هنا كناية عن حال نكرة ، والمعنى : خذلني الزمان حال كوني منفردا ، وهو الأقرب ؛ لأنه ليس في الكلام مشبه ، ولا يعرف البيت الذي قبله حتى يعرف المشبه. [شرح أبيات المغني / ٤ / ١٦٧].
(١١) وابن اللّبون إذا ما لزّ في قرن |
|
لم يستطع صولة البزل القناعيس |
البيت لجرير. وابن اللبون : ولد الناقة إذا استكمل السنة الثانية ، سمّي بذلك ، لأن أمه ولدت غيره ، فصار لها لبن. واللبون : الناقة والشاة ذات اللبن. وقوله : لزّ ، مبني للمجهول ، أي : شدّ. ولزّ الشيء بالشيء إذا قرن به لزّا. والقرن ، بفتحتين : الحبل الذي يشدّ به البعيران ، فيقرنان معا. والصولة : الحملة. والبزل : جمع بازل ، وهو البعير الذي دخل في السنة التاسعة. والقناعيس : جمع قنعاس بالكسر ، وهو الجمل العظيم الجسم ، الشديد القوة. وهذا البيت ضربه الشاعر مثلا لمن يعارضه ويهاجيه ، يقول : من رام إدراكي كان بمنزلة ابن اللبون إذا قرن في قرن مع البازل القنعاس ، إن صال عليه لم يقدر على دفع صولته ومقاومته.
والشاهد : أن ابن لبون نكرة ، فعرّف باللام. [ديوان جرير / ١٢٨ ، وسيبويه / ١ / ٢٦٥ ، وشرح المفصل / ١ / ٣٥ ، واللسان «لزز»].
(١٢) أزمعت يأسا مبينا من نوالكم |
|
ولن ترى طاردا للحرّ كالياس |
البيت للحطيئة من قصيدة يهجو بها الزبرقان بن بدر الصحابي ، ومنها البيت المشهور :
دع المكارم لا ترحل لبغيتها |
|
واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي |
وهي القصيدة التي سجن من أجلها الحطيئة زمن عمر بن الخطاب.
وقوله : أزمعت ، نقول : أزمعت الأمر ، وأزمعت عليه : أجمعت.
والشاهد : أن «من نوالكم» متعلقان بفعل محذوف تقديره «يئست من نوالكم» لا بالمصدر «يأسا» ؛ لأنه لا يعمل بعد الوصف ، ولكن هذا المانع مانع صناعي نحوي وليس
معنويا ، فالمعنى لا يأبى تعلقه بـ «يأسا». [الخصائص / ٣ / ٢٥٨ ، والهمع / ٢ / ٩٣ ، وشرح أبيات المغني / ٧ / ٢٣٦].
(١٣) أعلاقة أمّ الوليّد بعد ما |
|
أفنان رأسك كالثّغام المخلس |
البيت للمرار الفقعسي. والعلاقة : مصدر علق الرجل المرأة من باب فرح ، إذا أحبها. والعلاقة : الحب ، وتكون أيضا في الأمور المعنوية وهي بالفتح. والعلاقة بالكسر : علاقة السيف ونحوه من الأمور الحسّية. والوليّد : بالتصغير. والأفنان : أراد بها ذوائب شعره على سبيل الاستعارة. والثغام : نبات ترعاه الإبل ، إذا جفّ ابيضّ ، ويشبه به الشيب.
والبيت شاهد أنّ «ما» كافة لـ «بعد» عن الإضافة. وقيل : (ما) مصدرية ، والجملة بعدها في تأويل مصدر ، وما بعدها مضاف إلى (بعد). والمخلس : الذي خالطه السواد.
وفيه شاهد آخر : وهو إعمال المصدر «علاقة» عمل الفعل ونصب أم الوليد بـ (علاقة). [شرح أبيات المغني / ٥ / ٢٦٩ ، وسيبويه / ١ / ٦٠ ، وشرح المفصل / ٨ / ١٣١].
(١٤) عددت قومي كعديد الطّيس |
|
إذ ذهب القوم الكرام ليسي |
البيت منسوب إلى رؤبة بن العجاج. ويروى الشطر الأول : «عهدي بقومي كعديد الطيس» ، وهو الأقوم. والعديد : كالعدد. والطيس : كل خلق كثير النسل نحو النمل والذباب. وقيل : الكثير من الرمل.
وقوله : كعديد ، التقدير : عددتهم عدا كعديد ، جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لموصوف محذوف. وفي البيت شاهدان في «ليسي» :
الأول : أتى بخبر ليس ضميرا متصلا ، ولا يجوز عند جمهرة النحاة أن يكون إلا منفصلا ، فكان عليه القول : ليس إياي.
والثاني : حذف نون الوقاية من «ليس» مع اتصالها بياء المتكلم ، وذلك شاذ عند الجمهور الذين ذهبوا إلى أن «ليس» فعل. [شرح المفصل / ٣ / ١٠٨ ، وشرح أبيات المغني / ٤ / ٨٥ ، والهمع / ١ / ٦٤].
(١٥) فأين إلى أين النجاة ببغلتي |
|
أتاك أتاك اللّاحقون احبس احبس |
ليس له قائل معروف ، وهو شاهد على التوكيد اللفظي بتكرار أين ، وأتاك ، واحبس. [الخزانة / ٥ / ١٥٨ ، والهمع / ٢ / ١١١ ، والأشموني / ٢ / ٩٨].
(١٦) أطريفة بن العبد إنك جاهل |
|
أبساحة الملك الهمام تمرّس |
ألق الصحيفة لا أبالك إنه |
|
يخشى عليك من الحباء النّقرس |
الشعر للمتلمس يخاطب طرفة بن العبد ، ويطلب منه أن يمزق الصحيفة التي أوهمه ملك الحيرة أنه كتب له فيها عطاء يأخذه من والي البحرين ، فكان فيها الموت. وتمرس : تحكك. والحباء : العطاء. والنقرس هنا : المكر والداهية.
وقوله : النقرس بالرفع : معناه العالم ، ورفع النقرس ، أراد : أنا العالم. يقال : رجل نقريس نطّيس. وقوله : لا أبالك : كلام جرى مجرى المثل ، فإنك لا تنفي أباه في الحقيقة وإنما تخرجه مخرج الدعاء ، أي : أنت عندي ممن يستحق أن يدعى عليه بفقد أبيه ، فهو خبر في اللفظ دعاء في المعنى ، وهو كلام جرى مجرى المثل. [شرح أبيات المغني ج ٢ / ٢٦٦].
(١٧) أبا حسن ما زرتكم مذ سنيّة |
|
من الدّهر إلا والزّجاجة تقلس |
كريم إلى جنب الخوان وزوره |
|
يحيّا بأهلا مرحبا ثم يجلس |
رواها ابن منظور عن أبي الجراح يقولها في أبي الحسن الكسائي. وقلس الإناء يقلس : إذا فاض ، وقلست الكأس : إذا قذفت بالشراب لشدة الامتلاء.
والشاهد : مذ سنيّة. رواها صاحب «الجمل» في النحو ، «سنيّة» بالرفع ؛ لأنّ الاسم بعد «مذ» يرفع إذا دلّ على الزمن الماضي. وفي «اللسان» جاءت مجرورة.
قلت : لم أعرف من أبو الجرّاح قائل البيتين ، ويكثر ذكر «أبو الجراح العقيلي» و «أبو الجرّاح الأنفي» بين رواة الشعر. ويظهر من البيت الأول أنه يرمي الكسائي بشرب الخمر ، فإن صحّ ما ظننته في تفسير البيت ، فإن الشاعر كاذب ؛ لأن الكسائي أبا الحسن النحوي المقرىء رجل موثوق ، ولا يتهم بشرب الخمر ، وإنما وصمه بذلك حاسدوه ؛ لمكانته من الرشيد ، كما شوّه صورته البصريون بسبب قصته المزعومة مع سيبويه في المسألة الزنبوريّة ، ولو كان قد ابتلي بشيء مما ذكروا ما أظهره لجلّاسه وضيوفه ، وكيف يظهر للناس شاربا الخمر وهو يجلس في المسجد يقرىء الناس القرآن. اه.
(١٨) لقد رأيت عجبا مذ أمسا |
|
عجائزا مثل السعالي خمسا |
يأكلن ما في رحلهن همسا |
|
لا ترك الله لهنّ ضرسا |
ولا لقين الدّهر إلا تعسا
يقول : إنه رأى عجبا في اليوم الذي قبل يومه ، وقد بيّن هذا العجب بأنه خمس نساء عجائز يشبهن الغيلان ، ويأكلن ما في رحالهن من الطعام أكلا خفيّا ، ثم دعا عليهن بأن يقلع الله جميع أضراسهن. لقد : اللام واقعة في جواب قسم محذوف ، والتقدير : والله لقد رأيت. وعجبا : أصله رأيت شيئا عجبا ، حذف الموصوف وأقيم الوصف مكانه ، وأخذ إعرابه. و «مذ» حرف جر ، (أمس) مجرور علامة جره الفتحة ؛ لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والعدل عن الأمس ، عجائزا : بدل من «عجبا» وصرفه للضرورة ، و «خمسا» بدل من «عجائزا» أو صفة له ، وهمسا : مفعول مطلق ، وأصله صفة لمصدر محذوف (أكلا همسا).
والشاهد : «مذ» فإنها جاءت مفتوحة بدليل قوافي بقية الأبيات ، مع أنها مسبوقة بحرف الجر «مذ» ، فدل ذلك أن هذه الكلمة تعرب بالفتحة نيابة عن الكسرة عند جماعة من العرب ، وقد جاءت مرفوعة أيضا في شاهد آخر وهو :
اعتصم بالرجاء إن عنّ بأس |
|
وتناس الذي تضمن أمس |
أمس : فاعل مرفوع بالضمة. [سيبويه / ٢ / ٤٤ ، والشذور / ٩٩ ، والهمع / ١ / ٢٠٩].
(١٩) منع البقاء تقلّب الشمس |
|
وطلوعها من حيث لا تمسي |
وطلوعها حمراء صافية |
|
وغروبها صفراء كالورس |
اليوم أعلم ما يجيء به |
|
ومضى بفصل قضائه أمس |
هذه الأبيات ، لتبّع بن الأقرن ، أو لأسقف نجران ، وقوله : بفصل قضائه ، أراد بقضائه الفاصل ، أي : القاطع ، فالمصدر بمعنى اسم الفاعل ، وإضافته لما بعده من إضافة الصفة إلى الموصوف ، يقول : إن الخلود في هذه الدنيا ممتنع والدليل ، ما نشاهده من تقلبات الأحوال التي نراها في الشمس ، ومنه أن ما حدث بالأمس منّي ومن غيري لا يمكن لي أن أرده ؛ لأنه قد ذهب وانقطع ، ومن لا حيلة له كيف يأمل الخلود.
والشاهد : قوله «أمس» فإن هذه الكلمة قد وردت مكسورة الآخر بدليل قوافي الأبيات ، وهو فاعل لـ (مضى) ، ومن هنا نعلم أن الكلمة مبنية على الكسر في محل رفع ، وبناء
«أمس» على الكسر ، هو لغة أهل الحجاز. وهم يبنون «أمس» على الكسر إذا أريد به معينا ، ولم يضف ولم يعرف بأل ولم يصغر فإن فقد شرطا أعربوه ، ومعنى قولهم «معيّنا» أي : اليوم الذي قبل يومك. [الشذور / ٩٨ ، والهمع / ١ / ٢٠٩ ، والعيني / ٤ / ٣٧٣].
(٢٠) يا صاح يا ذا الضامر العنس |
|
والرّحل ذي الأنساع والحلس |
هذا الشاهد من كلام ابن لوذان السدوسي ، هكذا نسبه سيبويه. وفي الأغاني (١٥ / ١٢ / بولاق) أنه من كلام خالد بن المهاجر بن خالد بن الوليد. والعنس : أصله الناقة الشديدة. والأنساع : جمع نسع ، وهو سير يربط به الرحل. والحلس : كساء يوضع على ظهر البعير تحت الرحل. يا صاح : منادى مرخم ، وأصله : يا صاحبي. والضامر : نعت لـ (ذا) المنادى ، إما مرفوع تبعا للفظه المقدر. أو منصوب تبعا لمحله. والعنس : مضاف إليه.
الشاهد : يا ذا الضامر العنس ، فإن «ذا» منادى مبني ، والضامر العنس : نعت مقترن بأل ومضاف ، وقد روي برفع هذا النعت ونصبه ، فدلّ مجموع الروايتين على أن نعت المنادى إذا كان كذلك جاز فيه وجهان. [سيبويه / ١ / ٣٠٦ ، وشرح المفصل / ٢ / ٨ ، والخصائص / ٣ / ٣٠٢].
(٢١) يا مرو إنّ مطيّتي محبوسة |
|
ترجو الحباء وربّها لم ييأس |
البيت للفرزدق ، ومرو : مروان.
والشاهد : يا مرو : أصله يا مروان حيث رخّمه بحذف آخره وهو النون ، ثم أعقب هذا الحذف حذفا آخر ، فحذف الحرف الذي قبل النون ، وهو الألف لكونه حرفا ساكنا زائدا معتلا وقبله ثلاثة أحرف ، ومروان : هو مروان بن الحكم. [سيبويه / ١ / ٣٣٧ ، وشرح التصريح / ٢ / ١٨٦ ، والأشموني / ٣ / ١٧٨ ، والخزانة / ٦ / ٣٤٦].
(٢٢) مرّت بنا أوّل من أموس |
|
تميس فينا ميسة العروس |
البيت غير منسوب ، وقوله : أول : ظرف منصوب وأصل الكلام : مرّت بنا وقتا أول.
والشاهد : «أموس» فإنه جمع أمس ، وهو معرب ، لأنه مجرور بالكسرة ، والجمع من خصائص الأسماء ، وخصائص الأسماء علة قادحة في البناء إذا وجدت منعت منه.
والخلاصة : أن أمس : إذا أريد به يوم من الأيام الماضية ، أعرب نحو «فعلت ذلك
أمسا» ، أي في يوم ما من الأيام الماضية ، وكذلك في الجمع كما في الشاهد ، وكذلك إذا أضيف نحو «ما كان أطيب أمسنا». [شرح شذور الذهب / ١٠٠ ، والدرر / ١ / ١٧٦ ، والهمع / ١ / ٢٠٩ ، واللسان «أمس»].
(٢٣) وبلدة ليس بها أنيس |
|
إلّا اليعافير وإلّا العيس |
هذا الرجز لعامر بن الحارث (جران العود) ورواية الجزء الأول في ديوانه «بسابسا ليس به أنيس» ، والضمير يعود إلى المنزل ، وبلدة : الواو : واو ربّ ، بلدة : مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة. وجملة (ليس بها أنيس) صفة لبلدة ، والخبر محذوف تقديره «سكنتها». إلا : أداة استثناء. واليعافير : بدل من أنيس.
والشاهد : إلا اليعافير ، وإلا العيس ، حيث رفع اليعافير والعيس على أنهما بدلان من قوله «أنيس» ، مع أنهما ليسا من جنس الأنيس ، أي : الذي يؤنس به ، وجاز ذلك على التوسع في معنى «أنيس» ، فكأنه قال : ليس بها شيء إلا اليعافير. واليعافير : جمع يعفور : وهو الظبي الأعفر ، أي : الذي لونه لون التراب. والعيس : الإبل. [الشذور / ٢٦٥ ، وشرح التصريح / ١ / ٣٥٣ ، والدرر / ١ / ١٩٢ ، وسيبويه / ١ / ١٣٣].
(٢٤) ومرّة يحميهم إذا ما تبدّدوا |
|
ويطعنهم شزرا فأبرحت فارسا |
يمدح مرّة ، بأنه إذا تبددت الخيل ، ردّها وحماها ، والطعن الشزر هو ما كان في جانب ، وكان أشدّ لأن مقاتل الإنسان في جانبيه. وأبرحت : تبيّن فضلك ، كما يتبين البراح من الأرض ، والبيت لعباس بن مرداس.
والشاهد : نصب «فارسا» على التمييز للنوع الذي أوجب له فيه المدح ، وهو مثل ويحه رجلا ، ولله درّه فارسا ، وحسبك به رجلا. [سيبويه / ١ / ٢٩٩ ، والدرر / ٢ / ١١٩ ، والهمع / ٢ / ٩٠ ، والأصمعيات / ٢٠٦].
(٢٥) أقاتل حتى لا أرى لي مقاتلا |
|
وأنجو إذا لم ينج إلا المكيّس |
البيت لزيد الخير (الخيل) ، وقوله «مقاتلا» أي : قتالا ، والمعنى : أقاتل حتى لا أرى موضعا للقتال لغلبة العدو وظهوره ، أو لتزاحم الأقران وضيق المعترك عند القتال. والمكيّس : المعروف بالكيس ، وهو العقل والتوقد.
والشاهد : في «مقاتلا» أنها مصدر ميمي ، أو اسم مكان للقتال ، وكلاهما يجيء في وزن واحد. [سيبويه / ٢ / ٢٥٠ ، وشرح المفصل / ٦ / ٥٠ ، والخصائص / ١ / ٣٦٧].
(٢٦) هنيئا لأرباب البيوت بيوتهم |
|
وللعزب المسكين ما يتلمّس |
لأبي الغطريف الهدادي ، ويعني بأرباب البيوت ، ذوي الزوجات. والعزب : الذي لا زوج له ، والأنثى عزبة وعزب أيضا.
والشاهد : هنيئا ، ويعرب حالا ، والتقدير : ثبت لك الخير هنيئا ، ويحذف عامل الحال هنا سماعا. وبيوتهم : فاعل هنيئا ؛ لأنه صفة مشتقة ، ومثله «مريئا» تقول : هذا شيء هنيء مريء ، فهما ليسا بمصدرين ، ولكنهما أجريا مجرى المصادر التي يحذف فعلها للدعاء. [سيبويه / ١ / ١٦٠ ، والدرر / ١ / ٧ ، والهمع / ١ / ١١٢ ، ورواية الشطر الثاني «وللآكلين التمر مخمس مخمسا»].
(٢٧) إذا شقّ برد شق بالبرد مثله |
|
دواليك حتى ليس للبرد لابس |
البيت للشاعر سحيم عبد بني الحسحاس ، وكان العرب يزعمون أن المتحابين إذا شق كل واحد منهما ثوب صاحبه دامت المودة بينهما ، وفي البيت إقواء لأنه من أبيات مكسورة الروي ، وروي (حتى كلنا غير لابس) وعلى هذه فلا إقواء.
والشاهد : دواليك ، مصدر مثنى منتصب على إضمار الفعل المتروك إظهاره. ويعرب مفعولا مطلقا. إلا أن سيبويه يرى إمكان وقوع «دواليك» في هذا البيت حالا ، والكاف للخطاب ، لا يتعرف بها ما قبلها ، فلذا صح وقوعه حالا ، وثني لأن المداولة من اثنين. [سيبويه / ١ / ١٧٥ ، وشرح المفصل / ١ / ١١٩ / والخزانة / ٢ / ٩٩].
(٢٨) لله يبقى على الأيام ذو حيد |
|
بمشخرّ به الظيّان والآس |
البيت للشاعر أمية بن أبي عائذ ، شاعر إسلامي مخضرم.
قوله : لله : اللام ، للقسم والتعجب ، ويبقى : لا يبقى ، حذف حرف النفي بعد القسم.
وقوله : حيد : يروى بفتح الأول والثاني ، مصدر بمنزلة العوج والأود ، وهو اعوجاج يكون في قرن الوعل. ويروى بكسر الأول : جمع حيدة على وزن حيضة ، وهي العقدة في قرن الوعل. والمشمخرّ : الجبل العالي. والباء : بمعنى في. والظيّان ، ياسمين البرّ.
والآس : الريحان ، وإنما ذكرهما إشارة إلى أن الوعل في خصب ، فلا يحتاج إلى أن ينزل إلى السهل فيصاد.
والشاهد : (لله) دخول اللام على لفظ الجلالة في القسم بمعنى التعجب ، ولا تكون اللام للقسم إلا إذا كانت دالة على معنى التعجب.
ويروى البيت (يا ميّ لا يعجز الأيام ذو حيد) ، ولا شاهد فيه. [شرح أبيات المغني ج ٤ / ٢٩٩ ، وسيبويه / ٢ / ١٤٤ ، وشرح المفصل / ٩ / ٩٨ ، والهمع / ٢ / ٣٢].
(٢٩) يا ميّ إن تفقدي قوما ولدتهم |
|
أو تخلسيهم فإن الدّهر خلّاس |
عمرو وعبد مناف والذي عهدت |
|
ببطن عرعر آبي الضّيم عبّاس |
البيتان لأميّة بن أبي عائذ ، وقيل لغيره ، والشاعر يقول هذا لامرأته وقد فقدت أولادها فبكت. وتخلسيهم : مبني للمجهول ، أي : يؤخذون منك بغتة ، فإنّ الدهر من دأبه أن يؤخذ فيه الشيء بغتة وفجأة. وعمرو : هو هاشم بن عبد مناف. وقوله : والذي عهدت : التفات من الخطاب إلى الغيبة. وعرعر : اسم مكان ، ويروى : ببطن مكة. وعباس : هو ابن عبد المطلب ، وبين هذيل وقريش قرابة في النسب والدار ؛ لأنهم كلهم من ولد مدركة ابن الياس.
والشاهد : قطع عمرو ، وما بعده مما قبله ورفعه على الابتداء ، ولو نصب على البدل من «قوما» لجاز. [سيبويه / ٢ / ٢٥ ، والخزانة / ٥ / ١٧٤] ، ويروى البيتان لمالك بن خالد الخناعي ، أو الفضل بن العباس ، أو أبي ذؤيب الهذلي.
(٣٠) تالله لا يعجز الأيام مبترك |
|
في حومة الموت رزّام وفرّاس |
يحمي الصريمة أحدان الرجال له |
|
صيد ومجترىء بالليل همّاس |
لأمية بن أبي عائذ ، أو لغيره ، والأيام هنا : الموت. والمبترك : الأسد. والرزّام : المصوّت ، وإذا برك الأسد على فريسته رزم. وفرّاس : يدقّ ما يصيبه ، أي : يدقّ عنقه.
والصريمة : رملة فيها شجر. وحماها : منع الناس دخولها من خوفه. أحدان الرجال : الذين يقول أحدهم : أنا الذي لا نظير له في الشجاعة. يقول : إن هذا الأسد يصيد هؤلاء الذين يدلّون بالشجاعة ، وهو مع ذلك لا ينجو من الموت. وأحدان : جمع أحد بمعنى واحد ، وأحدان : بالنصب ، مفعول ثان ليحمي ، أي : يحمي الصريمة من أحدان الرجال